logo

logo

logo

logo

logo

بوش (جيروم-)

بوش (جيروم)

Bosch (Gérôme-) - Bosch (Gérôme-)

بوش (جيروم ـ)

(1450 ـ 1516)

 

جيروم بوش Gerom Bosch فنان فلمنكي سليل أسرة أفرادها من المصورين والحرفيين، غامض السيرة وتكتنف أعماله الألغاز. ولد الفنان وتوفي في بوا ـ لي ـ دوك. تتلمذ لجده ووالده، وكان للوسط الريفي القوطي عظيم الأثر في تشكيله. تزوج بوش في عام 1478 بامرأة غنية، فارتقى به زواجه من حرفي بسيط إلى برجوازي ميسور، ليغدو في عام 1488 أحد وجهاء بلدته المرموقين.  

يحتل فن بوش مكانة مرموقة، إذ أتاح الفرصة لأشد العواطف تعارضاً بالظهور مجتمعة في آن واحد. وتعد أعماله الفنية مرآة القرون الوسطى ولسان حالها رغم معاصرتها للفنان ليوناردو دافنشي، فاجتمع فيها العميق والساخر، والواقعي وغريب الأطوار، والباعث للتقوى والإباحي الفاسق، والراشد المستقيم والمخالف الشاذ، والممتثل للمألوف والمتقلب الأطوار، والمنهجي الصارم والمجنح الخيال.

إن الرغبة في الكشف عن خبيئة عالم لوحاته بوصفه بُحراناً من الهذيانات والأحلام، وانعكاساً للعصر، وصورة لفكر يؤرقه القلق والرغبة، تنفي أن ثمة عزماً إرادياً وعنيداً يقف وراء هذا العالم فيثيره ويبعثه. فإرادة الفنان هنا لا يمكن إنكارها، ولكنها في أغلبها موسومة بالتعمية. وثمة صعوبة أخرى تعترض مشاهد أعماله، وهي أن الرموز والأشكال المتشابكة في لوحاته قد استلهمها من مصادر غزيرة التنوع، والمشاهد لن يجد فيها معنى ما إلا إذا امتنع عن النظر إليها كمجموعة شاذة من الإشارات والعلامات الجامدة، وذلك أن بوش لم يتبنّ هذه العلامات إلا بعد توحيدها وإعادة ابتكارها في تركيب مألوف وفريد، على المستويين الروحي والفني معاً.

عاصر بوش احتضار حضارة القرون الوسطى وأفولها، وبزوغ عصر النهضة ومزاحمته لها، فكان شاهداً على ما مرت به هذه الحقبة من نزاعات ومذابح وفتن، وعلى ما حل بالبلاد والشعب من مصائب ومجاعات وأوبئة، وعلى ما تنازع إيمان الناس من وساوس، ومن استحواذ الشيطان على أرواحهم، وعلى دعوة الكنيسة المؤمنين إلى التنكيل بالسحرة والمشعوذين، وتحذير المبشرين ورجال الدين من أن نهاية العالم آتية لا ريب فيها، وأن يوم الدينونة على الأبواب، فكان لابد لهذه البلايا مجتمعة من أن تشكل فضاء إلهامه ومنهله بعد استحواذها على أفكاره ورسوخها في وجدانه.

اشتهر بوش بمجموعة أيقوناته ولوحاته الخيالية، وميولها السردية التي لا ينضب معينها، فكان ينحو نحو التقليد الشعبي تارة، ونحو الخيمياء تارة أخرى، ولكنه لم يبتعد، في أي حال، عن شغله الشاغل: الدين والأخلاق. ويعد بوش من أكثر الفنانين أصالةً وعبثاً في التاريخ الفلمنكي، وكان يؤمن بالفوضى واللامعقول وهراء الحياة وعبثها، فلم يعبأ بتصوير المظهر الخارجي المزيف للإنسان بل صور ما يعتمل في دخيلته ووجدانه، نافذاً ببصره الثاقب إلى الأعماق الدفينة حيث تضطرب الرغبات المكبوتة التي حيرت النقاد، فلم يجدوا لها تفسيراً إلا مع نفاذ المحللين النفسيين حديثاً إلى مملكة اللاشعور. ولعل الفنان قد ارتاع في طفولته من حكايات القرون الوسطى عن العفاريت والأشباح، وعن الشياطين تخرج من وراء كل صخرة، أو تطلع من كل شجرة، فراح في سنوات نضجه يرسم المردة رسوماً ساخرة في هجاء يشفي نفسه منها، ويبعدها عن عقله بالضحك منها، فها هو في المشاهد الرعوية يجعل الصدارة لأنف بقرة، وفي «عبادة المجوس» يختلس الفلاحون النظر من النوافذ، ومن الطرقات المسقوفة تحت القناطر إلى العذراء وطفلها، ومع ذلك فقد رسم في هذه الصورة، بحذق بلغ حد الكمال، صورة جليلة للقديس بطرس، فتضاءلت حيال وقاره المهيب سائر الشخوص. كان بوش أبعد مايكون عن الواقعية، ولكنه كان ينقل بين حين وآخر مشهداً من الحياة، فيبالغ في إظهار الدمامة والفقر والخوف. وإذا ما تحول إلى تصوير قصص القديسين أظهرهم في صورة دقيقة إلى حد عجيب. ففي لوحة «إغواء القديس أنطوان» أحاط الناسك المتوحد اليائس بفاجرات مبتهجات وتخيلات سحرية، وقزم غرست رجلاه في كتفيه، وطائر له ساقا ماعز، وقرد له أرجل بقرة، وفأر تمتطيه ساحرة، ومنشد متجول يضع على رأسه جمجمة حصان.

وتعد لوحته المسماة «عربة القش» التي رسمها في عام 1485 فوق لوحة خشبية ـ ثلاثية الضلفات المطوية ـ من بين أعظم أعماله، واللوحة تعبير عن الحكمة الفلمنكية القائلة إن الدنيا كومة من القش يأخذ منها كل إنسان قدر استطاعته، وفيها شاب يعزف الموسيقى لفتاة تغني، وخلفهما عشيقان يتبادلان القبلات وملاك يجثو على ركبتيه، وفوقهما يرفرف المسيح في السحاب، وعلى الأرض قاتل يطعن عدوه المترنح، ورجلاً يبيع الدواء لكل داء، وقسيساً بديناً يتسلم النذور من الراهبات، وعجلات العربة تدهس بعض المحتفلين غير المكترثين، وإلى اليمين فريق من الشياطين، تعاونهم قردة، يجرون الأشرار إلى الجحيم، وفي الطرف الأدنى من اللوحة ست مجموعات يرى فيها بعض النقاد تمثيلاً للكبائر السبع وهي الغرور، والفسق، والحسد، والغضب واشتهاء ما للغير، والشره، والكسل.

وفي متحف اللوفر لوحة رائعة للفنان اسمها «قارب المجانين» استلهمها من أعمال أدبية كانت رائجة في زمانه، وفيها رمز بوش إلى نواحي الجنون المتصلة بحاستي الذوق والسمع، فصور قارباً ارتفعت ساريته ترفرف فوقها راية، وقد استغرق جميع من في القارب في ملذات الطعام والشراب والطرب، فثمة من يعزف على العود وثمة من يصغي، وثمة من يتسلق السارية ليتلقف دجاجة مشدودة إليها، وانهمك بعضهم في احتساء النبيذ، وانتثرت على المائدة بقايا الفاكهة، بينما تحلق المتسولون حول القارب.

إذا كانت تقنية بوش في التصوير مستمدة بمجملها من المصورين الفلمنكيين البدائيين، فإن تأثيره في الفنانين والأدباء ورجال الفكر لا يمكن نكرانه، وتشهد على ذلك أعمال الفنانين: بروغل وروبنز وغويا والسرياليين، والأدباء: فيكتور هوغو[ر] (أحدب نوتردام)، وفلوبير (إغواء القديس أنطوان)، ولوتريامون (أناشيد مالدورور) وغيرهم.

  من أهم أعمال بوش: «الكبائر الرئيسة السبع» و«عربة العشب»، و«قارب المجانين» (متحف اللوفر)، و«إغواء القديس أنطوان» (المتحف الوطني ـ  لشبونة)، و«حديقة الملذات الدنيوية» (متحف البرادو)، و«أعراس قانا» (متحف روتردام)، «ها هو ذا الرجل» (الإسكوريال)، و«تتويج المسيح بإكليل الشوك» (الصالة الوطنية ـ لندن)، و«حمل الصليب» (متحف جنت)، و«نزول المسيح إلى الجحيم» (متحف المتروبوليتان).

 

فائق دحدوح

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

الفلمنكي (الفن ـ) ـ بروغل (أسرة ـ) ـ البرادو (متحف ـ).

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ ثروت عكاشة، فنون عصر النهضة 2، الباروك (الهيئة المصرية العامة للكتاب 1988).

ـ ول ديورانت، قصة الحضارة، المجلد 22، ترجمة عبد الحميد يونس (الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية  1968).


التصنيف : العمارة و الفنون التشكيلية والزخرفية
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الخامس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 542
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 534
الكل : 29592301
اليوم : 47217

البلورات ب-التصوير الشعاعي (دراسة-)

البلورات بالتصوير الشعاعي (دراسة)   دراسة البلورات بالتصوير الشعاعي radiocrystallography فرع من العلوم، تستخدم فيه الأشعة السينية [ر] لدراسة بنية الأجسام الصلبة فيزيائياً وكيمياوياً، كما يمكن أن تستخدم أيضاً حزم أشعة من الإلكترونات أو النترونات اعتماداً على خواصها الموجية. بعد أن اكتشف الفيزيائي الألماني فلهلم كونراد رونتغن[ر] W.C.Röntgenِ الأشعة السينية عام 1895، صارت لها استخدامات واسعة في كثير من المجالات ولاسيما في الفيزياء والطب وعلم البلورات[ر] وعلم الفلزات. وقد استطاع الفيزيائي الألماني ماكْس فون لاوي Max von Laue عام 1912 أن يثبت أن الأشعة السينية ذات طبيعة كهرمغنطيسية بدراسة انعراجها في الأجسام البلورية، مما أدى إلى معرفة انتظام مواضع الذرات في البلورات وتمييزها من المواد غير المبلورة.
المزيد »