logo

logo

logo

logo

logo

المغرب العربي الكبير (التاريخ القديم)

مغرب عربي كبير (تاريخ قديم)

Maghreb - Maghreb

المغرب العربي الكبير (التاريخ القديم)

 

المغرب العربي تسمية حديثة نسبياً لشمالي إفريقيا في العصور القديمة، ويتفق مدلوله وامتداده على العموم مع ما ذكره الجغرافي الأندلسي البكري: «حد إفريقية طولها من برقة شرقاً إلى طنجة الخضراء غرباً، وعرضها من البحر إلى الرمال التي في بلاد  السودان»، من ثم فهو يشمل أقطار المغرب العربي الأربعة: ليبيا وتونس والجزائر والمغرب. وكان الإغريق قد أطلقوا على هذه المنطقة في القديم اسم ليبيا Lybia، في حين دعاها الرومان باسم إفريقية Africa (نسبة إلى قبيلة أفري التونسية)، الذي صار اسماً للقارة كلها في العصور الحديثة. ويروي ابن خلدون أن الاسم جاء من «أفريقس» أحد ملوك حمير اليمينة، ولعله كان الجد الأكبر لقبيلة أفري المذكورة.

يُقسَم تاريخ المغرب العربي القديم إلى حقبتين كبيرتين هما: عصور ماقبل التاريخ والعصور التاريخية.

عصور ماقبل التاريخ: دلّت الدراسات التي قام بها الباحثون في مناطق مختلفة من المغرب الكبير على أن الشمال الإفريقي كان في عصور ماقبل التاريخ غزير الأمطار، كثيف الأشجار تكثر فيه الحيوانات الضخمة كالفيلة والأسود والنمور وسواها، ولكن مع نهاية العصر الجليدي الرابع حدث تغير كبير في المناخ فقلت الأمطار وبدأ الجفاف يعم مناطق واسعة، صارت تشكل ما يعرف بالصحراء الكبرى الإفريقية.

تدل أقدم الآثار المتكشفة على سكن أشباه الإنسان في شمالي إفريقيا، وقد وجدت بقايا العصر الحجري القديم (الباليوليتي الأدنى) في العديد من المواقع مثل عين حنش Aïn Hanech في شرقي الجزائر، الذي يعود تاريخه إلى ماقبل مليون سنة، وموقع ترنيفين Ternifine في الجزائر أيضاً حيث وجدت أدوات حجرية مختلفة مثل الفأس اليدوي صنعها الإنسان المنتصب Homo erectus قبل نحو مئتي ألف سنة، كما عثر في موقع سيدي عبد الرحمن في المغرب على آثار مهمة تعود إلى المرحلة الآشولية وتنسب إلى إنسان الرباط، ثم تلتها ثقافات أخرى من العصر الباليوليتي الأوسط شبيهة بمثيلاتها في المشرق العربي ولكنها  أقل تطوراً، وقد وصلت إلى قمة تطورها في الثقافة العتيرية Aterian، نسبة إلى موقع بير العتير بجنوبي تونس، وهي أول ثقافة لها صفات متميزة وآثارها منتشرة في كل أنحاء المغرب الكبير وتعود إلى ماقبل نحو ثلاثين ألف سنة.

ثم تلتها الصناعات الدقيقة المرتبطة بظهور الإنسان العاقل Homo sapiens المسمى الوهراني، التي انتشرت على السواحل والتلال المجاورة لها،وتؤرخ بين 15ألف سنة و10 آلاف ق.م. وقد تبعه إنسان قفصة Capsian الذي ينتمي إلى حوض البحر المتوسط وانتشرت ثقافته القفصية في تونس وشرقي الجزائر في الفترة الممتدة بين تسعة آلاف سنة وخمسة آلاف قبل الميلاد.

انتشرت ثقافة العصر الحجري الحديث (النيوليتي) في خلال الألفين السادس والخامس قبل الميلاد، واتسمت بتدجين الحيوانات والانتقال من الصيد وجمع الغذاء إلى إنتاجه. واستمر التراث النيوليتي القفصي على الأقل حتى الألف الأول قبل الميلاد، مع تغيير وتطوير طفيف. في الحقيقة لم يكن يوجد في المغرب الكبير حضارة نيوليتية مزدهرة، كما أن آثار عصر البرونز قليلة، وبقيت معظم الأدوات والأسلحة تصنع من الحجر حتى دخول تقنيات تصنيع الحديد.

وقد خلف أولئك السكان كثيراً من الرسوم التي نقشوها على الصخور في مغاور الصحراء الإفريقية وملاجئها في جنوبي جبال أطلس والهجّار وسلاسل تيبسي وجبل أكاكوس جنوبي فزان، وتدل غالبيتها العظمى على أنها تنتمي إلى التراث القفصي. ويمكن عموماً أن نميّز بين هذه النقوش والرسوم عصراً للصيادين ورعاة البقر نحو 3500ق.م، وعصر رعاة البقر ومربي الخيول نحو  1200ق.م، وهي تعد سجلاً فريداً  عن حياة الأقوام الذين أبدعوها.

العصر القرطاجي: دخل المغرب العربي في العصور التاريخية مع وصول الفينيقيين إلى شواطئه في مطلع الألف الأول قبل الميلاد (أو أبكر قليلاً) بهدف إقامة محطات تجارية بين مدن الساحل السوري وإسبانيا،  التي كانت أهم مصدر للفضة والقصدير والرصاص. وتذكر الروايات التاريخية أن قادس Gades كانت أقدم المراكز التجارية الفينيقية في الغرب، أما أقدمها في الشمال الإفريقي  فكانت مستوطنة أوتيكا Utica على الساحل التونسي التي يعود تأسيسها إلى عام 1101ق.م تقريباً، ثم تلتها قرطاجة[ر] Karthago (في الفينيقية قرت حدشت، أي المدينة الجديدة) التي قدر لها أن تصبح أعظم المستوطنات الفينيقية في المغرب الكبير، وتنسب الروايات تأسيسها إلى عام 814ق.م وقد وجدت فيها آثار إغريقية  تعود إلى القرن الثامن مما يؤكد قدمها.

كما عثر على شواهد مادية تدل على استيطان فينيقي في أوتيكا منذ القرن الثامن على الأقل، وعلى شواهد من القرن السابع أو السادس قبل الميلاد في هدروميتوم (سوسة حالياً) وفي تيباسا Tipasa (شرقي شرشال الجزائرية) وفي ليكسوس Lixos (قرب الرباط) وموغادور على الأطلسي، وهي أبعد مستوطنة فينيقية في أقصى الغرب.

كانت أوتيكا المدينة الثانية بين تلك المستوطنات من حيث أهميتها ومكانتها وكانت مرفأ مهماً في القديم، ولكن تغيير نهر مجردة (Bagradas) لمساره نجم عنه أنها صارت تبعد اليوم نحو 10كم عن البحر. كما أقام الفينيقيون عدداً من المرافئ على طول الساحل حتى مضيق جبل طارق ومنها هيبوريجيوس Hippo Regius (بونة /عنابة حالياً)، التي أسستها قرطاجة، وكذلك مدينة روسيكاده Rusicade(اسكيكيدة)، أما طنجة Tingis فكانت مستوطنة في القرن الخامس قبل الميلاد.

وتتفق المصادر القديمة على أن قرطاجة صارت بفضل تجارتها من أكبر مدن العالم القديم وأغناها ويذكر الجغرافي استرابون Strabo أن عدد سكانها وصل إلى 700ألف نسمة (ولعل الرقم 400 ألف أقرب إلى الواقع).

ويشهد على ثرائها جيوش المرتزقة الكبيرة التي كانت تجندها والنقود الذهبية التي سكتها في القرن الرابع قبل الميلاد أكثر من أية دولة أخرى آنذاك والحروب التي خاضتها ضد الإغريق والرومان. وقد أرسلت رحلتين للاستكشاف والتجارة في القرن الخامس كانت إحداهما بقيادة هانو Hanno على طول شواطئ الأطلسي للمغرب، والأخرى بقيادة هاميلكو Hamilco على طول شواطئ إسبانيا الأطلسية للوصول إلى جنوبي بريطانيا بلد القصدير.

شكلت قرطاجة امبراطورية بحرية كبيرة امتدت إلى صقلية وسردينيا وجزر الباليار وشواطئ إسبانيا، وحافظت على سيطرتها على شواطئ المغرب المتوسطية بأكملها،وأقامت عدداً من المستوطنات على ساحل المحيط الأطلسي.

أما عن المستوطنات والمدن الفينيقية والقرطاجية على الشواطئ الليبية فكانت تتزعمها في إقليم طرابلس الغرب مدينة لبدة الكبرى Leptis Magna مع شقيقيتها أويا Oia (طرابلس) وصبراته Sabratha التي جاء غناها من خلال تجارتها عبر الصحراء، إذ كانت لبدة تشكل نهاية أقصر الطرق التي تصل البحر المتوسط بأواسط إفريقيا. ويروى أن زعيماً قرطاجياً يدعى ماغو Mago عبر الصحراء عدة مرات لتأمين التجارة والاتصالات مع إفريقيا عبر الصحراء.

كما كان لقرطاجة محطات تجارية مهمة عند خليج قابس، حيث قامت مدينة هدروميتوم Hadrumetum أكبر المدن على الشاطئ الشرقي لتونس، وعدد من المدن الصغيرة مثل لبدة الصغرى.

وهكذا امتدت امبراطورية قرطاجة من خليج سرت حتى المحيط الأطلسي، وكانت تفرض على رعاياها جزية كبيرة وضرائب على الصادرات والواردات وتعقد الاتفاقات التجارية مع روما وغيرها لضمان مصالحها ومناطق نفوذها. وكانت المستوطنات الفينيقية والقرطاجية تحظى بمعاملة خاصة، ولكنها كانت جميعاً تدور في فلك قرطاجة سياسياً واقتصادياً وساد فيها نظام حكم قرطاجة الجمهوري الأرستقراطي وعلى رأسه حاكمان يُنتخبان سنوياً، حملا لقب سوفيت (أي قاض) وإلى جانبهما مجلس شيوخ من أثرياء المواطنين. ويبدو أن أعداد المواطنين القرطاجيين لم تكن كافية للدفاع عن كل تلك المستوطنات العديدة المنتشرة في الحوض الغربي للمتوسط، لذلك لجأت قرطاجة إلى تجنيد القسم الأكبر من جيوشها وبحارتها من أبناء المغرب العربي الذين خدموا مرتزقة تحت قيادة القرطاجيين.

كان القرطاجيون مشهورين بتمسكهم بديانتهم ومعتقداتهم التي أثرت أيضاً في سكان المغرب، وكان إلههم الرئيس وحامي مدينتهم بعل حمون وإلى جانبه الإلهة تانيت Tanit ولعل اسمها ليبي ارتبطت بعبادة الخصب، كما كان يعبد إله صور ملقارت وكذلك الإله أشمون. و قد ارتبط كثير من أسماء القرطاجيين وسكان المغرب بأسماء هذه الآلهة مثل هانيبال(:حنّ بعل) وهملقار(:حبيب ملقرت)..

وفي الحقيقة لانعرف عن قرطاجة وتاريخها وحضارتها إلا القليل، ومعظمه جاء على لسان أعدائها، ويعود السبب في ذلك إلى تدميرها على أيدي الرومان وقضائهم بصورة بربرية على كل معالم قرطاجة وحضارتها وآثارها، حتى أنهم حرثوا أرضها ونثروا عليها الملح كيلا تقوم لها قائمة بعد ذلك.

لقد كان لقرطاجة بلا شك أعظم الأثر في تاريخ المغرب العربي الكبير وحضارته فقد أدخلته في ضوء العصور التاريخية وفي المسيرة الحضارية للمشرق العربي وعالم البحر المتوسط، كما أسست كثيراً من مدنه التي لاتزال قائمة حتى اليوم وأدخلت إليه تقنيات زراعية متطورة فتحول كثر من سكانه إلى حياة الاستقرار والحياة المدنية التي ستتطور في العصور اللاحقة.

الاحتلال الروماني: ظلت قرطاجة سيدة البحر المتوسط في الغرب مئات السنين حتى اصطدمت بالرومان الذين خاضت معهم ثلاث حروب كبيرة عرفت بالحروب البونية[ر]، جرت أولاها (264-241ق.م) في جزيرة صقلية وانتهت بخسارة القواعد القرطاجية في صقلية. أما الثانية (218-201ق.م) التي قادها البطل هانيبال[ر] فكادت تصل بروما إلى حافة الهاوية وانتهت بفقدان قرطاجة مكانتها السياسية والحربية وصارت تحت رحمة الرومان، الذين نجحوا في شق لحمتها مع سكان المغرب النوميديين الذين بدأ ملكهم ماسينيسا[ر] Masinissa صراعاً طويلاً مع قرطاجة استغله الرومان لشن الحرب البونية الثالثة (149-146ق.م) التي انتهت بتدمير قرطاجة واحتلال أرضها التي صارت ولاية رومانية باسم إفريقيا، وبذلك بدأ الاحتلال الروماني للمغرب العربي الذي امتد شرقاً وغرباً حتى خضعت أقطاره الأربعة للاحتلال والسيطرة الرومانية.

الممالك المحليّة: أعقب سقوط قرطاجة قيام عدد  من الممالك والدول التي تدور في فلك الرومان، وعلى رأسها: المملكة النوميدية والمملكة الموريتانية. وكان يسكن المغرب العربي مجموعة كبيرة من القبائل، من أهمها الماوري Mauri في مناطق الغرب الجزائري والمغرب، وقد أعطوا اسمهم لموريتانيا. والنوميديون[ر] في شرقي الجزائر وقبائل غيتولي Gaetoli، وكانوا بداة في الصحراء وأطرافها، وهناك قبيلة أخرى في تونس، والجرمنتيون في واحة فزان، وقد تأثرت هذه القبائل بحضارة قرطاجة وخدم كثير من أبنائها مرتزقة في جيوشها ولاسيما النوميديون في عهد ماسينيسا الذي انقلب على القرطاجيين في الحرب البونية الثانية فكافأه الرومان بان اعترفوا به ملكاً على نوميديا الشرقية التي حكمها مايزيد على نصف قرن ومارس سياسة التوسع على حساب قرطاجة وعمل بدعم من الرومان كل مايستطيع للتضييق عليها واقتطاع أراضيها، وقد اتخذ من مدينة قرطة (كيرتا Cirtaمدينة قسنطينه حالياً) عاصمة له، ووسع مملكته بالسيطرة على إقليم طرابلس ودواخل تونس.

وبموته عام 148ق.م انقسمت مملكته بين أبنائه الثلاثة، ثم توحدت بقيادة ميكيبسا Micipsa (148-118ق.م)، وقوي نفوذها بعد دمار قرطاجة. وبعد موته انقسمت  المملكة مجدداً وتوحدت على يد يوغورتا Iugurtha الذي اصطدم مع الرومان وحاربهم ولكنه هُزم فالتجأ إلى ملك موريتانيا الذي سلمه للرومان.

كان جوبا الأول Juba I آخر ملوك نوميديا،قد وقف إلى جانب بوجيوس في الحرب الأهلية الرومانية وسقط في معركة تابسوس Tapsos التي جرت في تونس عام 46ق.م فاستولى يوليوس قيصر على المملكة النوميدية وحولها إلى ولاية رومانية باسم إفريقيا الجديدة.

وفي عام 33ق.م مات بوخوس الثاني ملك موريتانيا وورّث مملكته لروما، فنصّب الامبراطور أغسطس جوبا الثاني ملكاً عليها، وحكمها حتى موته عام 24م، وكان متزوجاً من   كليوباترة (ابنة أنطونيوس من كليوباترا الشهيرة)، وفي عهده سميت مدينة يول Iol الجزائرية باسم القيصر Caesarea (وهي شرشال الحالية)، وكذلك فولوبيليس Volubilis (قرب فاس) التي صارت مركزاً للحضارة الرومانية في أقصى المغرب. وخلفه ابنه بطلميوس (24-40م) ولكن الامبراطور الروماني كاليغولا أزاحه عن العرش عام 40م فاندلعت الثورة، ولكن الرومان قمعوها وقسموا المملكة إلى ولايتين هما موريتانيا القيصرية وموريتانيا الطنجية.وهكذا تم القضاء على المملكتين النوميدية والموريتانية، وخضع المغرب بكامله للاحتلال الروماني.

المغرب تحت الحكم الروماني:

بعد تدمير قرطاجة عام 146ق.م بدأ الرومان يستوطنون في المغرب العربي بأعداد كبيرة وجرت محاولة مخفقة لإعادة  تأسيس قرطاجة عام 121ق.م، ولكن المدينة لم تنهض من جديد إلا بعد قرن من تدميرها، عندما أعاد تأسيسها يوليوس قيصر عام 46ق.م وأسكن فيها جالية رومانية كبيرة، وسرعان  ماازدهرت في عهد الامبراطور أغسطس (27ق.م -14م) وصارت من أكبر مدن البحر المتوسط.

بدأ الرومان حكمهم بمصادرة الأراضي الزراعية وتوزيعها على المهاجرين الرومان الذين امتلكوا مساحات واسعة على حساب سكان البلاد الأصليين الذين تحول كثير منهم إلى أجراء وعمال زراعيين، وقامت عدة ثورات ضد الحكم الروماني كان أخطرها ثورة تاكفريناس Tacfarinas التي قمعت عام 23م. كما قامت عدة ثورات في منطقة الريف دامت إحداها ست سنوات واتخذ بعضها فيما بعد الطابع الديني.

أقام الرومان خطاً دفاعياً يفصل بين المناطق الحضرية والبدوية عرف باسم »الليمس الإفريقي« الذي اشتمل على عدد من الحصون والقلاع وبعض المزارع التي منحت لمزارعين من أبناء البلاد، ليقوموا بزراعتها والدفاع عن المناطق الحدودية ضد هجمات القبائل البدوية.

وأعظم مظهر يمكن ملاحظته في العصر الروماني هو تطور الحضارة المدنية وازدهارها خاصة في تونس وشمالي الجزائر وبعض أجزاء المغرب. وكانت قرطاجة قد أسهمت بنصيب وافر في تأسيس المدن وكذلك حكام الممالك الوطنية هذا إضافة إلى استيطان المهاجرين الرومان، ولكن أعدادهم كانت محدودة قياساً إلى السكان الوطنيين وسكان كثير منهم في قرطاجة والمدن الكبرى.

كان الجيش الروماني أداة مهمة في نشر مظاهر الحضارة الرومانية وفي رَوْمنة المناطق الحدودية، ولكن الرومنة كانت سطحية في غالب الأحيان ولم تشمل إلا أقلية صغيرة من سكان المدن الأثرياء.

 وقد بقيت اللغة البونية (البونيقية) لغة الحديث في المغرب الكبير حتى القرن الرابع الميلادي، أما لغة الإدارة والجيش والثقافة فكانت اللاتينية التي ألف فيها عدد من الكتاب وآباء الكنيسة المسيحية.

أسس الرومان عدداً من المدن التي كانت في أول الأمر معسكرات للجيش الروماني ثم غدت مدناً مزدهرة، ومن أشهرها ثموجادي Thamugadi ولامبايسيس Lambaesis. وكانت المدن الكبرى تزهو بأبنيتها ومعابدها وكنائسها وساحاتها العامة ومسارحها وأقواس النصر ولوحات الفسيفساء... وتعد آثار لبدة الكبرى وطرابلس وصبراتة وقرطاجة والجم ولامبايسيس وثموجادي وقيصرية وفولوبيليس من أجمل الآثار الرومانية وأروعها، وكثير منها يعود إلى عهد الامبراطور هادريان وإلى الإمبراطور سبتيميوس سفيروس (193-211م) ابن لبدة البار وأباطرة السلالة السورية الليبية الذين اهتموا بتلك المدن، وأنشؤوا فيها الأبنية والصروح الضخمة، وقد ألف أبناء المغرب نحو سدس مناصب الحرس الامبراطوري في عهدهم، وأكبر مجموعة إقليمية في مجلس الشيوخ الروماني.

أدى الازدهار الذي شهدته البلاد إلى ارتفاع أعداد السكان الذين تقدرهم أحدث الدراسات بنحو ستة ملايين ونصف، كان يعيش نحو 40% منهم في المدن، وعلى رأسها قرطاجة التي كانت أعظم مدن المغرب العربي وعاصمته الاقتصادية والثقافية والفنية وأهم عقدة للمواصلات البرية والبحرية. وكان نظام الطرق أكمل الأنظمة لأية ولاية رومانية في الغرب، ويعتقد بأن أطوالها بلغت نحو 20 ألف كم.

ولكن عصر الازدهار انتهى مع نهاية الأسرة السيفرية، وبدأ المغرب يعاني مثل بقية الامبراطورية الأزمة الكبيرة وعصر الفوضى السياسية والعسكرية والاقتصادية في الفترة (235-285م)، وقامت الثورات ضد السياسات الضريبية، ثم جاءت إصلاحات ديوقليتيانوس وقسطنطين التي حاولت إصلاح الأوضاع والنهوض بالبلاد من جديد ولكن إلى حين.

بدأت الديانة المسيحية تنتشر بالمغرب في وقت مبكر من القرن الثاني واستقرت بصورة دائمة في قرطاجة وبقية مدن تونس في القرن الثالث الميلادي، وقدمت شهداءها المدافعين عنها في حملات الاضطهاد، ومنهم ترتوليان Tertullianus(نحو 160-240م) وشهدت في الخمسين سنة التالية انتشاراً واسعاً. وكان كبريانوس Cyprianus أسقف قرطاجة (248-258م) حتى استشهاده من زعماء الكنيسة البارزين، وترك تأثيراً واضحاً في المسيحية اللاتينية. ومن الأسباب التي سهلت التحول إلى العبادة في الشمال الإفريقي اندماج العقائد الليبية والقرطاجية والرومانية في القرنين الأول والثاني الميلاديين في شخص الإله بعل حمون الذي صار يعرف بالإله ساتورن Saturnus.

ومع أن المسيحيين كانوا أقلية في أواخر القرن الثالث، إلا أنها كانت مؤثرة وفاعلة. وعلى أثر الاضطهاد الكبير في عهد الامبراطور ديوقليتيانوس انقسم المسيحيون في موقفهم من «المتخاذلين» وظهر دوناتوس Donatus الذي نادى بالتشدد والعقاب وصار له أتباع كثر وخاصة في نوميديا وموريتانيا الشرقية ونشأت الحركة الدوناتية التي كانت حركة وطنية اجتماعية، إضافة إلى مواقفها الدينية، ارتبطت بسكان الريف، وهي تشبه بذلك المونوفيزيقية في سورية. ثم ظهر القديس أغسطين Augustinus الذي حارب البدع وأعاد وحدة الكنيسة في مجمع قرطاجة الديني عام 411م وصار من أعظم آباء الكنيسة في الغرب.

الفاندال والبيزنطيون: غزا الفاندال[ر] بقيادة غايزريك Gaiseric إفريقيا عام 429م قادمين من إسبانيا، فاجتاحوا البلاد من غير أن يلاقوا مقاومة جدية، وانتصروا على القوات الرومانية، وتمكنوا من حكم موريتانيا ونوميديا، وفي عام 439م احتلوا قرطاجة وجعلوها عاصمة مملكتهم وبسطوا سيطرتهم على المغرب بأكمله قرناً كاملاً. ومن هذه القاعدة انطلقوا بأسطولهم للسيطرة على غربي المتوسط فهاجموا روما واحتلوها ونهبوها. وقد حاولوا فرض مذهبهم الأريوسي على سكان المغرب، فلم يلقوا نجاحاً كبيراً وأخيراً جاءت نهايتهم بعد وصول الامبراطور جستنيان[ر] إلى العرش، إذ احتلت إفريقيا مكانة مهمة في خططه لإعادة توحيد الامبراطورية فأرسل قائده المحنك بليزاريوس على رأس جيش كبير تمكن من القضاء على مملكة الفاندال عام 533م، وأمضى عقداً من الزمن لترتيب الأوضاع في المغرب وترسيخ السيطرة البيزنطية عليه التي كانت من جميع النواحي امتداداً للسيطرة الرومانية السابقة.

ومن الأحداث المهمة في ذلك العصر ظهور الامبراطور هرقل[ر] Heraclius، وكان من أبناء إفريقيا التي بقي لها مكانة مهمة عند البيزنطيين خاصة في المجال الاقتصادي.

وأخيراً جاء الفتح العربي الإسلامي بدءاً من عام23هـ/ 643م حتى عام79هـ/ 698م الذي أنهى عصر السيطرة الرومانية البيزنطية على مقدرات المغرب العربي وليبدأ عصر جديد في تاريخه.

                                              محمد الزين

 

التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : سياحة
المجلد: المجلد التاسع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 613
الكل : 31782131
اليوم : 57592

فوولييوكي (هِلاّ ماريا-)

ڤوولييوكي (هِلاّ ماريا -) (1886-1954)   هِلاّ ماريا ڤوولييوكي Hella Maria Wuolijoki أشهر كاتبة مسرحية فنلندية في القرن العشرين، تتحدر من أصول إستونيّة، فوالدها إرنست مورِّيك Ernst Murrik كان معلّم مدرسة وصاحب متجر كتب في مدينة ڤالغا Valga في إستونيا Estonia على بحر البلطيق، ووالدتها كادري كوغامِغي Kadri Kogamägi كانت ابنة صاحب مزرعة. وكانت اللغة السائدة في وطنها آنئذٍ هي الألمانية، إلا أنَّ نمو الوعي القومي الإستوني استعاد اللغة الأم التي تنتمي إلى الأسرة اللغوية الـ «فينو - أُغرية» Finno-Ugric، فهي إذاً قريبة جداً من اللغة الفنلندية Finnish.
المزيد »