logo

logo

logo

logo

logo

الخطأ فلسفياً

خطا فلسفيا

Error - Erreur

الخطأ فلسفياً

 

الخطأ error لغةً نقيض الصواب. والخطأ والصواب يحملان على الأحكام والأفعال والآراء والاجتهادات. والمخطئ من أراد الصواب فصار إلى غيره.

الخطأ في الحكم: هو عدم التطابق بين التصورات الذهنية وما يقابلها من الأشياء الخارجية، فالخطأ فعلٌ فكري يحكم على ما هو كاذب بأنه صادق أو العكس، وقد يكون حالة فكرية تعد الباطل حقاً أو الحق باطلاً، فهو بذلك إقرارٌ كاذب، فاسدٌ، زائف.

والخطأ في الواقع (الفعل): هو أن يَقصُد الأمر فيصيب غيره، بسبب نقصٍ في إجراءٍ أو طريقةٍ، يؤثر في صدق النتائج، أو بسبب عدم اتباع الأسلوب أو الطريقة الموضوعة. فالخطأ هو الضلال، أي سلوك طريقٍ لا يوصل إلى المطلوب، بعدم مطابقة الفعل للأمر الذي يراد.

والخطأ في الشرع هو الإثم، أي ما يجب التحرر منه شرعاً وطبعاً. وهو مرادفٌ للذنب وللخطيئة[ر]، والخطيئة هي التقصير في اتباع القواعد الواجبة خلقياً أو فنياً أو علمياً أو دينياً، فإذا قصر الفاعل في تطبيق إحدى هذه القواعد كان مخطئاً أو خاطئاً.

والخطأ في المنطق يرادفه الغلط، وهو الإخلال بقواعد المنطق أو قوانينه، وإذا كان الخطأ متعمداً سمي مغالطة، وإذا كان غير متعمد سمي أغلوطة. والمغالطة استدلال فاسد في الحقيقة، صحيح في الظاهر، يقوم على الإخلال المتعمد بالقواعد المنطقية تضليلاً للخصم وتمويهاً عليه.

أما الغلط في القياس[ر]، فإما أن يقع في مادة القياس أي في المقدمات نفسها، أو في صورته وهي التأليف بينهما، أو من الجهتين معاً

والخطأ - أحياناً - يرادف الخداع (الوهم)، والوهم إدراكٌ حسيٌ خاطئ للواقع.

مفهوم الخطأ عند أفلاطون: تتلخص نظريته في عدّ الميلاد نوعاً من السقوط الإبستمولوجي (المعرفي)، سقوط من عالم المثل والكمال إلى عالم النقص والمحسوس، وحين الولادة تنسى النفس الجانب الأكمل من المعرفة الذي هو اتصال مباشر بالحقائق (بالمثل). وينشأ الخطأ عند محاولة التوفيق بين إحساس حاضر ومعنى سابق محفوظ في النفس، فالخطأ ليس معرفة كاذبة بل هو تذكر كاذب أو تنافر بين المعرفة الحسية والمعرفة التذكّرية، مصدره تأثير الجسم الضار في النفس، فالمعرفة المرتبطة بالحواس (بالجسم) معرفة باطلة، أما المعرفة الحقيقية فهي المعرفة العقلية الخالصة، والعلم الصحيح القائم على الكليات (المثل)، لإدراك هذا العلم والارتقاء عن الخطأ لابد من الارتقاء معرفياً من الوجود المحسوس المتغير إلى الوجود غير المحسوس والثابت، بالاستعانة بالجدل الصاعد والجدل الهابط لتجاوز الخطأ والوصول إلى العلم التام من جديد.

الخطأ عند أرسطو: يرى أرسطو أن خطأ الفلاسفة ناتج من اللّبس بين المفاهيم والأشياء، والمخرج منه التمييز بين التصورات، وإحلال مذهب «الواحد - المتعدد - الكائن» بدل مذهب «الوجود الواحد مطلقاً». فالأخطاء والتناقضات صفة من صفات الأحكام تعود إلى الخلط بين الموجود نفسه وما يقال عنه، أي بين المحمول والموضوع، تظهر عند اتحاد التصورات أو تجزئتها، أي عند إسناد محمول على موضوع أو نفيه عنه، فالخطأ نفيٌ للاتحاد الواقعي بين المحمول والموضوع، لذا فهو يرتبط بموضوع التناقض.

الخطأ عند ديكارت: يؤكد ديكارت أن قدرة الإنسان على الحكم العقلي تفتح أمامه احتمال الخطأ أو الصواب، فالحكم يعتمد على الإرادة وعلى الإدراك. والإدراك محدود بقدرات البشر بينما الإرادة غير محدودة، وقد يقودها تسرعها ورغبتها الطموح للمعرفة أحياناً إلى تجاوز قدرات الإدراك، وبالتالي إثبات أمور لم تعرف بوضوح، وقبول أمور تبدو صحيحة ظاهريا فقط، مما يتسبب في وجود الخطأ. في حين أن الحكم الصحيح دليل استعمال سليم للحرية، وذلك بالتزام قواعد المنهج (خاصة قاعدة الوضوح التام) فهذه القواعد كافية للحفظ من الخطأ. كما أن من أسباب الخطأ برأيه تشتت الانتباه، الذي يؤدي إلى اللبس وتضاؤل الوضوح فيؤدي إلى الخطأ.

الخطأ عند مور: يرى مور أن الخطأ هو إقرار بوجود ما لا يقابله شيء في العالم. وهو ينشأ عن اللغة التي تصاغ بها الموضوعات الفلسفية، لأنها تحتوي الكثير من اللبس والغموض، مما يؤدي إلى مشكلات فلسفية زائفة، تصل إلى نوع من التناقض والاستحالة والمفارقة. وقد اصطنع منهج «تحليل المعاني» لاكتشاف تلك المغالطات والأخطاء، كما دعا إلى اعتماد «الذوق الفطري» أو «الحس المشترك»، الذي حاد عنه الفلاسفة مما أوقعهم في الخطأ. وقد عمد إلى توضيح اللبس في الاستعمال المنطقي لبعض الكلمات، وإلى الكشف عن الغموض الكامن في معنى بعضها أيضاً، فللكثير من الكلمات معنى دقيق صارم ومعنى عام واسع، وقد ينشأ الخطأ عن استعمال أحد المعنيين مكان الآخر.

الخطأ عند رسِل: يزعم رسِل أن أسباب الخطأ تكمن في الاستخدام السيئ للغة مثل:

1-عدم التمييز بين العبارات التي تنصب على الواقع، والعبارات التي تنصب على اللغة.

2- عدم التمييز بين الأنماط المختلفة لمعاني الألفاظ.

3- عدم التمييز بين وظيفتي الألفاظ: وظيفة تقرير الوقائع ووظيفة استثارة المشاعر.

فاللغة الطبيعية غير مهيأة للتعبير عن الكثير من المسائل الفلسفية، فمفرداتها غامضة ملتبسة، وبعض سماتها التركيبية مسؤولة عن الكثير من الأخطاء التي وقع فيها الفلاسفة. ولا يمكن الخروج من مأزق اللغة إلا بالتحليل المنطقي، أي تطبيق المنطق الرمزي على اللغات الطبيعية، بتحويل أي مقال معبر عنه باللغة الطبيعية إلى «صورة منطقية»، تفهم من دون أي تعبير لغوي، وبذلك تتضح التصورات والعبارات ويزول ما فيها من لَبْس وغموض، أو خلط بين الأنماط، فننتقل من اللبس والغموض إلى الوضوح والتحديد الدقيق للمعاني، ومن الخطأ إلى الصواب.

وأخيراً: الخطأ فعل إنساني، ولا يخطئ إلا من لا يعمل، وكما يصنع المرء الأخطاء والأوهام، كذلك يصنع الحقائق والعلوم، فبين الخطأ والحقيقة علاقة دائمة، وأفضل الحقائق ما كان عن طريق المحاولة والخطأ. وتاريخ الفلسفة اختصار لتاريخ البشرية في المحاولات والأخطاء، عبر نضال مستمر للوصول إلى ما تراه أفضل.

فاطمة درويش 

مراجع للاستزادة:

 

ـ عبد الرحمن بدوي، مناهج البحث العلمي (دار النهضة العربية، القاهرة 1968).

ـ فؤاد زكريا، المنطق وفلسفة العلوم (دار النهضة العربية، القاهرة، بلا تاريخ).

- B.Russell, Human Knowledge (London 1964).

- Naged: John Stuart Mill’s Philosophy of Scientific Method (1950).

 


التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد
المجلد: المجلدالثامن
رقم الصفحة ضمن المجلد : 841
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1006
الكل : 57209354
اليوم : 28639

الضرورة

الضرورة   الضرورة necessity لغة هي الحاجة، واصطلاحاًً هي مقولة لما يتميز به الشيء من وجوب، أو امتناع، أما منطقياً فهي استحالة انفكاك المحمول عن الموضوع، سواء كانت ناشئة عن ذات الموضوع أو عن أمر منفصل عنها. والضرورة الفلسفية إما إيجابية وهي الوجود، أو سلبية وهي العدم. ويقابل الضرورة الإمكان possibility، أو الجواز contingency. وأحياناً تقال الضرورة على الحتمية determinism والقدرية.
المزيد »