logo

logo

logo

logo

logo

مؤسسة

موسسه

Institution - Institution

المؤسسة

 

المؤسسة institution مفهوم حديث نسبياً يراد به الجماعة الإنسانية التي يسود بين أفرادها قدر كبير من التضافر والتعاون لتحقيق غايات واضحة وأهداف مشتركة متفق عليها بين الأعضاء المكونين لها، وغالباً ما تكون المعايير الضابطة للمهام والأدوار المنوطة بالأعضاء موضوعية تماماً لا تختلف باختلاف الأشخاص الذين يقومون بهذه المهام، إنما يختلف هؤلاء باختلاف مهاراتهم وقدراتهم على أداء هذه المهام.

يتعذر من الناحية العملية القيام بتأصيل تاريخي لظهور «المؤسسات» قبل القيام بتحديد واضح ودقيق لما يعنيه مفهوم المؤسسة، إذ إنه بناءً على هذا التعريف المفترض يمكن استخلاص مجموعة من المعايير لقياس مدى صحة إطلاق تسمية مؤسسة على تنظيم اجتماعي معين، وعند ذاك يمكن الإجابة عن التساؤل: متى ظهرت المؤسسات على أرض الواقع تاريخياً؟، وهل ظهرت تسمية المؤسسة قبل أم بعد أم بالتزامن مع وجودها على أرض الواقع؟.

عموماً، يمكن التمييز بين نوعين من التعريفات، النوع الأول التعريفات المدرسية الموجودة في معاجم اللغة والموسوعات، والنوع الثاني التعريفات التي تعنى بالجانب الاصطلاحي للمفهوم أي إنها تحاول مقاربة مفهوم المؤسسة كما هو عليه اليوم، وكمثال عن النوع الأول: تعرف المؤسسة بأنها مجموع الأشكال أو البنى الجوهرية للتنظيم الاجتماعي، كما تثبتها القوانين أو الأعراف لمجموعة إنسانية.

يُعِّرف المفكر الفرنسي موريس هوريو Maurice Hauriou المؤسسة بأنها فكرة عمل أو مشروع يتحقق ويدوم قانونياً في وسط اجتماعي، ولتحقيق هذه الفكرة يفترض إيجاد سلطة لديها أجهزة تمكنها من عملية الضبط والتنفيذ، كما يفترض أن تتولد مظاهر تقارب بين أعضاء المجموعة الاجتماعية المعنيين، توجهها أجهزة السلطة وتنظمها أصول وقواعد.

وبتحليل التعريفين السابقين، وتعريفات أخرى، يمكن تحديد أهم العناصر المكونة للمؤسسة:

ـ مجموعة من الأفراد يجمعها رابط اجتماعي من نوع معين.

ـ مجموعة قواعد وأسس تحكم العلاقات بين هؤلاء الأفراد، وتنظم الأدوار من خلال تراتبية معينة تحدد الصلاحيات والحقوق والواجبات.

ـ ثقافة عامة تعدّ مرجعية أو إطاراً عامّاً للعلاقات بين الأفراد.

بهذا المعنى يمكن الحديث عن معظم التكوينات الاجتماعية التقليدية على أنها مؤسسات بما في ذلك العائلة والقبيلة والطائفة، إلا أن المعنى الذي يتخذه مفهوم المؤسسة حالياً يتجاوز التحديدات السابقة بكثير، بل إنه يتجاوز مفهوم التنظيم بمعناه الحديث أيضاً، علماً أن المفهوم الحالي للتنظيم يتجاوز التحديدات السابقة أيضاً، فيعرف التنظيم بأنه مجموعة من الأدوار أو أنماط السلوك التي يكوّن مجموعها ثقافة فئة معينة، وهذه الأدوار تشمل حقوقاً وواجباتٍ وتفترض مواقف ونشاطات، بهدف ملء وظائف معينة، إضافة إلى وجود دعامات مادية تتمثل بالمنشآت والأبنية والأنظمة والتقنيات، تساعد على تنفيذ الأدوار سالفة الذكر.

وبالنظر إلى التحديد السابق يلاحظ دخول عناصر أخرى (إضافة إلى العناصر المذكورة سابقاً)، وهي البنى التحتية المادية التي تساعد على تحديد الأدوار وتسمح بتأدية هذه الأدوار فعلياً.

ومع تطور مفهوم المجتمع المدني ومفهوم الدولة في العصر الحديث أصبح بالإمكان إيجاد تحديد أوضح لوظائف وأدوار كل منهما، ففي الوقت الذي يحتضن فيه المجتمع التنظيمات السياسية تقوم الدولة باحتكار السلطة السياسية، ونتيجة لهذه العلاقة الصراعية، وعلى هامشها، تتطور بنىً وهيئات وفئات اجتماعية تحقق استقلاليتها النسبية وتحصل مشروعيتها، وتتمايز هذه البنى أو الهيئات أو الفئات فيما بينها من ناحية وظائفها وأدوارها وأساليب وصولها لأهدافها، والقوانين التي تحكم سيرورة عملها لتحقيق هذه الأهداف، لذلك تعددت التسميات وكثرت، ومع ذلك يؤكد كثير من الباحثين ضرورة توافر مجموعة من الشروط في أي من تلك التنظيمات أو الهيئات لتكتسب صفة مؤسسة بغض النظر عن طبيعة نشاطها أو عملها أو التسمية التي تتخذها لنفسها.

وترجمت هذه الرؤية بمحاولة وضع موازين للمؤسساتية تمكن من قياس مستوى الأداء المؤسساتي لتنظيم ما، وما إذا كان يستحق تسمية مؤسسة أم لا، ولعل أبرز الإسهامات في هذا المجال ما كتبه صاموئيل هنتنغتون Samuel P.Huntington حيث حدَّد موازين المؤسساتية بما يأتي:

ـ المقياس الأول: التكيف والتصلب، ويهتم بتسليط الضوء على قدرة التنظيم على التعامل مع فعل التحدي البيئي والزمني وبالتالي يمكن قياس مدى تكيف تنظيم معين من خلال عمره الزمني، ومن خلال عدد المرات التي يتم فيها نقل السلطة من جيل إلى جيل من دون حدوث مشكلات، ومن خلال انتصار التنظيم على وظائفه، فسواء استطاع التنظيم تحقيق الوظائف التي وجد من أجلها، أم أنها تبدلت بسبب ظروف خارجية أو داخلية، فإن قدرة التنظيم على خلق وظائف جديدة تمكنه من الاستمرار تعد مقياساً لمستوى مؤسسته.

ـ المقياس الثاني: التعقيد والبساطة، حيث يصبح تنظيم ما، مؤسساتياً بمقدار ما يزداد عدد وحداته التنظيمية الفرعية، هرمياً ووظيفياً، وبمقدار ما تتمايز تلك الوحدات، فالتنظيم الذي لا يضم سوى جماعة أولية واحدة (عرقية أو دينية أو حرفية) لا يكون بحاجة إلى أن يصبح مؤسسة لأنه يتمتع بوحدة دوركهايم [ر] التضامنية، وكذلك بمقدار ما تتعدد أهداف التنظيم يتحسن مستوى أدائه المؤسساتي، فمن البديهي أن التنظيم الذي يقتصر على هدف واحد يكون أكثر عرضة للاهتزاز عند إخفاقه في تحقيق ذلك الهدف.

ـ المقياس الثالث: الاستقلالية، فالتنظيم لا يستحق تسمية مؤسسة إذا كان يتم التحكم فيه من قبل مؤسسات أو تنظيمات أخرى.

ـ المقياس الرابع: اللحمة والتفكك، وتعني اللحمة وجود حد أدنى من الإجماع لدى الأفراد حول ضرورة كبح النوازع الخاصة أو الشخصية في سبيل المصلحة العامة ( مصلحة التنظيم).

وبهذا المعنى لا يصح إطلاق تسمية مؤسسة إلا على المؤسسات الحديثة التي ارتبطت بظهور الدولة الحديثة، على الرغم من أن مفهوم المؤسسة أصبح فضفاضاً جداً، إذ يطلق على مؤسسة القضاء والبرلمان والجيش كما يطلق على الجمعيات الاستهلاكية.

وبما أن هذه المؤسسات كانت نتاج ثقافة المجتمع الغربي وحاجاته وتطوره في فترة بنائه للدولة الحديثة، فقد رافق استيراد هذه المؤسسات إلى البلدان العربية كثير من المشكلات، لعل من أهمها عدم انسجامها مع القاعدة السوسيولوجية العربية، وعدم توافقها مع الثقافة السائدة، ومع العادات والتقاليد، ولذلك قد يكون من الضروري إضافة مقياس آخر لقياس مدى الارتباط العضوي لهذه التنظيمات ببنى المجتمع وثقافته، ومدى ترجمتها لرغبات وميول الأفراد الذين تدعي تمثيلهم، وبالمقابل مدى تمثّل هؤلاء الأفراد للقيم التي تدعو لها هذه التنظيمات ومدى التزامهم بها، ومدى استيعابهم للقوانين والإجراءات الناظمة لعملهم، ومدى توافق القيم التي تدعو لها هذه التنظيمات مع القيم الاجتماعية السائدة، مع احتفاظها لنفسها بقدرتها على إحداث التغيير المطلوب، كما يفترض وجود احترازات في الأنظمة الداخلية لهذه التنظيمات تحول دون طغيان الولاءات التقليدية والمحسوبية على آلية عملها؛ لأن هذه المؤسسات لم تنبت في بيئتنا الاجتماعية، وعليه فإن وجود مثل هذه الاحترازات هو دليل على قدرتها على الارتباط العضوي مع المجتمع، ومع ذلك فقد تمايزت هذه المؤسسات كثيراً، فمن خلال مقاربة قانونية يمكن التمييز بين المؤسسات الرسمية الثابتة للدولة وبين المؤسسات غير الرسمية، ومن خلال مقاربة جغرافية يمكن التمييز بين المؤسسات الوطنية (على مستوى الدولة كلها) وبين المؤسسات المحلية أو الإقليمية، كما يمكن التمييز بين المؤسسات بحسب حقول نشاطها، فإذا وقع نشاطها في المجال الاقتصادي تكون مؤسسات اقتصادية، أو يقع نشاطها في المجال السياسي فتكون سياسية، أو في المجال الاجتماعي فتكون اجتماعية وهكذا.

محمود حديد

 الموضوعات ذات الصلة:

 

الاجتماع (علم ـ) ـ الجماعة ـ المدني.

 

 مراجع للاسـتزادة:

 

ـ موريس دوفرجييه، المؤسسات السياسية والقانون الدستوري: الأنظمة السياسية الكبرى، ترجمة جورج سعد (المؤسسة الجامعية للدراسات، بيروت 1992).

ـ كريم أبو حلاوة، «إشكاليات نشوء وتطور مفهوم المجتمع المدني في المجتمع العربي المعاصر»، مجلة الوحدة، العدد91، 1992.

ـ صموئيل هنتنغتون، النظام السياسي لمجتمعات متغيرة، ترجمة سمية فلوعبود (دار الساقي، بيروت 1993).


التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد
المجلد: المجلد العشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 11
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 769
الكل : 60289311
اليوم : 43606

التعاطف

التعاطف   التعاطف ظاهرة نفسية واجتماعية وأخلاقية وجمالية، ويتضح مفهوم التعاطف بتحليل عناصره المقومّة أولاً. ثم تفسير ظاهرة التعاطف فلسفياً، بوجه خاص. التعاطف مشاركة الآخرين مشاعرهم في لذاتهم وآلامهم. وقد ميز الباحثون التعاطف المباشر من غير المباشر، الأول يتجه إلى الشخص الآخر بذاته، ويمثل في انفعال عطوف، والآخر ينجم عن عاطفة تتجه، أو تنتقل، إلى موضوع أو شخص، يرتبط بإنسان متميز حبيب. الأم تتعاطف وأصدقاء ابنها الغائب، أو لدات ابنها الميت. ونحن نجلّ متاع الحبيب، ونناجي أطلال مقامه، ورفات خبائه.
المزيد »