logo

logo

logo

logo

logo

دون جوان

دون جوان

Don Juan - Don Juan

دون جوان

 

تعد أسطورة دون جوان (خوان) Don Juan إحدى أكبر أساطير الأدب العالمي، وهي لا تقل ألقاً وشأناً عن دون كيخوته. ولدت الشخصية في عـام 1630 في مسرحية عنوانها «مغوي إشبيلية» El Burlador de Sevilla كتبها المؤلف الإسباني تيرسو دى مولينا[ر]Tirso de Molina، بطلها رجل مغرور مخادع خوّان شبقي، يجد متعته في الخطيئة وتدنيس الشرف، زنديق، يغوي النساء ويتفاخر بإيقاعهن في حبائله. ولفهم شخصية دون جوان وما في جوانبها من غموض وألغاز لابد من معرفة إسبانيا في فترة حكم آل هابسبورغ Habsburg، إذ كان يتخفى خلف صرامتها الأخلاقية الخارجية مجون مجنون لا حدود له ولا رادع. وترمز أسطورة دون جوان عند تيرسو دي مولينا إلى فساد مرحلة تاريخية بأكملها، ظاهرها تقىً وباطنها فجور. وهناك أثر لاهوتي على قدرٍ من القوة لإثبات أن دون جوان ليس مشكلةً إنسانية في ذاتها، وإنما هو مشكلة كاثوليكية سببها التشدد الديني الذي أفرزها للانفلات من ربقته. والجحيم هو هاجس هذه الشخصية، كما في المقولة المتناقضة عن الإنسان المسيّر والمخيّر التي افتنّ بها اللاهوتيون آنذاك. ودون جوان بتجرئه وإقذاعه وتبذّله وتجديفه على الدين انطلق من ثقة فيها مبالغة وشطط بفكرة رب غفور رحيم، لا شك في أنه سيترك له فسحة من عمر في مقبلات الأيام يستغفره فيها عن حياة كلها زلات وسقطات. كان رجلاً يؤمن بوجود الله كما كان يؤمن بوجود الشيطان في الوقت ذاته.

ومنذ أن ظهرت شخصية دون جوان وهي تلهب القرائح الأدبية وتدفع بالأدباء والموسيقيين إلى الكتابة والتأليف، وبالباحثين في التاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس والطب النفسي إلى الدرس والتمحيص في جوانب هذه الشخصية المعقدة. وقد تجاوزت شخصية دون جوان في هذا السياق شخصية فاوست[ر. غوته] Faust على ما بين الشخصيتين من علائق وثيقة جداً، قد تؤدي إلى الخلط بينهما في أحايين كثيرة. وهذا لا يعني مطلقاً أن شخصيةً كشخصية دون جوان لم تظهر إلى الوجود في العصور السابقة، أو أن البشرية قد جهلت هذا النوع من السلوك، وبالتالي لم يكن من قبيل المصادفة أن يكون مبدع هذه الشخصية، رجل دين مرتزق من رجال إسبانيا الكاثوليكية الغُلاة. لكن نكهة الأسطورة الدرامية الإسبانية قد امّحت أو تعرضت لتحريف عميق عبر الأعمال الكثيرة الدرامية وسواها التي ألهمتها هذه الشخصية خلال ثلاثة قرون ونيّف من الزمان إلى درجة أن العبرة التي نقلتها هذه الأعمال تظهر أحياناً متعارضة مع الأمثولة الأصلية. وتعني «الدنجوانية» donjuanisme التحلل من الأخلاق والمجون. وحكاية دون جوان هي حكاية شاب نبيل مخاتل طروب يزجي وقته بمطارحة النساء الغرام بجعلهنّ يعتقدن أنه سيتزوجهن، خافياً شخصيته عن العامة، يساعده على مغامراته خادمه كاتالينون Catalinon. وتضطره مغامراته النسائية هذه إلى الفرار دوماً، مخلفاً في حلّه المؤقت وترحاله الدائم عشيقات متيمات مخدوعات.

إن دون جوان المخادع رجل يفكر، ويشعر بحاجة إلى تبرير تجاوزاته عن طريق أفكارٍ إلحادية اقترضها من مفكري زمانه الملحدين، تحمل في طياتها أيديولوجية مناهضة للمسيحية. وعندما عكف موليير[ر] Molière على كتابة مسرحية «دون جوان» في عام 1665 كانت الفكرة وقتها معروفةً عند الفرنسيين، ومع ذلك لاقت نجاحاً منقطع النظير. وفي قرنين من الزمان لم تعش المسرحية في فرنسا إلاّ على شكل اقتباس شـعري لـها من نظم تومـاس كورنـي[ر] Thomas Corneille ت(1625-1709)، في عام 1677 وتحت عنوان «وليمة الحجر». وامتد أثر مسرحية موليير إلى خارج حدود فرنسا، فغموضها جعل لها قوة إيحاء ما تزال تحتفظ به. وإذا ما صار دون جوان أحد أكبر أساطير الأزمنة الحديثة، فشخصيته تدين في المقام الأول بذلك إلى موليير. ونحو عام 1675 عرفت إنكلترا بدورها دون جوان في مأساة كتبها شادويل T.Shadwell عنوانها «الداعر» The Libertine، تبعتها ألمانيا وهولندا في أعمال كثيرة بعضها هزلي مرتجل على الطريقة الإيطالية وبعضها كُتب لمسارح الدُمى وبعضها الآخر كتب لمسارح الكبار الجادة. وظهر في إسبانيا عمل للمؤلف ثامورا Antonio de Zamora ت(1660-1728) كتبه عام 1714 فريد في تعقيده وفي طول عنوانه:No hay plazo que no se cumpla ni deuda que no se pague ويقابله بالعربية «يُمهل ولا يُهمل». وفي إيطـاليـا كتـب غولدوني[ر] Carlo Goldoni مسرحية عنوانها «دون جوان زير النساء» Don Giovanni Tenorio عام (1736). واستلهم لورد بايرون[ر] Lord Byron موضوع دون جوان بحرية فجعل منها شبه ملحمة نقدية بعنوان «دون جوان» كتبها في الفترة الواقعة بين عامي 1819-1824 بطلها شـديـد الشـبه من كانديد Candide بطل فولتيـر[ر] Voltaire، أو من شيروبان Chérubin بطل بومارشيه[ر] Beaumarchais. وكتب غرابّه Christian Dietrich Grabbe  ت(1801- 1836) مأساةً شعرية تقع في أربعة فصول عنوانها «دون جوان وفاوست» Don Juan und Faust نشرت عام 1829 استلهمها من غوته وموتسارت. وثمة لشخصية دون جوان أثر في مسرحية فاوس  Faust لغوته، وكذلك في نصوص عدة كتبت في المرحلة نفسها، ولاسيما في قصيدة «كوميديا الموت» La comédie de la mort التي نظمها الشاعر الفرنسي غوتييه[ر] Théophile Gautier في عام 1836. ونظم الشاعر الروسي بوشكين[ر] Pouchkine في عام 1830 قصيدته «الضيف الحجري»، وفي عام 1834 تناول الفرنسي ميريميه[ر] Prosper Mérimée في حكايته «أرواح المُطَهَّر» Les Ames du purgatoire الموضوع نفسه. كما تناول الموضوع في عام 1836 الكاتب الفرنسي دوما الأب[ر] Alexandre Dumas Père في عمله المسرحي الشعري «سقوط ملاك» La Chute d’un ange، وكتب الإسباني خوسيه ثورّيلا[ر] José Zorrilla مأساته الشعرية «دون جـوان زيـر النـساء» Don Juan Tenorio عـام (1844). وظهرت في فرنسا أيضاً قصة بلزاك[ر] «دون جوان بيلفيديرو» Don Juan Belvidero عام (1830). ونظم الـشاعر الـبرتغالي غويرّا خونكويرو Guerra Junquero قصيدته «موت دون جوان» A Morte de Don Joâo. ونظم الأديب الروسي ألكسي تولستوي[ر] A.Tolstoï في عام 1860 قصيدة مأسوية في موضوع دون جوان. وكتب الفرنسي إيكار J.Aicard في عام 1889 مأساةً شعرية بعنوان «دون جوان» Don Juan.

ومع تطور المجتمع تبدو شخصية دون جوان الكلاسيكية مهددة بالوقوع في المفارقة التاريخية. فالتخلي عن التشدد المسيحي فيما يتصل بأخلاقيات الجنس، وتحرير القوانين المدنية فيما يتصل بأمور الطلاق، مما سمح بتعددية زوجية متعاقبة، وتحرر المرأة من كائن ضعيف قاصر إلى ندٍ منافس للرجل إضافة إلى أسباب كثيرة أُخرى تجرد أسطورة دون جوان من معانيها ومضامينها. ومع ذلك فما زالت الأسطورة تعيش في الخيال العام بألف وجه ووجه صامدة أمام عوادي الزمن والتغيير. وما زالت هذه الأسطورة تلهب الأخيلة والقرائح. وفي كل مرة يُعاد عرض دون جوان موليير أو دون جوان موتسارت وغيرهما، يتباهى مخرجوها والقائمون عليها في أنهم أتوا فيها بسبق، كما فعل المسرحي الألماني بريخت (بريشت)[ر] Bertolt Brecht عام 1954 عندما أعاد كتابة مسرحية موليير بتصرف وحمّلها مضامين اجتماعية وثورية. وقد رأى الأديب الفرنسي كامو[ر] Albert Camus في دون جوان أخاً لـ سيزيف Sisyphe، بطل كتابه «أسـطورة سـيزيف»  عـام (1942)Le Mythe de Sisyphe ، بوعيه العميق بعبثية الحياة التي يناهضها بكرمه وشجاعته الفردية، وببطولته الوجودية الواعية.

اجتمع مؤلف كتيبات الأوبرا دا بونتي Da Ponte مع الموسيقي النمساوي موتسارت[ر] Mozart في الموضوع نفسه ليبدعا سوية أوبرا «دون جوفاني» Don Giovanni ففاقت الأعمال الموسيقية الأخرى التي استلهمت موضوع دون جوان الذي ألهم قرائح موسيقية أخرى كالألماني غلوك[ر] W.C.Glück والإيطالي غاتزانيغا G.Gazzaniga والألماني رتشارد شتراوس[ر] R.Strauss. وقد تأثر بأوبرا موتسارت القاص والموسيقي الألماني هوفمان[ر] E.T.A.Hoffmann فكتب ولحَّن فانتازيا عنوانها «دون جوان» (1813).

وشخصية دون جوان كما نتخيلها كمسلك عيش يُؤَوَّل ويفسر بطرقٍ عدة كان موضوع أفلام سينمائية كثيرة. أول فيلم صُنع عن دون جوان في تاريخ السينما هو للمخرج دي بانوس Ricardo de Banos عن عمل ثورّيا السالف الذكر وكان ذلك في عام 1906. ثم تتالت الأعمال السينمائية التي تناولت موضوع الدونجوانية ودون جوان وآخرها الفيلم التلفزيوني «دون جوان» للمخرج الفرنسي بلوفال Marcel Bluwal عام 1965، وفيلم «دون جوفاني» Don Giovanni للمخرج بينك Carmelo Benc عام 1970.

نبيل اللو 

مراجع للاستزادة:

- G.MARAÑON, Don Juan et le donjuanisme (Paris1985).

- JEAN ROUSSET, Le Mythe de Don Juan (A.Colin, Paris 1978).

- M. BERVEILLER, Eternel Don Juan (Paris 1961).

 


التصنيف : الأدب
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد التاسع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 474
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 552
الكل : 31733348
اليوم : 8809

الحلقة

الحلقة   الحلقة ring (س ، +، ×) هي مجموعة غير خالية س، مزودة بقانوني تشكيل داخليين، يسمى أحدهما جمعاً ويرمز له بـ +، والآخر ضرباً ويرمز له بـ ×، بحيث يتحقق ما يلي: 1- المجموعة  س  تكون زمرة تبديلية بالنسبة للجمع[ر]. 2- الضرب تجميعي؛ أي: (س × ع) × ص = س × (ع × ص) لكل ثلاثة عناصر س، ع، ص من س. 3- الضرب توزيعي على الجمع، أي: س × (ع + ص) = س × ع + س × ص، (ع + ص) × س= ع × س + ص × س لكل ثلاثة عناصر س، ع، ص من س. وفيما يلي يستخدم الرمز س، بغية الاختصار للدلالة على الحلقة.
المزيد »