logo

logo

logo

logo

logo

النورماندي (معركة-)

نورماندي (معركه)

Battle of Normandy - Bataille de Normandie

النورماندي (معركة ـ)

 

غزو النورماندي Normandy Invasion أو عملية أوفرلورد Operation Overlord هو الاسم الرمزي لأضخم عملية إنزال برمائي في التاريخ، نفذتها قوات الحلفاء الغربيين في الحرب العالمية الثانية[ر] في السادس من حزيران/يونيو عام 1944 بهدف غزو أوربا الغربية وتحريرها من الاحتلال النازي وإنهاء الحرب.

الموقف العام على الجبهة الغربية في أواخر عام 1943

مؤتمر طهران

في كانون الأول/ديسمبر سنة 1943 اجتمع الرؤساء الثلاثة: جوزيف ستالين Joseph Stalin رئيس مجلس السوڤييت الأعلى للاتحاد السوڤييتي، وفرانكلين روزفلت Franklin Roosevelt رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وونستون تشرشل Winston Churchill رئيس وزراء بريطانيا في طهران (إيران) لمناقشة استراتيجيتهم العسكرية لإنهاء الحرب، وسياستهم بعد الحرب في أوربا. وقرر الزعماء الثلاثة فتح جبهة ثانية في الغرب وغزو فرنسا سنة 1944 على الرغم من معارضة تشرشل. وقد عُدّ هذا الاجتماع ذروة التحالف بين الشرق والغرب في زمن الحرب العالمية الثانية (1939- 1945).

كان ذلك أول لقاء يجمع بين تشرشل وروزفلت من جهة وستالين من جهة أخرى. وكان روزفلت وتشرشل قد صدقا سلفاً على خطة عرفت باسم عملية أوفرلورد لغزو أوربا ومهاجمة ألمانيا عبر القنال الإنكليزي. وكان روزفلت متحمساً لبدء العملية في أوائل سنة 1944 إذا سمح الطقس. غير أن تشرشل اقترح في طهران إعطاء الأفضلية إلى إيطاليا، والقيام بهجوم في البلقان أو في جنوبي فرنسا. ولكنه غُلب على أمره أمام إصرار روزفلت وستالين. وتقرر أن تنفذ عملية أوفرلورد في أيار/مايو 1944.

كان فتح الجبهة الثانية أمراً محتوماً. ولكن موعدها لم يكن قد حان بعد حين طالب بها الكثيرون في عام 1942 لتخفيف الضغط الألماني على روسيا.

فقد كانت الجيوش السوڤييتية في تلك الأيام تتقهقر أمام الهجوم الألماني الكاسح باتجاه نهر الفولغا والقفقاس. وكان أي إنزال في الغرب - ولو من غير تحضير - يقوم به البريطانيون والأمريكيون يمكن أن يخفف بعض الشيء، ولو مؤقتاً، عن الروس المرهقين.

غير أن القيادة العليا للحلفاء كانت على قناعة بأن القيام بمثل تلك المغامرة قد يؤدي إلى كارثة حربية ونفسية إذا لم يتم الإعداد لها إعداداً مناسباً. وكانت التجربة الوحيدة التي نفذت في ذلك العام الإنزال الجوي في دييب Dieppe، ضمن استعدادات الحلفاء للغزو، وقد انتهى إلى إخفاق ذريع استغلته الدعاية الألمانية استغلالاً واسعاً. ولكن فتح الجبهة الثانية الموعودة في عام 1944 لم يعد استعراضاً يائساً للتخفيف عن روسيا، بل عملاً حاسماً يمكن أن يسدد للألمان في تلك الحرب ضربة قاتلة.

كان مؤتمر طهران ذروة التحالف بين الشرق والغرب، وجاء ستالين إلى المؤتمر زعيماً متوجاً بالنصر، واتُخِذ قرار فتح الجبهة الثانية إرضاء له بعد طول مماطلة. وكانت الجيوش السوڤييتية تزداد قوة وخبرة، وقد شرعت للتو في تنفيذ عمليات هجومية ناجحة على عدة اتجاهات، تُوجت في كانون الثاني/يناير عام 1944 برفع الحصار عن لينينغراد وطرد مجموعة جيوش الشمال الألمانية إلى ما وراء خط نهر نارڤا Narva - بحيرة بيبوس Peipus. حيث وجد الألمان ملجأ لهم وراء أحد قطاعات الجدار الشرقي المحصن. وتمكنت على الجناح الجنوبي من هزيمة القوات الألمانية على جبهة عريضة ودفعها خارج الأراضي السوڤييتية باستثناء قطاعات صغيرة منها في عمليات هجومية متلاحقة، كان آخرها في آذار/مارس ونيسان/أبريل 1944. وتم أسر أو قتل القسم الأكبر من القوات الألمانية والرومانية التي حوصرت في شبه جزيرة القرم Crimea وبلغ تعدادها 150000 جندي، بعد أن أخفق الجسر البحري المتأخر في إخلائهم من سيفاستوبول Sevastopol.

ومن جهة أخرى، ازداد قلق الزعماء الغربيين من وصول القوات السوڤييتية إلى حدود الدول الأوربية الشرقية الصغيرة، وإصرار ستالين على أن تعود الحدود بين بولندا والاتحاد السوڤييتي بعد الحرب إلى ما كانت عليه إثر هزيمة بولندا عام 1939، ومعارضته الشديدة لمقترحات تشرشل حول خططه في البلقان.

غير أن التغلب على نشاط الغواصات الألمانية في المحيط الأطلسي والقضاء على خطرها، إلى جانب التفوق الجوي للحلفاء أحدث تبدلاً جذرياً في الأوضاع التي كانت سائدة في عامي 1941-1942. كما كان للنجاح الذي حققه الحلفاء الغربيون في شمالي إفريقيا ونزولهم في صقلية والشروع في تحرير إيطاليا دوره في تهيئة الشروط المناسبة لتنفيذ عملية أوفرلورد ومهاجمة ألمانيا في عقر دارها.

تحضيرات الحلفاء الغربيين  للغزو

انصب الاهتمام الرئيسي للحلفاء في أواخر شهر نيسان وبداية شهر أيار/مايو عام 1944 على الإعداد لغزو أوربا من الغرب. ولم يغب عن الألمان أن الغزو قادم لامحالة، وأنه وشيك الوقوع. ولكن موعد التنفيذ ومكانه لم يكن مؤكداً لديهم. وأُدخل في روعهم أن الغزو سيكون في آن واحد وعلى أجزاء متفرقة متباعدة، ولكن الهجوم الرئيسي سيكون موجهاً إلى مرافئ القنال الإنكليزي، وخاصة مرفأي كاليه Calais وبولون Boulogne الأقرب إلى إنكلترا. وتحسباً لكل احتمال فقد تم نشر قوات ألمانية ضخمة على كل خطوط السواحل.

كانت حملة الحلفاء في إيطاليا تتقدم ببطء شديد عندما استدعي الجنرال دوايت أيزنهاور في كانون الأول/ديسمبر من عام 1943 إلى رئاسة الأركان المشتركة لقوات الحلفاء ليمنح رتبة جنرال بأربع نجوم ويعين قائداً أعلى لقوات الحملة المتحالفة Supreme Commander of the Allied Expeditionary Forces، التي كان عليها تنفيذ عملية أوفرلورد وعبور القنال الإنكليزي والنزول (الإبرار) في فرنسا ثم الاندفاع إلى قلب ألمانيا. وتقرر أن يبدأ الغزو في ربيع 1944.

كان أيزنهاور يؤمن بضرورة التغلب على جميع الصعوبات وتحمل كل معاناة ومخاطرة من أجل نجاح العملية، فقد كان الإخفاق فيها يعني خسارة الحرب. وبالتالي جرى التدريب على قدم وساق وبالذخيرة الحية. وكانت المشكلة الرئيسية توفير العدد اللازم من مراكب الإنزال لنقل 8 فرق دفعة واحدة. ولتحقيق المفاجأة اختار أيزنهاور منطقة الإنزال جنوباً باتجاه النورماندي وليس شرقاً باتجاه كاليه، حيث التحصينات الألمانية وقواتهم هي الأقوى. وكانت تلك مقامرة كبرى؛ لأن النجاح كان يتطلب عدم نقل الألمان قواتهم إلى النورماندي قبل الغزو.

تمكن الحلفاء في غضون بضعة أشهر من حشد أسطول ضخم عند السواحل البريطانية ضم 1200 سفينة حربية من مختلف الأنواع و10000 طائرة و4266 مركب إنزال و804 سفينة نقل ومئات الدبابات البرمائية وغيرها من المركبات المعدة للمهمات الخاصة. وبلغ عدد القوات التي أعدت لغزو النورماندي 156000 جندي (73 ألف جندي من الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة الجنرال عمر برادلي Omar Bradley. و83 ألف جندي من بريطانيا وكندا بقيادة الجنرال البريطاني برنارد مونتغمري Bernard Montgomery) وتم نقل 132 ألفاً منهم بحراً عبر القنال الإنكليزي.

كانت القوات البرية المكلفة بالاقتحام تتألف مما يلي:

1- الجيش الكندي الأول بقيادة اللواء هـ. د. كريرار H.D.Crerar، والجيش الثاني البريطاني بقيادة اللواء مايلز دمبسي Miles Dempsey، والفرقة السادسة البريطانية المحمولة جواً.

2- الجيش الأول الأمريكي والفرقتين 82 و101 المحمولتين جواً.

كذلك كانت الحاجة ماسة إلى عزل ميدان المعركة بحيث لا يستطيع الألمان استخدام منظومة السكك الحديدية الفرنسية لدفع تعزيزاتهم. وقد أصر أيزنهاور على أن يتفرغ أسطول قاذفات الحلفاء لتدمير السكك الحديدية والجسور بموجب خطة سماها «خطة النقل»، على الرغم من معارضة قيادة الطيران القاذف التي كانت ترغب في قصف المعامل والمدن داخل ألمانيا. وهكذا ظلت القاذفات الحليفة طوال شهري نيسان/أبريل وأيار/مايو تهاجم أهداف السكك الحديدية وطرق المواصلات، بحيث أصبح شمالي فرنسا في بداية حزيران/يونيو معزولاً إلى درجة كبيرة عن بقية المناطق المتاخمة له. وكان من الضروري عزل أكبر مساحة ممكنة من الأرض بحيث لا يخمن الألمان أن النورماندي هي المنطقة المختارة للإنزال. وتم بالتالي إسقاط ثلثي القنابل خارج منطقة الغزو لتضليل الألمان ومنعهم من نقل قواتهم.

  نصت خطة العمليات على أن يكون الغزو في الخامس من شهر حزيران، ولكن عاصفة شديدة اجتاحت القنال الإنكليزي يوم 4 حزيران/يونيو، واستمرت إلى ما بعد عصر اليوم الخامس منه. واضطر أيزنهاور إلى تأجيل الغزو إلى اليوم التالي لاحتمال أن يصبح الطقس مقبولاً وصالحاً للعمليات البرمائية جواً وبحراً. وظلت قوات الإنزال في مراكبها تنتظر الأوامر في ذلك الجو العاصف، فإما أن تنطلق ليلاً، وإما أن تغادر المراكب وتنتظر إلى يوم 19 حزيران/يونيو، وهو التوقيت الأقرب عندما يصبح المد صالحاً للإنزال مرة أخرى.

خطط الاستنزاف الألمانية

ظلت القيادة الألمانية واثقة من أن الحلفاء لن يتمكنوا من النزول على السواحل الحصينة لقلعة أوربا Fortress Europe والمدافع عنها بقوة. فقد كان كل ما حول فرنسا والنروج مطوقاً بجدار من التحصينات المنيعة عرف باسم جدار الأطلسي، الذي تم تشييده في ثلاث أو أربع سنوات من الهدوء النسبي. وكان الألمان واثقين من أنه في حال تمكن الحلفاء من النزول بعد خسائر لا يعرف مداها، فسوف يُستدرَجون إلى الداخل بعيداً عن مدافع سفنهم ليدمروا على يد قواتهم الميدانية معتمدين على مواصلاتهم السهلة وقرب مركز إمدادهم. وقد أقيمت لهذه الغاية منظومة متكاملة من الموانع والمواقع الدفاعية في العمق لتكون مصائد أكيدة للغزاة. وكان الفيلد مارشال الألماني إرفين رومل[ر] Erwin Rommel المكلف قيادة مقاومة الغزو المتوقع قد شرع في تعزيز الدفاعات الألمانية وبناء الموانع تحت الماء والتحصينات المضادة للقنابل وحقول الألغام على امتداد السواحل الفرنسية.

كان هتلر يتوقع أن يتم غزو شمال غربي أوربا في الربيع، وقد رحب بهذه الفرصة ليكسب الحرب؛ لاعتقاده بأنه إذا استطاع طرد الأمريكيين والبريطانيين من السواحل فلن يعاودوا الكرة مرة أخرى. وسيكون في وسعه آنئذٍ زج قواته كلها - ونصفها موجود في أوربا - ضد الاتحاد السوڤييتي. وعلى هذا الأساس أبلغ قادته على الجبهة الشرقية في تشرين الثاني/نوفمبر 1943 أنهم لن يتلقوا أي تعزيزات قبل القضاء على الغزو.

وكان الألمان قد تبنوا لعام 1944 خطة جديدة. ففي حين كان اعتمادهم في العامين 1940-1941 على تفوقهم الميكانيكي وعلى الحرب الخاطفة بتحركاتها السريعة وأعمالها الحاسمة، أدركوا في نهاية العام 1943 مع تنامي التفوق المادي للحلفاء الغربيين والروس أن أمل ألمانيا كله متوقف على حرب استنزاف دفاعية بطيئة. وهكذا تقرر أن يتحول الألمان مع بداية العام 1944 إلى الدفاع في مواجهة تفوق الحلفاء، وتحويل الحرب الميكانيكية إلى معارك مشاة، النواة الأساسية لكل الجيوش. وكان الألمان يأملون في خوض حرب استنزاف طويلة الأمد تعرِّي الحلفاء في خاتمة المطاف، مع أنها لا يمكن أن تجلب لهم النصر ولكنها ستحول دون هزيمتهم. وظلوا حتى أواخر العام 1944 متمسكين بذلك الاحتمال، وظلوا يتشبثون حرفياً بكل شبر من الأرض ويلحقون بالحلفاء خسائر فادحة مقابل كل تقدم مهما ضؤل. وكانت لديهم ميزة القتال على أرض يعرفونها ويعتمدون على خطوط إمداد قصيرة، في حين كانت خطوط الحلفاء في الشرق وفي الغرب تزداد طولاً كلما ازدادوا قرباً من قلب ألمانيا النازية.

الغزو

بعد مشاورات مطولة عقدها أيزنهاور مع ضباطه أعطى إشارة بدء الغزو مع أول ضوء من يوم 6 حزيران/يونيو، وهو اليوم الذي اشتهر في التاريخ باسم اليوم «ي» D- Day (جرى التقليد لإخفاء التاريخ الحقيقي في العمليات الحربية الكبيرة أن يرمز ليوم البدء باليوم «ي» كما يرمز لساعة بدء التنفيذ بالساعة «س»).

بعد منتصف الليل بقليل أقلعت مجموعات من طائرات النقل تحمل القوات المحمولة جواً متوجهة إلى النورماندي. وتم إسقاط وحدات الفرقتين 82 و101 الأمريكيتين قبل الفجر بالقرب من بلدة سانت - مير- إغليز Sainte-Mère-Église، في حين تولت وحدات الكوماندوس البريطانية الاستيلاء على الجسور الرئيسية وقطعت طرق مواصلات القوات الألمانية.

ومع أول ضوء تحركت الموجة الأولى من المشاة على مراكب الإنزال متوجهة إلى شواطئ النورماندي الرملية التي قسمت إلى خمسة قطاعات أعطيت أسماء رمزية هي: يوتا Utah وأوماها Omaha وغولد Gold وجونو Juno وسورد Sword. وقد تم الاستيلاء على أربعة منها بسرعة وسهولة، ولكن القوات التي نزلت في القطاع الخامس - الذي دعي أوماها الدموي - واجهت مقاومة ألمانية شرسة. وما إن حل المساء حتى كانت رؤوس الجسور البحرية الخمسة قد أصبحت تحت السيطرة. وبدأت الحملة الأخيرة لإنهاء الحرب.

امتدت الشواطئ الرملية التي اختيرت للإنزال مسافة 72كم بين مصب نهر أورن Orne والحافة الجنوبية الشرقية لشبه جزيرة كوتنتان. وخصصت الشواطئ الشرقية منها لنزول القوات البريطانية والكندية، والشواطئ الغربية لنزول القوات الأمريكية.

كان تفوق الحلفاء جواً غير منازع، وقد تمكنت قواهم الجوية من تدمير معظم الجسور على نهر السين إلى الشرق ونهر اللوار إلى الجنوب، وحرمت الألمان من تعزيز وحداتهم المعزولة عند رؤوس الجسور بسرعة. وعندما هاجم الحلفاء ركزوا كل قواهم على منطقة إنزال واحدة رئيسية بعيداًً عن المرافئ الموجودة على بحر المانش. وهكذا تم تجنب خطر وقوع قواتهم تحت وطء ضربات الدفاع الألماني المتفوق؛ لأن الألمان لم يجرؤوا على سحب قواتهم بعيداً عن مرافئ بحر المانش وسواحل الأطلسي وسواحل بحر الشمال.

كانت الخطة الأساسية للحلفاء تقضي بأن يقوم البريطانيون باحتلال بلدة كاين Caen في اليوم الأول من الإنزال. وقد تم التغلب على الدفاعات الساحلية في الساعة التاسعة صباحاً، غير أن تقدم القوات البريطانية في العمق باتجاه كاين لم يبدأ إلا بعد الظهر بسبب ازدحام المرور على السواحل بالدرجة الأولى وبسبب الحذر البالغ الذي أبداه القادة البريطانيون هناك. ولما بدأت قواتهم تندفع باتجاه كاين كانت قد وصلت إلى المنطقة فرقة بانزر (دبابات) ألمانية، هي الوحيدة التي كانت متمركزة في منطقة الغزو، وأوقفت الزحف. وفي اليوم الثاني وصلت فرقة دبابات أخرى. وتطلب الأمر ما يزيد على الشهر من القتال العنيف قبل أن تتم السيطرة على كاين وتحريرها. كذلك واجهت القوات الأمريكية على القطاع الغربي مقاومة عنيفة في شبه جزيرة كونتنتان إلى أن تمكنت في خاتمة المطاف من احتلال مرفأ شيربورغ Cherbourg في 27 حزيران/يونيو.

في الأسابيع السبعة التي تلت النزول في النورماندي وسعَّ الحلفاء تدريجياً رؤوس الجسور التي احتلوها ولكنهم لم ينجحوا في اختراق الدفاعات الساحلية الألمانية. وأدى أسلوب مونتغومري الحَذِر في إدارة الحرب إلى إحباط المعنويات وإثارة الجدل؛ لأن القادة الأمريكيين كانوا يعتقدون أن حذره أكثر من اللازم. وحض كثير منهم أيزنهاور على إعفائه من منصبه وأيدهم في ذلك بعض القادة البريطانيين، ولكن أيزنهاور كان يعرف مدى شعبية مونتغومري فرفض اقتراحهم.

اصطدم الحلفاء بمقاومة ألمانية قوية عند رؤوس الجسور الساحلية. ولم تكن مواقع أقدامهم مستقرة فيها كما كان متوقعاً. ومع ذلك لم ينفذ الهجوم العام المعاكس القوي الذي كان هتلر قد افترضه لإلقاء قوات الغزو في البحر، لا في اليوم «ي» ولا في غيره من الأيام. وقد عاق التفوق الجوي الهائل للحلفاء فوق شمالي فرنسا محاولات رومل - الذي كان مسؤولاً عن المسرح - عن تحريك احتياطاته المحدودة.

 كانت المعوقات الرئيسية التي واجهت الألمان اضطرارهم إلى تغطية 4800كم من سواحل أوربا الغربية، تمتد من هولندا إلى الحدود الإيطالية الجبلية مروراً بسواحل فرنسا كلها. وكانت لديهم في غربي أوربا 59 فرقة متمركزة في مواضع ثابتة ومرتبطة بقطاعات الدفاع على طول تلك السواحل. كما كان لديهم أيضاً نصف ذلك من الفرق الميدانية بينها عشر فرق مدرعة (بانزر) ذات قدرة كبيرة على الحركة. وكان في مقدورهم تركيز قوات متفوقة لطرد الغزاة وإلقائهم في البحر قبل أن يثبتوا أقدامهم على السواحل. ولكن تلك الضربة لم تنفذ بسبب الخلاف في القيادة العليا الألمانية حول موقع الإنزال المحتمل، وحول أفضل الطرق لمواجهته. وقد ضاعت حسابات الجنرالات الألمان قبل تلك الأحداث أمام تخمينات هتلر حول مكان الإنزال، الذي كان مقتنعاً بأن الإنزال في النورماندي زائف وأن الاقتحام الحقيقي سيكون إلى الشمال من نهر السين. ورفض بالتالي تحريك الفرق التي كانت له هناك وأصر على دفع التعزيزات من مناطق بعيدة، وكان لتشدده وتدخله المستمر بعد الإنزال دور كبير في حرمان قادته من إمكانية استعادة السيطرة على الوضع، ومكَّن الحلفاء في خاتمة المطاف من الخروج من مواقعهم المحصورة ليبدؤوا اكتساحهم السريع للأراضي الفرنسية.

 في حين توالت التعزيزات على قوات الغزو بلا انقطاع، ولم ينته شهر حزيران/يونيو حتى كان قد أصبح بتصرف أيزنهاور على شواطئ النورماندي 850000 جندي و150000 مركبة قتال. ومع نهاية شهر تموز/يوليو تمكن الجيش الأول الأمريكي بقيادة عمر برادلي من اختراق دفاع الألمان إلى سان لو Saint-Lô، وتم زج الجيش الثالث الأمريكي الذي يقوده الجنرال باتون[ر] Patton. واندفعت دبابات باتون متوغلة في فرنسا. وتم تحرير باريس يوم 24- 25من شهر آب/أغسطس، وفي أيلول/سبتمبر كان الألمان قد طردوا من فرنسا كلها.

غير أن إمدادات الحلفاء كانت قد استهلكت، ولم يعد هناك ما يكفي من البنزين ليتابع جيشا باتون في الجنوب ومونتغومري في الشمال تقدمهما السريع. غير أن أيزنهاور ظل يصر على متابعة الهجوم على جبهة عريضة، وتقدم الجيشين جنباً إلى جنب، فتباطأت وتيرة الهجوم، وخاصة لدى وصول قوات الحلفاء إلى تحصينات الحدود الألمانية.

محمد وليد الجلاد

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

أيزنهاور (دوايت ديفيد ـ) ـ باتون (جورج ـ) ـ برادلي (عمر ـ) ـ الحرب العالمية الثانية ـ رومل (إرفين ـ) ـ فرنسا ـ مونتغومري.

 

 مراجع للاستزادة:

 

- D. M. GIANGRECO, KATHRYN MOORE & NORMAN POLMAR EYEWITNESS, D-Day: Firsthand Accounts from the Landing at Normandy to the Liberation of Paris (Sterling Book edition 2004).

- STEPHEN E. AMBROSE, D Day: June 6, 1944: The Climactic Battle of World War II,1995 (Simon & Schuster 1995).


التصنيف : الصناعة
المجلد: المجلد الواحد والعشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 125
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 538
الكل : 31817324
اليوم : 16867

مصباح (أنور محمد-)

مصباح (أنور محمد ـ) (1913ـ 1978)   ولد محمد أحمد مصباح في حي محرم بك في الإسكندرية، وعندما كان صغيراً أراد أبوه أن يدلّعه فأطلق عليه اسم أنور باشا نسبة إلى حاكم تركي كان يحكم الأناضول في مطلع القرن العشرين. وأصبح محمد أحمد مصباح معروفاً باسم أنور مصباح الذي لازمه طوال حياته وعُرف به بعد ذلك. بدأ أنور رحلته مع رياضة رفع الأثقال منذ نشأته وكان يمارسها في نادٍ خاص صغير يقع في أول شارع الإسكندراني بمحرم بك مكان مولده بجوار نادي شركة الغزل الأهلية في الإسكندرية التي كانت تولي اهتماماً خاصاً وكبيراً للرياضة في تلك الفترة.
المزيد »