logo

logo

logo

logo

logo

الدادائية (د)

داداييه (د)

Dadaism - Dadaïsme

الدادائية

 

«دادا» أو الدادائية Dada, Dadaïsme اسم حركة ثقافية عالمية أسسها عدد من الأدباء والفنانين المناهضين للحرب ولتبعاتها المدمرة. اتخذت الحركة من التحريض والعداء للتقاليد والإيديولوجيات شعاراً لها، وسعت نحو خلق حالة من الاضطراب الفكري والشك المطلق تكون أساساً لقيم جديدة، تلقائية وخيّرة ومحبة للحياة.

يعود تاريخ تأسيس الحركة إلى الثامن من شباط 1916 حين التقى في ملهى «فولتير» في مدينة زوريخ السويسرية سبعة أدباء وفنانين لإعلان ولادة الحركة، واتفقوا أن يختاروا لها أول اسم يقعون عليه عند فتح المعجم الذي كان أمامهم، فكان اسم «دادا». وكانت مجلة «ملهى فولتير» Cabaret Voltaire  هي المعبرة عن أفكار الحركة قبل أن تصدر مجلة «دادا» Dada الناطقة باسمها في تموز 1917، والتي حمل عددها الصادر في كانون الأول 1918 «البيان الدادائي» Manifeste Dada الذي كتبه الشاعر تريستان تسارا[ر] Tristan Tzara، ويعد بمثابة دستور الحركة. ويوضح البيان أن الحركة ترفض كل محاولة لاعتبار أفكارها جزءاً من الفن الحديث، ويعلن الثورة على كل أشكال الفن والأدب القائمة التي يجب «هدمها وكنسها والتخلص منها». وقد لاقت هذه الأفكار استحسانا لدى الفنان الفرنسي فرنسيس بيكابيا[ر]Francis Picabia الذي كان يصدر في نيويورك مجلة باسم «291» تدعو لأفكار مشابهة، وسرعان ما تم اندماج مجموعة زوريخ مع مجموعة نيويورك التي كانت تضم إلى جانب بيكابيا فنانين كبارا مثل مان راي Man Ray ومارسيل دوشان[ر] Marcel Duchamp.

وجدت الحركة مجالاً لانتشار أفكارها في باريس، بين عامي 1920 و1923 حيث التف الشعراء الشباب من كتّاب مجلة «أدب» Littérature مثل بروتون[ر] Breton وآراغون[ر] Aragon حول تسارا الذي اختار الإقامة في العاصمة الفرنسية. وقد قدمت في تلك المرحلة مجموعة من المسرحيات التي تعكس أفكار الدادائية، كمسرحيتي «المغامرة السماوية الأولى للسيد أنتبيرين» La Première Aventure céleste de Monsieur Antipyrine و«قلب من غاز» Cur de gaz لتسارا، ومسرحيتي «إمبراطور الصين» L’Empereur de Chine و«جلاّد البيرو» Le Bourreau du Pérou لجورج ريبمون ديسينيْ eorges Ribemont-Dessaignes. وقد جمعت الحركة في ذاك الوقت كبار المبدعين الفرنسيين مثل المؤلف الموسيقي إيريك ساتي[ر] Erik Satie والمسرحي جان كوكتو[ر] Jean Cocteau والأديبين بيير دريّو لاروشيل Pierre Drieu La Rochelle وبنجامان بيريه Benjamin Péret، وكانت مجددة في مجمل الميادين الثقافية، ومن بعض ما يسجل لها في مضمار الشعر مثلا القصيدة الصوتية أو المبنية على الحاكيات الصوتية، والقصيدة متعددة اللغات، إضافة إلى هوس اللعب بالكلمات ونحت كلمات جديدة.

كان ريشارد هولزِنبِك Richard Huelsenbeck، أحد رواد الحركة، قد أسس قبل ذلك في العاصمة الألمانية برلين «نادي الدادا» الذي استمر بنشاطاته من 1918 حتى 1921، وكان من أشهر أعضائه حَنَّة هوخ Hanna Hoch و فرانتس يونغ Franz Jung، ثم انضم إلى الحركة كل من الفنانين هانس آرب[ر] Hans Arp و ماكس إرنست[ر] Max Ernst. كما انتشرت الحركة أيضاً في إيطاليا وهولندا ويوغسلافيا وبولونيا وهنغاريا وإسبانيا واليابان.

 

مجموعة زوريخ عام 1916

أولت الحركة الدادائية منذ نشأتها الأولى اهتماما خاصا بالفن التشكيلي، فافتتحت عام 1917 صالة للعرض باسم «غاليري دادا» Galerie Dada في زوريخ. وقد قدمت في هذه الصالة أعمال الفنانين الطليعيين الأوربيين مثل كاندينسكي[ر] Kandinski وبول كلي[ر] Paul Klee ودي كيريكو[ر] De Chirico إضافة إلى أعمال الدادائيين مثل تريستان تسارا، هوغو بول Hugo Bull، ريشارد هولزنبك وغيرهم. وقد عبّرت أعمال هؤلاء الرواد عن المبدأ الأساسي في الفن الدادائي، وهو مبدأ الجمع بين الأشكال المختلفة للتعبير، ولاسيما الجمع بين التعبير اللغوي والبصري، وقد جاء هذا المبدأ نتيجة للتأثير المزدوج لكل من تسارا الذي كان يطمح إلى الجمع بين مختلف التيارات الفنية الصاعدة في أوربا في بداية القرن العشرين في فن جديد يقوم على أنقاض المذاهب السائدة، و بول المدافع عن نظرية «الفن الشامل» التي أطلقها الشاعر الفرنسي أبولينير[ر] Apollinaire وطبقها تشكيلياً فنانو الحركة المستقبلية[ر] Futurisme.

تشكلت في الفترة نفسها في نيويورك مجموعة من الفنانين المهاجرين حول الفرنسيين مرسيل دوشان وفرنسيس بيكابيا والأمريكي مان راي. وقد بدأت توجهاتهم الفنية الدادائية تتضح بدءا من مشاركتهم في معرض «صالون المستقلين» عام 1917. وكان لهم تأثير قوي في مجمل الحياة الثقافية الأمريكية من خلال شبكة من الأدباء والفنانين وجامعي الأعمال الفنية المتحمسين لهذا الفن الطليعي الجديد. انتقل مركز نشاط الحركة الدادائية إلى برلين وباريس بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وشكل الفنانون من أمثال غيورغ غروتس Georg Grosz، راوول هاوسمن Raoul Hausmann، وجون هارتفيلد John Hartfield القسم الأكبر من أتباعها. وقد اخترع الأخيران تقنية توليف الصور (المونتاج) Photomontage. أما في باريس فقد عرفت الدادائية أوج ازدهارها ثم بداية أفولها.

اقتربت تجربة دادا الفنية في بداياتها من الفن التجريدي، فكان نتاجها أساساً لعدد من التقانات الحديثة التي يعود للدادائية سبق اختراعها مثل تقنيات فن «سقط المتاع» The Ready-made وتوليف الصور Collage. وتعتمد التقانتان الأخيرتان مبدأ رصف المتنافرات من ألوان أو رموز أو عناصر تكوينية في سبيل الحصول على أعمال قائمة على التنابذ الداخلي. وبالتالي لا ينتج الترابط في الصورة من انتظام مظهرها المرئي وإنما من الفكرة الرابطة أو من المفارقة. ويعد فرنسيس بيكابيا وماكس إرنست أشهر من استعمل هاتين التقانتين في أعمالهما. وقد انتقلت هذه التقانة إلى السينما حيث صارت واحدا من الأسس الجمالية التي يعتمدها المخرجون في صناعة أفلامهم. أما تقانة فن «سقط المتاع» فتقوم على رفض الأحكام المسبقة في تصنيف «الجميل» بحيث يغدو لكل موضوع فني نصيبه من الجمال الخاص به حتى لو كان الموضوع عادياً أو مبتذلاً. وقد تركزت هذه التقانة لدى الدادائيين في استعمال صور الآلات وكل ما له علاقة بعالم الآلة. لكن بينما كانت مدرسة برلين (هوخ، هاوسمن) تخلط بين صورة الإنسان البسيطة وصورة الآلات المعقدة لتعبر عن مأساة هذا الإنسان أمام التطور التقني، كانت مدرسة باريس (دوشان، بيكابيا) تفصل في أعمالها الكلمات عن الآلات لتعبر عن موقف انتقادي من الثقافة الرأسمالية التي تدعي العالمية لكنها تعجز عن استيعاب العنصر المنتج: الإنسان.

كانت الدادائية نزعة إنسانية تنظر إلى خير الإنسان المنبعث من رماد الانحطاط الذي رمته فيه الحرب العالمية الأولى، وهو ما يقوله تسارا في البيان الدادائي: «بعد المجزرة يبقى لنا الأمل بإنسانية مطهّرة».

حسان عباس 

الموضوعات ذات الصلة:

البيان الأدبي ـ السريالية. 

مراجع للاستزادة:

- H.BÉHAR, Étude sur le théâtre dada et surréaliste (Paris 1979).

- H.RICHTER, Dada art et anti-art (Bruxelles 1966).

- R.MOTHERWELL, The Dada Painters and Poets (New York 1951).

- T.TZARA, Sept Manifestes dada (Paris 1924).

 

 


التصنيف : الأدب
المجلد: المجلد التاسع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 98
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1087
الكل : 40504053
اليوم : 33868

مابين النهرين (موسيقى-)

ما بين النهرين (موسيقى ـ)   قدمت مكتشفات المواقع الأثرية في بلاد ما بين النهرين وثائق وأدوات كثيرة، تثبت تطور الموسيقى وآلاتها الإيقاعية والوترية والنفخية. ومن التصنيف العلمي لهذه المكتشفات توصل العلماء إلى القول: إن سكان بلاد الرافدين قد عرفوا الآلات الموسيقية وطرق استخدامها منذ الألفين الثالث والثاني قبل الميلاد. يقول المؤرخ الموسيقي الشهير كورت زاكس C.Sachs: «إن الطبول وجدت آثارها في بلاد ما بين النهرين منذ عهد السومريين، وكانت على أشكال وهيئات وأحجام متعددة ومتفاوتة، وقد ضمت اثني عشر نوعاً».
المزيد »