logo

logo

logo

logo

logo

الميديون

ميديون

Medes - Medes

الميديون

 

يعود أصل الميديين Medes إلى القبائل التي كانت تتحدث بلغات تنتمي إلى العائلة اللغوية الكبرى المعروفة باسم اللغات الهندية ـ الأوربية. وكانت تلك القبائل تجوب سهوب أوراسيا، في جنوبي روسيا، في الألف الثالث قبل الميلاد. وعلى الرغم من معرفتها بالزراعة كانت قبائل شبه بدوية كثيرة التنقل وشاغلها المفضل الحرب والفروسية. في أواخر الألف الثالث قبل الميلاد، بدأت تلك القبائل تهاجر من موطنها ذاك إلى جهات مختلفة في أزمان متفاوتة. ومن تلك الجهات التي اجتذبت مجموعات كبيرة من المهاجرين مناطق شرقي بحر قزوين. وهؤلاء المهاجرون يعرفون باسم الأقوام «الهندية ـ الإيرانية» أو «الآرية». وقد تحركت مجموعتان كبيرتان من أولئك المهاجرين في مطلع الألف الأول قبل الميلاد لتتوغل إحداهما جنوبا باتجاه مشارف كرمنشاه الحالية وهؤلاء هم الفرس. أما المجموعة الثانية فقوامها الميديون الذين استقروا في الأجزاء الغربية والشمالية الغربية من الهضبة الإيرانية في إقليم همدان الحالي, واتخذوا مدينة همدان أكبتانا القديمة Ecbatana، عاصمة لهم. وهناك مجموعة من الميديين استقرت في منطقة أصفهان الحالية.

تمتد المناطق الجبلية التي انتشر فيها الميديون إلى الشرق من سلسلة جبال زاغروس التي كانت تفصل بين مناطقهم وبلاد آشور. وقد شملت هذه المناطق الأراضي الكائنة في شمال نهر آراس وقمم جبال البرز (جنوب بحر قزوين). طوال القرن التاسع قبل الميلاد لم يكن هناك دور سياسي مهم للميديين في المنطقة بسبب الضغوط الآشورية عليهم من الغرب والأرمينية من الشمال، ولكنهم في الوقت نفسه كانوا يواصلون تطوير مهاراتهم العسكرية والسياسية مقتبسين كثيراً من قدرات الآشوريين في هذا المجال.

مع تزايد قوة الميديين بدأت ترد الإشارات الأولى عنهم في النصوص الآشورية، فقد ذكرهم الملك الآشوري شلمنصر الثالث في وقائع عامي حكمه السادس عشر (843 ق.م) والرابع والعشرين (835 ق.م)، وورد ذكر الميديين فيما بعد في نصوص الملكين الآشوريين شمشي أدد الخامس (823 ـ 811 ق.م) وأدد ـ نراري الثالث (810 ـ 783ق.م). وفي نصوص الملك الآشوري تغلات بلاصر الثالث (744 ـ 727ق.م) وخلفائه، اقترن ذكر الميديين بالقوة والبأس. وأطلق الآشوريون اسم «بيت ـ دياكو» على عاصمة الميديين أكبتانا التي تميزت بموقعها في وادٍ خصب، كما أن المناطق التي استوطنها الميديون توافرت فيها المعادن المهمة، مثل النحاس والحديد والرصاص والذهب والفضة، والرخام والأحجار الكريمة، واتصفت بملاءمتها للزراعة. وفي أوج قوة الميديين كانت بلادهم تمتد في الشمال ـ الغربي إلى نهر هاليس (كزل ايرمك حاليا في وسط بلاد الأناضول).

يورد هيرودتُس Herodotus في تأريخه اسم أول ملك نصب على الميديين بصيغة ديوسيس Deioces الذي تنسب إليه المآثر الإغريقية تشييد العاصمة أكبتانا، ولعل ذلك كان في أواخر القرن الثامن قبل الميلاد. تحالف الميديون مع الدولة الآشورية في عهد الملك الآشوري أسرحدون (680 ـ 669ق.م) الذي كان حريصاً على تضمين معاهداته إسناد الميديين لترتيبات ولاية العهد وتنصيب آشور بانيبال خليفة له على العرش الآشوري. ومن ملوك الميديين الذين حكموا بعد ذلك فراورطيس Phraortes الذي يحتمل أن يكون قد حكم نحو 655 ـ 633ق.م، وقد حاول الهجوم على بلاد آشور في نحو عام 653ق.م، ولكنه دحر، على إثر تلك الهزيمة استقل الفرس بعد أن كانوا خاضعين للميديين، ووقع الميديون أنفسهم تحت سيطرة الأسكيثيين Scythians، من الأقوام الشمالية حتى عام 625ق.م تقريباً.

بعد فراورطيس ارتقى العرش الميدي ابنه كي أخسار Cyaxares ت(584ـ633ق.م) الذي يعد أهم الملوك الميديين، إذ إنه تمكن من التحرر من سيطرة الأسكيثيين وأعاد الفرس للخضوع إلى سلطته، ثم وجه جهوده للقضاء على الدولة الآشورية. وقد تمكن بمساعدة البابليين من دخول نينوى في عام 612ق.م، وإسقاط الدولة الآشورية. حينذاك انسحب الميديون من بلاد آشور ووجهوا اهتمامهم إلى بلاد الأناضول، حيث وصلوا إلى حدود مملكة ليديا. ويبدو أن تحركهم هذا كان من ضمن اتفاقهم مع البابليين على تقاسم مناطق النفوذ. وهكذا فإن الشرق الأدنى القديم كان في السنوات الأخيرة من حكم «كي أخسار» تتقاسم النفوذ فيه أربع ممالك قوية، وهي الميدية، البابلية، المصرية والليدية.

خلف كي أخسار على العرش ابنه أستياجز Asteyages، وصيغة اسمه باللغة الميدية أشتيويغا Ashtivaiga، تعني «رامي الرمح»، وكان آخر الملوك الميديين. ففي عهد هذا الملك بدأت قوة الفرس الأخمينيين بالازدياد وخصوصاً في عهد كورش الأكبر (558 ـ 503 ق.م) وهو إبن قمبيز الأول، وكانت أمه ابنة استياجز نفسه. قاد كورش الأكبر تمرد الفرس على جده الملك الميدي الذي وقع في الأسر وأصبحت أكبتانا عاصمة لكورش الأكبر في عام 550 ق.م، وهكذا انتهت المملكة الميدية وقامت الدولة الأخمينية باتحاد الميديين مع الفرس. وبسبب قصر العهد الذي دامته الدولة الميدية فإن معظم ما توفر من معلومات عن نتاجهم الحضاري يكون من خلال إسهاماتهم في إدارة الدولة الفارسية الأخمينية ومؤسساتها وتأثيرهم في فنونها. ويرجح الباحثون نسبة بعض العناصر الفنية والأسلوب المعماري الأخميني المتميز باستعمال الأعمدة إلى الميديين، وكذلك من المرجح أن يكون الأخمينيون قد اقتبسوا كثيراً من المآثر والشرائع والمعتقدات الدينية من الميديين. ويذكر الملك الأخميني دارا الأول (522 ـ 486ق.م) في نصوصه أنه حين شيد قصره الملكي في سوسة [ر] جعل أقواماً مختلفة تؤدي العمل فيه، ونسب للميديين والمصريين العمل على الذهب وعلى تزيين الجدران. وفي مشاهد بالنحت البارز على واجهة قاعة العرش في قصر الملوك الأخمينيين في برسيبوليس Persepolis صورت مواكب لأشخاص يحملون الهدايا ويتعاقب في كل موكب شخص ميدي وآخر فارسي، وقد ميز أحدهما من الآخر بملابسه وغطاء رأسه.

تحدثت المآثر الإغريقية عن العاصمة الميدية أكبتانا ووصف المؤرخ بوليبيوس Polybius القصر الملكي فيها. وبقيت هذه المدينة عامرة في العصرين الأخميني والسلوقي. لكن قيام مدينة همدان الحديثة على أطلالها الواسعة جعل من المتعذر استجلاء الآثار الميدية فيها. وتعود معظم المكتشفات من هذه المدينة إلى العصر الأخميني، وأهم المواقع الميدية التي تم التنقيب فيها خارج العاصمة أكبتانا هي تبه نوشي - جان Tepé Nush-Ijan وغودين تبه Godin Tepé في غرب وسط إيران. والأول عبارة عن موقع محصن صغير يبعد نحو 70 كم إلى الجنوب - الشرقي من همدان، نقب فيه دافيد ستروناك David Stronach في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ويبدو أن هذا الموقع كان يضم مجمعاً دينياً يعود تاريخه إلى القرن الثامن قبل الميلاد. تبلغ أبعاد الموقع 100*40م، وقد اكتشفت فيه بقايا بناء معبد مركزي ومعبد ثانوي مع قاعة ذات أعمدة. ومن اللافت للنظر أن الجدران المتبقية في هذا المجمع يصل ارتفاعها أحياناً إلى ثمانية أمتار، والمخطط يأخذ شكلاً مدرجاً فريداً، مع وجود سلالم داخلية ودكاك مذابح تبدو على إحداها- في المعبد المركزي - آثار حرق واضحة في وسطها مما قد يشير إلى ممارسة عبادة النار التي عرفتها الديانة الزرادشتية لاحقا. أما موقع غودين تبه فقد قام بالتنقيب فيه كايلر يونغ T.C.Young في الأعوام 1965ـ1973م. وتعود الطبقة الثانية من طبقات هذا الموقع التسع إلى القرن الثامن قبل الميلاد, وتشير البقايا المعمارية المكتشفة فيها إلى أنها تعود إلى مقر إقامة حاكم محلي ميدي قوي. ومن المواقع الميدية المكتشفة في بلاد الأناضول تلي حيوكTille Hoyuk على نهر الفرات قرب أديامان Adyyaman، ومن المرجح أن يكون موقع كيركينيس داغ Kerkenes Dag في شمال وسط الأناضول ميدياً أيضاً.

نائل حنون

 مراجع للاستزادة:

 

ـ طه باقر، مقدمة في تأريخ الحضارات القديمة (دار الشؤون الثقافية، بغداد 1986م).

- M. ROAF, “Media and Mesopotamia: History and Architecture”, in Later Mesopotamia and Iran, ed. J. Curtis, (London 1995).

 - T.C.YOUNG, JR., “The Early History of the Medes and the Persians and the Achaemenid Empire to the Death of Cambyses”, in Cambridge Ancient History, 4, 2 nd ed.,(Cambridge 1988).


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد العشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 205
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1108
الكل : 40554384
اليوم : 84199

فايس (بيتر-)

ڤايس (بيتر -) (1916-1982)     بيتر ڤايس Peter Weiss كاتب مسرحي وروائي ورسام ألماني الأصل سويدي الجنسية. ولد في بلدة نوڤاڤِس Nowawes بالقرب من برلين وتوفي في ستوكهولم. يتحدر من أسرة يهودية اعتنقت المذهب البروتستنتي في نهاية القرن التاسع عشر.
المزيد »