logo

logo

logo

logo

logo

الخزف والخزافة (فن-)

خزف وخزافه (فن)

Ceramics and Pottery art - Art de la céramique et de la poterie

الخزف والخزافة (فن -)

 

يختلف الخزف pottery عن الفخار[ر] على الرغم من تداخل صناعتهما الذي يدفع الدارسين إلى صعوبة التفريق بينهما، فكلاهما من المشغولات المصنوعة من المواد الطينية اللازمة أو التي تكتسب خاصية اللزوبية بالمعالجة الحرارية وصولاً إلى الهيكلية اليابسة في نهاية مراحل صنعها. ولكن الخزف يمتاز بخاصية التزجيج glazing، فثمة مادة زجاجية سائلة تغطي الفخار قبل شيِّه ثانية فتكسبه تلوناً ولمعاناً وقسوة، مما لا يتمتع به الفخار الذي يبقى على لونه الترابي كامداً هشاً.

وقد أصبح التفريق بينهما واضحاً في التسميات الأجنبية، فالفخار بالإنكليزية earthenware، وبالفرنسية terre cuite، ويبدو من اللفظ الاعتماد على معنى الطين والتراب، أما الخزف فقد عرف بالإنكليزية تحت اسم pottery وبالفرنسية céramique مأخوذة من اللاتينية keramos.

وحمل الخزف أسماءً أخرى استمدت من مكان صنعها، فكان «الفاينس» Faïence نسبة إلى مدينة Faenza الإيطالية، كما حمل اسم «المالقي» نسبة إلى مدينة مالقه Malaga الإسبانية. وحملت الألواح الخزفية اسم «القيشاني» أو القاشاني نسبة إلى مدينة قاشان. وبصورة عامة كثيراً ما حمل الخزف اسم «الصيني» أو الشيني نسبة إلى الصين وهو نوع راق من الخزف ابتكره الصينيون بيـن عـامي600 و900م ونقله الأوربيون عنهم. وتتكون طينة هذا الخزف من مادة الكاؤلين الذي يساعد على مرونة العجينة وإعطائها الشكل المطلوب، ويتميز الخزف الصيني ببياض الطينة وصلابة الأواني وشفافيتها مع رقتها وقابليتها للرنين. ويتميز هذا الخزف الثمين بحسب انتسابه للأسر المالكة في الصين، الطانغ والسونغ والمينغ. وانتقل الخزف الصيني إلى جميع أنحاء العالم عبر طريق الحرير وكان له تأثير في صناعة الخزف.

كانت صناعة الخزف، قبل الخزف الصيني، وفي العصر الإغريقي والهلنستي، قد ازدهرت على شكل أوان مختلفة الأشكال، لكل شكل اسم يوناني، وحملت هذه الأواني رسوماً تمثيلية أسطورية أو تاريخية أو اجتماعية، واستمرت صناعة الخزف في العصر الروماني والبيزنطي متأثرة بالخزف الإغريقي.

طريقة صناعة الخزف (الخزافة)

جرة إيكسيكيلس: «أشيل وبينينسيليه»

نحو 540ق.م من الفخار المشوي،

ارتفاع 41سم (متحف بريطانيا)

تتبع صناعة الخزف تقاليد صناعة الفخار التي ابتدأت منذ العصور الحجرية. فلقد عثر في وادي النطوف (الأردن)، وفي موقع المريبط (سورية)، على أقدم الآثار الفخارية من تماثيل وأوان تعود إلى الألف الثامنة والسابعة قبل الميلاد، أكثرها كان مجففاً وقليل منها، المتأخر زمانياً، صار مشوياً.

وتقوم الخزافة على مبدأ أساسي هو اختيار أفضل مادة من الطين. وكانت المواد اللحقية على ضفاف النيل والرافدين المادة الأكثر شيوعاً في صناعة الخزف، إذ لم يكن سهلاً استيراد طين الكاؤلين أو السيلادون من مصادره البعيدة إلا ما ندر.

لاتتنوع طريقة صناعة الخزف كثيراً، وإنما يقع الاختلاف في المادة الطينية وفي الأشكال والرسوم وفي مراحل الرسم على البطانة. ففي العصور الإسلامية كلها كان الخزاف يعتمد على الطين المحلي فيحاول تنقيته من الشوائب، وقد يقوم بعجنه للتأكد من تماسكه، وكان يعتمد في عملية الشي على أفران خاصة مبطنة بغضار ناري، ويسمى الفرن «كور» أو «تنور»، وهو فرن يسمح بمرور الهواء والأكسجين من خلاله. أما التنور فكان مشيداً من الغضار الناري ويبنى بشكل مخروطي وله فتحة أرضية متصلة ببيت النار، وقد يكون التنور مفتوحاً أو مغلقاً، أما حجمه فيكون مختلفاً باختلاف حجم الخزفيات. وقد عثر في الفسطاط على اثنين وعشرين فرناً، كما عثر في دمشق على آثار أفران متفرقة، وبداخل الفرن ثمة حجرة «للرص» تتصل مباشرة بالنار واللهب الصاعد من بيت النار وتؤثر حجرة الرص في إحداث درجات لونية رائعة على الخزف، وذلك نتيجة التفاعلات الكيمياوية والغازية. والمقصود بالرص تنضيد الخزفيات بالاستعانة ببعض الحوامل أو الكراسي لمنع التصاقها. وفي حجرة الرص ثقب أو أكثر لمراقبة الخزفيات ودرجة الحرارة، ويسمى هذا الثقب «الثقب الكاشف». وكان الخزاف يدخل أحياناً آلة طويلة من خلال الثقب عليها الأكاسيد والألوان نفسها لكي يتعرف مراحل الشي مما يمكنه من رفع أو تخفيض درجة الحرارة في الفرن.

جرّة، نمط من المنمنمات

ارتفاع 17.5سم

(متحف فكتوريا وألبرت)
 

قبل عملية الشي لابد من تشكيل الخزفيات من الطين، وتتم عملية «التشكيل» باليد المجردة كما هو الأمر في صناعة الفخار، أو بالدولاب، وهي طريقة قديمة معروفة منذ العصور المصرية الفرعونية، وعصور بلاد الرافدين. وبعد عملية التشكيل تتم عملية «الجرد» أي تنظيف سطح القطعة من الزيادات وخاصة في القاعدة، وتتم هذه العملية بأداة خشبية أو حديدية. وبعد التشكيل يضيف الصانع طبقة «البطانة» على سطح القطعة قبل أن يجف طينها، ومن الممكن التحكم بلون البطانة عن طريق الأكسيد المضاف إلى الطينة. ويحصل على بطانة زرقاء بإضافة أكسيد الكوبالت، أو بطانة خضراء بسبب أكسيد النحاس أو بطانة بنفسجية بإضافة أكسيد المنغنيز، ثم يتم الحرق أو الشي الأول ببطء وبعدها يقوم الصانع بإضافة زخارفه ويعيد القطع إلى الحرق الثاني ولكن بدرجة حرارة منخفضة كي تثبت الألوان، ثم تطلى بطبقة الغليز الشفافة، ثم يحرق للمرة الثالثة، وتسمى هذه الطريقة طريقة الزخرفة تحت الطلاء under glaze. وفي طريقة أخرى تتم الزخرفة فوق طبقة الطلاء الشفاف وتسمى over glaze.

وصلت صناعة الخزف إلى أعلى مستوى من الجمال والأناقة بظهور البريق المعدني laster ware، وطريقة ذلك اتبعت منذ القرن الثامن، باستعمال طَفَل أصفر نقي مغطى بطبقة شفافة من الميناء القصديرية ترسم عليها الزخارف بالأكاسيد المعدنية بعد شيها للمرة الأولى، ثم يتم شيها ثانية بصورة بطيئة جداً تحت حرارة أقل من الأولى، عندها تندمج الأكاسيد المعدنية مع الدخان مشكلة طبقة معدنية رقيقة جداً، ويصبح لون البريق المعدني ذهبياً أو قريباً من اللون البني والأحمر، وهذه الطريقة عرفت في الري وسامراء والرقة ومصر، ويميزها موضوع الرسم عليها. ويحوي الأسلوب الإيراني - العراقي رسوماً لحيوانات وطيور وأشكال آدمية وزخارف وكتابات كوفية باللون الذهبي، ويعد خزف سامراء شاهداً على جودة وجمال هذا الخزف، إذ يفوق ما صنع للخلفاء العباسيين في سامراء جميع أنواع البريق المعدني فيما تلا ذلك من عصور. ومع ذلك كانت بغداد أكبر مركز لإنتاج هذا النوع الفاخر من الخزف في القرن التاسع، واستمر الخزف ذو البريق المعدني مزدهراً حتى القرن الثالث عشر في مدينة الري ثم انتقل إلى قاشان.

وثمة خزف ذو زخارف محزوزة أو محفورة أو مرسومة، يبدو ذلك في أوان ذات شفافية تقرب من البورسلين الصيني تصنع من الطين الأبيض وتكون أكثر صلابة وأقل سمكاً، وتبدو الزخارف محزوزة أو محفورة حفراً غائراً أو مفرغة.

مراكز الخزف عبر العصور الإسلامية

 

صحن خزفي من نيسابور

القرن التاسع عشر
(مجموعة خاصة، طهران)

اتبع الخزافون المسلمون منذ الفتح العربي الأساليب التي كانت سارية في العصور المصرية والساسانية. ولكن الخزف الصيني كان أشد تأثيراً على صناعة الخزف الإسلامي الذي عثر على آثاره في الفسطاط وسامراء والرقة والمدائن والري وسوسة ونيسابور، وكانت هذه المدن مراكز هامة لصناعة الخزف التي تعود إلى نهاية القرن الثامن وبداية القرن التاسع الميلادي، وكانت هذه الصناعة استعمالية عادية، أو فنية تزينية ثمينة تصنع تلبية لرجال الحكم حاملة أسماءهم وألقابهم متمتعة بميزات صنعية مثل البريق المعدني أو الطلاء بالميناء أو الرسم تحت الطلاء أو فوقه.

وكانت إيران في العصر الصفوي قد ابتكرت طرقاً متعددة للخزف، تتميز بغنى الأشكال الزخرفية وبطرق التلوين وبالبساطة وحسن استخدام التشكيل، وكانت الخزفيات على شكل جرار كبيرة مغطاة بدهان أزرق أو أخضر وكانت ذات زخارف نافرة بطريقة «القرطاس» أو الباربوتين Barbotine. وكذلك برعت نيسابور وسمرقند بصناعة هذا الخزف، وفي حفريات نيسابور عثر على كثير من القطع والكسر التي تعود إلى هذا العصر.

كما عثر في العراق، في سامراء والمدائن، وفي مصر عند أطلال الفسطاط، وفي سورية، في الرقة والرصافة على نماذج من الخزف المعاصر والذي تميز غالبه بالبريق المعدني متعدد الألوان.

ومن العصر السلجوقي اكتشفت مجموعات كبيرة من الخزف تعود إلى القرن الثاني عشر تشتمل على صحون وسلطانيات وأباريق مدهونة بطلاء أزرق زهري أو فيروزي أو أخضر أو أرجواني فاتح، ولعلها تعود إلى مدينة «سلطان أباد».

ومن الخزفيات التي تعود إلى العصر السلجوقي «خزف جبري» وهو من إنتاج مصانع ريفية على الرغم من روعة زخارفه، وطلاء هذا الخزف شفاف، وتكون زخارفه باللون البني الفاتح والأخضر والأرجواني الفاتح، وعليه بقع تحاكي بقع الخزف الصيني.

وعثر في مدينة ري على نماذج رائعة من الخزف الإيراني، منها صحن كبير يزينه شخصان يلعبان الصنج ومن حولهما زخارف وتفريعات نباتية، ثم انتقل الخزف من ريّ إلى مدينة قاشان، ولاسيما البلاطات الخزفية القاشانية. وفي العصر الصفوي ظهر في إيران «خزف كويجي» نسبة إلى قرية بالقوقاز.

 

مشكاة خزفية، صنع إزنيك

(متحف طوب كابي - اصطنبول)

 

وفي سورية ازدهرت صناعة الخزف في مدينة الرقة على نهر الفرات، وهي مدينة كان هارون الرشيد قد جعلها عاصمة ثانية له (170هـ) ولقد عثر فيها على أعداد ضخمة من الخزف، كثير منها محطم ولكنها تقدم ثبتاً على هوية خاصة لخزف الرقة الذي يعود معظمه إلى القرنين الثاني عشر والثالث عشر، لاحتوائه على عناصر زخرفية تعود إلى ذلك العصر.

وأكثر أنواع خزف الرقة مطلي بالبريق المعدني، وتبدو الخزفيات على شكل أباريق وسلطانيات وأوانٍ ذات أحجام مختلفة، ملونة بالبريق المعدني ذي اللون البني الداكن الذي امتازت به الرقة من غيرها من مراكز إنتاج الخزف، ورسوم هذه الأواني نباتية مع كتابات نسخية أو كوفية مرسومة على طلاء شفاف قريب من الأخضر مع إضافة اللون الأزرق الزهري، وفوق الطلاء رسوم بالبريق المعدني بيضاء أو بلون بني ورسمت زخارف بعض خزف الرقة باللون الأسود تحت طلاء أزرق فيروزي.

وتعدُّ خزفيات الرقة من بين روائع الخزف الإسلامي، كما تقف خزفيات الرصافة السورية مشابهة لخزفيات الرقة بزخارفها، ولكنها تختلف في اللون البني الذي يبدو في خزفيات الرصافة مائلاً للحمرة أو أرجواني.

وضع هذا الخزف الذي ينسب إلى العصر العباسي منطلقات الخزف الإسلامي إلى جانب الخزف الذي صنع في سامراء (العراق) وفي الفسطاط (مصر).

أمدت حفريات الفسطاط الدارسين بنماذج من الخزف الطولوني والخزف الفاطمي الذي يعتمد على رسوم الأشخاص والحيوانات فوق خلفية من الزخارف النباتية.

وقرب مدينة حلب عثر على سلطانية من صناعة سورية في العصر الفاطمي ذات بريق معدني وأخرى من صناعة دمشق وهما موجودتان في متحف متروبوليتان في نيويورك.

جرى الخزافون في سورية ومصر على أسلوب الخزافة نفسه في العصرين الأيوبي والمملوكي، ومن روائع الخزف الدمشقي المملوكي زهرية كبيرة ثمينة ذات بريق معدني ذهبي فوق أرضية زرقاء، عليها كتابة «العزّ الدائم»، مما عمل برسم أسد الاسكندراني، عمل يوسف في دمشق «ربّ سلم برحمتك»، وهذه الزهرية الرائعة أصبحت من مقتنيات حصة السالم الصباح في الكويت وتقدر قيمتها بمليون دولار، وتتكون زخارف هذه الزهرية من كتابات كوفية بحروف كبيرة على خلفية من التفريعات النباتية، وثمة زهرية أخرى مشابهة محفوظة في متحف فكتوريا وألبرت في لندن تعود أيضاً لدمشق.

وفي مدينة الزهراء[ر] قرب قرطبة عثر على بعض الخزف الذي صنعه خزافو قرطبة ولا شك، ويعود إلى النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي، ومن أجمل أمثلة الخزف الأندلسي، غطاء بئر خزفي من إشبيلية مؤرخ في عام 430هـ/1039م عليه زخارف بارزة بطريقة القرطاس، محفوظة في متحف مدريد، وكانت مدينة بطرنه Paterna قرب بلنسيه مركزاً هاماً لصناعة الخزف في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، ولقد اشتهرت مالقه وغرناطة بإنتاج البلاطات والأواني ذات الرسوم بالبريق المعدني ذي اللون الذهبي والأزرق، ومن الشام انتقلت إلى الأندلس صناعة البراميل الخزفية albarelli للاستعمال الصيدلي غالباً.

وتنوعت أشكال الخزفيات بتنوع الحاجات الاستعمالية واختلاف طبيعة الطلبات، ففي العصر العباسي كانت الخزفيات استعمالية، ولم يبق من الخزفيات الثمينة إلا قطع بسيطة. وفي العصر السلجوقي تزايدت أشكال الخزفيات وازداد تنوعها، وفي العصر الفاطمي ظهرت التماثيل الخزفية ذات البريق المعدني وجدت بقاياها في الفسطاط، ولم تصل خزفيات كافية من العصر الأيوبي، ولكن العصر المملوكي أمد بمجموعات متنوعة من الأواني المصنوعة في مصر أو سورية، ولاسيما البلاطات الخزفية، والصحون الواسعة والجرار وأشكال متنوعة كان كبار التجار والأثرياء قد أقبلوا على طلبها وتوصيفها.

الألواح أو البلاطات الخزفية

ازدهرت صناعة الخزف ذي البريق المعدني على شكل بلاطات منذ القرن الثاني عشر في مدينة الريّ، وكانت البلاطات الجدارية في المحاريب غنية بمختلف الصيغ الزخرفية، ومن بينها رسوم حيوانات وطيور وتفريعات نباتية وكتابات بحروف كبيرة على ألواح المحاريب، وقد انتقلت صناعة هذه الألواح إلى قاشان وعرفت الألواح الخزفية باسم القاشاني. لقد أصبح مقرراً أن قاشان كانت مركزاً مهماً من مراكز صناعة ألواح الخزف والخزف عامة، وكان أبو القاسم القاشاني من أفراد أسرة مشهورة بصناعة الخزف في قاشان، قامت بإبداع بعض المحاريب المشهورة مثل محراب مسجد الإمام الرضا بمشهد (612هـ/1215م)، أما محراب جامع الميدان بمدينة قاشان فهو من صنع حسن بن عربشاه (623هـ/1226م)، أما بـلاطـات مـحراب جامـع سيدي عقبة في القيروان بتونس ويبلغ عددها 139 بلاطة نضدت على شكل إطار لذلك المحراب، فـإنـهـا من صناعة بغداد لأنها تسبق في تاريخها خزف سامراء، ويعود تاريخها إلى حكم زيادة الله الأغلبي في عام 817هـ.

تطورت صناعة البلاطات الخزفية في آسيا الصغرى بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر، وبعد ظهور آل عثمان خاصة، وكانت بورصة أول عاصمة لهم، وفيها تمركزت صناعة الخزف الذي استبدل في معظم الأحيان بلاطات مستطيلة أو سداسية عليها زخارف متعددة الألوان ومطلية بالميناء أو مرسومة تحت الطلاء بالطين المطلي والفسيفساء الخزفية اللذين شاعا في العصر السابق، تُرى شواهدها في بورصة حيث الجامع الأخضر (827هـ/1423م) والضريح الأخضر (856هـ/1450م) وفي كل منهما محراب خزفي جميل هما من عمل أساتذة من تبريز، مما يؤكد أن الأتراك نقلوا من إيران تقاليد من الخزف المرسوم تحت الطلاء باللونين الأزرق والأبيض، كما عرفوا منهم صناعة البلاطات المطلية بالميناء.

وفي القرنين السادس عشر والسابع عشر انتقلت صناعة الخزف إلى مدينة إزنيك[ر] التي أصبحت أهم مركز لصناعة الخزف والألواح الخزفية في آسيا الصغرى، إلى جانب مدينة أخرى هي «كوتاهية» وهكذا أصبح الخزافون الأتراك أساتذة فن الخزف المرسوم تحت الطلاء. وقد استعملوا ألواناً زاهية هي الأزرق والفيروزي والأخضر والأصفر، وامتاز اللون الأحمر بلون البندورة، وهو ما يميزه من الخزف السوري الذي استعمل عوضاً عن الأحمر لوناً داكناً.

 

مزهرية من الخزف

مزينة بالطاووس والأزهار

صنع دمشق، القرن 9-10

(متحف دمشق الوطني)

وأروع بلاطات إزنيك تُرى في مسجد رستم باشا (969هـ/1560م) في اصطنبول وفي قسم الحريم في قصر طوب كابي، واستمر ازدهار الخزف في إزنيك حتى حكم السلطان أحمد (1603-1617م) إذ كان في إزنيك ثلاثمئة مصنع للخزف، وقد استعادت تركيا صناعة الخزف تحت اسم إزنيك وأقيمت مشاغلها في قصر يلدز في اصطنبول.

وفي سورية ظهرت بلاطات خزفية متميزة، حل فيها اللون الأرجواني الفاتح محل اللون الأحمر البندوري، ويقول ديماند: «إن خصائص البلاطات الجميلة في بعض مساجد دمشق، لا تترك مجالاً للشك في أن هذا النوع من الخزف قد صنع في دمشق ولم يستورد من آسيا الصغرى».

ويمتاز خزف دمشق من غيره برشاقة الموضوعات الخزفية، ولا تختلف صناعة البلاطات الخزفية في دمشق عن غيرها في مادة الصنع والتلوين وطريقة الشي، ولعل الرسم والتلوين على الخزف فوق بطانة بيضاء ثم طلاء الألواح بمادة زجاجية شفافة عرف في دمشق قبل زمن طويل من ظهوره في إزنيك، كذلك عرفت دمشق طريقة التلوين بالبريق المعدني منذ العصر العباسي والفاطمي، ولقد انتقل العمال الدمشقيون إلى أدرنة والقدس ولهم آثار خزفية هناك، تُرى في جامع أشرفلي (841هـ/1437م)، وفي قبة الصخرة، وفي دمشق تشهد ألواح الخزف في جامع الأمير غرس الدين التوريزي وتربته وفي الحمام، وهي من العصر المملوكي (827هـ/1423م) على ازدهار هذا الفن في العصر المملوكي، وهي بلاطات ذات أشكال سداسية تغطي مساحات واسعة على ثلاثة أشكال من الرسوم، أشكال زهرية أو نجوم سداسية أو صيغ تمثيلية، ويقول فاتزنغر «من المؤكد أن هذه التكوينات لم تكن من صنع ورشة عادية، بل ثمة فنان صناع أراد أن ينقلنا بخفة إلى عالمه السحري»، ومن المؤكد أن هذا الفنان كان غيبي الشامي أو التيروزي. ويبدو أن اسم «غيبي» كان يشمل أبناءه مثل عيسى أو أفراد أسرته أو بعض تلاميذه وأتباعه الذين استمروا باستعمال هذا الاسم الذي أصبح يدل على طريقة المعلم غيبي، ولقد بدا هذا الاسم بأشكال مختلفة تزيد على العشرين شكلاً، انتشرت على أعمال الخزف في دمشق والقاهرة في العصر المملوكي الذي كان يجمع القطرين تحت حكم واحد.

وتأثر بمدرسة غيبي عدد كبير من الخزافين في مصر، من أمثال «غزال ودهين والقرمزي»، وكان آخرهم «أبو العز» الذي كثيراً ما أخذ عن غيبي أسلوبه وألوانه وعناصره الفنية، وفي المتحف الوطني بدمشق كسر خزفية عليها تواقيع منفذيها، مثل غزال والوزاز والشاعر.

ما زالت أكثر الألواح الخزفية الدمشقية تغطي عدداً من المباني التي أنشئت في العصر العثماني، من أهمها التكية السليمانية (962هـ/1554م) ومجمع الدرويشية (979هـ/1571م) وجامع الـسنانيـة(994هـ/1585م) وحمام القيشاني (980هـ/1572م) وجامع المرادية النقشبنـدي (981هـ/1573م).

وتبدو خزفيات التكية السليمانية فوق الشبابيك والأبواب في لوحات مقوسة من البلاطات الخزفية ذات المساحات المختلفة، وهي مصنوعة من الطين الأحمر المطلي ببطانة بيضاء ثم يلوّن اللوح بالأزرق الكوبالت، وزينت الخلفية برسوم زخرفية بلون بنفسجي قاتم، كما طليت المساحات بلون أخضر بحري وأخضر مصفر، وتبدو الزخارف نباتية يتخللها أحياناً زهر القرنفل والأوراق والأزهار والأغصان، مع تشابك سعف النخيل مع الأوراق الرمحية التي تتوزع في أعلى البلاطة وحواشيها. وإضافة إلى ألواح الشبابيك، ثمة ألواح داخلية في الأروقة، وألواح جدارية تشكل سجاجيد خزفية أو تغطي المحراب.

وتزين مصطبة سعد الدين في الميدان (968هـ/1560م) سجادتان خزفيتان مؤلفتان من بلاطات مربعة ومستطيلة ومن لوح كتابي وألواح مقوسة، وتشبه ألواح هذه المصطبة ألواح مجمع الدرويشية وجامع السنانية، ويتألف مجمع الدرويشية من الجامع والمدفن والمدرسة والسبيل، وهي مزينة بروائع الخزف الدمشقي ذي الزخارف الرائعة والكتابات القرآنية بالخط الثلث والخط التعليق.

وفي بقايا حمام القيشاني الذي أصبح سوقاً، لوحة كبيرة تمثل ثلاث مشربيات تضم أزاهير وأغصاناً على خلفية من العناصر النباتية، هذا عدا عن ألواح الخزف الدمشقي الذي يغطي جدران جامع محيي الدين بن عربي ومدفنه، كما يغطي جدران مدفن السلطان صلاح الدين الأيوبي.

وفي المتحف الوطني بدمشق مجموعة نادرة من الألواح الخزفية الملونة تحت الطلاء ذات صيغ متنوعة جميلة، نقلت ولا شك من أبنية متهدمة وتم اقتناؤها وعرضها، وأهم هذه المقتنيات لوح مقوس عليه كتابة قرآنية بالخط الثلث «كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون».

وما زالت صناعة تماثيل الخزف ناشطة في البلاد العربية، ولكنها غالباً ما اعتمدت على مبادئ النحت التزييني، يُرى ذلك واضحاً في أعمال الخزافين المعاصرين في بغداد والقاهرة ودمشق، حيث أصبحت صناعة الخزف عملاً فنياً يدرس في كليات الفنون التشكيلية والتطبيقية، واستمرت هذه الصناعة أكثر أصالة وتقليداً في المغرب وتونس. وفي مدينة نابل تتجمع مئات مصانع الخزف التونسي إضافة لمصانع الدولة في تونس التي تحمل طابعاً متميزاً بألوانه وأشكاله، وقد لا يخلو اليوم بيت تونسي أو جزائري أو مغربي من ألواح خزفية تغطي جدران أكثر البيوت والقصور.

وفـي أوربا أخذ الخزف اتجاهاً حرفياً خاصاً يتمتع بالإبداع والخصوصية ويمتاز باستعمال طينة الكاؤلين والكوارتز والفلسبار. ومن أشهر معامل الخزف في ألمانيا معامل مايسن Meisen وفي فرنسا معامل سيفر Severs.

عفيف البهنسي 

الموضوعات ذات الصلة:

 

الفخار. 

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ عفيف البهنسي، القاشاني (بلاطات) القاشاني، الحوليات الأثرية، المجلد 34 (دمشق 1984).

- A.Lane, Early Islmic pottery (London 1953).

 


التصنيف : العمارة و الفنون التشكيلية والزخرفية
النوع : عمارة وفنون تشكيلية
المجلد: المجلدالثامن
رقم الصفحة ضمن المجلد : 805
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 698
الكل : 61053134
اليوم : 5147

فولف (فريدريش-)

ڤولف (فريدريش -) (1888-1953)   فريدريش ڤولف Friedrich Wolf كاتب مسرحي وسينمائي وإذاعي وقاصّ، ولد في بلدة نويڤيد Neuwied في منطقة الراين Rhein وتُوفِّي في لِينيتس Lehnitz بالقرب من برلين، وهو يتحدر من عائلة برجوازية ليبرالية.
المزيد »