logo

logo

logo

logo

logo

بعلبك

بعلبك

Baalbeck - Baalbeck

بعلبك

 

[انظر خريطة البقاع]

تقع مدينة بعلبك على بُعد 85 كم إلى الشرق من بيروت، فوق مرتفعات سهل البقاع اللبناني. وتحيط بالمدينة غوطة من بساتين الخضراوات والأشجار المثمرة، وتمتد حولها سهول فسيحة تصلح لزراعة الحبوب. وترتوي المدينة من مياه نبعين رئيسين، يقع أحدهما عند سفح جبال لبنان الشرقية، إلى الجهة الجنوبية الشرقية من المدينة، ويُعرف باسم «رأس العين»، ويبدو أنه كان أساساً لقيام المدينة في بداية نشأتها، فيما يتفجر الثاني من جبال لبنان الشرقية أيضاً، على مسافة نحو تسعة كيلومترات إلى الشرق من المدينة، وهو المعروف بينبوع «اللجوج» الذي جُرّت مياهه في العصر الروماني بقناة محفورة في الصخر، لتوزيعها على المدينة.

مدينة بعلبك اليوم مركز قضاء بعلبك الذي يشكّل الجزء الشمالي من محافظة البقاع في الجمهورية اللبنانية. ويراوح عدد سكانها الأصليين بين 75 و80 ألف نسمة، غير أن الأحداث التي عصفت بلبنان عام 1958 وخاصة بين عامي 1975 و1990، ناهيك عن توافر المدارس والمستشفيات والدوائر الحكومية والحركة التجارية والسياحية، دفع إلى المدينة بعشرات الألوف من المواطنين الذين تركوا قرى القضاء وضواحي العاصمة وبعض أنحاء الجنوب اللبناني واستقروا فيها، حتى بات عدد سكانها يقدر بنحو 250 ألف نسمة.

أثّر موقع بعلبك في تحديد دورها في العصور القديمة، إذ إنها كانت تقع على مفترق عدد من طرق القوافل التي كانت تصل الساحل المتوسطي بالبر الشامي وشمالي سورية بشمالي فلسطين. وقد استفادت عبر تاريخها الطويل من هذا الموقع المميز لتُصبح محطة تجارية مهمة ومحجاً دينياً مرموقاً، كان يُشرف عليه كهنة ينتمون إلى مجموعات عربية دخلت إلى المنطقة في العصر الهلنستي، وعرفوا بالإيطوريّين. فحين سيطر الرومان على المنطقة في أواسط القرن الأول ق.م، وعلى أثر إنشاء مستعمرة بيروت في بدايات الربع الأخير من القرن عينه، وضم بعلبك إليها عام 15ق.م تقريباً، تنبّه الامبراطور «أغسطس» إلى أهمية المدينة على الصعيدين الاقتصادي والديني. فأسس لمشروع عظيم، يجعل من بعلبك واجهة متألقة، تُبرز صورة رومة وعظمتها وقدرتها، فينقل التجار والحجاج الذين يقصدونها تلك الصورة إلى أوطانهم. وكان ذلك جزءاً من سياسة الدولة في ترسيخ السيطرة الرومانية على المنطقة. وكان من أبرز نتائج تلك السياسة أن ارتفعت معابد بعلبك العملاقة التي يمكن اعتبارها من عجائب العالم القديم، ولاسيما أن العمل فيها استمر زهاء نيّف وثلاثة قرون من الزمن، وتعاقب على تحقيقه وتمويله عدد كبير من أباطرة الرومان.

إحياء معابد بعلبك

جار الزمن على معابد بعلبك، وعبثت بها يد البشر وعوامل الطبيعة، وتعرضت للزلازل والتخريب والتحوير طوال القرون الوسطى والعصور الحديثة. غير أنها ظلت تستوقف الرحّالة والزوار، وتثير الإعجاب، وتغذي الأساطير. ولم تخرج هياكلها من سباتها إلاّ في العاشر من تشرين الثاني سنة 1898، حين زارها «غليوم الثاني» امبراطور ألمانية ووجّه إليها، بموافقة الدولة العثمانية، بعثة علميّة عملت على إجراء مسح علمي شامل فيها، إضافة إلى بعض أعمال الحفر والترميم. ثم قام المهندسون والآثاريون الفرنسيون بمتابعة هذه الأعمال طوال مدة الانتداب الفرنسي على لبنان، وهي أعمال ما تزال المديرية العامة للآثار اللبنانية تقوم بها منذ تاريخ نيل لبنان استقلاله حتى اليوم.

أقيمت معابد بعلبك على تل أثري، يرقى إلى أواخر الألف الثالث ق.م على الأقل. وعلى الرغم من الغموض الذي يشوب تاريخ الموقع، بسبب عدم إجراء الحفريات التي توضح تعاقب المستويات السكنية التي يتألف منها التل، فإنه يكاد يكون من المؤكد أن قمة التل أُعدت في غضون الألف الأول ق.م، لتكون مكان عبادة يتألف من حرم يتوسطه مذبح. وإذا كان من المحتمل أن تعود جذور التل الأثري إلى العصر الحجري ـ النحاسي (الكالكوليت) أو ربما إلى العصر الحجري الحديث (النيوليت)، فقد عثر تحت أرضية بهو المعبد الكبير الذي يعود إلى العصر الروماني على مستويات من بدايات الألف الثانية ق.م، تحتوي بقايا ترجع إلى ما يُعرف بعهد «الهكسوس».

غير أن المعلومات المؤكدة حول بعلبك يعود معظمها إلى العصور المتأخرة نسبياً، ففي العصر الهلنستي الذي أعقب فتوحات الاسكندر (333-64ق.م)، وبدفع من بطالمة مصر الذين ملكوا المدينة مدة من الزمن، تأثرت عبادات بعلبك بعبادة الشمس التي كانت مدينة هيليوبولس المصرية عاصمتها التاريخية، فاصطبغت آلهتها بصفات شمسية وتحول اسمها من بعلبك إلى هيليوبولس أو مدينة «الإله الشمس» على غرار مدينة هيليوبولس المصرية المشهورة منذ الألف الثالثة ق.م بكونها مركز عبادة الشمس المتمحورة حول الإله «رع». وفي أيام الملك السلوقي أنطيوخس الرابع (187-175ق.م). وعلى أثر إخفاق حملته على مصر، وبسبب تعبده للإله «زفس» (جوبيتر الروماني) على عكس سائر الملوك السلوقيين، الذين كانوا يتعبدون الإله «أبولون» تمّت أغرقة «بعل» بعلبك السامي، وكان «حدد» بعل البروق والرعود، وجرت مقابلته بـ «زفس» الإغريقي، مع الإبقاء على بعض مزاياه وخصائصه السامية. كذلك جرى آنذاك تعديل مخطط مكان العبادة بتوسيع الحرم القديم، وإنشاء دكّة عند طرفه الغربي بهدف إقامة هيكل، على الطراز الإغريقي، فوقها. بيد أن الهيكل لم يبصر النور، وما تزال بعض البنى العمائرية الضخمة وبعض المنشآت التي تم الكشف عنها تنبئ عن بعض جوانب ذلك المشروع.

بلغت بعلبك أوج عزها في أيام الامبراطورية الرومانية، إلى أن قام تيودوسيوس الكبير في نهاية القرن الميلادي الرابع، بتقسيم هذه الامبراطورية إلى قسمين، فدخلت بعلبك عند ذلك في كنف الامبراطورية البيزنطية، إلى أن فتحها العرب المسلمون عام 23هـ/634م، وبدؤوا بتحويل هياكلها الضخمة إلى قلعة، وهو الاسم الذي ما زالت تحمله حتى اليوم. وتوالى الزمن على بعلبك، فانتقلت من يد الأمويين إلى العباسيين فالطولونيين والفاطميين والأيوبيين إلى أن نهبها المغول، واستردها منهم المماليك عام 659هـ/1260م، فعرفت في أيامهم عزاً ورخاء، تشهد عليها كتابات المؤرخين والرحالة المعاصرين الذين أسهبوا في وصفها وتعداد صناعاتها وحِرفها. وبرز من رجالاتها عدد لا بأس به من العظماء، منهم كالينيكوس البعلبكي مخترع النار الإغريقية، وقسطا بن لوقا والإمام الأوزاعي.

معابد بعلبك الرومانية

قد تكون معابد بعلبك رومانية الشكل والزخرف، بيد أن من يمعن التدقيق في تصاميمها وبعض تفاصيلها لا بد له من ملاحظة الكثير من التأثيرات المحلية. ومما لا شك فيه أن تلك التأثيرات كانت ناجمة عن تدخل مباشر من قبل الكهنوت البعلبكي، العربي الأصل، في التخطيط، كي تتوافق البُنى الجديدة مع متطلبات العبادات المحلية، ولاسيما أن الرومان كانوا يحرصون على عدم استعداء السكان المحليين في المسائل الدينية. فـ «جوبيتر» الروماني لم يكن أكثر من غلاف لـ «حدد»، رب الرعود والبروق المحلي، و«فينوس» الرومانية لم تكن إلا وجهاً من أوجه الإلهة الأم السورية، وكذلك «عطارد» الذي لم يكن إلا الشكل الروماني لإله بعلبكي شاب، كان يهيمن على الزروع والقطعان التي كانت ثروة بعلبك في تلك الأيام.

بدأ العمل في بناء الهيكل الكبير في أيام الامبراطور أغسطس في الربع الأخير من القرن الأول ق.م. وكان الانتهاء منه في أواخر عهد الامبراطور «نيرون» (37-68م)، أما البهو الكبير، بأروقته وإيواناته ومذابحه وأحواضه، فقد بدأ العمل فيه وانتهى في غضون القرن الثاني الميلادي. وقد شهد القرن الثاني أيضاً، بدء العمل ببناء الهيكل الصغير المنسوب إلى الإله «باخوس». أما القرن الثالث، وفي عهد الأسرة الساويرية (193-235) على وجه التحديد، فقد شهد إقامة الرواق المقدم والبهو المسدس، ويبدو أن الأعمال الأساسية التي تناولت هذين الصرحين، وكذلك الهيكل المستدير المنسوب إلى «الزهرة» قد أُنجِزت في أواسط القرن عينه.

بيد أن جميع أعمال الزخرفة والنقش وغيرها من الترتيبات الثانوية، لم تكن قد انتهت في بدايات القرن الرابع، عندما قام الامبراطور قسطنطين الكبير بإعلان مرسوم «ميلانو» الشهير عام 313، الذي اعترف بالمسيحية ديانة مقبولة من الدولة. فتعطل العمل في معابد بعلبك، بعد مرور أكثر من ثلاثة قرون على البدء به. وما إن شارف القرن الرابع على الانتهاء حتى كان الامبراطور تيودوسيوس الكبير يعلن المسيحية ديناً رسمياً للدولة، فأغلق، من جملة ما أغلق، معابد بعلبك، ودمَّر مذابحها التي كانت تُعدُّ أقدس مقدّساتها. وأقام على أنقاضها في وسط البهو الكبير، كنيسة عظيمة، ما تزال آثار محاريبها محفورة في الدرج المؤدي إلى الهيكل الكبير.

أطلال بعلبك

يتألف مجمّع بعلبك الديني من ثلاثة صروح رئيسة هي: المعبد الكبير المنسوب إلى «جوبيتر» والمعبد الصغير المنسوب إلى «باخوس» والمعبد المستدير المنسوب إلى «الزهرة». وهناك بقايا معبد رابع كان يقوم فوق تلّة «الشيخ عبدالله» إلى الجنوب من المدينة، وكان مكرساً لإله المدينة الشاب، المشرف على الخصوبة والزرع والنبت، وقد سماه الرومان «مركوريوس» أو «عطارد»، وبقايا معبد آخر كان يقوم عند نبع رأس العين.

المعبد الكبير (معبد جوبيتر): على الرغم من نسبته إلى «جوبيتر» فقد كان المعبد الكبير موقوفاً على عبادة الثالوث البعلبكي. وكان هذا المجمع الضخم يتألف من أربعة أقسام رئيسة هي: الرواق الأمامي، يليه البهو المسدس، فالبهو الكبير فالهيكل.

يتألف الرواق من بُنية أشبه ما تكون ببوابة محصنة، أقيم على طرفيها برجان يصل بينهما رواق، يرتكز على صف من اثني عشر عموداً من الغرانيت، وأمامها درج عظيم تحيط به بُنية نصف دائرية ذات مقاعد حجرية، كانت معدة لإقامة بعض الاحتفالات التمهيديّة. وكان هذا الرواق مزيناً بالتماثيل، وفي جداره الداخلي ثلاثة أبواب، بينها أدراج لولبية يُصعد منها إلى سقف الرواق والبهو المسدس الذي يليه.

تُفضي أبواب الرواق الأمامي الثلاثة إلى البهو المسدس، وهو فناء مكشوف للشمس تحيط به ستة أروقة، ترتكز على ثلاثين عموداً من الغرانيت. وفي نهاية القرن الرابع أو بداية القرن الخامس، سُقِف البهو بقبّة نحاسية مطلية بالذهب، بعد تحويله إلى كنيسة على اسم السيدة العذراء.

أما البهو الكبير فيبلغ طوله 134 متراً وعرضه 112 متراً ويحتوي على أهم البُنى الدينية وأقدسها، وقد حلّ في غضون القرن الثاني محل المشارف التي أقيمت في الموضع عينه في العهود السابقة. ولكونه يقوم على تل اصطناعي يمثل تراكم المستويات السكنية التي تعاقبت في الموقع، فقد عمد المهندسون إلى تدعيمه مخافة أن ينهار بعض أجزائه أو ينزلق بعضها الآخر تحت وطأة الأثقال التي كان من المفترض أن يحملها. وتمثلت عملية التدعيم هذه بإقامة أقبية ضخمة لحصر جوانبه الشرقية والشمالية والجنوبية، فيما كانت دكة الهيكل تحصره من الجهة الغربية. وإضافة إلى وظيفتها هذه، كان من شأن تلك الأقبية أن تُستعمل ممرات سفلية ومستودعات وإسطبلات، فيما استُعمل ظهرها لحمل الأروقة والإيوانات المحيطة بالبهو. ويبلغ عدد هذه الإيوانات اثنا عشر إيواناً، أربعة منها على شكل نصف دائرة وثمانية على هيئة مستطيل، وجميعها مزينة بمشكاوات كانت مأهولة بالتماثيل.

وترتفع في وسط البهو الكبير بُنيتان رئيسيتان، إحداهما المذبح، وهي الأقرب إلى الهيكل، والأخرى برج ضخم لم يبق منه إلا بعض مداميكه السفلى. وهذا البرج هو أقدم أبنية البهو عهداً، إذ إنه يعود إلى النصف الأول من القرن الأول الميلادي، أي إلى المدة التي كان يجري فيها بناء الهيكل الكبير. ويبدو أنه كان منصّة عملاقة يرتقيها الحجاج لأداء بعض الفرائض أو لمشاهدة ما يجري حولهم من شعائر. ويقوم على جانبي البرج عمودان منفردان، أحدهما من الغرانيت الأحمر والآخر من الغرانيت الرمادي. ويحيط بالبرج والمذبح الذي يليه حوضان خُصصا لمياه التبريك. وقد دُمرت هذه المعالم في نهاية القرن الرابع لتقوم مكانها كنيسة الامبراطور تيودوسيوس.

يفضي الرواق المقدم، ومن ثم البهو المسدس والبهو الكبير، إلى أعتاب الهيكل الكبير، أي بعد اجتياز عدد من المراحل التي كانت تفرضها أصول العبادات القديمة. ويبلغ طول الهيكل 88 متراً وعرضه 48 متراً، وكان يقوم على دكة عظيمة يبلغ ارتفاعها 20 متراً فوق سطح المدينة المجاورة وثمانية أمتار فوق أرضية البهو، وقد بُنيت بحجارة ضخمة، من بينها ثلاثة أحجار في حائطها الغربي، وقد ذاعت شهرتها منذ القدم. ويبلغ طول الواحد من هذه الحجارة 20 متراً وعلوه 4 أمتار وسماكته 3 أمتار. ويُصعد إلى الهيكل بدرج عظيم ذي ثلاث مصاطب. وكان يحيط به رواق من أربعة وخمسين عموداً يعلوها إفريز مزخرف تزينه رؤوس الثيران والأسود.

المعبد الصغير (هيكل باخوس): بمحاذاة الهيكل الكبير يقوم هيكل آخر بُني في القرن الثاني الميلادي، ويمتاز بكونه من أفضل الهياكل الرومانية حفظاً ومن أبدعها نقشاً وزخرفة على الإطلاق. ويرتفع الهيكل على دكة يبلغ ارتفاعها خمسة أمتار ويُصعد إليه بدرج عظيم يتألف من ثلاث وثلاثين درجة.

وبعكس المعبد الكبير الذي كان موقوفاً لعبادة الثالوث البعلبكي بإقامة الشعائر العامة والعلنية، فإن الهيكل الصغير كان مخصصاً لإقامة بعض الشعائر المسارية التي لا يشترك فيها إلا المُسارون الذين تفقهوا في الأسرار. وكانت هذه الشعائر والعبادات تتمحور حول إله بعلبك الشاب الذي كان يُشرف على نمو النبات والقطعان. ولما كانت قد أُسبغت عليه من ثمّ صفات شمسية، فإن عبادته كطفل إلهي في كنف الثالوث البعلبكي قد ارتبطت ارتباطاً وثيقاً في أذهان المؤمنين بمسألة الولادة والنمو والذبول والموت مع الأمل ببلوغ حياة أخرى. وكانت هذه الشعائر تتضمن في ما تتضمن تناول بعض المخدرات، كالخمرة والأفيون، لتمكين المؤمنين من بلوغ النشوة المقدسة. وهذا ما يفسر وجود نقوش تمثل الكرمة وسنابل القمح وعناقيد العنب وجِراء الخشخاش وبعض المشاهد المستوحاة من حلقات النشوة على بوابة الهيكل وفي داخله، الأمر الذي حدا ببعضهم لأن ينسبوا هذا الهيكل إلى الإله باخوس.

وعند زاوية الهيكل الجنوبية الشرقية برج من عصر المماليك، وبُني في القرن الخامس عشر ليكون مقراً لنواب السلطنة في بعلبك، وما يزال الهيكل والبرج الملاصق له يُعرفان حتى اليوم بـ «دار السعادة». وتقوم إلى الجهة الغربية من المعبد أطلال مسجد من العصر الأيوبي يُعرف باسم «مسجد إبراهيم» كانت حامية بعلبك في تلك الفترة تجتمع فيه لإقامة الصلاة.

المعبد المستدير المنسوب إلى «فينوس» أو «الزهرة»: إلى الجنوب الشرقي من القلعة يقوم هيكل صغير مستدير لا مثيل لتصميمه في جميع أنحاء العالم الروماني على الإطلاق. وقد بُني في القرن الثالث. وكان هذا الهيكل مخصصاً لتكريم الإلهة التي تمثل مدينة بعلبك وتشفع لها أمام آلهة المدينة العظام. وهذا ما يفسر توجيه المعبد باتجاه المعبد الكبير وتحويله في العصر البيزنطي إلى كنيسة على اسم القديسة «بربارة» التي تُعتبر شفيعة المدينة، وتقول التقاليد المحلية فيها إنها ولدت واستشهدت في بعلبك. وما يزال أهالي بعلبك يطلقون اسم «البربارة» على هذا الهيكل حتى اليوم. وعلى مقربة من هذا الهيكل، بقايا هيكل آخر يرجع تاريخه إلى بدايات القرن الأول ق.م، وكان مخصصاً لعبادة «الموسات» ربّات الفنون والآداب.

آثار بعلبك الأخرى

ابتداءً من العصر الأموي، أخذ مجمع الهياكل التي ذكرنا يتحول إلى ما يُعرف اليوم باسم «القلعة». وتعود معظم التحصينات والتحويرات التي طرأت عليه إلى عصري الأيوبيّين والمماليك. كذلك أُحيطت المدينة بسور ما زالت بعض آثاره قائمة حتى اليوم. وإضافة إلى ذلك، ما زالت بعلبك وضواحيها القريبة تذخر عدداً لا بأس به من المعالم الأثرية الرومانية أو الإسلامية الأخرى.

الجامع الأموي الكبير: تشير بعض الدلائل الأثرية إلى أن هذا الجامع أقيم في موضع الساحة الرومانية العامة على أنقاض كنيسة القديس «يوحنّا» البيزنطيّة التي بُنيت في الموقع، إلى الشرق من مدخل المعبد الكبير. ويتألف من بهو مربع يحيط به رواق ويتوسطه حوض ماء، كان في ما مضى مقبّباً، كما كانت له مئذنة على شكل برج مربّع القاعدة. وتتألف قاعة صلاته من ثلاثة صفوف من الأعمدة. نُقلت مع تيجانها وبعض قواعدها من المعابد والبُنى الرومانية المجاورة. وكان حتى زمن قريب ينفرد بوجود بقايا «دكة المبلّغ» التي كانت ترتفع بين قاعة الصلاة وبهو الجامع الخارجي. أما تاريخ بنائه فيرجع إلى بدايات العهد الأموي. وتزدان جدران الجامع الخارجية بعدد لا بأس به من الكتابات العربية المنقوشة التي تعود إلى مدد زمنية متعددة، وهي تعطي فكرة عن تاريخ بعض الإضافات والإصلاحات التي طرأت على الجامع، إضافة إلى بعض المراسيم التي تنظم الحياة العامة في المدينة.

 

حسّان سلامه سركيس

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

البقاع ـ سورية ـ لبنان.


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : سياحة
المجلد: المجلد الخامس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 186
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1037
الكل : 56527664
اليوم : 35320

النباهي (علي بن عبد الله-)

النُّباهي (علي بن عبد الله ـ) (713ـ نحو792هـ/1313ـ نحو1390م)   عليّ بن عبد الله بن محمَّد بن الحسن الجُذاميُّ المالقيُّ النُّباهيُّ، يكنَّى أبا الحسن و أبا عليّ، ويُعْرَفُ بابن الحسن. أديبٌ ناثرٌ شاعرٌ مؤرِّخٌ قاضٍ فقيهٌ.

المزيد »