logo

logo

logo

logo

logo

السببية (العلية-)

سببيه (عليه)

Causality - Causalité

السببية (العليّة)

 

السببية causality مقولة فلسفية تدل على الروابط الضرورية بين الظواهر، التي تحتم الواحدة منها (وتسمى السبب أو العلة) الظاهرة الأخرى (التي تسمى بالمسبب أو المعلول أو الأثر). وهي مبدأ أساسي للتصورات عن العالم، «فلكل حادثة علة»، أي مبدأ عقلي افترضته النظرة الواحدية الفلسفية مفاده: أنه لكل معلول علة أدت إلى حدوثه. كما تعد مقولة السببية (العلية) واحدة من المقولات الأساسية للبحث العلمي التي تفضي دائماً إلى اكتشاف التبعية السببية الأساسية. وهناك اختلاف بين السبب الكامل والسبب المحدد، فالسبب الكامل هو المجمل الكلي لجميع الظروف التي يؤدي وجودها بالضرورة إلى حدوث الأثر، أما السبب المحدد فهو المجمل الكلي للظروف التي يؤدي وجودها إلى ظهور الأثر مع وجود ظروف كثيرة أخرى بالفعل في الموقف المعين، حتى قبل ظهور الأثر، مع توافر شروط فعل المسبب.

وقد شكلت هذه التعاليم أساساً للتفسيرات العقلية عن العلية، فارتبطت في ذهن الكثير من الفلاسفة منذ القديم وحتى العصر الحديث، بالتجريدات العقلية المحضة معتبرين إياها تصوراً عقلياً خالصاً، وأنها مبدأ ضروري وفطري مستقل عن التجربة الحسية وليس مشتقاً منها. وكان أول من اهتم بالعلية أرسطو في تفسيره للحركة في الكون، وصنفها في أربعة علل هي: العلة الصورية، والفاعلة،الغائية، والمادية. أما ديكارت فاعتبرها مبدأ فطرياً وعلاقة ضروريةً، وفسر بركلي تساوق الأحداث في الطبيعة بقانون»الرمز والمرموز إليه»، في حين نقد هيوم فلسفة العلية ورفض التفسيرات المنطقية-الاستنباطية لعلاقة العلية واستبدلها بالتفسير التجريبي، الذي ألغى بموجبه فكرة أن تكون الظواهر التي نسميها عليّة تنتج بقوة ما ظواهر أخرى مقترنة معها، حيث لم يجد واقعة ما مطابقة لكلمة «القوة»، فجميع الأحداث تبدو مفككة ومنفصلة عن بعضها، فالحادثة تتبع الأخرى، وتبدو مقترنة معها، لكنها لا تبدو أبداً مرتبطة بها. فالمعطيات المباشرة هي «تعدد لا ارتباط فيه»، والعلّية تترجم إلى تعاقب زمني يتسق اتساقا ذاتياً، أي ترتبط الأحداث عليّا على المستوى السيكولوجي، وليس ثمة ما هو أكثر من ذلك، «فالعلة موضوع متقدم ومقترن بموضوع آخر، ومن ثم فهو متحد به، بحيث أن فكرة أحدهما تحدد فكرة الأخر». وعلى النقيض من ذلك تتحول العليّة على يد كَنْت إلى قاعدة حيث الأحداث المتزمّنة تتبع قانونا يتلقاه الإدراك الحسي من العقل.

ومع تطور العلم وتصدّر المعرفة في العصر الحديث، بدا واضحاً لأئمة الفكر أن العقل لا يصل إلى مبادئه الا بطريقة تركيبية بعدية، ومنها مبدأ العلية، فالتجربة تدل على أن الظواهر ترتبط ببعضها ارتباط العلة بالمعلول، وهذا ما يُعبر عنه قانون العلية، وعلى أساسه ينشئ الفكر تعميماته بشأن الوقائع التجريبية ليصل إلى قوانينها العامة، ولهذا قيل إن قانون العلية «قضية إخبارية تركيبية بشأن العالم الواقعي» وليس مبدأ عقلياً خالصاً سابقاً على التجربة، كما تبدّى لأصحاب النظرة التصورية عن العالم.

ويعد مبدأ السبب الكافي المرتبط نظرياً بفلسفة ليبنتز[ر] إحدى الركائز الأساسية للاستدلالات العقلية وتعبيراً عن تلك النظرة التصورية. فالسبب الكافي هو:المبدأ الذي يحدد وجود هذا الشيء أو ذاك من بين عدد من الممكنات أو الاحتمالات التي تنطوي على تناقض، ففعل ممكن واحد يتحتم وجوده لوجود علة كافية تجعله بحكم الضروري، فلا شيء يتصف بالحقيقة أو بالوجود، ولا حكم يتصف بالصدق ما لم يكن هناك سبب كاف لوجوده على هذا النحو، وليس على نحو آخر، وطالما أن الحقائق بنظر ليبنتز نوعان: حقائق العقل وحقائق الواقع، فإن السبب الكافي للحقائق العقلية كامن في الحقائق البدهية- الذاتية، أما حقائق الواقع فيوجد سببها الكافي في الله وحده.

أما شوبنهور [ر] فقد عدّ مبدأ السبب الكافي، الموجود في طبيعة العقل نفسه، قانوناً مسيطراً على الفكر والوجود معاً، فموضوعاتنا أو تصوراتنا مرتبطة فيما بينها ارتباطاً منتظماً تخضع فيه لمبادئ أربعة أساسية متماسكة فيما بينها وتشكل فروعا لأصل واحد هو العلة الكافية أو كما يسميها شوبنهور «الجذر الرباعي لمبدأ العلة الكافية» وهذه الفروع هي: مبدأ الصيرورة وتقابله العيانات الحسية، ومبدأ المعرفة أو المبدأ المنطقي وموضوعاته التصورات والأفكار، أما العيانات المجردة (الزمان والمكان) فيقابلها» مبدأ الوجود» أو «المبدأ الرياضي»، وأفعال الإرادة يحددها مبدأ الفعل أو «الباعث».

وتتسم الثلاثة الأولى بأنها نظرية والأخير بأنه عملي، والجذر الأهم بنظر شوبنهور هو مبدأ التغير أوالصيرورة، وهو يسود عالم الأحداث المتغير، فكل ظاهرة حادثة بالضرورة من ظاهرة أخرى سابقة عليها، وكل تغير يحيل إلى آخر سابق عليه، عبر تسلسل عليّ متصل إلى غير نهاية، فالعلة بالتعريف الدقيق هي»التغير الأخير الذي يسبق حدوث الظاهرة مباشرة ويرتبط بها مباشرة». وللعلية ثلاث أنواع:علية لا عضوية، وعلية عضوية، وعلية حيوانية إنسانية أو شبه نفسية، وهذه تختلف فيما بينها بدرجة تناسب العلة ومعلولها،وتشترك جميعها في الحتمية العلية المطلقة، فالسلوك الإنساني يخضع لعلية محكمة بنفس الطريقة التي تخضع لها الجمادات في حركتها، وعندئذ لا مجال للحديث عند شوبنهور عن حرية إرادة أو اختيار.

أما مبدأ المعرفة فيتحكم بعالم التصورات وارتباطها، والتي مهمتها تركيب الأحكام أو القضايا، ولكي يثبت كل حكم صدقه، لابد أن يخضع لمبدأ العلة الكافية على صورة مبدأ المعرفة.

ومبدأ الوجود يسود الامتثالات المجردة، فكل لحظة من الزمان مشروطة بالضرورة باللحظة السابقة عليها مباشرة، بينما أجزاء المكان تتعين بالأبعاد الثلاث المعروفة.أما «مبدأ الفعل» وهو خاص بالذات التي تقوم بتصور العالم على أنه موضوع لإرادتها، فيه كل فعل إرادي بحاجة إلى علة، وهذه العلة تدعى باعثاً، وهذا الباعث هو علة منظور إليها من الداخل، أو هو مبدأ العلة الكافية في صورة مبدأ الفعل.

فالعالم، كما يراه شوبنهور، حوادثه مرتبطة عليّاً في الزمان والمكان، وهو يمثل إمكانيات أو وسائل ممكنة لإشباع الإرادة، وبالتالي فالعلاقة العلية إرادة لديه.

وقد شكّل مبدأ السببية التربة الخصبة لنمو العلم الحديث، وتحددت مهمته بتعليل الظواهر عن طريق تحديد علة كل حدث، فارتبط تفسير العلماء للقوانين العلمية الحتمية بالتفسير العلّي الذي يفترض اطراداً بين أحداث الطبيعة يجعلها تسير على وتيرة واحدة لا تتغير، مما يفسح المجال للقول بضرورة شاملة تحكم العالم بفضل العلاقات الداخلية بين الظواهر، بين العلة والمعلول، فتسلسل الأحداث في حلقات محكمة يفضي الواحدة منها إلى لاحقتها، ويبدو العالم مقيد بحتمية صارمة يفترضها تسلسل الأحداث العلي فيه، فالحدث السابق علة واللاحق معلول وعندها يغدو القول بحتمية الظاهرة هو تحديد العلة الحقيقية أو الكامنة لحدوثها، لذا اعتبرت العلية هي الوجه الآخر للحتمية[ر] وخاصة الحتمية العلمية التي تنظر إلى العالم على هيئة نظام آلي مطرد شامل ذو علاقات علية، كل حدث فيه نتيجة ضرورية لما سبق ومقدمة شرطية لما سيأتي، وهكذا فالتسليم بالعلية الشاملة التي لا تعرف جوازًا ولا استثناء، كان له أثر بارز في ابستيمولوجية المعرفة العلمية وطرائق العلم ومناهجه ـ على سبيل المثال ـ لم يكن منهج ستيوارت مل الاستقرائي وقواعده الخمسة سوى وسيلة لاكتشاف العلاقات العقلية وإثباتها.

ومشكلة السببية مجال لصراع حاد بين المادية والمثالية، فالمادية تؤمن بموضوعية السببية وكليتها، وتعدّ العلاقات السببية علاقات بين الأشياء نفسها، كائنة خارج الوعي ومستقلة عنه. أما المثالية الذاتية فهي إما تنكر السببية كلياً، وترى فيها مجرد نتيجة لتتالي الأحاسيس البشرية (مثل هيوم)، أو تدرك السببية كعلاقة ضرورية وتعدّ أنها وُجدت في عالم الظواهر بوساطة الذات المدركة (الطابع القَبْلي للسببية عند كَنْت). وقد تعترف المثالية الموضوعية بوجود السببية مستقلة عن الذات المدركة، ولكنها ترسي جذورها في الروح، في الفكرة، في التصور، الذي تعدّه مستقلاً عن الذات. أما المادية الجدلية فإنها لا تقترن فحسب بموضوعية وكلية السببية، بل ترفض أيضاً النظرة المبسطة إليها، وخاصة النظرة التي تعارض بين السبب والأثر، وهي من الخصائص المميزة للميتافيزيقا، وتعدّهما جانبيين لتفاعل يقوم فيه الأثر، ويؤكد العلم المعاصر بل يثري المنهج الجدلي والمادي للسببية.

سوسان الياس

الموضوعات ذات الصلة:

 

أرسطو ـ الحتمية ـ شوبنهور ـ لابلاس ـ ليبنتز.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ عبد الرحمن بدوي، شوبنهور (مكتبة النهضة المصرية، القاهرة 1942).

ـ يمنى طريف الخولي، «فلسفة العلم في القرن العشرين»، سلسلة عالم الفكر (الكويت، العدد264).


التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد
المجلد: المجلد العاشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 670
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 483
الكل : 31263306
اليوم : 11494

مسرح العبث

مسرح العبث   كلمة العبث Absurde في أصولها اللاتينية تعني ما هو نشاز ويخرج عن المنطق العام، وتستخدم في علم المنطق للدلالة على التناقض الذي يؤدي إلى نتائج خاطئة. كذلك هناك أصداء للعبث في الفلسفة وعلى الأخص في الوجودية[ر] التي أبرزت شعور عدم الجدوى والإخفاق المتكرر للوجود والمصير البشري. أما تيار العبث في الأدب فقد كان نتيجة مباشرة لمناخ الحربين العالميتين اللتين زعزعتا قناعة المفكرين الغربيين بوجود معنى ومنطق في الحياة، في حين تزايد الإحساس بوجود هوة تفصل بين المفاهيم والمُثل التي سارت عليها الحضارة الغربية وبين الواقع المناقض لذلك. فالتطور الصناعي بدلاً من أن يحمل السعادة للإنسان حوّله إلى آلة تعيش بلا إنسانية، وولّد حرباً مدمرة حملت الفوضى والموت.
المزيد »