logo

logo

logo

logo

logo

التجربة والتجريبية

تجربه تجريبيه

Experiment and experimentalism - Expérience et expérimentations

التجربة والتجريبية

 

التجربة Expriment مصطلح ذو معنيين اثنين، عام وخاص.

أولاً ـ المعنى العام أو الواسع

التجربة بمعناها العـام هي الخبرة الحسية Experience الناجمة عن عملية تفاعل الناس مع محيطهم الطبيعي والاجتماعي، وهي بهذا تعد الشرط الضروري لعملية المعرفة[ر] التي لا تكتمل إلا بالعقل كشرط كاف، فعملية المعرفة ليست سوى وحدة الفعل العقلي والحسي.

وفهم التجربة عـلى هذا النحو يخالف في جوهره اتجاهين اثنين في نظرية المعرفة[ر. الإبستيمولوجية]، هما:

1ـ الاتجاه العقلي: Rationalism ويؤكد أنصاره أثر العقل في عملية المعرفة، ويفصلونه عن التجربة الحسية، لاعتقادهم بأن الحواس كثيراً ما تخدع، وبأن المعرفة الآتية عن طريقها تفتقد الضرورة وصدق التعميم. ولعل دعوة الفيلسوف الفرنسي ديكارت[ر] Descartes، إلى اعتماد العقل في تحصيل الحقيقة وفقاً لمنهج شامل يقود إلى بلوغ اليقين خير مثال على ذلك.

2ـ الاتجاه التجريبي: (Experimentalism-Empiricism) ويعتمد أنصاره على الخبرة الحسية، أساساً لبناء نظرية المعرفة Epistemology من جهة، والبحث الاجتماعي من جهة أخرى:

أ ـ الاتجاه التجريبي ونظرية المعرفة: برز في العصر الحديث ثلاثة أنواع للتجريبية الإبستيمولوجيّة، هي:

ـ التجريبية المثالية: Idealism التي تحصر التجربة بالواقع الذاتي Subjective أي الأحاسيس والتصورات، نافية أن يكون الواقع الموضوعي Objective مصدراً للتجربة. ويعد الفيلسوف هيوم[ر] Hume، واحداً من أبرز ممثلي هذا الاتجاه في نظرية المعرفة، إذ يؤمن بأن مصدر معارفنا كلها هو الخبرة الحسية ووسيلتها هي الحواس. ويطلق هيوم عـلى الصورة التي يحصل عليها المرء مـن جراء رؤيته لشيء مادي اسم «الأثر الحسي»، والصورة الـتي يحتفظ بها بعد إطباق عينيه اسم «الفكرة». فالفـكرة هي الأثر الحسي ذاته بعـد زوال المؤثر الذي أحدثها، وبهذا يكون الأثر الحسي معيار صحة الفكرة.

ـ التجريبية المادية: Materialism وتعتمد التجربة بمعناها الواسع، أي الخبرة الحسية الذاتية للفرد وانفعاله بالتأثيرات الحسية لأشياء العالم المـوضوعي المحيطة بـه، فتصير هذه التجربة أساس المعرفة ومصدرها الوحيد.

ويعد الفيلسوف لوك[ر] Luck، أحد أبرز ممثلي التجريبية المادية، وهو أول من أفرد مبحثاً متكاملاً من نظرية المعرفة ضمن هذا الإطار. فقد انتقد القول بوجود أفكار فطرية في العقل تسبق الملاحظة والتجربة، حتى فكرة الله ليست، برأيه، فكرة فطرية، وإنما مكتسبة من بيئة الإنسان الاجتماعية، فالعقل صفحة بيضاء تأتي التجربة لتكتب عليه. فالحواس تزود العقل بالأفكار البسيطة، والعقل من جهته يقوم بالتأليف بينها على هيئة أفكار مركبة. وتتصف الأفكار المركبة بأنها ليست فطرية نابعة من العقل، بل من التجربة الحسية، وبهذا ينكر لوك قدرة العقل في الوصول إلى المعرفة.

ـ التجريبية المنطقية: Positive Empiricism وقد حاول أتباعها باتجاهاتها الثلاثة (النزعة الذرية المنطقية، الوضعية المنطقية، التحليل المنطقي) التأكيد أن الفلسفة عدوة العلم، وأن المعـرفة العلمية تصدر عن الخبرة الحسية الذاتية، فمعرفتي المباشرة بلون الطاولة وشكلها وصلابتها ونعومتها مرتبطة بوجودها أمامي، ومعرفتي بالزهرة مرهونة بمدى إحساسي أنا برائحتها.

وقد لمع في هذا الاتجاه الفيلسوف والمنطقي النمسوي كارناب[ر]Carnap، الذي يربط بين المُدرَك والمدرِك في عملية الإدراك الحسي، فيميز شكلين من أشكال المعرفة، المعرفة الوقائعية والمعرفة الصورية. والمعـرفة الوقائعية، هي التي نحصل عليها عن طريق العلوم الاختبارية فقط، وهـي التي تزودنا بالجـديد عن العالم، وأحكامها ذات طابع تركيبي. أما المعرفة الصورية التي تتضمنها العلوم الصورية كالمنطق والرياضيات، التي لا تتضمن أي معرفة جديدة عن العالم، وإنما تتيح لنا التغيير في صورة المعرفة دون المساس بمضمونها، أحكامها تحليلية، أو تكرارية (تحصيل حاصل)، فكل استنتاج في المحاكمة المنطقية ليس إلا تكراراً للمقدمة بصياغة لغوية أخرى

ويتابع شليك[ر] Schlik، الفيلسوف والفيزيائي النمسوي، ما أتى به كارناب مؤكداً بأن للحكم معنى فقط، في حال توافقه مع قواعد المنطق من جهة وفي حال رده إلى أحكام تجريبية عن الوقائع من جهة أخرى، وفق مبدأ التحقق Verfication الذي بموجبه تصير كل مقولة لا يمكن التحقق من صدقها أو كذبها عبر التجربة الحسية المباشرة مقولة كاذبة يجب إخراجها من دائرة البحث العلمي.

ب ـ الاتجاه التجريبي في البحث الاجتماعي: يشكل مبدأ التحقق ومبدأ الإجرائية، الذي يردّ المعرفة إلى جملة إجراءات (عمليات) يقوم بها الباحث في أثناء نشاطه العلمي، الأساس المعرفي للاتجاه التجـريبي (الامبريقي) في البحث الاجتماعي.                  

ويستخدم الاتجاه التجريبي في علم الاجتماع[ر] وسائل عديدة لدراسة المجتمع مثل الملاحظة والمقابلة والاستمارة والوثائق الشخصية، كالرسائل والسير الذاتية، إضافة إلى المعامِلات الإحصائية المختلفـة لمعالجة البيانـات[ر] التي تجمع مـن الميدان.

ثانياً ـ المعنى الخاص أو الضيق

التجربة بالمعنى الخـاص هي المنهج الذي يستخدم في عملية جمع البيانات الميدانية، وضبط العوامل الجانبية المؤثرة، وإدخال العامل المستقل إلى المجموعة التجريبية، وملاحظة تأثيره في العامل التابع من خلال المقارنة مع المجموعة الضابطة، بحيث تؤدي هذه العملية إلى التثبت من المعارف المفترضة واكتشاف معارف جديدة.

التجريب في العصور القديمة

جرّب القدماء من وقت لآخر، صلاحية آلة ابتكروها أو فكـرة آمنوا بها أو سلوك أرادوا له أن يرى النور قبل تعميمه. ففي القرن السابع قبل الميلاد، مثلاً، حاول أحد الفلاسفة من الملوك الهنود استخدام التجريب لإثبات فكرة آمن بها، وهي أن الروح التي تخرج من الجسد عند الموت لا تفنى. وفي سبيل ذلك وضع هـذا الفيلسوف لصاً في جرة فخار كبيرة وأطبق بابها بشكل محكم، ولم يترك فيها سوى ثقب صغير كي يرى من خلاله الروح الخارجة من جسد اللص. وبعد أيام مات اللص ولم ير الملك الفيلسوف روحاً تخرج من الثقب، فاضطر، على إثر هذه التجربة، لتغيير فكرته عن فناء الروح.

وفي اليونان نفذت تجارب متفرقة في مجالات مختلفة؛ فعلى سبيل المثال، جرب «لويكيب» Leukipp، أحد أتباع مذهب الذرَّة اليونانيين، أن يملأ بالماء أصيصاً مملوءاً أصلاً بالرماد، فتبين له أن هذا الأصيص قد استوعب الكمية نفسها من الماء التي يستوعبها عادة وهو خال من الماء. وكانت تجربة الرماد هذه أساساً لبرهان لويكيب على أن الذرَّات أجزاء مادية غير قابلة للتجزيء، وعلى وجود فراغات كبيرة بين الذرات.

التجريب في العصر الوسيط وإسهام العلماء العرب في العلوم

أجرى العرب تجارب أدت إلى سلسلة من الاكتشافات العلمية المهمة، كالنظام العشري وبداية الجبر والأعداد والكيمياء. فبلغت الحضارة العربية والإسلامية ذروتها، ونبغ علماء عرب كثر أمثال الحسن بن الهيثم[ر] الذي أبدع في البصريات والرياضيات والفيزياء. ويعد الحسن بن الهيثم أحد الرواد الأوائل في البحث التجريبي القائم على الملاحظة الموضوعية والاستقراء. فهو أول من شرح رؤية العين (الإبصار) شرحاً علمياً صحيحاً، كما أنه قدم نظريات رائدة في انعكاس الضوء في المرايا وتكوين الصور بوساطتها وانكسار الضوء، وفسر أيضاً ظاهرة السراب وغيرها من الظواهر الضوئية، حتى إنَّ كتابه «المناظر» الذي تُرجم إلى اللاتينية، هو الكتاب الوحيد الذي تداوله الباحثون طوال العصور الوسطى.

التجربة في العصر الحديث

 استمرت التجربة في العصر الحديث، وبرز تأثيرها في كل من العلوم الطبيعية أولاً والاجتماعية ثانياً.

أ ـ التجريب في العلوم الطبيعية: بدأ بعض علماء الطبيعية في القرن الخامس عشر بالتنظير للتجريب في العلم، واستخدامه فعلياً في أبحاثهم. يعد غاليليه[ر] Galilee، العالم الإيطالي المشهور، الأب الشرعي والمؤسس الحقيقي للتجريب في العلم، وقد أثبت تجـريبياً صحة فرضية الفلكي البولوني كوبرنيكوس[ر] Copernicus حول دوران الأرض حول الشمس، فكان بذلك أحد أهم الرواد الذين أسسوا، نظرياً وعملياً، للطريقة التجريبية في العلـوم الطبيعية التي تستخدم في أبحاثها التجربة المخبرية القائمة في جوهرها على اصطناع المكان وتجهيزه بالأثاث والأدوات الضرورية لإجراء التجربة، إضافة إلى تحييد العوامل الجانبية وضبطها، استعداداً لإدخال العامل المستقل وملاحظة تأثيره في العامل التابع.

وامتد التجريب في الوقت الراهن في ظل ثورة المعلومات والتقنيات[ر]، ليشمل العلوم الأخرى أيضاً.

ب ـ التجريب في العلوم الاجتماعية: اعتمد ممثلو العلوم الاجتماعية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين التجريب في أبحاثهم الاجتماعية. فونت[ر] Wundt، عالم النفس الألماني المشهور على سبيل المثال، هو أول من استخدم التجربة المخبرية في البحث النفسي، حين أسّس عام 1878 في مدينة ليبزيغ Leipzig الألمانية المخبر النفسي الأول في العالم، الذي يعنى بدراسة الآلية Mechanism الداخلية أو العناصر الداخلية المنعزلة للسلوك الفردي، ثم تفسير الظواهر والعمليات النفسية من جراء إحضار الأفراد إلى المخبر والتجريب عليهم.

بيد أن التجريب في علم الاجتماع أكثر تعقيداً مما هو عليه في علم النفس، إذ يصعب عزل الأفراد الذين يشكلون الظاهرة الاجتماعية وجلبهم إلى المخبر للتجريب عليهم، لأن ذلك يؤدي إلى دراسة السلوك بمعزل عن العلاقات الاجتماعية المتبادلة، لهذا لا تصح التجربة المخبرية في دراسة موضوعات علم الاجتماع مع دراستها بأنواع أخرى من التجارب تتناسب وخصوصيتها كالتجربة الحقلية، والتجربة البعدية ـ القبلية، وشبه التجربة.

ويواجه التجريب في البحث الاجتماعي المعاصر صعوبات جمة تحد من استخدامه، ويعود ذلك إلى أسباب كثيرة، تأتي في طليعتها خصوصية الواقع الاجتماعي المتغير دائماً، الأمر الذي يؤثر في أفراد التجربة الذين غالباً ما ينفعلون بالتغيرات الحاصلة في محيطهم، فيصير من الصعب تقدير أثر العامل التجريبي في التأثير في العامل التابع. إضافة إلى ذلك، يتطلب البحث التجريبي في علم الاجتماع وقتاً وإنفاقاً مالياً كبيراً قد لا يتمكن الباحث بمفرده من تغطيته إذا لم تساعده الجهات الوطنية المعنية بنتائج هذا البحث.

 

يوسف بريك

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

الاجتماع (علم ـ) ـ التقنيات ـ الفيزياء ـ المعرفة.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ عبد الرحمن بدوي، مناهج البحث العلمي، ط3 (وكالة المطبوعات، الكويت 1977).

ـ هانز ريشنباخ، نشأة الفلسفة العلمية، ترجمة فؤاد زكريا (دار الكتاب العربي، القاهرة 1968). 

ـ محمد فتحي الشنيطي، المعرفة، ط5 (دار الثقافة، القاهرة 1981).


التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 38
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1047
الكل : 58334772
اليوم : 46368

الكوبرا (الحركة الفنية)

الكوبرا (الحركة الفنية)   الكوبرا Cobra حركة فنية تأسست في مقهى فندق نوتردام café de L’Hôtel Notre- Dame بتاريخ 8 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1948، رداً على «دكتاتورية» أندريه بريتون André Breton وسيطرته المطلقة على السريالية العالمية التي أسسها، وكانت حركة كوبرا تهدف إلى نشر أفكار فنيّة جديدة، وقد ظلت طوال حياتها بعيدة عن تلقي أي دعم مؤسساتي. جاء اسم كوبرا من الحروف الأولى لثلاث عواصم أوربية شمالية؛ هي: كوبنهاغن Copenhague وبروكسل Bruxelles وأمستردام Amsterdam، وهي المدن التي تنتمي إليها مجموعة الفنانين التي أسستها. وكان أول معرض أقامته مجموعة كوبرا في عام 1949 بمتحف ستيدليك Stedelijk في أمستردام باسم «المعرض الدولي للفن التجريبي». والمعرض الثاني في عام 1951 في قصر الفنون الجميلة في مدينة لييج Liège في بلجيكا.
المزيد »