logo

logo

logo

logo

logo

البارود

بارود

Gunpowder - Poudre à canon

البارود

 

البارود powder مادة متفجرة [ر: المتفجرات] دافعة صلبة سريعة الاشتعال قابلة لإحداث تفاعل ناشر للحرارة exothermic في معزل عن الهواء الخارجي مع إصدار كميات كبيرة من الغازات. وبعض أنواع البارود مركبات بوليميرية polymer عالية التكثف شديدة الاحتراق، يمكن تصنيفها في صنفين بحسب تركيب مادة البارود والعناصر التي تتألف منها: البارود المتغاير الخواص، ومنه البارود الأسود أو البارود الدخاني وأساسه نترات البوتاسيوم KNO3 أو نترات الصوديوم NaNO3، والبارود الثابت الخواص القابل للانصعاق كالبارود القطني اللادخاني، وأساسه النتروسلولوز.

1ـ البارود الأسود (الدخاني) black powder:

سمي هذا النوع من البارود أسود للونه الذي يغلب عليه لون فحم الخشب، وسمي دخانيا لأن الغازات المنطلقة عند احتراقه ممزوجة بدخان أسود  يتألف من المواد الصلبة الناتجة من بقايا الاحتراق.

يتألف البارود الأسود من خليط جيد المزج من نترات البوتاسيوم أو الصوديوم وفحم الخشب والكبريت بنسب تختلف بحسب الغاية المستخدم لها، ويستعمل في صنع الحشوات الدافعة [ر] والحشوات المتفجرة لمقذوفات الأسلحة النارية والمقذوفات الصاروخية وفي الألعاب النارية وفي المقالع وفي صنع الفتيل المشعل.

لمحة تاريخية: البارود من أقدم المواد المتفجرة المعروفة، ولا يمكن على وجه الدقة تحديد مَن هو أول من اخترعه، كما لا يعرف أصل تسميته بالعربية ويبدو أنها من السريانية. وبعد أن توصل العرب إلى معرفة خواص ملح الصخر والبارود في أوائل القرن السابع للهجرة شملوه تحت مادة «نفط» التي صار لها منذ ذلك الحين معان جديدة.

وتذكر المصادر الإسبانية والعربية في الأندلس أن عرب الأندلس والمغرب عرفوا البارود واستعملوا المدافع في الحرب منذ أواخر القرن السابع للهجرة. وبمرور الزمن صارت كلمة بارود تعني البارود نفسه أو كحل البارود (ذرور) وصار ملح البارود هو الاسم الذي يطلق على ملح الصخر، ومن البارود اشتقت كلمة البارودة التي تعني البندقية.

ترجح أكثر المصادر أن الصينيين أول من عرف صفات ملح الصخر وعمليات تنقيته بالغسل، واستخدموه في الألعاب النارية منذ القرن العاشر الميلادي، وأن العرب قد نقلوا عنهم ذلك. ولكن المؤكد أن العرب هم أول من استخدم البارود في الأعمال الحربية مادة دافعة ثم متفجرة وحارقة. وأنهم توصلوا في نهاية القرن السابع للهجرة إلى تطوير أول مدفع حقيقي بالمعنى المعروف اليوم، وهو أنبوب من الخيزران مقوى بأطواق من حديد استعمل فيه البارود لإطلاق سهام كبيرة.

ويزعم الباحثون الغربيون أن العالم واللاهوتي البريطاني روجر بيكون[ر] (1214- 1294م) Roger Bacon ربما كان أول أوربي عرف البارود وكتب نحو سنة 1242م تعليمات واضحة عن تحضيره برموز لاتينية غريبة يصعب حلها. وكان بيكون هذا يلم بالعربية وقرأ كثيرا من الكتب المترجمة عنها، والتقى عددا من الجنود الذين شاركوا في الحملات الصليبية في المشرق.

لم يتغير تركيب البارود الأسود طوال ثلاثة قرون من بدء استعماله وكانت نسب مواده تتألف عادة من 75% من ملح البارود (نترات البوتاسيوم) و 15% من فحم الخشب و10% من مسحوق زهر الكبريت. وهناك أنماط خاصة من البارود الأسود المتغير الصيغة تستعمل لأغراض خاصة كالبارود الخالي من الكبريت أو المخفف.

وملح البارود متوافر في الطبيعة على شكل ذرور أبيض هش فوق الصخور الكلسية والشاطئية السهلة التفتت وفي الأماكن الرطبة، ويستخرج كذلك من ركام السماد الطبيعي وروث الحيوانات، وقد عثر على مكامن طبيعية له في الهند وكشمير ظلت في مقدمة مصادره سنوات طويلة. وفي أواسط القرن التاسع عشر عثر على مكامن من نترات الصوديوم في تشيلي وتوصل الصناعي الأمريكي لاموت دي بونت Lammot du Pont إلى إنتاج البارود من نترات الصوديوم في عام 1858، وقد كان هذا النوع من البارود أقل كفاية من بارود نترات البوتاسيوم في قوة التفجير وأرخص ثمنا بكثير، إلا أنه يناسب تماما أعمال المناجم وأعمال البناء، وللتفريق بين النوعين اصطلح على أن يرمز للبارود الحاوي على نترات البوتاسيوم بالحرف A وللبارود الحاوي على نترات الصوديوم بالحرف B، و يستعمل البارود A في الأغراض التي تتطلب نوعية جيدة منه كالأسلحة النارية والمشعلات الأمينة.

لم يستعمل البارود الأسود في أغراض التعدين قبل القرن السابع عشر الميلادي، إلا أن استخدامه في المناجم لم ينتشر إلا في أوائل القرن الثامن عشر لأسباب كثيرة منها ارتفاع تكاليف تحضيره وعدم توافر أدوات الثقب المناسبة والخوف من حدوث انهيارات في سقف المنجم. أما أول استخدام للبارود في أعمال الهندسة المدنية والعمارة فكان في سنة 1679 إبان حفر نفق مالباس Malpas عند قناة دي ميدي Canal du Midi  في فرنسة. وقد ظل البارود الأسود المادة المتفجرة الوحيدة المستعملة في المقالع وأعمال الطرق حتى منتصف القرن التاسع عشر، وظل المادة الدافعة الوحيدة حتى نهاية ذلك القرن. إلى أن تم التوصل إلى بدائل أكثر أمنا من البارود الأسود وخاصة الديناميت المحسن [ر: الديناميت] والبارود اللادخاني، ولم يعد يسمح باستعمال البارود الأسود في المناجم تحت الأرض في أكثر الدول، وما يزال يستعمل في المقالع المكشوفة وفي بعض الأغراض الخاصة وفي الاستخدامات العسكرية.

صناعة البارود الأسود: يحضر البارود الأسود بسحق ملح الصخر (نترات البوتاسيوم) منفردا تحت أسطوانات فولاذية دوارة، ويسحق الكبريت وفحم الخشب في أسطوانة مجوفة تحوي كرات فولاذية حتى يتحول الجميع إلى ذرور ناعم، ثم توضع كمية من ذرور ملح الصخر والفحم والكبريت بالنسب المقررة في قدر كبيرة دوارة تشبه جهاز العجين  ويقلب محتواها باستمرار، ثم تطحن الخلطة وتمزج تماما بوساطة عجلتين دوارتين من حديد ويضاف الماء إلى الخلطة من حين إلى آخر ليبقى المزيج رطبا، وتستمر هذه العملية بضع ساعات. يمرر الناتج بين أسطوانات خشبية دوارة لسحقه ثم يشكل على هيئة قطع مرصوصة تسمى «كعكة» تحت ضغط يراوح بين 210-280كغ/سم2، وتمرر القطع بين أسطوانات مسننة خشنة فتتكسر إلى أجزاء صغيرة متقاربة الحجم، وتتابع سيرها إلى طاحونة التحبيب التي تتألف من أسطوانات دوارة مختلفة الأبعاد حتى تصبح حبيبات البارود بالحجوم المطلوبة.

في المرحلة التالية يعمد إلى صقل (تزجيج glazing) حبيبات البارود بتقليبها في برميل خشبي دوار مترنح يمرر فيه تيار من الهواء المضغوط بضع ساعات وتكتسب الحبيبات درجة الرطوبة المناسبة، ويضاف في هذه الأثناء فحم الغرافيت ليؤلف طبقة رقيقة فوق حبيبات البارود فيصبح أكثر مقاومة للرطوبة ويزداد جودة.

يغربل البارود بعد انتهاء هذه المرحلة إلى حبيبات مختلفة الأحجام ويعبأ في براميل. ويباع البارود الأسود ذروراً ناعماً أو محبباً أو على شكل عبوات أسطوانية مغلفة بورق مشمع تضم أربع قطع أسطوانية طول كل منها 5سم وقطرها 2.75- 6.25سم وفي كل عبوة ثقب مركزي لوضع الفتيل المشعل أو الصاعق.

احتراق البارود الأسود: البارود الأسود قليل الحساسية بالاحتكاك أو الصدمات، ولكي يحترق أو ينفجر لابد من وجود مشعل. يحترق البارود بطبقات متوازية في الاتجاه العمودي على سطح الاحتراق، فتنتقل موجة الاحتراق والحرارة من طبقة إلى أخرى تليها، ويوفر احتراق البارود على هذا النحو ثبات الضغط الخارجي على النقيض من المواد المتفجرة الأخرى، إذ يستبعد في هذه الحالة تسرب نواتج الاحتراق والحرارة إلى داخل المادة نفسها، وتتوافر في الوقت نفسه إمكانية التحكم في السرعة الإجمالية لتشكل غازات الاحتراق بمقياس الزمن عن طريق إعطاء مادة البارود الشكل المناسب (ذرور أو أنابيب مختلفة القطر والطول ذات قناة واحدة أو متعددة القنوات) أما سرعة احتراق البارود فتعتمد على قوام مادته ودرجة الحرارة الأولية والضغط ويمكن التحكم فيها بوساطة الإضافات المختلفة.

الفتيل المشعل: في سنة 1831 توصل تاجر جلد بريطاني يدعى وليم بكفورد William Bickford إلى اختراع مشعل أمين للعمل في المناجم يتألف من فتيل منسوج محشو بالبارود الأسود، وأحسن أنواعه ما نسج من خيوط القنب الهندي (الجوت)، ثم يطلى الفتيل بمادة مانعة للرطوبة كالزفت ويغلف بنسيج آخر أو بمادة لدنة.

يوفر الفتيل المشعل وسيلة أمينة يمكن الركون إليها لإيصال النار إلى الحشوة المتفجرة، ويعتمد توقيت الانفجار على طول الفتيل، وهو دقيق إلى درجة كبيرة ولا يتأثر بالعوامل الجوية أو الماء.      

2ـ البارود اللادخاني

البارود اللادخاني أو البارود القطني مادة متفجرة دافعة أساسها النتروسلولوز [C6H7O2(OH)3-X(ONO2)x]n والنتروسلولوز مادة بيضاء ليفية القوام تشبه القطن، ومن أهم ما تتصف به اختلاف مواصفاتها الفيزيائية والكيمياوية باختلاف نسبة ما تحتويه من الآزوت (النتروجين). يستعمل البارود اللادخاني في ذخائر الأسلحة النارية والصواريخ الصغيرة التي تعمل بالوقود الصلب وفي أدوات العمل التي تتطلب ضغطا عاليا وسرعة تنفيذ، وهو ليس ذرورا كما قد يتبادر إلى الأذهان، بل ينتج على شكل أقراص أو صفيحات أو أسطوانات أو حبال أو كريات من حجوم مختلفة. ويسمى «لا دخانيا» أو «غير مدخن» للتفريق بينه وبين البارود الأسود المدخن. والبارود اللادخاني سريع الاشتعال لا يحتاج إلى أوكسجين خارجي، وينتج عند احتراقه كميات هائلة من الغازات العديمة اللون وحرارة عالية. ومن أهم خصائصه احتراق حبيباته عموديا على سطح الاحتراق، وتعتمد سرعة الاحتراق وحجم الغازات المنطلقة على تركيب حبيبات البارود وشكلها ومساحة سطح الاحتراق، وتزداد سرعة الاحتراق بازدياد الضغط، فإذا احترق البارود في حيز محكم الإغلاق فإن الغازات المنطلقة تولد ضغطا متزايدا يتسبب في زيادة تسارع الاحتراق. ويتفوق البارود اللادخاني على البارود الأسود بصفاته الدفعية العالية وعدم تركه بقايا احتراق تذكر وقلة امتصاصه للرطوبة ومحافظته على مواصفاته عند تخزينه في شروط طبيعية لمدة طويلة وقلة حساسيته للمؤثرات الخارجية وإمكانية تشكيله بأشكال وحجوم مختلفة.

إن اختراع أول مادة شديدة الانفجار ينسب عموما إلى الكيميائي السويسري من أصل ألماني كريستيان شونباين Christian Friedrich Schonbein الذي توصل في عام 1845 إلى صنع البارود القطني (النتروسلولوز) بنقع القطن في مزيج من حمض الآزوت وحمض الكبريت ثم غسل الناتج بالماء لإزالة بقايا الحمض. وفي عام 1860 توصل ضابط بروسي يدعى إرنست شولتزه E.Schultze إلى صنع مادة دافعة شبيهة بسابقتها من نقع قطع صغيرة من الخشب في حمض الآزوت، وبعد أن أزال بقايا الحمض أشبع الناتج بالباريوم ونترات البوتاسيوم. وكان البارود الذي حصل عليه شولتزه وحمل اسمه جيداً جداً لبنادق الصيد، ولكنه قليل الصلاحية للمدافع وأكثر البنادق الحربية.

في سنة 1884 توصل الكيميائي الفرنسي بول فييّ Paul Vieill إلى صنع بارود لا دخاني غرواني مكثف، هو «البارود ـ ب» powder B، قريب في صيغته من البارود اللادخاني المعروف اليوم.

وفي عام 1888 أنتج الكيميائي السويدي الشهير ألفرد نوبل Alfred Nobel مادة جديدة أسماها بالستيت ballestite، تتألف من مزيج هلامي القوام gelatinized من النتروسلولوز (40%) المخفف الآزوت مع النيتروغليسرين (60%) وقطعها شرائح، وقد ظلت هذه المادة تستعمل بنجاح مدة زادت على 75 عاماً،  وطور البريطانيون فيما بعد عدداً من المنتجات المماثلة لها أطلقوا عليها اسماً عاماً هو الكوردايت cordite.

كذلك توصلت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1909 إلى نوع من البارود اللادخاني أكثر أماناً أساسه القطن المنترج nitrocotton الحاوي على نسبة منخفضة من الآزوت، ويدعى بيروسلولوز pyrocellulose، وهو قابل للانحلال في الإتير والكحول. وقد تبين أن هذا النوع من البارود يصلح للاستعمال في جميع أنواع المدافع، وكان المادة الدافعة الرئيسية المستخدمة في الحرب العالمية الأولى.

أنواع البارود اللادخاني: يستعمل البارود اللادخاني اليوم على نطاق واسع، وهو يصنف عموما في صنفين: وحيد الأساس وثنائي الأساس. يحتوي البارود اللادخاني الوحيد الأساس على النتروسلولوز مع بعض الإضافات، وقد حل فيه سلولوز الخشب محل  ألياف القطن، ولا تزيد نسبة الآزوت فيه على 12.5- 13.5%. أما البارود الثنائي الأساس وهو أكثر أنواعه فيشتمل على نسبة 70-80% نترو سلولوز و20-30% نتروغليسرين. وقد يضاف إلى الصنفين إضافات لضمان ثباتهما وتحسين مواصفاتهما، أما أشهر أنواع البارود اللادخاني فهي: البارود البيروكسيليني والبارود النتروغليسريني وبارود الأمونيوم وبارود ثالث نترو تولوين.

وقود الصواريخ الجاف (الصلب): هو الاسم الذي يطلق على البارود المستخدم وقودا في المحركات الصاروخية، وهو مركبات بوليميرية حديثة تتفاعل بالحرارة، وتتألف عادة من بيروكلورات الأمونيوم (مؤكسد) ومن رابط بوليميري (وقود) ومن ذرور الألمنيوم وإضافات أخرى. ويتمتع الوقود الصاروخي الجاف بميزات كثيرة يتفوق بها على أنواع الوقود البالستية الأخرى، فقوة دفعه أكبر وسرعة احتراقه أقل اعتماداً على الضغط ودرجة الحرارة ومجال التحكم في سرعة احتراقه كبير عن طريق ضبط الإضافات المختلفة والتحكم في مواصفاتها الفيزيائية والميكانيكية، وبسبب مرونة هذا الوقود وإمكانية التحكم في شكله الخارجي يمكن تثبيته مباشرة على جدران المحرك الصاروخي الأمر الذي يزيد من معامل ملء المحرك بالوقود. تزود الصواريخ الصغيرة القصيرة المدى التي لا تتطلب احتراقاً طويل الأمد بحشوة من حبات أنبوبية من البارود الثنائي الأساس المشكلة بالبثق. أما الصواريخ الكبيرة البعيدة المدى فتزود بحشوة أسطوانية مجوفة واحدة تتألف من الوقود النظامي المعتمد مضافاً إليها مؤكسد ضمن غلاف من المطاط الصناعي.

محمد وليد الجلاد

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

البندقية ـ الديناميت ـ المتفجرات ـ المدفع.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ الرئيس إبراهيم بن أحمد غانم بن محمد بن زكريا الأندلسي، العز والرفعة والمنافع للمجاهدين في سبيل الله بالمدافع، تحقيق د.إحسان الهندي (مركز الدراسات العسكرية، دمشق 1995).

- O.F.G.HOGG , Clubs to Cannon, Warfare and Weapons Before the Introduction of Gunpowder (Gerald Duckworth & Co. LTD. London).

- J.R.PARTINGTON , A History of Greek Fire and Gunpowder (W.Heffer & Sons, Cambridge 1959).

- D.AYALAN, Gunpowder and Firearms in the Mamluk Kingdom "A Challenge to a Mediaeval Society" (London 1956).

- W.Y.CARMAN, A History of Firearms from Earliest Times to 1914 (London 1955).


التصنيف : الصناعة
النوع : تقانة
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 584
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 501
الكل : 31259267
اليوم : 7455

التسمع

التسمّع   يؤدي تحريك أحد الأجسام بسرعة معينة، مهما كانت طبيعته الفيزيائية (غاز، سائل، جامد)، إلى حدوث اهتزازات في الوسط المحيط به تنتقل إلى الأذن التي تدركها على هيئة أصوات متفاوتة الشدة واللحن، وتزداد هذه الأصوات شدة عندما يصادف الجسم المتحرك أحد العوائق في أثناء حركته. تتحرك بعض أعضاء جسم الإنسان حركة دائمة، كالقلب الذي يتقلص وينبسط باستمرار، والدم الذي يجول ضمن الأوعية بلا توقف، كما أن الحركات التنفسية ترشف الهواء الخارجي إلى داخل الرئتين ثم تنفثه ثانية مما يزود الجسم بالأكسجين اللازم لاستمرار الحياة. تصدر هذه الأجسام المختلفة في أثناء حركتها أصواتاً تختلف صفاتها في حالتي الصحة والمرض، وقد استفاد الأطباء من هذه الاختلافات في تشخيص الأمراض التي تصيب الجسم وخاصة أمراض الجهاز التنفسي وجهاز الدوران. كما يمكن سماع دقات قلب الجنين بمسمع خاص أو حديثاً بوساطة جهاز يستخدم الأمواج فوق الصوتية (جهاز دوبلر).     يستطيع الطبيب سماع الأصوات التي تصدر عن هذه الأجسام المتحركة، إذا طبق أذنه مباشرة على أنحاء معينة من جسم المريض. إلا أن عملية التسمع تصبح أسهل لكل من الطبيب والمريض باستعمال السماعة الطبية. تسمُّع القلب يستطيع الطبيب سماع دقات القلب عندما يطبق صيوان السماعة على الناحية القلبية (ناحية الثدي الأيسر) إلا أن الطبيب يركز الصيوان عادة على عدة نقاط من هذه الناحية تناسب صمامات القلب الأربعة (وهي الصمام التاجي والصمام الأبهري والصمام الرئوي والصمام مثلث الشرف) التي كثيراً ماتكون مقراً لآفات قلبية، وتدعى هذه النقاط البؤر التسمعية. تتألف كل دقة من دقات القلب من صوتين متميزين: الصوت الأول الذي يسمع على أشده في البؤرة التاجية وينجم عن تقلص البطينات وانغلاق الصمامين التاجي ومثلث الشرف. والصوت الثاني الذي يسمع على أشده في قاعدة القلب وينجم عن انغلاق الصمامين الأبهري والرئوي. يبلغ عدد دقات القلب (70-80) دقة وسطياً في الدقيقة، وتتميز الدقات بانتظامها ولحنها الخاص. يتجاوز عدد دقات القلب في بعض الحالات الحدود السوية زيادة أو نقصاً أو أنها تفقد انتظامها في حالات أخرى، ويدعى مجمل هذه الاضطرابات بـ «اللانظميات» التي تأخذ أشكالاً متعددة تختلف في أسبابها وخطورتها وطرق معالجتها، ويستطيع الطبيب تشخيص معظم هذه الاضطرابات عن طريق التسمّع. يتغير لحن الأصوات القلبية في بعض الحالات المرضية، فقد تعود خافتة في بعض الأحيان أو يصبح أحد الصوتين الأول أو الثاني أو كلاهما أكثر حدة أحياناً أخرى، وقد يضاف إلى الصوتين الطبيعيين صوت ثالث، ويشير ذلك كله إلى وجود آفة مرضية في القلب يسهم التسمّع إلى حد كبير في تحديد طبيعتها وطرق معالجتها. يمر الدم في أجواف القلب عادة بكل سهولة ويسر، إلا أن إصابة الصمامات القلبية ببعض الآفات المرضية يؤدي إلى تضيّق الفتحات التي تصل بين أجواف القلب أو إلى اتساعها، وكذلك الحال في بعض الشذوذات الخلقية التي تصيب القلب، وتؤدي هذه الحالات إلى خلل في انسياب الدم داخل الأجواف القلبية أو الانطلاق منها إلى الأوعية الدموية، ويترافق ذلك بظهور أصوات إضافية إلى جانب الأصوات القلبية الطبيعية تأخذ شكل النفخات.  يختلف توضع النفخات في البؤر القلبية وتوقيتها بالنسبة للأصوات القلبية الطبيعية (نفخات انقباضية ونفخات انبساطية) ولحنها وانتشارها من آفة لأخرى مما يساعد الطبيب على معرفة مكان الآفة المسببة وتعيين طبيعتها. وقد تنجم الأصوات الإضافية في بعض الحالات عن إصابة الغشاء المغلف للقلب (التامور) بالالتهاب واحتكاك وريقتيه ببعضهما مع كل دقة قلبية. تسمّع الصدر يؤدي مرور الهواء التنفسي عبر القصيبات إلى حدوث اهتزازات تنتقل عبر النسيج الرئوي السليم إلى جدار الصدر حيث يمكن سماعها بتطبيق الأذن أو صيوان السماعة على أي ناحية من جدار الصدر، ويدعى الصوت المسموع في هذه الحالة التنفس الحويصلي. أما مرور الهواء عبر الحنجرة والرغامى فيؤدي إلى حدوث صوت عال مرتفع الطبقة يسمع بوضع السماعة على الرغامى خارج الصدر ويدعى الصوت المسموع في هذه الحالة التنفس المزماري. أمّا في الحالات المرضية فقد يغيب التنفس الحويصلي كما يحدث عندما يمتلىء جوف الجنب بأحد السوائل أو بالهواء (الريح الصدرية). كما أن تكثف النسيج الرئوي التالي لإصابته بالالتهاب يسهل وصول التنفس المزماري إلى جدار الصدر بوضوح حيث يسمع مكان التنفس الحويصلي، ويطلق عليه في هذه الحالة اسم النفخة التي تأخذ لحناً مميزاً في بعض الحالات المرضية مما دعا لوصف عدة أنواع من النفخات منها النفخة الأنبوبية والنفخة الكهفية وغيرها. تترافق بعض الحالات المرضية بتضيق في الطرق التنفسية أو توضع مفرزات مخاطية قيحية فيها، فإذا كان التضيق شديداً أدى إلى صدور أصوات جافة ذات لحن موسيقي تدعى الوزيز كما هي الحال عند الإصابة بالربو. أما إذا وقع التضيق على مستوى الرغامى والقصبات الكبيرة كانت الأصوات المسموعة أكثر خشونة وأرطب لحناً ودعيت حينئذ بالغطيط. إذا توضعت التبدلات المرضية على مستوى الأسناخ الرئوية أو القصبات الانتهائية أدت إلى صدور أصوات شاذة يكشفها التسمع تدعى الخراخر، وهي على نوعين خراخر فرقعية ذات لحن جاف ينجم عن انفتاح الأسناخ المصابة بالتوذم أو التليف، وخراخر فقاعية ذات لحن رطب تسمع عند وجود مفرزات سائلة في الطرق الهوائية القاصية. ويكشف التسمّع في أمراض الجنب وجود أصوات سطحية مختلفة الشدة تدعى الاحتكاكات تنجم عن تماس وريقتي الجنب المريضتين في أثناء الحركات التنفسية. تسمّع الأوعية المحيطية تصاب الشرايين في الأعمار المتقدمة بتبدلات في جدرها يطلق عليها اسم العصيدة الشريانية وتزداد هذه التبدلات بفعل بعض العوامل البيئية والوراثة، مما يؤدي إلى تضيق لمعة الشرايين المصابة. يؤدي مرور الدم في هذه المناطق المتضيقة من الشريان إلى صدور نفخات تسمعها الأذن عند تطبيق صيوان السماعة على المنطقة المتضيقة، وتتميز هذه النفخات بكونها مستمرة خلافاً للنفخات الناجمة عن آفات الصمامات القلبية. وأكثر الشرايين تعرضاً للتضيق وإصدار النفخات هي الشرايين السباتية في العنق وفروع الشريان الأبهر البطني كالشرايين الكلوية والجذع الشرياني الزلاقي وتفرعاته. كما أن الاتصال الشاذ بين الشرايين والأوردة المحيطية (النواسير) قد يكون السبب في حدوث نفخات تسمع في مكان توضع الناسور وتتميز هي أيضاً بكونها نفخات مستمرة.   زياد درويش   مراجع للاستزادة:   - MORGAN, Occupational Lung Disease, Saunders (1984).
المزيد »