logo

logo

logo

logo

logo

هارتونغ (هانز-)

هارتونغ (هانز)

Hartung (Hans-) - Hartung (Hans-)

هارتونغ (هانز ـ)

(1904 ـ 1989)

 

هانز هارتونغ Hans Hartung مصور فرنسي من أصل ألماني، شهر بأسلوبه التجريدي وخطوطه السوداء وإيقاعاتها المؤثرة، وقربها من فن الخط Calligraphie، وبروزها في أغلب الأحيان فوق خلفية fond أحادية اللون.

ولد هانز هارتونغ في لايبزغ Leipzig في كنف أسرة من الأطباء محبة للفنون، وبعد دراسته بين عامي 1915- 1926 في ثانوية درسدن Dresde، ثم الفلسفة وتاريخ الفن في جامعة لايبزغ ومدرسة الفنون الجميلة تتلمذ على يد ماكس دورنر Max Doerner في مونيخ Munich. تأثر في بداياته بتعبيرية expressionnisme إميل نولده[ر] Emil Nolde وأوسكار كوكوشكا[ر] Oskar Kokochka، ثم بالتكعيبية Cubisme، وأعمال كاندينسكي[ر] Kandinsky التجريدية، ولكنه سرعان ما راح يبحث عن أسلوب خاص به، فقام بين عامي 1924- 1930 بأسفار عدة إلى كل من إيطاليا والبلاد الواطئة (هولندا) وفرنسا وبلجيكا طلباً للمعرفة والاطلاع، متردداً إبانها بلا انقطاع على المتاحف وصالات العرض. وإلى هذه الآونة يعود تاريخ لوحاته التجريدية الأولى، وفيها بدا مستقلاً عن مدرسة الباوهاوس[ر] Bauhaus وقريباً من المدرسة التعبيرية، وبها أقام معرضه الأول في قاعة عرض كول Küll بدرسدن عام 1931، حيث عرض مجموعة من اللوحات المتضمنة بعض العناصر التكعيبية التي انصرف عنها لاحقاً ليقف نفسه على إنجاز لوحات تجريدية خالصة.

هانز هارتونغ (1935)

تزوج هارتونغ المصوِّرة أنّا-إيڤا برغمان Anna-Eva Bergman، ثم رحل للعيش في باليار Baléares بمينورك Minorque بين عامي 1932-1934 منجزاً في أثناء إقامته لوحات بعنوان «بقع حبر»، وبعد إقامة قصيرة في ستوكهولم Stockholm عاد إلى برلين حين صعود النازية وسطوع نجمها، فعانى من جراء ذلك الشقاء مادياً ومعنوياً وضاقت به السبل ولاسيما حين وسمت النازية الفن الذي يخصه ويعنيه بـ (الفن المنحط) ولكنه ظل صامداً يتصدى للنازية: «لا أريد أن أستسلم بل إني لا أستطيع أن أستسلم. قد أخضع حيناً للمهادنة والتسويات المشينة، ولكني سأعمل على صنع تصوير Peinture يتطابق وذوق العصر، لأعود من ثم إلى ألمانيا وأقاوم هتلر، ولكني إن استسلمت الآن أكون قد تخليت عن كل شيء». وما إن بلغت معاناته في عام 1935 حداً لا يطاق حتى قرَّ عزمه على الهرب من ألمانيا نهائياً للإقامة في باريس التي تجاهلت بدورها أعماله على الرغم من قبولها لها وعرضها في صالات عدة، وعلى الرغم من اشتراكه عام 1937 في المعرض العالمي «لعبة التنس» Jeu de Paume - الذي أقيم في باريس - بمجموعة من اللوحات المتسلسلة بعنوان «بقع حبر»، وإسهامه - وهو المعروف بتصديه للنازية منذ البداية - في معرض مناهض للنازية أقيم في برلنغتون Burlington بلندن عام 1938. وفي العام نفسه ألغت سفارة الرايخ جواز سفره، ثم هجرته زوجته أنّا- إيڤا، فتزوج مصوِّرة أخرى أيضاً، ثم انضم عشية إعلان الحرب عام 1939 إلى قائمة المتطوعين لمقاومة الهتلرية، وفي عام 1940، وعقب الهزيمة أمام الجيوش الهتلرية تخفى في وادي اللوت Lot مقيماً عند أسرة النحات كاتالان غونزاليز، ليهرب من ثم إلى إسبانيا التي توارى فيها سبعة أشهر، ومنها عبر إلى شمالي إفريقيا ليلتحق من جديد بفيلق المحاربين الأجانب، وفي تشرين الثاني/نوڤمبر إبان الهجوم على بلفورت Belfort جرح جرحاً بليغاً أدى إلى بتر ساقه.

دشنت نهاية الحرب العالمية الثانية لهارتونغ مرحلة جديدة كلياً، ففي عام 1945 حصل على الجنسية الفرنسية، ورجعت إليه زوجته أنّا- إيڤا التي بقيت معه ولازمته حتى وفاته، وتقلد الميدالية الحربية، وصليب الحرب، ووسام الشرف، وأقيمت لأعماله معارض عدة منها: في قاعة عرض ليديا كونتي Lydia Conti بباريس في آذار/مارس عام 1947، وشباط/فبراير عام 1948، وتموز/يوليو عام 1949، وفي إرْلَنْغن Erlangen بكولونيا Cologne وفي برن Berne عام 1953.

وقد تم الاعتراف بهارتونغ معلماً من معلمي التعبيرية التجريدية expressionnisme abstrait الكبار منذ معرضه الشخصي الأول في قاعة عرض ليديا كونتي، فعمل جاهداً على الاحتفاظ بهذه المكانة عبر تقلبات (الموضة) والسوق (الاقتصاد). وفي هذا المعرض تجلى مفهومه في تمثيل الواقع: «على التعبير الحر والخالص أن يرتقي بالواقع»، وطريقته التي تقوم في جوهرها على التلوين بالفرشاة بحيوية وفعالية شديدة، وعلى السرعة في عملية الخلق والابتكار، وكان هذا بالنسبة إليه «ضرورة روحية». إن تجريداته لا تصوِّر، وإنما تتكلم بعيداً عن كل ضرب من ضروب العقدية (الدوغماتية dogmatique)، وقد ارتبط فن هارتونغ بالخطوط وآثارها traces، وبالتعبير عن الذات المتحررة، وبابتكاره علامات signes غرافية، وربطه سرعة الحركة والدافع النفسي بأقصى ما في التكوين من دقة، فإن كان ثمة ما يدعى كلاسية معاصرة فإن هارتونغ واحدٌ من كبار كلاسيي التصوير التجريدي. إن في إنتاجه تماسكاً استثنائياً: «ابتدأتُ التصوير في حداثتي… ففي الخامسة عشرة والسادسة عشرة كنت أرسم بظاهر الفرشاة أشكالاً لا تمت إلى الواقع بأي صلة، وفيها كانت بقعة الفرشاة بذاتها تحمل معنى ما». وكان هارتونغ ينسخ أحياناً بعض أعمال الماضي مثل لوحة «الثالث من أيار/مايو» لغويا Goya مع إلغاء تدريجي للأشكال الواقعية التي لا يبقى منها في آخر المطاف إلا البقع والخطوط، وهذا في الحقيقة نمط جديد في الفكر التصويري. وكان هارتونغ قد استمع في عام 1925 إلى محاضرة لكاندينسكي فتبين له ثراء التجريد، ومع ذلك لم يلجأ مطلقاً إلى أي ضرب من ضروب الترميز: «ليس للترميز أي معنى في التصوير سواء أمثلثاً كان هذا الرمز أم زهرة». أراد هارتونغ استبطان intériorisation  التصوير «إن الواقع أو تمثيله يقف حائلاً أمام التعبير الحر والصافي»، وقد أقنعتْه دراساته في علم البصريات (أن إدراك العالم بالنظر خدّاع كفاية)، فلابد من تجاوز هذا الواقع والنظر إلى ما وراءه.

كان هارتونغ منذ عام 1933 يسم أعماله بحرف (T) عنوان بسيط يضيف إليه سنة إنجاز العمل ورقمه التسلسلي، وكان يرود ويتقصى ويكتشف ضمن حدوده الذاتية ما في الفن اللاتشخيصي non-figuration الغريزي من إمكانات، وكان يرى «أن حركة المصور تقتات من كامل كيانه، ومن تجربته في العالم والحياة، وعليه فإن الحاسم والمهم في التصوير هو السرعة الآنية في الإنجاز، والتصحيح المتواصل لما يصنعه الفنان».

هانز هارتونغ: "تجريد على اللوح"

اتسمت أعمال هارتونغ حتى عام 1951 بالتمرد والفوضوية، ثم اتسمت بالسكونية وجنحت نحو الاستقرار أكثر، ثم صارت خطوطه بدءاً من عام 1959 تأخذ شكل كبة من الخيوط المرنة، وراح يضاعف إنتاجه في الطباعة الحجرية Lithographie والحفر gravure، وقد قدَّم في هذا المجال مع الطبّاع جان بونز Jean Pons سلسلة رائعة من المطبوعات على الحجر، ثم أولى اهتماماً بالتصوير الضوئي Photographie، واستخدمه أحياناً في لوحاته وأقام معرضه الضوئي الأول عام 1977 في مركز نوروا Noroit بأراس Arras، كما أنجز بعض الأعمال باستخدام الطبشور الملون (باستيل Pastel).

ومع تنوع إنتاجه ومواده بقيت السرعة في حركة الفرشاة وفي إنجاز العمل يحتلان المقام الأول، إذ استشعر هارتونغ - وقد اقتحم عالم قدراته وإمكاناته - أن السرعة «ضرورة روحية». وفي عام1961 لجأ هارتونغ إلى طريقة الحفر أو النقش grattages في الألوان وهي طازجة وندية: «وهكذا ينفذ الضوء عبر المادة» ثم يأتي دور اللوحات الكبيرة التي غابت عنها الخطوط أو تكاد، لتشوبها ضبابية قاتمة.

أما أعمال الثمانينات (القرن العشرين) فكانت أميل إلى الأشكال النباتية والمائية، لتتفجر من ثم في لوحات كونية أورانية ouranienne تستحضر إلى الذاكرة حنين هارتونغ المقيم إلى علم النجوم.

احتل هارتونغ بوصفه رائداً للتجريد الغنائي abstraction lyrique مكاناً وسطاً بين التصوير الحدوثي action painting، ومدرسة باريس la peinture du geste، وتكمن أهمية تعبيره الراقي باللون الأسود في أنه جعل هذا اللون لوناً رئيساً في عمله الفني، وفرضه من ثم مدة طويلة على كل قطاعات التصوير التشبيهي والتجريدي على السواء.

ألف هارتونغ كتباً عدة منها: «هرقل، الصاعقة تقود العالم» (1977)، و«هرقل، تحول النار الأول» (1984). وتلقى جوائز كثيرة أهمها جائزة غوغنغهايم عام 1956، والجائزة العالمية الكبرى في بينالي البندقية Venise عام 1960.

وقد قدمه المخرج ألان رينيه Alain Resnais عام 1947 في فيلم وثائقي تسجيلي، وألف موسيقاه أنطوان دوهامل Antoine Duhamel، وكتب عنه أيضاً الشاعر وكاتب المسرح والمذيع الفرنسي المعروف جان تارديو Jean Tardieu.

فائق دحدوح

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

فرنسا ـ الفن التجريدي.

 

 مراجع للاستزادة:

 

- D. SUBIER, Hartung (Coll. Le Musée de poche, Paris, 1981).

- P. DESCARGUES, Hartung (Poligrafa, Barcelone, 1977).

- H. HARTUNG, Aquarelles 1922 (Erker Verlage, Saint-Gall, 1966).

- J. TARDIEU, Hartung (Harjan, Paris, 1962).


التصنيف : العمارة و الفنون التشكيلية والزخرفية
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الواحد والعشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 293
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 487
الكل : 31266706
اليوم : 14894

بويل (روبرت-)

بويْل (روبرْت ـ) (1627 ـ 1691)   روبرْت بويْل Robert Boyle فيزيائي وكيميائي بريطاني من أصل إيْرلندي، كان واحداً من أربعة عشر ولداً من أسرة ذات ثروة ونفوذ، رَبِي على أيدي معلمين خصوصيين حتى بلغ الثامنة من عمره، وعندئذ أرسله والده إلى كلية إيتون Eton التي اشتُهرت بتعليم أبناء الأسر الثرية. قضى في القارة الأوربية مدة من 1639 حتى 1644 بعهدة وصي مرشد وأمضى معظم هذا الوقت في سويسرة، وزار فرنسة وإيطالية، وحين عاد إلى لندن عام 1644 أقام عند أخته كاتْرين Lady Ranelagh التي كانت السبب في تعرفه عدداً كبيراً من العلماء ولا سيما من كان مهتماً بالعلوم التجريبية، إذ كانوا يعتقدون أنها أفضل طريقة للكشف عن أسرار الطبيعة فتزوّد بويْل بالتوجيه الذي كان يحتاج إليه.
المزيد »