logo

logo

logo

logo

logo

بولس (الرسول-)

بولس (رسول)

Paul the Apostle - L'apôtre Paul

بولس الرسول

(10م ـ 67م)

 

القديس بولس الرسول The Apostle Paul  أحد أبرز الشخصيات الكنسية الأولى في تاريخ المسيحية، اشتهر بوصفه مكرزاً لإنجيل الله، ورسولاً ومعلماً للأمم، ولقب برسول الوثنيين. كان بولس يدعى شاول Saul قبل بدئه بالتبشير بالدعوة المسيحية بين الوثنيين ضمن حدود المملكة الرومانية (أعمال 13: 9). ظهر أولاً على مسرح التاريخ بوصفه أكبر مضطهد للكنيسة المسيحية (أعمال 22: 4). فقد سعى جاهداً لإخماد الحركة المسيحية وقمعها، فهو الذي أفتى بقتل استفانوس (زعيم الشمامسة، وأول شهيد في المسيحية) وشهده، وباستشهاده استحق استفانوس هداية شاول، فكان عام استشهاده هو عام هداية شاول سنة 34، وبموجب إرادة الله (الحدث الانقلابي الحاسم في حياته) حُسب بولس مع الرسل، علماً أنه لم يكن واحداً من الحواريين الاثني عشر الذين كانوا مع عيسى عليه السلام (أعمال 9: 6)، فصار لشدة أهميته رمزاً بارزاً في تاريخ الدعوة المسيحية وحاملاً للوائها. أسس العديد من الكنائس والأديرة التي انتشرت في آسيا وجنوب شرقي أوربة، وأسهم إسهاماً مهمّاً في اتساع الديانة المسيحية وامتدادها إلى العالم الغربي. أرسل عدداً من الرسائل الإنجيلية إلى أتباعه، وهذه الرسائل الرسمية شكلت جزءاً أساسياً من العهد الجديد (أعمال الرسل)، وهي من أقدم الكتابات المسيحية، وتكشف عن براعته اللاهوتية وفهمه الرِعاوي، ولها أهميتها في الفكر والحياة المسيحية.

تعددت آراء الباحثين حول حقيقة هذه الرسائل، فأجمعوا على صحة بعضها كرسالة رومية، وكورنثوس الأولى والثانية وغلاطية، وسلم أغلبهم بصحة بعضها الآخر (رسائله إلى فيليبي، تسالونيكي وفيلمون)، واختلفت الآراء حول رسائل أفسس، وكولوسي وتسالونيكي الثانية. ويعتقد كثير من الباحثين بأن رسائل تيموثاوس الأولى والثانية وتيطس كتبت بعد وفاته بزمن ملحوظ، أما رسالة العبرانيين فتنسب اليوم إلى كاتب آخر. تعد أعمال الرسل التي كتبها لوقا الإنجيلي، رفيق بولس، المصدر الرئيس وربما الوحيد لسيرة بولس الرسول، متضمنة حياته المبكرة، رواية اعتناقه ورحلاته التنصيرية. 

ولد شاول/بولس في طرسوس في كيليكية، في عائلة يهودية، من سبط بنيامين، وسُمّي شاول، تيمناً باسم شاول زعيم هذا السبط وأول الملوك في إسرائيل. تمتعت عائلته بحق الرعوية الرومانية، وهذا ما يفسر ازدواجية اسمه، حيث كان يستعمل اسمه اليهودي شاول (الآرامي)، مع المجتمع اليهودي (الفريسي المتزمت للناموس الموسوي)، واسمه الروماني بولس في الأوساط الهلينستية. حصل في بلده على الثقافة اليونانية، ثم أرسل في شبابه إلى أورشليم، ليتلقن اللاهوت اليهودي، فجمع في شخصيته الواحدة ثلاثة عوالم: نشأته اليهودية، ومواطنيته الطرسوسية، ورعويته الرومانية.

تعلم القراءة في الكتاب المقدس (التوراة) باللغة العبرية، واللغة اليونانية السبعينية، والآرامية المحكية في الجالية اليهودية، وتعلّم أحكام التوراة وعددها 613، فسمي «ابن الشريعة». وفي أورشليم تتلمذ بولس على يد الحاخام غمالائيل (أعمال 3: 22)، فصار رابياً أي فقيهاً في الشريعة ومعلماً لأصول الدين، ومفتي جماعته في دار هجرته، وقد تم ذلك قبل أن يباشر السيد المسيح دعوته في فلسطين، وقد آثر بولس العزوبة على الزواج ليتفرغ لمهنته رابياً في موطنه طرسوس (24 - 34م)، وكان يعيل نفسه من صناعة الخيام، المهنة التي تعلمها من والده. وفي تلك الأثناء قامت دعوة يسوع في السنوات الثلاث (27 -30م)، ثم تأسست الكنيسة في أورشليم، وعمت الدعوة النصرانية فلسطين في الأعوام (30 - 33م).

وتزعم شاول الثورة على شيعة النصارى في أورشليم، لإخماد جذوة الدعوة الجديدة، وملاحقة من أخذوا بها في أورشليم وما جاورها من الأصقاع، وحملته غيرته على نقل الاضطهاد إلى دمشق، وكانت المسيحية فيها قد تأصلت ونمت حتى أثارت مخاوف اليهود في أورشليم. فاستصدر شاول أمراً من السنهدرين (المحفل الأعلى) وحصل على تكليف لملاحقة أتباع شيعة النصارى، وإعادتهم موثقين إلى أورشليم لزجهم بالسجون (أعمال 9 :1 - 2).

أحداث الهداية والاعتناق

روايات أربع تأتي على ذكر تفاصيل ووصف حادث هداية شاول إلى المسيح على أبواب دمشق، ثلاثة منها دوَّنها لوقا في سفر أعمال الرسل (9 :1 - 19؛ 22 :1- 16؛ 26 :1- 23)، وأخرى بقلم بولس نفسه (غلا 1: 12- 18). وجميع هذه الروايات مؤتلفة متكاملة، لا تعارض فيما بينها. وتجمع على رواية نور معجز من السماء، ومشاهدة حسية ليسوع الناصري في مجد قيامته، والحوار بين يسوع وشاول بالحرف الواحد في تلك الروايات. وكان حادث العمى المعجز برهان المشاهدة الحسية والعقلية التي وقعت لشاول، فشكلت هذه التجربة الروحية حدثاً انقلابياً حاسماً في حياته (غلا 1: 15)، وحولته من شخص شديد العداء للمسيحية إلى رائدٍ للحركة المسيحية ومبشراً لها- من الكفر المطلق إلى التدين. فأضحى الإيمان بالمسيح أساس رسالة بولس التبشيرية، الذي أعلن فيها أن محبة الله تتجلى في صلب المسيح وقيامته: «الذي أحبني وأسلم نفسه من أجلي» (غلا 2: 20).

وبعد أن قضى بولس، عقب الرؤية والهداية، ثلاثة أيام في الصلاة والصوم، تلقى سر العماد وحلول الروح القدس على يد حنانيا (أعمال 9 :17) في نهر بردى بدمشق. ودعا بولس يهود دمشق واليهود الهلينيين إلى الإيمان بالمسيح، فأثارت دعوته ثائرة الكنيست (المجمع) اليهودي عليه، فتآمروا ليقتلوه، فهرَّبه التلاميذ إلى بلاد العرب (ربما بصرى الشام)، ليقضي فيها مدة عزلة دامت نحو ثلاث سنين (34  - 37م)، ويحتمي من الرومان واليهود معاً. وتعمق هناك في سر المسيح والإنجيل، وبادر من حين إلى آخر يبشر بالمسيحية، العرب الأنباط والعرب العدنانيين . فكان أول داعية للمسيح بين العرب، لكنه لم يعرف عن آثار دعوته في هذه المنطقة أي تفاصيل.

بولس الرسول في دمشق وأنطاكية

رجع بولس ثانية إلى دمشق، ليحل ضيفاً على بيت يهوذا، ولم تدم إقامته إلا بضعة أيام، إذ إنَّ اليهود تآمروا عليه من جديد ليقتلوه، ورفعوا أمره إلى الحاكم الحارث على دمشق ورشوه، فتواطأ عليه الجميع. وربط الحاكم على بولس مخارج المدينة، ولما علم بولس بمكيدتهم، ودّع الأخوة إلى بيت تطل نوافذه على خارج السور، فدلوه في سلٍّ من نافذة في السور (باب كيسان  ـ كنيسة مار بولس على السور). وتمكّن، بمساعدة المسيحيين السوريين، من الفرار إلى أورشليم سنة 40، ليزور بطرس زعيم الرسل ويعقوب كبير آل البيت. فأقام معهما خمسة عشر يوماً ثم انطلق إلى طرسوس. وتأتي أهمية هذا اللقاء من الاعتراف ببولس رسولاً إلى جانب مؤسسي الكنيسة في أورشليم (غلا 2: 2 - 9).

توجه بولس إلى أنطاكية ـ عاصمة سورية ـ تلبية لرغبة صديقه برنابا كي يساعده في دعوته هناك، فقضيا سنة كاملة فيها (سنة 42م)، أثمرت عن اعتناق عدد كبير من الأمميين، وتنظيم كنيسة في أنطاكية. وفي هذه المدينة ظهرت تسمية «مسيحي»، «فدعي التلاميذ مسيحيين في أنطاكية أولاً» (أعمال 11: 26). عاد بعدها الرسولان إلى أورشليم سنة 43، لكن مالبث بولس أن رجع إلى أنطاكية، وأقام فيها مبشراً حتى سنة 46. وكان له من العمر نحو أربعين سنة. فانطلق في رحلات تبشيرية عديدة، من أهمها ثلاث، معلناً بشارة الإنجيل في مدن كثيرة. ودام عهد الرسالات والرسائل نحو إحدى وعشرين سنة (46 - 67)، إلى أن اقتيد إلى رومة، فاستشهد فيها سنة 67، في عهد نيرون.

رحلاته التبشيرية

بدأ بولس رحلته التبشيرية الأولى في أنحاء آسيا الصغرى في سنة 45م، وكان برفقته برنابا وابن عمه يوحنا مرقس، ثم رجع إلى أورشليم مصطحبا معه برنابا وتيطس الأممي، للمداولة مع بطرس ويعقوب ويوحنا حول مسألة الختان بعد أن اشتد الخلاف، بين اليهود المتنصرين والمعتنقين من الأمم، بصدد تلك المسألة وغيرها من القواعد الطقوسية والمبادئ العقائدية للطهارة اليهودية (القربان المقدس). وتوصل الطرفان إلى وفاق يقضي بعدم مطالبة الإنجيل للأمم بالختان (مجمع أورشليم الأول ـ س 50). وهنا يكمن مبدأ بولس في التبرير بالنعمة والإيمان، والخلاص بالفداء، ويبرز أيضاً إسهام بولس الأكثر أهمية  في تشكل اللاهوت المسيحي، وإقامة دين شامل ومستقل، يحرر المسيحية من الموسوية (إلغاء الختان)، ذلك الإسهام الذي برز في صيغته الأمثل في رسالته إلى أهل رومية (2: 29).

وبدأ برحلته الثانية من أنطاكية سنة 52 يرافقه لوقا وتيموثاوس وسيلا، فمر بولس في سورية وكيليكية وفريجية وغلاطية، ودخل أوربة لأول مرة، وبدأ تبشيره في مقدونية. أُجبر بولس على التحرك إلى أثينة خوفاً من اليهود، لكن إقامته كانت قصيرة ولم يؤسس كنيسة فيها. ثم اتجه بعد ذلك إلى جنوبيّ اليونان مؤسساً كنائس في مدن مختلفة: فيلبي وتسالونيكي وبيريه، وأخيراً في كورنثوس، المدينة المشهورة آنذاك بغناها وثقافتها، حيث مكث سنة ونصف السنة منظماً الكنيسة. وعاد بعدها إلى أفسس برفقة اكيلا وبريسكلا، ثم أبحر بمفرده إلى قيصرية متوجهاً إلى أورشليم ومعرجاً في طريقه على أنطاكية. وأثناء هذه الرحلة شرع في الخدمة الكتابية للكنيسة، فكتب عدة رسائل منها الثانية إلى أهل تسالونيكي.

بدأ رحلته الثالثة سنة 54 أو 55 فطاف بالكنائس التي أسسها في فريجية وغلاطية، مثبتاً تلاميذه في الإيمان، حتى وصل إلى أفسس ـ المدينة التجارية ـ نحو عام 56. وبقي فيها سنتين كاملتين. وهناك كتب رسالته إلى أهل غلاطية (التي تستنكر حث الكنائس اليهودية للمسيحيين من الأمم على الختان واتباع أحكام الناموس). ثم توجه إلى مقدونية ليكتب رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس (التي ترمز إلى الوحدة بين الكنائس اليهودية والأممية)، والأولى إلى تيموثاوس. ثم رجع إلى أورشليم سنة 58، وهناك نقم عليه اليهود ناسبين إليه عدم المحافظة على شريعة موسى، فأدانوه ظلماً بتهمة إحضار أحد الممثلين من الأمم إلى المحفل الداخلي للهيكل ـ خلف الحاجز الذي يمنع تجاوزه ـ فاعتقل (أعمال 21 :28)، ولمّا اكتشفت مؤامرة لقتله، رُحِّل إلى قيصرية، مركز القيادة العسكرية الرومانية، حيث أبقى الحاكم فيلكس على سجنه لتجنب عداء السلطات الدينية اليهودية (أعمال 21 - 24). ثم أرسله فستوس، خليفة فيلكس، إلى قيصر رومة سنة 60 للمحاكمة (بصفته مواطناً رومانياً)، فأقام هناك في مسكن خاص تحت الإقامة الجبرية  مدة سنتين بانتظار المحكمة (وهنا تنتهي رواية أعمال الرسل 28 :12 -31). كتب بولس أثناء أسره أربع رسائل: إلى كولوسي وأفسس (وهما مثار جدل) وإلى فيليبي وفيليمون. ولمّا نال بولس الرسول حريته التامة  توجّه إلى الشرق وأسس كنيسة في كريت. وفي سنة 66 أو67 عاد إلى رومة، حيث اعتقل وحكم عليه بالإعدام بالسيف وأعدم.

استمر تأثير بولس بعد وفاته، فكتبت الرسائل إلى تيموثاوس (الثانية) وتيطس، ثم إلى العبرانيين، باسمه لتعزيز الإخلاص لتعاليمه في نهاية القرن الأول للميلاد. وجُمعت في الوقت نفسه رسائله لتكون جزءاً أساسياً من العهد الجديد، وصارت مرجعاً للكتابات المسيحية وخاصة ما يتعلق منها بفكرة الفداء الكفاري. ولاشك أن الكثير من الجمعيات المسيحية  من الشرق إلى الغرب تعتبره مؤسساً حقيقياً لها. ويتجلى تأثير بولس في القسم الغربي اللاتيني للكنيسة المسيحية في كتابات القديس أوغسطين[ر] حول المشيئة الإلهية للخلاص والخيار الحر التي اتخذت من فكرة بولس عن القضاء والقدر أساساً لها. كما يدين مصلحو القرن السادس عشر أيضاً لبولس، فقد اتخذ مارتن لوثر[ر] من مبدأ التبرير بالإيمان (لا بالأعمال)، ركيزة لهجومه على الكنيسة الكاثوليكية للعصور الوسطى، كما استمد جون كالفن[ر] من القديس بولس الرسول فكرته عن الكنيسة. وبذلك صارت التعاليم المسيحية البولسية مهيمنة على الكنيسة اللوثرية والكالفينية في البروتستنتية[ر]، بينما لم يكن لها هذا التأثير في الكنائس الأرثوذكسية الشرقية[ر].

 

سوسن بيطار  

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

الإنجيل ـ أوغسطين ـ البروتستنتية ـ العهد الجديد ـ الكنيسة ـ المسيحية.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ ميشيل يتيم، تاريخ الكنيسة الشرقية (منشورات المكتبة البولسية، ط3، بيروت 1991).

ـ أسد رستم، كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى، (ثلاثة أجزاء) (منشورات المكتبة البولسية، لبنان 1988).                       

- Idem, Paul, The Theology of the Apostle in the Light of Jewish Religious History, (1961).

- A.Schweitzer, The Mysticism of Paul the Apostle,  Sydney University Press (Canada 1956).


التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد
النوع : دين
المجلد: المجلد الخامس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 579
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1108
الكل : 40855779
اليوم : 90511

ثوابة (أسرة-)

ثوابة (أسرة ـ)   أسرة من الأدباء، أصلهم نصارى، تولى كثير من أفرادها كتابة الدواوين في القرن الثالث الهجري وفي شطر من النصف الأول من القرن الرابع،
المزيد »