logo

logo

logo

logo

logo

الصدمة النفسية

صدمه نفسيه

Psychological Shock - Choc psychologique

الصدمة النفسية

 

الصدمة النفسية psychological shock هي خلل فجائي يصيب المراكز الحيوية للجهاز العصبي، نتيجة تجربة عاطفية بغيضة شديدة الوقع تترك أثراً في العقل. ظهر مفهوم الصدمة النفسية في مجال الطب النفسي في أثناء الحرب العالمية الأولى، إذ برزت أهوال القتال وضغوطه النفسية المهددة للحياة في ساحات القتال، وأول وصف سريري لأعراض صدمة القتال جاء في كتب الطب النفسي العسكري الأمريكية. كانت «الصدمة النفسية» في الحرب العالمية الثانية تسمى «صدمة القنابل» التي تبدو أعراضها في نوبات القلق الحاد، وفي الذهول الذي يشل القدرات العقلية والنفسية، وتؤدي إلى ارتكاسات سلوكية إشراطية جزعية في كل مرة يتعرض فيها المريض لمنبهات خارجية مماثلة لمنبهات أصوات أسلحة المعارك، إضافة إلى الأرق الشديد والأفكار الوسواسية الجبرية التي تستحضر لاشعورياً أجواء المعركة الراضة التي تعرض لها المصاب (وهو ما يسمى بالإنكليزية flash back)، والنزوعات السلوكية المرضية اللاتكيفية التي تأتّت عن الصدمة.

وقد أخذت «صدمة القنابل» تسمية جديدة في حرب فيتنام، خاصة بعد تقنين الأعراض السريرية لهذا الاضطراب، وأضحت هذه المتلازمة ذات كيان تشخيصي خاص اسمها «اضطراب التوتر النفسي» الذي يعقب التعرض للرض النفسي post traumatic stress disorder (اختصاراً PTSD)، وهذا الاضطراب المزمن الذي كثيراً ما يستعصي علاجه.

وهناك الصدمات النفسية التي تنشأ من جراء الكوارث البيئية الطبيعية، مثل الزلازل والفيضانات والأعاصير العاتية المخربة، وتكون أعراض الرض النفسي عند الضحايا هي ذاتها تقريباً أعراض الرض النفسي القتالي نتيجة الحروب.

ولم تقتصر الأزمات النفسية على المرضوضين نفسياً، بل شملت أيضاً المرضى النفسيين الذين يعانون من بعض الأمراض النفسية، مثل الاكتئاب والقلق، وعواقب الاغتصاب. وعليه فإن العبء الإسعافي للصدمة النفسية واسعَ الطيف، إذ يشمل المرض النفسي السابق والرضوض النفسية الحاضرة.

الأعراض السريرية لاضطراب الشدة (التوتر النفسي) الذي يعقب التعرض للصدمة النفسية

تُصنَّف الأعراض السريرية لاضطراب الشِدة ضمن تصنيف اضطرابات القلق، وتبدو هذه الأعراض كالآتي:

1ـ تعرض الفرد لحادثة رضّية، إذ يظهر عنده العَرَضان الآتيان:

آ ـ خَبِرَ الفرد وشهِدَ أو أنه واجه حادثة أو حوادث تضمنت موتاً حقيقياً أو تهديداً بالموت أو إصابات بليغة جسدية، أو تهديداً لسلامة التكامل البدني لذاته وللآخرين (أي التشوهات).

ب ـ تضمنت استجابة الفرد خوفاً شديداً أو عجزاً أو رعباً، فيعبر عن الرض النفسي بسلوك مشوّش وتهيُّج.

2ـ استعادة خبرة الرض النفسي، أي الحادثة الراضة، استعادة راجعة مستمرة بطريقة ما.

أ ـ استعادات راجعة تذكرية بغيضة للحادثة أو الحوادث الراضة، وتتجلى بصور أو أفكار أو مدركات ذات طابع جبري قهري، ويبدو ذلك واضحاً في اللعب المتكرر عند الأطفال الصغار، عندما يتضمن اللعب مواضيع أو جوانب ترتبط بموضوع الصدمة، أو الرض النفسي ويكون اللعب عندها وسيلة للتعبير عن وجود الرض.

ب ـ أحلام وكوابيس ليلية مثيرة للرعب والكرب راجعة للحادثة الراضة، وتكون أحلام الأطفال في مثل هذه الحالة مخيفة من غير إدراك المعنى.

3ـ التصرف أو الإحساس كأن الحادثة الراضة بدت راجعة ناكسة، يتضمن ذلك الإحساس والعيش مع الخبرة الراضة مرة ثانية، والأحداث والخداعات النفسية والوهم وعارضة تفككية لذكريات الرض، ومن ضمنها التي تحدث عند الاستيقاظ، أو عندما يكون المريض في حالة تسمم.

4ـ كرب نفسي شديد عند التعرض لمنبهات إشراطية داخلية، أو خارجية المنشأ، تُرمّز أو تماثل جانباً من الحادثة الراضة.

5 ـ تجنب مستمر للمنبهات المقترنة بالرض، واستجابة عامة هامدة لم تكن موجودة قبل الرض، وذلك كما هو مبين في ثلاثة أو أكثر من البنود الآتية:

أـ بذل الجهد لتجنب الأفكار والمشاعر أو الأحاديث المتعلقة بالرض.

ب ـ بذل الجهد لتجنب النشاطات والأمكنة والناس وكل ما يمكن أن يستثير أو يعيد ذكريات الرض.

جـ ـ عدم القدرة على تذكر الجانب المهم من الرض.

د ـ وجود اهتمام ضعيف ومُلاحَظ بالإسهام في النشاطات المهمة.

هـ ـ عاطفة ضحلة نسبياً ومحدودة (أي عدم القدرة على الإحساس بمشاعر الآخرين).

و ـ الشعور بمستقبل ضيق وغير واعد (أي لا يتوقع الفرد الحصول على وظيفة أو مهنة ولا الزواج والأولاد أو متسع من الحياة السوية).

6ـ أعراض مستمرة ذات طابع إثارة متزايدة (لم تكن موجودة قبل الرض)

وذلك كما هو مبين بعَرَضين أو أكثر من الأعراض الآتية:

أ ـ صعوبة الولوج في النوم.

ب ـ التهيج أو انفجارات الغضب.

جـ ـ صعوبة تركيز الانتباه.

د ـ استجابة تخوفية مفرطة.

7ـ مدة الاضطراب (أي الأعراض المبيّنة في البنود أـ ب ـ ج ـ د، تتجاوز الشهر).

8ـ يسبب هذا الاضطراب سريرياً كرباً واضحاً أو تأذياً في الوظيفة الاجتماعية أو المهنية أو غيرها من النشاطات الحياتية.

ويتعين على المُشخِّص للاضطراب أن يحدد:

أ ـ درجة الاضطراب أو شدته، إذ حيث يكون حاداً إذا كانت مدة ظهور الأعراض أقل من ثلاثة أشهر.

ب ـ يكون الاضطراب مزمناً إذا تجاوزت مدته ثلاثة أشهر.

أعراض الصدمة النفسية وتطورها

تظهر أعراض الاضطراب في أعقاب التعرض للحادثة الراضة نفسياً والتي عادة تكون من الشدة فوق درجة تحملها عند الإنسان العادي.

وأحياناً يصاحب الرض النفسي أعراض الاكتئاب والقلق وهو أمر شائع. وأحياناً يكون الاضطراب المصاحب شديداً فيشخّص بالقلق أو الاكتئاب، وقد تُشاهد أعراض نفسية ذات طابع عضوي مثل ضعف الذاكرة، وصعوبة تركيز الانتباه والتذبذب الانفعالي، والصداع والدوار. ويحدث في أي عمر، وحتى في سن الطفولة. وعادة تظهر أعراض الصدمة النفسية مباشرة، أو بعد التعرض للرض بمدة قليلة.

وقد تكون شدة تأذي الاختلاطات خفيفة أو شديدة وتؤثر تقريباً في جانب من الحياة الشخصية للفرد الذي يعاني من اضطراب الصدمة النفسية، مثل الزواج أو الحياة الأسرية. ثم إن التذبذب الانفعالي والاكتئاب ومشاعر الإثم ينجم عنهما سلوك مهزوم للذات أو أفعال انتحارية. وتلاحظ سلوكيات الإدمان على المخدرات والأدوية النفسية من اختلاطات هذا الاضطراب.

وتشير دراسات عدة إلى وجود سابق لأمراض نفسية تؤدي إلى ظهور اضطرابات الصدمة. إلا أن أعراض الصدمة قد تظهر أيضاً من دون وجود أي أمراض نفسية سابقة، ولاسيما إذا كان الموتر الراض شديداً جداً.

المداخلات العلاجية في علاج الصدمة النفسية

أـ العلاج بالتنويم بوساطة البانتوتال Pantotahl: استخدم هذا العلاج في الحرب العالمية الثانية، وهو من مركبات البربيتوريات Barbiturates زرقاً في الوريد، لإحداث التنويم النصفي، أي ما يسمى بالغشي التنويمي في معالجة الصدمة النفسية، إذ يكون المصاب في حالة بين النوم واليقظة في أثناء هذه العملية، ويُطلب من المنوَّم أن يسترجع من ذاكرته وصف الحادثة الراضه بكل تفاصيلها، أي إعادة إحياء الحادثة الراضة وما رافقها من انفعالات ومخاوف صاحبت التعرض لها، وتشجيعه على تفريغ انفعالاته وتخيلاته وأفكاره الحبيسة بأقصى ما يستطيع. وهذا ما يسمى التفريغ الانفعالي abreaction تحت تأثير المنوم البربيتوري. وثبت أن مثل هذا التفريغ يخفف إلى حد كبير أعراض صدمة الرض ويُلجأ إلى هذا النوع من العلاج بوصفه علاجاً إسعافياً في أثناء الحروب.

ب ـ علاج الصدمة النفسية بالطرائق العلاجية السلوكية المعرفية:

الرضوض النفسية، سواء الناجمة عن الكوارث الطبيعية أو الحروب أو الحوادث الحياتيه الراضة، هي ذات اضطرابات مُتعلّمة إشراطية conditioned learned disturbances، ويعتمد العلاج الأمثل لهذه الاضطرابات النفسية على قوانين التعلم، إذ يتعلم الفرد الاضطراب النفسي، وتتم إزالته وإطفاؤه بقوانين التعلم ذاتها. وهذا النوع من العلاج السلوكي المعرفي الحديث شائع في البلدان الإنكلوساكسونية خاصة، وتستطب به جميع الأمراض النفسية العُصابية واضطرابات السلوك والشخصية والعادات المضرة بالصحة البدنية مثل التدخين واضطرابات الطعام (الشراهة أو فقدان القابلية للطعام نفسي المنشأ، أي العمه العصبي) أما أساليب العلاج باختصار فهي:

1ـ أسلوب إزالة الحساسية المنهجي systematic desensitization وهو أحد أساليب العلاج السلوكي المستند إلى العلوم السلوكية والطب النفسي السلوكي، ويعتمد هذا الأسلوب على الفرضية القائلة بإمكانية إطفاء سلوكيات وعادات الخوف المكتسبة المُتعلمة الإشراطية، وحالات التعلق العُصابي والرضوض النفسية المتضمنة للقلق والخوف والجزع أيضاً، وذلك من خلال وضع سلم هرمي مجزأ إلى وحدات أو مواقف تثير الخوف والقلق متدرجة في الشدة تصاعدياً بدءاً من الصفر حتى ذروة الهرم (مثلاً مشاهدة مقتل أصدقاء أو رؤية أجسام مشوهة في المعارك الحربية أو انهيار البناء على رؤوس ساكنيه في الزلازل وغير ذلك من السلالم الهرمية المنشأة للحوادث الحياتية الراضة الأخرى).

وعلى المستوى التطبيقي يُطلب من المريض المرضوض الجلوس على كرسي مريح أو الاستلقاء على فراش أو مقعد، ويُعلَّم الاسترخاء حتى إذا ما أتقنه تبدأ عملية إزالة الحساسية نحو الموقف الحياتي الراض المجزأ إلى مواقف على السلم المذكور، ويطلب منه المعالج إغماض عينيه و استحضار تفاصيل الحادثة الراضة بكاملها كما حدثت فعلاً. بعدها يُعرَّض المريض بالتناوب لموقف سار من ذكرياته لمدة دقيقة واحدة، ويمثل هذا الحد الأدنى من السلم، ثم يتخيل المريض موقفاً آخر مثيراً للخوف ويعقبه منظر سار للمدة نفسها، وهكذا ينتقل المريض بين موقف مثير للخوف ومنظر سار، على نحو تصاعدي إلى أن تصير درجة الخوف على المقياس صفراً أو واحداً. وعند ذلك يمكن القول إن الخوف المرصود قد أطفئ أو أزيل. وبهذه التجزئة المتدرجة في الشدة، ووفقاً للتجارب السريرية العلاجية، وبحسب هذا الأسلوب المنهجي المتدرج، فإن 80% من خوف المريض يزول عندما يواجه الخوف ذاته ميدانياً في حياته اليومية. وتفسير ذلك هو أن العلاج التخيلي المذكور أعلاه قادر على نقل الخبرة المكتسبة من زوال الخوف بهذه الطريقة إلى الخوف كما يظهر في الواقع الحياتي. إن التفسير العلمي لهذه التقنية يستند إلى قاعدة علاجية مهمة، هي أن الاستجابة التخوفية الرهابية الراضة تضعف إلى حد كبير بالتعريض التخيلي، وبمعاكستها بالاستجابة الاسترخائية.

2ـ هناك طريقة سلوكية أخرى لإطفاء الخوف، وذلك بتعريض المرضوض لهذا الخوف ميدانياً، كما يبدو في الواقع الحياتي دفعة واحدة وبدون تدرج، وهذه الطريقة تسمى بالإغراق لمدة محددة ثم تزاد هذه المدة الزمنية تدريجياً حتى يزول الخوف عن المريض، مثل معالجة رهاب الأماكن المغلقة أو العناكب أو الأماكن المظلمة، أي مختلف أنواع الرهاب البسيط ورهاب الساح أو الأماكن المزدحمة بالناس.

ولكن هذه الطريقة غير مستحبة عند الأفراد الذين يعانون من أمراض قلبية أو ارتفاع الضغط الشرياني أو الربو العصبي، لأن آثارها التخويفية الشديدة تنبه الجملة العصبية المستقلة بفعل فرط إفراز الكاتيكولامينات Catecholamines (هرمونات التوتر). والجدير بالذكر أن التقانة السلوكية الأخيرة مقترنة بتبديل أفكار المريض اللاتكيفية المسببة للخوف بأفكار تكيفية أخرى، أي استخدام العلاجين السلوكي والمعرفي في آن واحد لإزالة الاستجابات التخوفية الراضة.

جـ ـ إزالة الرض النفسي بوساطة تحريك العينين: طريقة حديثة في العلاج بوساطة تحريك العينين، تقوم على أن الرض النفسي يعطل آلية تمثُّل المعلومات الراضة المختزنة، بحيث يبقى الرض النفسي مختزناً في شبكة عصبية معينة بمعزل عن الشبكات العصبية الأخرى، فتحدث أعراض الرض النفسي. وبوساطة تحريك المرضوض لعينيه وفق طريقة معينة يتم إصلاح آلية تمثُّل المعلومات الرَّاضة (أي التي تُستَقلب بالتعبير الطبي) وتعود الشبكة العصبية المعزولة إلى وظيفتها بالاتصال مع الشبكات العصبية الأخرى، ويزول الرض النفسي في تسعين دقيقة. وقد انتشرت هذه الطريقة بسرعة في الأوساط العلاجية النفسية.

محمد حمدي الحجار

مراجع للاستزادة:

 

ـ محمد الحجار، الوجيز في فن العلاج السلوكي (دار النفائس، بيروت 2000).

ـ محمد الحجار، «أساليب العلاج النفسية للرضوض النفسية»، المجلة النفسية (طرابلس، لبنان 2001).

- JOSEPH WALPE, Practice of Behavior Therapy (Pergamon Press 1987).

- FRANCIS SHOPIRO, Eymovemen Desnsitization and Reprocessing (The Guilford Press 1955).

 


التصنيف : تربية و علم نفس
النوع : صحة
المجلد: المجلد الثاني عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 100
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 738
الكل : 60285165
اليوم : 39460

بوسان (نقولا-)

بوسّان (نقولا ـ) (1594 ـ 1665)   نقولا بوسّان Nicolas Poussin مصوّر فرنسي، ولد في قرية فيلّر Villers قرب مدينة الأندليزAndelys  شمال باريس، من أسرة لم تكن ميسورة الحال، وتلقى تربية صارمة، بسبب عمل والده في الجيش، كان لها أثرها في سلوكيته المنضبطة مما تجلّى في فنه الذي ظهرت بوادره باكراً في قريته الصغيرة. لما بلغ بوسّان سن الثامنة عشرة، ذهب إلى باريس، برغم معارضة والديه، وعمل عند المصوّر فرديناند إل (1585-1640) Ferdinand Elle ثم عند المصور جورج لالّومان Georges Lallemant (توفي سنة 1635)، فكانت بداية تعلمه المهنة على يد هذين الفنانين.
المزيد »