logo

logo

logo

logo

logo

التلفزة والتلفاز (من الناحية الاجتماعية)

تلفزه وتلفاز (من ناحيه اجتماعيه)

Televising and television - Télévision

التلفزة والتلفاز (من الناحية الاجتماعية)

 

يعدُّ ظهور التلفاز وتطوّره في القرن العشرين واحداً من أبرز المنجزات المحققة للثورة العلمية والتقانية في هذا القرن، وهو نتاج لتطور مجموعة كبيرة من العلوم التي تأتي في مقدمتها علوم الاتصال والتقانات المرتبطة به، بالإضافة إلى العلوم النفسية والاجتماعية التي تسهم في تعزيز الوظيفة الاجتماعية للتلفاز، وفي تأكيد الدور الذي يؤديه في الحياة الاجتماعية.

ويميز الباحثون في مجال الاتصال والإعلام بين ثلاثة مجالات للبحث العلمي في مجال التلفزة، هي المجال التقاني، والمجال الاجتماعي (النظري)، والمجال الفكري العقائدي. أما المجال الأول فيتصل بعلوم التقانة وما يرتبط بها من الهندسة الإلكترونية وهندسة الاتصال، وهندسة الصوت والإضاءة وغيرها.. ويتعلق المجال الثاني بإنتاج المادة التلفزيونية، وترتبط به مجموعة من العلوم الفنية والأدبية وعلوم النفس والاجتماع والصحافة والإعلام وغيرها...إلخ، والمستوى العقائدي الذي تأخذ من خلاله المواد التلفزيونية المنتجة اتجاهاتها ومساراتها، ومن خلالها يصير التلفاز نظاماً متكاملاً يمكن توظيفه لأغراض ثقافية وحضارية وعقائدية متنوعة لما يتمتع به من قدرات كبيرة على تغيير اتجاهات الناس وقيمهم وأفكارهم الاجتماعية والثقافية والسياسية.

غير أن الأداء الفعلي للتلفزة بوصفها نظاماً إعلامياً وثقافياً مرتبط بتحقق جملة من الوظائف المنوطة بمكوناتها، ومن ذلك:

1ـ وحدة المهام وترابطها: إذ يأخذ إنتاج المادة التلفزيونية بالحسبان الإطار العقائدي والفكري والقيمي السائد، فالتلفاز لا يعمل في فراغ، إنما في بيئة اجتماعية وثقافية وحضارية، وغالباً ما يؤدي الفصل بين المادة التلفزيونية المنتجة والإطار العقائدي والفكري والقيمي إلى عزل مكونات نظام التلفزة بعضها عن بعض، ويسهم في إعاقة نظام الدور الذي ينبغي أن يؤديه نظام التلفزة برمته.

2ـ الوظيفة التربوية والتعليمية للتلفاز: إذ يسهم التلفاز في تحقيق جملة من الوظائف التي تأتي في مقدمتها الوظيفة التربوية والتعليمية، فهو من جهة أولى يعمل على تعزيز القيم التربوية والاجتماعية التي تسوّغها البنية الثقافية والحضارية والعقائدية السائدة من خلال ترسيخها في الوعي الاجتماعي، وخاصة للناشئة، وهو من جهة ثانية يقدم المادة المعرفية التي من شأنها إغناء المشاهد بالمعارف النظرية والتطبيقية التي تنتجها العلوم يوماً بعد يوم.

3ـ ارتباط المهام المنوطة بالتلفاز بوسائل الإعلام الأخرى: فالصحافة والإذاعة والسينما والمسرح والإنترنت، تسهم في التأثير باتجاهات الناس وآرائهم وأفكارهم، ويسهم التوافق بين هذه المؤسسات جميعاً ونظام التلفزة في تحقيق الغايات التي يطمح لها هذه النظام.

4ـ ارتباط نظام التلفزة بالجمهور المستفيد: الذي يعد الهدف الأساسي في هذا النظام، إذ تؤدي الفجوة التي يمكن أن تنشأ بسبب ضعف النظام الاجتماعي للتلفزة، وغياب الترابط بين المهام المنوطة بكل مكون من مكوناتها إلى تعطيل نظام التلفزة برمته، فيأخذ عمله اتجاهات تختلف عن اتجاهات الناس وطموحاتهم وآرائهم، الأمر الذي يستوجب تحليل علاقة التلفاز بالجمهور على نحو دائم، والتأكد من شموليته لتلبية حاجات السكان بشرائحهم المختلفة.

5ـ معالجة المشكلات المتنوعة التي يمكن أن تعوق عمل نظام التلفزة: وذلك على المستويات الثلاثة المشار إليها (القيمي والاجتماعي والفني). وضرورة النظر إلى العلاقة بين هذه المكونات على أنها نظام إعلامي متكامل لا يمكن تطوير التلفزة في أي مجتمع بمعزل عن تطوير هذه الجوانب المتعددة.

وتتطلب المهام المتنوعة التي تقع على عاتق التلفاز في الوقت الراهن، وضرورة اتخاذ القرارات السريعة للبت في القضايا التي يعالجها تأهيل العاملين تأهيلاً عالياً لإعداد البرامج التلفزيونية بما يكافئ الدور الاجتماعي المطلوب منه، والتجديد المستمر للتصورات العلمية والثقافية التي يعتمد عليها نظام التلفزة، وتعميم الممارسات الصحفية الطليعية في هذا القطاع.

وبالنظر إلى الأهمية الكبيرة التي يتصف بها التلفاز في الحياة الاجتماعية المعاصرة، وحجم تأثيره الكبير في الشرائح الاجتماعية المختلفة من أفراد المجتمع، فقد صارت السيطرة عليه هدفاً تسعى له القوى الاجتماعية والسياسية، بالإضافة إلى الفعاليات الاقتصادية والتجارية. وفي حين تميل القوى الاجتماعية والسياسية للسيطرة على التلفاز لما يؤديه من دور أساسي في تغيير اتجاهات الناس وتغيير اتجاهات الرأي العام، ومن تغيير في المواقف السياسية للأفراد، لهذا تتسابق القوى المتناقضة لبناء محطات البث التلفزيوني وتقديم البرامج التي من شأنها تعزيز الاتصال بالجمهور على نطاق واسع، وتزداد هذه الظاهرة انتشاراً مع ظهور البث الفضائي.

وعلى طرف آخر، تعمل الشركات الصناعية والتجارية في مختلف دول العالم لتوظيف التلفزة في ترويج السلع والبضائع والخدمات المختلفة، وهي تسهم في تمويل محطات تلفزيونية كاملة في عدد كبير من الدول.

وتزداد الوظائف الاجتماعية والثقافية للتلفاز أهمية في الظروف الصعبة التي تجابه الدول والمجتمعات على اختلاف أنواعها، وفي أيام الكوارث والحروب والصراعات الاجتماعية والسياسية. تأتي هذه الأهمية من الدور التوجيهي الذي يؤديه التلفاز وحشد الرأي العام، وتعزيز المشاعر الوطنية والقومية وتجنيدها ما أمكن للقضايا المثارة على المستويات المختلفة. فمن خلال التلفزة يستطيع القادة والزعماء السياسيّون الاتصال بشعوبهم، وشرح خصائص المرحلة التي تمر بها الدولة، مما يترك آثاراً إيجابية فعّالة في توظيف المشاعر والأحاسيس لما يفيد وحدة الدولة، ويؤكد ترابط أبنائها، وتكامل فعالياتهم.

كذلك يمكن توظيف التلفاز ليؤدي وظائف مضادة للوظائف السابقة، فالجهات المعادية للدولة والمجتمع المعني تعمل على توظيف التلفاز لخدمة أغراضها وغاياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتستخدم من أجل ذلك الأدوات والوسائل التي استخدمتها الدولة الأصل. وتبعاً لتباين مستوى القدرة التي يحظى بها نظام التلفزة بوصفه نظاماً إعلامياً في المجتمع تكون الغلبة للنظام الأقوى والأقرب إلى نفوس الناس ومشاعرهم وأحاسيسهم، والأقرب إلى منظوماتهم الفكرية والثقافية والحضارية.

وفي هذا السياق، تشترك أحياناً هيئات حكومية أو شبه حكومية، أو هيئات خاصة  بعضها مع بعض في تمويل محطات بث تلفزيونية متجهة في وظائفها نحو مجتمعات أخرى، بهدف النيل من ثقافة تلك المجتمعات وحضارتها ووحدتها من خلال مجموعة برامج إعلامية وثقافية تثير المشكلات الاجتماعية، وتشجع على الانحراف الأخلاقي والقيمي مستفيدة من قدرتها على تلبية الحاجات النفسية والاجتماعية للفتيان المراهقين بطرق لا تقرها المعايير الاجتماعية والثقافية في البلد الأصلي. وقد تأتي هذه الأهداف عبر برامج الصور المتحركة المخصصة للأطفال، وعبر مسلسلات البطولة والمغامرات والعنف الموجهة للفتيان والشباب في سن المراهقة.

وتسهم الخصائص المميزة للتلفاز في نشر البرامج الفنية والإخبارية المتنوعة، فتدفعه إلى الصفوف الأولى في التبادل الثقافي العالمي، إذ تنتشر بقوة البرامج والمنتجات الثقافية والفنية وتنتقل عبر أنحاء العالم، الأمر الذي يساعد في تطوير الثقافات المحلية للشعوب من جهة، ويساعد في تحقيق عملية التفاعل بين الأمم والثقافات.

وفي الوقت الذي يمكن أن يستخدم التلفاز في مجالات الصراع الثقافي والحضاري بين الأمم يمكن أن يكون عاملاً من عوامل التقارب بينها، وهذا ما تؤكِّده قرارات منظمة اليونسكو في إعلانها المبادئ الأساسية التي تخص إسهام وسائل الإعلام الجماهيري والدعاية في تعزيز السلام والتعاون الدولي المتبادل، والتوسع في تعريف المجتمعات الإنسانية بحقوق الإنسان وقضاياه، ونشر الديمقراطية، والنضال ضد العنصرية والتطرف والحروب، وتقع على عاتق الدول التي أقرت هذا الإعلان مسؤوليات أخلاقية وسياسية، وتدعو إلى عدم استخدام التلفزة للدعاية العسكرية والعنصرية والإرهاب وما شابه ذلك.

 

عطا الله الرمحين

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ ر.أ.بارتسكي، الأخبار الصحفية والإدارة الاجتماعية (دار ناووكا، موسكو 1998).

ـ ف.ساباك، نحن والتلفاز (دار«الحياة الدولية»، موسكو 1995).

ـ ف.غ.أفاناسييف، الإعلام الاجتماعي وإدارة المجتمع، الطبعة الثانية (دار ناووكا، موسكو 1996).


التصنيف : الصحافة و الإعلام
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 821
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 539
الكل : 29656343
اليوم : 36353

بياوروتيا (خابيير-)

بياوروتيا (خابيير ـ) (1903 ـ 1950)   خابيير بياوروتيا Xavier Villaurrutia  شاعر وكاتب مسرحي وقصصي مكسيكي، ولد وتوفي في مدينة مكسيكوسيتي، كانت له خبرة واسعة في الترجمة من الفرنسية والإنكليزية والإيطالية إلى الإسبانية. بدأت شهرته الشعرية عام 1919 حين ورد اسمه في مجموعة مختارة من القصائد بعنوان «ثمانية شعراء» Ocho Poetas، وظهر ديوانه الأول عام 1926 بعنوان «خواطر» Reflejos. وتبعته كتب أخرى منها «مسائيات» (1933) Nocturnos و«مسائية الملائكة»  (1936) Nocturnos de los ángeles و«مسائية البحر» (1937) Nocturno del mar و«مسائية الورد» Nocturno Rosa و«حنين الموت» (1938) Nostalgia de la muerte ، وقد عبر فيها عن شعوره بالخوف والكرب.
المزيد »