logo

logo

logo

logo

logo

ديونيسوس

ديونيسوس

Dionysus - Dionysos

ديونيسوس

 

 

ديونيسيوس (باخوس)

كما رسمه ليوناردو دافنشي

(متحف اللوفر، باريس)

ديونيسوس Dionysus هو إله الحصاد والثمار والكروم، واشتهر بصفته إلهاً للنبيذ عند الإغريق، وقد عرفه الرومان باسم باخوس أو باكخوس Bakkhos. وكان ديونيسوس، على ما يرجح، إلهاً تراقي الأصل، وفد متأخراً على بلاد الإغريق، ولذلك لم يكن من السهل أن يجد له مكاناً بين آلهة أوليمبوس الاثني عشر، وإذا كان قد وجده فإنه قلما كان يعد واحداً من آلهته الأصلاء. تقول الأسطورة إن الحسناء الآدمية سيميله Semele حملت به من كبير الآلهة زيوس[ر] الذي حوله إلى جدي ليحميه من غيرة زوجته هيرا، وعهد به إلى الحوريات، حتى إذا بلغ سن الرشد أصيب بمس من الجنون، فطاف العالم بأكمله، ومر بمصر وسورية، ووصل حتى الهند، ونشر في كل بلاد البحر المتوسط زراعة الكرمة وصنع الخمرة، وأخيراً استقر به المقام في دلفي[ر] . كانت عبادته ذات طابع خاص، يختلف جوهرياً عن العبادات الإغريقية المتسمة بالاعتدال وضبط النفس. وقد اتخذ ديونيسوس - بعد مجيئه إلى بلاد الإغريق، مكاناً له في دلفي بجانب أبولون[ر] Appollon، وكأنه أصبح في موطنه، حتى أن بلوتارخوس يقول، إن نصيبه هناك لم يكن بأقل من نصيب أبولون نفسه، ومن الواضح أن الصلة بين الإلهين كانت وثيقة، لأن طريقة كاهنة أبولون في إعطاء النبوءة كانت تتشابه وطريقة عبادة ديونيسوس، إذ كانت المتعبدات له خاصة يرحن في غيبوبة بعد شراب النبيذ، هبة هذا الإله للبشر، ومن هنا استهوت عبادة ديونيسوس الكثيرين من الإغريق، فتزايد عدد أشياعه بمرور الزمن وأسكرتهم «خمرة نبيذه»، فاستسلموا لسحر شعائره الصاخبة العربيدة التي أثارت فيهم نوعاً من العاطفة الدينية، لم تستطع العبادات القديمة إثارتها فيهم. وكان من طراز الآلهة الذين يذوقون طعم الموت ثم يبعثون أحياء من جديد. ومن هذا المنطلق، استهدفت الاحتفالات الدينية في بلاد الإغريق تصوير أسطورة هذا الإله، وهي الأسطورة التي اعتقد اليونان أنها تعبر عن آلامه وأفراحه. فقد كانت تصور الظواهر المتعاقبة التي تمر بشجرة الكرمة التي تبدو فاقدة للحياة حزينة في الشتاء، ثم تعود إليها الحياة في الربيع، وكأنما يعود إليها المرح، ومع مجيء الصيف وحرارته تظهر الثمار ثم تنضج مع اقتراب الخريف، وبعد أن تجمع وتعصر، تمتلئ بعصيرها الخوابي والدنان. وفي هذه المراحل المتعاقبة كان الإغريق يرون مراحل يمر بها ديونيسوس، من الألم والحزن إلى الفرح والمرح، ثم الانتصار. وهكذا كان ما يحدث من احتفالات هذا الإله هو خليط من الشعائر التي تتخذ شكلاً جادا،ً ينشد فيه المحتفلون قصة الإله. ومن الانطلاق الذي يعبر به المحتفلون عن تصوراتهم بأساليب مختلفة، من بينها الرقص والغناء والفكاهة الخشنة التي تتعلق بالإخصاب أو الجنس بطريقة أو بأخرى. وقد كان هذان العنصران هما الأصول الأولى للمسرح الإغريقي، فالشعائر الجادة التي ينشد فيها المواطنون أناشيد تبين تقلبات الحياة وخضوعها لقوة أكبر منها تسيطر عليها بما يتصل بذلك من ألم ومعاناة وصراع، هي أصل المأساة أو المسرحية التراجيدية.

والواقع أن ديونيسوس قام بدور بالغ الأهمية في حياة الإغريق، لأن شعائر عبادته القديمة ما قبل العصر الكلاسيكي (750-500ق.م)، كانت في جوهرها تطهيرية، تطهر الشخص من ميوله الجامحة غير المعقولة التي كانت تؤدي ـ في حالة كبتها ـ إلى فورات من الهوس بالرقص، وأعراض مشابهة من الهيستريا الجماعية، فكانت شعائره متنفساً دينياً لمثل هذه الرغبات المكبوتة، وتساعد في تخليص الناس من مشاعر القلق الروحي وتوفر لهم الحرية، فلذلك يصفه هسيودوس في جوهره إله البهجة Polygêthês وباعث السرور في قلوب البشر وكذلك يصفه هوميروس. وكانت مباهجه في متناول جميع الناس، ومن بينهم العبيد والأحرار الذين أوصدت في وجوههم أبواب العبادات الوثنية القديمة، فلذلك كان إله الشعب في كل العصور.

وكانت مباهج ديونيسوس كثيرة ومتنوعة، فهي تتفاوت بين الرقص البسيط والمرح في الريف، وبين انتشاء المتعبدات له، إذ يرحن في غيبوبة أو حالة من «الجذب» فيأكلن ذبائح القرابين نيئة. وديونيسوس في كل مراتب الابتهاج هو الإله المحرر Lusios الذي يحرر شخصية الإنسان من نفسه لفترات قصيرة. وبشكل عام، يمكن المتفانين في عبادته من رؤية الأشياء على غير حقيقتها، وبهذه الصفة أصبح ديونيسوس راعياً لفن التمثيل، ذلك أن لبس القناع هو أسهل الطرق للتخلي عن الشخصية وانتحال شخصية أخرى، وهكذا أصبح ديونيسوس، حتى القرن السادس ق.م، راعياً للمهرجانات الثقافية، لاسيما المسرح والتراجيدية الإغريقية - لأنه كان لمدة طويلة إله التنكر والتقنع - لدرجة أن بعض دارسي الأدب الإغريقي يعتقدون أن كلمة تراجيدية Tragoidia (وهي كلمة إغريقية مركبة من كلمتين Tragos بمعنى العنز وOide بمعنى أغنية، أي الأغنية العنزية) قد اشتقت من اسم حيوانه المفضل الجدي (تراجوس). حظي ديونيسوس باهتمام كبير في مجال الفن والأدب وهناك كثير من الأعمال الفنية والأدبية القديمة والحديثة تصوره بأشكال ورموز مختلفة، ومن أشهر اللوحات التي تمثل احتفالاته الصاخبة تلك التي وجدت في فيلا الأسرار بمدينة بومبيي الإيطالية.

خليل سارة

الموضوعات ذات الصلة:

أبولون ـ دلفي.

مراجع للاستزادة:

ـ لطفي عبد الوهاب يحيى، اليونان (بيروت 1979م).

ـ عبد اللطيف أحمد علي، التاريخ اليوناني، الجزء الأول (بيروت 1976م).   

 


التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد التاسع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 585
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 539
الكل : 31620743
اليوم : 55598

ياناتشيك (ليوش-)

ياناتشيك (ليوش ـ) (1854ـ 1928)   ليوش ياناتشيك Leos Janácek مؤلف موسيقي تشيكي ولد في هوكڤالدي Hukvaldy وتوفي في أوستراڤا Ostrava، وهو مستقل بأسلوبه ومتميز، يكاد تأثير المدارس الموسيقية أن يكون معدوماً لديه. درس منذ عام 1865 في دير للرهبان الأغسطينيين فن الترتيل عند أستاذ فرقة المرتلين بافل كرجيجوڤسكي P.Krízkovsky الذي عُرِفَ بصرامته، وقاده منذ البداية إلى الموسيقى الفولكلورية الموراڤية، وأدى دوراً كبيراً في بث الروح القومية فيه. انتسب ياناتشيك عام 1874 إلى مدرسة الأرغن[ر] في براغ من أجل إكمال تعليمه الموسيقي، ثم تابع دراسته منذ عام 1879 في كونسرڤاتوار لايبزيغ، ولكنه لم يتفق مع أساتذته وغادر لايبزيغ إلى ڤيينا قبل أن يعود إلى برنوBrno عاصمة موراڤيا عام 1880 من دون أن يحمل معه أياً من تأثيرات أساتذة مدرسة ڤيينا بدءاً من موتسارت[ر] وبتهوڤن[ر] وانتهاءً ببرامز [ر] وبروكنر [ر]، وسمي لدى عودته من ڤيينا أستاذاً للموسيقى في معهد إعداد المعلمين، حيث مارس مهنة التعليم حتى عام 1904.
المزيد »