logo

logo

logo

logo

logo

خوارزم

خوارزم

Khwarezm - Khwarezm

خوارزم

 

 
 

خوارزم منطقة في آسيا الوسطى، تقع عند المجرى الأدنى لنهر جيحون. تحدها من الشرق صحراء «قزيل كوم»، التي تفصلها عن «ما وراء النهر». وتفصلها من الغرب صحراء قراقوم عن خراسان. وتتلاقى في جنوبها الصحراوان حيث ينفذ نهر جيحون. وتقف حدودها الشمالية عند شواطئ بحر خوارزم (آرال).

أثبتت تنقيبات الآثاريين في العهد السوفييتي. أن خوارزم وما وراء النهر قد تلقتا تأثيراً حضارياً في العصر الحجري القديم، من بلاد البحر المتوسط عبر إيران. وقد اكتشفت في المنطقة بقايا حضارة يرجع تاريخها إلى ما بين 5000-4000ق.م. ومنذ منتصف الألف الثانية ق.م يظهر في المنطقة أثر اللغات الهندية الأوربية. وكان أقدم ما عرف من عناصر السكان العناصر الفارسية التي دعاها بارتولد بـ «العناصر الإيرانية الأولى» Preo Iranians. التي كان من أبرزها شعب «الساكا» Caka الذي يعزى إليه إقامة أول تنظيم حكومي.

وخضعت خوارزم بين القرنين السادس والرابع ق.م، لحكم الامبراطورية الأخمينية الفارسية. وكانت تقوم فيها مملكة مستقلة  في عصر الإسكندر المقدوني  أطلق عليها اليونانيون تسمية تشوراسمي Chorasmia. والغالب أن هذه التسمية هي أصل تسمية خوارزم التي شاعت فيما بعد إبان الفتح العربي الإسلامي لهذه البلاد.

ولا ينجلي الغموض الذي دخل به تاريخ خوارزم بعد ذلك  إلا عند وصول جيوش الفتح العربي الإسلامي إليها (93هـ/712م) في العصر الأموي. وطفق قتيبة بن مسلم الباهلي الذي فتح خوارزم، يرسل إليها الولاة العرب من مركز عمله في مرو في خراسان. وظلت خوارزم تحت إشراف ولاة خراسان الذين كان يعينهم والي العراق ما تبقى من العصر الأموي. وانصرف اهتمام الولاة إلى توطيد السيادة العربية وجباية الضرائب.

وظلت خوارزم تحكم من قبل الولاة الذين كان معظمهم من العرب في مطلع العصر العباسي. وسار الخليفة العباسي المأمون (198-218هـ/813-833م) على سياسة إسناد المناصب في الدولة إلى العناصر غير العربية أكثر من ذي قبل، فقد أقطع قائده الفارسي طاهر بن الحسين عمل شرق الدولة كله بما فيه خوارزم (205هـ/820م)، وخضعت هذه المنطقة لحكم الطاهريين مدة نصف القرن - عمر هذه الدولة - ودخل الخوارزميون جنداً في جيوشها. ولما أفل نجم الطاهريين لم يتمكن آل الصفار الذين خلفوهم في السيطرة على خراسان من مد سلطتهم إلى خوارزم وما وراء النهر.

ولما ورث السامانيون حكم ما وراء النهر شهدت خوارزم عهد ازدهار في ظلهم. ظهرت آثاره في الزراعة والصناعة والتجارة . وكانت تجارتهم تنطلق إلى خراسان جنوباً بغرب وإلى بلاد الترك شرقاً ومع البجناق غرباً. وحقق التجار الخوارزميون أرباحاً أكثر من غيرهم من التجار مع الشعوب البدوية المجاورة لبلادهم. كما كانت أرض خوارزم منطلق جيوش السامانيين للتوغل في بلاد الترك، لمد سلطة الدولة إليها ونشر الإسلام بين سكانها.

وجدت جيوش الفتح العربي عند قدومها إلى خوارزم عدداً من الإمارات الصغيرة يحكمها أمراء استعر العداء بينهم. وترك الولاة العرب في بادئ الأمر هؤلاء الأمراء في إماراتهم، وسمحوا لهم بحمل لقب شاه، ولكن السلطة الفعلية ظلت بيد الولاة العرب. وكان عدد من هذه الإمارات لا يزال قائماً إلى الأيام الأولى لقيام الدولة السامانية. وربما كان بعد خوارزم الشاسع عن مركز الخلافة في بغداد هو السبب في بقاء هذه الإمارات. وكانت أهم تلك الإمارات تلك التي استقرت حاضرتها في «كاث» الواقعة على مبعدة من الضفة اليمنى لنهر جيحون في منتصف سهل خوارزم. وبما أن حكام هذه الإمارة حملوا لقب «خوارزمشاه». فقد اصطلح على تسميتها بدولة شاهات خوارزم الأولى. وترجع أصول سلالة حكامها إلى أزمنة تاريخية أسطورية. وكان لهم في كاث قصر يقوم إلى جواره مسجد.

انتقل لقب خوارزم شاه إلى والي «كركانج» المأمون بن محمد والي، الذي أسر آخر حكام دولة شاهات خوارزم الأولى وقتله واستولى على حاضرته سنة  386هـ/997م.

نجح المأمون في تأسيس سلالة حاكمة في خوارزم حكم فيها بعده على التوالي ولداه فحفيده ثم ابن حفيده. وكانت الأحوال العامة في خوارزم وما وراء النهر مضطربة؛ إذ لفظ الحكم السـامـاني أنفاسه (389هـ/999م) على يـد الإيلكخانية، الذين تطلعوا إلى ضم خوارزم إلى نفوذهم. كما أن محمود الغزنوي من خراسان كان يسعى إلى مد نفوذه إليها عن طريق ربط ابني المأمون برباط المصاهرة، بتزويجهما اثنتين من أخواته، ولكن ثورة قام بها الجند وقادتهم على ثالث حكام الأسرة (مأمون بن المأمون) لخنوعه لمحمود الغزنوي انتهت بقتله وتنصيب ابن أخيه (407هـ/1017م). ولكن محموداً الغزنوي قضى على الثورة، وانتقم من الثوار، واعتقل الحاكم الجديد وساقه أسيراً إلى إحدى القلاع. وعين محمود حاجبه التركي «التونتاش» شاهاً جديداً على خوارزم.

أقام التونتاش في الجرجانية تابعاً لمحمود الغزنوي. وانضم مع قواته إلى قوات محمود (416هـ/1025م) عندما قدم إلى ما وراء النهر لقتال الإيلكخانية. ولم يبخل بنصح مسعود ابن محمود الغزنوي، بأن يسير على سياسة أبيه مع هؤلاء. ولكنه قضى إثر إصابته بجراح عند غـارتـه على بخارى لانتزاعـها من الإيلكخانية (423هـ/1032م)، لحساب مسعود. وكان قد نجح في صد غارات القبائل الرحل المجاورة لخوارزم. وعمل في الوقت نفسه على إغراء جماعات من هذه القبائل على الخدمة في جيوشه.

ولما حل السلاجقة محل الغزنويين في حكم خراسان سنة433هـ/1040م، وجهوا قوة طردت حاكم مدينة جند من خوارزم (436هـ/1043م). وحكمها باسم السلاطين السلاجقة، حكام حملوا لقب خوارزمشاه أيضاً. وكان يضطلع فيها بوظيفة «الشِحْنه» (قـائـد الشرطة) عام 490هـ/1097م أحد أتباعهم ويدعى «أنوشتكين»، وهو في الأصل عبد تركي كان يتولى فيما سبق مهمة الساقي (الطشتدار) في البلاط السـلجـوقـي. ولمس السلطان بركيارق (487-498هـ/1094-1104م) من محمد بن أنوشتكين الذي كان يتدرب على أصول الإدارة في البلاط في مرو، علائم النجابة والإخلاص فأرسله إلى حكم خوارزم بلقب خوارزم شــاه (491هـ/1098م)، وكان ذلك مبدأ حكم السلالة الثالثة في تلك البلاد.

وقد فاقت السلالة الجديدة في الأهمية السلالتين السابقتين، وحكمت خوارزم مدة أطول من مدة كل منهما، وتعاقب على الحكم فيها ستة حكام كان من أشهرهم، تكش علاء الدين (589-596هـ/1193-1199م) الذي اضطر الخليفة الناصر إلى إصدار منشور يعترف له بلقب سلطان وبحكمه لغرب إيران وخراسان وما وراء النهر وخوارزم.

لقد زاد تكش من أملاك دولة شاهات خوارزم، وسار شوطاً في مضمار عظمة الدولة تاركاً بقية الشوط لابنه علاء الدين محمد حتى إذا هلك هذا طريداً ملاحقاً من المغول، آلَ الحكم إلى ابنه جلال الدين منكبرتي (618-628هـ/1221-1239م) الذي مات في أوضاع مجهولة عندما فرَّ إلى جبال كردستان بعد أن داهمه المغول عند آمد في أعالي نهر دجلة وقتلوا كثيراً من قواته، وبموته انتهت دولة شاهات خوارزم.

اكتسحت جيوش المغول خوارزم وهدمت العاصمة الجرجانية (618هـ/1221م). ولما قسم جنكيرخان أملاكه بين أولاده. كانت خوارزم من حصة جوجي الابن الأكبر. مؤسس دولة مغول القبيلة الذهبية. وبما أن الحدود بين أملاك أبناء جنكنرخان لم تكن واضحة تماماً. فقد كانت خوارزم التي تقع بين أراضي دولتي القبيلة الذهبية ومغول جغتاي مجال تنافس للسيطرة عليها بينهما، ولكنها غالباً كانت تحت حكم خانات القبيلة الذهبية. وقد أعيد بناء الجرجانية، وصارت تدعى أوركنج Urgench. زارها ابن بطوطة سنة735هـ/1333م، ووصفها بأنها من كبريات مدن الترك وأجملها وأفخمها. ولعلها كانت أهم مدينة على الطريق التجاري - طريق الحرير - بين شرقي آسيا وشرقي أوربة. وقد وصلت إلى الحكم فيها منذ (762هـ/1360م) أسرة آل صدفي، التي تعود في أصولها إلى قبيلة  كونغرات Congrat المغولية المتتركة. وكانت تمثلت الحضارة الإسلامية بدرجة أكبر مما كانت عليه حال تيمورلنك، الذي ظهرت مطامعه في ذلك الوقت في خوارزم لضرورتها لاستقرار حكمه في ما وراء النهر. ومن أجل الانطلاق لحروبه في إيران تذرع للإغارة على خوارزم بحجة أنها تعود لحصة جغتاي ابن جنكيزخان عند تقسيم أملاك امبراطورية المغول. ونجح بالاستيلاء عليها بعد أربع حملات متتالية بين 773و780هـ/1372و1378م. كان يعمل فيها على مد نفوذه إليها بالتدريج.

وخضعت خوارزم لأبناء وحفدة تيمور إلى أن انتزعها منهم الخان الأوزبكي شيبان (905-916هـ/1500-1510م) الذي قتله إسماعيل الصفوي في معركة مرو عند غارة شيبان على خراسان. وأرسل الصفوي ولاته لحكم خوارزم، ولكن أحد أفراد أسرة صوفي لم يلبث أن طردهم منها، لتلحق بخانية بخارى الأوزبكية التي تكونت حديثاً. ولما كان أغلب سكان خوارزم قد أضحوا يختلفون عن الأوزبك، فقد أدى ذلك إلى انفصالها عن الخانية الأوزبكية بعد مدة وجيزة. وبرزت مدينة «خيْوَه» مدينة رئيسية في خوارزم (جنوب الجرجانية على الضفة اليسرى لنهر جيحون). وقد ساعد على تركز السلطة في خيوه  تضاؤل شأن أوركنج بسبب تحول فرع جيحون الذي يرويها عنها. واختفى منذ ذلك الوقت اسم خوارزم ليحل محله اسم خيوه التي صارت عاصمة خانية تحمل اسمها منذ عام 921هـ/1515م. وكانت تلحق بين وقت وآخر بخانية بخارى في أثناء القرن السادس عشـر.

في القرنين السادس عشر والسابع عشر، ساءت أحوال الخانية وانتشرت فيها السرقة والجهل. وغزاها نادر شاه من إيران 1153هـ/1740م رداً على غاراتها على خراسان. تحسنت أحوال خانية خيوه عند وصول سلالة جديدة إلى الحكم فيها(1177هـ/1763م) دعت نفسها سلالة كونغرات، وعمدت الحكومة الجديدة إلى انتهاج سياسة إصلاحية في المجالين السياسي والاقتصادي. وعملت على التوسع على حساب جيرانها، وبلغت الخانية أقصى اتساع لها في عهد الخان عبد الله قُلي (1241-1258هـ/1825-1842م) ؛ إذ امتدت سلطته من مصب نهر سيحون شمالاً إلى نهر المرغاب في خراسان جنوباً. إلا أن الحروب التي نشبت بينها وبين جيرانها أضعفت الجميع أمام التوسع الاستعماري الروسي. وعلى الرغم من أن خانية خيوه صدت هجومين روسيين في 1717م و1839م إلا أن الروس تمكنوا من إقامة قلاع عند مصب سيحون للمراقبة، وعملوا على مد نفوذهم بالتدريج على خوارزم، وإلحاق أجزاء منها بالسلطة الروسية. وانتهى الأمر إلى احتلال خيوه، التي صـارت محمية روسـية منذ 1873. وألغي نظـام الخانية عـام 1919، وقامت في البلاد جمهورية دعيت بجمهورية خوارزم. وتحولت الجمهورية إلى جمهورية شعبية في العام التالي على يد البلاشفة، ثم ألحقت عام 1924 بأراضي الاتحاد السوڤييتي. وقسمت أراضيها بين جمهوريتي أوزبكستان وتركمانستان، وجمهورية قراقلبق ذات الحكم الذاتي.

مظهر شهاب 

مراجع للاستزادة:

ـ عطا ملك الجويني، تاريخ فاتح العالم جهانكشاي، نقله من الفارسية محمد ألتونجي (1405هـ/1985م).

ـ بارتولد فاسيلي، تركستان من الفتح العربي إلى الغزو المغولي، نقله عن الروسية صلاح الدين عثمان هاشم (الكويت 1401هـ/1981م).

ـ بارتولد، تاريخ الترك في آسيا الوسطى، ترجمة أحمد السعيد سليمان (القاهرة 1958).

ـ فؤاد عبد المعطي الصياد، المغول في التاريخ (القاهرة 1960).


التصنيف : التاريخ
المجلد: المجلد التاسع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 29
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1086
الكل : 40545727
اليوم : 75542

البطاء المغناطيسي

البطاء المغنطيسي   البِطاء Hysteresis ظاهرة تكون فيها حالةُ جملة فيزيائية ذاتَ علاقة بتاريخها السابق، ويكون البطاء عادة على صورة تأخر استجابة مفعول فيزيائي عن المتغير الذي سبب حدوثه. ويحدث البطاء في حقول من العلم مختلفة، فالبطاء الميكانيكي يكون المتغير فيه الإجهاد stress، وتكون الاستجابة المتغيرة هي الانفعال أو التشوه strain. أما البطاء المغنطيسي فيحدث في المواد الحديدية المغنطيسية، ويكون المتغير فيه الحقلَ المغنطيسي (ح) وتكون الاستجابة المتغيرة التمغنط (مغ).
المزيد »