logo

logo

logo

logo

logo

البقاع

بقاع

Bekaa - Bekaa

البقاع

 

يعرف بسهل البِقاع، بكسر الباء. وهو إقليم جغرافي من أقاليم بلاد الشام الغربية، ومحافظة إدارية في الجمهورية اللبنانية، تتألف من أقضية بعلبك والبقاع الغربي والهرمل وراشيا وزحلة. والبقاع شريط أرضي يقع بين سلسلتي جبال لبنان الغربية في الغرب وجبال لبنان الشرقية في الشرق، يمتد مسافة 145كم على محور شمالي شرقي، جنوبي غربي مساير لمحاور الجبال، يلامس في الشمال الشرقي خط العرض 33 درجة و20 دقيقة (شمالاً)، وفي الجنوب الغربي خط العرض 34 درجة و30 دقيقة (شمالاً). ويقع بين خطي طول 35 درجة و35 دقيقة، و36 درجة و32 دقيقة (شرقاً). يبدأ في الشمال الشرقي عريضاً عند سهل حمص وينتهي في الجنوب الغربي ضيقاً عند عتبة مرجعيون.

  البقاع في تكوينه الجيولوجي جزء من وادي الانهدام السوري ـ الإفريقي الكبير الممتد مسافة 6000كم من منطقة مرعش وسهل العمق في سورية في الشمال إلى مجرى نهر الزامبيري في إفريقية في الجنوب. نشأ نتيجة الحركات البنائية (التكتونية) الانهدامية التي ضربت جبال غربي بلاد الشام في الحقب الثالث الجيولوجي. وقد أدى ذلك إلى حدوث خسف كبير على طول محور هذه الجبال نجم عنه تكوين أغوار وأودية انهدامية بين سلسلتين جبليتين عاليتين هما جبال سورية ولبنان الغربية وفلسطين ولبنان الشرقية والأردن. وأبرز هذه الأغوار هي من الشمال صوب الجنوب، سهل العمق وسهل الغاب ثم سهل البقاع فسهل الحولة وبحيرة طبرية فأغوار الأردن والبحر الأحمر ووادي عربة. ثم تتصل بخليج العقبة والبحر الميت ثم أغوار وبحيرات شرقي إفريقية. فالبقاع غور انهدامي Graben في معظم أجزائه، وبعضها عبارة عن مقعرات التوائية بين الجبال المشرفة عليه من ارتفاعات تزيد على 1500-2000م.

يقسم سهل البقاع إلى شريطين هما البقاع الشمالي والبقاع الجنوبي، تراوح ارتفاعاتهما بين 700-1000م فوق سطح البحر. تفصل بينهما عتبة بعلبك التي تعلو إلى نحو 1300-1500م فوق سطح البحر. وتؤلف هذه العتبة منطقة تقسيم المياه بين البقاعين، تنحدر عنها مياه شبكة نهر العاصي باتجاه الشمال الشرقي، وشبكة مياه نهر الليطاني باتجاه الجنوب الغربي. وللبقاع الشمالي شكل مثلث طويل رأسه في عتبة بعلبك وقاعدته قرب بحيرة حمص (قطينة)، سطحه منبسط حفر نهر العاصي مجراه فيه، كما خددت روافده هوامشه. ويتزايد عرض السهل شمالاً ليصبح نحو 18كم، كما ينخفض سطحه إلى نحو 600م فوق سطح البحر. وتنخفض أرض البقاع الجنوبي إلى ارتفاعات مختلفة تتناوب فيه الأحواض مع العلوات، يسير نهر الليطاني فيها مخترقاً أرضاً واطئة كانت بحيرة مستنقعية، تحتل بحيرة سد القرعون أخفض أجزائها. كذلك يضيق البقاع الجنوبي إلى 2-3كم وسطياً.

تغلب على تربة البقاع مجموعة الترب المنقولة بالمياه الجارية القادمة من الجبال المطلة عليه، حملتها مياه فيضانات العاصي والليطاني وروافدهما وسيولهما، ورسبتها على امتداد الأودية وعند قواعد المرتفعات، حيث تكونت مخاريط الانصباب والرسوبيات الفيضية الخصبة من الحقب الرابع الجيولوجي والعصر الحديث. وتتنوع تربة البقاع فتغلب عليها التربة الكستنائية الداكنة والفاتحة، وكذلك التربة الصفراء شبه الصحراوية التي تظهر في البقاع الشمالي حيث تقل كميات الأمطار السنوية عن 300مم.

يتصف مناخ البقاع بتأثره الواضح بالأوضاع التضريسية في إطار المناخ المتوسطي الخاص بشرق البحر المتوسط، فهو واد عريض بين جبال عالية تحجب عنه وصول المؤثرات البحرية الرطبة والملطفة للحرارة من الغرب، والمؤثرات القارية القاسية من الشرق. فنموذج المناخ متوسطي قاري يتراوح معدل حرارة الصيف فيه بين 20-27 درجة مئوية، ومتوسط حرارة الشتاء بين 7ـ15 درجة. تنخفض حدودها الدنيا إلى -3 في الشتاء وترتفع حدودها القصوى إلى أعلى من 43 درجة في صيف شمالي البقاع. أما الأمطار فتتناقص من الجنوب (500-750مم) إلى 250 -500مم في الوسط، ثم إلى أقل من 250مم في الشمال.

  يعد سهل البقاع بقسميه من الأقاليم الشامية الغنية بالثروة المائية السطحية والجوفية، على الرغم من قلة أمطاره بصورة عامة، إذ تتفجر عشرات الينابيع المنتشرة على جانبي السهل عند أقدام الجبال وفي أرضه، وهي ينابيع غزيرة تؤلف رؤوس روافد وأعالي نهري العاصي والليطاني أهم أنهار البقاع خاصة ولبنان عامة.

  يبلغ طول نهر العاصي في البقاع قرابة 50كم من أصل 571كم طول النهر بمجمله، ويؤلف مجراه الأعلى، إذ ينبع من منطقة بعلبك من ينابيع كثيرة أهمها عين العاصي (أو عين الزرقا) في منطقة الهرمل، وعيون النبي عثمان ويونين ونحلة وأحلى والعين وعين بعلبك وغيرها من ينابيع يتفجر أغلبها من أقدام جبل نحلة في سلسلة لبنان الشرقية. ويقدر متوسط غزارة هذه الينابيع بنحو 8-12م3/ثا. يستغل قسم من مياهها في ري أراضي المشاريع الزراعية في سهل البقاع الشمالي. ويجري نهر العاصي في الأراضي السورية لينتهي في البحر المتوسط عند خليج السويدية. ويتغذى نهر العاصي وينابيعه بالمياه المطرية والثلوج الذائبة المترشحة في صخور جبال لبنان الغربية والشرقية.

أما نهر الليطاني فهو أهم أنهار لبنان وأطولها (170كم)، ينبع من منطقة قب إلياس في البقاع الأوسط ويتجه جنوباً غربياً حتى منطقة مرجعيون، حيث يغادر سهل البقاع وينعطف غرباً عند خردلة ليصب في البحر المتوسط تحت اسم نهر القاسمية. ومن روافده في البقاع أنهار البردوني وشتورا وقب إلياس من جهة الغرب، وقاعور والبياضة وماسيا وشمسين وعنجر من جهة الشرق. وتغذيته شبيهة بتغذية شبكة نهر العاصي، وتقدر غزارته المتوسطة عند خردلة بنحو 23م3/ثا بتصريف سنوي متوسط قدره 730 مليون متر مكعب. وقد أقيم على النهر قبيل مغادرته البقاع سد القرعون لاستغلال المياه في مشاريع الزراعة المروية وتوليد الطاقة الكهربائية.

تتعرض مياه الليطاني لسرقتها من قبل الكيان الصهيوني، منذ احتلال جنوبي لبنان، عن طريق نفق يحمل المياه من النهر عند خردلة إلى فلسطين المحتلة. أما المياه الجوفية في سهل البقاع فتعد ثروة مهمة إضافية، يتزايد استغلالها عن طريق مئات الآبار المنتشرة في أنحاء السهل.

جذبت البيئة الطبيعية المضيافة لسهل البقاع الإنسان الذي استوطن هذا الإقليم منذ العصور الحجرية. ويقدر عدد سكانه بنحو 5ر14٪ من مجموع سكان لبنان لعام 1998 أي نحو 560 ألف نسمة، بكثافة سكانية تصل إلى 136ن/كم2 (وهي أقل من معدل الكثافة في لبنان البالغة 390ن/كم2) ينتشر السكان في البقاع على طول شريطين عمرانيين يسايران أقدام الجبال المشرفة على السهل، بكثافة عالية في البقاع الأوسط والجنوبي، ومنخفضة في البقاع الشمالي. ويعد البقاع الأوسط أكثر الأنحاء ازدحاماً بالسكان حيث توجد مدينتا زحلة (110آلاف نسمة) وبعلبك (90 ألف + 130 ألف نسمة من المهاجرين والمهجرين)، إضافة إلى انتشار التجمعات السكانية والقرى والمزارع والمتاجر على جانبي طريق دمشق ـ بيروت القاطع للسهل.

سكان البقاع عرب من أصول كنعانية، انتشروا فيه منذ 3000 سنة ق.م. رفدهم أبناء الموجات العربية المتأخرة التي حملت قبائل مختلفة في أثناء الفتح العربي الإسلامي في القرن السابع الميلادي وما بعده. كذلك حمل إليه موقعه الجغرافي ممراً مهماً بين الجبال الكثير من الأقوام الغريبة في العهود الحثية والمصرية والآشورية والفارسية واليونانية والرومانية ـ البيزنطية، انصهرت بقاياها في المجتمع المحلي، كما حصل للأقليات العرقية التي دخلت البقاع في العصور الوسطى والحديثة من أكراد وتركمان وترك وجركس وأرمن. ويتكلم السكان اللغة العربية بلهجة لبنانية محلية ويدينون بالإسلام والنصرانية على اختلاف مذاهبهما وتعددها، مع زيادة في نسبة المسلمين تصل إلى أعلى من 70٪ من مجموع السكان.

أما من الناحية الاقتصادية، فالبقاع إقليم زراعي بالدرجة الأولى، يتمتع بمقومات طبيعية متنوعة في التربة والمياه والمناخ، وبخبرات بشرية عريقة في الزراعة البعلية والمروية، إذ يصبح الري ضرورياً في الأنحاء الشمالية التي تقل فيها معدلات الأمطار السنوية عن 300مم، لوقوعها في ظل أمطار جبال لبنان الغربية الشاهقة. وتغلب الزراعات الفصلية الحقلية على زراعة الأشجار، والزراعة البعلية على الزراعة المروية، مع تزايد المساحات المروية بالمياه السطحية والجوفية سنة بعد سنة. وأهم زراعات البقاع القمح والحبوب الأخرى ثم الخضر والبقول والبصل والجزر والكرمة إضافة إلى البطاطا والشوندر السكري وغيره من مزروعات غذائية وصناعية. أما الأشجار المثمرة فهي أقل انتشاراً وتأتي أشجار التفاح والزيتون والتين والجوز في مقدمتها في واحات متفرقة حول زحلة وشتورا وبعلبك وسفوح جبل الشيخ وفي أنحاء البقاع الجنوبي في حوض الليطاني وفي البقاع الشمالي في وادي نهر العاصي حيث المشاريع الزراعية الحديثة. ويعتني السكان بتربية الغنم والماعز والبقر وحيوانات العمل والدواجن في أرجاء السهل، للاستهلاك المحلي وللسوق اللبنانية, وقد قامت صناعات محلية تعتمد المنتجات الزراعية، أهمها صناعة السكر من الشوندر السكري وصناعة المشروبات الكحولية من العنب وكذلك صناعة الألبان. وللتجارة في البقاع أهمية مرموقة وعريقة اكتسبها من كونه ممراً طبيعياً سهلاً بين سورية الوسطى في الشمال وفلسطين في الجنوب، ومعبراً بين الداخل السوري ومركزه دمشق والساحل اللبناني ومركزه بيروت. وتمر فيه طرق السيارات بين سورية ولبنان وسكة حديد حمص ـ رياق ودمشق ـ بيروت.

عانى البقاع من أحداث الحرب اللبنانية الأهلية (1975-1990) فتضررت الأعمال في قطاعات الاقتصاد التقليدية، مقابل ازدهار التجارة غير المشروعة، وكذلك زراعة نبات الحشيش وتصنيع المخدرات التي وضع لبنان حداً لزراعته وصناعته، علماً أن هذه الزراعة قديمة ترجع إلى العهد الهلنستي ـ الروماني، إذ كان سدنة معابد بعلبك وزوارها يستعملون الحشيش في طقوس العبادة الخاصة بإله الشمس.

تاريخ سهل البقاع جزء من تاريخ بلاد الشام، ويرجع تاريخ استيطانه الكثيف إلى العصر الحجري ـ النحاسي والألف الثالث ق.م وانتشار القبائل الكنعانية في أنحاء السهل، لكنه مالبث أن دخل في حوزة حكام مصر الفرعونية في الألف الثاني ق.م، وكان موقع بلدة كامد اللوز مقراً للحاكم الفرعوني في البقاع، ومنه انطلقت الحملات العسكرية المصرية في القرن الثالث عشر ق.م باتجاه الشمال لمواجهة التوسع الحثي في منطقة حمص وبحيرة (قدش = قادش) التي جرت عندها المعركة الفاصلة بين الحثيين والمصريين وتقاسم بعدها الجانبان السيطرة على سورية عام 1275ق.م. وفي أواخر الألف الثاني ومطلع الألف الأول ق.م، ظهر الآراميون[ر] (الأخلامو) في بلدان الهلال الخصيب مع انحسار للنفوذ المصري عن بلاد كنعان وعن تاخشي (البقاع الشمالي) وعمقي (البقاع الجنوبي) حينذاك. وقد قامت في المنطقة عدة ممالك آرامية منها مملكة صوبة (صوبا) في البقاع الجنوبي والأوسط وعنجر، وبيت رحوب في وادي الليطاني ومملكة بيت معكة على سفوح جبل الشيخ، وكان أشهر الملوك الآراميين في البقاع الملك هدد عزر ملك صوبة. وقد جابهت هذه الممالك وممالك آرامية أخرى بقيادة مملكة دمشق الغزو الآشوري في صراع بلغ ذروته في أواسط القرن الثامن ق.م في عهد تغلات بيلاصر الثالث (745-729ق.م)، وانتهى بسقوط سهل البقاع وبقية ممتلكات الممالك الآرامية بيد الآشوريين. وبعد القضاء على الدولة الآشورية قامت الدولة البابلية الثانية ـ الكلدانية التي زالت على يد الفرس الأخمينيين (539-332ق.م) الذين حكموا المنطقة حتى الغزو اليوناني لبلاد الشام وسقوط البقاع بيد اليونان الذين أعقبهم الحكم الهلنستي فالروماني والبيزنطي. وقد عُرف البقاع في العهود الكلاسيكية بـ «كويله سيريا» Coele  Syria أي سورية المجوفة، وبـ «هوة ميديان» وبـ «ماسياس» Massyas. وكانت مدينة بعلبك[ر] (هليوبوليس) Héliopolis   ومدينة القاع (باراديسوس) Paradesos   من أهم المراكز الإدارية والعسكرية والدينية في العهد السلوقي والروماني في البقاع، إضافة إلى سعرين (خالكيس)Chalkis  ومجدل عنجر (جرهه) Gerrha. أما السكان الأصليون في العهد الكلاسيكي فقد كانوا من القبائل العربية الإيطورية [ر.الإيطوريون]. وفي عام 14هـ/634م سار أبو عبيدة بن الجراح بعد فتح دمشق إلى البقاع وفتحه سلماً. ومنذ القرن السابع الميلادي والقبائل العربية تستوطنه. ويذكره ياقوت بقوله:" البقاع: جمع بقعة، موضع يقال له بقاع كلب قريب من دمشق، وهو أرض واسعة بين بعلبك وحمص ودمشق فيها قرى كثيرة ومياه غزيرة نميرة". وقد عانى البقاع من الغزو الصليبي وتخرب على يد المغول حتى استرده المماليك في أواسط القرن الثالث عشر الميلادي، فعاد إليه الرخاء حتى دخل في حوزة العثمانيين عام 1516.

  قسم العثمانيون السهل إلى قضائين هما: البقاع الشمالي والبقاع الغريز (الجنوبي) في إطار ولاية سورية، حتى خضعت بلاد الشام الشمالية (سورية ولبنان) للاحتلال الفرنسي الذي ضم البقاع ولبنان الشمالي ولبنان الجنوبي إلى أراضي جبل لبنان، وأقام منها دولة لبنان الكبير الذي أصبح البقاع فيه محافظة من محافظاته.

 

عادل عبد السلام

 

الموضوعات ذات الصلة:

سورية ـ لبنان.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ علي الفاعور: الهجرة تبحث عن وطن (بيروت 1993).

ـ حسن سيد أحمد أبو العينين: دراسات في جغرافية لبنان (بيروت 1968).

ـ أطلس توبنغن للشرق الأوسط (بالألمانية والإنكليزية(فيسبادن 1970-1995).

 


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : سياحة
المجلد: المجلد الخامس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 209
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 563
الكل : 29584345
اليوم : 39261

سوفرون

سوفرون (القرن الخامس ق.م)   سوفرون Sophron كاتب مسرحي إغريقي عاش في مدينة سرقسطة (سيراكوزة) Siracusa في جزيرة صقلية Sicilia ومات فيها نحو 410 ق.م، وكانت هذه المدينة آنئذ إحدى حواضر الثقافة اليونانية الغربية المزدهرة.
المزيد »