logo

logo

logo

logo

logo

برونتي (الأخوات-)

برونتي (اخوات)

Brontë sisters - Sœurs Brontë

برونتي (الأخوات ـ)

 

الأخوات برونتي Bronte sisters هن ثلاث كاتبات شقيقات إنكليزيات (شارلوت، وإميلي جين، وآن) من أب أيرلندي يدعى باتريك برونتي، وهو قسٌّ مارس عمله بين عامي 1820 و1861 وعاش عمراً أطول من عمر بناته. أثارت حياة الشقيقات الثلاث المنعزلة والمأساوية اهتماماً كبيراً بسبب ما تمخضت عنه من إبداع ذي خصوصية استثنائية. ووصل التأثر بهن وبإيحاءات حياتهن أن كُتبت عنها وعنهن روايات ومسرحيات.

وقد عُدَّت هؤلاء الكاتبات ظاهرة غريبة. إذ عشن في قرية منعزلة وهي هوارث Haworth في منطقة يوركشَر Yorkshire ولم يلقين أي نوع من العناية أو التشجيع لممارسة الأدب. وحين اكتشفت شارلوت في خريف 1845 أن أختها تكتب الشعر قامت بجمع الأشعار التي كتبتها الأخوات الثلاث وقدمتها للنشر مجموعةً مشتركة بعنوان «قصائد» وبأسماء رجال مستعارة لأن النقاد حسب رأيهن لا يتعاملون بجدية مع كتابات النساء، والأسماء المستعارة هي كورير Currer وإيليس Ellis وأكتون بيل Acton Bell. ومن الجدير بالذكر أن هذه الأشعار لم تلفت انتباه النقاد في ذلك الحين.

وكانت حياتهن محدودة في البيت والمنطقة. وتضمنت محاولات قصيرة الأمد للدراسة ثم للعمل كمربيات، إضافة إلى انشغال كل منهن برعاية الأخرى أو رعاية الأب المريض الذي احتاج في أواخر أيامه إلى عملية جراحية في عينيه. غير أنه تبين في ما بعد أن حياتهن كانت شبيهة تماماً بحياة البطلات اللواتي كتبن عنهن.

في الطفولة الأولى مع أخيهن باتريك اخترعن من أجل اللعب مملكة خيالية عايشنها وأحيين موجوداتها هي مملكة «أنغريا» Angria. وفي مابعد استقلت إميلي وآن بمخيلتيهما وأسستا مملكة وهمية أخرى هي مملكة «غوندال» Gondal. وفي العلاقات المتخيلة بين المملكتين وفي كل مملكة على حدة نمت البذور الأولى لروايات الأخوات بحروبها وأحداثها السياسية وأرستقراطيتها وعداءاتها وخيباتها وقصص الحب فيها.

وانعكس ذلك غنىً مدهشاً في الروايات. وهذا الغنى متمثل في الانفعالات الإنسانية العميقة التي تواكب أحداثها البسيطة. ويبدو أن حياة العزلة قد ساعدت الكاتبات الأخوات على التعمق في رصد الأحاسيس الأنثوية العميقة ونقل هذه الأحاسيس بأمانة مدهشة مع مسحة رومنسية نابعة من عزلتهن ومن القدرة على رصد المنطقة التي عايشنها وأحسسن بها وبطبيعتها في أعماقهن.

اهتمت الأسرة كلها بالموسيقى (ما عدا شارلوت). وظل الأخ مدة طويلة يهتم بالرسم. ولكن الكتابة هي التي أبقت على ذكرهن. ويأتي ترتيبهن كما يأتي:

 1ـ شارلوت

ولدت شارلوت Charlotte في 21 نيسان عام 1816 في ثورنتون Thornton، يوركشَر. وتوفيت في 31 آذار 1855 في هوارث.

يبدو أنه كان مما يؤرق شارلوت هذا التناقض الصارخ بين أحلامها التي تحيا معها في المملكة الخيالية (أنغريا) والحياة الرصينة التي تراها أمامها، تلك الحياة التي يفرضها عليها وعلى أختيها أبوهن القس. لكنها أحست بالقيمة التعويضية لأحلامها.  وقد قدمت في رواياتها المرأة في صراعها بين رغباتها الطبيعية وبين شرطها الاجتماعي. وتعد رواية «جين آير» (1847) Jane Eyre، وهي أهم رواياتها، إحدى أوائل الروايات حول الحياة المنزلية. ولكن لها روايات أخرى أقل إمتاعاً أهمها: «شيرلي» (1849) Shirley و«فيليت» (1853) Villette و«البروفسور» (1857) The Professor. ولرواية البروفسور التي نشرت عام 1857 أي بعد وفاتها أهمية خاصة، فهي تستفيد من التجربة القصيرة التي قضتها في العمل مربية في بروكسل، إذ تأتي القصة بلسان المتكلم على لسان مدرس خصوصي في بروكسل.

وقد كانت لدى شارلوت الشجاعة لأن تستكشف الحياة الإنسانية في رواياتها بإخلاص أكبر مما كان شائعاً، أو مسموحاً به، في عصرها؛ مع أن عقلية ذلك العصر ظلت تمنعها من الوصول بآرائها إلى نهاياتها الطبيعية. ولكنها كانت دائماً تستفيد من تجربتها ومن حياتها. فبطلة جين آير أيضاً مربية. وكانت هذه المرة باسمها الشخصي لا باسم مستعار. ومع أن العنوان الفرعي للرواية «سيرة ذاتية» فإن الأحداث لا تنطبق على حياة الكاتبة، وما فيها من شخصية المؤلفة هو بعض الشذرات التي استفادت منها في تجربتها القصيرة كمربية. ويرى بعضهم أن الرجل الذي تذهب البطلة إلى بيته للعمل مربية (في جين آير) يحمل شيئاً من مواصفات اللورد بايرون[ر] بعد أن أخضعته شارلوت لشروط الحياة البيتية للطبقة الوسطى الإنكليزية المتأثرة بالجو الديني والنزعة الواقعية.

وتبدو الرواية اليوم وقد فقدت قسماً من بريقها أمام الذوق النقدي الأدبي المعاصر، إذ تنكشف فيها ميلودرامية الأحداث، ولكنها لا تفقد سحرها أمام القارئ، فقدرتها على رصد الواقع لا تفقد جاذبيتها مع الأيام. وما تزال روايتها «شيرلي» مع كتابات ماريا أوغورث وسكوت[ر]، أول الروايات المحلية التي ترصد شخصيات وأحداثاً محلية من الجوار الحقيقي. وفي هذه الرواية يتعرف القارئ أهل يوركشَر وكنيستها وعمال النسيج فيها وعمال المقالع أيضاً مع أجواء نسوية حميمة ومتشربة للحس النسوي التحرري الرافض لوضع المرأة التقليدي.

2ـ إميلي جين

ولدت إميلي جين Emily Jane في 30 آذار 1818 في ثورنتون، وتوفيت في 19 كانون الأول 1848. لم تكن إميلي تحس بذلك التناقض بين الحلم والواقع. فكانت معظم قصائدها تعبيرات درامية عن شخصيات مملكة «غوندال». وقد ملأت هذه المملكة بأحلامها وأفكارها إلى أن «سقطت القشرة الخيالية» وتبين أن غوندال ليست سوى يوركشَر.

كتبت إميلي الشعر الذي كشفت فيه بجرأة عن روحانيتها المستقلة. ولكن روايتها التي لم تكتب سواها «مرتفعات وذرنغ» (1847) Wuthering Heights هي العمل الأكثر أهمية. إذ تعد أول رواية اجتماعية ثورية. وهي في الوقت ذاته، السلف الأول للرواية التي ترصد الأحاسيس والتقلبات العاطفية الداخلية المتأتية من تخزين عميق للأحاسيس (والأحقاد). ويعد «هيثكليف» بطل الرواية، الولد المشرد الذي رُبي عند الأسرة الغنية، وحمل الحقد عليها وعشق إحدى بناتها وتدعى كاترين إيرنشو، من الشخصيات البارزة التي لا تُنسى في تاريخ الأدب العالمي. ويميز بعض النقاد (من أمثال إ.م. فورستر E.M.Forster) هذه الرواية بقدرتها على توظيف الأصوات بطريقة فذة. وقد ربط بعض النقاد من أمثال سير إفور إيفانز Sir Ifor Evans بين سحر أجوائها العاصفة (التي أرادت الكاتبة من خلالها نقل أجواء يوركشَر واستغراقها فيها) وسحر عاصفة شكسبير في «الملك لير». وتضاف إلى ذلك التقنية الروائية التي كانت جديدة من حيث أسلوب السرد؛ ففي هذه الرواية يتداخل الرواة في البداية، وتبدأ الرواية من نهايتها. وتُظهر إميلي براعة فائقة في إيجاد جو الإثارة منذ السطور الأولى عبر أحداث الطبيعة وأصوات إنسانية تبدو كأنها من عالم المجانين أومن عالم غير إنساني مع أحداث هامشية أخرى تقود إلى سرد الرواية. فكأنها كانت تريد أن تقول، بشكل غير مباشر، إن هذه الأجواء في يوركشَر تصلح جواً لقصة مثيرة ثم تتولى هي مهمة إيجاد هذه القصة.

ويستخلص مما توصل إليه النقاد والباحثون، أن إميلي استفادت في افتتاحية الرواية «قبيل منتصف الليل» من أجواء المسرحيات المأسوية الفرنسية الاتباعية. كما أن أسلوب السرد عن طريق أكثر من شخص يبدو متأثراً بمسرحيات شكسبير الرومنسية المتأخرة. ولا شك في أن تقليل عدد الشخصيات قد مكنها من التعمق في الأجواء النفسية لأبطالها وبطلاتها. ويذهب نقاد آخرون إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ يرى لورد ديفيد سيسيل Lord David Cecil في «الروائيون الفكتوريون الأوائل»  (1934) Early Victorian Novelists أن شخصيات إميلي نماذج عن القوى الكونية في الهيجان والعاصفة والهدوء؛ تحل محل مبادئ الخير والشر. إن كلاً منها خير في مكانه وزمانه المناسبين وفي العلاقات الطبيعية. ولكن المأساة تنطلق من تداخلها غير الطبيعي والخاطئ. ويرى ناقد آخر (ديفيد ويلسون David Wilson) أن قصة هيثكليف وكاترين إيرنشو هي صورة رمزية للصراع الاجتماعي الذي كان دائراً في أيامها وعلى مرأى منها.

3 ـ آن

ولدت آن Anne في 17 كانون الثاني عام 1820 في ثورنتون وتوفيت في 28 أيار 1849 في سكاربره Scarborough في يوركشَر.

وصِفت آن بأنها كانت تقية وورعة ولطيفة. وكانت أشعارها «طاهرة» تُخضع فيها أحلامها وأفكارها لامتحان الأخلاق والفضيلة الدينية. ظلّت الأحلام الأولى وسيلتها للاتصال بأختيها دون أن تستطيع هذه الأحلام أن تدخل عالم كتابتها. ولم تكن لديها النار التي تتأجج في صدري أختيها. ولذا فإن روايتها «أغنس غراي» Agnes Grey لم تلفت الانتباه مع أنها تتميز بواقعيتها وهدوئها وبالقوة الداخلية عند أبطالها. ولها عمل آخر هو رواية «نزيل قاعة ولدفيل» The Tenant of Wildfell Hall وتعرض فيها الحياة الفاسقة لشاب ثم سقوطه من خلال مبادئها الدينية الصارمة.

ويضاف إليهن أخوهن باتريك برانويل ـ كنية أمه ـ ولد في26 حزيران 1817وتوفي في24 أيلول 1848 وله إلمام بالتصوير وترك صورة نادرة لأخواته، ولكنه أخفق في تقديم شيء ذي قيمة. ويفسر ذلك بأنه أخفق في الخروج من الحلم (المملكة) أو سحب هذا الحلم للاستفادة منه مثل أخواته، فقد غاص في الحلم أكثر مما ينبغي، ولجأ إلى المخدرات والكحول حتى أدمنهما.

في تموز من عام 1848 اضطرت آن وشارلوت إلى النزول إلى لندن لإعلان شخصيتيهما (وشخصية أختهما) الحقيقية نظراً للاهتمام الذي أثارته أعمالهن. ولكن الفرحة لم تكتمل، ففي أيلول من العام ذاته مات الأخ، وتعرضت إميلي لنزلة برد شديدة في جنازته، ثم استفحل الأمر حتى أصيبت بالسل وماتت في 19 كانون الأول. وبعدها في 28 أيار 1849 ماتت آن بالمرض ذاته. وهذا ماجعل شارلوت تتوقف عن إكمال روايتها «شيرلي».

ومن الملاحظ أن البطلات في هذه الروايات لا يوفَّقن في الوصول إلى الزواج. فهيثكليف يفقد كاترين، وجين أير بعد أن أوشكت أن تتزوج صاحب البيت «روشستر» تكتشف أنه متزوج، ويتعثر الزواج إلى أن تنتهي القصة بالأحداث الميلودرامية التي تتيح الزواج التعويضي (بعد أن أصيب بالعمى) ودون سعادة حقيقية. ويرى الكثيرون أن هذا أيضاً انعكاس لحياتهن التي خلت من الزواج مع أنها قد تخللتها عروض كثيرة مرفوضة. ولم تتزوج إلا شارلوت ولكن بعد وفاة أختيها وأخيها. فقد عاشت بعد أخوتها ورفضت عدة عروض زواج إلى أن تزوجت من أحد شركاء الناشر المهتم بكتبها وكتب أخوتها.

 

ممدوح عدوان

 

مراجع للاستزادة:

 

- E.M.FORSTER, Aspects of the Novel (Pelican 1962).

- E.M.TAPPAN, A Brief History of English Literature (Harrap 1960).

- I.EVANS, A Short History of English Literature (Pelican 1985).

- J.MULGAN & D.M.DAVIN, An Introduction to English Literature (Oxford 1961).


التصنيف : الآداب الجرمانية
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الخامس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 45
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 514
الكل : 29641961
اليوم : 21971

أوهلن (غوتهارت برتيل-)

أوهلن (غوتهارت برتيل ـ) (1899 ـ 1979)   غوتهارت برتيل أوهلن Gotthard Bertil Ohlin عالم اقتصادي سويدي وزعيم سياسي، ومؤسس النظرية الحديثة في ديناميكية التجارة. دَرَس في جامعتي لوند وستوكهولم، وبدأ اهتمامه بالتجارة الدولية مبكراً، فقدم عام 1922 أطروحة عن نظرية التجارة، أقرها الاقتصادي السويدي غوستاف كاسل، ثم التحق مدة بجامعتي أكسفورد وهارفرد في بريطانية.
المزيد »