logo

logo

logo

logo

logo

التعاطف

تعاطف

Sympathizing - Sympathie

التعاطف

 

التعاطف ظاهرة نفسية واجتماعية وأخلاقية وجمالية، ويتضح مفهوم التعاطف بتحليل عناصره المقومّة أولاً. ثم تفسير ظاهرة التعاطف فلسفياً، بوجه خاص.

التعاطف مشاركة الآخرين مشاعرهم في لذاتهم وآلامهم. وقد ميز الباحثون التعاطف المباشر من غير المباشر، الأول يتجه إلى الشخص الآخر بذاته، ويمثل في انفعال عطوف، والآخر ينجم عن عاطفة تتجه، أو تنتقل، إلى موضوع أو شخص، يرتبط بإنسان متميز حبيب. الأم تتعاطف وأصدقاء ابنها الغائب، أو لدات ابنها الميت. ونحن نجلّ متاع الحبيب، ونناجي أطلال مقامه، ورفات خبائه.

للتعاطف درجات أفرد ماكس شلر[ر] Max Scheler لدراستها كتاباً شهيراً، فأعلى درجات التعاطف هي تقمص (أنا) الآخر، وأدناها أن يقتصر التعاطف على مجرد فهم انفعالي، فيعي المرء معاناة سواه من دون أن يستغرق في مشاركته مشاعره. ومن الجائز تمييز أربعة عناصر تقوِّم التعاطف: عنصر غريزي وعنصر أناني وعنصر أخلاقي وعنصر جمالي.

العنصر الغريزي في التعاطف يمثل غريزة التقليد، فتقليد موقف شخص، أو حركاته، يوّلد مشاركته انفعالاته، إذ يحمل التقليد، بصورة جزئية، إلى نفس المقِلّد جانباً من مشاعر الفزع أو الفرح أو السأم الماثلة أمامه. ولابد من الاعتراف بأن في كل تعاطف قسطاً من الأثرة أو الانكفاء على الذات. وذا كم عنصر أناني يضع المرء نفسه ذهنياً موضع من يتعاطف معه، فيحدث انصهار شخصين في شخص واحد انصهاراً لا يخلو من اهتمام الأنا.

بيد أن ثمة ما يجاوز الغريزة، ويتخطى الأثرة، فقد يتفق للمتعاطف أن ينسى نفسه تماماً، فيُسرّ لسرور الآخر، ويألم لألمه. ولكنه يدرك، على ذلك، أن بين الشعور الذي يعيشه وبين ما يشعر به ذاك الآخر فارقاً أساسياً، ففرح المرء بلذته الخاصة أمر مألوف يقع في متناوله، أما الفرح بلذة الآخر فذاك شعور أقل ذيوعاً في الناس. ولذا نجد في التعاطف عنصراً أخلاقياً به يثبت المرء انتباهه إلى مشاعر سواه، بدل استمراء موقف اللامبالاة بالآخر.

وفي التعاطف عنصر جمالي جلي، لأنه لا يحدث إلا إذا توافرت قدرة على تخيل حياة الآخر النفسية، وهي قدرة إبداع ذلك في نفوسنا، ونقله إلى ذاتنا بشاعرية حقيقية عميقة، هي عمل فني نقيمه في ذهننا لحذف الحواجز وتقمص الآخر الغريب في الظاهر، والقريب بالتعاطف.

أنكر مفكرون أصالة التعاطف، وفسره آخرون على أنه حادث كوني، أو أخلاقي أو ميتافيزيقي. فقد رأى لاروشفوكولد[ر] La Rochefoucauld أن كل تعاطف نفاق، وأن وراء ظاهرة التجرد في التعاطف أنانية واعية أو ممّوهة، تتكشف دوماً عن حب الذات، وأن جميع الفضائل تضيع في المصلحة ضياع مياه الأنهر في البحر. وذهب هوبز[ر] Hobbes إلى أن الإنسان ذئب الإنسان، فلا تعاطف، وقال سبنسر[ر] Spencer إن التعاطف أثرة لا واعية، لأنه ينحل إلى غريزة اجتماعية أولى، يمتنع لولاها تصور قيام أي مجتمع. والمجتمع يفترض نوعاً من تعاطف أولي، يغدو لا شعورياً، ويجعل العناية بالآخر حصيلة أنانية الذات.

أما القائلون بأصالة التعاطف فكُثُر:

الرواقيون[ر] يؤمنون بأن الكون جسم حي، تسكنه آلهة نشيطة يتمتع الإنسان بنفحة منها، والإله نار كونية يشارك فيها الحكيم الرواقي بتعاطف شمولي يتجلى في استقامة النية، وصدق المقصد، فيكون فاضلاً يرضى بما يكون، إن لم يكن ما يرضاه.

ويخلص آدم سميث[ر] A.Smith من تحليل العواطف بدقة، إلى أنه ميلنا الطبيعي إلى مشاركة الآخرين أفراحهم وأتراحهم، بانتقال انفعالاتهم إلى نفوسنا ومشاعرنا فتنالنا عدوى العاطفة وانفعال الهيجان. وقد جعلتنا الطبيعة متضامنين مع الآخرين، نشاركهم أحاسيسهم مشاركة تسرنا وتمكننا من إقامة أخلاق [ر] فاضلة شعارها: «لا تطلب أن تنال سوى التعاطف، ولا تفعل إلا ما يسبب رضا أقرانك واستحسان إخوانك في الإنسانية». لذا ليس بكافٍ نوال عطف صديق أو رفيق أو جماعة دون عطف الناس كافة. وإنما تتناسب جودة العمل الأخلاقي طرداً مع اتساع قبول الآخرين. وكل امرىء هو مشاهد حيادي يقدّر أفعاله تبع واجبه، بتلمس التعاطف في ضميره. والتعاطف جوهر الفضائل لأنه يربطنا بسعادة الآخرين، ويبعدنا عن أذاهم، ويمثل روح العدالة، وزبدة الإحسان وصنع الجميل.

ويرجع برغسون[ر] Bergson إلى أحضان الميتافيزيقية، ويرى أن التعاطف سبيل حدس تتخطى الذكاء المتجه إلى العمل والى العالم الخارجي، وتتصدى لبلوغ المطلق من داخل التطور الخالق، فتتحد بالحياة، وتعي ذاتها وعياً غريزياً يدرك الديمومة، ويواكب صيرورتها، فيصبح التعاطف حدساً مباشراً بما هو وحيد يتعذر الإعراب عنه، وتطابقاً متحركاً مع صميم الوجود.

 

عادل العوا

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

الأخلاق (علم ـ) ـ شلر.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ عثمان أمين، الفلسفة الرواقية (القاهرة 1945).

ـ هنري برغسون، التطور الخالق، تلخيص بديع الكسم (القاهرة).

ـ عادل العوا، المذاهب الأخلاقية (دمشق 1959).

- Max Scheler, Nature et formes de la sympathie (trad. M.Lefebvre, Paris 1950).


التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 577
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 556
الكل : 29599344
اليوم : 54260

الخسائر البحرية المشتركة

الخسائر البحرية المشتركة   العَوارُ لغة هو العيب، والعوارية هي البضاعة التي أصابها ماء البحر فنقصت بذلك قيمتها. وقد اقتبست اللغات الأوربية لفظة العوار للدلالة على الخسائر التي قد تلحق السفينة أو البضائع المشحونة عليها. والخسائر البحرية نوعان: خسائر بحرية خاصة وخسائر بحرية مشتركة. 1- الخسائر الخاصة: هي الخسائر التي يتحملها من تصيبه، ومثل هذه الخسائر الأضرار التي قد تلحق بالبضائع المشحونة بسبب عيب خاص فيها، أو قد تلحق بالسفينة بسبب خطأ الربان. 2- الخسائر المشتركة avaries communes: فهي كل ما ينتج من أضرار وهلاك أشياء ونفقات أقدم عليها الربان قصداً للمنفعة المشتركة ومجابهة لخطر تعرضت له الرحلة البحرية. وهذه الخسائر مشتركة بين مجهز السفينة والشاحنين يسهمون جميعاً في تحملها وتوزع أعبائها لما فيه من فائدة عامة عليهم.
المزيد »