logo

logo

logo

logo

logo

الأردن (التاريخ)

اردن (تاريخ)

Jordan - Jordanie

الأردن تاريخياً

 

تظهر جغرافية الأردن تنوعاً كبيراً في المظاهر الطبيعية التي تراوح بين البحر الميت الذي يقع على عمق 394م تحت سطح البحر مروراً بوادي عربة وخليج العقبة، وبين المرتفعات الشرقية التي يراوح ارتفاعها بين 600-1500م فوق سطح البحر مؤلفة حد الهضبة الأردنية. إن الأردن بوصفه تكويناً جغرافياً متنوعاً فيه السهل والجبل والوادي والنهر ومسايل المياه وسوى ذلك من مظاهر، كان منذ العصور القديمة مستقراً للإنسان ومعبراً لما قبله وما يليه من مستوطنات بشرية أقامها الإنسان القديم. ففي الجنوب، عبر وادي رم، وفي الشرق حيث وادي السرحان وجد المسافر طريقه إلى الجزيرة العربية، وفي الشمال ساعد الانخفاض بين جبل العرب من جهة وجبل الشيخ، وسلسلة جبال لبنان الغربية من جهة ثانية، على تسهيل المرور إلى سورية، فجعل كل ذلك من الأردن نقطة وصل مهمة بين أقاليم المنطقة.

الأردن حتى القرن السادس عشر

منذ العصر الحجري الممتد بين الأعوام 500 ألف إلى14 ألف قبل الميلاد سكن الإنسان الأردن، ووجد المنقبون مخلفات تعود إلى الحقبة المتأخرة من هذا العصر في مواقع الحرّانة والصحراء الشرقية وسواها.والعلماء متفقون أن الطقس في الأردن في هذا العصر كان مطيراً وأكثر رطوبة بوجه عام. وأن الإنسان كان يعيش على الصيد وجمع النباتات البرية وأنه كشف النار ورسم على الصخور صوراً للحيوانات ومنها الغزال، وما تزال هناك مواقع كثيرة تعود لهذا العصر لم تمتد إليها يد المنقبين بعد.

وفي الأردن عدد من المواقع التي تعود إلى العصر الحجري الحديث (8000 - 4500ق.م) وهذه المواقع تمتد من جنوبه إلى شماله. وقد حدثت في هذا العصر تغيرات مناخية مهمة منها ارتفاع الحرارة ونقص الأمطار عما كانت عليه في السابق ولاسيما في نهاية الألف السادس قبل الميلاد، الأمر الذي أدى إلى هجرة الناس من الصحراء الشرقية وتوجههم جنوباً وغرباً. وأهم آثار هذا العصر موجودة في تلال البيضا في الجنوب وفي عين الغزال في مدينة عمان الحالية، فقد وجدت آثار قرية كانت مأهولة وفيها أنواع من الحيوانات المؤهلة (الأغنام والماعز والكلاب وغيرها) والمزروعات (القمح والشعير وغيرها).

واستمر الإنسان يعيش في الأردن، يبني ويعمر ويزرع ويترك آثاره للعصور التالية: العصر الكالكوليتي (4500 - 3300 ق.م) والعصر البرونزي (3300 - 1200 ق.م) والعصر الحديدي (1200 - 332 ق.م) وما يسمى بالعصر الحديدي الثاني - العصر الفارسي (918 - 332 ق م) وأهم المراكز الحضرية في هذه الحقبة كانت عمّون (العاصمة عمّان الحالية وكانت تعرف باسم ربة عمّون وأهم الكشوف العائدة لهذه الحقبة وجدت فيما يعرف اليوم باسم قلعة عمّان)، ومؤاب في وسط الأردن، وإدوم في جنوب البحر الميت. وكانت عاصمة الإدوميين تعرف باسم بصيرة، بُصرى القديمة، وقد امتدت أرض الإدوميين حتى البتراء والعقبة الحاليتين (كما تكشف الحفريات التي جرت في هذا الموقع). ولا بد من القول إن ما هو معروف عن المرحلة الفارسية (539 - 332ق.م) قليل ويكتنفه الغموض. ويبدو أن دول عمّون ومؤاب وإدوم زالت وفقدت سيادتها في القرن السادس قبل الميلاد في أثناء الاجتياح البابلي بين سنتي 587 - 582ق.م.

وفي المرحلة الهلنستية (333 - 63ق.م) حاول الأنباط في جنوبي الأردن أن يتجنبوا الصدام مع الجيوش اليونانية وظلوا محتفظين باستقلالهم. وفي الأردن مواقع كثيرة تعود إلى المرحلة الهلنستية منها حسبان وجرش وأم قيس وسواها. ولعل أجمل الشواهد المعمارية التي تعود لهذه المرحلة هي القصر الكبير في عراق الأمير، فضلاً عن اللقى الزجاجية والفخارية وسواها.

وقع الأردن، كما وقع سواه من مناطق المشرق العربي، تحت السيادة الرومانية (63ق.م - 324م) وقد حاول الأنباط الاحتفاظ باستقلالهم ونجحوا في ذلك حتى عام 106م حين ضمهم الامبراطور الروماني تراجان إلى حكمه، وبذلك غدا الأردن بكامله جزءاً من المقاطعة العربية التابعة لرومة. والشواهد الأثرية على ذلك كثيرة جداً. وقد غلب عليه التأثير الفني والمعماري والحضاري الروماني، إلا في بعض مناطق الجنوب إذ استطاع الأنباط أن يضفوا خصائص حضارتهم في حاضرتهم البتراء، إلى جانب مواقع أخرى منها مأدبا وذيبان وخربة التنور وسوى ذلك.

وحين آل الأمر إلى الامبراطورية الرومانية الشرقية أو ما يعرف باسم الامبراطورية البيزنطية 324 - 640م) وما رافقه من انتصار المسيحية على الوثنية وإعلانها ديناً رسمياً للدولة، وقع الأردن تحت تأثير هذا التغير وتحول كثير من معابده الوثنية إلى كنائس، كما عدت أرضه جزءاً من الأرض المتنازع عليها بين فارس وبيزنطة وجرت عليها عدة معارك بين الطرفين. واستمر ازدهار مدنه الرئيسة جرش وأم قيس وفيلادلفية (عمّان) وأم الجمال وسواها في ظل الإمارات العربية في بلاد الشام وأهمها إمارة الغساسنة، وأقيمت عليها المنشآت الحضارية الكثيرة التي ما تزال شواهدها ماثلة حتى اليوم.

وحين انطلقت جيوش الفتح العربية ترفع راية الإسلام عالية لتنشرها على بقاع الأرض، كانت أرض الأردن أول أرض على تخوم الجزيرة تصل إليها جيوش الرسول صلى الله عليه وسلم وسراياه، ولعل حديث مؤتة وشهدائها وبعث (غزوة) أسامة بن زيد ليس بالغريب على أحد.

وقد توالى على الأردن عهود الراشدين وبني أمية وبني العباس والفاطميين والسلاجقة والزنكيين والصليبيين والأيوبيين والمماليك وسواهم ممن حكم في بلاد الشام. وفي جميع هذه الأغوار عومل الأردن بوصفه جزءاً من مجموعة إقليمية كبيرة هي مجموعة بلاد الشام، على الرغم من تسميته في بعض الأحيان: جند الأردن، أو كورة الأردن، أو إقليم الأردن، أو ولاية الأردن، أو ما شابه، والسبب في ذلك واضح، وهو ارتباطه العضوي بالبلدان التي تؤلف بلاد الشام.

الأردن في ظل الحكم العثماني

اتسمت مرحلة حكم المماليك بوجه عام بالفوضى وكثرت فيها الفتن والقلاقل بسبب التنازع بين أمرائهم على السلطان. ولما دانت البلاد العربية للعثمانيين بعد تغلبهم على المماليك في عام 1516، دخل الأردن في طاعتهم وغدا واحداً من مقاطعات امبراطوريتهم.

تكمن أهمية الأردن في موقعه على طريق الحج الشامي الواصل بين دمشق والمدينة المنورة، وكان السلطان العثماني مسؤولاً عن سلامة الحجيج وعن الأمن في الأماكن التي تمر بها قوافلهم. وفي سبيل ذلك بنيت في عهد السلطان سليم سلسلة من القلاع على امتداد طريق الحج، وأنشئت برك ماء قرب هذه القلاع لينزل الحجيج قربها للراحة والتزود بالماء. كما قامت الدولة بعقد اتفاقات مع البدو الذين تقع مضاربهم على الطريق لضمان أمن الحجاج وسلامتهم، لقاء أموال تدفع لهم، وكثيراً ما نقض البدو هذه الاتفاقات، ونهبوا قوافل الحجاج وسلبوها، لعدم وفاء الدولة بالتزاماتها المالية تجاههم. كما أنهم كانوا يفرضون الأتاوى على الناس وينهبون محاصيلهم الزراعية من دون أن تحرك الدولة ساكناً، فضلاً عن الفتن الداخلية، والاقتتال بين طوائف الأجناد، وعلاوة على الغزوات الخارجية التي كانت تقع على بلاد الشام (حملة نابليون بونابرت)، والتحركات الإقليمية في المنطقة أيام الدولة العثمانية (علي بك الكبير وإبراهيم باشا المصري وغزوات السعوديين) وسوى ذلك من أحداث كانت تنيخ بكلكلها على الأردن كسواه من مقاطعات الشام. ولم يهتم العثمانيون بنشر التعليم، وطبقوا على البلاد نظاماً أوتوقراطياً فاسداً وظل الناس بعيدين عن معطيات حضارة العصر آنذاك. ومن جملة ما عاناه الأردن زمن العثمانيين خراب العمران وتراجعه ونقص السكان، فتقلص عدد القرى كما تقلص عدد ساكنيها وأصبح الدفاع عنها أكثر صعوبة، في زمن لم تول الدولة فيه أمن المواطن اهتماماً كبيراً. ومما يؤيد هذا الرأي أن الأردن كان قبيل زوال سلطان العثمانيين مقسماً إلى: سنجق عجلون، وقضاء البلقاء، ومتصرفية الكرك. أما العقبة فكانت تتبع الحجاز تارة، وسورية تارة أخرى، كما أنها تبعت مصر إبان حملة إبراهيم باشا، وظلت كذلك حتى العام 1892، حين انسحب منها جيش إبراهيم باشا وألحقت بالحجاز. وحين قام الانقلاب العثماني عام 1908 وجرت انتخابات لمجلس «المبعوثان» انتخب ممثل عن الأردن في هذا المجلس. ولم يسع الانقلاب إلى إجراء أي تغييرات نحو الأفضل، بل ظل التعليم على حاله من التدني، كما استمر الجور في جباية الضرائب والسوء في الإدارة وقمع كل تحرك. فقامت الثورات ومنها ثورة الكرك وثورة الشوبك وغيرهما. ويمكن القول إن الإدارة العثمانية بلغت حداً من السوء، ولم تتورع عن البطش والتنكيل بكل من عاداها، فاتسعت الهوة بينها وبين رعاياها العرب بوجه عام، وكان لا بد أن يقود كل ذلك إلى ثورة عارمة تؤدي إلى انفصال الوطن العربي عن سلطان بني عثمان.

الحرب العالمية الأولى والثورة العربية

أُعلنت الحرب العالمية الأولى في تموز عام 1914، وفي تشرين الثاني من العام نفسه دخلتها الدولة العثمانية رسمياً إلى جانب ألمانية، فقامت دول الحلفاء بضرب الحصار على سواحلها ومنعت البضائع من دخول موانئها، ولم يمض وقت طويل حتى أخذ المخزون الغذائي بالنفاذ واختفت الحاجات الضرورية الأخرى من الأسواق. وأخذت الدولة تصادر الموجود منها لمصلحة الجيش، وغزا الجراد سورية الطبيعية فأتى على أغلب المحاصيل الزراعية فيها، وزاد الأمر سوءاً تدفق عشرات الآلاف من المهاجرين الأرمن. وكان قانون الخدمة العسكرية يشمل جميع المناطق التابعة للسلطنة، فسيق الشبان إلى ميادين القتال في ظروف سيئة للغاية أدت إلى وفاة الكثيرين منهم لأسباب كثيرة، لم تكن الحرب إلا واحدة منها، فقد كان الجنود يموتون جوعاً ومرضاً وبرداً وإرهاقاً. كما خسر الأردن كثيراً من ثروته الحرجية، إذ قطعت الأشجار ليستعمل خشبها وقوداً للقطارات.

ومنذ الأيام الأولى لقيام الحرب العالمية الأولى، عانى الناس في بلاد الشام والأردن أقسى درجات المعاناة وشعروا أن القتال والمصاعب التي فرضت عليهم لا تمت إلى أمانيهم القومية بأية صلة، ولهذا كانت نفوس الناس مهيأة لاستقبال فرسان الثورة العربية والترحيب بهم حين انطلقوا من مكة متجهين إلى الشام، من دون أن يكون لعامة الناس معرفة بالدور الذي قامت به دمشق وسواها من المدن السورية ودور رجالات الشام في التهيئة لهذه الثورة والحشد لها لتضع حداً لحكم العثمانيين الذي لم يلب شيئاً من تطلعاتهم. ولا يسمح الإطار الذي ينتظم هذه الدراسة بالحديث عن نشوء الفكر القومي في ظل الحكم العثماني وقيام الجمعيات والمنتديات القومية، وعن مطامع الحلفاء في تركة السلطنة العثمانية، أو عن مساوئ الحكم العثماني في عهد جماعة الاتحاد والترقي، وتركية الفتاة، ومحاولات التتريك، والتهيئة للثورة العربية وسوى ذلك من أمور تكوّن الخلفية الضرورية لقيام هذه الثورة، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن إشارة بدء الثورة انطلقت من دمشق حين أرسل فيصل من هذه المنطقة برقيته المشهورة إلى والده الشريف حسين، التي قال فيها: «أرسلوا الفرس الشقراء»، وهو الرمز المتفق عليه لإعلان بدء الثورة، وقال قولته الشهيرة: «طاب الموت يا عرب». وهكذا سار الثائرون من مكة ليلتقوا بإخوة لهم ينتظرون على طول الطريق من الحجاز إلى الشام، وكانت قبيلة الحويطات في جنوبي الأردن أول من لبى نداء الثورة من الأردنيين، إذ اتصل شيخها عودة أبو تايه بالأمير فيصل، قائد الجيش العربي الشمالي، وأعلن انضمام قبيلته إلى الثورة. وفي 9 أيار عام 1917 توجه عودة والشريف ناصر بن علي في مجموعة قليلة من الفرسان نحو العقبة، فقطعوا مواصلات العدو، وحرضوا أبناء القبائل النازلة هناك، فانضموا إلى الثورة، وتمكنت هذه الفئة القليلة من القيام بمهمتها بنجاح وسهلت للجيش العربي الشمالي احتلال العقبة في 6 تموز عام 1917. وباحتلال العقبة تم الاتصال بين الجيش العربي وجيش الحلفاء الذي كان يقوده الجنرال اللنبي Allenby، وبين الجيش العربي والقيادة البريطانية في القاهرة. وبينما كانت القوات البريطانية تتقدم في جنوبي فلسطين فتحتل بئر السبع وغزة ويافا والخليل وبيت لحم، وتستولي على القدس في أواخر تشرين الأول عام 1917، أخذت القوات العربية في مناوشة القوات التركية في معان والمناطق المجاورة لها. وفي منتصف كانون الثاني 1918 استولت على الطفيلة والشوبك. وبعد مناوشات بين الإنكليز والأتراك حول مدينتي السلط وعمان، أعد الأمير فيصل حملة لاحتلال الأزرق، وقد تمكنت هذه الحملة من إنجاز مهمتها، ثم انطلقت لمهاجمة محطة خربة غزالة قرب درعا، ومن ثم احتلت درعا في 28 أيلول عام 1918.

وبنتيجة ذلك اضطر الجيش التركي إلى الانسحاب من عمان، وتوجه إلى دمشق، ولكنه بسبب ضغط جيش الثورة ما لبثَ أن غادرها، ودخلتها قوات الأمير فيصل في اليوم الأول من تشرين الأول عام 1918. وقد أسهم الأردنيون إسهاماً فعالاً مع جيش الثورة العربية في العمليات العسكرية التي انتهت بتحرير بلادهم من النير العثماني. وهكذا ارتبط مصير الأردن في تلك المرحلة من العهد الفيصلي بما  كان يجري من أحداث في بلاد الشام والشرق العربي كله.ففي اليوم الثالث من دخول فيصل إلى دمشق، طلب الجنرال اللنبي، القائد العام لقوات الحلفاء في البلاد، من فيصل أن يقيم إدارة عسكرية عربية في المنطقة الواقعة شرق نهر الأردن والممتدة من العقبة إٍلى دمشق، على أن يكون حكامها العسكريون وموظفوها المدنيون من العرب وأن يكون ارتباطهم بالأمير، الذي يكون مسؤولاً أمام اللنبي طوال مدة الحرب، وطبيعي أن ذلك سبب خيبة أمل كبيرة للأمير ومن شايعه من الزعماء العرب الذين صدقوا الوعود والتصريحات التي أصدرها الحلفاء إبان الحرب والتي كانت تؤكد بأنهم سيحظون بالاستقلال بعد أن يحتلوا دمشق. وهكذا، وبعد لقاء فيصل - اللنبي بيومين ألّف فيصل أول حكومة عربية بدمشق برئاسة الفريق علي رضا الركابي، الذي منح لقب «الحاكم العسكري العام».

وقبل المضي قدماً في الحديث عن الأردن في هذه المرحلة التي تلت انتهاء الحرب العالمية الأولى، لا بد من العودة إلى الوراء قليلاً للتذكير ببعض ما اتفق عليه الإنكليز والفرنسيون في الاتفاق المعروف باسم: اتفاقية سايكس - بيكو، التي ضربت عرض الحائط بكل الوعود بالاستقلال التي منحت للشريف حسين وبكل ما جاء في مراسلاته مع مكماهون. وبحسب هذه الاتفاقية فقد اقتسمت مناطق النفوذ بين الدولتين على أن تكون هناك:

1ـ منطقة نفوذ فرنسية تشمل ولايات دمشق وحلب والموصل.

2ـ منطقة نفوذ بريطانية تشمل الأراضي الممتدة من فلسطين إلى العراق، على أن تنشأ دولة أو دول عربية مستقلة، أو اتحاد فدرالي لدول عربية، يكون لفرنسة وإنكلترة حق تزويدها بالمستشارين والموظفين، وحق الأولوية الاقتصادية والمالية. ومن دون الدخول في تفصيلات اتفاقية «سايكس - بيكو» الأخرى، وكتمانها عن العرب حتى فضحها وزير الخارجية البولشفي سازانوف في عام 1917، ورد الإنكليز المخادع على سؤال فيصل عن مدى صحتها، وموقفهم المماثل في مؤتمر الصلح في باريس في عام 1919، لا بد من التأكيد على حقيقة أساسية في هذا المجال وهي رفض فرنسة وبريطانية المشاركة في اللجنة الدولية التي أقرت عصبة الأمم تأليفها وإرسالها إلى فلسطين وسورية والعراق لمعرفة رغبة أهل هذه البلاد، الأمر الذي أدى إلى تعطيل تأليف هذه اللجنة، وتفرُّد أمريكة بإرسال لجنة كينغ King وكرين Crane التي زارت فلسطين وسورية في حزيران وتموز (1919)، واجتمعت بالسكان واستطلعت آراءهم وتلقت عرائض مكتوبة بمطالبهم، وعادت لتقدم تقريرها في 28 آب 1919 الذي نص على المطالبة بالاستقلال، وإلا فالانتداب تحت وصاية عصبة الأمم، مع المحافظة على وحدة بلاد الشام وترشيح الأمير فيصل رئيساً للدولة السورية. ولكن فرنسة وبريطانية لم تقيما وزناً لتقرير اللجنة، واستمرتا في خططهما، وعقد أهل البلاد مؤتمراً وطنياً يمثل أقطار سورية الكبرى، وقرر هذا المؤتمر الذي عقد أولاً في 2 تموز 1919، ومن ثم في 8 آذار 1920، إعلان استقلال سورية بما فيها كل فلسطين والمناداة بفيصل ملكاً دستورياً عليها.

ولكن كل ذلك وسواه لم يجد فتيلاً، ولم تعترف بريطانية وفرنسة بالدولة السورية المستقلة، وما لبث أن اجتمع المجلس الأعلى لعصبة الأمم في مدينة سان ريمو، في إيطالية، في 18- 26نيسان 1920 وقرر وضع البلاد العربية الواقعة ضمن المستطيل الممتد من شاطئ البحر المتوسط إلى الحدود الإيرانية تحت الانتداب، وتجزئة البلاد السورية إلى ثلاثة كيانات منفصلة هي: فلسطين، ولبنان، وبقية الأرض السورية. كما أقر المجلس أن توضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني مع الالتزام بتنفيذ وعد بلفور، وأن توضع سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي. وكان بعد ذلك أن قدم غورو إنذاره الشهير للملك فيصل، وكانت معركة ميسلون الحاسمة على أبواب دمشق في 24 تموز 1920، وغادر فيصل، الذي نحي عن عرش سورية، دمشق بعدها. وكان شرق الأردن قد قسم في عهد فيصل إلى ثلاثة ألوية هي: لواء الكرك ومركزه بلدة الكرك وتتبعه أقضية الطفيلة ومعان والعقبة ونواحي الشوبك وذيبان وتبوك، ولواء البلقاء ومركزه السلط ويتبعه قضاء الجيزة وعمان وناحية مأدبا، ولواء حوران ومركزه درعا وتتبعه أقضية أزرع والمسمية وبصرى الشام وعجلون وجرش.

وعند انسحاب فيصل من دمشق ودخول القوات الفرنسية إليها، حرص الفرنسيون على ألا تتوغل قواتهم في أراضي شرق الأردن، وهكذا غدا الأردن في هذه المرحلة بلا حكومة ولا جيش ولا قوى لحفظ الأمن، واستغل البريطانيون هذا الوضع وهيؤوا لقاء بين المندوب السامي البريطاني في فلسطين، هربرت صموئيل، وأعيان شرق الأردن، في السلط، أعلن فيه هربرت صموئيل أن الحكومة البريطانية لا تقصد إلحاق شرق الأردن بإدارة فلسطين، بل تريد تأسيس إدارة منفصلة، يتولى الأمر فيها معتمدون سياسيون بريطانيون وتكون مهمتهم تنظيم الإدارة والقضاء والأمن والضرائب، ويتعاونون مع عناصر محلية من أهل البلاد، ويعملون على مساعدة الأهالي من دون أن يفرضوا عليهم الخدمة العسكرية الإجبارية. وفي أعقاب هذا الاجتماع عين هربرت صموئيل عدداً من الضباط الإنكليز لتأسيس الإدارة الجديدة. وتألفت حكومة محلية في إربد برئاسة القائم مقام علي خلقي الشرايري، وحكومات محلية أخرى في عجلون والرمثا وجرش والكرك وسواها. ولم تستطع هذه الحكومات المحلية أن تواجه المشكلات العامة، أو أن تحسن الأوضاع المتدهورة في البلاد، الأمر الذي نجم عنه شيوع الفوضى والاضطراب، في أثناء هذه المرحلة التي امتدت من أيلول 1920 حتى نيسان 1921.

تأسيس الإمارة الأردنية

كانت ردة فعل الشريف حسين في الحجاز، وابنه الأمير عبد الله [ر]، على إخراج الملك فيصل من سورية في آب 1920، ردة غاضبة، كما اتصل كثير من رجالات السياسة وشيوخ القبائل بالشريف حسين طالبين منه التحرك لتحرير الشام مما ألم بها. وكان ابنه ووزير خارجيته الأمير عبد الله المرشح الأمثل لقيادة حملة التحرير. وفعلاً كلفه والده القيام بهذه المهمة، فألّف قوة قوامها ألفا شخص وتحرك باتجاه معان التي كانت ما تزال تحت سلطة والده ملك الحجاز. بلغ عبد الله معان في 21 تشرين الثاني 1920 فأقام فيها، وبدأ اتصالاته بأعيان بلاد الشام لحشد الناس وتهيئتهم للقيام بثورة على المحتلين وصادف وجود عبد الله في معان اندلاع ثورة في العراق على الاحتلال البريطاني. وقد أجبرت هذه الثورة البريطانيين على فتح باب المفاوضات مجدداً مع الملك فيصل الذي سافر إلى لندن واتفق مع تشرشل (وزير المستعمرات آنذاك) على منح العراق وشرق الأردن الحق في الحكم الذاتي، ورشح فيصل لعرش العراق. كما أن أوضاع الأردن جعلت هربرت صموئيل يوجه الدعوة إلى عبد الله لمقابلة تشرشل في القدس للتباحث معه (آذار 1921). وقد انتهت هذه المباحثات بالاتفاق على إقامة حكومة وطنية في شرق الأردن برئاسة الأمير عبد الله تكون مستقلة استقلالاً إدارياً وتساعدها بريطانية في توطيد الأمن، كما تسترشد برأي مندوب بريطاني يقيم في عمان. كما تنص على إنشاء قاعدتين للطيران على ألا تستخدما للهجوم على سورية أو فلسطين. وقد وقعت هذه الاتفاقية في 26 آذار 1921، وعاد الأمير عبد الله بعدها إلى عمان التي اختيرت عاصمة لموقعها ولوجود محطة للسكة الحديدية فيها، وشرع في تنظيم شؤون البلاد وتأليف حكومة لإدارة أمورها.

وكان غالبية أعضاء الحكومة من قادة حزب الاستقلال (وريث جمعية العربية الفتاة) من العرب السوريين والحجازيين والفلسطينيين. وبعد مرور بضعة أشهر على هذه التجربة وقيام اضطرابات في سورية ضد الفرنسيين ومحاولة اغتيال غورو ولجوء بعض الزعماء الوطنيين إلى شرق الأردن، رأت الحكومة البريطانية أنه لا بد من تنظيم علاقتها مع شرق الأردن فأوفدت لورنس لدراسة الوضع عن كثب. وقد اقترح لورنس استمرار الأمير عبد الله في إدارة شرق الأردن، واستثناءه من وعد بلفور. كما أوصى بإخراج الموظفين السوريين من أعضاء حزب الاستقلال من البلاد والضغط على الأمير لتسليم المتهمين بالاعتداء على غورو. وفي أعقاب ذلك، وفي ضوء مقترحات لورنس ومحادثات تشرشل - عبد الله، أعدت الحكومة البريطانية صك الانتداب على شرق الأردن. وهو كصك الانتداب على فلسطين مع بعض الاستثناءات، وأهمها استثناؤه من وعد بلفور ومن نصوص صك الانتداب على فلسطين، وطالب الأمير في زيارة قام بها إلى لندن في تشرين الأول 1922 باستقلال شرق الأردن استقلالاً تاماً، واستمرت المفاوضات مدة طويلة استقالت في أثنائها الحكومة برئاسة علي رضا الركابي، وتألفت حكومة جديدة برئاسة مظهر رسلان في شباط 1923. وقد حاولت الوزارة الجديدة استئناف المفاوضات مع بريطانية من أجل الاستقلال، ولكن بلا طائل. وفي 25 أيار 1923 قام هربرت صموئيل، المندوب السامي البريطاني في فلسطين، بناء على أوامر حكومته بزيارة عمان وألقى البيان التالي: «شريطة موافقة عصبة الأمم، فإن حكومة جلالته البريطانية سوف تعترف بوجود حكومة مستقلة في شرق الأردن تحت حكم سمو الأمير عبد الله بن الحسين، شريطة أن تكون تلك الحكومة دستورية، وأن تمكن حكومة جلالته البريطانية من إيفاء التزاماتها الدولية المتعلقة بتلك البلاد».

وهكذا عدّ الأردن هذا البيان اعترافاً من جانب بريطانية باستقلاله، وألّف مجلس نظّار (وزراء) لإدارة شؤون البلاد. وأخذت بريطانية تفرض شروطها على الأمير فطلبت منه إبعاد الموظفين والنظّار السوريين، وأن يستعين بدلاً منهم بموظفين فلسطينيين وبريطانيين، حتى إن بعض البريطانيين شغلوا منصب ناظر في حكومة حسن خالد أبو الهدى التي ألفت في عام 1925 وعدلت في عام 1926. واستمرت إعارة الموظفين من الإدارة الفلسطينية إلى الإدارة الأردنية حتى عام 1939، إذ اكتفي بإعارة الموظفين البريطانيين. وكان المعتمد البريطاني في عمان هو المشرف الفعلي على تصريف الشؤون الإدارية. وقد قسمت إمارة شرق الأردن إلى أربعة ألوية هي:

ـ لواء عجلون ومركزه مدينة إربد.

ـ لواء البلقاء ومركزه مدينة السلط.

ـ لواء الكرك ومركزه مدينة الكرك.

ـ لواء معان ومركزه مدينة معان، وفيه ميناء العقبة وبعض المناطق الجنوبية التي ألحقت بالأردن في حزيران 1925، وكانت قبلاً جزءاً من مملكة الحجاز.

أما في المجال المالي، فالأردن، كما هو معروف، بلد تعوزه الموارد الطبيعية، لذا كان لا بد، بعد تأليف الإدارة المركزية الأولى، من الاعتماد على المعونة الخارجية. وقد تم الاتفاق بين الأمير عبد الله ووزير المستعمرات البريطاني في آذار 1921 على أن تقدم بريطانية للأردن معونة مالية سنوية قدرها 180 ألف جنيه استرليني سنوياً، ونتيجة لذلك كان للمستشار المالي البريطاني حق الإشراف على جميع الشؤون المالية والتدقيق فيها، وقد اختلف مقدار المعونة، زيادة أو نقصاً، بحسب السنين،كما أنشأت وزارة المستعمرات البريطانية ديواناً لمراجعة الحسابات الرسمية وتدقيقها.

وفي مجال الجيش، لم تكن قوات الأمن التي كانت متواجدة في شرق الأردن في العهد الفيصلي كافية، ولا قادرة على فرض النظام والأمن. لذا، وبعد أن غدا شرق الأردن إمارة تتبع المندوب السامي البريطاني في فلسطين، قامت السلطة المنتدبة بإنشاء قوتين صغيرتين قوامهما 150 رجلاً تحت قيادة بريطانية للقيام بالمهام الأمنية على الطرق وفي المدن. ولما دخل الأمير عبد الله عمان في آذار 1921، كانت عنايته منصرفة إلى نشر الأمن في إمارته، لذا تفاوض مع الإنكليز في هذا الشأن، واستطاع أن ينشئ قوة عسكرية قوامها بضع مئات من الأفراد تعد النواة التي انبثق عنها فيما بعد الجيش العربي، وكان معظم أفرادها من العرب: الحضر والبدو. وقد كان لاندلاع الثورة العربية عام 1925 في جبل العرب في سورية، أثره في حفز الإنكليز على دعم قوات الجيش العربي حتى بلغ أفراده ما يقارب 1500 فرد في 1925 - 1926.

أما في المجال الداخلي فقد استقبل بعض شيوخ العشائر والزعماء التقليديين إنشاء حكومة مركزية في عمان بشيء من الفتور خوفاً على ما كان لهم من زعامات وامتيازات. وجرت في أول الأمر صدامات بين السلطة المركزية من جهة وبعض الزعماء التقليديين ومشايخ البدو من جهة أخرى، وكانت في صورة ثورات وعصيانات، وقد تمكنت السلطة المركزية في النهاية من القضاء عليها، على الرغم من النكسات التي أصيبت بها القوات الحكومية في الكثير من المناسبات. واستتب الأمن تدريجياً، وأخذت سيادة الدولة تغدو حقيقة واقعة.

أما من ناحية علاقات الدولة الخارجية، فبعد توقيع معاهدة لوزان لعام 1923، عُد شرق الأردن دولة منفصلة عن الدولة العثمانية ولكن المشكلة التي لم تُحل، حتى بعد اعتراف بريطانية باستقلاله، كانت مشكلة الحدود، لأنه لم تكن للإمارة آنذاك حدود ثابتة، وظلت الحال كذلك عدة سنوات إذ كانت هناك أطراف كثيرة ذات صلة بالموضوع الحدودي ولا سيما بريطانية وفرنسة والعراق ونجد والحجاز. وكانت العلاقات الأردنية الفلسطينية علاقات وثيقة، وظلت بريطانية تعين مندوباً سامياً واحداً لفلسطين والأردن حتى عام 1926 حين أوكل إلى المندوب السامي في فلسطين حق تعيين مندوب سامي على الأردن فقط.

أما في مجال العلاقات مع سورية، فعلى الرغم من اتفاق سلطتي الانتداب: الفرنسية والبريطانية، على تعيين الحدود بين منطقتي انتدابهما، فإن قسماً من هذه الحدود، ولا سيما تلك التي تقع بين جبل العرب والأردن، ظل بلا تعيين. كما أن شرق الأردن كان مفتوحاً أمام بعض الثوار السوريين الذين كانوا يتصدون للانتداب الفرنسي على بلادهم. وقد أدى ذلك إلى سوء العلاقة بين سلطة الانتداب في سورية وحكومة شرق الأردن. وقد تدخلت بريطانية لصالح فرنسة وأجبرت السلطات الأردنية على طرد السوريين الوطنيين الموجودين على أرضها وإغلاق حدودها مع سورية. وتابع الأمير عبد الله ولجنة الانتدابات الدائمة التابعة لعصبة الأمم، ضغطها على السلطات البريطانية من أجل تنفيذ الوعد الذي قطعته هذه السلطات بتوقيع معاهدة مع الأردن تنظم العلاقات بينهما، ونتيجة هذه المساعي، وقع رئيس المجلس التنفيذي (رئيس الحكومة) الأردني والمندوب السامي البريطاني، في القدس بتاريخ 20 شباط 1928 معاهدة نصت على: وضع دستور للبلاد، وتنازل بريطانية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى الأمير، وتقديم معونة مالية له، مقابل منح بريطانية حق الاحتفاظ بقوات مسلحة في شرق الأردن، وإشرافها على الامتيازات واستثمار الموارد الطبيعية وإنشاء السكك الحديدية وسوى ذلك. وكان توقيع هذه المعاهدة نهاية مرحلة من حياة الإمارة الفتية اتصفت بالاضطرابات الداخلية والمتاعب المالية والصراع بين السلطة المنتدبة والوطنيين المناهضين لها. واتصفت المرحلة التالية لتوقيع المعاهدة بوضع القانون الأساسي (الدستور) الذي منح الأمير عبد الله بن الحسين وورثته السلطات التشريعية والإدارية وحق التصرف بالأراضي العامة. كما نص هذا القانون على تأليف مجلس لمساعدة الأمير، وعلى إقامة مجلس تنفيذي ومجلس تشريعي ومؤسسات قضائية وسوى ذلك من أمور.

وقد لقيت المعاهدة أو الاتفاقية معارضة شديدة من بعض الزعماء المحليين، وقامت إضرابات واحتجاجات، وانتهى الأمر، بعد جدل طويل، إلى القبول بها مع (تعديلات 1939) وجرت انتخابات لمجلس تشريعي على أساسها في شهر شباط عام 1929، وانعقد المجلس التشريعي الأول في نيسان من العام نفسه، وقد تعاقبت خمسة مجالس تشريعية حتى العام 1946. وفي عهد المجلس السادس حصلت البلاد على الاستقلال التام ونودي بعبد الله ملكاً وألغيت المعاهدة الأردنية لعام 1928 ووقعت معاهدة جديدة مع بريطانية في 22 آذار 1946 سبقها توقيع إمارة شرق الأردن على ميثاق جامعة الدول العربية (آذار 1945). أما عن السلطة التنفيذية في المدة من 1929- 1946 فقد تعاقبت على سدة الحكم ست وزارات كان آخرها وزارة إبراهيم هاشم التي تم في عهدها إعلان الاستقلال وإعلان المملكة الأردنية الهاشمية. وقد نشأت في هذه المرحلة أحزاب سياسية عدة وعقدت مؤتمرات شعبية، ومورس العمل السياسي من خلال هذه الأحزاب والتجمعات. وفي أثناء الحرب العالمية الثانية توثقت الصلة بين بريطانية والأردن وعدته حليفاً موثوقاً فعملت على تعزيز الجيش العربي وعلى جعله قوة محاربة ذات تدريب عسكري جيد، وقد تجاوز عدد أفراده 8000 رجل.

ويمكن القول إن الاستقلال الذي أعلن يوم 25 أيار 1946 كان خطوة أولى، تلتها خطوات أهمها: إلغاء معاهدة 1946 والتوصل إلى معاهدة بشروط أفضل سنة 1948، ومرت تطورات عدة بلغت ذروتها في وضع دستور 1947، الذي ينص على إقامة مجلسين أحدهما للنواب ينتخب أعضاؤه من الشعب، والآخر للأعيان يعيّن الملكُ أعضاءه.

وكان عدد سكان الأردن في عهد الإمارة بين 200 - 400 ألف نسمة يقسمون من حيث أنماط معيشتهم إلى ثلاث فئات: الفلاحون، وسكان المدن، والبدو والرعاة. وكان الفلاحون يؤلفون ما نسبته 85٪ من مجموع السكان ويقيمون في القرى ويمارسون الزراعة. أما عن المدن، فيمكن القول إنه لم يكن في الأردن عند تأسيس الإمارة مدينة بالمعنى المعروف للمدن العربية، إنما كانت هناك تجمعات سكنية في إربد والسلط وعمان والكرك، وهي أقرب إلى القرى الكبيرة منها إلى المدن. أما البدو، فكانوا ينقسون من حيث أنماط معيشتهم إلى فئتين هما : رعاة الإبل، ورعاة الأغنام. وكان أفراد الفئة الأولى يعيشون في قلب البادية، بينما ينتقل أفراد الفئة الثانية بين المناطق المأهولة بالسكان، ويزاول بعضهم الزراعة الموسمية. ويطلق اسم «البدو» على رعاة الإبل من سكان البادية، أما رعاة الأغنام فيسمون «الشوايا» ورعاة الماعز «معّازة» ورعاة الأبقار «بقّارة». وكان لكل قبيلة مراعيها التي ترتادها في مواعيد معينة. أما أشهر القبائل التي كانت تزاول تربية الإبل في البادية الأردنية فهي: الرولة، وبنو صخر، والحويطات، والسرحان. وقد أولت السلطة اهتماماً خاصاً للبدو، وأحدثت لهم «نيابة العشائر» عند تأليف أول حكومة أردنية. وقد وجدت في الأردن أقليات عرقية أهمها الشركس. كما اهتمت الدولة بالتعليم، بعد أن كان مهملاً في ظل الحكم العثماني، وأسست المدارس حتى بلغ عدد المدارس الحكومية في عام 1922 أربعاً وأربعين مدرسة. ونظمت إدارة المعارف، وغدا هناك مدارس خصوصية إلى جانب المدارس الحكومية. وتفيد بعض الإحصائيات أنه في العام 1925- 1926 كان عدد المدارس في الأردن 72 مدرسة منها 49 مدرسة حكومية و23 مدرسة خاصة. أما في العام 1946 الذي انتهى فيه عهد الإمارة وبدأ عهد المملكة فكان هناك 77 مدرسة حكومية و 100 مدرسة خاصة.

وفي مجال الخدمات الطبية يمكن القول إن عدد الأطباء في الأردن في عهد الملك فيصل في سورية، لم يكن يزيد على عدد أصابع اليد الواحدة. وفي العام 1922 أنشأت الحكومة مستشفى في عمان بالتعاون مع مجلس البلدية، وأنشئت لأول مرة دائرة للصحة في العام 1926، وازداد عدد المستشفيات فبلغ عدد الأطباء في ذاك العام في شرق الأردن 28 طبيباً وطبيبة. وأخذت أعداد الأطباء والمستشفيات والأسرّة الطبية تزداد مع توالي السنوات حتى بلغ عدد الأطباء في الأردن 50 طبيباً و 13 صيدلانياً في العام 1946، إضافة إلى الأطباء والصيادلة الذين كانوا يعملون في خدمة الجيش العربي وشركة بترول العراق.

أما في المجال الاقتصادي فقد ظلت المحصولات الزراعية والثروة الحيوانية تؤلف العمود الفقري لحياة السكان الاقتصادية في شرق الأردن، وكانت نسبة الاكتفاء الذاتي في المجال المعيشي بوجه عام تتجاوز 80٪ حتى إن الأردن كان في بعض السنوات يصدر فائض إنتاجه من الصوف والجلود والزبيب إلى فلسطين والحجاز وسورية. وكان الإنتاج الحيواني والزراعي يفيض في سنوات الخصب عن حاجة السكان ويصدر إلى البلاد المجاورة، واستمرت الحال كذلك: بين سنوات خصب فيها فائض عن الحاجة، وسنوات جدب لا يكاد الناتج يكفي الاستهلاك المحلي، طوال عهد الإمارة.

أما التجارة فكانت تتم مع البلدان المجاورة، فما كان قريباً من سورية تاجر معها، وما قرُب إلى فلسطين تاجر معها، وعموماً كانت التجارة تصديراً واستيراداً تتم مع سورية وفلسطين والحجاز ومصر.

وفي مجال الحديث عن مرحلة الإمارة يمكن القول إن هذه المرحلة شهدت كذلك مولد الصحافة الأردنية، إذ كانت تصلها قبلاً بعض الصحف من سورية ومصر وفلسطين. وكانت أولى هذه الصحف صحيفة تكتب بخط اليد وتصدر عن مخيم الأمير عبد الله في معان في العام 1920 وهي صحيفة «الحق يعلو»، أما أول صحيفة مطبوعة فكانت صحيفة «الشرق العربي» التي ظهرت في العام 1922. وتوالى بعد ذلك صدور الصحف، كما صدرت بعض المجلات، كان أولها مجلة «الحكمة» التي صدرت في العام 1933.

وفي مجال الحديث عن دور الأردن في القضية الفلسطينية قبل الحرب العربية الإسرائيلية الأولى، لا بد من الإشارة إلى أن هذه القضية كانت من بين أهم اهتمامات الأردن في زمن الإمارة، وكان للأردن حكومة وشعباً دور في أحداث عامي 1933و 1936 من حيث تأييد المطالب الفلسطينية ودعمها، كما كان لها دور مهم في الحرب العربية الإسرائيلية الأولى سالفة الذكر، ولاسيما في معركتي القدس وباب الواد، ومرحلتي القتال الأولى والثانية والهدنتين اللتين تبعتاهما. وقد بحثت الجامعة العربية بعد الهدنة الثانية أمر إنشاء حكومة فلسطينية، فعارضت ذلك الحكومة الأردنية معارضة شديدة. في كانون الأول 1949 عقد مؤتمر كبير في أريحا ضم بعضاً من رجالات القدس والخليل وبيت لحم ورام الله، وقرر المجتمعون إقامة وحدة فلسطينية - أردنية وبايعوا الملك عبد الله ملكاً على فلسطين. وأبرق المجتمعون بقراراتهم إلى الحكومات العربية والجامعة العربية. ووافق الملك عبد الله على هذه القرارات، كما وافق عليها مجلس النواب الأردني. وأدى ذلك كله إلى مواقف عربية متباينة بعضها يؤيد هذه الوحدة وبعضها يعارضها ويسعى لإسقاطها. وقام الأردن بسلسلة من الإجراءات لتنفيذ وحدة الضفتين، فاستقالت الوزارة في 3 أيار 1949.وأعيد تأليفها في 7 منه لتضم ثلاثة وزراء من الضفة الغربية. كما حل المجلس النيابي من أجل إجراء انتخابات جديدة لمجلس يضم ممثلين عن الضفتين وعُدّل قانون الانتخابات ليستوعب كل هذه التغييرات. وانتخب المجلس الجديد في 20 نيسان 1950، وفيه ممثلون عن فلسطين، واجتمع بعد ذلك بأيام قليلة ليصدر قرار وحدة الضفتين. وقد انتهت هذه المرحلة الجديدة من حياة الأردن باغتيال الملك عبد الله في القدس يوم الجمعة في 20 تموز 1951 وبذلك طويت صفحة حافلة بالأحداث من تاريخ الأردن.

وصادف أن كان ولي عهده الأمير طلال بن عبد الله، يعالج خارج البلاد، ولهذا اتخذ مجلس الوزراء قراراً بأن يكون الأمير نايف (الأخ غير الشقيق لطلال) وصياً على العرش وبعد شهر ونصف عاد الأمير طلال إلى البلاد، وبايعه مجلس الأمة بالملك يوم 6 أيلول 1951، كما بايع ابنه الحسين ولياً لعهد أبيه. وفي المدة القصيرة التي حكم فيها الملك طلال، أظهر أنه حاكم ذو عقلية ليبرالية، فقد وضع دستوراً للبلاد في أوائل العام 1952، قلّص فيه سلطاته، وجعل الوزارة مسؤولة أمام البرلمان. وقد أثار هذا الأمر ردود فعل كثيرة، بعضها يوافق تلك التعديلات، وبعضها يخالفها ولا يقبل فكرة زيادة صلاحيات البرلمان. كما أن انضمام الملك طلال إلى اتفاقية الدفاع العربي المشترك، كان من الأمور التي لم تلق قبولاً عاماً. واستمرت صحة الملك بالتدهور واتضح للمقربين منه أن أعباء الحكم تسهم في زيادة وطأة المرض عليه.

وقررت الحكومة عرضه على لجنة صحية محلية وأجنبية، فجاء قرار اللجنة أن حالته الصحية لا تساعده على الاستمرار في الحكم وبعد نقاش طويل في المجلس، اتخذ قرار بضرورة الالتماس من الملك طلال بأن يتنازل عن العرش لولي عهده الحسين، ووافق الملك على هذا الالتماس وتنازل عن العرش لابنه الحسين وسافر للإقامة في اصطنبول حيث بقي فيها إلى أن توفي عام 1972.

وفي شهر آب عام 1952 دعي الحسين للعودة من سويسرة، حيث كان يصطاف، إلى عمان، وطبيعي أن الحسين لم يكن يستطيع أن يمارس صلاحياته الملكية إلا بعد أن يبلغ الثامنة عشرة من عمره، أي بعد أكثر من عام (ولد الحسين في 14 تشرين الثاني 1935). لذا عقد مجلس الوزراء اجتماعاً وقرر تعيين مجلس وصاية على العرش حتى يبلغ الحسين سن الرشد الدستوري. وتألف مجلس الوصاية من: إبراهيم هاشم، وسليمان طوقان، وعبد الرحمن الرشيدات. وظلت الحالة كذلك حتى الثاني من أيار 1953 حيث تسلم الحسين سلطاته الدستورية.

نبيه عاقل

الأردن منذ العام 1953

يرتبط تاريخ الأردن منذ 1953 بعهد الملك حسين بن طلال، الذي عمل منذ تسلمه مقاليد الحكم على قيادة الدولة باتجاه التحديث، وذلك بضبط الإدارة ونشر التعليم العام وتأسيس التعليم العالي والجامعات ومراكز البحث العلمي، وبتطوير الزراعة وتنشيط المؤسسات التجارية والمصرفية والمواصلات وإدخال التصنيع. أما على الصعيد الخارجي فقد عززت الدولة استقلالها بالانضمام إلى عضوية منظمة الأمم المتحدة (14 كانون الأول 1955).

وقد واجهت البلاد في المرحلة الأولى من حكم الملك حسين (1953- 1956) مسألة تعريب الجيش الأردني بعد إنهاء خدمة القائد البريطاني غلوب، الذي كان من أعمدة نفوذ بريطانية قبل الاستقلال، كما أنهيت خدمات مساعديه الإنكليز. ثم كان على الأردن مواجهة ظروف متقلبة وسريعة في المنقطة، واتخاذ قرارات في مواقف صعبة. فقد عقدت الحكومة الأردنية اتفاقاً عسكرياً مع مصر في عام 1956، وقت احتدام أزمة السويس. ثم تم إلغاء المعاهدة الأردنية - البريطانية في 3 آذار 1957، واستتبع ذلك جلاء القوات البريطانية عن قاعدتي المفرق والعقبة، فغادر آخر جندي بريطاني ميناء العقبة في 7 تموز 1957. وعند قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسورية عام 1958 سارع الأردن إلى الاشتراك مع حكومة العراق الملكية الهاشمية في تأسيس دولة الاتحاد العربي من البلدين في 14 تموز من السنة نفسها. ولكن في تلك الظروف المضطربة التي كان يمر بها الشرق العربي عادت القوات البريطانية إلى الأردن ومكثت في البلاد بعضاً من الوقت.

وبعد تزايد حدة المجابهات على خطوط الهدنة العربية - الإسرائيلية عام 1966 اندلعت الحرب عام 1967، وأدت إلى احتلال إسرائيل ما كان قد تبقى من فلسطين والقدس، إضافة إلى سيناء في مصر والجولان في سورية. وفُرضت الإدارة العسكرية لقوات الاحتلال على الضفة الغربية الفلسطينية، وتقدمت القوات الإسرائيلية وانتشرت على طول الضفة اليمنى لنهر الأردن وعلى امتداد خطوط الهدنة الجديدة، مما سبب تهديداً خطيراً للمملكة الأردنية الهاشمية. وما يزال هذا الوضع قائماً حتى اليوم.

وإضافة إلى التهديد الخارجي ازداد الوضع الداخلي خطورة عندما وقعت اصطدامات مسلحة مع بعض القوات الفلسطينية في بعض مناطق الأردن (1969- 1971) انتهت إلى تشديد قبضة الدولة في داخل البلاد وإلى فرض ترتيبات أمنية مشددة على امتداد خطوط الهدنة الأردنية - الإسرائيلية، ولاسيما بعد إحباط محاولة إسرائيلية لاجتياز خط الهدنة واحتلال موطئ قدم على الضفة الشرقية للنهر (معركة الكرامة). وعندما قامت الحرب العربية - الإسرائلية (1973) انضمت قوات أردنية إلى الجيوش العربية المحاربة من مصر وسورية وقامت بدور المساندة. ولكن جهود الدولة انصرفت بعد ذلك إلى تقوية الجبهة الداخلية لمواجهة انقسام الموقف العربي بعد أحداث جسام في المنطقة: اتفاقيات كامب ديفيد والصلح بين مصر وإسرائيل (1978- 1979) وحرب الخليج الأولى بين العراق وإيران (1980- 1989) ثم احتلال العراق دولة الكويت وحرب الخليج الثانية (1990- 1991).

ج.ت

   

التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : سياحة
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 835
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 457
الكل : 31659799
اليوم : 14381

بوجيه (بيير-)

بوجيه (بيير ـ) (1622 ـ 1694م)   بيير بوجيه Pierre Puget نحات ومعمار ومصور فرنسي، ولد في بلدة شاتو ـ فوليه Follet ـ Château القريبة من مرسيلية لأب حجَّار. تعلم في البداية عند أحد النحاتين، ونفَّذ بمادة الخشب مجموعة من الأعمال النحتية لأشكال آدمية لتزيين السفن الشراعية في مرسيلية. درس التصوير في رومة على بيير دي كورتونه[ر] Pierre de Cortone في الأعوام (1641 - 1643)، وظل يعمل معه في أوقات متفرقة حتى عام 1647. صوَّر بوجيه لوحات دينية وأسطورية وبعض الشخصيات، ومثّل في أعماله النحتية فن الباروك الفرنسي[ر].
المزيد »