logo

logo

logo

logo

logo

الدبلوماسية

دبلوماسيه

Diplomacy - Diplomatie

الدبلوماسية

 

الدبلوماسية وتطورها التاريخي

الدبلوماسية diplomacy/diplomatic كلمة مشتقة عن اليونانية (دبلوما) diploma وفعلها دبلون diplon ومعناها الوثيقة التي تطوى على نفسها والتي كانت تصدر عن الشخص ذي السلطان في البلاد وتخول حاملها امتيازات خاصة. وقد دخلت هذه الكلمة المعجم الدولي منذ أواسط القرن السابع عشر حين حلت محل كلمة المفاوضة negotiation وتطور مدلول الدبلوماسية مع الزمن وأصبح يشير إلى معان شتى يمكن أن يتضمنها التعريف العام الآتي: «الدبلوماسية هي فن وعلم إدارة العلاقات الدولية»: والدبلوماسية على أنواع:

1ـ فمن حيث أطراف العلاقة الدولية: هناك الدبلوماسية الثنائية أي الدبلوماسية بين دولتين، وهناك الدبلوماسية الجماعية، أي الدبلوماسية بين مجموعة من الدول عن طريق المؤتمرات أو المنظمات الدولية[ر]، يسمي بعضهم النوع الأخير الدبلوماسية البرلمانية parliamentary diplomacy. وقد شاع هذا النوع الثاني، بتواتر وتصاعد، منذ عصبة الأمم وحتى اليوم.

2ـ ومن حيث الشكل الذي تأخذه إدارة العلاقات الدولية: هنالك الدبلوماسية السرية وهي التي تجري بين الكواليس وتكتم نتائجها كلاً أو بعضاً عن الغير أو حتى عن رعايا الدول المتفاوضة. وهناك الدبلوماسية العلنية وهي التي تتضح نتائجها فور انتهائها حتى لو جرت المفاوضات بشكل غير علني. وقد كان إنشاء عصبة الأمم بهيئاتها ومجالسها العلنية واشتراط ميثاقها تسجيل المعاهدات المبرمة بين الدول ونشرها تحت طائلة بطلانها، كان محاولة من جانب مؤسسي العصبة للخلاص من عهد الدبلوماسية السرية secret diplomacy الذي ساد حتى ذلك التاريخ.

3ـ ومن حيث الوسائل المستخدمة في إدارة العلاقات الدولية: يمكن القول بوجود دبلوماسية سلم تقوم على أساس المفاوضة بين الدول المعنية وهذا هو الأصل، ودبلوماسية عنف أو ما سمي دبلوماسية السفن الحربية Gun Boat Diplomacy تتجلى في تحقيق الدولة لأغراضها عن طريق اتباع وسائل الزجر والعنف بما في ذلك الحرب التي يعدها بعضهم استمراراً للنشاط الدبلوماسي للدولة في ميدان آخر غير ميدان المفاوضات.

إن اعتماد السفراء وسيلة للمفاوضات رافق العالم منذ وجوده فالتاريخ حافل بأمثلة وشواهد من هذا القبيل. ومن الطريف أن نلاحظ أن السفراء تمتعوا منذ القديم بحماية خاصة وامتيازات معينة عندما لم تكن قواعد القانون الدولي قد ظهرت للوجود على النحو الذي نراها اليوم. إلا أن هذه الامتيازات كانت تستند قديماً إلى أحكام الدين أو المعاملة بالمثل بينما تستند اليوم إلى قواعد قانونية ملزمة.

وهكذا فقد عرفت الدبلوماسية بمعناها في زمن اليونان والرومان أما الإسلام فاعتمدها أول الأمر وسيلة لنشر الدعوة، فقد بادر النبي الكريم إلى إرسال الرسل داعياً ملوك وأمراء زمنه إلى الإسلام وتبعه خلفاؤه، فاستخدموا الرسل أما لنشر الدعوة الإسلامية قبل بدء الجهاد أو لتبادل الأسرى وإنهاء القتال بعد اندلاع الحرب. كما أقر الإسلام بدءاً من النبي r مبدأ حصانة الدبلوماسي، والرواية معروفة كيف أنه لم يهدر دم رسل مسيلمة الكذاب الذين رفضوا شهادة أن محمداً رسول الله وأصروا على أن موفدهم هو الرسول. وتروى كتب التاريخ أن الدبلوماسية بمعنى التعامل السلمي المطلق قد استعمل منذ زمن العباسيين الذين دأبوا على إرسال أو استقبال الرسل بينهم وبين دار الحرب. ولو تعمق المرء في التاريخ الدبلوماسي الإسلامي لوجده تاريخاً راقياً سواء من حيث الشروط التي كانت تشترط في الرسول أو من حيث مهامه أو حصانته وامتيازاته أو وظائفه.

تاريخ الدبلوماسية

ويقسم تاريخ الدبلوماسية إلى مرحلتين:

الأولى: تشمل العهد القديم والقرون الوسطى حتى القرن الخامس عشر، وكان التمثيل الدبلوماسي فيها ذا صفة عارضة مؤقتة.

والثانية: تبدأ من القرن الخامس عشر وأصبح التمثيل الدبلوماسي فيها يتصف بصفة الديمومة والاستمرار.

وقد بدت طلائع ذلك في إيطالية ولاسيما في مدينة البندقية. وظلت الحال تتأرجح بين قبول مبدأ الدبلوماسية الدائمة أو المؤقتة حتى جاءت الثورة الفرنسية والحروب التي تلتها فقضت على عزلة الدول وأقامت بينها علاقات منتظمة وأخذ العالم يفكر جدياً منذ ذلك الحين بنظام موحد يفرض على الجميع بشأن حقوق الدبلوماسيين الأجانب وامتيازاتهم: فصدر عن مؤتمر ڤيينا لعام 1815 اتفاقية تتناول مهام الدبلوماسيين وحصاناتهم وامتيازاتهم، ثم انعقد مؤتمر اكس لاشابل لعام 1818 فعدل في تصنيف الدبلوماسيين. ومنذ ذلك الحين والجهود تبذل للوصول إلى تقنين دولي للدبلوماسية حتى تمكنت لجنة القانون الدولي التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة من وضع مشروع اتفاقية للعلاقات الدبلوماسية وقد أقرت هذه الاتفاقية في مدينة ڤيينا في 18 نيسان عام 1961 وهي تشكل القانون المتعامل به في هذا المضمار.

كذلك وضعت لجنة القانون الدولي وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1969 اتفاقية خاصة بالبعثات الخاصة، وقد عرضت على الدول للمصادقة عليها أو الانضمام إليها وهي في جوهرها لا تخرج عن اتفاقية ڤيينا لعام 1961 لذا يكتفى بالإشارة إليها.

هيئات العلاقات الدبلوماسية

تتألف هذه الهيئات من فئتين: الهيئات المركزية والهيئات اللامركزية أو الخارجية، أما الهيئات المركزية فتضم:

1- رئيس الدولة: الذي يختص باعتماد رؤساء البعثات الدبلوماسية، واستقبال نظرائهم الأجانب.

2- وزير الخارجية: وهو يهيمن على السياسة الخارجية في الدولة. و يعد صلة الوصل بين دولته والعالم الخارجي وتصريحاته تقيد بلاده.

أما الهيئات اللامركزية فتتمثل في رجال السلك الدبلوماسي، وهم مصنفون في الفئات الآتية بحسب ما جاء في اتفاقية ڤيينا لعام 1961:

1- السفراء والقاصدون الرسوليون (النونس) - وهم سفراء البابا - ومن في حكمهم (كالمفوض السامي بين دول الكومنولث). وهؤلاء يعتمدون لدى رؤساء الدول.

2- المبعوثون والوزراء المفوضون والقاصدون الرسوليون الوكلاء (الانترونونس) المعتمدون لدى رؤساء الدول أيضاً.

3- القائمون بالأعمال المعتمدون لدى وزراء الخارجية.

وهؤلاء جميعاً هم رؤساء البعثات الدبلوماسية التي تضم إضافة إليهم مستشارين وسكرتيرين وملحقين عاديين وملحقين فنيين.

ولا يجوز التمييز بين رؤساء البعثات بحسب فئاتهم إلا فيما يتعلق بالتشريفات وحق التقدم.

وظائف الممثلين الدبلوماسيين:

يقوم الممثل الدبلوماسي بعدد كبير من المهام في البلد المعتمد لديه وقد جاءت اتفاقية ڤيينا في مادتها الثالثة على ذكر أهم هذه الوظائف وهي ما يأتي:

1- تمثيل دولته لدى الدولة المعتمد إليها: و يجوز اعتماد ممثل دبلوماسي واحد لدى أكثر من دولة بشرط موافقة الدولة المحال إليها. وفي مثل هذه الحال يتنقل الممثل بين عواصم الدول المعتمد لديها ويقوم في كل منها بالمهام الأساسية الملقاة على عاتقه ويحل محله في أثناء غيابه قائم بالأعمال بالنيابة.كما يجوز استثناء تكليف مواطن في الدولة المضيفة أن يكون سفيراً للدولة الموفدة إذا وافقت الأولى على ذلك.

2- حماية مصالح دولته لدى الدولة المعتمد لديها.

3- التفاوض باسم دولته لدى الدولة المعتمد لديها.

4- الاستعلام عن الأوضاع والحوادث في الدولة المعتمد لديها.

5- تعزيز العلاقات الودية بين دولته والدولة المعتمد لديها

واجبات الممثلين الدبلوماسيين:

تشترط اتفاقية ڤيينا لعام 1961 والعرف الدولي أن يراعى الممثل الدبلوماسي عدداً من الواجبات في أثناء قيامه بعمله وإلا تعرض لحسبان الدولة المعتمدة لديها له شخصاً غير مرغوب فيه. وهذه الواجبات هي ما يأتي:

1- احترام قوانين وأنظمة الدولة المعتمد لديها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

2- عدم إساءة استعمال الأماكن التي تشغلها البعثة.

3- حصر مرجعه مبدئياً بوزارة الخارجية.

4- عدم ممارسة أي نشاط غير ذلك المكلف به بصفة رسمية.

من الجدير بالذكر أن إخلال الممثل الدبلوماسي بالواجبات الملقاة على عاتقه لا يرفع عنه حصانته الدبلوماسية إلا إذا قررت دولته ذلك صراحة، وكل ما يمكن للدولة المستقبلة أن تفعله إزاء الممثل الدبلوماسي المخالف هو أن تطلب من حكومته إما تأنيبه أو سحبه أو تطرده هي بوصفه شخصاً غير مرغوب فيه persona non grata وفق القواعد المقررة لذلك في التعامل الدولي.

ولا تبتعد واجبات البعثات الدبلوماسية الخاصة كثيراً عما تقدم مع مراعاة طبيعتها المؤقتة والاستثنائية كحضور مؤتمر أو حفل زفاف أو تشييع جنازة في البلد المضيف.

الحصانات الدبلوماسية

يعني القانون الدولي بإحاطة الممثل الدبلوماسي بمجموعة من الحصانات[ر] تيسر له القيام بأعباء مسؤولياته ووظائفه. وقد وجدت هذه الحصانات من قديم، وسبقت ظهور الدولة الحديثة.

تصنيف الحصانات الدبلوماسية

يذهب اتجاه حديث إلى التمييز بين حصانات وامتيازات البعثة وسجلاتها وامتيازات وحصانات عمل البعثة، وحصانات وامتيازات المبعوث الدبلوماسي. أما اتفاقية ڤيينا فلم تلجأ إلى تبويب معين. غير أن المتتبع لنصوص المواد (21-39) التي تعالج أمر الحصانات قد يجد من الملائم تصنيف الحصانات الدبلوماسية في نوعين رئيسيين:

أولاً ـ حصانات وامتيازات البعثة الدبلوماسية: وهي تضم الحصانات العائدة لدار البعثة وسجلاتها ولعملها معاً على التفريع الآتي:

1- تلتزم الدولة المضيفة بأن تيسر قوانينها اقتناء الدار اللازمة في إقليمها للدولة المعتمدة أو أن تساعدها على الحصول عليها بأي طريق أخرى. بحسب ما تسمح به أنظمتها الداخلية.

2- تكون حرمة دار البعثة مصونة، ولا يجوز لموظفي الدولة المضيفة دخولها إلا برضا رئيس البعثة أو من يقوم مقامه في حال غيابه. ويترتب على الدولة المضيفة التزام خاص باتخاذ جميع التدابير المناسبة لحماية دار البعثة من أي اقتحام أو ضرر ومنع أي إخلال بأمن البعثة أو مساس بكرامتها. وتعفى دار البعثة وأثاثها وأموالها الأخرى الموجودة فيها ووسائل النقل التابعة لها من إجراءات التفتيش والاستيلاء والحجز والتنفيذ، ويذهب بعضهم إلى منع التبليغ على باب البعثة. على أنه يجوز للسلطات المحلية دخول مقر البعثة بصفة استثنائية في أحوال الضرورة القصوى كما لو شبت النار في مبنى البعثة، أو لمنع ارتكاب الجرائم، ويلحق بالبناء ملحقاته كالحديقة والمرآب وأجزاء الأبنية والأراضي الملحقة بها (بغض النظر عن مالكها) المستخدمة في أغراض البعثة بما فيها منزل رئيس البعثة.

ويمنع العرف الدولي البعثة من منح اللجوء للمجرم العادي أما منح اللجوء للمجرم السياسي. فالتعامل فيه غير مستقر بصورة قاطعة مما يجعل الأمر متروكاً للعرف الإقليمي أو للاتفاقات الخاصة بهذا الموضوع. وعلى كل حال فلا يجوز لرئيس البعثة الدبلوماسية ممارسة هذا الحق بحال من الأحوال إلا بعد موافقة حكومته الصريحة على منح اللجوء السياسي لطالبه وشريطة أن يكون طالب اللجوء السياسي في خطر محدق.

3- تكون حرمة محفوظات البعثة الدبلوماسية ووثائقها مصونة دائماً وأياً كان مكانها.

4- تجيز الدولة المضيفة للبعثة الدبلوماسية حرية الاتصال لجميع الأغراض الرسمية وتصون هذه الحرية. ويجوز للبعثة عند اتصالها بحكومة الدولة المعتمدة وبعثاتها وقنصلياتها الأخرى أينما وجدت أن تستخدم جميع الوسائل المناسبة بما في ذلك الرسل الدبلوماسيين والرسائل المرسلة بالرموز والشيفرة. على أنه لا يجوز للبعثة تركيب أو استخدام جهاز لاسلكي إلا برضا الدولة المضيفة.

وتكون حرمة المراسلات الرسمية للبعثة مصونة، ويقصد «بالمراسلات» جميع المراسلات المتعلقة بالبعثة ووظائفها. أما «الحقيبة الدبلوماسية» diplomatic pouch فلا يجوز فتحها أو حجزها إذا كانت تحمل علامة خارجية ظاهرة تبين طبيعتها وبشرط عدم احتوائها إلا على الوثائق الدبلوماسية والمواد المعدة للاستعمال الرسمي. على أن المعمول به فعلاً أن من حق السلطات المختصة في الدولة المضيفة أن تطلب الاطلاع على محتويات الحقيبة بحضور مندوب عن البعثة إذا قام لديها دليل أكيد على وجود مخالفة فيها وإلا كان للدولة المضيفة إعادة الحقيبة إلى الدولة المرسلة من دون فتحها.

5- تعفى الدولة المعتمدة وتعفى مرافقها من جميع الرسوم والضرائب القومية أو الإقليمية أو البلدية ما لم تكن مقابل خدمات معينة (رسوم الكهرباء والهاتف والماء مثلاً..). وتعفى الرسوم والمصاريف التي تتقاضاها البعثة في أثناء قيامها بواجباتها الرسمية من جميع الرسوم والضرائب( المقصود ضريبة الدخل بشتى أنواعها).

وتقوم الدولة المضيفة وفقاً لقوانينها بالسماح بدخول المواد المعدة لاستعمال البعثة وإعفائها من جميع الرسوم الجمركية والضرائب والتكاليف الأخرى غير تكاليف النقل والخدمات والتخزين. وينبغي، في رأي الفقه، تفسير هذه التكاليف تفسيراً ضيقاً بحيث لا يحشر معها مالا يمت إليها من الرسوم الأخرى بصلة.

6- يحق لرئيس البعثة الدبلوماسية دون سواه أن يرفع علم دولته وشعارها على دار البعثة بما فيها منزله وعلى وسائل نقله.

ثانياً ـ حصانات وامتيازات المبعوث الدبلوماسي: المقصود بالمبعوث الدبلوماسي هنا رئيس البعثة أو أحد موظفي البعثة ذو الصفة الدبلوماسية (الوزير المفوض، المستشار، السكرتير، الملحق..).

للدولة المضيفة الحق الكامل في إبداء رأيها في المبعوث الدبلوماسي وبالتالي الحق في رفضه وعدّه شخصاً غير مرغوب فيه حتى قبل وصوله إلى إقليمها. فإذا ما وافقت عليه يرتب عليها القانون الدولي العام أن تمنحه الحصانات والامتيازات الشخصية والقضائية والمالية المقررة بدءاً من تاريخ وصوله إلى أراضيها حتى انتهاء مهمته بمغادرته البلاد أو بعد انقضاء فترة معقولة من الزمن تمنح له هذا الغرض. وهي تظل قائمة إلى ذلك الوقت حتى في حالة وجود نزاع مسلح. كما تستمر الحصانة قائمة بالنسبة إلى الأعمال التي يقوم بها هذا الشخص أثناء أداء وظيفته بوصفه أحد أفراد البعثة. حتى لو عاد بعد ذلك إلى البلد المضيف شخصاً عادياً. وتوجز هذه الحصانات بما يأتي:

1- الحصانة الشخصية: وهي من أقدم الحصانات التي يتمتع بها المبعوثون الدبلوماسيون ويقال إن سائر الحصانات الأخرى تتفرع عنها. وهذه الحصانة تعني أن تكون حرمة شخص المبعوث الدبلوماسي مصونة ولا يجوز إخضاعه لأي صورة من صور القبض أو الاعتقال، ويجب على الدولة المضيفة معاملته بالاحترام اللائق واتخاذ سائر التدابير المناسبة لمنع أي اعتداء على شخصه أو حريته أو كرامته. كذلك يتمتع المنزل الخاص الذي يقطنه المبعوث بذات الحصانة والحماية التي تتمتع بها دار البعثة، ويجب على الدولة المضيفة أن تساعد البعثات عند الاقتضاء في الحصول على المساكن اللائقة بهم. كما تتمتع أوراق المبعوث ومراسلاته وأمواله الرسمية بالحصانة. وضماناً لقيامه بوظيفته بحرية واستقلال تكفل الدولة المعتمد لديها حرية الانتقال والسفر في إقليمها لجميع أفراد البعثة الدبلوماسية، طبعاً مع عدم الإخلال بقوانينها وأنظمتها. وقد بدأت تظهر مؤخراً قيود على الحصانة الشخصية للدبلوماسي بحجة ضمان الأمن القومي للبلد المضيف وعلى الرغم من أن هذه القيود تعرضت وتتعرض لنقد من الفقه الدولي إلا أن الدول وخاصة العظمى منها تطبقها باضطراد.

2- الحصانة القضائية: تهدف الحصانة القضائية إلى منع إخضاع الدبلوماسي من حيث المبدأ لقضاء وقوانين الدولة المضيفة، وهي تترتب على الصفة التمثيلية التي يتمتع بها كما أنها إحدى نتائج حرية التصرف التي يجب كفالتها للمبعوث الدبلوماسي تأكيداً لمبدأ سيادة الدولة المستقلة. ويرى بعضهم ضرورتها للممثل أثناء أدائه لأعمال وظيفته حتى لا تتخذ الدول القضاء وسيلة لمراقبة تصرفات مبعوثي الدول ذات السيادة. وينبني على الحصانة القضائية عدم إخضاع المبعوث الدبلوماسي للقضاء الجزائي للدولة المضيفة مهما كانت طبيعة الجرم المرتكب(مخالفة، جنحة، جناية). كل ما يمكن للدولة المضيفة أن تفعله هو أن تلفت نظر دولته أو تطلب سحبه أو طرده بحسب نوعية الجرم الذي أقدم عليه. وهنا أيضاً تميل بعض الدول للحد من هذه الحصانة بحجة حماية الأمن القومي للبلد المضيف وينال هذا من نقد الفقه الدولي ما يناله لأنه إذا أسيئ استخدامه يؤول إلى نفي الحصانة الدبلوماسية المقررة في القانون.

كذلك يعفى المبعوث الدبلوماسي من اختصاص القضائين المدني والإداري للدولة المضيفة إلا في الحالات الآتية:

أ ـ الدعاوى العينية المتعلقة بالأموال العقارية الخاصة في إقليم الدولة المعتمد لديها ما لم تكن حيازته لها بالنيابة عن الدولة المعتمدة لاستخدامها لأغراض البعثة.

ب ـ الدعاوى المتعلقة بشؤون الإرث والتركات والتي يدخل فيها بوصفه منفذاً أو مديراً أو وريثاً أو معطى له ذلك بالأصالة عن نفسه لا بالنيابة عن الدولة المعتمدة.

ت ـ الدعاوى المتعلقة بأي نشاط مدني أو تجاري يمارسه في الدولة المعتمد لديها خارج وظائفه الرسمية، علماً بأن مثل هذا النشاط محظور عليه أصلاً.

كذلك يتمتع المبعوث الدبلوماسي بالإعفاء من أداء الشهادة أمام المحاكم مهما كان نوعها أو اختصاصها أو درجتها.

كذلك لا يجوز اتخاذ أية إجراءات تنفيذية إزاء المبعوث إلا في الحالات الثلاث التي يخضع فيها للاختصاص القضائي المحلي كما هو مبين آنفاً وبشرط إمكان اتخاذ الإجراءات دون المساس بشخصه. و صعوبة تحقق هذا الشرط واضحة إذ يمكن معها القول بصعوبة اتخاذ هذه الإجراءات إلا بدقة متناهية. هذا ويجوز للدولة المعتمدة أن تتنازل صراحة عن الحصانة القضائية التي يتمتع بها المبعوثون الدبلوماسيون. وهذا هو التنازل العلني. وهناك تنازل ضمني يتجلى فيما إذا أقام المبعوث الدبلوماسي أي دعوى وعندها لا يجوز له الاحتجاج بالحصانة القضائية بالنسبة إلى أي طلب عارض يتصل مباشرة بالطلب الأصلي، ولكن هذا لا يرفع عنه الحصانة إطلاقاً كما هو الملاحظ.

كذلك فالتنازل عن الحصانة القضائية بالنسبة لأي دعوى قانونية لا ينطوي على أي تنازل عن الحصانة بالنسبة إلى تنفيذ الحكم بل لابد لهذه الحالة الأخيرة من تنازل مستقل، وهذا الحكم الذي تضمنته المادة 33ف4 من اتفاقية ڤيينا منتقد أخلاقياً ومنطقياً لأنه ينفي أهمية التنازل عن المقاضاة.

3- الحصانة المالية: يعفى المبعوث الدبلوماسي من جميع الرسوم والضرائب الشخصية أو العينية، القومية أو الإقليمية أو البلدية باستثناء ما يلي:

أ ـ الضرائب غير المباشرة التي تدخل أمثالها عادة في ثمن الأموال أو الخدمات.

ب ـ الرسوم والضرائب المفروضة على الأموال العقارية الخاصة في إقليم الدولة المضيفة.

ت ـ الضرائب التي تفرضها الدولة المضيفة على التركات.

ث ـ الرسوم والضرائب المفروضة على الدخل الخاص الناشئ في الدولة المضيفة، والضرائب المفروضة على رؤوس الأموال المستثمرة في المشروعات التجارية القائمة في تلك الدولة.

ج ـ المصاريف المفروضة مقابل خدمات معينة.

ح ـ رسوم التسجيل والتوثيق والرهن العقاري ورسم الطابع والرسوم القضائية بالنسبة إلى الأموال العقارية الخاصة.

كذلك تقوم الدولة المضيفة وفقاً لما تسنه من قوانين وأنظمة بالسماح بدخول المواد المعدة للاستعمال الخاص للمبعوث الدبلوماسي أو لأفراد أسرته من أهل بيته بما في ذلك المواد المعدة لاستقراره مع إعفائها من جميع الرسوم الجمركية والضرائب والتكاليف الأخرى غير تكاليف التخزين والنقل والخدمات المماثلة.

بدء المهمة الدبلوماسية وانتهاؤها

إنشاء العلاقات الدبلوماسية وقطعها حق مطلق للدول لأنه من أهم مستتبعات السيادة. فلا تلزم دولة بالدخول في علاقات مع غيرها من الدول إلا برضاها. وكذلك برضا الدول صاحبة العلاقة تتحدد درجة العلاقة الدبلوماسية ونوعها.(سفارة، مفوضية، بعثة على مستوى القائم بالأعمال).

والتمثيل الدبلوماسي حق للدول المستقلة. فلها وحدها - من حيث المبدأ - حق إيفاد المعتمدين الدبلوماسيين (وهذا هو الجانب الإيجابي من حق التمثيل). وحق استقبالهم (وهذا هو الجانب السلبي من حق التمثيل). ولكن لا يمكن لدولة إرغام دولة أخرى على قبول معتمديها وإن كان الواقع يجعل من التبادل الدبلوماسي ضرورة حيوية تفرضها متطلبات العصر، عصر التكامل والتكافل بين الأمم. أما الدول ذات السيادة الناقصة، كالدول المحمية مثلاً، فتتولى الدولة الحامية مهمة تمثيلها في الخارج وقد تسمح لها بممارسة حق التمثيل السلبي بموجب صك الحماية كما كانت الحال عليه أيام الحماية على تونس والمغرب قبل استقلالهما عام 1956.

ومن ناحية أخرى فلا تلزم دولة قبول شخص ما كممثل دبلوماسي لدولة أخرى إلا إذا وافقت عليه. لذلك يسبق تعيين الممثل عادة عملية استمزاج  تعرض فيها الدولة الموفدة اسم مرشحها للمنصب لتبدي الدولة الأخرى رأيها فيه سلباً أو إيجاباً. وهي في حالة الرفض غير ملزمة ـ قانوناً بيان أسباب رفضها وما على دولة المرشح إذا كانت حريصة على تمتين علاقاتها بالدولة الرافضة إلا أن تقدم مرشحاً جديداً.

يصطحب المبعوث الدبلوماسي معه كتاب اعتماد credentials موجه من رئيس الدولة المعتمدة إلى رئيس الدولة المعتمد لديها. إلا إذا كان المبعوث من رتبة قائم بالأعمال فيكون كتاب اعتماده من وزير خارجيته إلى وزير خارجية الدولة المعتمد لديها. ويعدّ كتاب الاعتماد وثيقة التفويض التي يعتمد بموجبها المبعوث الدبلوماسي والتي تخوله حق ممارسة وظائفه بما فيها التفاوض باسم بلاده والإقرار بأن النص المتفق عليه هو النص المعتمد. كما تخوله حق التمتع بالحصانات والامتيازات التي يرتبها له القانون الدولي. وباعتبار أن كتاب الاعتماد وثيقة شخصية تصدر من رئيس دولة إلى رئيس دولة أخرى فإنه قد يحتاج إلى تجديد في بعض الحالات وخاصة حين يتم تغيير رئيس إحدى الدولتين بطريقة غير مشروعة.

يقدم الممثل الدبلوماسي أوراق اعتماده لرئيس الدولة المعتمد لديها أو لوزير خارجيته بحسب صفته وضمن مراسم protocol معينة تختلف من دولة لأخرى ولكن يشترط فيها عدم التمييز بين الممثلين الدبلوماسيين من الفئة نفسها. وتراعى في المراسم أقدمية الممثل الدبلوماسي، وهذه الأقدمية تتحدد بحسب النظام المتبع في كل دولة إما من تاريخ التبليغ الرسمي لوصول المبعوث الدبلوماسي وإما من تاريخ تقديم كتاب الاعتماد.

ويبقى الممثل الدبلوماسي قائماً على رأس عمله إلا إذا انتهت مهمته. ويكون ذلك في واحدة من الحالات الآتية: الاستقالة، الاستدعاء من حكومته، طرده من حكومة الدولة المضيفة، وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

وقطع هذه العلاقات لا يعني بالضرورة قطع العلاقات القنصلية بين البلدين كما لا يعني بالضرورة أن حرباً ستنشب بينهما. على عكس الحرب فهي تستتبع عادة قطع العلاقة الدبلوماسية بين المتحاربين.

وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقية البعثات الخاصة لعام 1969 تفصل بين إرسال هذه البعثات ووجود علاقات دبلوماسية أو قنصلية فلا يشترط لإرسال البعثات الخاصة وجود مثل هذه العلاقات (م7 من اتفاقية عام 1969).

محمد عزيز شكري 

الموضوعات ذات الصلة:

الدولة ـ السيادة ـ العلاقات القنصلية. 

مراجع للاستزادة:

ـ علي صادق أبو هيف، القانون الدبلوماسي (منشاة المعارف، الإسكندرية 1970).

ـ عبد العزيز سرحان، قانون العلاقات الدبلوماسية (دار النهضة العربية، القاهرة 1975م).

- Sataw’s Guide To Diplomatic Practic.


التصنيف : السياسة
المجلد: المجلد التاسع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 196
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 529
الكل : 31670051
اليوم : 24633

كلفينو (إيتلو)

المزيد »