logo

logo

logo

logo

logo

ألبانية(الجغرافية)

البانيه(جغرافيه)

Albania - Albanie

ألبانية

 

ألبانية Albania دولة أوربية في شبه جزيرة البلقان اسمها الرسمي جمهورية شكيبريس Republika e Shqipërisë، أي جمهورية ألبانية، أو شكيبرية اختصاراً، وهي تسمية مأخوذة من شكيبري، وتعني باللغة الألبانية (أبناء النسور)، وألبانية واحدة من الدول الصغرى في البلقان عاصمتها تيرانة، وهي الدولة الأوربية ذات الأغلبية الإسلامية التي تصل نسبتها فيها إلى 74% من سكانها البالغ عددهم أكثر من 3.286.000 نسمة (1996).

الموقع والحدود

تقع ألبانية في جنوب غربي شبه جزيرة البلقان بين خطي الطول 19 درجة و17 دقيقة، و21 درجة و3 دقائق شرق غرينتش. وبين خطي العرض 39 درجة و38 دقيقة، و42 درجة و43 دقيقة شمالاً. في موقع يشرف من الغرب على جنوبي البحر الأدرياتي [ر] وشمالي البحر الإيوني وممر أوترانتو Otranto البحري الواصل بينهما، ويفصل ألبانية عن شبه جزيرة إيطالية مسافة 73كم. وتؤلف ألبانية عقدة التقاء نهاية جبال الألب الدينارية (في شمالي ألبانية) مع بداية جبال بيندوس Pindhos اليونانية (جنوبيها). وتحد ألبانية سياسياً من الشمال والشمال الشرقي يوغسلافية (إقليم الجبل الأسود وإقليم كوسوفة)، ومن الشرق جمهورية مقدونية واليونان، ومن الجنوب اليونان ومياه البحر الإيوني. أما من الغرب فيحد ألبانية ممر أوترانتو والبحر الأدرياتي، وطول واجهتها البحرية نحو 316كم. أمـا مساحتـها فتقـدر بـ 28748كم2.

الأوضاع الجغرافية الطبيعية

1ـ التضاريس

ألبانية بلاد جبلية تحتل التضاريس الجبلية أغلب أنحائها باستثناء السهول الساحلية التي تتسع في الوسط وتضيق في الشمال، وتكاد تنعدم في الجنوب. وتحتل الجبال نحو ثلاثة أرباع ألبانية، والسهول والبحيرات الربع الرابع. ويبلغ متوسط ارتفاع البلاد 714م فوق سطح البحر، أي أعلى بمرتين من متوسط ارتفاع أوربة. لذا عرفت بسقف أوربة، أما ارتفاع جبال الألب الدينارية الداخلة في أراضيها فيبلغ نحو2590م فوق مستوى البحر.

وتؤلف جبال الألب العمود الفقري لتضاريس ألبانية المتفرعة عن جبال الألب الدينارية ومنظومتها الالتوائية، التي يرجع تكوينها إلى الحقب الجيولوجي الثاني، وقد نهضت في الحقب الثالث (قبل 50 مليون سنة تقريباً)، على امتداد محور شمالي غربي، جنوبي شرقي، وهو المحور الغالب على جبال ألبانية وتضاريسها إلا ما شذ وندر.

أـ جبال ألبانية: تتألف جبال ألبانية من أحزمة متكتلة تغلب عليها الصخور الكلسية، إضافة إلى الصخور البركانية في الوسط، وكذلك الصخر الجصي الذي يؤلف كتلة جبل كوراب Korab أعلى قمة في البلاد (2751م، وفي مصادر أخرى2764م). ومع ذلك يمكن تقسيم هذه الجبال إلى ثلاثة أقاليم تحتوي مناطق جبلية فرعية هي:

ـ جبال الألب الدينارية الألبانية: وتقع في شمالي البلاد وتعرف باسم «الألب الألبانية الشمالية»، وتمتد من الحدود الشمالية نحو الجنوب والجنوب الشرقي إلى وادي نهر دْرِن Drin (طوله في ألبانية 282كم)، وتؤلف قوساً تساير خط الحدود ومجرى الوادي. وتغلب الصخور الكلسية على الإقليم مع ظهور صخور رملية ومارنية وشيستية. وهي جبال وعرة وقاسية التضاريس تكثر فيها الأعراف والقمم الصخرية الكلسية التي ترقى إلى أعلى من 2500م (قمة يزرتسه (Jesrece  (2693) أو2560م في مصادر أخرى). وتغطي أرضها الأشكال الكارستية (تضاريس ناشئة عن تحلل الصخر الكلسي)، ولاسيما في منطقة كارسته ـ كوكاليت Karesté-Cukalit.

وجبال الألب الألبانية الشمالية غنية بالكتل المنفصلة، ومخددة بأودية عميقة تضافرت عمليات الحت الكارستي والجليديات القديمة، في رسم معالمها مما جعلها وعرة وعصية، تغطي الغابات والمروج الألبية مساحات واسعة من سطحها.

ـ الجبال الوسطى: تحتل وسط ألبانية بين وادي نهر درن في الشمال وواديي نهري دِفول Devoll وأوسوم Osum في الجنوب، والسهول الساحلية في الغرب، وحدود البلاد مع مقدونية ويوغسلافية (إقليم كوسوفة ـ قوصوه) في الشرق.

وتختلف الجبال الوسطى عن الدينارية أو الشمالية بانخفاضها النسبي العام (1200- 1500م فوق سطح البحر)، وبتنوع صخورها المؤلفة من الحجر الكلسي والحجر الرملي والصخور البركانية والجصية، وفي أقصى الشرق ترتفع كتلة جبل كوراب، وفي الوسط جبل مالي ـ ي ـ شِبنيكوت Mali I Shebenikut أو Jablanice يابلانيتسه (2259م). أما في الهوامش الغربية فتخدد الأودية النهرية المرتفعات التي تتجزأ إلى وحدات تضريسية واطئة كثيرة. تنتشر على سفوحها بساتين الفاكهة حتى بطون الأودية، وتغطي أشجار الغابة مساحات كثيرة من أنحاء هذه الجبال.

ـ جبال إيبير أو جبال ألبانية الجنوبية: وتشغل جنوبي البلاد بين واديي نهري دفول وأوسوم في الشمال والحدود الألبانية ـ اليونانية في الجنوب. وهي استمرار جبال إيبيروس وبيندوس اليونانية. وتتألف من سلاسل جبلية ذات محاور جنوبية شرقية ـ شمالية غربية تقطعها الأودية النهرية لأعالي نهر فيوزه Vijose والروافد اليسارية لنهري دفول وأوسوم، منها جبال Nimerka نيمركا (2485م)، وGriba غريبا(1617م)، وMala Kastra مالاكاسترا (1800م)، وجبال Himara هيمارا  (2045م) وغيرها. ويراوح ارتفاع قمم هذه الجبال بين 1600-2400م فوق سطح البحر. وهنا تعود الصخور الكلسية إلى الانتشار ولاسيما في جبال هيمارا وتشيكا Cika حتى ساحل البحر المعروف هنا بالريفيرا الإيونية (الألبانية)، ويعد الغطاء الغابي هنا أقل كثافة وتنوعاً بالموازنة مع جبال ألبانية الأخرى.

ب ـ السهل الساحلي: ويؤلف شريطاً من المنبسطات الواطئة (دون ارتفاع 100م فوق سطح البحر) على طول الساحل الغربي لألبانية من سافلة (المجرى الأدنى) نهر درن ومصبه في الشمال إلى المجرى الأدنى لنهر فيوزه ودلتاه في الجنوب، ويضيق السهل في الشمال وفي الجنوب، ويبلغ أقصى اتساع له في الوسط في حوض نهر شكومبيني أو شكومبين Shkumbini، حيث تتوغل الأراضي الواطئة في الجبال شرقاً. وللسهل الساحلي امتدادات نحو الشرق على هيئة أذرع مندسة في الجبال، تساير الأودية النهرية ومخارجها إلى السهل. وقد كانت بعض أجزاء السهل تتألف من مستنقعات مرزغية، ولاسيما المنخفضات الممتدة بين مصبي نهري شكومبيني وفيوزه، تم تجفيفها إبان الخمسينات والستينات من القرن العشرين، وتحولت إلى أراض زراعية خصبة، ولاسيما في الأراضي الواقعة على ارتفاع يراوح بين 2ـ50م فوق سطح البحر، مجاورة للساحل المتعرج الغني بالدلتات والمستنقعات الساحلية الصغيرة (اللاغونات Lagoons).

ج ـ الحوض البنائي الشرقي: ويعرف بحوض كورتشا Corce، وهو عبارة عن واد بنائي (تكتوني) عريض له شكل منخفض طولاني يمتد من الجنوب الشرقي، حيث يتسع ويعرض وتشغل أرضه بحيرات أكبرها بحيرة أوهريد على الحدود الألبانية ـ اليوغسلافية، باتجاه الشمال الغربي حيث يضيق ويعمق ويسلك قاعه مجرى نهر درِن الأسود.

وقد نشأ هذا الأخدود البنائي نتيجة الحركات البنائية الالتوائية التي ضربت تفرع سلاسل الجبال الألبية ـ الدينارية على امتداد الحدود الشرقية الألبانية مع انحراف نحو الشمال الغربي، كما أسهمت العمليات الكارستية (تحلل الصخور) في تعميق أرض الحوض وتوسيعها. ويغلب على أرض الحوض تعاقب أحواض يشغل أغلبها بحيرات نشأت في منخفضات من نموذج البولييه  Polja (الدارة).

وينفتح الوادي البنائي لحوض كورتشا على الغرب بفتحات جبلية وخوانق عميقة يصل عمق بعضها إلى 1000م، مثل خانق نهر درن الرئيسي الذي يؤدي إلى حوض شكودرة الانهدامي في الشمال. وكذلك وادي نهر شكومبيني العرضاني الذي يربط السهل الساحلي بالداخل الجبلي.

والغالب على تضاريس ألبانية انتشار الأشكال الكارستية، إضافة إلى الأشكال المتخلفة عن العمل الجليدي في المرتفعات العالية، وعمل المياه الجارية الحتي في الجبال. أما في المنخفضات وفي السهل الساحلي فتسود أعمال الترسيب النهري وعلى الساحل الترسيب البحري حيث تظهر المستنقعات والجبال الرملية الساحلية والدلتات الصغيرة.

2 ـ المناخ

يتأثر مناخ ألبانية بكتلة اليابسة الأوربية وكتلة مياه البحر المتوسط ونماذج المناخات السائدة فيهما وبامتداد مؤثراتها على الأرض الألبانية. وبحسب هذه المؤثرات وتوزع الضغوط الجوية، وتأثير العروض الجغرافية والتضاريس والارتفاعات ومحاور الجبال والأودية تتصف عناصر مناخ ألبانية بالصفات المميزة لمناخ البحر المتوسط ذي الصيف الجاف والحار والشتاء الممطر والمعتدل والبارد في الجبال. فمع هبوب الرياح القارية القادمة من أعماق اليابسة الأوربية ترتفع درجات الحرارة وتنخفض إلى حدود متطرفة، وتصبح معتدلة مقبولة بوصول المؤثرات البحرية الملطفة للحرارة. كذلك تتأثر الأوضاع المناخية بوصول رياح قادمة من شمالي إفريقية، وهي جافة مدارية المصدر، لكن مرورها على البحر المتوسط يزودها ببخار الماء فتصل إلى ألبانية الغربية مشبعة بالرطوبة.

تتباين درجات الحرارة بين الصيف والشتاء والسهل والجبل والجنوب والشمال. فعدد ساعات التشمس السنوية في الجنوب هو أكثر من 2700 ساعة، وفي الشمال نحو 2000 ساعة. وبالتالي فإن درجات الحرارة تنخفض باتجاه الشمال، وكذلك باتجاه الشرق الجبلي أيضاً على العموم.

ويراوح متوسط حرارة كانون الثاني بين 9 و10 درجات، ومتوسط حرارة تموز بين 24 و27 درجة في جنوبي البلاد، أما متوسطات وسط البلاد مثل تيرانة فتراوح بين 6.7 درجات و23.8 درجة، وفي شمالي البلاد تراوح بين 0.5 و22 درجة في الشهرين المذكورين. وتصل درجات الحرارة المطلقة القصوى في الصيف إلى حدود 44 درجة في السهل الساحلي، والحرارة المطلقة الدنيا في الشتاء إلى -25 درجة في الجبال، حيث تكون حرارة الصيف معتدلة والجو لطيفاً.

أما أمطار ألبانية فأغلبها شتوي ويقدر معدلها السنوي بنحو 1400مم، يهطل 70% منها في الشتاء مع وصول المنخفضات الجوية. ويمتد فصل الأمطار من أواخر الخريف حتى مطلع فصل الربيع، وتكون أمطار الشمال وجباله عالية تقرب معدلاتها من 2000مم، تنخفض إلى 1000مم على السهل الساحلي وإلى أقل من ذلك في الجنوب. وتسقط كميات كبيرة من الثلوج على البلاد ولاسيما في المرتفعات الشمالية منها.

وتهب على البلاد رياح محلية هي رياح البورا والسيروكو ونموذج من رياح المسترال.

3 ـ المياه

تعد ألبانية من البلدان الغنية بالمياه العذبة المحتجزة في بحيراتها والجارية في أنهارها. ففيها عشرات البحيرات الصغيرة من أصل جليدي أو كارستي أو بنائي، وأربع بحيرات كبرى هي أوهريد، وبريسبا الكبرى وبريسبا الصغرى وشكودرة. أكبرها بحيرة أوهريد ومساحتها 365كم2 وحجم مياهها 50مليار م3، كما تضم ألبانية خمس بحيرات اصطناعية مجموع مساحاتها 1230كم.2

 

 

كذلك تقطع البلاد شبكة كثيفة من الأودية المائية تجري فيها الأنهار الدائمة والسيول الفصلية. وتتصف شبكات الأنهار والسيول بمسايرتها لمحاور الجبال والتضاريس فيجري أغلبها نحو الشمال الغربي حتى تجد لها منفذاً بين السلاسل لتتجه غرباً إلى السهل الساحلي والبحر الأدرياتي، وتنتهي فيه، باستثناء نهر فيرموشه (ليم) في الشمال الذي ينتهي في نهر الدانوب. وأهم أنهار ألبانية  الدائمة الجريان أنهار درن وبونا ومات وشكومبيني وسيمان وفيوزه. وتنبع أنهار ألبانية من جبالها وبعضها من جبال يوغسلافية وتندفع مياهها بسرعة إلى الأدرياتي حاملة معها الماء والطمي والخصب للسهل، كما يستفاد منها في توليد الطاقة الكهربائية وفي الري. إن أغلب المجاري المائية الأخرى صغيرة وسيلية النظام تجف مياه أكثرها في فصل الصيف، لكنها تمتلئ بالمياه الهادرة في الشتاء، وتسيل في أودية عميقة وضيقة وقصيرة ما عدا نهر شكومبيني ذا الوادي العريض.

4 ـ النبيت والوحيش

تغطي الغابات والنباتات الطبيعية نحو 72% من مساحة ألبانية منها قرابة 42% غابات تزداد مساحاتها من جراء عمليات التحريج الاصطناعي، وهي بذلك ثالث دولة أوربية من حيث مساحة غاباتها، وذلك مع القطع الجائر لغابات البقاع المنخفضة التي يسهل الوصول إليها، حيث تعد الأخشاب مصدر ثروة طبيعية، والمروج مراع لتربية الماعز والضأن والبقر. ويقدر عدد الأنواع النباتية في ألبانية بنحو 3200 نوع، أكثرها انتشاراً في الغابة أشجار البلوط والشربين والصنوبر، وأنواع شجيرات الماكي Maquis=Macchia، وهي أحراج البحر المتوسط الشجيرية. أما الغطاء العشبي فغني بالأنواع النباتية ويزدهر في المروج الألبية الواقعة بعد حدود الغابات باتجاه الأعالي، وعلى العموم  فإن نبيت ألبانية هو خليط من أنواع متوسطية وأوربية وسطى.

تعيش في ألبانية أنواع كثيرة من الحيوانات المختلفة مثل بنات آوى والذئاب والثعالب والخنازير البرية والدببة وماعز الجبال وهو من نوع الشاموا. وكذلك أنواع كثيرة من الطيور المستوطنة والمهاجرة العابرة، ولاسيما في الأجزاء الساحلية التي تجتذب إليها أسراب الطيور المهاجرة. وقد عانت الثروة الحيوانية الطبيعية في ألبانية الصيد الجائر، لكن قرارات منعه وتنظيمه أعاد إليها الحياة تدريجياً. وتمتلك ألبانية ثروة سمكية بحرية ونهرية وبحيرية متنوعة.

الأوضاع البشرية ـ السكانية

1ـ السكان: كان عدد سكان ألبانية عند استقلالها عام 1912 نحو 800.00 نسمة، وأصبح 3.414.000 نسمة عام 1994، بكثافة سكانية تبلغ 119 نسمة/كم2. نسبة الذكور منهم 51.4% والإناث 48.6%. ويقدر متوسط العمر بـ 72 سنة (69 للذكور و75 للإناث). وتبلغ نسبة وفيات الرضع 3.4%، ووفيات الأطفال 4.1% سنوياً. أما نسبة النمو السكاني فتقدر بـ 1.6% للمدة الواقعة بين 1985- 1995، إذ بلغت الولادات 2.2% والوفيات 0.6% سنوياً.

يتألف سكان ألبانية من غالبية ألبانية الأصل (98%) من السكان، وأقليات من اليونان (58.758 نسمة ـ وبحسب المصادر اليونانية نحو 150.000 يوناني لعام 1995)، يعيشون في أقصى الجنوب قرب الحدود مع اليونان، ثم من المقدونيين (نحو 5000 نسمة) وغيرهم. وتعيش أعداد كبيرة من الألبانيين خارج ألبانية، إذ يوجد أكثر من 450.000 ألباني في دول أوربية، مثل إيطالية واليونان وألمانية، وقليل منهم في بعض البلاد العربية وفي الولايات المتحدة الأمريكية. ويقسم الألبان إلى مجموعتين لغويتين رئيسيتين أولاهما تتكلم لهجة الغيغ Gheg في الشمال، والثانية تتكلم لهجة التوسك Tosk في الجنوب، والفاصل بينهما هو وادي نهر شكومبيني. وقد أدت العوائق الطبيعية الجبلية ولاسيما أودية الأنهار العميقة فيها إلى تنوع المجموعات البشرية وانقسام المجموعتين الرئيسيتين إلى قبائل وفئات يقدر عددها بنحو خمس فئات ذات عادات وتقاليد وأزياء مختلفة.

ينحدر الألبان عامة من الإليريين القدماء وهم فرع من المتكلمين باللغات الهندية ـ الأوربية، من السكان القدماء الأصليين لألبانية وهوامشها وجوارها. ويتكلم السكان اللغة الألبانية ذات الأصل الإليري، التي دخلتها مؤثرات لغوية مختلفة من بينها المؤثرات العربية التي حملتها اللغة التركية (العثمانية) والديانة الإسلامية إليها. وتتكلم الأقليات لغاتها إلى جانب اللغة الألبانية. ويدين غالبية الألبان بالإسلام الذي نشره العثمانيون في أثناء حكمهم البلاد منذ أواخر القرن الرابع عشر الميلادي. وتقدر المصادر المختلفة نسبة المسلمين في ألبانية بأكثر من 70% ونحو 20% من المسيحيين الأرثوذكس ونحو 10% من الكاثوليك. وهناك مصادر ترفع نسبة المسلمين إلى 74%، منهم قرابة 12% من أتباع الطريقة الصوفية البكتاشية ذات الماضي النضالي المجيد في مقاومة الغزاة وتحرير البلاد من الإيطاليين عام 1941. وكان النظام الشيوعي قد ألغى عام 1967 اعترافه بالمؤسسات الدينية، مما أدى إلى اضطراب الإحصائيات الخاصة بها.

يعيش أغلب الألبان في القرى والمزارع الريفية والتعاونيات الزراعية التي انتشرت في البلاد في أثناء العهد الشيوعي، لكن نسبة الريفيين أخذت بالتراجع منذ عام 1945 مع ازدياد التوجه نحو القطاع الصناعي والخدمات، وأصبحت النسبة 63% من السكان مقابل ارتفاع نسبة السكان الحضريين إلى 37% لعام 1995، بعدما كانت هذه النسب 84.6% للريفيين و15.4% لسكان المدن عام 1938. ومن أهم مدن ألبانية، مدينة تيرانة [ر] العاصمة، ثم مدن دورس Durres (نحو 90.000 نسمة)، وهي الميناء الرئيسي للبلاد، أصلها مستعمرة يونانية تأسست عام 627ق.م. وتشتهر بمعالمها الأثرية (قلعة ومدرج) وبصناعاتها الآلية والتحويلية والغذائية، إضافة إلى وجود أكبر المصحات الساحلية على الأدرياتي جنوبيها. ثم مدينة إلباسان Elbasan (نحو 85.000 نسمة) التي أنشأها العثمانيون، وهي مركز صناعي فيها صناعات الحديد وتكرير النفط والإسمنت والمواد الغذائية وغيرها. ثم مدينة شكودرة Shkoder ويبلغ عدد سكانها نحو 84.00 نسمة وهي عاصمة الشمال، وكانت مركز نشر الديانة المسيحية، وهي مركز ثقافي وصناعي. ومدينة فلورة Vlore (فالونة Valona) التي تأسست في القرن الثاني للميلاد، وهي ميناء مهم لتصدير النفط، وفيها صناعات مختلفة، ويستخرج القار (الإسفلت) قربها.

وفي البلاد مدن أقل أهمية منها مدن: كورتشا، وبوغرادتش، وبيرات (بيراتي)، وجيروكاسترا، وساراندا وفيري، ولوشنية، وكافاية وغيرها.

ترتفع كثافات السكان حول العاصمة تيرانة وباقي مدن البلاد الآخذة بالتوسع والنمو، كما ترتفع في الأودية العريضة ومخارجها إلى السهل الساحلي. وكانت كثافات سكان الشريط الساحلي وأجزاء من السهل قليلة لانتشار المستنقعات، لكنها وبعد عمليات التجفيف واستصلاح الأراضي في خمسينات القرن العشرين وستيناته، بدأت كثافات السكان فيها بالارتفاع.

الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية

تمتلك ألبانية ثروات باطنية متنوعة مثل الحديد والنيكل والبوكسيت والمنغنيز والزنك والفحم الحجري والكروم وهو من نوعية جيدة والنحاس والإسفلت، وكذلك النفط والغاز الطبيعي قرب مدينة ستالين (كوتشوفا) والمياه المعدنية. وفي ألبانية موارد طبيعية أخرى مثل المياه الوفيرة والأحوال المناخية الجيدة والغابات والمروج، ومع ذلك تصنف ألبانية بين أفقر دول أوربة )دخل الفرد السنوي 360 دولاراً مقابل 25580 لألمانية و2650 لروسية(، وذلك نتيجة التطور الاقتصادي الضعيف، الذي كان يعتمد على الدعم السوفييتي والصيني قبل عام 1991 وانهيار الشيوعية في البلاد، ونتيجة لقرون طويلة من الفقر والجهل والمرض عانتها ألبانية في زمن الحكم العثماني والعهود الإقطاعية حتى تحرر البلاد من الاحتلال الأجنبي عام 1944. إذ سارت ألبانية بعد ذلك على نظام اقتصاد يعتمد الخطط الخمسية والتحول الاشتراكي مما أدى إلى تنمية قطاعات الاقتصاد والمجتمع، على الرغم من الاستغلال والنهب الجائرين للثروات والموارد الطبيعية الألبانية من قبل محتليها الإيطاليين بين عامي 1939- 1944.

الزراعة وتربية الحيوانات: وصل إسهام القطاع الزراعي في الناتج الإجمالي الوطني (القومي) إلى 56%، ونسبة العاملين فيه نحو 50% من العاملين في عام 1994، الأمر الذي يعكس أهمية هذا القطاع في اقتصاد ألبانية، وتقدر نسبة إسهام القطاع الخاص في الزراعة بنحو 50%  للعام المذكور، وذلك بعد زوال النظام الشيوعي ـ الاشتراكي الذي كان عمل القطاع الخاص فيه مقتصراً على إنتاج الحديقة المنزلية. وقد مرت الزراعة بمراحل من النمو والتطور اتصفت بالتخلف حتى الحرب العالمية الثانية، ثم بالتوسع والنمو واستصلاح الأراضي وتجفيف المستنقعات وانتشار زراعة المدرجات على السفوح الجبلية وتحريج المرتفعات الجرداء منذ عام 1946، وخاصة بعد عام 1955 وتطبيق نظام التعاونيات الزراعية الذي اكتمل عام 1970، فازداد الإنتاج وتحسنت النوعية في كل من الزراعات الغذائية وتربية الحيوانات، ودخلت بعض المنتجات مثل الفواكه مجال التصدير. ومع الاضطراب الذي عاناه الاقتصاد الألباني في أثناء السنوات 1994- 1997 فإنه ماض في التحسن والنمو، مع ازدياد واضح لإسهام القطاع الخاص في الاقتصاد.

تتنوع موارد الزراعة وتربية الحيوانات تنوَّعَ البيئات الطبيعية، ففي السهول والأودية الواسعة ومدرجات الجبال تقوم زراعة الحبوب مثل القمح والذرة الصفراء وغيرهما، وكذلك الفاكهة وبعض المحاصيل الصناعية كالقطن والتبغ وعباد الشمس، أما في الجبال والسفوح فيسود اقتصاد الغابات من حيث استثمار أشجارها أخشاباً ومن حيث إعادة تحريج البقاع الجرداء التي عانت القطع الجائر، كذلك تمارس تربية الضأن والماعز مع ازدياد الاهتمام بالأبقار في المروج الألبية، وفي المزارع التعاونية.

وقد تمكنت ألبانية من بلوغ مرحلة الاكتفاء الذاتي في كثير من المواد الأولية الزراعية الغذائية والصناعية، وبلغت مرحلة التصدير في عدد منها مثل القطن والتبغ والخضراوات والفواكه.

الصناعة: كانت الصناعة متخلفة جداً وتقليدية يدوية حرفية، زادها الاستغلال الإيطالي فقراً منذ عام 1930 بعد خضوعها لسيطرة الرأسمال الأجنبي، وخاصة بعد احتلال إيطالية للبلاد عام 1939، ولم يكن إسهام قطاع الصناعة في الدخل القومي الإجمالي يزيد على 4.4%.

بدأ الاهتمام بالصناعة بعد الحرب العالمية الثانية مع تطبيق الخطط الخمسية التي هدفت الخطة الأولى منها (1951- 1955) إلى تحويل البلاد من بلد زراعي متخلف إلى بلد زراعي ـ صناعي. فنفذت فيه 150 مشروعاً صناعياً حديثاً، وتتابع النمو والتطور بمساعدة الاتحاد السوفييتي (سابقاً)، والصين الشعبية التي قامت بدور كبير في توسع صناعات النحاس والكروم والحديد والنيكل والآلات. وقد رافق ذلك ازدياد في إنتاج الطاقة وكهربة البلاد وإنارة جميع القرى والمدن الألبانية بإقامة محطات توليد كهرمائية على الأنهار، أكبرها محطة فيري (400.000 كيلواط) ومحطة فا إي ديسVa-I-Dejes  (200.000 كيلواط) ومحطات أخرى أصغر. ويزيد إنتاج الكهرباء على خمسة مليارات ك.و.س. منها 86% من مصادر مائية. ومن أشهر صناعاتها، استخراج الحديد والنيكل والنحاس والكروم وتصنيعه والصناعات الميكانيكية والجرارات والسفن والأدوات الزراعية والمحركات، كما تطورت فيها الصناعة الكيمياوية ومواد البناء والخشب والورق والنسيج واللدائن والمواد الغذائية وغيرها. وتتوزع المراكز الصناعية في مناطق شكودرة وستالين وفلورة وماليك وكافايه وسيريك وكوكسي وغيرها، وتتصف بانعدام المركزية الصناعية. وتقدر نسبة إسهام الصناعة في الدخل القومي الإجمالي بـ 22%، ونسبة العاملين فيها بنسبة 30% لعام 1994.

التجارة: كانت ألبانية بلداً مستورداً لأغلب السلع حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ دخلت الصادرات بعدها قائمة التعامل التجاري، وأخذت البلاد تصدر كميات من المواد الخام المعدنية والإنتاج الصناعي وإنتاجها من الكهرباء. وتتعامل اليوم مع نحو خمسين دولة، وتقدر قيمة صادراتها لعام 1995 بـ 188 مليون دولار أمريكي، وتشتمل على السلع المختلفة والمنسوجات والأحذية والمنتجات النفطية المصنعة والخام والمواد الغذائية والمشروبات والتبغ والمصنوعات المعدنية والبنائية والأخشاب والورق والجلود والآلات وتجهيزاتها والمنتجات الكيمياوية المختلفة. وأهم الدول المستوردة للسلع الألبانية هي إيطالية وبلجيكة واليونان وسلوفينية ومقدونية وألمانية وغيرها.

أما واردات ألبانية فقد وصلت قيمتها إلى 670 مليون دولار عام 1995، وتشتمل على المواد الغذائية والمشروبات والتبغ والآلات وتجهيزاتها والمنسوجات والأحذية ومشتقات النفط والمنتجات الكيمياوية والورق والجلود وغيرها. وتستوردها من إيطالية واليونان ومقدونية وبلغارية وألمانية وتركية وغيرها. فالتجارة الألبانية متواضعة وخاسرة زادتها أحداث ما بعد الشيوعية (1991-1997) اضطراباً.

تمتلك ألبانية شبكة مواصلات برية وسكك حديدية تربط العاصمة بمدن البلاد وبلداتها وبمناطقها الاقتصادية المختلفة، وهي قليلة الكثافة في البقاع الجبلية وشمالي البلاد. وتتبع طرق السيارات وغيرها محاور التضاريس، فترسم شبكة سُلَّمية مكونة من طريقين طولانيتين تصل بينهما طرق عرضانية رابطة.

أما السكك الحديدية فقد دخلت البلاد عام 1948، وتربط تيرانة بالمناطق الصناعية في الشمال والجنوب مع فرع نحو الشرق. وأمّا المواصلات الجوية فتتركز في مطار العاصمة (مطار ريناس) ذي النشاط المحدود. ويستقبل ميناء دورس السفن المحلية والأجنبية، وتمر فيه قرابة أربعة أخماس حمولاتها، وفي البلاد موانئ أخرى أقل أهمية مثل فلورة وساراندا وشنغ ين.

عادل عبد السلام

 

 

التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : سياحة
المجلد: المجلد الثالث
رقم الصفحة ضمن المجلد : 191
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1085
الكل : 40489844
اليوم : 19659

التكيف النفسي

التكيف النفسي   التكيف ajustment adaptation عملية دينامية مستمرة، يهدف بها الفرد إلى أن يغير سلوكه، ليحدث علاقة أكثر توافقاً وتوازناً مع البيئة، كما تدل على مفهوم بيولوجي استخدم في نظرية التطور والبقاء، فالكائن الحي القادر على التكيف مع البيئة، ومفاجآتها يستطيع الاستمرار في البقاء، أما الذي يخفق في التكيف فمصيره إلى الزوال، وتشمل البيئة كل المؤثرات والإمكانات والقوى المحيطة بالإنسان التي يمكن أن تؤثر في جهوده للحصول على التوازن النفسي والبدني في معيشته. مجالات التكيف تتداخل مجالات التكيف، ويمكن تقسيمها إلى الفئات الآتية: ـ التكيف البيولوجي: ويقوم على تكامل الأعضاء الفيزيولوجية وأدائها الوظيفي لدى الكائن الحي، ضمن ما يطلق عليه عتبة التكيف الحسي. ـ التكيف الإيكولوجي: وهو تعايش الشخص مع شروط البيئة وتعامله معها بسلوك مناسب من المقاومة والتقبل. ـ التكيف الثقافي الاجتماعي: ويتعلق بطبيعة التنظيم الاجتماعي والثقافي وعلاقات أفراده وجماعاته. ـ التكيف النفسي المعرفي: ويتم عن طريق الإدراك والتفكير والقيام بعمل معرفي، ويؤدي إلى التكامل بين العمل البنيوي والوظيفي. ـ التكيف النفسي الانفعالي: ويشمل كل نشاط يتعلق بغدد الإنسان الداخلية وعواطفه وانفعالاته. ـ التكيف الفلسفي الأخلاقي ـ الروحي: ويعني تصرف الإنسان وفق فلسفات خاصة تعلمها في بيئته، وتجعله يفسر الظواهر والأشياء والمواقف وفق معتقداته الفلسفية والأخلاقية والروحية. هذا ويصعب الفصل بين هذه المجالات في الحياة الفعلية. مكونات التكيف اهتم بياجيه Piaget بالتكيف والتنظيم العقلي عند الأطفال، واستخدم منهجاً شبه عيادي في البحث، استقى فيه معلوماته من الملاحظات عن النمو العقلي لدى الأطفال من حيث المحتوى والبنية والوظيفة، وفسر النمو من خلال عمليتي التنظيم والتكيف، فالتنظيم له مستويان: بيولوجي وسيكولوجي، ويعبر المستوى البيولوجي للتنظيم عن الأفعال المنعكسة، في حين يعبر المستوى السيكولوجي عن تطوير البنية البيولوجية أو تعديلها نتيجة الاحتكاك والتفاعل مع البيئة. ويتحقق التكيف لديه من خلال عمليتي التمثل assimilation والمطابقـة accommodation، ويتم التمثل من الخارج إلى الداخل، ضمن سلسلة من الخطط مثلما يتمثل الطفل الطعام والخبرات الجديدة. وفي الطفولة المبكرة (2-5) سنوات يركز الطفل على نفسه، ولذلك يقوم بفاعلية التمثل أكثر من المطابقة مستخدماً الكلمات والرموز، ويبني الخطط التمثلية في ألعابه الإيهامية ويحورها حتى تصبح مقبولة لوجهة نظره، وتتزايد خطط المطابقة في الطفولة المتأخرة (6-12) سنة، إذ تختفي الألعاب الإيهامية التمثيلية وتظهر فيها أشكال المطابقة مع البيئة الاجتماعية وبعدها تعود فعالية التمثل إلى السيطرة، في المراهقة (13-18)، وفي آخرها يتوازن التكيف بالتمثل مع التكيف بالمطابقة، إذ يعدل الخطط نتيجة تمثل الخبرات الجديدة داخل البنية. وتظهر فعالية المطابقة في الاستكشاف والاستطلاع والتعلم بالمحاولة والخطأ، إذ يقوم الإنسان بتوليفات للخطط، ويستمر بالتجارب والبحث عن معلومات إلى أن يصل إلى خطط جديدة ناجحة، ومن خلال تفاعل عمليتي التمثل والمطابقة، يتمثل الطفل خبرات جديدة أو يكيف خططه عن طريق توسيعها أو مزجها، حتى يتمكن من مواجهة المواقف الجديدة، وبذلك تكون خططه مرنة للغاية، لكنها تظل محتفظة بطابعها ككليات منظمة، يسميها بياجيه الخطط، وبها يواجه الأحداث، ومتغيرات البيئة، أو كلما وسع الإنسان من نطاق عمله وأدائه. التكيف الناجح والتكيف المخفق (التكيف الإيجابي والتكيف السلبي) ليست كل المحاولات التي يقوم بها الفرد في سبيل التكيف ناجحة دوماً، وتختلف درجة النجاح من موقف لآخر بحسب ظروف المواقف، وتوافر الوسائل الملائمة، فإن كانت الاستجابات التي يقوم بها الفرد موصلة للهدف من دون أن يترتب عليها خسارة له أو للمجتمع، يوصف التكيف بأنه ناجح. أما التكيف غير الناجح فهو التكيف الذي لا يوصل إلى الهدف، فالفرد الذي يعيش في بيئة باردة وينتقل إلى منطقة حارة يتخذ عدداً من التدابير لحماية عضويته من التغير في البيئة الطبيعية، فإذا نجحت تلك التدابير يوصف بأنه تكيف ناجح، وإن أخفقت يوصف بأن تكيفه غير ناجح أو مخفق. العوامل الأساسية في التكيف 1ـ العوامل الجسدية: قد يحدث سوء التكيف بسبب الشروط الفيزيولوجية في بناء الجسم، وإن عدم إشباع الحاجات العضوية الأساسية يجعل صاحبها عرضة للاضطراب والتوتر وعدم التوازن. 2ـ العوامل النفسية: يتأثر التكيف بخبرات الطفولة والحاجات الأساسية المشتقة والقدرات العقلية وموقف الإنسان من نفسه: آ ـ خبرات الطفولة: تتكون قدرات الفرد وخصائص شخصيته وأنماط سلوكه في مرحلة الطفولة المبكرة، أي في السنوات الخمس الأولى من العمر التي تنتقل آثارها إلى المراحل التالية من عمر الإنسان، وتكوّن الهيكل الأساسي لبنية شخصيته، وفيها تتكون العقد النفسية والعصابات والمخاوف المرضية وما يترتب عليها من جنوح الأحداث والتخلف المدرسي، في المراحل اللاحقة من العمر. ب ـ الحاجات المشتقة: ويُقصد بها الحاجات التي تنشأ بنتيجة التعلم، وتكون في خدمة الحاجات الأساسية. وقد رتب ماسلو Maslow  الحاجات بحسب أهميتها مبتدئاً بالحاجات الأساسية: كالحاجة إلى الطعام والشراب (الفيزيولوجية) الحاجة إلى الأمن والحاجة إلى الحب والانتماء والتفاعل والحاجة إلى المكانة والتقدير واحترام الذات والحاجة إلى تحقيق الذات والحاجات الجمالية. ج ـ القدرات العقلية الخاصة: قد يعاني الأفراد الذين تكون قدرتهم الذكائية منخفضة من سوء التكيف، فيصابون بالإحباط والخيبة، وقد يعاني المتفوقون من التلاميذ حالات الملل والضيق بسبب ارتفاع قدراتهم عن مستوى غالبية الزملاء، لذلك دعت التربية الحديثة إلى التعلم الفردي أو الذاتي داخل المدرسة وخارجها حتى يتعلم كل تلميذ وفق سرعته الذاتية في التعلم، ووفق حاجاته ونجاحه في التعلم. د ـ موقف الإنسان من نفسه: إن معرفة الإنسان لنفسه، وما يمتلك من إمكانات، ورضى الإنسان عن نفسه، يمكّنه من أن يرسم مستويات طموح واقعية خاصة به تتناسب وإمكاناته، إذ إن الكثير من متاعب الأفراد تنجم عن تطلعهم إلى أعمال تفوق إمكاناتهم، أي إن مستويات الطموح لديهم لا تمكنهم من الوصول إليها. لذلك يتغير مستوى طموح الفرد في حياته من خلال سلسلة النجاح والإخفاق التي يجدها في تعلمه وفي حياته اليومية. 3ـ العوامل الاجتماعية: إن انتماء الفرد إلى فئة اجتماعية أو جماعة يدفعه إلى الأخذ بالمظاهر السلوكية الغالبة في تلك الفئة أو الجماعة والتقيد بقيمها، وقد يكون ذلك عاملاً من عوامل سوء التكيف وتسهم الأوقات التاريخية العصيبة التي تمر بها الجماعة، والتي يرافقها اضطراب وفوضى وقلق وانعدام للأمن في شذوذ الأفراد والتعرض لحالات الجنوح والعدوان، وقد ارتفعت هذه الحالات في أعقاب الحروب العالمية والإقليمية والأهلية. آليات التكيف الشعوري واللاشعوري في التحليل النفسي وضعت مدرسة التحليل النفسي التي أسسها سيغموند فرويد Freud آليات نفسية للتكيف: آليات التكيف الشعورية: هي آليات يستخدمها الفرد في مواجهة مواقف الحياة على نحو واع وإرادي، بحيث يسمح له الموقف بالتفكير والمحاكمة والتخطيط والمواجهة واستخدام كفاياته العقلية والمعرفية والحركية في إيجاد الحلول التي تكفل له تحقيق أهدافه. آليات التكيف اللاشعورية (الحيل الدفاعية): حين يواجه الفرد مواقف تهدد ذاته أو تعرضه لتجارب مشبعة بالقلق ويخفق في تأمين سبل المواجهة العقلانية الناجحة، فإنه يلجأ لاستخدام الحيل الدفاعية، وهي محاولات لاشعورية يقوم بها الفرد لحماية نفسه وتأكيد تكامل ذاته. وتتصف هذه الحيل والآليات بأنها محاولات للهروب من المواقف المثيرة للقلق، وتنطوي على تشويه لعناصر المعلومات البيئية، وقد يقوم بها الأسوياء وغير الأسوياء بصورة لا شعورية، وصنفها فرويد على النحو الآتي: 1ـ الكبت: حيلة دفاعية، تمنع الأفكار المؤلمة والمهددة للذات من الدخول إلى الشعور، فترسل إلى ساحة اللاشعور لتستقر هناك مع بقية الرغبات والاندفاعات المكبوتة بسبب قوانين الضبط الاجتماعية التي تمنع تحقيقها لتعارضها مع قيم المجتمع المنظم وأعرافه. 2ـ النكوص: ويعني ارتداد الفرد وعودته إلى أساليب طفلية أو بدائية في السلوك والتفكير والانفعال حين تعترضه مشكلة أو يواجه موقفاً مؤلماً. 3ـ الإسقاط: حيلة دفاعية ينسب فيها الفرد عيوبه ونقائصه إلى الآخرين، بعد أن يبالغ في تقديرها، فالبخيل يصف غيره بالبخل. 4ـ التقمص: ينزع الشخص في هذه الحيلة الدفاعية إلى دعم قيمته الذاتية أو حمايتها، وذلك بتوحيدها مع سمات شخص آخر يملك هذه الخصائص والسمات، ولا يكون التقمص دائماً نحو السمات الموجبة، بل يتجه في الكثير من الحالات نحو السمات السالبة، ومثال التقمص: تقمص الطالب شخصية أبيه أو معلمه، وكتقمص الفتاة لأمها. والتمثيل هو أحد أشكال التقمص الاصطناعي. 5ـ التعويض: يهدف التعويض إلى تغطية الضعف أو إخفائه، بتأكيد بعض السمات المرغوبة فيها في مجال ما، بوساطة الأفراد في مجال آخر، ومثال ذلك الفتاة القصيرة التي تحاول ارتداء أحذية تزيد من طولها. 6ـ التبرير أو التسويغ: تشير هذه الحيلة الدفاعية إلى الحالات التي يهرب فيها الشخص من تحمل مسؤوليته عن عمل شائن، فهو لا يتنكر للعمل المشين بل يجد الأعذار والمسوغات لإخفاقه أو هروبه ليقنع ذاته والآخرين بأن أسباباً عقلانية كانت وراء الإخفاق. 7ـ الأخيلة والأوهام: يستخدم الفرد أحياناً الأخيلة والأوهام وسيلة دفاعية، يتكيف بها مع الواقع وإشباع حاجاته. والأخيلة أشكال من التركيب تضم مجموعة من الصور ترتبط مع إشباع الحاجات، ويغلب فيها أن يكون المحرض والمثير أنواع الخيبة والإخفاق في الحياة الواقعية. وليست كثرة الأحلام، كأحلام اليقظة وأحلام النوم المنطوية على صور الطعام والأغذية إلا نوعاً من تحقيق ما خاب الجائع في تحقيقه في ساعات يقظته وسعيه وراء الرزق، وقد تكون الأخيلة بناءة ومنتجة. 8ـ التسامي: هو نوع من أنواع التحويل، وفيه يحول الإنسان طاقته من ميادين لا يرضى عنها المجتمع إلى غايات أو أغراض سامية، يوافق عليها وينظر إليها وإلى من يسعى وراءها نظرة احترام وتقدير، ويظهر التسامي أيام الطفولة حين يجد الطفل إجراء محموداً يقدره المجتمع فيوجه إليه الكثير من طاقته، ويجد فيه نوعاً من إشباع الحاجات والمتعة وقبول المجتمع ذلك النوع من السلوك وثناءه عليه،من ثم تعزيزه. وظيفة الحيل الدفاعية في التكيف النفسي اتضح أن الحيل الدفاعية وسائل لخفض القلق والتوترات المصاحبة للأزمات النفسية على اختلاف أنواعها ومصادرها، فهي تخفف من وطأة العقبات المادية والمعنوية التي تعترض الفرد، كما تقيه من معرفة عيوبه ونقائصه ونياته الدفينة الذميمة، فتقيه من مشاعر النقص والذنب، ومن استصغار نفسه واتهامها، فهي تعمل بطريقة آلية لاتسبقها رويّة أو تفكير، كما لايمكن ضبطها بالإرادة، وأغلبها فطري لايكتسبه الفرد عن طريق الخبرة والتعلم. التكيف النفسي والحضارة التكيف في أصله مستمد من علم الحياة، فعلماء البيولوجيا هم أول من استخدموا هذا المفهوم وعرفوه بأنه: (أي تغيير في الكائن الحي، سواء في الشكل أو الوظيفة يجعله أكثر قدرة على المحافظة على حياته أو بقاء جنسه) ثم انتقل هذا المفهوم إلى علم النفس واستخدمه علماء النفس للدلالة على مدى ملاءمة العضو لوظيفته. وعندما وصل التكيف إلى تفسير السلوك الاجتماعي، أصبح أكثر اتساعاً، فشمل كل مايقوم به الفرد من سلوك، ليوفق بين سلوكه ومطالب البيئة، ويمكن أن يوصف سلوك الإنسان التكيفي كردود أفعال لعديد من المطالب والضغوط البيئية التي يعيش فيها. ويعيش الإنسان في الحضارة الحديثة في بيئة يكثر فيها القلق والحيرة والارتياب والارتباك بين الناس بسبب التغير التقني والاجتماعي السريع، ولاسيما في أواخر القرن العشرين. وقد شجعت الأنظمة الرأسمالية السريعة التغير، التنافس المسعور بين الناس وأضعفت الصلة بين العامل وصاحب العمل، وأوهنت روابط الأسرة، وشجعت على السلوك لمصلحة الفرد، مما أشاع القلق واضطراب الصحة النفسية واختلال الصحة الخلقية. ولذلك لابد من تحصين الإنسان ووقايته من مساوىء الحضارة والاستفادة من فوائدها، لتحسين تكيف الإنسان المتوازن من خلال معرفته لنفسه وتعليمه حل المشكلات بالطرق الصحيحة وجعله صديقاً لنفسه، له هدف في الحياة، صريحاً في كل معاملاته، صبوراً متقناً لعمله. والتكيف الصحيح مع متطلبات الحياة سريعة التغير، يجعل المرء أكثر توازناً في علاقته مع نفسه وبيئته.   محمود ميلاد   الموضوعات ذات الصلة:   بياجيه ـ التحليل النفسي ـ التعلم ـ فرويد.   مراجع للاستزادة:   ـ نعيم الرفاعي، الصحة النفسية، دراسة في سيكولوجية التكيف (منشورات جامعة دمشق 1986). ـ يوسف ميخائيل أسعد، الشخصية الناجحة (نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة 1990). ـ د.م بيرد، جان بياجيه وسيكولوجية نمو الأطفال، ترجمة فيولا فارس الببلاوي (مكتبة الإنجلو المصرية، القاهرة 1977).
المزيد »