logo

logo

logo

logo

logo

حلب(ح)

حلب(ح)

Aleppo - Alep

تاريخ حلب

 

حلب مدينة من أقدم مدن الدنيا وهي لا تزال حتى اليوم مدينة عامرة ومن أكبر المدن السورية، وموقعها في أقصى الشمال الغربي من الهضبة السورية الداخلية، على ارتفاع 390م عن سطح البحر ويخترقها نهر صغير هو نهر قويق.

أول ذكر لحلب في التاريخ يعود إلى القرن العشرين قبل الميلاد، عندما تأسست فيها مملكة أمورية عرفت باسم يمحاض، كان لها علاقات ودية مع ماري وقطنا وكركميش. إلا أنه في نهاية القرن السابع عشر ق.م استولى الملك الحثي مرشيل Mursil على حلب ودمرها في أثناء محاولته الاستيلاء على شمالي سورية، ونقل ثروة حلب والأسرى إلى عاصمته حاتوشا Hattusa. ثم استولى الميتانيون على حلب، ولكنها عادت إلى السيطرة الحثية سنة 1430ق.م، حيث أسسوا فيها إمارة انتهت بانهيار مملكتهم الأناضولية في نهاية القرن الثالث عشر ق.م.

غابت أخبار حلب في عهد الآراميين الذي استقروا في شمالي سورية لانتقائهم مواقع جديدة في جوار حلب، كما في زمن حكم الآشوريين، الذين انهارت إمبراطوريتهم سنة 612ق.م، وفي فترة سيطرة الفرس الأخمينيين، التي انتهت بهزيمة آخر ملوكهم داريوس الثالث أمام الاسكندر المقدوني سنة 333ق.م .

وحينما تأسست المملكة السلوقية (312-64 ق.م) بعد وفاة الإسكندر بنى سلوقس نيكاتور Seleucus Nicator في موقع حلب مستعمرة مقدونية أطلق عليها اسم بيرويا Beroia، ومع أنه لم يكن لها شأن سياسي كبير في زمن المملكة السلوقية، فإنها استفادت من ازدهار المدن الأربع التي كان قد أنشأها سلوقس الأول عام 300ق.م في الجزء الشمالي من سورية، وهي أنطاكية وسلوقية وأفامية (قلعة المضيق) واللاذقية، فغدت حلب مركزاً تجارياً هاماً مرتبطاً بشمالي سورية وشرقيها، بعد أن كانت مجرد مركز تجاري على الطريق الداخلي الممتد من الشمال إلى الجنوب ماراً بحماة وحمص ودمشق.

في سنة 64ق.م استولى الرومان على بلاد الشام وأصبحت حلب جزءاً من الولاية السورية، ونعمت بحقبة من السلم طويلة، وأنشأ الرومان فيها أسواقاً وساحة عامة واسعة وشارعاً عريضاً مزوداً برواق ذي أعمدة من الجانبين. وفي زمن مبكر من العهد البيزنطي، وُجِدت طائفة مسيحية كبيرة في حلب، كما استقر فيها الكثير من اليهود، وربما يعود ذلك إلى تمتع حلب بحياة اقتصادية مزدهرة .

إلا أن الغزو الفارسي سنة 540م أصاب حلب بضربة قاصمة، فقد أحرق الفرس المدينة، ولكن القلعة التي لجأ إليها الأهالي ثبتت لهجمات الغزاة، ومع أن الإمبراطور جستنيان الأول (527-565م) أعاد بناء مواقعها الدفاعية، وبنى فيها كاتدرائية جميلة، فإن ما أصاب أنطاكية من سلب ونهب والتهديد المستمر للفرس بغزو هذه المنطقة حالا دون ازدهار حلب.

في سنة 16هـ/637م وصلت جيوش المسلمين بقيادة أبي عبيدة بن الجراح إلى ضواحي حلب، فحاصرت قواته حلب بقيادة عياض بن غنم، ولم يلبث أهلها أن طلبوا الصلح والأمان على أنفسهم وأموالهم وسور مدينتهم وكنائسهم ومنازلهم والحصن الذي بها فأُعطوا ذلك.

أضيفت حلب وقنسرين إلى جند حمص، حينما قسم عمر بن الخطاب الشام إلى أجناد سنة 17هـ فلما فصل معاوية بن أبي سفيان (41- 60هـ/661-679م) قنسرين عن حمص، أصبحت حلب مضافة إلى جند قنسرين، ولم يكن لحلب شأن إداري وسياسي في العهد الأموي، وإن كان بعض الولاة قد أقاموا في جوار حلب، ويذكر ابن العديم أن الخليفة سليمان بن عبد الملك (96-99هـ/714-717م) بنى أول مسجد جامع في حلب، وكان يضاهي مسجد دمشق من حيث روعة زخارفه، وأن سليمان جهد أن يكون بناء مسجد حلب معادلاً لعمل أخيه في مسجد دمشق.

بانتقال الحكم إلى العباسيين سنة 132هـ/749-750م غدت العراق مركز الخلافة، وخسرت دمشق مكانتها عاصمة للدولة العربية الإسلامية وتراجعت اقتصاديا،ً ولكن حلب بدأت أهميتها تزداد. يذكر ابن العديم أن حلب كانت مضافة إلى قنسرين حتى نهاية الدولة الأموية،ثم تدرجت في العمارة ومدينة قنسرين في الخراب، حتى صارت حلب قصبة جند قنسرين أيام بني العباس.

وفي النصف الثاني من القرن الثالث الهجري أخذ أحمد بن طولون يمد أنظاره إلى بلاد الشام، بعد أن قلده الخليفة ولاية مصر سنة 257هـ، وساعدته الأحوال فبسط حكمه عليها، ثم عادت حلب تابعة للخليفة سنة 284هـ. وفي عام 325هـ/936م دخلت الشام بما فيها حلب ضمن أعمال والي مصر محمد بن طغج الإخشيد.

وفي سنة 333هـ/944م دخل سيف الدولة حلب وبدأ الصراع بين الإخشيد والحمدانيين حول بلاد الشام، ثم عقد الإخشيد صلحاً مع سيف الدولة سنة 334هـ، تخلى بموجبه عن حلب وحمص وأنطاكية، وتجدد هذا الاتفاق سنة 336هـ، وكان الخليفة المطيع لله قد أرسل إلى سيف الدولة سنة 335هـ الاعتراف الشرعي بحكمه.

 

قلعة حلب التاريخية

أصبحت حلب مركزاً لإمارة الحمدانيين[ر] (394-333هـ/1003-944م)، وغدت أهم مدينة في شمالي الشام، فقد أقام سيف الدولة[ر] لنفسه بلاطاً أراد أن يضاهي به بلاط بغداد وغيرها من مراكز ديار الإسلام، وجمع في هذا البلاط عدداً كبيراً من الشعراء والعلماء من كل فن، كالمتنبي وأبي فراس الحمداني والفارابي وابن جني وغيرهم، كما شغل سيف الدولة معظم وقته في الجهاد ضد الإمبراطورية البيزنطية التي كانت تعيش فترة نهوض وقوة، وتهيأ لها عدد من القادة والأباطرة العظام، وتمكن نقفور، القائد الأعلى للجبهة الشرقية ،سنة 351هـ/962م من الاستيلاء على مدينة حلب دون قلعتها، ونهب الروم المدينة وقتلوا الناس وأحرقوا المساجد، وجمعوا كميات كبيرة من الغنائم وأخذوا عدداً كبيراً من الأسرى، ثم تراجع نقفور بعد مقتل ابن أخت الملك وعاد إلى بلاده.

وصف ابن حوقل، وهو من جغرافيي القرن الرابع الهجري، حلب قبل استيلاء الروم عليها فقال: «وجند قنسرين فمدينتها حلب، وكانت عامرة غاصة بأهلها، كثيرة الخيرات على مدرج طريق العراق إلى الثغور وسائر الشامات... وكان لها أسواق حسنة وحمامات وفنادق كثيرة ومحال وساحات فسيحة ومشايخ وأهل جلة» ثم يصفها بعد سيطرة قرعويه وإخراج أبي المعالي شريف بن سيف الدولة منها عام 358هـ، فيقول إن حلب أصبحت في قبضة الروم، وإن على كل إنسان أن يدفع عن داره ودكانه جزية، وإن على أمير حلب أن يدفع كل سنة 700 ألف درهم عن المناطق التي كانت تابعة لأمير حلب وغير ذلك من الشروط القاسية.

ومع أن أمراء حلب استمروا بدفع هذه الجزية أيام الدولة المرداسية[ر] (472-414 هـ/1023- 1079م) فإن النصوص توحي بأن النشاط التجاري كان له كبير الأثر في ازدهار حلب وثرائها، فالرحالة ناصر خسرو الذي زار حلب سنة 455 هـ وصفها بأنها «مدينة عامرة وفيها محطة لتحصيل المكوس (الضرائب)، تمر بها تجارات الشام والروم وديار بكر ومصر والعراق، حيث كان يرد إليها تجار من جميع هذه الأقاليم».

وبعد وفاة الأمير المرداسي محمود سنة 466هـ حدث صراع بين أفراد الأسرة المرداسية، فولى السلطان السلجوقي ملكشاه سنة 479هـ/1086م، قسيم الدولة أقسنقر حلب، فعمرها وأحسن السيرة في أهلها، ومنح حلب بضع سنوات من الاستقرار والهدوء، إلا أن موت ملكشاه سنة 485هـ/1092م أدى إلى انتقال حلب إلى تتش بن ألب أرسلان وسلالته من بعده (487 -511هـ/1094 -1117م) .

لم يكن لهذه السلالة السلجوقية الصغيرة إلا أهمية محلية، فصغر الإمارة ومنافستها السلالة السلجوقية في دمشق، ومقاومة العناصر الشيعية لها، والتي انضم إليها الإسماعيليون، جعل سلطتها محدودة. ولم يكن وضع الأمراء في المناطق المجاورة أفضل حالاً،فقد استعرت نار حروب متصلة بين أمراء الشام في الربع الأخير من القرن الخامس، مما جعلهم عاجزين عن الوقوف أمام الفرنج الصليبيين الذي اجتاحوا المنطقة ووصلوا إلى أبواب حلب 493هـ/1099م. وأكثر الصليبيون من ترويع حلب وأعمالها بالإغارة والتخريب والتحريق حتى استولى عماد الدين الزنكي صاحب الموصل على حلب سنة 522هـ، فأعاد إليها الأمن والاستقرار، ويذكر ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ «أن البلاد كانت قبل أن يملكها خراباً من الظلم، وتنقل الولاة ومجاورة الفرنج، فعمرها وامتلأت أهلاً وسكاناً». ووسع عماد الدين رقعة دولته بضم حماة وحمص وبعلبك وغيرهما، كما استولى سنة 539هـ/1144م على الرها، وقضى على إمارة الفرنج فيها «وكان ضررهم قد عم بلاد الجزيرة وشرهم قد استطار فيها».

قُتل عماد الدين الزنكي سنة 541هـ/1146م في حصار قلعة جعبر، فخلفة ابنه نور الدين محمود في حكم الموصل وحلب وما ألحق بهما من قطائع شامية، واستخلص دمشق من مجير الدين أبق البوري الذي كان رجلاً ضعيفاً، ومهد السبيل للقضاء على الحكم الفاطمي الضعيف في مصر مستعيناً في ذلك بقائده صلاح الدين، وتابع نور الدين مجاهدة الفرنج، وجعل من حلب مدينة مزدهرة، فأعاد بناء الأسوار، ورمَّم القلعة والجامع الكبير، وأعاد بناء الأسواق وأصلح الأقنية وبنى فيها بيمارستاناً وداراً للعدل، وعدداً من المدارس عهد بالتدريس فيها إلى فقهاء من الأحناف والشافعية. توفي نور الدين عام 569هـ/1173م فخلفه ابنه الملك الصالح إسماعيل، وكان فتى في الحادية عشرة من عمره ،فرأى صلاح الدين من مصلحة المسلمين أن يمد سلطانه إلى الشام حتى يستطيع متابعة الجهاد ضد الفرنج، فدخل دمشق سنة 570هـ ثم حمص وحماة، ولكنه أخفق أمام أبواب حلب، ولم تصبح حلب تحت سلطان صلاح الدين إلا سنة 579هـ/1183م، بعد موت الملك الصالح إسماعيل. وفي سنة 582هـ/1186م ولّى صلاح الدين ابنه الظاهر غازي حلب .

أظهر الملك الظاهر غازي وزوجته ضيفة خاتون، ونائبه المؤتمن طغرل قدرات إدارية مميزة، ساعدت على بقاء مملكة حلب في سلالة صلاح الدين، بينما انتقلت الممالك الأخرى إلى أولاد الملك العادل الأول أخي صلاح الدين.

 كان عهد الملك الظاهر غازي وابنه العزيز (615 -634هـ) عهد رخاء ورفاهية عظيمين لحلب، فأصبحت من أجمل المدن وأكثرها نشاطاً وازدهاراً في الشرق الإسلامي، فقد نشطت صناعياً بسبب المعاهدات التجلرية التي عقدت مع البنادقة (1207م، 1225م، 1234م) واتسعت عمرانياً، وأُعيد بناء قلعتها لتصبح واحدة من أروع أعمال الفن العسكري في العصور الوسطى، وبنيت المدارس والزوايا وازدهرت الحياة الثقافية، وظهرت فيها أسماء بارزة كالسهروردي وابن العديم وابن شداد وغيرهم.

استمر حكم الأيوبيين في حلب حتى سنة 658هـ/1259م، حينما استولى عليها المغول بقيادة هولاكو، وأعملوا فيها السلب والنهب والقتل، كما استولوا على حماة وبعلبك ودمشق، فلما هُزموا في معركة عين جالوت سنة 659هـ/1260م بقيادة السلطان المملوكي قطز، دخلت حلب ضمن سلطان المماليك في مصر، وأصبحت عاصمة لنيابة تأتي في الدرجة الثانية بعد نيابة دمشق من حيث الأهمية، وتعود أهميتها لموقعها الجغرافي لأنها كانت توفر الحماية للحدود الشمالية للسلطنة ومع ذلك فإن مدينة حلب لم تستعد عافيتها إلا ببطء بسبب الكارثة التي أصابتها، وتهديد المغول المستمر لها ولثورات ولاتها، وتمرد فرقها العسكرية، وثقل الضرائب التي فرضت عليها وانتشار الطاعون فيها سنة 749هـ/1348م وما قاسته سنة 800هـ/1397م عندما غزا تيمورلنك البلاد.

احتل العثمانيون حلب دون مقاومة تذكر بعد انتصارهم على المماليك في معركة مرج دابق سنة 922هـ/1516م، وبقيت حلب عاصمة لإيالة مماثلة في امتدادها لنيابة المماليك.

عانت حلب ابتداء من نهاية القرن العاشر الهجري كغيرها من عواصم الإيالات من النزاعات السياسية والحزبية للفرق العسكرية المحلية، ومن الضرائب الثقيلة التي فرضت على السكان، ومع ذلك حافظت على أهميتها التجارية، وتطورت بحيث غدت في وقت من الأوقات السوق الرئيسة للشرق كله.

ولكنها بدأت بالتقهقر منذ عام 1775م بسبب فساد الإدارة، وحدوث زلزال سنة 1822 الذي هدم الجزء الأكبر من المدينة، والازدياد المستمر للتجارة بين آسيا وأمريكا الذي أخذ يحتل مكاناً مرموقاً في الاقتصاد العالمي، مما حرم الشرق من كثير من أهميته.

إن الازدهار التجاري الذي تمتعت به حلب مدة طويلة تجلى في ازدياد عدد أسواقها وخاناتها التي بنيت لإقامة التجار الأجانب، وهذه الخانات العثمانية لا تزال محافظة على بنيانها، وقد أولى الولاة اهتماماً ببناء المدارس والمساجد الكبيرة وفق الأسلوب الهندسي المطبق في اصطنبول، كجامع خسرو باشا وجامع بهرام باشا والمدرسة الأحمدية والمدرسة الشعبانية ومدرسة عثمان باشا.

استولى المصريون على حلب من عام 1831إلى عام 1839، وأثقل إبراهيم باشا كاهل المدينة بما فرضه عليها من سخرة وضرائب حربية ثقيلة، وبما أدخله عليها من نظام الاحتكار، ومع ذلك فإن هذه الفترة مهدت لحدوث تغيرات فعالة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على الأوضاع الاجتماعية والإدارية والحياة الاقتصادية، واتصلت حلب بحماة ودمشق بخط حديدي سنة 1906م وباصطنبول وأوربا سنة 1912م بقطار الشرق السريع.

بقيت حلب تابعة للسلطنة العثمانية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى (1914 -1918) لتعود جزءاً من القطر العربي السوري، ومركزاً لمحافظة حلب.

نجدة خماش

 

التصنيف : التاريخ
النوع : سياحة
المجلد: المجلدالثامن
رقم الصفحة ضمن المجلد : 470
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 455
الكل : 31649027
اليوم : 3609

تعددية الشكل

تعددية الشكل   تعددية الشكل polymorphisme هي إحدى خواص المواد الصلبة التي لها تركيب كيمياوي متماثل، إلا أنها تختلف في خواصها البلورية، أي في الترتيب الهندسي للذرات، [ر.البلورات (علم ـ)]. ويُعرف الكثير من الأمثلة على تعددية الشكل، ففي عالم الفلزات mineraux يُصادف السيليس SiO2 في الحالة الطبيعية بعدة أشكال بلورية مثل الكوارتز والتريديميت  tridymite والكريستوباليت cristobalite والكوينريت coeite، وتصادف كذلك كربونات الكلسيوم CaCO3 بعدة أشكال بلورية مثل الكلسيت، والأراغونيت aragonite والفاتيريت voterite.
المزيد »