logo

logo

logo

logo

logo

الميكروسوسيولوجيا

ميكروسوسيولوجيا

-

الميكروسوسيولوجيا

 

يستخدم تعبير «الميكروسوسيولوجيا» Micro-sociology للدلالة على مجموعة الدراسات الاجتماعية المعنية بالمجتمعات صغيرة الحجم، كما هي الحال بالنسبة إلى جماعات العمل ضمن مؤسسات العمل، وجماعات الطلبة في مؤسسات التعليم، إضافة إلى الدراسات المعنية بقضايا الأسرة وجماعات الأقران؛ والمشكلات اليومية التي يعيشها الناس في حياتهم الاعتيادية، وهي على الطرف المقابل من دراسات «الماكروسوسيولوجيا» Macro-sociology التي يراد فيها عادة الدراسات المعنية بالكل الاجتماعي، كما هي الحال في دراسة مراحل التطور الاجتماعي، والصراعات الاجتماعية وبنية السلطة وغيرها.

على الرغم من الوشائج الوثيقة التي تربط الدراسات الشمولية «الماكروسوسيولوجيا» والدراسات الموضعية «الميكروسوسيولوجيا» ببعضهما ارتباطات وثيقة؛ إن إمكانية تفسير القضايا الموضعية (مشكلات الأسرة، والعلاقات الزوجية، وضعف التحصيل الدراسي بين التلاميذ في المدارس) بفرضيات شمولية كالحديث عن صراع الطبقات، أو بمراحل التطور التاريخي للمجتمع أو بأشكال السلطة السياسية السائدة هو ضرب من الإغراق في التفسير الشمولي؛ ذلك أنه في كل مجتمع تظهر هذه المشكلات، ولكن بآليات مختلفة وطرق متعددة؛ الأمر الذي استوجب التمييز بين مستويات التحليل في الدراسات الاجتماعية.

إن تعدد الموضوعات التي يعالجها علم الاجتماع sociology وتنوعها سمة أساسية تصف هذا العلم، ويأتي في جزء كبير منه نتيجة التعددية pluralism الفكرية النظرية التي تنطوي على تنوع المداخل المفسّرة لموضوعات الدراسة من أكثر المستويات والاتجاهات شمولية، كالنظريات السوسيولوجية العامة general sociological theories التي تفسر طبيعة الحياة الاجتماعية عامة، ومن ممثلي هذا الاتجاه كارل ماركس[ر]، ماكس فيبر [ر]، إميل دوركايم [ر]، ونظريات المستوى المتوسط التي تفسر مظاهر وعمليات مختلفة للحياة الاجتماعية إلى الأبحاث التجريبية على الواقع الملموس.

لقد كشف عالما الاجتماع الأمريكيان ف. بالي F.Baali، و م. مور M.Moore ـ بعد اطلاعهما وتدوينهما جميع تعريفات علم الاجتماع الواردة في ستة عشر كتاباً مدرسياً في السوسيولوجية العامة، صدرت في الولايات المتحدة الأمريكية في 20 عاماً (1951ـ1971) ـ ثمانية موضوعات أساسية لعلم الاجتماع؛ هي: التفاعل الاجتماعي، والعلاقات الاجتماعية، وبنية الجماعات، والسلوك الاجتماعي، والحياة الاجتماعية، والعمليات الاجتماعية، والظاهرات الاجتماعية الثقافية، والإنسان في المجتمع.

وتتميز أعمال كبار علماء الاجتماع التقليديين في القرن التاسع عشر بتوجهها ـ في الأغلب ـ نحو دراسة المسائل الكبرى، وقد يكون لهذا التوجه صلة بتصنيع أوربا الغربية، وكان نشوء طبقة متوسطة قوية اقتصادياً، وشقاء جماهير العمال المأجورين، ونمو المؤسسات الديمقراطية؛ هي الموضوعات الكبرى التي عالجها هؤلاء العلماء الذين رأوا أن مهمتهم تكمن في تقديم حلول للمشكلات الناشئة عن انحلال البنية السابقة للرأسمالية؛ إلاّ أن الحربين العالميتين أضعفتا تقدم العلوم الاجتماعية في أوربا الغربية، حيث لم ينشر في أوربا مابين عامي 1920ـ 1950 أيّ كتاب يرقى إلى مستوى التراث التقليدي.

أمّا في الولايات المتحدة؛ فلم تكن الظروف مماثلة، فعندما استقلت البلاد كان التصنيع قد بدأ، وأخذت تصل إلى البلاد موجات متتالية من المهاجرين؛ الأمر الذي عقَد مشكلات التلاؤم، وكانت المشاغل اليومية أكثر ضغطاً مما يمكن معه التفرغ لاستخلاص منظور تاريخي، كما أن الحاجة إلى دراسة الأقليات العرقية، وارتقاء الخدمات الاجتماعية، ونمو المدن الجديدة العملاقة؛ كل هذا كان الإطار الذي تكوّن فيه علم الاجتماع، وأصبح البحث الاختباري أداة لا يستغنى عنها في أمريكا، وبدأت طرقه الفنية في البحث تُعلُّم في الكليات الجامعية.

ويرى أوسيبوف Osipov أن علم الاجتماع يهتم بدراسة الجوانب العامة والخاصة في الحياة الاجتماعية؛ وما بينها من ترابط وظيفي واعتماد متبادل، وانطلاقاً من ذلك يقسم علم الاجتماع إلى: علم الاجتماع النظري العام الذي يهتم بدراسة القوانين التي تحكم نشوء أي نظام اقتصادي اجتماعي معين وتطوره؛ ودراسة آلية تفاعل الأنساق الاجتماعية الفرعية في إطار بناء اجتماعي متماسك، وعلم الاجتماع الخاص الذي يهتم بالتعمق في بناء الكائن العضوي الاجتماعي الكلي، ويكشف آلية التفاعل بين عناصره وقواعد وظائفه وتطور كل نسق فرعي، كأن يقال: سوسيولوجيا العمل والأسرة والثقافة… إلخ، وكلا القسمين لا ينفصلان، ولا يتعارضان، فهما معاً يستندان إلى المعرفة العميقة بالواقع الفعلي للمجتمع في مرحلة معينة من مراحل تاريخه.

ويميّز عالم الاجتماع الفرنسي جورج غورفيتش Georges Gurvitch بين ثلاثة مستويات للنماذج الاجتماعية: مستوى الماكرو ـ سوسيولوجيا (أي المستوى المجتمعي الكبير) للمجتمعات الكلية؛ وهو يضم تجمعات اجتماعية كاملة نوعاً ما حتى تكفي جميع حاجات أعضائها، كبلد من البلدان، أو كالحضارة الشرقية، وتعد هذه التجمعات عندئذ بمنزلة كليات أو وحدات، ومستوى المجموعات الجزئيّة التي تدخل في تكوين المجتمعات الكلية، كالعائلة، وجماعات القرابة، والجمعيات التطوعية، والطبقات الاجتماعية… إلخ. ومستوى الميكرو ـ سوسيولوجيا (أي المستوى المُجتمعي الصغير) لمختلف أنماط الارتباطات الاجتماعية التي يسميها غورفيتش أيضاً «الأشكال المُجتمعية»؛ أي النماذج المتنوعة للعلاقات الاجتماعية التي تقوم بين أعضاء جماعة من الناس؛ والطرق المختلفة التي تربط هؤلاء الأعضاء بالكل الاجتماعي.    

ويقترح في هذا السياق ب.ف.لازارسفيلد P.F.Lazarsfeld تقسيم علم الاجتماع إلى قسمين يمكن أن تندرج تحتهما مختلف الموضوعات التي يعالجها هذا العلم؛ وهما:

الماكروسوسيولوجيا (علم الاجتماع العياني)

تعالج الماكروسوسيولوجيا الموضوعات الكبرى؛ ففي هذه الحالة ينظر علماء الاجتماع إلى المجتمع على أنه كلٌّ، ويحاولون بعد ذلك أن يستخلصوا صور الترابط بين عناصره الأساسية ومؤسساته، كالنظام السياسي والاقتصاد والحياة الروحية… وتهتم الماكروسوسيولوجيا بالكشف عن القوانين العامة التي تحكم اتجاه التطور الاجتماعي.

والتحليل الماكروسوسيولوجي يتناول الوحدات الاجتماعية الكبيرة الحجم كالمدينة أو الكنيسة، أو بشكل على نحو تجريدي كالأنساق والأبنية الاجتماعية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن مفهوم الماكروسوسيولوجيا تُرجم إلى اللغة العربية بمصطلح «علم اجتماع الجماعات الكبيرة»؛ إضافة إلى الترجمة المذكورة سابقاً «علم الاجتماع العياني».

الميكروسوسيولوجيا (علم الاجتماع الدقيق)

ويستخدم للدلالة على هذا المفهوم في اللغة العربية مصطلح «علم اجتماع الجماعات الصغيرة»، وقد أسهمت الوضعية الجديدة Neo-positivism في الثلاثينيات من القرن العشرين في نشر الاتجاه التجريبي في علم الاجتماع في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وبعد ذلك في أوربا، ثم انتقل هذا التقليد؛ ليشمل مناطق مختلفة من العالم، ثم استخدم الاتجاه التجريبي في علم الاجتماع الطرائق الكمية (العددية)، وارتكز هذا الاتجاه على مبدأين أساسيين للوضعية الجديدة: مبدأ التحقق Verification الذي يتأكد بوساطته بالتجربة الحسية المباشرة من صحة فرضية ما؛ أو عدم صحتها، والعلم لا يقبل الفرضيات التي لا يمكن التحقق منها، ومبدأ الإجرائية operation الذي يقوم على وضع مجموعة إجراءات عملية تمكن من قياس الظواهر التي يمثلها مفهوم ما، فمعرفة أهمية مفهوم الطول ومعناه ـ على سبيل المثال ـ لا يمكن التوصل إليهما من دون القيام بعمليات وإجراءات تمكن من قياس الطول. وقد ساعد هذا الاتجاه على إنجاز كثير من البحوث الميكروسوسيولوجية التي تعالج مشكلات الجماعات الصغيرة. ففي الولايات المتحدة الأمريكية يوجد معهد خاص للميكروسوسيولوجيا هو معهد ج. مارينو G.Marino، وصحيفة خاصة هي صحيفة السوسيومتري.

وتستخدم الميكروسوسيولوجيا مصطلحات العلوم الطبيعية، مثل: العناصر الدقيقة والإلكترونات والذرات والجزيئات… وقد قدمت البحوث الميكروسوسيولوجية نتائج مهمة في التجارب المجراة على «دينامية» الجماعات الصغيرة، وتحليلات السلوكيات الاجتماعية الأولية.

إن البحث الميكروسوسيولوجي لا يسعى إلى كشف القوانين العامة للتطور الاجتماعي ومعرفتها. والتحليل الميكروسوسيولوجي للظواهر الاجتماعية ينطلق من مفاهيم البنية الدقيقة (العلاقات النفسية بين الناس ورغباتهم وتعاطفهم ونفورهم)؛ والبنية الكبيرة (اتحاد الناس في أي مكان معين في ساعات العمل والدراسة والراحة، وفي الحياة اليومية في المدرسة، أو الفصل الدراسي، أو في ملعب الكرة، أو في المسكن…). ويقال: إن توافق كل منهما مع الأخرى أو عدم توافقهما تحدده درجة «التوتر الاجتماعي» فيها؛ واستقرار الحياة الاجتماعية.

ولابد من الإشارة إلى أنه من الممكن للتحليل السوسيولوجي أن ينعقد إما من الماكرو ـ سوسيولوجيا؛ وإما من الميكرو ـ سوسيولوجيا، إننا لا نستطيع أن نتبع تحليل المجتمع الكلي أو أي مجتمع كلي بالتحديد من دون أن نرجع باستمرار إلى مفاهيم ومبادئ اكتسبت عبر حصيلة الحتميات والحريات التي يقدمها لنا البحث الميكرو- سوسيولوجي؛ ذلك لأنه إذا كان صحيحاً أن الظاهرة الميكرو ـ سوسيولوجية ينبغي أن تؤدي إلى المركّب الماكرو ـ سوسيولوجي الذي تندمج فيه؛ فإنه يجب علينا كذلك أن نعترف بأن دراسة المجتمع الكلي تحيل عالم الاجتماع دائماً وباستمرار نحو الوقائع الميكرو ـ سوسيولوجية التي يتألف المجتمع الكلي من مجملها. إن هذا الذهاب والإياب بين وحدات الملاحظة الأكثر دقة وبين المجموعات الاجتماعية الكبرى هو المسلك الطبيعي والضروري لعالم الاجتماع، وهو سمة من السمات الأكثر خصوصية للعلم المُجتمعي، وربما في الوقت ذاته إحدى أكبر صعوباته، وليس هناك بالنسبة إلى علم الاجتماع من انفصام بين صعيدي الميكرو ـ سوسيولوجيا والماكرو ـ سوسيولوجيا، وإنما هناك تداخل بالأحرى، وتكامل لدرجتين من الواقع الاجتماعي ولمستويين من التحليل.

وفيما يتعلق بالبحوث التجريبية المجراة على الجماعات الصغيرة تذكر «تجربة روبير في الكهف» التي أنجزها مظفر شريف Muzafar Sharif وأعوانه في مخيم للعطل في أوكلاهوما. وقد كان المشاركون في التجربة طلاباً في الحادية عشرة من العمر تقريباً (بيضاً، بروتستنت) ينتمون إلى الطبقة المتوسطة، وقد تمّ اختيارهم لتأليف عينة متجانسة قدر الإمكان، وبعد وصولهم إلى المخيم قسم الطلاب إلى مجموعتين مختلفتين من وجهة نظر الاستعدادات الجسدية، ومن وجهة نظر النماذج الشخصية، وأيضاً من وجهة نظر علاقاتهم السابقة، ووضعت المجموعتان في سلسلة من المواقف، حيث تعارضت مصالحهما، وحيث إن كل مجموعة شكلت حاجزاً لأهداف المجموعة الأخرى؛ مما أدى إلى بروز وضعية صدامية مصغرة وعداوة متبادلة بينهم؛ وعلى الرغم من أن العداوة تجريبية وجد الباحثون صعوبات فائقة في منع موجة العنف. وبخلقهم ـ وعلى نحو اختياري ـ وضعاً من الصراع الاجتماعي كهذا؛ باشر الباحثون اختباراً على شروط إقامة السلم، فاكتشفوا أن السلم يمكن تحقيقه بوساطة استدراج المجموعتين لتحقيق أهداف لا تستطيع أي واحدة منهما الوصول إليها بجهودها الخاصة؛ وهذا دفعهما لإقامة تعاون قُبل على مضض، ونجح في تبديد حالة التوتر الناجمة عن الصراعات السابقة.  

ماجد أبو حمدان

 الموضوعات ذات الصلة:

 

الاجتماع (علم ـ) ـ دوركهايم (إميل ـ) ـ غورڤيتش (جورج ـ) ـ ڤيبر (ماكس ـ) ـ ماركس (كارل ـ).

 

مراجع للاستزادة:  

 

ـ أوسيبوف، أصول علم الاجتماع، ترجمة: دار التقدم (موسكو 1990).

ـ بول لازارسفيلد، علم الاجتماع في: الاتجاهات الرئيسية للبحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية، ترجمة: جماعة من الأساتذة (اليونسكو، وزارة التعليم العالي، دمشق 1976).

ـ غي روشيه، مدخل إلى علم الاجتماع: الفعل الاجتماعي، ترجمة مصطفى دندشي (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1983).


التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد
المجلد: المجلد العشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 265
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 551
الكل : 29619283
اليوم : 74199

الشكلية في الأدب

الشكلية في الأدب   الشكلية Formalism نزعة ترمي إلى تغليب الشكل والقيم الجمالية على مضمون العمل الأدبي، وما فيه من فكرة أو خيال أو شعور. وكانت الشكلية في بداياتها قد حصرت اهتمامها في الشكل فقط، لكنها مالبثت أن تطورت إلى دراسة بنية هذا الشكل وتميزت بنفورها من كل ما هو ميتافيزيقي ومغرق في الغموض، واعتمدت منهجية تجريبية تعتمد على دراسة الظواهر والملاحظات التجريبية، مبتعدة عن الانطباعية، وركّزت على الشكل وعلى نسيج النص اللفظي، مما أدّى إلى دراسة الأصوات وتكراراتها ورخامتها وانسيابيتها وإيقاعها. ميّزت الشكلية بين اللغة الشعرية واللغة العملية في استخدام الكلمات، كما استقرأت المستويات المختلفة للنص وأساليبه في تفاعلها المبدع، وسعت إلى استكشاف الأدوات الأدبية والتقنية والبلاغية المستعملة.
المزيد »