logo

logo

logo

logo

logo

الصهيونية

صهيونيه

Zionism - Sionisme

الصهيونية

 

تنسب كلمة «صهيونية» Zionism إلى صهيون Zion، وهو اسم جبل في القدس، ثم أصبحت الكلمة اسماً لحركة سياسية استعمارية عنصرية إجلائية استيطانية عدوانية توسعية متطرفة، تستهدف إنشاء دولة يهودية في فلسطين عن طريق تهجير اليهود إليها، وتوطينهم فيها بحجّة «عودتهم من المنفى إلى أرض الميعاد» … وقد ارتبطت الحركة الصهيونية الحديثة بشخصية الصحافي اليهودي النمساوي تيودور هرتزل (1860ـ1904) الذي يعدّ الداعية الأول للفكر الصهيوني الحديث والمعاصر الذي تقوم على آرائه الحركة الصهيونية في العالم. وقد ظهر مصطلح الصهيونية كبديل لعبارة «القومية اليهودية» لأول مرة على يد الكاتب الألماني ناتان بيرنباوم سنة 1893م … وقامت الصهيونية على تحريف تعاليم التوراة والتلمود، وقد صاغت الصهيونية فكرها في «بروتوكولات حكماء صهيون» ويعود أصل الفكرة الصهيونية إلى عصر الشتات والتشريد على يد البابليين قبل الميلاد بنحو ستة قرون، لكنها لم تكن فكرة واضحة المعالم محدودة الهدف والوسائل، حتى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي.

أصولها التاريخية وتطورها في القرن التاسع عشر

تعود الأصول التاريخية لنشوء الصهيونية إلى القرن الثامن عشر الذي شهد اتجاهين دينيين رئيسين متميزين ومتنافسين في حياة اليهود الاجتماعية والفكرية، وقد ارتبط الاتجاه الأول ارتباطاً عضوياً باسم مؤسسة مندلسون (1729ـ1786) وقد دعا إلى التخلي عن العقائد اليهودية الجامدة والطقوس الدينية القديمة. وقاد أنصار هذا الاتجاه حملة في سبيل التنوير (هاسكالاه). بينما كان الاتجاه الثاني يجسد النزعة للتمسك بحرفية التعاليم اليهودية التوراتية القديمة وشعائرها الجامدة، والحفاظ على انعزالية اليهود ضمن «الغيتو»[ر] Ghitto بانتظار ظهور المسيح المنقذ الذي سيقود اليهود إلى «أرض الميعاد» في فلسطين، وقد سمي الاتجاه الأول «التيار الغربي» نظراً لانتشاره الواسع بين يهود غرب أوربا، وأطلق على الاتجاه الثاني اسم «التيار الشرقي» نسبة إلى شطر أوربا الشرقي.

والواقع أنّ هذين التيارين كانا انعكاسين للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة في أوربا في القرن الثامن عشر؛ ففي أوربا الغربية انعكست آثار التحرير السياسي والاجتماعي والديني على اليهود أكثر من غيرهم، وأسهمت عملية التحرير هذه إسهاماً كبيراً في نسف أسوار «الغيتو» التي انزوى اليهود داخلها آلاف السنين، وقد أدى نسف هذه الأسوار إلى انهيار بنيان ديني واجتماعي يرجع عهده إلى آلاف السنين، وبدا أن اليهودية بدأت تموت عملياً في أوربا الغربية. وأسهمت جهود «مندلسون» وأتباعه في الحركة الإصلاحية اليهودية في إيجاد المناخ الملائم لمجاراة اليهود لحياة المجتمع الأوربي الجديدة. وقد عكست أفكار مندلسون طموح البرجوازية اليهودية إلى ملاءمة نفسها مع العصر الجديد، وتثبيت مواقعها فيه. وقد عجلت الثورة الفرنسية ونمو الرأسمالية الصناعية في دخول اليهود إلى صفوف البرجوازية واستيعابهم الثقافي في أوربا الغربية.

كما عبرت السياسة النابوليونية عن إرادة المجتمع البرجوازي في استيعاب اليهود تماماً، وإنْ كان هذا الاستيعاب قد اختلف من منطقة إلى أخرى تبعاً لتطورها الاقتصادي، وكانت وتائر عملية اندماج اليهود في هذا المجتمع أو ذاك، في أوربا الغربية والوسطى، تعكس بشكل واضح وظيفتهم الاقتصادية وأوضاعهم الاجتماعية في مناطق إقامتهم. وكان تحرير اليهود ومساواتهم مع غيرهم في مناطق سكناهم نتيجة طبيعية لانتشار الأفكار اللليبرالية وسيادة العقلانية والعلمانية، وانتصار البرجوازية النهائي على الإقطاع ومؤسساته، وتحقيق مستوى رفيع من الازدهار التجاري والاقتصادي، والسعي إلى تأسيس الدولة البرجوازية الحديثة على أساس قومي في أوربا الغربية.

إلا أن هذه التحولات الاقتصادية والاجتماعية السريعة لم ترافقها تحولات مماثلة في الشطر الشرقي من أوربا التي تهدمت فيها الأركان الاقتصادية والاجتماعية التي ارتكزت عليها الرأسمالية اليهودية المحلية قروناً طويلة، وطرحت مسائل الهجرة أو التحول إلى بروليتارية في المدن الصناعية والتجارية النامية، ولأن هذا التحول الاقتصادي والاجتماعي لم يرافقه تحول حضاري وفكري مماثل، فقد ظلت جماهير اليهود أسيرة «اليهودية المتزمتة والمتحجرة والرجعية». واستمر الحاخامات وكبار التجار وأثرياء اليهود، الذين نجحوا في التلاؤم مع الأوضاع الجديدة، يؤدون الدور الرئيس في الحياة اليهودية، ومن ثمَّ انعكس التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في شطري القارة بشكل حاد على أوضاع اليهود، إلاّ أنّ تمايزاً واضحاً نشأ بين يهود شرق أوربا وغربها بسبب اختلاف الظروف المحلية، وقد انعكس هذا التمايز فيما بعد على عملية تكون الصهيونية كمجموعات وتنظيمات صهيونية مستقلة، أو كمنظمة صهيونية عالمية واحدة. وهناك نمطان من الصهيونية، أحدهما يسمى «صهيونية الأغيار» أي غير اليهود من المسيحيين، أو الصهيونية المسيحية كما يسميها بعض المؤرخين، والنمط الثاني هو «الصهيونية اليهودية» التي أصبحت فيما بعد الصهيونية السياسية المعاصرة. وعُدَّ النصف الأول من القرن التاسع عشر مولداً للدعوة الصهيونية بين المسيحيين، وقد ظهرت هذه الدعوة في صفوف البروتستنت الطهوريين Puritans [ر. البيوريتانيون] بتأثير الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، وعقيدة العصر الألفي من جهة، إضافة إلى مصالح بريطانيا التجارية والاقتصادية من جهة أخرى. وقد ظهر أول كتاب مكرس للأفكار الصهيونية لمؤلفه البيوريتاني الإنكليزي «سيرهنريفيْش» بعنوان «الدعوة على اليهود» عام 1621 ويتوقع فيه المؤلف اقتراب موعد استعادة اليهود لسلطانهم في فلسطين وتأسيس إمبراطورية يهودية عالمية.

ومع صعود «كرومويل» إلى السلطة انتشرت على نطاق علني الدعوة إلى إعادة اليهود إلى فلسطين. ومن خلال التعاون الواسع بين اليهود والبروتستنت فقد سمح «كرومويل» لليهود بالعودة إلى بريطانيا عام 1655 بعد أن طُردوا منها عام 1290م …وكانت دوافع كرومويل الحقيقية مصالحه الاقتصادية وحاجته إلى خبرة اليهود وأموالهم وصلاتهم التجارية لاستخدامها في حربه ضد البرتغال من أجل السيطرة على التجارة البحرية. وكان التجار اليهود الذين شكلوا في الأوساط التجارية الهولندية طبقة قوية متحالفة مع التجار الهولنديين، يتطلعون إلى الانتقام من إسبانيا والبرتغال بسبب طرد اليهود من هناك سابقاً، لذا تطلع كرومويل إلى استقدام اليهود التجار من هولندا إلى بريطانيا كخطوة عملية تفيد منها بريطانيا في حربها ضد البرتغال وإسبانيا للسيطرة على البحار من جهة، وفي سياقها التجاري البحري مع هولندا من جهة أخرى. وهكذا ارتبطت منذ القرن السابع عشر المصالح التجارية والاقتصادية بالدعوة الصهيونية لإعادة اليهود إلى فلسطين واستيطانها وتأسيس دولة يهودية هناك. وكانت هذه الدعوة تبرز بشدة وحماسة كلما دعت مصالح هذه الدولة أو تلك إلى ذلك، وما كاد كرومويل يحقق أغراضه من إعادة اليهود إلى بريطانيا حتى خمدت هذه الدعوة، ولم تعد إلى الظهور إلاّ بعد قرن من الزمن، مع انتصار الثورة الفرنسية، واستفحال العداء بين بريطانيا سيدة البحار والمحافظة البروتستنتية، وفرنسا الثورة الفرنسية حاملة المبادئ الليبرالية، فما كاد نابليون يحقق نصره على المماليك في مصر عام 1798 ويزحف إلى عكا باتجاه فلسطين، حتى أصدر نداء في 22 أيار 1799 دعا فيه اليهود للانضواء تحت لوائه والقتال من أجل إعادة تأسيس القدس القديمة وتسليمها إلى اليهود، مدشناً بذلك المحاولة الجادة الأولى لاستيطان اليهود في فلسطين عن طريق تهجيرهم إليها. ومع فشل هذه المحاولة وانخفاض حدة التنافس البريطاني ـ الفرنسي في الشرق الأوسط خمدت مرة أخرى، ولعدّة عقود قادمة، الدعوة المسيحية لإعادة توطين اليهود في فلسطين، إلاّ أنها عادت إلى الظهور في أواخر الثلاثينات من القرن التاسع عشر، نتيجة لتضارب مصالح الدول الاستعمارية في الشرق الوسط وتنافسها، وانفجار الصراع بين بريطانيا وفرنسا من أجل الاستيلاء على سورية وفلسطين(1839ـ1845م) ولم يكن اليهود أنفسهم مهتمين بفكرة إعادتهم إلى فلسطين، حتى حين اتخذت المسالة الفلسطينية طابعاً يهودياً للمرة الثانية في مؤتمر لندن عام 1840. وقد تصاعد بعدَ هذا المؤتمر الاهتمام السياسي البريطاني بفلسطين وإعادة اليهود إليها، وأخذت بريطانيا تربط دعوتها لإعادة اليهود إلى فلسطين بمصالحها التجارية والاستعمارية في الوطن العربي. وفي عام 1842 وجه القنصل البريطاني في سورية، الكولونيل تشارلز هنري تشرشل نداء إلى يهود أوربا تقدم فيه بمشروع يدعو إلى تهجير اليهود إلى فلسطين. وفي عام 1860 دعا «أرنست لاهاران» السكرتير الخاص لنابليون الثالث إلى إعادة بناء الدولة اليهودية في فلسطين تحت الوصاية الفرنسية. واقترح لاهاران على التجار اليهود الأثرياء ورجال البنوك تقديم كميات من الذهب إلى السلطان العثماني. وقد أدركت بريطانيا أهمية إعادة استخدام الدعوة الصهيونية، فتأسس في لندن عام 1865:صندوق اكتشاف فلسطين، الذي قدّم فيما بعد كافة المعلومات اللازمة لبريطانيا، ولجماعة «أحباء صهيون» لبدء عملية استيطان فلسطين يهودياً. وهكذا فإنّ صهيونية الأغيار المسيحية كانت تشكل أحد الاتجاهات الفكرية الاستراتيجية في أوساط البرجوازية الإنكليزية والفرنسية على حد سواء خلال مدّة بلوغ الرأسمالية مرحلتها العليا ـ الإمبريالية.

أما الصهيونية السياسية فقد ولدت بالفعل في ضوء الحرائق ووسط المجازر التي ارتكبها الحكم القيصري الروسي في أوساط اليهود 1881ـ1883 إثر اغتيال القيصر من قبل جماعة كان ضمنهم بعض اليهود، فأعلنت الحركة الصهيونية عن نفسها باسم جماعة «أحباء صهيون» هدفها تهجير اليهود إلى فلسطين واستيطانهم فيها، وتأسيس مملكة إسرائيل من النيل إلى الفرات. ولقد تميزت نهاية القرن التاسع عشر باشتداد حمى الصراع بين الدول الإمبريالية حول تقاسم المستعمرات والاستيلاء عليها، كما يعدُّ عام 1882 نقطة انعطاف حاسمة في تاريخ الدعوة الصهيونية، ففي هذا العام انتقلت العقيدة الصهيونية عملياً من الصهيونيين الأغيار (المسيحيين) إلى صهيونية اليهود أنفسهم، وتولت مجموعة من اليهود مسؤولية تحقيق الفكرة الصهيونية، كما يعد هذا العام بداية مسيرة الصراع الطويلة بين الصهيونيين الهادفين إلى إرغام جماهير اليهود على الانفصال عن مجتمعاتهم والتعلق بأفكار قومية برجوازية شوفينية ومتعصبة، كما يعدُّ هذا العام نفسه بداية ظهور أول جماعة صهيونية منظمة حددت لنفسها برنامجاً سياسياً واضحاً. ويعدّ بعض مؤرخي الصهيونية أن الجماعة الصهيونية الأولى هي جماعة «بيلو» (اختصار أربع كلمات: بيت يعقوب، تعالوا لنرحل) التي أسسها طلاب يهود في جامعة القسطنطينية عام 1882… واعتمدت صهيونية «هرتزل» السياسية المنظمة فيما بعد، مبادئ هذه الحركة كأساسٍ لها.

هرتزل والصهيونية الفاعلة

ولد تيودور هرتزل سنة 1860في النمسا، وكان تلميذاً للرجل البريطاني ويليام هشلر المولود في جنوب إفريقيا، والذي اقترح على هرتزل الشاعر والأديب والصحافي أنْ تقيم الصهيونية دولتها المرتقبة في منطقة تمتد من جبال تركيا شمالاً وقناة السويس جنوبا،ً وأن يكون شعار الدولة هو «فلسطين داود وسليمان» وبدأ هرتزل يفكر، وعمره اثنان وعشرون عاما،ً أن حلّ مشكلة اليهود تكمن في إيجاد وطن قومي لهم، وكان يعادي فكرة الاندماج ولكنه كان يرى أن اختلاف لغات اليهود وتباعد الأوطان التي يقطنونها يحول دون تجميعهم في وطن واحد، ولكنه لم ييأس، فقد توجه عام 1895 إلى مستثمر يهودي في فرنسا وتشاور معه للعمل لإقامة وطن قومي لليهود، إلا أنه لم يخرج بفائدة. عزم بعد ذلك على إنشاء مكتب سياسي لتثقيف اليهود في العالم وتنظيمهم، كما دعا إلى استغلال المال اليهودي وإجراء المفاوضات مع الدول، وشراء الأراضي، وتشكيل لجان عمل، ووضع مخططات للتدريب والتعليم. وفي العام نفسه صاغ خطاباً ووجهه إلى عائلة روتشيلد، وهي أغنى العائلات اليهودية ولها مركز سياسي واقتصادي مرموق، وعرض عليها المشاركة لتشكيل (شركة اليهود) لإقامة دولتهم.

كان هرتزل يرى أن عداء الشعوب لليهود سببه اقتصادي، ويبدو في ذلك متأثراً بالرأسمالية وفكرها، ولكنه لم ير تقدماً كبيراً فتوجه بخطاب لليهود في العالم في كتاب اسمه «الدولة اليهودية» ضمنه باختصار «الخطة الصهيونية السياسية الهيرتزلية» لإقامة الدولة اليهودية. وتوصل هرتزل إلى أن أرض إسرائيل هي التي يمكن أن تجذبهم، فبدا محاولاته مع السلطان عبد الحميد ولكنه أخفق، وفي عام 1896 بدأ يعد العدّة ويجند أحباء صهيون وغيرهم من مؤيديه، لعقد مؤتمر يهودي عالمي، وفعلاً عقد أول مؤتمر صهيوني عالمي في بال بسويسرا في 29 آب 1897، وقد قال هرتزل بعد المؤتمر: «لو أردت أن أجمل مؤتمر بال لقلت: في بال تأسست دولة اليهود»، وكانت مقررات المؤتمر تهدف إلى: 1ـ تنظيم اليهود.2ـ تشجيع الاستيطان.3ـ تنفيذ ذلك عملياً. 4ـ تهيئة كل يهودي وتعبئته لأجل ذلك.

ونتج عن هذا المؤتمر قيام المنظمة الصهيونية العالمية.. وفي عام 1898 زار هرتزل وليم الثاني قيصر ألمانيا، وتركيا وفلسطين، وقد حصل على دعوة من القيصر لمقابلته، فترأس وفداً وقابل القيصر في القسطنطينية، واجتمع معه أيضاً في القدس. وكان هرتزل قد أدرك أهمية فلسطين بالنسبة لبريطانيا وبالتالي أهمية إيجاد دولة يهودية فيها، لتسيطر على الجسر الذي يربط بين البحر الأبيض والبحر الحمر، وبين القارتين: آسيا وإفريقيا، وفي ذلك خدمة عظيمة لبريطانيا. وبعد عودة هرتزل من القدس وضع كتابه «أرض قديمة جديدة» وصف فيه كيف ستكون الدولة اليهودية بعد عشرين سنة، ووصفها بأنها دولة يعمل فيها كل شعبها بجد ونشاط وتفان، لتبقى الدولة جميلة قوية متمكاسكة. وقد انتخب هرتزل عضواً في اللجنة الملكية البريطانية لدخول الأجانب اليهود إلى بريطانيا، ومن خلال لقاءاته مع السلطات البريطانية كان يعرض حلاً واحداً لمشكلة اليهود وهو إيجاد «الوطن القومي ليجتمعوا فيه». وفي عام 1902 وعدته بريطانيا «بشبه جزيرة سيناء»، وهو ما يسمى مشروع «العريش»، وطناً قومياً لليهود، فأرسلت المنظمة العالمية وفداً من الخبراء الصهيونيين لدراسة طبيعة الأرض في سيناء، ولكن المشروع فشل لأن مصر رفضت نقل مياه النيل إلى سيناء. وفكر هرتزل باستيطان «قبرص» لكن منظمة أحباء صهيون عارضته بشدة، فرجع عن أفكاره. وفي عام 1903 اقترحت بريطانيا على هرتزل خطة «أوغندة» فعرض هرتزل المشروع على المؤتمر اليهودي العالمي السادس عام 1903 فصوت المؤتمر لصالح هذا المشروع بأغلبية سبعة عشر عضواً، لكن ممثلي الصهيونيين الروس رفضوا المشروع، ولم يرضوا عن فلسطين بديلاً. ثم ألغي المشروع نهائياً في ذلك المؤتمر.وفي عام 1904 وعد هرتزل إيطاليا بالمساعدة في احتلال ليبيا إذا توسط ملك إيطاليا لدى السلطان عبد الحميد ليأذن بإعطاء حكم ذاتي لليهود في فلسطين، وتوسط الملك لدى السلطان الذي رفض ذلك بشدة، وفي حرب تركيا مع اليونان عام 1897وعد هرتزل تركيا بجمع الأموال ومساعدتها في الحرب مقابل إعطاء اليهود حكماً ذاتياً في فلسطين فرفض العثمانيون، وفي عام 1904 توفي هرتزل ونقلت رفاته إلى القدس عام 1949م.

لقد كان نهج هرتزل نهجاً سياسياً يقوم على أن «التاريخ السياسي لأمة بأكملها يضعه بضعة اشخاص يرتبونه فيما بينهم، ثم يصبح مدار تاريخ الأمة». ومن خلال جهود هرتزل السياسية أصبحت قضية اليهود مشكلة تعاطف معها الكثيرون، واعترف كثير من الدول بالمنظمة الصهيونية العالمية، وكان من خطته لا تقوم دولة دينية لاهوتية لأن الدول الأوربية ستحارب ذلك، وأنه يجب أن يعتمد على معاداة السامية، ليكسب الدول المعادية للسامية، وأن يزوج بنات أثرياء اليهود من أولاد الأسرات الأوربية الحاكمة، ليحصل على مكاسب سياسية واقتصادية.

المذاهب الصهيونية المختلفة

تفرقت الصهيونية في مذاهب أهمها:

1ـ الصهيونية الإقليمية: وهي مدرسة سياسية صهيونية تقول بفشل الاندماج وبضرورة إنشاء دولة صهيونية، إلا أنها لاترى ضرورة حتمية إنشائها في فلسطين. وأبرز قادة هذه المدرسة «إسرائيل زانغويل» الذي أحدث انقساماً في الحركة الصهيونية عام 1903 عندما عرضت بريطانيا على الصهيونيين مشروع شرقي إفريقيا الذي استهدف توطين المهاجرين اليهود فيها لتعذر الاستيلاء على فلسطين آنذاك. وعندما رفض المؤتمر الصهيوني مشروع إفريقيا، انشق زانغويل وأسس المنظمة الصهيونية الإقليمية، ولكنه عاد وانضم إلى المنظمة الصهيونية العالمية بعد صدور وعد بلفور.

2ـ الصهيونية التنقيحية: ينطلق الصهاينة التنقيحيون من أن فشل الاندماج ومعاداة السامية أديا إلى ظهور الصهيونية، وهم يرون الحل في بناء دولة قومية لليهود، وينظرون إلى اليهود كتراث وبناء فوقي ديني يمكن الاستغناء عنه، وأن الدين والاشتراكية عنصران دخيلان على القومية يجب استبعادهما. وقد أسس «جابوتنسكي» زعيم الصهيونية التنقيحية الهستدروت القومي للعمال ليرعى مصالح الطبقة المتوسطة، ويحول دون استغلال الجماعات الصهيونية العمالية لمسالة الصراع الطبقي. وكان جابوتنسكي يرى أهمية التعاون مع بريطانيا وإيطاليا الفاشية، وأهمية بناء الدولة الصهيونية بالقوة. ويمثل حزب حيروت اليميني الإسرائيلي التيار التنقيحي داخل إسرائيل، ويمثله في الخارج منظمة حيروت هاتزوهار…

3ـ الصهيونية التوفيقية: هي تعبير استخدمه وايزمان للتركيز على العوامل الصهيونية المشتركة، وللدلالة على ضرورة تزاوج أساليب الصهيونية العملية والصهيونية السياسية في العمل، لعدم تعارض التحرك الدبلوماسي (الصهيونية السياسية) مع سياسة خلق الحقائق الاستيطانية (الصهيونية العملية) بل لتكاملهما الحقيقي.

4ـ الصهيونية الثقافية أو الروحية: وهي مدرسة فكرية صهيونية دعا إليها آحاد هاعام، وترى أن الخطر الحقيقي المهدد للاستمرارية اليهودية هو فقدان اليهود للشعور بالوحدة والترابط، وتخليهم عن قيمهم وتقاليدهم الروحية والثقافية. وقد عارض «هاعام» فكرة تجميع المنفيين في دولة واحدة في فلسطين، ونادى بفكرة المركز الروحي لليهودية الذي من شأنه أن يساعد على تحرير اليهود روحياً، وقد تحولت هذه المدرسة بعد قيام الدولة الصهيونية من مدرسة معارضة للصهيونية السياسية إلى تيار يؤكد أهمية العملية الثقافية والروحية في الولادة اليهودية الجديدة.

5ـ صهيونية الدياسبورا: وهي تيار فكري يعبر عن وضع اليهود الجدد المندمجين في المجتمعات الرأسمالية في الغرب مع وجود انتماء صهيوني عاطفي. يعارض هذا التيار اندماج اليهود الكامل وفقدان الذات اليهودية من جهة، ويعارض النظرة الصهيونية العامة التي ترى في الوجود اليهودي في المنفى حقيقة عارضة ومؤقتة، وينظر هذا التيار إلى اللاسامية على أساس أنها ظاهرة اجتماعية عادية تتفاوت حدتها حسب المكان أو الزمان. وبعد قيام الدولة الصهيونية تبنت صهيونية الدياسبورا صيغة الصهيونية الثقافية في ما يتعلق بالنظرة إلى إسرائيل على أساس أنها مركز اليهودية الثقافي أو الروحي، على الرغم مما يشكله ذلك من تناقض مع العلمانية التي تنادي بها صهيونية الدياسبورا في الغرب.

6ـ الصهيونية الدينية: وهي حركة فكرية يهودية معارضة للاتجاه القومي العلماني عند بعض الصهيونيين، وهي تؤمن بأن الصهيونية السياسية، تشارك في إحكام قبضة القيم الدينية على الوجدان اليهودي. وقد اتخذت شكلاً تنظيمياً عام 1902 بقيام حركة مزراحي، التي ترى أن اليهود أمة تتميز من غيرها، لأن الله هو الذي أسسها بنفسه، وأن وحدة الوجود اليهودي تتمثل بالتحام اليهود والتوراة وفلسطين، ولحركة مزراحي فروع في كل العالم، ويتبعها الحزب الديني القومي والكثير من المدارس التلمودية.

7ـ الصهيونية الراديكالية: وهي تيار صهيوني مشابه في تكوينه الفكري والطبقي للصهيونية التنقيحية، نشأ عام 1923 كاحتجاج على مهادنة وايزمان للحكومة البريطانية واستعداده لقبول التدرج الليبرالي من الصهيونيين العموميين ليكوّنوا الاتحاد العالمي للصهيونيين العموميين.

8ـ الصهيونية السياسية: وهي اصطلاح يستخدم للتمييز بين البدايات الصهيونية مع أحباء صهيون التي كانت شبه ارتجالية تعتمد على صدقات أغنياء اليهود، وصهيونية هرتزل التي حولت المسألة اليهودية إلى مشكلة سياسية، وخلقت حركة منظمة محددة الأهداف والوسائل، ويرى الصهاينة السياسيون أن المشكلة اليهودية ناتجة عن عدم مقدرة اليهودي على الاندماج، وأن معاداة السامية مرض متأصل في المجتمعات الغربية لا شفاء منه إلا بهجرة اليهود وتجمعهم في وطن خاص في فلسطين، ولا يتم ذلك إلا بإشراف المجتمع الدولي وبضمان من الدول الكبرى الرأسمالية (الامبريالية) لأن المشكلة اليهودية ذات طابع دولي، وقد أثرت الصهيونية السياسية في جميع التيارات الصهيونية بشكل أو بآخر.

9ـ الصهيونية العمالية (أو الاشتراكية): يركز الصهاينة العماليون أو الاشتراكيون على الجانب الاقتصادي والاجتماعي في وضع اليهود الناتج عن فقدان القدرة على الاندماج، لا على الجانب الديني من المسألة اليهودية. ولعل أهم تيارات المدرسة الصهيونية العمالية هي مدرسة غوردون التي ركزت على فكرة اقتحام الأرض والعمل كوسيلة من وسائل التخلص من عقد المنفى، ووسيلة عملية لغزو الأرض وصهر القومية اليهودية الجديدة. وقد بادر رواد «الهجرة الثانية» في مطلع القرن الحالي إلى إنشاء منظمات عمالية عديدة مثل: عمال صهيون، والعامل الفتى، والحارس الفتى، التي تحولت في فترة لاحقة إلى أحزاب عمالية رئيسة من المستوطنين الصهيونيين تمخضت عنها منظمات اقتصادية سياسية مثل الهستدروت والكيبوتز والهاغاناه والبالماخ التي شكلت بمجموعها الأدوات الرئيسة لعملية الغزو الصهيوني لفلسطين. وعلى الرغم من الدعاية الواسعة التي نشرتها الحركة الصهيونية في أوساط الرأي العام الاشتراكي في الغرب حول «اشتراكيتها» فالحقيقة تبقى أن المؤسسات الصهيونية العمالية أو الاشتراكية هي في جوهرها العملي مؤسسات تمييز عنصري ضد العرب، وأدوات الغزو لفلسطين في ظل الإمبريالية العالمية وخدمة مصالح هذه الإمبريالية والتجنيد في معركتها ضد الجماهير العربية.

10ـ الصهيونية العملية: هي تيار صهيوني نشيط ظهر في البداية كنتيجة لفشل المحاولات الدبلوماسية والسياسية في الحصول على تنازلات إقليمية سياسية وضمانات دولية، وطالب بالاعتماد على الجهود الذاتية اليهودية والمباشرة ببناء الوطن القومي اليهودي وفرضه كأمر واقع، دون انتظار نجاح الجهود الدبلوماسية، مع عدم إغفالها أو التخلي عنها. وكان وايزمان وبن غورين أهم دعاة هذا الأسلوب في العمل والذي تبنته معظم التيارات والأحزاب الصهيونية.

11ـ الصهيونية العمومية: وهي تيار صهيوني ليبرالي برجوازي، وقد نشط قادة هذا التيار في تجميع المال لتثبيت جهود الاستيطان الصهيوني في فلسطين من جهة، ولمتابعة المفاوضات الدبلوماسية الدولية للحصول على مكاسب للحركة الصهيونية من جهة أخرى. ويضم هذا التيار الصناعيين والتجار وملاّك الأراضي والمنتجين الزراعيين. ينقسم الصهاينة العموميون إلى فريقين،يمثل الفريق الأول(جماعة أ) مصالح المهاجرين من ألمانيا ورومانيا من مهنيين ومثقفين لا يعارضون وجود منظمات استيطانية ذات طابع جماعي، ويمثله سياسيّاً الحزب التقدمي، بينما يمثل الفريق الثاني(جماعة ب) مصالح الطبقة الوسطى المعارضة للهستدروت، ويمثله سياسيّاً حزب الصهيونيين العموميين. وقد اندمج الحزبان عام 1961 ليكونا الحزب الليبرالي، ولكن «التقدميين» انسحبوا من عام 1965، وانضم العموميون لحزب حيروت مكونين معه تكتل غاحال.

الصهيونية وفلسطين

بنت الحركة الصهيونية استراتيجيتها على الأرض وجعلتها المحور الأساسي الذي تدور حوله نشاطاتها الاستيطانية الاستعمارية التوسعية جميعاً، والرمز القومي الذي يربط بين يهود العالم، ويشدّهم إلى فلسطين التي كانوا ومازالوا يعتبرونها«وطنهم التاريخي« القديم، ويسمونها «أرض إسرائيل».

وحددت الصهيونية هدفها النهائي في «العودة إلى صهيون» واسترجاع فلسطين واستيلاء اليهود على أرضها من جديد بوصفها الأرض الموعودة، وبوصفهم شعب الله المختار، وإقامة الوطن القومي اليهودي فيها، ولايتم ذلك إلا في فلسطين. وأولت الحركة الصهيونية منذ البداية مسألة الهجرة والاستيطان اهتماماً خاصاً إذ إنهما يشكلان حجر الزاوية في الاستراتيجية الصهيونية الحديثة الرامية إلى الاستيلاء على فلسطين، إلى تأليف الجمعيات والمؤسسات اليهودية في شرق أوربا بقصد شراء الأراضي في فلسطين وتهجير اليهود إليها واستيطانهم فيها. وتلاحقت الهجرة اليهودية وأثرت في مجريات الحياة الفلسطينية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.. ويعد تصريح بلفور المشؤوم الذي صدر في 2 تشرين الثاني عام 1917 ثمرة التآمر الصهيوني ـ البريطاني في أثناء الحرب العالمية الأولى، ولم يكن ذلك التآمر أولَ، ولا آخرَ،ـ محاولة للتآمر الاستعماري بين بريطانيا والحركة الصهيونية ضد فلسطين العربية، فقد سبقته وتبعته عدة محاولات أخرى في دفع انهيار الامبراطورية العثمانية، وجعل فلسطين تحت نير الاستعمار البريطاني، مما أتاح للصهيونية فرصة تنفيذ مخططاتها الاستعمارية الرامية إلى زرع المستوطنين فيها وإيجاد كيان يهودي في فلسطين يتحول تدريجياً في المشرق العربي، وتأمين مصالحه الاستراتيجية والاقتصادية في المنطقة. ولقد ارتكب المهاجرون اليهود جرائم في حق الفلاحين العرب و أساؤوا معاملتهم كثيراً، واتبعوا معهم أساليب الخداع والإغراء والتمويه، بل الإرهاب، للتخلي عن أراضيهم، وكثيراً ما كان يرافق ذلك طرد الفلاحين العرب من أراضيهم وقراهم من دون تعويض. ولما كان الفلاح الفلسطيني غير قادر على استرداد أرضه، فقد لجأ إلى القانون ثم إلى القوة لاسترداد أراضيه المسلوبة، وأخذ يشن الهجمات المسلحة المتكررة على المستوطنات اليهودية بهدف إرغام المهاجرين اليهود على العودة من حيث أتوا. وقد ازدادت مقاومة عرب فلسطين للوجود الصهيوني في أراضيهم بتزايد الوعي القومي في الأمة العربية. وبازدياد عدد المهاجرين اليهود من 1924ـ1931 ازدادت معارضة عرب فلسطين لها إلى أن تبلورت في انتفاضة عام 1929والتي شملت معظم أنحاء فلسطين.

وبعد استيلاء هتلر على السلطة في ألمانيا عام 1933 قدم إلى فلسطين أكبر مجموعة من المهاجرين اليهود، وبشكل خاص يهود ألمانيا الذين اقاموا مجتمعاً يهودياً قوياً، مما جعل المواطن العربي يشعر بمدى خطورة الهجرة اليهودية غير الشرعية على وطنه، فاندلعت ثورة 1936 وقد دامت ثلاث سنوات احتجاجاً على الهجرة اليهودية والسياسة البريطانية في فلسطين. وقد أدى التنسيق والتعاون بين ألمانيا النازية والحركة الصهيونية لتنظيف ألمانيا من معظم اليهود وتهجيرهم سراً إلى فلسطين إلى ارتفاع أعداد المهاجرين على فلسطين وزيادة عدد المستوطنات بشكل كبير، وبدأت الولايات المتحدة الأميركية تتدخل في مسألة الهجرة اليهودية بشكل رسمي في 19 كانون أول 1945، إذ اتخذ الكونغرس الأمريكي قراراً يطالب بجعل أبواب فلسطين مفتوحة أمام الهجرة اليهودية لبناء فلسطين كوطن قومي لليهود.

نجحت الصهيونية والإمبريالية في إقامة الكيان الصهيوني وتأسيس «إسرائيل» في الخامس عشر من أيار عام 1948 بعد أن أقر مشروع تقسيم فلسطين من قبل الأمم المتحدة عام 1947 وأنهى الانتداب البريطاني، ومع ذلك ما تزال المنظمة الصهيونية العالمية تعمل على تجميع أكبر عدد ممكن من يهود العالم في الكيان الصهيوني للتغلب على مشكلة إسرائيل السكانية وزيادة طاقاته الاقتصادية والعسكرية لاحتلال المزيد من الأراضي العربية وتهويدها، وتوطين المهاجرين اليهود فيها. وذلك لجعل إسرائيل أكبر قوة إقليمية اقتصادياً وعسكرياً لفرض الهيمنة الصهيونية على الوطن العربي، وتحقيق الاعتراف العربي والتعايش والتعاون الإقليمي بين إسرائيل والبلدان العربية. وقد اندلعت بين الكيان الصهيوني وجيرانه عدة حروب أدت إلى احتلال فلسطين الطبيعية بأكملها إضافة لأراضٍ عربية أخرى تتبع سورية ولبنان، وما زالت بعض الأراضي محتلة حتى اليوم.

معن صلاح الدين علي

الموضوعات ذات الصلة:

 

الاستعمار ـ العنصرية ـ فلسطين.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ خالد القشطيني، تكوين الصهيونية (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1986).

ـ ديزموند ستيورات، تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية، ترجمة فوزي وفاء وإبراهيم المنصور (منشورات المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1989م).

ـ أسعد رزوق، مقالات في الصهيونية الحديثة (دار الحمراء، بيروت 1990م).

 


التصنيف : السياسة
المجلد: المجلد الثاني عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 258
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 556
الكل : 29577782
اليوم : 32698

الإنكماش الإقتصادي

الانكماش الاقتصادي   الانكماش الاقتصادي deflation حالة تنتاب الحياة الاقتصادية نتيجة سياسة متعمدة في غالب الأحيان، يميل معها مستوى الطلب الكلي ليغدو أدنى من مستوى العرض الكلي، مما يؤدي إلى تقليص الفاعليات والتداول النقدي، وارتفاع قيمة العملة الوطنية وكلفة القروض، مع ميل مستوى الأسعار والأجور نحو الانخفاض. ومهما بدا هذا التعريف شاملاً فإنه لا يستطيع أن يحيط وحده بجميع أوجه الانكماش الاقتصادي. التطور التاريخي لمفهوم الانكماش إن مصطلح الانكماش حديث في الفكر الاقتصادي مثل مصطلح التضخم[ر] inflation. ففي المرحلة التي غلبت فيها المدرسة الكلاسيكية كان الانكماش ملحوظاً بوصفه نوعاً من الكساد الاقتصادي depression يحدث مؤقتاً بانتظار عودة التوازن العفوي بين العرض والطلب، أي بين الإنتاج والاستهلاك إلى حالته الطبيعية. لكن دخول الاقتصاد الرأسمالي في أزمات دورية منذ عام 1825 لفت النظر إلى ظاهرة الانكماش بوصفها وجهاً من أوجه الأزمة يظهر قبل الركود. وكان التضخم الذي لحظه الاقتصادي جان بودان في القرن السادس عشر قد غدا في القرن التاسع عشر مألوفاً. ولما دخل التضخم في الأدبيات الاقتصادية باسمه الإنكليزي المشار إليه أعلاه باتت كلمة الانكماش تعني عملية مقصودة لإزالة التضخم. وقد ارتبط مفهوم الانكماش بمفهوم التضخم ارتباطاً وثيقاً، لكنه بقي ارتباطاً وحيد الطرف، فالانكماش حلٌ للتضخم، في حين لا يقول أحد بأن الانكماش يجد حلّه في التضخم، بل في عودة التوازن. مع ذلك، فإن الانكماش حالة يمكن أن تصيب الاقتصاد على نحو عفوي. وهو يثير في الفكر الاقتصادي جملة من التعاريف، وتكمن صعوبة تحديده في طبيعته، وفي كونه مقصوداً أو غير مقصود، وخاصة عندما يختلط بغيره من الظواهر النقدية والاقتصادية. مهما يكن الأمر فإن الحدود التي يمكن حصر الانكماش فيها هي حدود العرض والطلب الكليين: كلما نزع الأول نحو الارتفاع نسبة إلى الثاني كان هناك انكماش، والعكس في التضخم، بغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى ذلك. ومن هنا أيضاً كان الانكماش أمراً ملحوظاً في كل الاقتصاديات، رأسمالية كانت أم اشتراكية أم نامية. ففي الرأسمالية يمكن ملاحظة الانكماش، مثلاً، عندما يفقد اقتصاد السوق توازنه بعد بلوغه نقطة التشغيل الكامل بمفهوم الاقتصادي البريطاني كينز Keynes، كما يظهر كلما ارتسمت علامات التشاؤم على الحياة الاقتصادية نتيجة لإلغاء احتمالات الربح أو الإفلاس في المشروعات أو تعطيل عوامل الإنتاج أو زيادة نفقات الإنتاج. وفي الاشتراكية، يظهر الانكماش نتيجة تحديد أهداف للخطط الاقتصادية قاصرة عن استخدام جميع الموارد المتاحة أو لأن الإنفاق الإجمالي أقل من قيمة الناتج الإجمالي. أما في البلدان النامية، فيمكن أن يظهر الانكماش ردة فعل للسياسة الهادفة إلى رفع معدلات التنمية بأساليب تضخمية، مما لا تستجيب له البنية الاقتصادية الاجتماعية، فيقع الانكماش. الانكماش والركود يختلف الانكماش عن الركود Stagnation في أن الأول، وإن اتسم بتباطؤ الفاعليات، ينتظم في مجموعة من التدابير التي من شأنها إعادة التوازن إلى الاقتصاد، أمّا الركود فهو حالة تجتاح الاقتصاد فيصاب بانخفاض الإنتاج فارتفاع الأسعار ووقوع البطالة، وتنعكس آثار  ذلك كله على الحياة الاجتماعية. وقد يختلط الركود بالتضخم فيدعى آنذاك بالركود التضخمي Stagflation وهي الحالة التي تسيطر اليوم على اقتصاديات الدول الرأسمالية، إذ يقترن التضخم النقدي بالركود الاقتصادي. وإذا كان الانكماش هو الوجه الآخر للتضخم، فإن الركود هو الوجه الآخر للازدهار Prospérité. لكن لابد من الإشارة أيضاً إلى أن الانكماش، حينما يستوطن، يؤدي إلى الركود ومن هنا جاءت بعض الالتباسات في تحديد كل منهما. الانكماش النقدي باستثناء بعض الحالات النادرة التي كانت تقع فيما يعرف بالاقتصاديات الاشتراكية، إذ قد يحصل الانكماش النقدي نتيجة لتقديرات خاطئة غير مقصودة تقلل من تدفقات الكتلة النقدية مقارنة بالتدفقات السلعية، فإن الانكماش النقدي لا يكون إلا نتيجة لسياسة نقدية متعمدة تهدف إلى تقليص الكتلة النقدية المتداولة وتصل إلى حدود ما يسمى بالبزل النقديPonction Monétaire. وهذا البزل النقدي هو بقصد كبح جماح الأسعار أو إجبارها على الانخفاض بفعل التقليص القسري للكتلة النقدية. وتملك الدولة، من أجل ذلك، عدداً من الوسائل أهمها: الإقلال من الإصدار النقدي وسحب بعض فئات العملة من التداول، مما يرفع، في كل الأحوال، من قيمة العملة الوطنية وينعكس في انخفاض الأسعار. وتقوم التغطية في ضبط الإصدار النقدي وتعريف الوحدة النقدية بطريقة سليمة لتحقيق الاستقرار النقدي. لذلك تحرص الدولة على هذه التغطية حرصها على استقرار أسعار عملتها. قامت بلجيكة في الأعوام 1944-1946 بعملية انكماشية جمدت بها الأوراق النقدية والحسابات المصرفية، وقد أدى ذلك إلى استقرار التداول النقدي وازدياد القوة الشرائية بنسبة نمو الإنتاج وإلى انخفاض الأسعار. وأجرت ألمانية الاتحادية عام 1948 إصلاحاً نقدياً حدّت به من التدفقات النقدية المرتفعة في اقتصادها بتحويل المارك، عملة الرايخ القديمة، إلى دوتش مارك بنسبة: 1 إلى 10. وتظهر العلاقة بين الكتلة النقدية والأسعار بسهولة: فالأسعار = الكتلة النقدية/ كتلة المنتجات أو نسبة الكتلة النقدية إلى كتلة المنتجات فإذا نقصت الكتلة النقدية (مع بقاء كتلة المنتجات على حالها) أدى ذلك إلى انخفاض الأسعار. لكن هذه السياسة الانكماشية ما كان لها أن تنجح، كما يقول ريمون بار، لولا أن بلجيكة استطاعت تحقيق استيرادات مكثفة سمحت بها موجوداتها من القطع الأجنبي (الدولار)، ولولا أن ألمانية كان عليها أن ترد إلى الشعب عملته. وسياسة الانكماش النقدي تنطوي كذلك على محاذير اجتماعية وخاصة ما له علاقة بخسارة المدينين وتقوية مركز المدخرين، وقد تعجز وحدها عن تخفيض الأسعار، وقد اعتمدت أمريكة على هذه السياسة، في عهد نيكسون في السبعينات، غير أن الحدّ من السيولة النقدية في الاقتصاد الأمريكي أدى إلى تقليص الفاعليات الاقتصادية واستمرار الأسعار في الارتفاع، نتيجة للتضخم الناجم عن زيادة الكلفة، وكان لابد من مزج التدابير النقدية المقترحة من مدرسة شيكاغو بتدابير أخرى. وتفرض سياسة الانكماش النقدي نفسها على البلدان النامية، بيد أن نمط الإنتاج الغالب في معظمها يملك آلية يستحيل معها تطبيق هذه السياسة لمعالجة التضخم، وهذا النمط نفسه ينتقص من مسألة التغطية ويضرب عرض الحائط بكل المعايير لدى إصداره النقدي المكشوف، فيخلق بذلك توترات تضخمية تجبر السلطات النقدية على السير في اتجاه سياسة معاكسة. إن ارتفاع أسعار السلع الضرورية والفاخرة في هذه البلدان، نتيجة لنقص الإنتاج من جهة وانخفاض قيمة العملة الوطنية من جهة أخرى، يحدث نوعاً من الادخار الإجباري بالكف عن الاستهلاك، لكنه ادخار يذهب جله إلى الاكتناز والمضاربات والمتاجرة بالعملات الأجنبية وتهريبها فيستشري التضخم، وبذلك تتبخر رغبات «التقشف» المعلنة. الانكماش التسليفي وهو جانب من سياسة متعمدة للتسليف تلجأ إليها الدولة من أجل توجيه عملية توافر النقود وتحقيق الأهداف الاقتصادية والمالية في مرحلة التضخم. وقد تلجأ الدولة إلى تحقيق نوع من التنمية من دون تضخم، يتسم معه الاعتدال في السياسة التسليفية بنوع من الانكماش. وأهم التدابير في إطار الانكماش التسليفي هو تحكم مصرف الإصدار بالسيولة النقدية ورفع كلفتها، تارة عن طريق سعر إعادة الحسم مما يجبر مصارف الودائع على رفع معدلات الحسم لديها والإبطاء  في العمليات التي من شأنها إيجاد وسائل الدفع وطوراً عن طريق منح الاعتمادات، وذلك بالتأثير في معدلات الفائدة في السوق المالية، وسلوك سياسة السوق المفتوحة open market فتبيع الدولة ما لديها من أوراق مالية تمتص بفضلها جزءاً من الودائع لدى البنوك مقلصة بذلك السيولة لدى هذه الأخيرة مما يحدّ من قدرتها على التسليف. وتعمد السلطات المالية إلى تدابير متممة منها تطبيق نظام الاحتياطي الإلزامي على المصارف، بحملها على إيداع نسبة من الأموال لدى المصرف المركزي معادلة لجزء من ودائع الزبائن، كما تفرض رقابة صارمة على السيولة النقدية يحظر بموجبها على المصارف تجاوز الاعتمادات، التي تمنحها، للمعدل الوسطي لمجموع المبالغ المودعة لديها. ويمكن أن يضاف إلى ذلك ترشيد تخصيص الاعتمادات للمشروعات وفئاتها بطريقة اصطفائية ومنع منح هذه الاعتمادات لغايات المضاربة، وذلك بتحديد سقف الاعتماد الممنوح لبعض المشروعات. وتلجأ أكثر الدول النامية إلى سياسة الانكماش التسليفي لمجابهة التضخم ومنها سياسة سعر الفائدة، لكن هذا الإجراء الأخير محكوم عموماً بأسعار الفائدة في الأسواق المالية الدولية. كما أن أسلوب التمويل بعجز الميزانية المنتشر في هذه الدول يستدعي الاقتراض من المصارف، إذ تلجأ الدولة إلى ذلك مقابل أذونات خزينة، وغالباً من دونها، مما يعرقل سياسة الانكماش ويفتح الباب لضدها. الانكماش في الإنفاق حين يقع الخلل بين حجم الإنتاج وحجم الإنفاق من تزايد هذا الأخير واتساع «الفجوة التضخمية»، تبدو سياسة الحدّ من الإنفاق الخاص والعام (حين لا يمكن زيادة الإنتاج) مسألة لابدّ من حلها وتأخذ الصور التالية: 1ـ في مجال الإنفاق الخاص: أول ما يخطر على البال هو تخفيض الأجور. والمعلوم أنه ليس لتخفيض الأجور والرواتب مكان واسع في الفكر الاقتصادي ولا هو مستحب في مراحل التطور الاقتصادي الاجتماعي. وأمام قضية ربط الأجور بالأسعار وتثبيت الأجور، وربط الأجور بالإنتاجية اختفت نغمة تخفيض الأجور. وقد يمكن تصور سياسة لتخفيض الأجور في الاقتصاديات الاشتراكية لدى زيادة فوائض الكميات المنتجة وانخفاض الأسعار. لكن هذا يبقى غير مستحب من الناحية النفسية، ولذلك تستعيض الدولة عن تخفيض الأجور بزيادة الضرائب لامتصاص القوة الشرائية الزائدة. وتفضل الضرائب الشخصية المباشرة بشرط أن تصيب جميع الدخول المعلنة التي كان من السهل التهرب من إعلانها. أما الضرائب غير المباشرة فهي، لاشك، تحدّ من الاستهلاك لكنها تؤدي أيضاً إلى ارتفاع الأسعار نتيجة ثقل عبئها، مما يقود إلى نوع آخر من التضخم. لذا فإن استعمال الضرائب غير المباشرة لا يكون على العموم مجدياً إلا إذا أصاب سلع الاستهلاك الترفي. 2ـ في مجال الإنفاق العام: تلجأ السلطات المعنية إلى السياسة الانكماشية في الموازنة العامة وذلك بالإقلال من النفقات من جهة وتحقيق وفر في الموازنة من جهة أخرى. وهو أمر يمكن أن ينجح في الاقتصاديات الرأسمالية والاشتراكية. أما في الاقتصاد المتخلف، والمعلوم هنا أن نسبة كبيرة من النفقات العامة الحكومية تميل إلى الارتفاع، كالرواتب والنفقات الإدارية والدفاعية والأمنية، فإن الحد من الإنفاق العام مهما تصدت له السلطات المعنية لا يذهب إلا إلى الإنفاق الاستثماري. ومن هنا كانت المفارقة؛ فالتنمية تتطلب زيادة في الإنفاق الحكومي لزيادة كمية المنتجات، والانكماش (التقشف) يعمل، بتخفيض هذا الإنفاق، على تخفيض إنتاج البضائع والخدمات الضرورية. ولذا كان لابد لهذه السياسة من أن تأخذ بالحسبان صعوبة تقليص النفقات والتعويض منها بالحصول على الموارد. ولا ينجح ذلك إلا في مرحلة يتهيأ فيها الاقتصاد المتخلف للانتعاش. وفي هذه البلدان المتخلفة ذاتها لابد لسياسة الانكماش في الإنفاق من أن تعمل على امتصاص القوة الشرائية الإضافية لدى ذوي الدخول العالية لردها إلى الدولة وتوجيهها نحو الاستثمار وزيادة التراكم. كما أن استقرار الأسعار، ولو بصورة نسبية، يبقى ضماناً لنجاح سياسة الانكماش في الإنفاق، إضافة إلى أن هذا الاستقرار يساعد على الاستقرار في أسعار الصرف وتحسين مركز البلد النسبي في التصدير. ومن ثم لابد من إخضاع أسعار الخدمات للمراقبة وإلا فإن الفعاليات الخدمية تنشط على حساب الفعاليات السلعية، مما يوجد خللاً يصعب إصلاحه، يسير في خط التضخم نفسه الذي يراد كبحه. الانكماش والاقتصاد الوطني درج الفكر الاقتصادي على دق ناقوس الخطر كلما سار الاقتصاد الوطني في طريق الانكماش. لأن الانكماش يؤدي إلى الكساد وهذا يحمل أسوأ العواقب على العمالة والفعاليات الاقتصادية. ولعل أكبر سابقة من هذا النوع كانت أزمة الثلاثينات (1929 وما بعدها). هذه الأزمة وضعت الفكر الاقتصادي أمام حالة من الانكماش أدت إلى الكساد إذ اجتاحت البطالة الولايات المتحدة وبريطانية وأكثر الدول الأوربية. مما دعا الاقتصاديين إلى التفكير بالوسائل الضرورية للخروج من الأزمة. أسهمت التدابير الكينزية إسهاماً تاريخياً حين طالبت برفع الأجور الاسمية لرفع مستوى الطلب الفعال، وحين اشتركت الدولة في هذا وفي حل مشكلة البطالة عن طريق زيادة الإنفاق الحكومي وتمويل عناصره، ولاسيما «التمويل بعجز الموازنة» إذ تخطت الاقتصاديات الرأسمالية أزمتها بفضل هذه التدابير منتقلة إلى مرحلة من الازدهار، ثم عاشت بعدها في نشوة زيادة الإنتاج والاقتراب من مستوى التشغيل الكامل حتى بداية السبعينات حين اندلعت الأزمة الرأسمالية الجديدة، وهي أزمة جديدة اجتمع فيها التضخم والركود، فكان من الطبيعي أمام الركود التضخمي أن تفقد التدابير الكينزية مسوغاتها، وأن تعود الرأسمالية إلى تدابيرها التقليدية (الكلاسيكية) لمعالجة التضخم بتوازن الموازنة والاستقرار النقدي وضغط الإنفاق، مكتشفة أهمية السياسة الانكماشية، أي أن تعود إلى تدابيرها التقليدية لمكافحة الركود ومن أهمها الاتجاه بقوة نحو الأسواق الخارجية وجبهات القتال لتصريف فائض الإنتاج ولاسيما فائض إنتاج «العهد الصناعي الثالث» الذي تمخضت عنه الأزمة نفسها. لكن التدابير الكينزية مازالت تجد تطبيقاتها في البلدان النامية والمنطقة العربية منها خاصة في شروط لم تخطر على بال كينز، مما يؤجج التضخم ويقضي على التضامن الاجتماعي في هذه البلدان، حيث العمالة ذات دلالات مختلفة عما هي عليه في البلاد الرأسمالية، يتعايش التضخم الجامح مع البطالة بمختلف صورها، ولكن ليس لأسباب انكماشية قادت إلى الركود، بل لأسباب تضخمية سابقة، هي على العموم من منشأ نقدي (تواتر الإصدار النقدي الكينزي بلا تغطية) ولوجود آلية تخريبية في نمط الإنتاج الغالب تعطل الفعاليات السلعية لصالح النشاطات الخدمية الطفيلية. ولذلك، فإن الإمعان في استعمال «الوسائل الكينزية»، لأنها أسهل الوسائل، يؤدي إلى توفير سيولة نقدية تفوق المقدرة الإنتاجية الحقيقية، مما يطلق التضخم ولا يسمح لأي سياسة انكماشية أن تعمل بأي حال من الأحوال. في هذه البلدان النامية لابد إذن من إحداث «الانعكاس» في الآلية المذكورة للتصدي بحزم للتضخم،) لأن البطالة في عوامل الإنتاج ليست بسبب الانكماش). ويجب أن تعمل سياسة الانكماش في هذه البلدان للتأثير في العرض والطلب الكلي معاً، ويكون ذلك حتماً بالحدّ من زيادة الكتلة النقدية للحدّ من جموح الطلب الاستهلاكي، وبالعمل على ساحة العرض لزيادة إنتاج السلع الزراعية والصناعية، وفي هذا المجال يجب إعادة هيكلة الجهاز الإنتاجي واتخاذ جميع التدابير للتركيز على زيادة الإنتاجية وتنمية الموارد. وهكذا يؤمل الحصول على توازن في مستوى معين من الأسعار يتعامل مع مستوى معين من الأجور والرواتب. إن عدم أخذ السياسة الانكماشية لمسألة الطلب الكلي في الحسبان هو كعدم مراعاة «سياسات التنمية بالتضخم» لقضية العرض الكلي في البلدان النامية. ولذا فإنه من أجل الحد من القوة الشرائية المتزايدة لابد من التعرض للريوع السهلة والأرباح الناشئة عن الوضع الاقتصادي الاجتماعي المتخلف ويكون ذلك بالضرائب المباشرة. إن تعقيم القوة الشرائية المتراكمة بين أيدي فئات المستغلين والمضاربين والعابثين بمؤسسات الدولة يستدعي توجيه الفوائض إلى حساب خاص في الخزينة يخصص لزيادة الإنتاج. إلى ذلك كله يضاف ما له علاقة بمراقبة الاستيراد والتصدير ومعدلات الصرف ومكافحة التهريب وتسرب العملات إلى الخارج. ولعل ذلك يستدعي بالضرورة تغيير نمط الإنتاج الغالب.    إسماعيل سفر   الموضوعات ذات الصلة:   التضخم.   مراجع للاستزادة:   ـ إسماعيل سفر، محددات السياسة الاقتصادية العربية المعاصرة (1983)، أزمة الرأسمالية وعاملها الخارجي (1984)، النظرية الكينزية والمأساة الاقتصادية ـ الاجتماعية (1985): منشورات جامعة الدولة بمونص (بلجيكة) مركز الدراسات والبحوث العربية (CERA). -PR.R. BARRE , Economie politique (PUF, Paris 1964).
المزيد »