logo

logo

logo

logo

logo

استثمار ثروات الأرض

استثمار ثروات ارض

Exploitation of underground riches - Exploitation des richesses terrestres

استثمار ثروات الأرض

 

استثمار ثروات الأرض exploitation of underground riches الذي تتناوله الفقرات التالية هو مختلف العمليات المنجمية mining operations التي يتم بها استخراج الفلزات المعدنية واللامعدنية المفيدة من توضعاتها، سواء أكانت هذه العمليات تحت الأرض أم على سطحها. وتنفيذ عمليات هذا الاستثمار يتم وفق طرائق تقع في صنفين رئيسيين هما: الطرائق السطحية أو المكشوفة، وتستثمر بها التوضعات الفلزية بالحفر المباشر أو بعد إزالة غطائها الصخري أو الترابي، والطرائق تحت السطح أو تحت سطح الأرض، وهي التي يتم بها الاستثمار عن طريق مداخل وأنفاق تحت سطح الأرض تؤدي إلى تلك التوضعات.

لمحة تاريخية

ترتبط الاستثمارات المنجمية ارتباطاً وثيقاً بتطور الحضارة الإنسانية. ولقد استعمل الإنسان القديم الفلزات وعرف خصائصها وأماكن وجودها، لحاجته إليها في صنع أدواته وسلاحه وأصبغته وحليه، بدءاً من التقاطه مواد أدواته الصوانية من على سطح الأرض وتَحوِّله نحو استخلاصها من طبقات الحوَّار عن طريق حفر الآبار والأنفاق فيها. ويعتقد أن المعادن الأولى التي استعملها هي التي عثر عليها بالمصادفة في مجاري الأنهار والسيول. فقد عرف الإنسان الذهب والنحاس قبل الميلاد بعدة آلاف من السنين. ويذكر التاريخ معرفة السومريين استخراج خامات النحاس ومعالجتها، كما يذكر تطوير عمليات منجمية في مصر قبل 2000 سنة من الميلاد للحصول على الأحجار الكريمة، والذهب والفضة والنحاس، وأن عمليات منجمية كانت تجري تحت الأرض في العصور اليونانية والرومانية.

ولقد كان الاستثمار المنجمي القديم يتم في كثير من الأحيان بحفر أنفاق تحت الأرض وصلت امتداداتها إلى نحو 100 متر وكان يعمل فيها العبيد والأسرى وبعض المحكومين، يقومون بأعمال الحفر اليدوي مع استخدام النار في تحطيم الصخور القاسية وتفتيتها عن طريق التمدد بالتسخين والتقلص السريع بصب الماء على الصخور الساخنة. وقد تطورت لدى المشتغلين القدماء في المناجم خبرات جيدة. وتشير وثائق التاريخ إلى استثمارات منجمية للملح الصخري في جبال الألب النمسوية منذ عام 2400ق.م، وإلى توسع الاستثمارات المنجمية تحت الأرض في العصور اليونانية ولاسيما في توضعات جبل لوريون Laurion التي زودت اليونانيين بالفضة والحديد، فقد حفرت في هذه التوضعات شبكة نظامية من أنفاق الاستثمار تصل حتى مستوى الماء الجوفي. وقد أدخل الرومان إلى العمليات المنجمية أولى الوسائل الآلية لنضح الماء الجوفي المتسرب في أثناء العمل المنجمي، كما قاموا بوضع أول التشريعات المتعلقة بشروط العمل المنجمي وتحسين معاملة عمال المناجم. وبقيت شروط الاستثمار متماثلة مدة طويلة قبل تطور القوة البخارية والكهرباء في القرن التاسع عشر. ومع ذلك فقد شهدت هذه المدة نشوء تقاليد مجتمع العمل المنجمي وتنظيماته في جبال الهارز Harz في ألمانية. ففي عام 745م تم افتتاح أول منجم فيها، كما ظهر في عام 1185 أول ميثاق مبوّب لحقوق عمال المناجم والتزاماتهم، كان له أثر في تطور الصناعة المنجمية في أواسط أوربة. وفي منتصف القرن السادس عشر وضع العالم الألماني جورجيوس أغريكولا Georgius Agricola أهم أسس النظريات العلمية حول نشوء الخامات  وتوزعها وتصنيفها في كتابه «حول المعادن الحديثة» De re metallica عام 1656 الذي وصف فيه العمليات المنجمية في مناطق ارتسغبيرغه Arzgebirge والهارز، وبيَّن فيه قواعد تنظيم الاستثمار المنجمي وطرائق تحطيم الصخور وعمليات النقل ونضح الماء وقواعد السلامة في أثناء العمل. وبقي هذا الكتاب نموذجياً مدة دامت أكثر من قرنين، إلا أن وسائل الحفر المنجمي المتبعة ومعداته لم تسهم في تطوير عمليات الاستثمار.

وقد بدأ استخدام البارود في عمليات الحفر المنجمي في القرن السابع عشر، واستمر الاعتماد عليه مع محاولات كثيرة لزيادة فعاليته وتوفير ما أمكن من شروط السلامة حتى اكتشاف النتروغليسرين عام 1860 الذي طُبق، على الرغم من أخطاره، في أعمال الحفر المنجمي، وتَوسَع استخدامه أكثر بعد أن ثبته العالم نوبل Nobel  بشكل ديناميت سنة 1867.

وقد توضحت أهمية التوضعات الفلزية مع بداية العصر الصناعي والنهضة العلمية والتقنية التي واكبته، إذ أعطت المصادر الفلزية الغنية الدول التي اكتشفتها واستثمرتها امتيازات رفعتها إلى درجات عالية من التفوق الصناعي والعلمي والعسكري. وسارعت احتياجات الصناعة المتزايدة إلى الفلزات في استنزاف كثير من كمياتها.

وقد شهدت المدة بين الحربين العالميتين استهلاكاً كبيراً للمعادن والفلزات الأخرى يفوق جميع ما استهلك في حقب التاريخ السابقة لها، وأضحت المصادر التي كانت غنية وكافية على نطاق واسع غير كافية أمام تزايد حاجات الإنسان إليها.

وساعد التطور العلمي والتقني السريع الذي تحقق بعد الحرب العالمية الثانية في تطوير وسائل الاستكشاف وآلات الحفر الاستثماري ومعداته ومتفجراته ورفع كفايتها وفعاليتها، وتوسيع الاستثمارات المنجمية في معظم بقاع العالم ونقل سلطاتها إلى النطاقات البحرية. فقد اكتشف النفط والغاز الطبيعي واستُثْمرا في بحر الشمال وفي مناطق بحرية كثيرة، كما أمكن استخراج بعض خامات المنغنيز من أعماق البحار. وكشفت بحوث المحيطات عن توضعات معدنية في المحيطين الهادئ والأطلسي وفي البحر الأحمر. وساعدت هذه البحوث في اكتشاف توضعات معدنية جديدة نشأت في شروط مماثلة وتقع في اليابسة ضمن تشكيلات صخرية في قعر محيطات غابرة. وها هي ذي أبحاث الفضاء والتطبيقات السلمية للطاقة النووية تضيف إمكانات جديدة في استكشاف التوضعات واستثمارها في سائر بقاع العالم.

التنقيب والاستكشاف

توفر عمليات التنقيب والاستكشاف المعطيات الأساسية التي يعتمد عليها في الاستثمار والتخطيط له. وهي تشمل مجموعة معقدة من الدراسات الجيولوجية والجيوكيمياوية والجيوفيزيائية والاقتصادية، إضافة إلى عمليات الحفر الاستكشافي وأخذ العينات لتحديد مكان التوضع وشكله وامتداده واحتياطيه، والشروط الجيولوجية لتشكله والخواص الفيزيائية والكيمياوية والميكانيكية لخاماته وفلزاته الاقتصادية وللصخور المحيطة به. وتتم هذه العمليات عادة وفق مراحل متتابعة هي: البحث والاستكشاف التمهيدي والاستكشاف التفصيلي والاستكشاف المنجمي. والغاية من البحث تأييد وجود التوضع وتقويم جدواه تقويماً أولياً من وجهة نظر جيولوجية مع اقتراح خطة للعمل الاستكشافي.

أما الاستكشاف التمهيدي فيجري في ضوء معطيات البحث في المنطقة موضع الدراسة، بهدف تأكيد وجود التوضع وتحديد حجمه وقيمته الاقتصادية في ضوء طبيعة خاماته وفلزاته الاقتصادية وتغيرات درجات تركيزها بحسب الأبعاد الثلاثة، بالإضافة إلى تحديد الشروط الجيولوجية والصفات الرئيسة المتعلقة باستثمار ذلك التوضع بما فيها من خصائص فيزيائية وكيمياوية وميكانيكية للخامات وللصخور المحيطة بها.

ويشمل الاستكشاف التفصيلي تحريات تفصيلية تتناول مجمل التوضع وأجزاءه المختلفة، وتنتهي بوضع خطة الاستثمار المنجمي وتحديد الطرائق المناسبة لها.

وأما الاستكشاف المنجمي فتسير عملياته موازية لفتح المنجم للتحقق من أهم الشروط الجيولوجية والهندسية لأماكن الحفر.

وفي أنماط معينة من التوضعات، يمكن تجاوز مرحلة أو أكثر من المراحل المذكورة. وعلى سبيل المثال يتبع الاستكشاف المنجمي مرحلة البحث في توضعات الأحجار الكريمة، كما يتبع الاستكشاف التفصيلي مرحلة البحث في التوضعات المعدنية المعقدة وتوضعات المعادن الثمينة.

اختيار طرائق الاستثمار

يتم اختيار طرائق الاستثمار بحسب المعطيات التي أمكن الحصول عليها بالتنقيب بالدرجة الأولى وفي أثناء الاستثمار، وتضاف إليها عوامل جغرافية واقتصادية وسياسية واجتماعية وقانونية. ويحدد فيها عادة عامل الربح بعد حساب التكاليف، ومنها اليد العاملة والآلات والمعدات وقطع التبديل والصيانة وحجم الحفر والمنشآت واستهلاك الطاقة والنقل، مع مراعاة تخفيض الكلفة ما أمكن بتوسيع دور الآلة ورفع استطاعتها في مختلف خطوات العمل المنجمي.

الاستثمار المكشوف

تتميز عمليات الاستثمار المكشوف، إذا ما ووزن بينها وبين أبسط عمليات الاستثمار تحت الأرض بتكاليفها القليلة ومرونتها وتفوقها في المردود وحجم الإنتاج، والتحكم في درجة غنى الخامات والسلامة العامة وبيئة العمل. وقد ازدهرت الاستثمارات المكشوفة في الحقبة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية بسبب استخدام الآلات والمعدات ذات الاستطاعة العالية، إضافة إلى تطوير عمليات التفجير ومعدات الحفر الخاصة بها. ويقدر وسطي إنتاج العالم من الخامات بالاستثمارات المكشوفة بنحو 27 مليار طن، وهو يفوق ثلثي الإنتاج الإجمالي في العالم. وتلائم طبيعة الاستثمار المكشوف إمكانات الدول النامية لأنها لا تتطلب أطراً ومهارات تخصصية كما هي الحال في استثمار ما تحت الأرض.

وتطبق عمليات الاستثمار المكشوف عادة على التوضعات الفلزية الضخمة الموجودة على سطح الأرض أو القريبة منه مثل توضعات الحديد والنحاس والفحم الحجري والبوكسيت والغضار والفوسفات والأملاح والبحص والرمل وأحجار البناء والزينة ومواد الإسمنت.

ويكون هناك في معظم الأحوال غطاء صخري أو ترابي فوق التوضع، أو فوق أجزاء منه، تتحتم إزالته قبل المضي في الاستثمار. وتؤخذ نسبة عدد الأمتار المكعبة التي تجب إزالتها لاستثمار طن واحد من التوضع معياراً اقتصادياً مهماً في تقدير جدوى استثماره وتدعى نسبة التغطية overburden ratio، وتعد النسبة 1/10 مقبولة لاستثمار كثير من أنواع التوضعات الفلزية، ويمكن أن تتعدى ذلك في توضعات المعادن والفحم الحجري. ومع التوسع في استخدام الآلة ورفع استطاعتها تتزايد أرقام النسب المقبولة.

عمليات استثمار المناجم المكشوفة: تجري عمليات استثمار المناجم المكشوفة وفق مراحل تبدأ بتحطيم الغطاء الصخري أو الترابي وإزالته مع تنظيف سطح الجزء المعد للاستثمار، يلي ذلك تقطيع الخامات وتجميعها، ثم تحميلها في عربات الشحن التي تنقلها إلى الأماكن المخصصة لمعالجتها أو تحضيرها للتسويق التجاري. أما أهم الآلات والتقنيات التي تستعمل في تنفيذ هذه العمليات فتقع في الفئات التالية.

معدّات الجرف والتحميل: وهي تجرف الصخور والخامات مباشرة أو بعد التفجير باستخدام مكنات خاصة، تتحرك على سكة حديدية أو على عجلات مطاطية أو على زناجير، وهي تعمل بمحركات الكهرباء أو البخار أو الديزل. وجميع هذه المكنات مزودة بمغارف للجرف تعمل وفق أساليب آلية متنوعة. ومنها الجراف الآلي power shovel الذي تراوح سعة مغرفته بين 1.5- 12م3 وقد تصل إلى 45م3 في الأنواع الضخمة، وجراف السحب dragline (الشكل1) وتراوح سعة مغرفته بين 2.5- 16م3  وقد تصل إلى 125م3 في الأنواع العملاقة، ورافعة المغرفة المحارية clamshell crane (الشكل2) التي تراوح سعة مغرفتها المحارية بين 2-3 أو أكثر. ويذكر أيضاً في هذا المجال الحفارة المغرفية الدوارة bucket wheel excavator (الشكلان 3، 4) والحفارة المغرفية ذات السلسلة bucket chain excavator اللتان تجرفان بطريقة دورانية تحقق حفراً مستمراً. أما التحميل في عربات الشحن فيتم أيضاً بوساطة هذه المكنات إما بالتفريغ المباشر أو بوساطة سيور متحركة.

 

الشكل (1) جراف السحب وحركة مغرفة الجرف

مكنات حفر ثقوب التفجير: تتنوع هذه المكنات في طريقة أدائها وحجومها وسعة ثقوبها وعمقها. فمنها الصغيرة اليدوية، ومنها ما هو مركب على عربة وتوجه باليد، ومنها الضخمة. أما طرائق حفرها فهي دورانية أو صدمية اهتزازية أو تحفر بنفث اللهب مع الماء. وتراوح سعة فتحات ثقوب التفجير بين 2 و45 سم كما تراوح أعماقها بين بضع عشرات من السنتمرات و 18 و20م. وتحفر هذه الثقوب عادة وفق ترتيبات هندسية تتفق مع طبيعة الصخور واتجاهات الحفر.

المتفجرات: يتحدد نوع المتفجرات التي تستخدم في عمليات المناجم المفتوحة وكميتها بحسب متانة الصخور والخامات ومقاومتها للتكسير. أما أهم المواد المتفجرة فهي الديناميت ونترات الأمونيوم. وهنالك أنواع من الديناميت تختلف بحسب طبيعة الصخور. أما نترات الأمونيوم فتتميز من الديناميت بكونها أقل خطراً، وبأنها قابلة للنقل والتخزين، وأقل كلفة. وأحياناً تمزج نترات الأمونيوم مع مواد خاصة تزيد من فعالية انفجارها.

رمي الأنقاض والنفايات: تكدس الأنقاض والنفايات الصخرية في العادة في أماكن قريبة ما أمكن من مواقع الاستثمار، أو تملأ بها التجاويف التي خلفها الاستثمار، وذلك من أجل تخفيض تكاليف النقل. ويجب التحقق في جميع الأحوال من خلو أمكنة تكديسها من التوضعات الفلزية الاقتصادية أو من توضعات يحتمل استثمارها في المستقبل.

 

الشكل (2) رافعة المغرفة المحارية وحركة مغرفة الجرف

النقل: تعد الشاحنات القلابة (القلابات) dump trucks من أهم وسائل النقل في الاستثمارات المكشوفة. وتعتمد فعاليتها على زيادة سعتها واستطاعتها ومدى ملاءمتها لعمل الجرافات ولاسيما الضخمة منها. وتراوح السعة الوسطية لهذه الشاحنات بين 40 و250 طناً. وهي تعمل بمحركات الديزل أو تدعم حركتها بمحركات كهربائية تساعد في تدوير عجلاتها.

أما النقل بعربات السكة الحديدية فهو أكثر اقتصاداً وأكبر سعة. ويستخدم في العادة قطار من 5 - 6 عربات، سعة الواحدة من عرباته نحو 100طن. وبذلك يمكن نقل 500 - 600 طن في مرحلة واحدة يقودها سائق واحد، وهذا لا يتوافر في أضخم الشاحنات. وفي التطبيقات الحديثة للسكك الحديدية تستخدم قطارات ضخمة ذات عربات شحن واسعة، يمكنها أن تستوعب 1500- 1600 طن، وتسير بالتحكم من بعد remote control. إلا أن الصعوبة التي تواجه استخدام السكك الحديدية في النقل تقع في المنحدرات الشديدة التي لا تلائم حركة القطارات.

طرائق الاستثمار المكشوف: تتنوع طرائق الاستثمار المكشوف بحسب عمق التوضع وحجمه وشكله وامتداده وتوزع أجزائه. ويراعى في الاختيار المردود الاقتصادي الأفضل وإمكانات العمل المتاحة، من حيث اليد العاملة والوسائل الآلية. وفيما يلي عرض لأهم هذه الطرائق.

 

الشكل (3) الحفارة المغرفية الدوارة

حفر الفتحات والخنادق: وهو من الطرائق السهلة التي تطبق في استثمار توضعات قريبة من سطح الأرض وتتوزع أجزاؤها توزعاً غير نظامي، مثل التوضعات المتبقية عن تأثير العوامل الجوية في الصخور وتوضعات البغماتيت والتوضعات المكيثة placer deposits. وهنا تحفر فتحات شاقولية ذات مقطع مربع أو دائري تصل إلى أعماق لا تتجاوز 10م، ويمكن أن يستعاض عنها بالخنادق حين يكون التوضع أكثر قرباً من سطح الأرض. ويراعى في الحُفر والخنادق أن تكون جوانبها منحدرة غير قائمة لتجنب الانهيارات.

المقالع: تفتح المقالع لاستثمار توضعات أحجار البناء والرخام في مناطق هضبية أو جبلية. ويكون المقلع على شكل فتحة جانبية واسعة في سطح منحدر. وفي بعض الأحيان يفتح المقلع من جانبين متقابلين. وتقطَّع الصخور من جبهة تشرف على مصطبة استثمارية عرضها 10- 12م، تزداد اتساعاً مع التقدم في الاستثمار. ويمكن أن يجري العمل المقلعي في أكثر من مصطبة. أما الأدوات والمعدات المستعملة فقد تكون يدوية بسيطة، أو يحتاج العمل إلى استخدام الآلة على نطاق ضيق أو واسع. ويستعان بالتفجير لتقطيع الصخور أو إزالة التغطية والأجزاء غير المرغوب فيها. أما في حالات استثمار كتل الرخام والأردواز فيستغنى عن التفجير، وتقطع الصخور بطرائق أخرى مثل حفر صف من الثقوب في هذه الكتل وضغط أسافين مخروطية فيها أو استخدام المنشار السلكي wire sow، وفي العادة يستفاد في عمليات التقطيع من وجود الفواصل joints وسطوح التطبق، كما يستفاد في عمليات التحميل من ميل الطبقات وانحدار جبهة التقطيع.

 

 

الشكل (4) تضافر عمل الحفارة المغرفية الدوارة مع الجراف الآلي في إزالة الغطاء

التعرية: يناسب استخدام طريقة التعرية stripping عمليات استثمار التوضعات الرسوبية المسطحة ذات الامتداد الجانبي الواسع مثل طبقات الحديد والغضار والبوكسيت والفوسفات وطبقات (راقات) الفحم الحجري coal seams، وذلك حين تكون موازية لسطح الأرض أو تنحدر بميول خفيفة وقريبة من السطح (على عمق 5 -40م). ويزال الغطاء من فوق التوضع بحفر أخاديد متتابعة (الشكل 5) يراوح عرضها بين 10 و30م، فترتكز مكنات الحفر والتحميل مباشرة فوق التوضع. وحين يتم استثمار الأخدود الأول ينتقل العمل إلى الأخدود التالي، وتردم الأنقاض والنفايات في تجويف الأخدود الأول وهكذا حتى يُستنفد التوضع، أو تزداد ثخانة الغطاء ويصبح الاستثمار عديم الجدوى. وتستخدم الآلة في عمليات التعرية على نطاق واسع ولاسيما عمليات إزالة الغطاء وتقطيع الخامات وتحميلها ونقلها، كما يستخدم التفجير في تسهيل هذه العمليات. أما أهم المكنات التي تستخدم في التعرية فهي الجراف وجراف السحب والحفارة المغرفية الدوارة و«القاحط» (البلدوزر). ويساعد «القاحط» كثيراً في عمليات الردم والتسوية وإزالة الأنقاض وشق الطرق ومد السكك الحديدية.

 

الشكل (5) عمليات التعرية في استثمار الفحم الحجري

القطع المكشوف: تطبق طريقة القطع المكشوف open cutting في استثمار توضعات فلزية ضخمة مثل توضعات الغضار والفوسفات والأمينت والحديد والنحاس. وتتم بهذه الطريقة إزالة الغطاء على شكل فتحة دائرية أو إهليلجية واسعة، قد تصل أبعادها إلى بضعة آلاف من الأمتار.

ويباشر الحفر في التوضع بفتح جبهة استثمار على امتداد محيط الفتحة بدءاً من مصطبة عريضة تتسع لمكنات الحفر والنقل وخطوط السكة الحديدية وحين يعمق الاستثمار يصار إلى فتح جبهة جديدة تحت المصطبة الأولى، وبذلك تتدرج مصاطب الاستثمار نحو مركز الفتحة ويضيق محيطها تدريجياً (الشكل 6). ويحدد ارتفاع المصاطب بعضها عن بعض عوامل كثيرة أهمها الثخانة الإجمالية للتوضع والصفات الميكانيكية لخاماته، وأحوال الطقس، وطرائق التفجير، وذلك تحاشياً لحدوث الانهيارات، ويجب ألا يكون انحدار جبهة الاستثمار شديداً فلا يزيد على 35 - 40درجة. ويستخدم في عمليات القطع المكشوف أضخم المكنات، سواء أكان ذلك في مجالات الحفر والجرف والتحميل أم في وسائل النقل. ويمكن أن تدعم هذه العمليات بحفر أنفاق تحت الأرض توصل إلى أسفل التوضع، ويتم إسقاط الخامات في عربات النقل الموجودة فيها عن طريق آبار شاقولية.

 

الشكل (6) منجم سطحي حفر بطريقة القطع المكشوف

الحفر بالماء: يستخدم الحفر بالماء hydroulicking في بعض التوضعات المكيثة القليلة التماسك كما هي الحال في الذهب والبلاتين والقصدير والأحجار الكريمة. وهنا يتم تسليط نفثات مائية قوية water jets تفتت الخامات وتجرفها نحو مجار خاصة توصل إلى أحواض ترسيب ومصائد تفصل المواد الفلزية الثقيلة. ومن الممكن في بعض الحالات أن يستعمل الحفر المائي في إزالة غطاء التوضع.

التجريف تحت الماء: تعد طريقة التجريف تحت الماء dredging من الطرائق المنجمية المتطورة، وهي تطبق في استثمار التوضعات المكيثة للذهب والبلاتين والقصدير الواقعة في النطاقات الشاطئية ومجاري الأنهار، وتستخدم فيها عوامة dredge ضخمة (الشكل 7) مزودة بالحفارة المغرفية ذات السلسلة التي يصل مدى جرفها إلى أعماق تزيد أحياناً على 30م.

وتحفر العوامة بركة تحتها تترافق مع حركتها، ومع دوران سلسلة المغارف يستمر الجرف من قاع الحفرة كما يستمر التفريغ داخل العوامة إذ يتم اصطياد المواد الفلزية الثقيلة وطرد النفايات من فتحات خلفية. فهي إذن تحفر وتردم في آن واحد وتتحرك معها البركة المائية. وفي عمليات كهذه يمكن استخدام جراف السحب، فيجرف من تحت الماء ويفرغ حمولته فوق سيور متحركة.

الاستثمار تحت الأرض

تتعدد طرائق الاستثمار تحت الأرض وتتنوع بحسب طبيعة التوضعات ووضعيتها، فلكل توضع طريقة أو مجموعة طرائق تناسب عمليات استثماره، ولا مجال هنا للدخول في مختلف تفاصيلها. ولا بد من الإشارة في هذا المجال إلى أن عمليات استثمار التوضعات الفلزية المائعة مثل النفط والغاز الطبيعي تدخل ضمن إطار استثمار ما تحت الأرض، إلا أن طرائقها وطبيعة عملياتها تقتضي بحثها في مجالات خاصة.

 

الشكل (7)  المنظومة الآلية في عوامة التجريف تحت الماء

 

وفي مختلف طرائق العمل المنجمي تحت الأرض يحفر مدخل واسع، يتجه شاقولياً أو مائلاً، يوصل إلى المواضع المناسبة لاستثمار التوضع. ويدعى هذا المدخل بالبئر المنجمية shaft. وفي حالات خاصة من توضعات المناطق الجبلية يوجه هذا المدخل باتجاه أفقي ويدعى حينئذٍ بالنفق أو السَرَب الأفقي adit ومن هذا المدخل تحفر مسارب جانبية وفق مستويات يتباعد بعضها عن بعض بمسافات شاقولية وتختلف أبعادها باختلاف طبيعة التوضع والطريقة المتبعة في استثماره، إلا أنها توازي على الغالب جسم التوضع. ومن المسارب تحفر فتحات شاقولية تتجه إلى الأعلى وتدعى فتحات الرفع raises أو إلى الأسفل وتدعى فتحات النزول winzes. ويمكن أن يستعمل بعضها قنوات لترحيل الخامات بالثقالة وتجعل فوهاتها قمعية الشكل وتركب عليها شبكات معدنية وبوابات تحكم تدعى بفتحات الترحيل chutes، وتوصل قنوات الترحيل مباشرة إلى عربات النقل haulage cars التي تجر في المسارب إلى بئر المنجم لتفرغ حمولتها في أوعية الرفع إلى السطح hoisting skips. وتراوح أعماق المناجم بين 200 و1500م ويمكن أن تصل إلى أعماق تتجاوز 3000م.

يجري استثمار التوضع في العادة على مراحل تتبع تقسيمه إلى أجزاء تتناسب وحجمه الكلي. ويمكن أن يتم هذا التقسيم وفق حدود جيولوجية أو حدود تساعد على وضع الكتلة المستثمرة تحت الإشراف الفعلي. ويوفر لكل جزء مرافقه اللازمة ومنها عمليات التهوية.

أما الحفر المنجمي ففيه أسلوبان رئيسان: ففي أحدهما تقطع الخامات وتنقل إلى السطح في حين تترك الأنقاض والنفايات مردومة في فراغات الأجزاء المستثمرة، وفي الآخر يجري تقطيع الخامات من أسفل التوضع لإتاحة المجال أمام الغطاء الصخري لأن يهبط فوق التوضع محطماً خاماته. وتدعى التجاويف التي تخلفها أعمال الحفر الاستثماري بالحفر المنجمية stopes.

أما أهم طرائق المناجم تحت الأرض وتقنياتها فهي التالية:

التغضين: تطلق تسمية التغضين gophering على العمليات المنجمية العشوائية التي يسير فيها حفر مساربِ الاستثمار لتتبع هذه المسارب مواقع الخامات. ويمكن أن تفيد هذه الطريقة في استثمار بعض التوضعات ذات التوزع غير النظامي ولكنها ضارة في استثمار التوضعات الأخرى، وخاصة حين تقتصر العمليات المنجمية على البقع الغنية منها فتجعلها عديمة الجدوى لصعوبة إعادة استثمارها بطرائق أخرى أو لاستحالتها.

 

الشكل (8) طريقة الحفر التضاؤلي

الحفر التضاؤلي: تطبق طريقة الحفر التضاؤلي shrinkage stoping على التوضعات التي تحيط بها جدران صخرية متماسكة متينة، ولاسيما توضعات العروق المعدنية. ويسير الحفر المنجمي في هذه التوضعات وفق مستويات عدة، من دون اللجوء إلى التدعيم، بدءاً من أسفل التوضع نحو سقفه، ومن نهاياته الجانبية نحو بئر المنجم. ويترك في العادة جزء من الخامات المقطعة داخل الحفرة المنجمية ليتخذ من أكداسها أرضية لمتابعة الحفر نحو الأعلى حتى الوصول إلى سقف التوضع (الشكل 8). ومع استمرار الحفر والتقطيع يرحل مايقرب من 35% من الخامات ويبقى في نهاية الأعمال مايقرب من 65%  من الخامات الجاهزة للاستجرار. فهي إما أن ترحل بكاملها أو يحتفظ بها احتياطياً جاهزاً. وفي الحالات التي يتوقع فيها حدوث بعض الانهيارات في جدران الحفرة، يُلجأ إلى ترك طبقة رقيقة من التوضع على هذه الجدران لتحفظها من الانهيار. ويراعى دائماً أن يكون حجم الحفرة المنجمية مناسباً لإبقاء السقف ثابتاً. وقد يُعمد إلى قنطرة الزوايا الجدارية العليا أو تقبيب السقف لجعل الحفرة أكبر. وقد يخلق هذا الوضع صعوبات استثمارية يفضل في حال وجودها أن يبقى السقف مستوياً ولو كان ذلك على حساب حجم الحفر. أما أرض الحفرة المنجمية فيجب أن تكون مستوية ولها انحدار كاف لانزلاق الخامات المقطعة عليها نحو فوهات الترحيل.

 

الشكل (9) طريقة الحفر تحت المستوى

الحفر تحت المستوى: تفيد طريقة الحفر تحت المستوى sublevel stoping في استثمار كتل الخامات الواقعة بين مستويات استثمار سابق، إذ تحفر فتحات الرفع من مسارب تقع تحت التوضع توصل إلى أطرافه الجانبية، ومنها تقطع الخامات في هذه الكتل وفق اتجاهات شاقولية لتقسمها إلى أجزاء متوازية ومتساوية يتباعد بعضها عن بعض بمسافات تراوح بين 8 و12م. وتكون اتجاهات التقسيم عادة عمودية على المسارب الواقعة تحتها (الشكل 9). ويستمر الحفر في هذه الأجزاء وفق جبهات استثمار شاقولية ومستوية. وترحل الخامات باستمرار عن طريق فتحات الترحيل. وهكذا تستثمر أجزاء التوضع من المحيط باتجاه بئر المنجم. ولا تلائم هذه الطريقة إلا الخامات المتينة المتماسكة، وتصبح مستحيلة أو خطرة حين تكون الخامات ضعيفة التماسك.

الحفر المملوءة: تستخدم طريقة الحفر المملوءة filled stopes في استثمار التوضعات المحاطة بجدران صخرية متينة وتكون خاماتها على درجة كافية من التماسك تكفي للحفر المنجمي ضمن حيز محدود، من دون حاجة إلى تدعيم. أما أسلوب الحفر وتقطيع الخامات فيماثل الحفر المنجمي التضاؤلي، إلا أنه ينفذ مرحلياً بحسب شرائح من التوضع، وبدءاً من الشريحة السفلى. وحين ينتهي الحفر منها تردم بالأنقاض والنفايات أو مع إضافة مواد رملية مجلوبة من السطح (الشكل10). ثم يسوّى سطح الردم ويفرش بحصير من الأخشاب ليتخذ أرضية لمتابعة العمل في الشريحة التالية. ومع ارتفاع مستوى الاستثمار ترفع قنوات الترحيل إلى سوية الأرضية الجديدة، وهكذا حتى ينتهي استثمار جسم التوضع. وتدعى هذه الطريقة بطريقة «اقطع واملأ» cut and fill، وهي تتصف بإمكان الاستغناء فيها عن تكاليف التدعيم.

 

الشكل (10) نموذج لطريقة الحفر المملوءة (اقطع واملأ(

الحفر المدعمة: يلجأ إلى الحفر المدعمة supported stopes في الحفر المنجمي، تحاشياً لحدوث الانهيارات في حالة التوضعات المحاطة بجدران صخرية ضعيفة أو التي تقع تحت غطاء صخري ثقيل. وأكثر طرائق التدعيم انتشاراً التدعيم بالمجموعات المربعة square sets (الشكل11).

وهي مؤلفة من أعمدة وعوارض خشبية مضلعة أو أسطوانية تراوح أطوالها بين 160 و200سم وثخانتها بين 18 و20سم، يشد بعضها إلى بعض لتؤلف شبكة مكعبات فراغية بوساطة أساور معدنية. وتنصب هذه المجموعات داخل الحفرة المنجمية من الجدار إلى الجدار المقابل ومن الأرض إلى السقف. والمرحلة الحرجة في هذه العمليات هي تلك التي تقع بين الحفر وإقامة الدعامات، وقد يتطلب ذلك استخدام دعامات هيدروليكية مؤقتة. وأما تقطيع الخامات وتحطيمها فيتمان بوسائل آلية أو يدوية من دون اللجوء إلى التفجير. وحين تقتضي بعض الحالات استخدام التفجير فيجب أن يجري في نطاق ضيق جداً. ومع استمرار تقطيع الخامات وتحطيهما يجري ردم التجاويف التي انتهى الاستثمار منها. ويستفاد من شبكة التدعيم في إقامة أرضيات مستوية لمتابعة العمل باتجاه الأعلى، وأرضيات منحدرة تنزلق عليها الخامات نحو فوهات الترحيل. ويفيد الحفر المنجمي المدعم في استثمار توضعات جرى استثمارها في السابق وترك فيها دعامات طبيعية من خامات هذه التوضعات. كما يفيد في استثمار التوضعات ذات التوزع غير النظامي، إلا أنه عالي الكلفة ويستهلك كميات كبيرة من الأخشاب ويزيد في احتمالات التعرض للحريق، ويضعف مردود العمل.

 

 

    أ. شبكة مجموعات التدعيم المربعة مع أرضية خشبية منحدرة لانزلاق الخامات

 ب ـ طريقة الحفر المدعمة

الشكل (11) الحفر المدعمة

التكهيف: تستخدم طرائق التكهيف caving في عمليات الاستثمار المنجمي للتوضعات الفلزية الضخمة التي يعلوها غطاء صخري قابل للانخساف، ليستفاد من هبوطه في تحطيم خامات التوضع وتوفير عمليات التقطيع والتحطيم. ويتم ذلك بحفر كهف في قاعدة التوضع ثم الفسح في المجال لغطائه الصخري كي يهبط تدريجياً (الشكل12). وأهم طرائق التكهيف مايأتي:

التقطيع الشرائحي من القمة: تناسب طريقة التقطيع الشرائحي من القمة top slicing استثمار توضعات ذات خامات ضعيفة لا يمكن أن تصمد حُفَرُها من دون تدعيم. أما طبيعة الجدران الجانبية للتوضع فليست على جانب من الأهمية.

ويجري الاستثمار وفق شرائح تبدأ من قمة التوضع حتى نهاية قاعدته السفلية.

وتقسم الشريحة في أثناء الاستثمار بقواطع عرضانية cross cuts متوازية ثم يتجه الاستثمار إلى التراجع من المحيط نحو البئر المنجمية وتدعم الحفر بمجموعات مربعة أو مثلثة مؤقتة، تستخدم فيها أنواع من الأخشاب الرخيصة. وبعد الانتهاء من استثمار شريحة القمة، تكون حفرتها قد شغلت بمجموعات التدعيم، وحينئذٍ تجعل نقاط ضعف في هذا التدعيم ليتهاوى تحت وطأة انهيار السقف، وقد يستخدم التفجير لهذا الغرض، فتشكل أخشاب الدعامات حصيراً واقياً يوقف متابعة الانهيار. ثم يتابع العمل في الشريحة التالية مع إقامة الدعامات بنسبة أقل وهكذا حتى الانتهاء من التوضع. وتعد هذه الطريقة أكثر اقتصاداً من طرائق الحفر المدعمة، إلا أن التعرض لأخطار كوارث الانهيار فيها أكثر.

 

الشكل (12) طريقة تكهيف الكتل (مقطع طولاني(

التكهيف تحت المستوى: تعد طريقة التكهيف تحت المستوى sublevel caving تطويراً لسابقتها، إلا أنها لا تطبق إلا إذا كانت خامات التوضع متماسكة بدرجة تسمح بالتكهيف فيها. ويسير الحفر المنجمي في بدايته بدءاً من شريحة القمة مع تدعيم السقف. وبعد الانتهاء منها تترك الشريحة التالية أو يترك أكثر منها، ليتابع الحفر الاستثماري في شرائح قاعدية مع الترحيل المستمر للخامات المقطعة. وبعد استنفادها يخرب تدعيم السقف ليبدأ الغطاء بالانخساف فوق الشرائح المتروكة ويحطم خاماتها (الشكل 12). وبعد ذلك يبدأ استجرار هذه الخامات من فوهات الترحيل الموجودة في أسفلها. وتتميز هذه الطريقة بمردود جيد للاستثمار وتكاليف منخفضة.

التكهيف المجزأ: تناسب طريقة التكهيف المجزأ block caving استثمار توضعات ضخمة غير نظامية الشكل وذات امتداد جانبي. ويسير الاستثمار وفق أجزاء من كتل محددة في جسم التوضع، فيتم استنفاد الواحد بعد الآخر. وتحفر تحت الكتلة مسارب جانبية توصل إلى نهاياتها. ومن المسارب  تفتح فتحات للرفع توصل إلى قاعدتها. ويسير التقطيع الاستثماري في الجزء القاعدي وفق قواطع عرضية متعامدة مع اتجاهات المسارب، وقواطع أخرى متعامدة مع القواطع العرضية. وبعد الانتهاء من استثمار جميع جبهات هذه القواطع يتبقى في الجزء القاعدي تجويف كهفي مدعم بدعائم طبيعية من الأجزاء المتروكة من الخامات في زوايا القواطع. وبعد الانتهاء من ترحيل الخامات المقطعة كافة تفجر هذه الدعائم، فيتاح المجال للغطاء الصخري أن ينخسف تدريجياً فوق كتلة التوضع. وقد يستمر هبوط الغطاء زمناً يراوح بين 6 و8 أشهر، وفي هذه الأثناء تكون خامات هذه الكتلة قد تحطمت كلياً. ثم يعود الاستثمار إليها باستجرار الخامات من فوهات الترحيل السفلية، وتدعم مجالات كافية عادة للعمل قرب هذه الفوهات. ويستمر استجرار الخامات حتى استنفادها فتبدأ المواد الصخرية بالظهور مع الخامات. وبعد ذلك ينتقل العمل المنجمي إلى الكتلة التالية.

 

الشكل (13) حجرات الاستثمار في طريقة حجرة ودعامة

طرائق خاصة باستثمار الفحم الحجري: تأخذ توضعات الفحم الحجري أشكالاً رسوبية مسطحة «راقات الفحم» ثخانتها محدودة وامتدادها الجانبي واسع، ومن ثم يعلوها سقف واسع، لذلك فإن عمليات الحفر المنجمي تواجه دائماً مشكلة تدعيم هذا السقف. ومن أجل هذا يتبع في استثمار الفحم الحجري طرائق خاصة أهمها: طريقة الحجرة والدعامة room and pillar وطريقة الحفر التراجعي longwall. ففي الطريقة الأولى يسير الحفر المنجمي وفق مخطط يقسم فيه التوضع أو جزء منه إلى قطاعات، تتوزع حول البئر المنجمية، تحفر فيها مسارب ذات جبهات تقطيع شاقولية تشمل كامل ثخانة التوضع وتستمر في مسارها حتى الحدود الجانبية للأجزاء المراد استثمارها، ومن هذه المسارب تفتح مسارب أخرى جانبية تؤدي إلى فتح حجرات استثمار متوازية تفصل بينها دعامات طبيعية من التوضع نفسه (الشكل 13). ويتابع الحفر من أقصى الحجرة ورجوعاً إلى مدخلها، وقد يستفاد من هبوط قليل في السقف لتحطيم كتل الفحم الحجري. وفي هذه الطريقة خسارة جزئية من التوضع، بسبب ترك دعائم منه تفصل بين المسارب الجانبية أو تقع بين حجرات الاستثمار (الشكل 14).

 

الشكل (14) قطاع استثمار في طريقة حجرة ودعامة

أما في الطريقة الثانية فيستثمر الفحم الحجري وفق مسارب جانبية تتوزع توزعاً شعاعياً حول بئر المنجم حتى تصل إلى أقصى حدود التوضع، ومن هذه المسارب تحفر شبكة من المسارب الفرعية المتقاطعة. وبذلك يتم استثمار جزء كبير من التوضع مع ترك دعائم منه في زوايا شبكة المسارب ثم يتحول الاستثمار ليسير سيراً تراجعياً، من أقصى المحيط نحو بئر المنجم، فيجري تقطيع مختلف الأجزاء الداعمة وترحيلها ترحيلاً مستمراً. ويترك المجال للغطاء أن يهبط تدريجياً بدءاً من المحيط (الشكل 15). وفي نهاية الحفر المنجمي لا يترك من التوضع سوى أجزاء صغيرة تدعم الغطاء حول بئر المنجم. وتتميز هذه الطريقة من سابقتها باقتصاديتها وارتفاع مردودها، إلا أنها تتطلب توافر شروط خاصة أهمها لدونة الغطاء وعدم وجود كسور وفوالق تكتونية، يمكن أن تحدث انهيارات مفاجئة.

التقنيات الأساسية: يتضمن الاستثمار المنجمي تحت الأرض عمليات تقطيع الخامات وتحطيمها ثم جمعها وتحميلها في عربات النقل التي توصلها إلى أوعية الرفع إلى السطح.

 

     الشكل (15) طريقة الحفر التراجعي وشبكة مسارب الاستثمار (في المركز بئر منجمية للتهوية وأخرى للرفع(

التقطيع والتحطيم: يجري التقطيع والتحطيم cutting and fragmentation باستخدام وسائل آلية أو بالتفجير أو بهما معاً. ويقتصر في العادة على التقطيع الآلي في الخامات الضعيفة. ويستخدم في التقطيع الآلي المحفار الحلزوني auger، وهو مكنة ضخمة مزودة برأس للحفر حلزوني الشكل يحفر في الخامات ويحطمها ويفرغها فوق سير متحرك للتحميل لتصل إلى عربات النقل. ويمكن أن يصل قطر الحفر في مثل هذه المكنة إلى نحو متر ونصف المتر. وتستخدم أيضاً مكنة «التقطيع بالسلسلة» chain cutter، وهي مجهزة بذراع قابلة للتوجيه تدور حولها سلسلة مزودة برؤوس معدنية قاسية تقطع وتفرغ فوق سير متحرك نحو عربة التحميل.

وتستخدم في حفر الأنفاق والمسارب مكنات حفر خاصة ذات رؤوس للحفر دوارة ضخمة تحفر مباشرة بالسعة المطلوبة، كما تستخدم مكنات حفر الأنفاق tunnel boring machines (الشكل 16).

وتتحرك هذه المكنات على عجلات مطاطية أو زناجير أو على سكة حديدية، وتديرها محركات كهربائية أو بخارية أو ديزل. ويفضل في عمليات المناجم تحت الأرض أن تكون محركاتها كهربائية حرصاً على عدم تلوث الهواء.

 

الشكل (16) مكنة حفر الأنفاق

التفجير: تختلف أنواع المتفجرات التي تستخدم في عمليات المناجم تحت الأرض عنها في المناجم المكشوفة. ولا يسمح إلا باستخدام أنواع خاصة تتصف بالتفجر السريع من دون إعطاء لهب قوي أو دخان أو حرارة عالية. ويفضل استعمال الديناميت المصنع لهذه الأغراض والذي يُنتج بدرجات متباينة من حيث قوة التفجير. أما حفر ثقوب التفجير فيتم بوسائل آلية مشابهة لما يستعمل في المناجم المكشوفة. ويتم الحفر وفق نماذج هندسية خاصة بالمناجم تحت الأرض.

النقل والرفع: يتم النقل والرفع haulage and hoisting للخامات من مواقع الاستثمار إلى عربات الشحن بتجريفها نحو فوهات الترحيل لتتساقط فيها مارة بالفتحات الشاقولية التي تصب مباشرة في هذه العربات التي تقف في مسارب النقل. وتجر هذه العربات على سكة حديدية بقاطرة أو بحبل فولاذي نحو بئر المنجم لتفرغ في أوعية الرفع التي تحملها إلى السطح بطريقة رفع المصاعد العادية في البئر المنجمية الشاقولية. أما في البئر المائلة فتسير على خط حديدي خاص بطريقة الشد بحبل فولاذي. وأما في المداخل المنجمية الأفقية فإنها تتحرك على شكل قطار أو بحبل للشد على خط حديدي عادي. وفي معظم الحالات يجهز مدخل المنجم بخطين أو أكثر للرفع، لضمان حركة مستمرة لنقل الخامات والمعدات والعمال، كما يجهز بأنابيب ضخمة للتهوية ونقل الماء ومواد الردم وتمديدات الكهرباء، وأحياناً بأنابيب خاصة لنقل الخامات هيدروليكياً أو نقلها بالهواء المضغوط. وفي بعض مناجم الفحم الحجري يتم النقل من مواقع العمل إلى السطح بوساطة السيور المتحركة conveyers وفق مراحل متتابعة ومتباينة في ارتفاعاتها.

تنظيم استثمار الثروات الفلزية

خطوط رئيسة في تطوير العمليات المنجمية: تتطلع البحوث التي تجري في مجال الاستثمارات المنجمية إلى حل المشكلات المهمة التي تواجهها بعض العمليات المنجمية، وإلى رفع الإمكانات التقنية وتوسيعها، وتحسين أحوال العمل، وتوفير السلامة وتخفيض التكاليف، وذلك بحسب الخطوط الرئيسة التالية:

ـ رفع استطاعة المحركات والمضخات بأنواعها، وتوفير مصادر رخيصة للطاقة.

ـ رفع سعة آلات الحفر والجرف والتحميل واستطاعتها وزيادة مرونتها في أثناء العمل.

ـ تطوير وسائل النقل الهدروليكي ورفع إمكاناتها.

ـ تسهيل نقل المكنات الضخمة إلى مواقع العمل الصعبة كالمستنقعات والأماكن الجبلية، كنقلها بالحوامات مثلاً.

ـ تطوير الوسائل الآلية والميكانيكية التي تستخدم في الاستثمارات تحت المياه البحرية.

ـ التوسع في استخدام الأجهزة الإلكترونية والحواسيب والمصورات التلفازية (الكاميرات) وأجهزة التحكم من بعد في متابعة تنفيذ الخطط العامة والتفصيلية للاستثمار والإشراف المباشر على العمل المنجمي وتحديد الثغرات فيه، وتسهيل الصيانة والإنقاذ، وتلافي الكوارث المنجمية، وتحسين الأحوال الصحية في مواقع العمل.

الحفاظ على الثروات الفلزية: يبرز التوسع في استثمار المصادر الفلزية وتزايد استخدامها في مجالات الصناعة مشكلة مهمة، هي نضوب هذه المصادر. فالتوضعات الفلزية تختلف عن غيرها من المصادر الطبيعية بكونها محدودة لا تنمو ولا تتجدد، فهي قوة اقتصادية كبيرة حين يحافظ عليها، كما أنها حين تنضب لا تعوض. وهذه الحقيقة هي التي توجب وضع الخطوط الرئيسة في تنظيم استثمار الثروات الفلزية ووضع القواعد والقيود اللازمة للحفاظ عليها ما أمكن. أما تطلعات الشركات الاستثمارية فهي مركزة دائماً على تحقيق أكبر مقدار من الربح بغض النظر عن النتائج. فهي تبحث دائماً، من أجل بقائها واستمرارها، عن الطرائق الفعالة في الاستثمار وعن مزيد من المصادر الفلزية اللازمة لتوسيع أعمالها وتحسين أحوال بقائها. وقد دفعت زيادة إدراك قيمة الثروات الفلزية ودورها الحيوي في دعم الاقتصاد والصناعة كثيراً من دول العالم إلى اتخاذ ما يمكن من إجراءات للمحافظة على ثروات أراضيها، وإلى تحويل جهود الاستثمار نحو التوضعات الفلزية ذات الخامات الفقيرة، وترك استنزاف التوضعات الغنية. كما دعا هذا الوعي دولاً أخرى إلى وقف استثمار الشركات الأجنبية لتوضعاتها أو إلى تأميمها وإلغاء امتيازاتها. وتسعى دول أخرى إلى إنقاص معدلات إنتاجها من الخامات المحلية، وزيادة الاعتماد على الخامات المستوردة. وتلجأ بعض الدول إلى أسلوب الاستفادة غير المباشرة من المصادر الفلزية لدول أخرى مجاورة أو بعيدة، عن طريق دعم تطوير الاستثمارات المنجمية فيها، وبالتالي تطوير الصناعات المبنية عليها، لتستوردها منها مواد مصنعة جاهزة وبتكلفة أقل.

أما البحوث الحديثة فهي تتجه نحو تخفيف استنزاف مصادر الفلزات بمحاولات لاستخدام بدائل لبعض الصناعات المعدنية، كاللدائن، ولإيجاد مصادر بديلة للطاقة، كالطاقة الشمسية والرياح والحرارة الجوفية، كما تتجه أيضاً إلى البحث عن المصادر الفلزية في أعماق البحار، وتطوير الوسائل التقنية والآلية التي تمكن من توسيع استثمارها في المستقبل.

الحفاظ على البيئة: تؤدي العمليات المنجمية في كثير من مجالاتها إلى تلويث البيئة والإضرار بها، وعلى سبيل المثال يُذكر ما يتعلق برمي الأنقاض والنفايات، وحفر الأراضي، وإزالة الأشجار والنباتات والترب الزراعية، وانخسافات الأراضي، وانزلاقات التربة، وطرح المياه الحاملة للنفايات، وتلويث المياه السطحية والجوفية بالمحاليل الضارة أو المواد المشعة، وإثارة الغبار من المناجم السطحية إلى المناطق المأهولة المجاورة وغيرها. ولذلك تأخذ القوانين الحديثة بقواعد وأسس ناظمة يجب اتباعها في مختلف العمليات المنجمية وأهمها التالي:

ـ منع رمي الأنقاض والنفايات والمياه الحاملة لها في الأنهار والشواطئ أو المجاري السيلية مع أسس ناظمة لكيفية التخلص منها.

ـ إعادة ردم الحفر وتسوية الأرض وتغطيتها بالتربة الزراعية، وتعديل انحدارات الحفر وجعلها مدرجة في مصاطب مستوية ذات تربة زراعية، وإعادة تشجيرها أو زرعها بالأعشاب.

ـ استخدام تجهيزات خاصة لتنقية مياه النفايات أو معالجة الخامات وتركيزها قبل التخلص منها، ومنع تسرب محاليل ضارة أو سامة من أكداس النفايات في أثناء تعرضها للعوامل الجوية، عن طريق التغطية أو تخصيص أمكنة مهيأة لها.

ـ إحاطة أماكن العمل المنجمي تحت الأرض بسياج يحيط بكامل المسافة التي تتأثر تأثراً مباشراً أو غير مباشر، بالانخسافات وانزلاقات الأراضي والتربة، ووضع لافتات تنبه للخطر.

محمد برهان عطائي

 

الموضوعات ذات الصلة

 

الدعامة ـ قلع المعادن والحجارة ـ المناجم (الاستخراج من ـ) .

 

مراجع للاستزادة

 

- R.S.LEWIS, Elements of Mining (Wiley & Sons Inc., London 1958).

E.P.OLEIDER, Surface Mining (the American Institute of Mining, Metallurgy & Petroleum Engineers Inc., New Youk 1972).-


التصنيف : التقنيات (التكنولوجية)
النوع : تقانة
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد : 82
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 550
الكل : 29579412
اليوم : 34328

المغنطيسية الآثارية

المغنطيسية الآثارية   المغنطيسية الآثارية archaeomagnetism هي مغنطيسية قديمة [ر. المغنطيسية القديمة] palaeomagnetism، إلا أنها تُعنى بمغنطيسية المواد التي يبلغ عمرها عدة آلاف من السنين. تكتسب الصخور والمواد الآثارية الحاوية على معادن أو فلزات مغنطيسية، مثل الحديد أو أكاسيده، مغنطيسية متحرضة، بوجود الحقل المغنطيسي الأرضي الحالي [ر. المغنطيسية الأرضية] geomagnetic field، تتناسب شدتها مع شدة هذا الحقل ومع كمية المادة المغنطيسية فيها، ويوازي اتجاه هذه المغنطيسية اتجاه الحقل المغنطيسي الأرضي الحالي. في حين اكتسبت معظم الصخور والمواد الآثارية مغنطيسية متبقية دائمة تتناسب شدتها مع شدة الحقل المغنطيسي الأرضي الذي سيطر في أثناء اكتساب الصخر مغنطيسيته، ومع كمية المواد المغنطيسية الموجودة فيها.
المزيد »