logo

logo

logo

logo

logo

هوميروس

هوميروس

Homer - Homère

هوميروس

(نحو القرن الثامن قبل الميلاد)

 

هوميروس Homeros (بالإنكليزية Homer والفرنسية Homère) شاعر الإغريق الأكبر وصاحب الإلياذة [ر] والأوديسة [ر]، ويُعد مع هسيودوس [ر] ينبوع الشعر الإغريقي وذروته.

كانت أشعار هوميروس وملاحمه القدوة والمثل الأعلى الذي احتذته أجيال لا تحصى من الشعراء في الآداب الكلاسيكية الإغريقية والرومانية وفي سائر الآداب الأوربية والعالمية. لا يعرف عن حياة هذا الشاعر من الحقائق الموثوقة إلا النزر اليسير لأن معظم الروايات القديمة منحولة، وتثير كثيراً من الشكوك والتساؤلات، فقد اختلف القدماء حول زمن الشاعر اختلافاً كبيراً يراوح بين زمن الحرب الطروادية نحو القرن الثاني عشر والقرن السابع قبل الميلاد، لكن معظم الأبحاث الحديثة تؤرخ حياته في القرن الثامن قبل الميلاد.

أما هوميروس فهو لقب اشتهر به الشاعر، ويعني باللغة الإغريقية الرهينة أو الأعمى، وهناك سبع تراجم عنه، لكنها سير متأخرة النشأة تعود إلى العصر الامبراطوري الروماني وضعها مؤلفوها بناء على قصص محلية لها نواة تاريخية، وأصدروها على أنها روايات قديمة. كُتبت أولى هذه السير وأهمها باللهجة الإيونية، ونُسبت إلى المؤرخ هيرودوت[ر]، وهي تؤرخ حياة هوميروس في السنوات القليلة التي تلت الهجرة الدورية (أي في القرن الثاني عشر قبل الميلاد). غير أن هيرودوت يذكر في تاريخه أن هوميروس عاش قبله بنحو أربعمئة سنة، أي في أواسط القرن التاسع قبل الميلاد. ويستفاد من هذه التراجم أن هوميروس كان يدعى في البداية مِلِسيغنِس Melesigenes (أي ابن النهر مِلِس) وأن أباه مايون Maion كان من مدينة سْميرنا Smyrna (إزمير حالياً)، في حين جاء في سيرة هوميروس المنسوبة لبلوتارخس [ر] أن أباه الذي رباه يسمى فيميوس Phemios، أما أمه فكانت إيولية النسب كما تقول الروايات.

ولعل هوميروس كان رئيس المنشدين Rhapsodes في بلاطات الأمراء والمهرجانات والأعياد، ويُروى أنه قام بجولات بعيدة قادته إلى مصر وإيطاليا واليونان قبل أن يستقر في خيوس Chios، ويؤسس مدرسة للشعر، وحين هرم سقط في العوز والحاجة، وربما فقد بصره، فبدأ يتنقل من مدينة إلى أخرى، ومات في جزيرة إيوس Ios. وثمة بيت شعر قديم يتضمن أسماء سبع مدن كانت تدعي لنفسها شرف انتسابه إليها، ومنها سميرنا وخيوس وأثينا. وتؤيد معظم الروايات القديمة ادعاء سميرنا أنها كانت مسقط رأس هوميروس، ويدعمها كثير من الشواهد اللغوية لكونها المكان المفضل لالتقاء اللهجتين الإيولية والإيونية، وهما نواة لغة «الإلياذة». ويروي استرابون [ر] Strabon أنه أقيم للشاعر فيها تمثال وهيكل (دعي هوميريوم Homerium) وأن نقوداً سُكت فيها باسمه، وقد اختارها اليونانيون في العصر الحديث مهرجان «الهوميريات» لإحياء ذكرى شاعرهم الكبير.

المسألة الهوميرية The Homeric Question

هي تسمية تشمل كل المسائل المتعلقة بشخص هوميروس وحياته وأشعاره ونشأتها وطبيعتها ونسبتها إليه والخلاف حولها. تذكر الروايات أن حاكم أثينا بَيسيستراتوس [ر] Peisistratos ت(546ـ527ق.م) كان أول من اهتم بجمع أشعار هوميروس، وكلّف لجنة من العلماء بإخراج نص رسمي للملاحم الهوميرية من أجل إلقائها في الأعياد الأثينية الكبرى، فكان ذلك أول تدوين لها. وقد ضمت هذه المجموعة جميع الملاحم الطروادية وغير الطروادية إضافة إلى الأناشيد ومقطوعات أخرى. لكن سرعان ما نشأت الاعتراضات والانتقادات. بيد أن النقد العلمي لم يبدأ في الحقيقة إلا منذ العصر الهلنستي في أكاديمية الإسكندرية. فقد ظهر تيار أدبي بزعامة هِلانيكوس Hellanikos ذهب به الشك إلى حد القول بوجود مؤلفين مختلفين لـ«الإلياذة» و«الأوديسة». لكن أريستارخوس Aristarchos ت(217ـ145ق.م) أمين مكتبة الإسكندرية تصدى لتلك الانتقادات ونادى بوحدة الملحمتين الشعرية، وبيَّن أن التوافق بينهما أكبر بكثير من الاختلافات والتناقضات الهامشية.

أما في العصر الحديث فقد كان الباحث الألماني ڤولف F.Wolf أول من طرح مسألة نشأة الملاحم الهوميرية بصورة علمية في كتابه «مدخل إلى هوميروس» Prologomena ad Homerum ت(1795). وتتلخص نظريته بأن ملاحم هوميروس لم تُدوَّن في عصر نشأتها الذي لم يعرف الكتابة، كما أنها لا يمكن لطولها أن تحفظ عن ظهر قلب، ولهذا فإن هوميروس يقف في بداية التراث الملحمي الذي نما، وتطور على ألسنة المنشدين حتى اكتملت الملحمتان في النصف الثاني من القرن السادس قبل الميلاد في عهد بَيسيستراتوس، وكان هذا منطلقاً لجدل علمي لم يهدأ حتى اليوم.

أدى اكتشاف أهمية الشعر الشعبي في العصر الرومنسي وظهور مجموعات الأساطير الجرمانية بوصفها تعبيراً عن روح الشعب إلى طرح نظريات جديدة، فقام لاخمَن Lachmann في عام 1832 بتفكيك «الإلياذة» إلى عدد من الأناشيد المستقلة، وقال آخرون بنظرية الملاحم الصغيرة. وتصدى كثير من العلماء من أصحاب النظرة «التوحيدية» وفي مقدمتهم الباحث الألماني ڤيلاموڤيتس Willamowitz لمدرسة ڤولف التفكيكية، وأنكروا أن تكون ملحمة مثل «الإلياذة» مجرد مجموعة قصائد وأناشيد لأشخاص مجهولين، وأكدوا أنه لا بد أن يكون هناك شاعر كبير وراء نظم هذه الملحمة. وتابع هذا النهج الباحث شادِڤالت Schadewalt الذي سدد ضربة قاسية للنظرية التفكيكية، وأكد في عدد من الدراسات المعمقة وحدة العمل الملحمي وشخصية مبدعه الشاعر هوميروس. وقد أظهرت الأبحاث المتعلقة بالملاحم أن الشعر الملحمي يعتمد في المقام الأول على الشعر البطولي الشفهي الذي يتغير باستمرار على ألسنة الرواة.

فتحت تنقيبات شليمَن [ر. شليمان] Schliemann في طروادة وموكيناي (منذ عام 1870) آفاقاً جديدة في البحث عن هوميروس، وأثبتت تاريخية الملاحم الهوميرية، كما حاول باحثون آخرون أن يجدوا الخلفية التاريخية لـ«الإلياذة» في النصوص والروايات الحثية التي تشير إلى الصراع بين الآخيين والطرواديين. لقد نهل هوميروس من التراث الملحمي الشفهي الذي نشأ بعد دمار الحضارة الموكينية في عالم بحر إيجة وشواطئ آسيا الصغرى، وتطور من خلال الصلات المتنامية مع الشرق وحضارته وتراثه الديني والأدبي ليبدع «الإلياذة» و«الأوديسة».

الأشعار المنحولة:

تنسب إلى هوميروس مجموعة من الأشعار الملحمية التي أريد بها أن تكون تكملة لقصص «الإلياذة» و«الأوديسة»، وهي ثلاث عشرة قصيدة لم يصل منها سوى شذرات متفرقة، وأشهرها «الملحمة القبرصية» التي أشار إليها هيرودوت، و«تدمير طروادة». وقد انتقد أرسطو [ر] شعراء «الحلقة الملحمية» لفقرهم في الإبداع، ويبدو أنهم نظموا أشعارهم في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد في مرحلة التأليف المدروس والمشبع بالعقلانية وإعادة المراجعة والصياغة والبعيد عن عفوية الأدب الشفوي وتلقائيته. ويعزى إلى أتباع هوميروس كذلك ما يسمى «الأناشيد الهوميرية» التي كانت تلقى في مستهل الإنشاد الملحمي، وقد وصل منها سبعة وثلاثون نشيداً في مدح الآلهة الأولمبية وغيرها، وتؤرخ فيما بين القرنين السابع والخامس ق.م، ومن أشهرها تلك الموجهة إلى الآلهة أبولون Apollo وديميتر Demeter وأفروديت Aphrodite.

 خصائص أشعاره:

كان هوميروس شاعراً فذاً يعود إليه الفضل في نظم «الإلياذة» و«الأوديسة» وتقديمهما عملاً فنياً متكاملاً صار نموذجاً لكثير من الملاحم اللاحقة، فأرسى بذلك أسس الشعر الملحمي. يقول عنه أرسطو في كتابه «السياسة»: «إن هوميروس الذي فاق جميع الشعراء الآخرين في كل شيء قد امتاز على الأخص ـ سواء كان ذلك ناشئاً من معرفته بالفن أم كان فطرياً فيه ـ بإدراك ما يؤلف وحدة القصيدة».

تمثل رواية هوميروس لأسباب الحرب الطروادية الرؤية الشعرية الملحمية لهذه الحرب، وقد استمدها من واقعه ومن الموروث الشعري المألوف المتداول شفاهاً، فمزج في «الإلياذة» خاصة وبوساطة الخيال الشعري عالمين في عالم واحد: العصر البطولي للإغريق وعالم الشاعر وفكره. وقد اعتمد على الخيال، وحرص على جمال الأسلوب والبلاغة وتناسق النظم ودقة المعنى ورقّته، ومزج اللهجات الإغريقية التي تسود فيها اللهجة الإيونية مع وجود كثير من المفردات الإيولية القديمة وبعض الصيغ الأتيكية. وتتمثل عبقرية هوميروس في مقدرته الفائقة على إبداع الشخصيات البطولية وتصوير طباعها ومشاعرها ونزواتها المختلفة مع تأكيد السمات الإنسانية المؤثرة؛ وفي رسمه هذه الشخصيات حيث تتلازم أمجاد الرجال مع أفعال الآلهة. ويتمتع البطل الهوميري إلى جانب القدرة الحربية بالكرم والإخلاص وحسن المعشر وحب الحياة والتمتع بها.

نظم هوميروس ملاحمه بالوزن السداسي Hexametron المكون من ستّ تفعيلات الذي وصل عنده إلى حد الكمال، وصار البحر المفضل لدى كل شعراء الملاحم اللاحقين في العصور الكلاسيكية تاركاً بذلك بصماته الواضحة في الأدب الملحمي في الشكل والمضمون.

أهم الطبعات والترجمات:

يرجع تاريخ النص الحالي لملحمتي «الإلياذة» و«الأوديسة» إلى العصر الهلنستي، ويعود الفضل إلى علماء أكاديمية الإسكندرية وأدبائها في تقسيم كل من الملحمتين إلى 24 نشيداً بعدد حروف الأبجدية الإغريقية. صدرت أقدم طبعة لملاحم هوميروس في مدينة فلورنسا الإيطالية عام 1488، أما أهم الطبعات النقدية الحديثة المحققة فهي تلك التي أصدرتها جامعة أكسفورد عام 1920 في خمسة أجزاء. كما صدرت طبعات محققة بالفرنسية والألمانية والإيطالية، وأعقبتها ترجمات شعراً ونثراً إلى اللغات الأوربية المختلفة، ومنها ترجمة إلى اللغة اليونانية الحديثة.

أما أشهر ترجمات «الإلياذة» إلى اللغة العربية فهي بلا شك ترجمة سليمان البستاني الشعرية التي صدرت في مجلدين عام 1904، وهي تعدّ بحق عملاً أدبياً مهماً حاول فيها أن يحاكي ملحمة هوميروس في الأوزان والأسلوب واللغة والأجواء، كما زودها بشروح تاريخية وأدبية مسهبة.

محمد الزين، ق.ل.ا

الموضوعات ذات الصلة:

 

الإلياذة ـ الإنيادة ـ الأوديسة ـ فرجيل ـ الملحمة ـ هسيودوس ـ اليونان.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ أحمد عتمان، الشعر الإغريقي تراثاً إنسانياً وعالمياً (عالم المعرفة، الكويت 1984).

ـ سليمان البستاني، الإلياذة شعراً في جزأين (1887ـ1904).

ـ لطفي عبد الوهاب يحيى، عالم هوميروس، عالم الفكر مج 12، عدد 3، (الكويت 1981).

- F. ROBERT, La littérature grecque, coll. ”Que sais-je” (Paris 1971).


التصنيف :
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الثاني والعشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 11
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1071
الكل : 40494742
اليوم : 24557

الإرشاد الزراعي

الإِرشاد الزراعي   الإِرشاد الزراعي vulgarisation agricole هو عمل تعليمي غير رسمي يتطلب تنفيذه تعاون أجهزة ومنظمات رسمية وخاصة تعمل جنباً إِلى جنب مع الريفيين الذين يتعلمون منه، بالاقتناع وبالطرائق والمعينات الإِرشادية المختلفة، كيف يحددون مشكلاتهم بدقة ويتزودون بالمعارف المناسبة والاتجاهات المرغوب فيها والمهارات الأساسية اللازمة لتطوير أنفسهم وتنمية قدراتهم ومساعدتهم على إِيجاد الحلول لمشكلاتهم. فالإِرشاد الزراعي إِذن نظام تعليمي وإِقناع وتنفيذ، يهدف إِلى إِحداث تغييرات سلوكية مرغوب فيها لدى الفلاحين، في معارفهم ومهاراتهم واتجاهاتهم، وهو عملية تطبيقية مستمرة، وهو أحد أركان ثلاثة هي التعليم الفني الزراعي والبحث العلمي الزراعي والإِرشاد الزراعي. وتترابط هذه الخدمات بصلات تبادلية اعتمادية تكاملية يزيد كل منها من فعالية الأخريين فيؤدي ذلك إِلى تقدم الزراعة وتطوير الريف. وعليه فإِن الإِرشاد الزراعي يرمي في تطويره الريفيين إِلى «زراعة أحسن وحياة أفضل وسعادة أكثر وتعليم أوفر ومواطن أصلح» وذلك عن طريق إِيجاد صلة مع المزارعين وثقة متبادلة وعن طريق تعاونهم ومشاركتهم الفعالة في تخطيط البرامج الإِرشادية وتنفيذها وتوافر مستلزمات القيام بالعمل الإِرشادي.
المزيد »