logo

logo

logo

logo

logo

المقرنصات

مقرنصات

Stalactites - Stalactites

المقرنصات

 

المقرنص عنصر مهم من عناصر الفن المعماري والزخرفي الإسلامي، تأتي أهميته من الجمالية الخاصّة في هندسته وتشكيلاته الفراغيّة ثلاثيّة الأبعاد، كمنحوتات تجريديّة تحاكي الطبيعة بمنهجيّة فكريّة إسلاميّة صوفيّة المستوى، وتؤدّي أيضاً دوراً إنشائياً في الانتقال والتحوّل من شكل هندسي إلى آخر، ومن سطح إلى آخر أيضاً، وهو حرفٌ بالغ الأهمية في أبجديّة الفن الإسلامي.

مقرنص فوق مدخل خان سلجوقي -السلطان هاني - شيَد عام 1228على الطريق الممتد من قونية إلى مدينة قيصري

يقول الباحث علي اللواتي في تعريفه: «هو عنصر ينتمي في آن واحد إلى العمارة والزخرفة، ويتكوّن من تجمّع عناصر في شكل مستويات منحنية ترجع في الأصل إلى تنضُّد التجاويف الحاصلة في مستوى العقود الركنيّة عند المرور من المستوي المربع إلى الدائرة في القباب الإيرانية».

تعود نشأة المقرنصات إلى بداية انتشار استخدام المثلّثات الكرويّة المتدلية pendentives في أركان الفراغ المعماري كعنصر إنشائي للوصول إلى التغطية القببية وأنصافها، إذ يرجع الفضل في ابتكارها وتطورها إلى العرب الساميين، ليتمّ بوساطتها الانتقال والتحول من الشكل المربع إلى المستدير  «الدائرة» لترتكز على الحافّة السفلى للقبّة.

ومن الأمثلة المهمة في بلاد الشام لقباب محمولة على مثلّثات كرويّة spherical triangles، من نهاية القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الميلادي مقرنصات قصر النويجس بالقرب من عمّان، وفي حمّام بالقرب من البتراء (الأردن). ولقد سميّت المثلّثات الكرويّة بالطاقة المفردة أو عقد الزاوية، وثمة عدد من الأمثلة على استخدامها في العهد الساساني في آسيا الوسطى، تعود إلى القرن الثالث الميلادي، وفي قصور فيروزباد، وشيرين، وسرفستان.

استخدم البيزنطيون أيضاً المثلثات الكروية في التغطية القببية كحنيات ركنية، في تحفة الفن البيزنطي «كاتدرائية آية صوفيا» في إصطنبول، وذلك بمنزلة هوابط تزيينية.

وفيما بعد حدث تطوير للطاقة المفردة «المثلّثات الكرويّة أو الحنيات الركنية»، يعود الفضل فيه إلى الإيرانيين، لتصبح تسميتها فيما بعد المقرنصات. وهناك أمثلة على ذلك في مدفن «غنادي كابوس» Gunadi Kabus، وفي كورنيش مدفن «جنبادي علي» Gunbadi Ali، وفي أرمينيا، وفي مقام Timi بالقرب من بخارى.

وفي عام 1956 تمّ اكتشاف قطع عدة من مواد مختلفة، مابين الطين والآجر والسيراميك، وذلك في قلاع بني حماد في شمالي إفريقيا، وقد عُدَّت هذه القطع بتشكيلاتها الطريفة والغريبة أقدم العناصر القريبة في تكويناتها إلى المقرنصات.

وهناك عدد من الأمثلة المعماريّة المبكّرة التي استخدمت الطاقة المفـردة «الحنية الركنيّة» مثل قُصَير عمرة، وحمام الصرخ في الحجرة الساخنة في الأردن، وفي جامع أحمد بن طولون في مصر. وبازدهار العمارة الإسلاميّة تطورت المقرنصات وازدهرت في معظم البلاد التي انتشر فيها الإسلام.

وما يوجد في المغرب والأندلس يدل على أن المقرنصات عنصر متميّز من عناصر التزيين الداخلي، إذ طورت واستخدمت الاستخدام الأمثل في ظلّ دولة الموحّدين في القرن الثاني عشر ومنتصف القرن الثالث عشر، ومن ثمّ تابع المرينيّون والسعديّون تطويرها حتى القرن السادس عشر، ومن أهم الأمثلة في الأندلس قصور الحمراء التي بناها السلطان يوسف الأحمر (733 - 755 هـ/ 1333 - 1354 م)، وابنه محمد الخامس (755 - 792 هـ/ 1354 - 1391 م)، حيث أدت المقرنصات دوراً مهماً في العمارة الداخلية لتلك القصور بتنوعها ووفرة استعمالها في تغطية القباب والأركان والطنف والأقواس.

أما في بلاد الشام فقد استخدمت أوّل مرّة في العناصر المعمارية والزخرفية في العهد السلجوقي والأتابكي ما بين 1075 - 1175 م، ومن أهم الأمثلة الموجودة في دمشق والتي شيّدها الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي الملقّب بالشهيد، القبّة والقبوَة بالمدرسة النورية الكبرى في سوق الخياطين، وقبّة البيمارستان النّوري وقبوته في محلة الحريقة، والتي تغطّيها المقرنصات من الداخل والخارج.

مقرنص فوق مدخل المدرسة الظاهرية بدمشق

وفي العهد الأيّوبي الذي امتدّ من 1174 إلى 1259 م صارت العناصر في العمارة والزخرفة أكثر استقراراً باستعمال الحجارة المنحوتة، وشيوع استخدام المقرنصات الحجرية في مداخل الأبنية العامّة مثل المدارس والبيمارستانات.

أما في العهد المملوكي الذي امتدّ من 1259 - 1516 م- وهي فترة طويلة نسبياً تميزت بالترف والإسراف في التزيين والزخرفة- فقد استعملت الحجارة المنحوتة والملوَّنة، وصارت المقرنصات دلّايات منحوتة تُستخدم في مداخل الأبنية الدينية، في أفاريز المآذن وشرفاتها والواجهات الداخلية والخارجية لمختلف الأبنية العامة، والأمثلة عليها كثيرة في بلاد الشام ومصر.

وفي العهد العثماني أخذت المقرنصات تظهر بأشكال مختلفة، ومالت إلى الأشكال الموشوريّة، واستخدام الخطوط المستقيمة في محاريبها، بعد أن زاد تنوّعها واستخدامها، ولم يعد يقتصر وجودها في الأماكن العامّة والدينيّة، بل استخدمت في الأبنية السكنية وفي مداخل الخانات وفي السُبُل وفي أعالي النوافذ وتيجان الأعمدة وفي الأسقف والمنابر وقطع الأثاث. وكان لدخول التخريم إلى سطوحها دور مهم في خلق تناغم جديد مابين الظلال الناتجة من الكتل النافرة والغائرة في التكوين. والأمثلة التي تعود إلى العهد العثماني كثيرة جدّاً ومنتشرة في كثير من مدن تركيا وبلاد الشام ومصر.

مقرنص من العمارة اللإسلامية في القاهرة

ومن الجدير بالذكر أنّ المقرنصات قد نُفّذت بمواد مختلفة من أهمّها الحجر والخشب والجصّ، وغُطّيت ولُوّنت بأنواع مختلفة من الطلاء والقاشاني أيضاً.

إن التكوين المُقرنص تكوين ثلاثي الأبعاد فيه محاريب ملساء تحوي خطوطاً وحنايا بسيطة أو مظلّيّة وأقواساً ودلّايات وتجاويف ونوافذ مفتوحة. وبالاطلاع على مسقط أو مخطّط أي تكوين مؤلّف من المقرنصات يتبين أنه عبارة عن زخرفة مؤلّفة من عدد من الأشكال النجميّة والمضلّعات الهندسية.

مازالت المقرنصات تستخدم حتى اليوم لأهمّيّتها التشكيليّة، وإن في ذلك استمراراً وحماية للطابع الإسلامي. ففي المغرب العربي وسورية ومصر ثمة حرفيّون ابتكروا أبجديّة خاصّة لتأليف المقرنصات الخشبيّة، من قطع مختلفة ومتنوعة تتجاوز اثنتي عشرة قطعة، لكلّ منها شكلها واسمها الذي يختلف مابين دولة وأُخرى، وذات مقاييس محددة يتم تحديدها وفق المكان الذي ستتوضّع فيه. وهناك محاولات كثيرة لمعماريّين معاصرين من مختلف دول العالم للاستفادة من المقرنصات في التكوين العام للمباني، وخلق تكوينات زُخرفيّة مستوحاة منه أو فيها محاكاة للمقرنصات التقليديّة بمواد وخطوط تتناسب مع العمارة الحديثة.

 

 

سمير غنوم

الموضوعات ذات الصلة:

الفن الإسلامي.

مراجع للاستزادة:

ـ قتيبة الشهابي، زخارف العمارة الإسلامية في دمشق (مطبوعات وزارة الثقافة، 1996).

ـ مؤيد شافعي، العمارة العربية في مصر الإسلامية- عصر الولاة، المجلّد الأوّل (الهيئة المصريّة العامّة للتأليف والنشر، 1970).

ـ كمال الدين سامح، العمارة الإسلاميّة في مصر (الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، 1991).

- JEAN-MARC CASTERA, Arabesques’ Art Décoratif Au Maroc (ACR Edition 1974).


التصنيف : العمارة و الفنون التشكيلية والزخرفية
النوع : عمارة وفنون تشكيلية
المجلد: المجلد التاسع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 269
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1075
الكل : 33881468
اليوم : 15631

دار الحديث

دار الحديث   اتخذ المسلمون مساجدهم للصلاة والعبادة وتلقي القرآن الكريم وعلومه والحديث الشريف وفنونه وعلوم اللسان على أنواعها. وكانت بلاد ما وراء النهر أسبق البلاد الإسلامية في تأسيس المدارس الفقهية المنفصلة عن المسجد فيما يبدو، فقد ظهرت فيها مدرسة لتعليم الفقه الإسلامي في حدود سنة 290هـ.
المزيد »