logo

logo

logo

logo

logo

نيوتن (اسحق-)

نيوتن (اسحق)

Newton (Isaac-) - Newton (Isaac-)

نيوتن (إسحق -)

(1642-1727)

 

 
   

إسحق نيوتن Isaac Newton فيزيائي، وعالم رياضيات، وفيلسوف إنكليزي.

يقول لايبنتز[ر] W.G.Leibniz: «لو أخذنا الرياضيات من بدايتها حتى نيوتن لوجدنا أن ما حققه فيها كان نصفها الأسمى». وهذه شهادة لا يمكن إنكارها، ولكن ما حققه نيوتن في مجال الفيزياء لا يقل عن ذلك شأناً، ولذلك يُعدّ نيوتن أكبر الفيزيائيين تأثيراً عبر التاريخ. فهو لم يقتصر على دراسة مسائل مجتزأة؛ بل بلور مفاهيم عامة كانت مجرد أفكار ضبابية وتصورات غامضة عند كثيرين قبله، فاكتسبت بفضله مدلولات واضحة استطاع أن يُظهِر بها لأول مرة وبكل وضوح قوةَ الفكر الرياضي (الذي بلوره هو أيضاً) وطريقة التفكير التي يجب اتباعها في علم الفيزياء وفي غيرها من العلوم. فأسس بذلك منهجاً متكاملاً للبحث في كل من الفيزياء والرياضيات ظل متبعاً من بعده. فقد كان الإنجاز الذي حققه أول إنجاز كوني يحققه إنسان سواء في الرياضيات أم الفيزياء.

نشأته

وُلد إسحق نيوتن في وولستورب Woolsthorpe قبل الأوان في يوم عيد الميلاد من عام 1642، هو العام الذي توفي فيه غاليليه[ر] G.Galileo. وكان والده قد توفي قبل ولادة ابنه الشاحب الرقيق الجسم بثلاثة أشهر، تزوجت أمه بعد ثلاث سنوات من ولادته، وتركت الطفل في كنف جدته لأمه. لذلك (فيما يُظن) نشأ نيوتن كارهاً للنساء. وما إن بدأ وعيه يتفتح حتى تعرّف فيه خاله المتخرج في كمبردج Cambridge ملامح النبوغ، فنصح بانتسابه إلى هذه الجامعة عند بلوغه السن المناسبة، فكان له ما أراد، وانتسب نيوتن إلى كمبردج عندما بلغ التاسعة عشرة.

كان نيوتن في أول أمره يميل إلى الكيمياء، غير أن تأثير أستاذيه عالمي الرياضيات بارو I.Barrow وواليس J.Wallis جعله يغوص في دراسة الرياضيات، إذ اكتشف بارو عنده عمق التفكير، مع أن الفتى لم يبد تفوقاً على أقرانه في مجال الدراسة؛ بل كان يبدو طالباً عادياً. ويبدو أن عراكه مع أحد زملائه البارزين في المرحلة الابتدائية أيقظ فيه غريزة التحدي. أما في الحقيقة فقد كان حين يخلد إلى نفسه يغوص في عالم فكره المبدع ويطالع أمهات كتب الرياضيات؛ وقد قرأ كتاب إقليدس[ر] كله ودرس بصريات كبلر[ر] وأعمال فييت وحساب اللامتناهيات في الصغر عند واليس، كما اطّلع على أعمال غاليليه الذي كان قد خطا خطوة محدودة في الطريق التي عبّدها نيوتن من بعده في الفيزياء. وقام بذلك أيضاً بالنسبة إلى أعمال مجتزأة حققها فيرما[ر] Fermat وهويغنز Huygens وديكارت[ر] وغيرهم في الرياضيات.

وفي منتصف صيف عام 1665 (أي العام الذي تخرج فيه) اجتاح لندن وباءُ الطاعون، فأُغلقت الجامعة في الخريف مدة ثمانية عشر شهراً قضاها نيوتن معتزلاً في وسط ريفي في مسقط رأسه وولستورب. وهناك أطلق لخياله العنان، إذ يقول: «في أوائل عام 1665وجدت قاعدة تحويل أي قوة لذي الحدين إلى سلسلة، وفي تشرين الثاني/نوفمبر عرفت الطريق المباشر للدفق fluxion (المشتق). وفي العام نفسه بدأت أفكر في الثقالة وأتصورها ممتدة حتى مدار القمر، وقارنت القوة اللازمة لبقاء القمر في فلكه مع الثقالة على سطح الأرض».

وحين عاد إلى كمبردج في عام 1667 انتُخب عضواً في كلية ترينيتي Trinity. وحينما نُقل أستاذه بارو من كرسي لوكاس Lucas عام 1669 احتل نيوتن مكانه بناء على توصية من بارو نفسه.

أعماله في الرياضيات

كان نيوتن في نهاية عام 1664قد بلغ حافة المعرفة في رياضيات عصره، ولم يبق إلا أن يسهم هو بنصيبه فيها. وبعد مضي عدة أشهر بيّن نيوتن أن قاعدة نشر قوة لذي الحدين تظل صحيحة حتى حين يكون الأس كسراً ناطقاًً. وقد اعتمد هذا التعميم في البدء على نوع من الاستقراء. ثم برهن عليه فيما بعد في حالات أعمّ.

وفي عام 1665 بدأ نيوتن يفكر بمعدل التغير أو ما دعاه نيوتن الدفق، وبكل ما دعاه نيوتن الكميات التي تتغير باستمرار أو الكميات الجارية حسب قوله (يعني أنه شبَّهها بماء جار) كالأطوال والمساحات والحجوم والزمن والسرعات، ومنذ ذلك الوقت تابع نيوتن الربط بين السلاسل اللانهائية ومعدلات التغير، أو حسب تعبيره «على طريقتي».

كانت المسألة المحيرة في حساب الدفق هي إنهاء مقدار التدفق (التغير) إلى الصفر، وبخاصة أنه لا يمكن التقسيم على صفر، والأحرى صفر على صفر. لذلك، أو لسبب آخر، لم يستطع نيوتن نشر أفكاره هذه إلا في وقت متأخر. كما هو الأمر في طريقته لحساب معدل التغير في علاقة بسيطة بين جريانين (متغيرين) x وy من الشكل xm = yn

فبفرض أن دفق (أو معدل تغير) الجريان x مع الزمن هو p وأن دفق y مع الزمن هو q. لجأ نيوتن إلى فرض الرمز 0 يدل على فترة صغيرة جداً، فيكون مقدار تغير x هو 0p ومقدار تغير y هو 0q. ومنه

(x + 0p)m = (y + 0q)n

وبتطبيق قانون ذي الحدين[ر] واختزال هذه المساواة يمكن حساب النسبة q/p:

q/p = mxm-1 / nyn-1 ومن ثم يمكن حساب مشتق الدالة

 

وبهذه الطريقة تمكن نيوتن لأول مرة من حساب ما يسمى حالياً «المشتق» من دون الاستعانة بتمثيل هندسي كما فعل أستاذه بارو، وتمكن بهذه الطريقة من حساب مشتقات دوال عديدة صادفته في أبحاثه. وهذا ما أعانه على حساب التكامل كعملية عكسية للاشتقاق. (وكان أستاذه بارو يقول إن حساب مساحة سطح تحت منحنٍ هي عملية عكسية لحساب ميل المماس)، فاقتحم نيوتن بذلك مجال الطبيعة الفيزيائية الواسع للعالم. وكانت نظرته شاملة مختلفة كل الاختلاف عن كل ما سبقه من دراسات علمية مجتزأة، إلا أن مصطلحات لايبنتز كانت أسهل من مصطلحاته.

ومضى بهذه النظرة الشمولية أيضاً في مجال الجبر والتحليل والهندسة التحليلية. ففي كتابه الحساب الشامل Arithmetica Universalis وجد نيوتن دستوراً عاماً يعطي - بدلالة الأمثال - مجموع قوى جذور كثير حدود من درجة n من أي مرتبة K. وميَّز له ثلاث حالات K = n وK < n و K > n. في حين أن من سبقه مثل كاردان Cardan أعطى مجموع الجذور؛ وفييت Viette مجموع مربعاتها؛ وجيرار Girard مجموع مكعباتها ومجموع قواها الرابعة.

وقد كان نيوتن المعروف بحبه التحدي ونظرته الشمولية أول من اعترف فعلاً بالأعداد السالبة. فقد ظل الرياضيون الأوربيون - بمن فيهم ديكارت - يترددون في ذكر الجذور السالبة لمعادلة، كما لا يمثلون من المنحني إلا الجزء الواقع في الربع الأول بالنسبة إلى محورين كما كان يفعل عمر الخيام[ر]، ويتجنبون تمديد المحورين في الاتجاه السالب. أما نيوتن فقد أصبح يمثل المنحني (كالقطع الزائد مثلاً) كاملاً في الاتجاهين.

وفي هذا الكتاب أوجد قاعدة عامة لتعيين عدد الجذور التخيلية لكثير حدود وقام بتعيين أكبر عدد من الجذور الموجبة. وفي الكتاب نفسه نظرية طريفة برهن عليها بالهندسة التحليلية تقول: «إذا قطع مستقيم منحنياً من الدرجة الثالثة في ثلاث نقاط، كان المحل الهندسي لمراكز ثلاث كتل متساوية في هذه النقط عندما ينتقل المستقيم موازياً لنفسه، هو مستقيم». وقد صنف المعادلات الجبرية من الدرجة الثالثة في اثنين وثمانين صنفاً ثم أُنقصت ستة. وقد درسها نيوتن كلها ورسم خطوطها البيانية غير هياب من اتخاذ قيم سالبة حتى في الاتجاه السالب من المحاور.

أعماله في الميكانيك

(كتابه برنسيبيا Principia)

إن من يطالع كتب علماء المسلمين الفلسفية يجد أن عدداً منهم قد لامس الأفكار التي أتى بها غاليليه ومن بعده نيوتن، كمبدأ العطالة وتسارع الجسم تحت تأثير قوة فيه. ولكن غاليليه - الذي أصبح مفهوم السرعة والتسارع واضحاً لديه - وضع أول لبنة في أساس الميكانيك. أما نيوتن فهو أول من حدد موضوع الميكانيك وجعله علماً نظرياً محضاً بعيداً عن الصناعة (كما كان رائجاًً قبله) وقال: «إن اهتمامي ينصب على الفلسفة الطبيعية وليس على الصناعة أو الفن» ثم حدد المفاهيم التي يحتاج إليها: مثل المكان، والزمان، والكتلة، والاندفاع، والقوة، قبل أن ينص على قوانين الميكانيك الثلاثة. ومنذ ذلك الحين أصبح «برنسيبيا» كتاباً لعلم نظري هو الميكانيك شبيهاً بكتاب الأصول الذي ألفه إقليدس للرياضيات. ويمكن القول: إن مبادئ الميكانيك عند نيوتن تقابلها البديهيات والمسلمات عند إقليدس. ويمكن تقديم فكرة عمّا ورد في الكتاب توضح بعض التعريفات والمبادئ كما وردت عند نيوتن (مع ملاحظة أن كل ما وضع بين قوسين هو المصطلح الحالي):

تعريف 1: كمية المادة (الكتلة) هي ما تقاس به نتيجةَ كثافتها وحجمها.

تعريف 2: كمية الحركة (أو الاندفاع) هي ما تقاس به نتيجةَ السرعة وكمية المادة معاً (فهي جداؤهما).

تعريف 3: إن الخمول (العطالة) هي القوة التي يستطيع بها جسم ما أن يثابر - على قدر ما أودع فيه من هذه القوة - على حالته الراهنة، سواء كانت هذه الحالة هي السكون أم التقدم بحركة منتظمة في خط معتدل (مستقيم).

وتتناسب هذه القوة دائماً مع (كتلة) الجسم الذي يتضمنها، وهي لا تختلف في شيء عندما تكون الكتلة في حالة سكون، فطبيعة السكون الموجودة في المادة هي السبب في عدم سهولة تغيير حالتها سواء كانت هذه الحالة هي السكون أم الحركة. [فالعطالة في حالة السكون هي الكتلة نفسها].

تعريف 4: القوة المؤثرة في جسم هي فعل يقع عليه ليغير من حالته، سواء كانت هذه الحالة هي السكون أم الحركة المنتظمة في خط معتدل (مستقيم).

القانون الأول: كل جسم في حالة السكون يبقى ساكناً، وكل جسم في حالة الحركة بسرعة منتظمة وفي خط معتدل يبقى كذلك ما لم يرغم على تغيير حالته بفعل قوة.

القانون الثاني: يتناسب تغير الحركة (الاندفاع) مع القوة المحركة المؤثرة، ويتم في اتجاه الخط المستقيم الذي تؤثر فيه تلك القوة.

القانون الثالث: لكل فعل ردُ فعلٍ مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه.

قانون الثقالة (الجاذبية): تروي الحكايات التي تتحدث عن نيوتن أنه حين كان ملتجئاً إلى وولستورب شاهد وهو يرتاح تحت شجرة تفاح أن تفاحة سقطت منها على الأرض، فأثارت هذه الحادثة خاطرة لم تخطر قبله في بال أحد، وهي أن قوة جذب الأرض للتفاحة هي نفسها التي تبقي القمر ملازماً للأرض ويدور حولها. ومنذ ذلك الوقت راح نيوتن يفكر بقوة الثقالة. «ومن المحتمل أن نيوتن اهتدى إلى صيغة قانون الثقالة من ثالث قوانين كبلر ومن ثاني قوانين نيوتن في التحريك» فهذا القانون يؤدي بالفعل إلى نظرية مبدئية نصّ عليها نيوتن أول الأمر، وهي: أن معدل سرعة السقوط تتناسب مع شدة قوة الثقالة، وأن هذه القوة تتناقص تبعاً لمربع المسافة عن مركز الأرض.

لجأ نيوتن لتبسيط الأمر إلى تصور كتلتين نقطيتين m1,m2 (أي جسيمين ليس لهما حجم أو شكل ملموس) وأن كلاً منهما يجذب الثاني (حسب مبدأ الفعل ورد الفعل) بقوة في اتجاه المستقيم الواصل بينهما. ولم تكن فكرة هذا القانون جديدة، فقد سبقه إليها بعض العلماء، ولكن الجديد أن نيوتن هو أول من قال إن السبب في سقوط الحجر على الأرض هو نفسه الذي يُبقي القمر في مداره حولها. ولكي يتأكد من أن قوة الثقالة بين جسمين تتناقص مع مربع المسافة بينهما حَسَبَ تسارع القمر نحو الأرض معتمداً على الأرصاد؛ وقارنه بتسارع الأجسام عند سقوطها على سطح الأرض، فوجد أن نسبة تسارع الجسم الساقط على الأرض إلى تسارع القمر تساوي مربع النسبة بين نصف قطر مدار القمر حول الأرض ونصف قطر الأرض. وهكذا عمم هذا القانون على الأجسام جميعها فقال: «تتجاذب الأجسام المادية كلها تناسباً طردياً مع كتلها وعكسياً مع مربع المسافة بينها».

شجعه ذلك على المضي قدماً ففسر ظاهرة المد والجذر، وكذلك ظاهرة «مبادرة الاعتدالين» بأنها ناتجة من تفاوت قوة جذب القمر للأرض عند قطبها عن جذبه لها عند خط الاستواء بسبب ميل محور الأرض على مدارها وبسبب وجود فرق صغير في المسافة؛ مما يجعل محور الأرض يترنح راسماً مخروطاً في مدة قُدِّرت بنحو 26000 سنة. ولكن النتيجة المهمة لهذا القانون هي أنه أمكن بوساطتها تفسير قوانين كبلر الثلاثة. فقد أمكن لكبار الرياضيين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تطوير ما سمي بالميكانيك السماوي[ر] الذي بدأه لابلاس[ر] (1749-1827)، وأتاح بذلك حساب حركة الكواكب والمذنبات وغيرها داخل المجموعة الشمسية تحت تأثير قوة الثقالة.

وفي منتصف القرن التاسع عشر سجل ميكانيك نيوتن انتصاراً باهراً عندما اكتُشف كوكبٌ جديد سمي «نبتون»[ر]. ففي ليلة الثالث والعشرين من أيلول عام 1846 شاهد الفلكي غال السيارَ الذي كان لوفرييه Le Verrier قد أعلن وجوده منذ مدة؛ معتمداً على قوانين نيوتن وعلى الاضطرابات التي جرى رصدها في حركة الكوكب أورانوس. ثم حدث كشف مماثل عام 1930عندما رُصد كوكب بعد نبتون سمي بلوتو. ويبدو أن هذا الكوكب أصغر من أن يستحق هذا الاسم.

تطبيقات أخرى لميكانيك نيوتن

يضم كتاب «برنسيبيا» بين دفتيه 600 صفحة تعج بمعلومات عن ميكانيك الأجسام الصلبة والسائلة (الجوامد والموائع). ففي الحالة الأولى عالج مسألة المدى الذي تصل إليه قذيفة قبل أن تقف وتسقط. وقد وجد قانوناً تقريبياً لحساب هذه المسافة اعتمد فيه على فكرة أن سرعة الهواء المندفعة أمام القذيفة تكون مساوية سرعة القذيفة، وأن اندفاع كتلة الهواء المندفعة(أو الوسط الذي أطلقت فيه) يكون مساوياً اندفاع القذيفة حين تسقط. وفي النتيجة تكون نسبة المدى الذي تصل إليه القذيفة إلى طولها تساوي تقريباً نسبة كثافة القذيفة إلى كثافة الهواء (الوسط). وبين بذلك أن مدى قذيفة المدفع أطول بكثير من مدى قذيفة مسدس. وفسر نيوتن بمبادئه أيضاً كيف أن السائل الجاري في أنبوب مكوَّن من قسمين أحدهما واسع والآخر ضيق يكون ضغطه في العريض أعلى من ضغطه في الضيق. (أي خلاف ما يُظن).

هذا غيض من فيض من أعمال نيوتن في تحريك الجوامد والموائع.

البصريات

لفت الضوءُ نظرَ كثير من الباحثين قبل نيوتن، وكان أهمهم ابن الهيثم[ر] في القرن العاشر الميلادي فأدت به أبحاثه إلى حقائق عن الضوء تُنسب اليوم إلى غيره. وكان بارو مطلعاً على هذه الأبحاث بدليل أنه تعرض لحل المسألة المهمة التي طرحها ابن الهيثم عن الطريق الضوئي في حالة الانعكاس.

كان اهتمام نيوتن في الضوء مركزاً في بادئ الأمر على ظاهرة الألوان. وعندما بلغ الثالثة والعشرين اشترى موشوراً زجاجياً ليحاول به دراسة ظاهرة الألوان. كان يعتقد أن الألوان المختلفة تنكسر بزوايا مختلفة وأكد ذلك بأن لوَّن نصف شريط كرتون بالأحمر والنصف الثاني بالأزرق، وراح ينظر إليه من خلال الموشور فلاحظ أن نصفها الأزرق ينحرف عن وضعه الأصلي أكثر من الأحمر.

ولكي يثبت أن الضوء الأبيض مكون من عدة ألوان أحدث ثقباً صغيراً في زجاج نافذة حصل بوساطته على حزمة ضيقة من ضوء الشمس، ثم اعترض سبيلها بالموشور قبل أن تسقط على شاشة بيضاء، فبدلاً من بقعة الضوء الدائرية التي قد ينتظرها المرء رأى نيوتن مستطيلاً مجزءاً إلى مستطيلات ملونة تلويناً ضعيفاً بألوان قوس قزح.

وقد أكد بذلك أن العدسات في المقراب (التلسكوب) لا تظهر صورة واضحة للكواكب؛ لأن قرينة الانكسار تختلف باختلاف اللون، ولذلك صنع عام 1672 مقراباً ذا مرآة بدلاً من العدسة، فأُعجبت به الجمعية الملكية واختارته عضواً فيها.

حلقات نيوتن:

«لاحظ بعض الباحثين أن المواد الشفافة (مثل الزجاج والماء والهواء) عندما تكون رقيقة جداً على شكل فقاقيع مثلاً أو ألواح رقيقة تعرض ألواناً مختلفة تبعاً لمدى رقتها، على رغم أنها تظهر نقية خالية من الألوان عندما تكون سميكة نوعاً ما درس نيوتن هذه الظاهرة تجريبياً بوضع عدستين إحداهما فوق الأخرى وراح يضغطهما ويرخيهما لتغيير طبقة الهواء بينهما، فلاحظ تكون حلقات ملونة سميت حلقات نيوتن. وقد توصل بطريقة استقرائية إلى نتائج مهمة فُسِرت فيما بعد حسب النظرية الموجية للضوء، ولكن نيوتن ظل محتفظاً بنظرية الإصدار.

كان ابن الهيثم قد شبه انعكاس الضوء على السطوح الثقيلة بارتداد جسم صلب مرن حين يقذَف باتجاه سطح مستو صلب، وأكد ذلك بأن برهن على أن الجسم يرتد بالطريقة التي يرتد بها الضوء بحيث يكون مسار ارتداده مناظراً لمسار سقوطه (زاوية الورود تساوي زاوية الانعكاس). وقد أتى نيوتن بعدئذ بنظرية لا يمكن الجزم بأنها بوحي من ابن الهيثم. وتقول نظريته: إن الضوء بالأصل مكون من جسيمات دقيقة جداً يصدرها المضيء بـسرعة كبيرة جداً ولا يدركها الحس إلا على صورة ضوء. وبهذه الطريقة فـسر (كما فعل ابن الهيثم في الانعكاس) ظاهرتي الانعكاس والانكـسار. ولكن هويغنز الهولندي (1629-1695) الذي عاصر نيوتن فترة محدودة وضع نظرية تموجية للضوء بأمواج طولانية وفسّر بها أيضاً ظاهرتي الانعكاس والانكسار، وقد أيّد قياس سـرعة الضوء في الماء هذه النظرية. ولكن فـرينل[ر] فيما بعد برهن على أن أمواج الضوء عرضانية وليست طولانية كما فرض هويغنز. كما أيدت ظاهرة التداخل الفرضية الموجية للضوء. وحين ظهرت نظرية الكم[ر: ميكانيك الكم]، وبيَّن آينـشتاين[ر] Einstein بعد بلانك[ر] Planck أن الضوء مكوّن من كمات (كموم)، أصبحت الطبيعة الحالية للضوء مضاعفة: موجية وجسيمية في آن واحد.

فلسفته وخاتمته

حقّق نيوتن أهم اكتشافاته في الضوء والرياضيات في أواسط الثمانينات من القرن السابع عشر، وتوقف بعدئذ أو كاد لولا أن خصمه هوك Hook تحداه في تفسير حركة الكواكب مع أنه هو نفسه لم يستطع ذلك. وهذا ما دعاه إلى وضع كتاب يشرح فيه نظريته في الثقالة وفي تفسير مسارات الكواكب الإهليلجية بوساطتها وكذلك القانون الثاني لكبلر. وقد تعهد العالم هالي Halley الذي كان محباً لنيوتن بأن يدفع تكاليف النشر، وهكذا لم ينشر كتاب «برنسيبيا» إلا في عام 1687.

وعندما بلغ نيوتن الخمسين من العمر قرر اعتزال الحياة العلمية وإن ظل مع ذلك ينتخب كل عام أميناً للجمعية الملكية حتى وفاته. وفي عام 1696 عُيّن مراقباً ثم رئيساً لدار صك النقود. وفي عام 1705 منح لقب «سير» sir وأصبح عضواً في مجلس اللوردات.

وحين توقف عن البحث العلمي شُغل بأمور الفلسفة والدين التي لم ينقطع عن التفكير فيها. فكان يأخذ بالنظرية الذرية للمادة وبوجود زمان ومكان مطلقين. وكان إيمانه الديني غير تقليدي فقد كان من الموحدين المتشددين وأنكر القربان المقدس ورفض كثيراً من المعتقدات لكونها في نظره غيبية خرافية. وقد كتَب كثيراً في هذا الشأن وتركه من دون نشر حفاظاً على سمعته تجاه الجمهور المؤمن. والطريف أن هذا الإنسان الذي استخدم عقله إلى أقصاه راح يفكر بأمور غيبية مثل تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب.

وفي عام 1727 توفي نيوتن، وقام 12 لورداً من مجلس اللوردات بحمل نعشه حتى مثواه الأخير في كنيسة وستمنستر (مقبرة العظماء)، وهذا شرف قد لا يكون غيره قد حظي به.

محمد وائل بشير الأتاسي

مراجع للاستزادة:

ـ جورج غاموف، قصة الفيزياء، ترجمة محمد جمال الدين الفندي (منشورات دار المعارف في مصر بالتعاون مع مؤسسة فرانكلن، القاهرة 1964).

ـ لويد موتز وجيفرسون هين ويفر، قصة الفيزياء، ترجمة طاهر تربدار ووائل بشير الأتاسي، العدد 6 من سلسلة الثقافة المميزة (دار طلاس، دمشق، 1993).

-   CARL. B. BOYER, revised by UTA C.MERZBACH: A History of Mathematics (JOHN WILEY & SONS New York 1991).


التصنيف : الكيمياء و الفيزياء
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الواحد والعشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 250
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1732
الكل : 52997013
اليوم : 28698

هوكوساي (كاتسوشيكا-)

هوكوساي (كاتسوشيكا ـ) (1760 ـ 1849)   كاتسوشيكا هوكوساي Katsushika Hokusai معلّم فنان وحفار ياباني ينتسب إلى فن الـ«أوكيو- إي Ukiyo-e» التي تعني العالم الزائل. ولد في هونجو Honjo شرق إيدو (طوكيو اليوم)، وشغف بالرسم منذ الخامسة من عمره، تبنّته أسرة ذات حرفة فنيّة تسمى (ناكاجيما Nakajima) ولكنه لم يحصل على حق الوريث في هذه الأسرة.
المزيد »