logo

logo

logo

logo

logo

الإجماع

اجماع

Ijmaa - Ijma`

الإجماع

 

الإجماع مصدر من مصادر التشريع الإسلامي الأصلية، ومعناه لغة: العزم والاتفاق، واصطلاحاً عند الجمهور: اتفاق المجتهدين من أمة محمد e بعد وفاته في عصر من العصور على حكم شرعي.

ضوابط الإجماع

ينعقد الإجماع بالضوابط التالية:

الاتفاق: الاتفاق ركن الإجماع. وقولهم في التعريف «اتفاق» يعمُّ الأقوال والأفعال والسكوت والتقرير. وللاتفاق شروط هي:

اتفاق جميع المجتهدين: فلا إجماع إذا خالف أحدهم. وقال بعضهم بانعقاد الإجماع إذا اتفق الأكثر وخالف الأقل.

التعدد في المجمعين: ذلك أن المقصود من الاتفاق هنا الاشتراك، فلا بدّ فيه من متعدد. وهذا يقتضي وجود عدد من المجتهدين، فلا ينعقد الإجماع بمجتهد واحد، ورأيه ليس حجة.

أن يظهر الاتفاق بإبداء رأي واحد من المجمعين في المسألة المعروضة: فإذا اختلفوا على قولين أو أكثر فهل لمن يأتي بعدهم من المجتهدين إحداث قول ثالث في تلك المسألة؟.

هناك ثلاثة مذاهب في هذه الحال: فمنهم من منعه مطلقاً وهم الأكثرون، ودليلهم على ذلك أن المجتهدين إذا اختلفوا على قولين فقد أجمعوا من جهة المعنى على المنع من إحداث قول ثالث، فيكون القول الثالث خرقاً لإجماع سابق وهو لا يجوز. ومنهم من جوَّزه مطلقاً، ودليلهم على ذلك أن المجتهدين الذين تكلموا في المسألة لم يصرحوا بتحريم القول الثالث، فليس إحداثه خرقاً لإجماع سابق. ومنهم من فصَّل فقال: إن كان القول الثالث المحدث لم يرفع شيئاً مما استقر عليه القولان الأولان جاز إحداثه لعدم مخالفته لما أجمع عليه، وإن رفعه فلا يجوز لأنه يخالف ما أجمع عليه، مثال ذلك الجد مع الإخوة. فقد قال بعضهم: المال كله للجد في التركة، وقال بعضهم: الجد يقاسم الإخوة، فالفريقان أجمعا ضمناً على أن للجد شيئاً من المال، فإحداث قول ثالث بعدم إرثه رافع لما أجمع عليه الفريقان فلا يجوز.

أن يظهر الاتفاق بإبداء الرأي صراحة قولاً أو فعلاً: أما إذا قال بعض المجتهدين قولاً، أو فعل فعلاً، وسكت الباقون، ففيه خلاف بين العلماء، وسيأتي بيانه.

أن يتحقق الاتفاق من جميع المجتهدين في وقت المسألة: وعليه فلا يعقد الإجماع بمن صار مجتهداً بعد حدوث تلك المسألة.

المجتهدون: قد يسمى المجتهدون بأهل الرأي والاجتهاد أو أهل الحل والعقد، وهم الذين يعتبر اتفاقهم إذا اتفقوا على حكم مسألة في عصر من العصور ويعتد بمخالفتهم إذا خالفوا فلا ينعقد الإجماع بمخالفتهم.

فقولهم في التعريف «المجتهدون» احتراز عن اتفاق بعضهم وعن اتفاق العامة.

كونه احترازاً عن اتفاق بعض المجتهدين: فذلك لأن كلمة «المجتهدين» جمع معرّف بأل الجنسية، والجمع المعرّف بأل الجنسية يفيد العموم، وعليه فإنه يجب اتفاق جميع المجتهدين. ولا يعتبر الإجماع عند الجمهور: إجماع أكثر المجتهدين مع مخالفة الأقل، وإجماع أهل المدينة، وإجماع أهل الحرمين (مكة والمدينة) وأهل المصرين (الكوفة والبصرة) وإجماع الخلفاء الراشدين، وإجماع العترة (علي وفاطمة وابناهما الحسن والحسين)، وذلك لأن الأدلة التي ثبتت بها حجية الإجماع متناولة للمجتهدين كلهم، فلا خصوصية لأهل بلد معين أو لطائفة من المجتهدين من دون غيرهم.

كونه احترازاً عن اتفاق العامة: يعني أنه يخرج بقيد المجتهدين عوام الأمة الذين يأخذون الأحكام عن علمائهم بطريق الاتباع والتقليد، وليسوا من أهل النظر في الشرعيات فلا يعتد بمخالفتهم في انعقاد الإجماع.

أن يكون المجتهدون من أمة محمد e: وذلك احترازاً عن اتفاق علماء الشرائع والديانات الأخرى، لقيام الأدلة على أن المقصودين هم أمة محمد e فلا يعتد في الإجماع بقول غير المسلم.

اتفاق المجتهدين بعد وفاته e : وذلك احترازاً عن الإجماع في عصره فإنه لا اعتبار به، لما عُلِمَ من أن مصدر التشريع في عصر النبوَّة الوحي فقط. فإذا وافق الرسول e المجمعين في المسألة، فالدليل والحجة في قوله، وإن خالفهم فاتفاقهم باطل.

اتفاق المجتهدين في عصر من العصور: تظهر أهمية هذا الضابط من ناحيتين الأولى: كي يندرج كل من كان من أهل الإجماع في الزمن الذي وقعت فيه المسألة. والناحية الثانية: كيلا يُتوهم أن الإجماع لا يتم إلاّ باتفاق جميع المجتهدين في جميع العصور إلى يوم القيامة، وعليه فلا يعتد برأي من صار مجتهداً بعد وقوع المسألة.

ولم يشترط الجمهور انقراض المجمعين في عصر ما ليكون إجماعهم حجة ودليلاً. فإذا اتفق المجتهدون ولو في لحظة، انعقد الإجماع وصار واجب الاتباع لا تجوز مخالفته من أحد، سواء كان هو من المجمعين أنفسهم أو كان ممن أتى بعدهم، وذهب الإمام أحمد بن حنبل وأبو الحسن الأشعري وغيرهما إلى اشتراط الانقراض، لاحتمال رجوع الكل أو البعض عما اتفقوا عليه، ولو رجع واحد منهم عن رأيه قبيل وفاته بطل الإجماع على حكم المسألة عندهم.

الاتفاق على حكم شرعي: وقولهم في التعريف «على حكم شرعي» احتراز عن اتفاق العلماء على حكم لغوي أو قضية عقلية أو أمر دنيوي مما لايتعلق بأفعال المكلفين من حيث هم مكلفون. وإنما المراد بمحل الإجماع الأحكام الشرعية من عبادات ومعاملات وغير ذلك من مسائل الحلال والحرام.

أنواع الإجماع

الإجماع نوعان: صريح وسكوتي.

الإجماع الصريح: وصورته أن يبدي كل واحد من المجتهدين رأيه صراحة في المسألة وتتفق الآراء على حكم شرعي واحد، أو أن يفعل كل واحد منهم فعلاً يوافق في ذلك فعل الآخر، فيكون ذلك إجماعاً صريحاً، وهو حجة عند الجمهور.

الإجماع السكوتي: وهو أن يتفق بعض المجتهدين على قول أو فعل ويسكت الباقون عن إنكاره، مع قدرتهم على إنكاره، ومضي مدة كافية للبحث في المسألة، فلا يُعرف من أحدهم مخالفة ولا تأييد. وهو حجة عند أكثر الحنفية والإمام أحمد بن حنبل. لأن السكوت في موضع الحاجة إلى البيان بيان. وذهب الإمام الشافعي والمالكية إلى عدم عدّه إجماعاً، ولا حجية له. لأن السكوت كما يكون للموافقة يكون للمهابة مع إضمار الخلاف.

حجية الإجماع ومستنده

الإجماع دليل ملزم من أدلة الأحكام الشرعية عند الجمهور. ويلي السنة النبوية من حيث الاستدلال به. واستدل الجمهور على حجيته بالقرآن الكريم والسنة النبوية، ومنهم من زاد على ذلك فاستدل بالمعقول. أما الإجماع فلا يمكن إثبات الإجماع به، لأنه إثبات للشيء بنفسه على ما ذكره الإمام الغزالي وغيره.

أما القرآن الكريم: فقد استدلوا منه بمجموعة آيات دار نقاش كثير بينهم فيها وتراه مفصلاً في كتب الأصول. وخلاصته أن بعض هذه الآيات فيها احتمالات، ومع الاحتمال لا يتم الاستدلال. وبعضها الآخر ليس فيه ما يدلّ على أن الإجماع دليل بنفسه.

ومن هذه الآيات الكريمة ما يلي مع إظهار وجه الدلالة في كل منها ووجه الاحتمال والتعليق على الاستدلال بها.

قال الله تعالى: )ومن يُشاققِ الرَّسولَ مِن بعْد ما تَبيّن لَهُ الهُدَى ويَتَّبعْ غيرَ سَبيلِ المُؤمنينَ نُوَلِّه ما تَولَّى ونُصْلِهِ جهنَّمَ وساءَتْ مَصِيراً( (سورة النساء: آية 115).

وجه الاستدلال: أن الله تعالى توعَّد من يتبع غير سبيل المؤمنين بدخول جهنم، فيلزم أن يكون اتباع غير سبيل المؤمنين باطلاً، لأنه لو لم يكن باطلاً لما ضمّه إلى الباطل الذي هو مشاقة الرسول في الوعيد. فكان ذلك دليلاً على وجوب اتباع  سبيل المؤمنين. ويلزم من ذلك أيضاً أن يكون الإجماع دليلاً شرعياً ملزماً.

وجه الاحتمال: يحتمل أن يكون المراد بهذه الآية: من يقاتل الرسول ويشاققه ويتبع غير سبيل المؤمنين في متابعته ومناصرته والاقتداء به وإطاعته فيما يأمر وينهى.

وقولـه تعالى: )كُنْتُم خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ للنَاسِ تَأمُرُونَ بالمعْرُوف وتنهَوْنَ عَنِ المنْكَر( (سورة آل عمران: آية 110).

وجه الاستدلال: أن الله تعالى وصف المؤمنين بالخيرية، والخيرية توجب الحقية، فإذا اتفقوا على أمر فاتفاقهم يدل على حقية ما اتفقوا عليه. ويضاف إلى ذلك أن الله تعالى وصف المؤمنين بكونهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وهذا يستلزم أن يكون قولهم حجة، لأنهم إذا أجمعوا على أمر أنه معروف كان معروفاً، وإذا أجمعوا على أمر أنه منكر كان منكراً. ويكون المخالف لهم ضالاً. فماذا بعد الحق إلا الضلال؟ وأيضاً لو أجمعوا على الخطأ لكانوا آمرين بالمنكر وناهين عن المعروف، وهو خلاف النص.

مناقشة هذا الاستدلال: إن اتصافهم بكونهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لا يستلزم أن يكون قولهم حجة ملزمة، بل المراد أنهم يأمرون بما هو معروف، وينهون عما هو منكر في هذه الشريعة.

وأما السنة: فهي الدليل الأقوى على حجية الإجماع. فقد تواترت الأحاديث النبوية من حيث المعنى على عصمة الأمة الإسلامية عن الخطأ، ممثلة بمجتهديها، من نحو قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تجتمع أمتي على الخطأ» و«لا تجتمع أمتي على الضلالة» و«يد الله مع الجماعة»، وغير ذلك كثير من الأحاديث.

أما المعقول: فمن المقطوع به أنه لابدّ لكل حكم اجتهادي فردي من دليل شرعي يستند إليه. فكيف الأمر إذن في اتفاق جميع المجتهدين على حكم قضية وجزمهم بها جزماً قاطعاً؟.

إنه من المستحيل عادة إجماع مثل هؤلاء المجتهدين على حكم والقطع به وليس له دليل شرعي قاطع، بحيث لا يتنبَّه واحد منهم على وجه الحق في ذلك.

هذه هي أدلة الجمهور القائلين بحجية الإجماع.

أما مستند الإجماع: فيرى الجمهور فيه أنه لابد للإجماع من دليل شرعي يستند إليه، حتى إذا انعقد الإجماع سقط البحث عن الدليل الذي استندوا إليه مع حرمة مخالفة  الحكم المجمع عليه وصيرورة هذا الحكم مقطوعاً به.

وسند الإجماع قد يكون دليلاً قطعياً وهو الكتاب والسنة المتواترة، وهذا متفق عليه وقد يكون السند ظنياً، ففيه رأيان: رأي الجمهور الذين لم يشترطوا القطعية في دليل الإجماع، فيجوز عندهم  أن يكون الدليل ظنياً كخبر الآحاد والقياس. ورأي الظاهرية والشيعة وغيرهم الذين اشترطوا القطعية في الدليل، فلا ينعقد الإجماع عندهم بخبر الآحاد والقياس، لأن الإجماع دليل قطعي وخبري الآحاد والقياس دليلان ظنيان، والظن لايفيد القطع.

أما المصلحة المرسلة: فيجوز أن تكون دليلاً للإجماع عند القائلين بحجيتها. وإذا كان  الإجماع المستند إلى الكتاب والسنة دليلاً شرعياً ثابتاً، فإن الإجماع المستند إلى المصلحة المرسلة [ر] تكون له الحجية نفسها ما دام محصلاً للمصلحة، فإذا تغيرت المصلحة، جازت مخالفة هذا الإجماع وإحداث حكم آخر يحقق المصلحة المستجدة. مثل ذلك: ما أفتى به فقهاء المدينة السبعة من جواز التسعير الجبري على الباعة محافظة على مصالح الناس وأموالهم مع سبق إجماع الصحابة على ترك التسعير.

ومن المسائل المختلف فيها إمكان وقوع الإجماع. فذهب الجمهور إلى إمكان وقوعه وأنه وقع فعلاً. فمن ذلك: الإجماع على جمع القرآن في المصحف في عهد الخليفة الأول أبي بكر، والإجماع على تحريم الربا في الأصناف الستة (الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح)، وإجماعهم على توريث الجدة سدس التركة، ونحو ذلك، وخالف في ذلك أصحاب النظام وبعض الخوارج والشيعة، وخلاصة ما ذكروه أن انتشار المجتهدين في الأقطار يمنع من معرفة أشخاصهم ورأي كل واحد منهم في المسألة، وأن اتفاقهم إما أن يكون عن دليل قطعي أو ظني، فإن كان قطعياً أغنى عن الإجماع، لأن العادة قاضية بمعرفة الناس له والاطلاع عليه، وإن كان ظنياً استحال الاتفاق عادة لاختلاف العقول في الفهم وتباين الأنظار.

 

محمد فاروق العكام

الموضوعات ذات الصلة:

الاجتهاد - الاستحسان - الاستصحاب - أصول الفقه (علم ـ) - المصالح المرسلة.

 

مراجع للاستزادة:

ـ الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام (دار الكتب العلمية، بيروت 1980).

ـ الشوكاني، إرشاد الفحول (دار المعرفة، بيروت 1979).


التصنيف : القانون
النوع : دين
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 417
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 606
الكل : 31219571
اليوم : 44728

بوالو (نيقولا-)

بوالو (نيقولا ـ) (1636 ـ 1711)   نيقولا بوالو Boileau Nicolas ناقد وشاعر فرنسي، ينحدر من عائلة برجوازيّة برلمانيّة باريسية، وهو أحد ستة عشر ولداً لأبيه. وقد أطلقت العائلة في وقت مبكر على الطفل نيقولا لقب ديبريو Despréaux نسبة إلى اسم أرض تمتلكها أسرته. ويبدو أن طفولة نيقولا لم تكن سعيدة إذ توفيت والدته وهو لا يزال في شهره العشرين. ولم يعرف طعم العلاقات الإنسانية إلا من خلال مدرسة بوفيه Beauvais حيث بدأ هناك بدراسة اللاهوت ثم القانون ليصبح بعدها محامياً لم يرافع عن أي قضية رسمياً أبداً. كان أحد أشقائه المدعو جيل Gilles الذي يكبره بخمس سنوات كاتباً هجائيّاً وعضواً في الأكاديمية الفرنسية منذ عام 1659.
المزيد »