logo

logo

logo

logo

logo

إشبيلية

اشبيليه

Seville - Séville

إشبيلية

 

إشبيلية (Sevilla) Seville هي عاصمة مقاطعة إشبيلية في إقليم الأندلس من إسبانية اليوم وتأتي في المرتبة الرابعة بين المدن الإسبانية بعد مدريد وبرشلونة وفالنسية (بلنسية).

وهي المرفأ النهري الداخلي الوحيد في إسبانية، وقد بلغ عدد سكانها 697.487 نسمة في عام 1996. وإشبيلية مدينة جميلة جداً، مستديرة الشكل، ومعظم منازلها مطلي باللون الأبيض.

الموقع

تقع مدينة إشبيلية على ضفتي نهر الوادي الكبير (أغلبها على الضفة اليسرى) في جنوبي إسبانية عند تقاطع خط العرض 37ْ درجة و24َ دقيقة شمالاً مع خط الطول 5ْ درجة و59َ دقيقة غرباً. وتبعد عن المحيط الأطلسي 86كم ولا يزيد ارتفاعها عن سطح البحر على 10م، ومجرى النهر عندها بطيء ضعيف التيار, ويصل إليها مد البحر وتتأثر به ملاحتها، وتصل إليها السفن حتى الكبيرة منها، مناخها متوسطي جاف دافئ، وتتوسط منطقة زراعية خصبة عند اتصال السهل اللحقي لاس ماريسماس Las Marismas بالمرتفعات الداخلية، وهي مواتية لزراعة محصولات كثيرة متنوعة مثل الحمضيات والأرز وقصب السكر والموز والخضر والكرمة والقطن والتبغ والزيتون والشوندر. ويربى في أنحائها الأبقار وثيران المصارعة والخيول، وفي جوارها مناجم للحديد والفحم والرصاص والمنغنيز.

نشأة المدينة وتاريخها

يجمع المؤرخون على أن منطقة إشبيلية كانت مأهولة منذ العصر الحجري القديم (الباليوليتيك)، وقد تطورت تطوراً كبيراً في العصر الحجري الحديث (النيوليتيك).

أنشأها الفينيقيون (القرطاجيون) في موقع اسمه إطالقة Italica  على مسافة 8كم إلى الشمال الغربي من موقعها الحالي وأسموها «إشفيلا» (إش+ شفيلا) ومعناها الأرض المنبسطة. وقد صحّف الإيبريون الاسم إلى هيسباليس Hispalis وبه عرفت في العهد الروماني، وسماها العرب إشبيلية، أما اسمها الإسباني اليوم فهو «سِفيليا» Sevilla.

فتحها يوليوس قيصر عام 45 ق.م وازدهرت في عهد خلفائه، ثم أصبحت عاصمة لمملكة الفاندال عام 411م، ثم مقراً لملوك القوط الغربيين بين عامي 441 و567م. وكانت من أهم مراكز المسيحية الأولى في إسبانية قبل دخول العرب المسلمين.

إشبيلية في أيام الأندلس العربية: فتح العرب المسلمون إشبيلية سنة 94هـ/ 713م على يد موسى بن نصير بعد حصار دام عدة شهور.

استوطن فيها وساد ريفها طائفة من العرب الفاتحين عرفوا بالبلديين تمييزاً لهم من موجة جيش الشام التي وزعت على الكور الأندلسية الجنوبية سنة 125هـ، وكان نصيب إشبيلية منها جند حمص، مما جعل اسم هذه المدينة الشامية عَلَماً عليها إذ دعيت حمص الأندلس، وكانت غالبية هؤلاء العرب من القبائل اليمنية. يذكرها ياقوت فيقول: «وليس بالأندلس اليوم أعظم منها تسمى حمص أيضاً. وبها قاعدة ملك الأندلس وسريره».

ولما دخل عبد الرحمن الداخل الأندلس معتمداً على دعم اليمانية كانت إشبيلية قاعدته التي أتم فيها حشد أنصاره، وفيها أيضاً عُقِد لواؤه، ثم واجه الفهري عندها قبيل معركة المصارة الفاصلة بجوار قرطبة في 10 ذي الحجة 138هـ/ 16 أيار 756م. وقد اصطدم عبد الرحمن الداخل بعد توطيد حكمه باليمانية حلفاء الأمس، فتعددت ثوراتهم في جنوب غربي الأندلس لكن عبد الرحمن استطاع هزيمتهم.

القصر Alcazar: قاعة السفراء

أذعنت إشبيلية بعد ذلك لطاعة الأمراء الأمويين حتى آخر عصر الإمارة، ولم يعكر صفو السلام بها إلا غزو الفيكينغ أو المجوس أو النورمان بحسب التسمية العربية في أواسط عصر الإمارة. فقد دخلتها قوة منهم عن طريق النهر في 14 محرم 230هـ/ تشرين الأول 844م وأعملوا بأهلها قتلاً وبممتلكاتها تخريباً وسلباً طوال سبعة أيام أو ثلاثة عشر يوماً، ثم غادروها إلى الجنوب لتفريغ غنائمهم. ولما أعادوا الكرة عليها بعد أكثر من شهر وجدوا العرب المسلمين مستعدين لهم فصدوا هجومهم عبر نهرها وأسروا لهم أربعة مراكب ثم خاضوا معهم المعركة الفاصلة في 25 صفر/ 11 تشرين الثاني بضاحيتها طلياطة (تَبْلَدَة)، حيث أحرقوا لهم ثلاثين مركباً وقتلوا منهم وأسروا عدداً كبيراً.

غرقت الأندلس في حمأة حرب أهلية بين المولَّدين والعرب زمن الأمير عبد الله بن محمد (275-300هـ/ 888-912م) في أخريات أيام عصر الإمارة الأموية، وكانت إشبيلية واحدة من المدن التي ثارت وانفصلت عن سلطة قرطبة انفصالاً واقعياً يستره ولاء ظاهري كان يبديه المتغلبون عليها من المولدين أو ممن ظفر بهؤلاء بعدئذ من الأسر العربية، إلى أن تمكن الأمير الأموي الجديد عبد الرحمن الثالث (الناصر) الذي خلف جده عبد الله في الإمارة (300-350هـ/ 912-961م) من القضاء على عصيان إشبيلية (جمادى الأولى 301هـ/ كانون الأول 913م) وفرض سيطرته عليها وإعادة وحدة الأندلس، في ظل حكمه الذي حوّله إلى خلافة أموية جديدة عاصمتها قرطبة.

ظلت إشبيلية إحدى ولايات الخلافة الأموية طوال قرن كامل، ثم فسح سقوط هذه الخلافة في المجال لقيام دولة بني عباد[ر]، مع ظهور القاضي محمد بن عباد على مسرح الأحداث فيها سنة 414هـ/ 1023م. وقد وفرت موارد إشبيلية الغنية لهذه الدولة كل مقومات الحياة إدارياً وعسكرياً وعمرانياً فأصبحت كبرى دول الطوائف، في حين تراجعت قرطبة عن المركز الأول بين مدن الأندلس، واحتلت إشبيلية هذا المركز بحكامها من بني عباد اللخميين، والسبب أن طريق التجارة الرئيسي صار يمر بها بعد أن دهمت قرطبة الكوارث المتتالية، وفقدت مكانتها عاصمة للدولة. ولما ضعفت دول الطوائف واشتدت موجة دعوة المرابطين إلى دخول الأندلس لدفع الخطر الإسباني المسيحي الذي يتهددها، ركب محمد المعتمد العبادي ذروة الموجة، فكان على رأس الداعين، ثم على رأس القوى الأندلسية المجاهدة بجانب يوسف بن تاشفين سلطان المرابطين[ر]، وكان ذلك قبل أن يعود هؤلاء ويقرروا الإجهاز على ملوك الطوائف، وقد قاد سير بن أبي بكر المرابطي حملة دخلت إشبيلية عنوة وأسرت صاحبها المعتمد بن عباد ونفته إلى المغرب في 20 أو 22 رجب 484هـ/ 17 أو 19 أيلول 1091م.

بدأت بعودة المرابطين إلى الأندلس حقبة السيادة المغربية على إشبيلية التي أحدثت تغيرات كبيرة فيها، منها حلول أعداد كثيرة من المغاربة بمجتمعها، وكان هؤلاء أولاً من الملثمين المرابطين من قبائل لمتونة، وقد حكمها منهم أربعة عشر والياً، واعتمد الحاكمون منهم في النصف الأول من الحقبة المرابطية على كبار فقهاء الأندلس في إدارتها. ولما اشتد استبداد المرابطين وعجزوا عن حماية إشبيلية من غارات الإسبان بقيادة ألفونسو السابع، رحبت إشبيلية بسيادة الموّحدين [ر] التي توطدت بحملة قادها برّاز بن محمد المسوفي في 13 شعبان 541هـ/ 18 كانون الثاني 1147م، وتهيأ للمدينة في ظل الموحدين التوسع والازدهار، إذ اتخذوا إشبيلية قاعدة لحكمهم في الأندلس، إلا مدة قصيرة. ومع ذلك فقد عانت إشبيلية من وقت إلى آخر الغارات التي كان يشنها على منطقتها الغنية أعداء الدولة الداخليون كابن هَمْشك وابن مردنيش. ولم يكد الموحدون يتخلصون من خطر هؤلاء حتى اشتد خطر العدو الخارجي المتمثل بالبرتغاليين والقشتاليين الذين تواترت غاراتهم في الربع الأخير من القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، وزادت الكوارث الطبيعية الطين بلة، ومنها فيضان نهر الوادي الكبير في جمادى الثانية 597هـ/ شباط وآذار 1200م، الذي هدم الكثير من مساكن المدينة وخرب أرباضها، إلا أن الضرر الأكبر لحق بإشبيلية عندما فقد الموحدون استقرارهم السياسي واشتد الصراع بين شيوخهم على السلطة، وخاصة إثر وفاة الخليفة الموحدي المنتصر أواخر عام 620هـ/ 1224م. فقد عمت مدن الأندلس ثورات على الموحدين كان من أهمها ثورة محمد بن يوسف بن هود الذي ثار في مرسية داعياً للعباسيين، ومد حكمه إلى  مدن أندلسية أخرى، وبايعته إشبيلية سنة 626هـ/ 1229م، ثم انقلبت عليه بعد ثلاث سنوات، وخضعت لنظام شورى عهد بالحكم إلى بني الباجي الذين أزاحهم في عام 632هـ/ 1234م منافس ابن هود محمد بن يوسف بن نصر مؤسس دولة بني نصر (بني الأحمر) في غرناطة. إلا أن الإشبيليين طردوه وعادوا لطاعة ابن هود حتى اغتياله سنة 636هـ/ 1238م. عندئذ اختارت إشبيلية ثانية طاعة الموحدين الذين اعتمدوا ابن الجد أحد زعمائها نائباً عنهم. فعمل هذا على موادعة فرناندو الثالث الملك القشتالي الذي كان قد تغلب على معظم بقاع الأندلس، وعلى الولاء للفرع الحفصي من الموحدين في المغرب، بيد أن المنازعات الداخلية في المدينة لم تسكن وقتل في إحداها ابن الجد وطُرِد الحفصيون.

استغل فرناندو هذه الحوادث ليُحِل نفسه من الموادعة المعقودة مع ابن الجد فنزل على إشبيلية في جمادى الأولى 645هـ/ أيلول 1247م وحاربه الإشبيليون خارج الأسوار  فقتل منهم الكثير، فاعتصموا داخلها وقاسوا من الجوع والحرمان أملاً بوصول مدد لهم من مسلمي المغرب بعدما استنصروهم جميعاً ولاسيما الخليفة الموحدي السعيد. وبعد عام وخمسة شهور من الحصار واليأس من وصول المدد استسلمت إشبيلية لفرناندو في 27 رمضان 646هـ/ 14 كانون الثاني 1249م. وزالت بذلك السيادة العربية الإسلامية على إشبيلية التي دامت خمسة قرون ونصف. وقد حاول المرينيون سادة المغرب الأقصى استرداد إشبيلية فحاصروها سنة 674هـ/ 1275م ولم يصيبوا نجاحاً. ثم أغاروا على الشرق وخربوه (676هـ/ 1278م). أما سكانها من العرب المسلمين فقد غادر عدد منهم المدينة إثر سقوطها وبقي القسم الآخر مُدَجَّناً يعيش محتفظاً بدينه في ظل السيادة الإسبانية، ويتحمل قيودها، وبعد قرنين ونصف أو ما بين 908-933هـ/ 1502-1526م خُيِّر المدجنون في الأندلس كلها بين النصرانية أو الرحيل، فرحل قسم من مدجني إشبيلية وتظاهر القسم الآخر بالنصرانية، فصار من جملة من أطلق عليه اسم «الموريسكوس» أو المواركة. في حين حل محل المغادرين إسبان كونوا الغالبية الساحقة، حتى إن نسبة الموريسكوس بين سكان إشبيلية عندما طردوا نهائياً عام 1018هـ/ 1609م لم تزد على 6%.

إشبيلية الإسبانية: أصبحت إشبيلية في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي سوقاً كبيرة وميناء رئيساً يوفر الاتصال بين إسبانية وامبراطوريتها في العالم الجديد، واحتكرت التجارة مع العالم الجديد حتى غدا من حقها تجهيز الأساطيل التجارية إلى أمريكة، فانتعشت الحياة الاقتصادية من جديد وعاش المجتمع الإشبيلي في رخاء وترف، وبقيت كذلك حتى نهاية القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي ومطلع الثامن عشر، عندما تحولت خطوط الملاحة إلى قادس، فتراجعت الحياة الاقتصادية فيها.

ولما احتل الفرنسيون إشبيلية في زمن بونابرت قاست المدينة الأمرّين حتى نهاية الاحتلال، وأخذت بعد تحررها تستأنف نهضتها، إلا أن الثورات المتكررة والحرب الأهلية أعاقت تطورها إلى أن خضعت في 18 تموز 1936م لحكم فرانكو. فأنشئت فيها مصانع للسلاح  بأنواعه، ومصانع نسيج وتعدين، ووجه الاهتمام إلى الزراعة، وازداد عدد سكان المدينة من 148 ألف نسمة سنة 1900 حتى بلغ 548 ألف سنة 1970م. واتسعت رقعتها حتى أدركت سفوح مرتفعات الشرّف. وهي اليوم مركز جامعة كانت تأسست في أواخر القرن الخامس  عشر، ومركزٌ للسياحة تجري فيها احتفالات ومهرجانات في مواسم دينية ومدنية، وأشهر احتفالاتها أسبوع الآلام.

وقد عنى الإسبان بإقامة منشآت جديدة على أنقاض المنشآت الإسلامية أو تحويلها إلى منشآت مسيحية. الأمر الذي أدى إلى ضآلة بروز العمارة الإسلامية في المظهر العام للمدينة، على تعدد أشكالها.

القصور الملكية في إشبيلية: قصر الصيد ومئذنة الخيرالدا

الآثار الإسلامية في إشبيلية: من أشهر آثار المسلمين سور المدينة الذي تعزو الرواية الإسلامية بناءه إلى عبد الرحمن الثاني، وأشرف على بنائه مولاه الشامي عبد الله بن سنان. وقد هُدم هذا السور بعد القضاء على حكم بني حجاج فيها سنة 301هـ/ 913م كي لا تبقى المدينة موئل عصيان. ويبدو أن أهم الأعمال في إعادة بنائه تمت أواخر أيام المرابطين ضمن إطار العملية العامة لبناء أسوار المدن في المغرب والأندلس، لتسهيل أمر الدفاع عنها، وقد أطلق على هذه العملية اسم «التعتيب». وكان هذا السور قوياً بشهادة الإدريسي الذي كتب عنه في وقت قريب من تاريخ البناء، والدليل الآخر على هذه القوة عجز فرناندو الثالث عن اختراقه، في أثناء  حصاره الطويل لإشبيلية، وقد ظل السور قائماً لم يهدم حتى مابين 1861-1869م، وتدل بقاياه على أن محيطه ستة كيلومترات، ويدعم الجدار مئة وستة عشر برجاً بقي منها سبعة في حالة جيدة، والبرج الأبيض منها مضلع أما البقية فمربعة. وأضيف إلى تحصينات المدينة زمن أبي العلا إدريس الموحدي في أيام ولايته، أي قبيل عام 624هـ/ 1227م جدار  يمتد من القصر أو القصبة إلى النهر لينتهي ببرج الذهب، وهو مكون من ثلاث طبقات. ولعل الغاية منه الدفاع عن المدينة من جهة النهر. وربما ربطت سلسلة بينه وبين برج آخر على الضفة الأخرى تحقيقاً للغاية على الوجه الأكمل، أما القصبة فتدل بقاياها من أجزاء الجدار الخارجي والأبراج المربعة على أنها من جملة التحصينات التي شيدت بأمر عبد الرحمن الثاني. وضمنها كان القصر الذي زينه بنو عباد واستخدم لسكن الأمراء في كل المراحل، لكن بقايا بعض قاعاته تعكس طرازاً معمارياً يعود إلى عصر الخلافة، أما القائم اليوم بالاسم نفسه Alcazar فليس له من القديم سوى الموقع.

أما المساجد فأهمها المسجد الجامع المبني عام 244هـ/ 929م بإشراف القاضي ابن عبديس، وقد حول إلى كنيسة سان سلفادور وتدل بقايا هذا المسجد أن عرض ضلعه 48.5م ويتكون من إحدى عشرة أسطوانة متعامدة مع جدار القبلة، وعقوده آجرّية فوق أعمدة حجرية، ولم يبق منه اليوم سوى جزء من المئذنة يؤلف قاعدة برج الناقوس لكنيسة سان سلفادور، وقد عُدّ هذا المسجد ضيقاً قياساً إلى مسجد إشبيلية الجامع في العهد الموحدي الذي أمر ببنائه أبو يعقوب يوسف, ويرجح أن يكون قد بنى الحرم والصحن فيه في أثناء زيارته للمدينة (566-571هـ/ 1171-1176م). وهو بناء فسيح أبعاده 150×100، وفي الحرم سبع عشرة أسطوانة. وربما كان فيه خمس قباب قائمة على جدار القبلة، وصفّ الأعمدة الذي يوازيه لم يبق منه اليوم سوى جزء من الصحن مع بوابتين إضافة إلى مئذنته المشهورة باسم «الخيرالدا» التي هي معلم من المعالم الرئيسة للمدينة، وقد بدأ بناءها المهندس أحمد بن باسُه، ثم تابعه إبراهيم الغُماري، وهي مربعة طول ضلعها 16.1م ويبلغ ارتفاعها 96 متراً. وكان في أعلاها عمود ضخم يحمل تفافيحها (ج. تفاحة) التي بلغ من ضخامتها أن وزن طلائها الذهبي 29.5كغ. ومن خصائصها أنها لا يُصعد إليها بدرج بل بسطوح مائلة تتسع للدواب والناس والسدنة.

ومن مظاهر العمران زمن الموحدين خارج المدينة القصور التي بنيت لبني عبد المؤمن، وجلبت إليها غِراس الزيتون من جبل الشرف وأشجار الفاكهة من غرناطة ووادي آش. وأقيمت في أحد هذه القصور بحيرة واسعة أسال إليها الماء المهندس ابن يعيش المالقي من قلعة جابر. وأقام يعقوب المنصور في الشرف تجاه إشبيلية حصناً لنزول المجاهدين، وأنشأ فيه مجالس مشرفة على إشبيلية وسهولها ودعاه باسم حصن الفرج. إضافة إلى هذا العمران المشيد بأمر الحكام العرب المسلمين ضمت إشبيلية ألواناً من عمران شيد للإسبان في الحقبة الممتدة بين السقوط ونهاية القرن التاسع هـ/ الخامس عشر م. واستخدم فيه البناؤون الأساليب الإسلامية سواء في المخطط أم في مادة البناء الآجرية أم في الزخارف بالخط العربي. وكان منه قصور وكنائس بلغ شبه أبراج نواقيسها بالمنارات (المآذن) حداً يدعو إلى الظن بأنها بنيت في عصور السيادة العربية الإسلامية، وأشهرها قصر بطرس الطاغية، الذي بني على أنقاض القصر الموحدي، واحتفظ فيه بالبرج الذي بقي يحمل اسمه الأصلي برج الذهب، وكذلك الكاتدرائية العظمى وهي قائمة على أنقاض المسجد الجامع الكبير الموحدي إضافة إلى كنائس كثيرة أخرى.

كانت إشبيلية مركزاً علمياً مهماً في زمن الأندلسيين، فبلاط عمر بن حفصون فيها جمع عدداً من الشعراء والمغنين ومن جملة مداحيه ابن عبد ربه، ومن مغنيه قمر المشهور في الأندلس، وكان المعتمد أديباً شاعراً وفناناً جعل بلاطه أعظم محفل أدبي في تاريخ الأندلس ومنتدى لعلماء العصر. ومن النابغين من أبناء إشبيلية في الفقه والكلام والفلسفة والعلم والشعر والأدب، ابن عربي، وابن فرح الإشبيلي، وابن هانئ الأندلسي، وابن حمديس وابن قزمان وغيرهم.

المدينة المعاصرة: بدأت إشبيلية نهضتها الحديثة عندما تمَّ اختيارها مقراً للمعرض الأمريكي الإيبري  في عام 1929، وهي اليوم مقر أسقفية ومركز حركة ثقافية عريقة. وتشتهر بالكثير من الصناعات مثل صناعة القرميد والخزف والزجاج وألبسة مصارعي الثيران والصناعات الهندسية والغذائية والكيمياوية. وبها مصنع للسيارات. وهي مركز حركة تجارية ضخمة. ويقدر وسطي وزن البضائع المحملة في مرفأ إشبيلية النهري بنحو 3 ملايين طن سنوياً.

اختيرت مدينة إشبيلية مركزاً لاستقطاب التنمية بين عامي 1964- 1970، وذلك لإمكان توسعها على طول محاور النقل وقابليتها للتطور، وجرى استثمار نحو 70 مليون دولار وتوفير 10708 فرصة عمل بالموافقة على إنشاء 106 مشروعات نفذ منها 78 مشروعاً فقط مما أدى إلى تقوية البنية الصناعية السابقة للمدينة، ولا سيما ماهو موجه للسوق الاستهلاكية والخدمات.

عمرانها ووظائفها: تتكون إشبيلية المعاصرة من قسمين: نواة قديمة في الوسط وأحياء حديثة على الأطراف. غير أن مايجمع بينهما هو تأثرهما بالطابع الإسلامي إلى حد كبير واختلاط البناء النصراني والإسلامي. ففي النواة ماتزال أحياء برمتها على نسقها الأندلسي القديم ذي المخطط العشوائي بدروبها وأزقتها الضيقة المتعرجة وساحاتها المسقوفة وبواباتها الحديدية المزخرفة. ويلاحظ انخفاض ارتفاع الأبنية وقلة المساحات الخضراء وغلبة السقوف القرميدية في هذا الجزء من المدينة. أما الأحياء الحديثة فمبنية وفق المخطط الشطرنجي غالباً. وأكثر أبنيتها مرتفعة ذات سقوف مسطحة وتكثر فيما بينها المساحات الخضراء. ويقع المركز التجاري للمدينة في القسم القديم، أما المصانع والمعامل فعلى الأطراف وفي الضواحي القريبة. وتمتد المدينة اليوم على طرفي النهر، ويربط بين القسمين الكثير من الجسور. وبقربها مطار كبير، وهناك منشآت المرفأ التي تم تحديثها منذ عهد قريب. وللمدينة اليوم وظائف إدارية لكونها عاصمة المقاطعة والمدينة الرئيسة في إقليم الأندلس، ولها وظائف ثقافية ودينية وتجارية،  وهي عقدة مواصلات مهمة ومرفأ نهري ومدينة سياحية والبيت الروحي لمصارعة الثيران في إسبانية.

أحمد بدر، بسام حميدة

 

الموضوعات ذات الصلة

 

الأندلس ـ بنو عباد ـ الدولة الأموية في الأندلس ـ قشتالة ـ المرابطون ـ الموحدون.

 

مراجع للاستزادة

 

ـ أحمد بدر، تاريخ الأندلس (التجزؤـ السيادة المغربية ـ السقوط)، (دمشق 1983).

ـ شاكر مصطفى، الأندلس في التاريخ (منشورات وزارة الثقافة، دمشق 1990).

-ANWAR G. CHEJNE, Moslim Spain: Its History & Culture (The University of Minnesota press, Mineapolis 1974).

-R.A.N.DIXON, Welcome to Spain )Collins, Glasgow & London, Revised Edition, 1985).


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : سياحة
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد : 513
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 524
الكل : 29575678
اليوم : 30594

جابر بن أفلح

جابر بن أفلح (...ـ450هـ/...ـ1145م)   جابر بن أفلح الإشبيلي، فلكي أندلسي، عُرف في القرون الوسطى في الأدبيات اللاتينية باسم جيبير Geber، وربما اختلط اسمه باسم الكيميائي جابر بن حيان[ر]. ولد جابر في إشبيلية ونسب إليها، وتوفي في قرطبة. عاش في حقبة كان الشرق الإسلامي يفتقر فيها إلى أسماء بارزة في علم الفلك في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين، ويذكر كثير من كتب التراجم أن لجابر بن أفلح تسعة مؤلفات في علم الفلك من دون ذكر أسمائها باستثناء اثنين.
المزيد »