logo

logo

logo

logo

logo

الزجاج

زجاج

Glass - Verre

الزُجاج

 

تغيّر معنى الزجاج glass بمرور الزمان من الدلالة على إناء أو حلية إلى مادة وظيفية تدل على حالة من حالات المادة. واكتنف تعريف الزجاج بعض العثرات مما جعل البعض يعتقد أن الزجاج تعبير غاية في الجمال ينبغي ألا يخص بتعريف قد يفسد هالة مدلولاته.

يشير الزجاج إلى كل ما هو شفاف، قاس، قصِف أو سريع العطب fragile، عاكس وأحياناً بارد وجامد مبهم ومتنوع مهما كانت طبيعته الكيمياوية أو درجة الكمال والسحر المرافق لامتثاله لكل مفاتن الضوء.

الشكل (1) طرائق الحصول على الزجاج صناعياً ومخبرياً

(يشير تعبير تقليدي إلى الانصهار)

تبين المراجعة الشمولية ثلاث طرائق للحصول على الزجاج إنطلاقاً من حالات المادة الثلاث الواردة في(الشكل1) .

تشترك طرائق تحضير الزجاج في تحطيم البنية البلورية للمادة أو لمزيج المواد المكوِّنة له وخلق بنية غير بلورية عديمة الانتظام. ويجب أن يتضمن التعريف الشمولي للزجاج (من دون تمييز بين التقانات والتركيب الكيمياوي)، السِّمة المميزة له وهي ظاهرة الانتقال إلى الحالة الزجاجية glass transition phenomenon التي تحصل لدى كل دورة تميع حراري للزجاج عند درجة حرارة يرمز لها Tg وتقترن بقيمة ثابتة للّزوجة مهما كان منشأ الزجاج وتركيبه.

بناءً على ذلك، يكون التعريف العمومي للزجاج على النحو الآتي: «الزجاج هو جسم صلب لابلوري يتمتع بظاهرة الانتقال إلى الحالة الزجاجية».

لمحة تاريخية

واكب الزجاج تطور الإنسانية منذ العصر الحجري حيث استخدم حجر السبج obsidian الطبيعي الزجاجي البنية لتشكيل أدوات القطع والسهام والمرايا. ومايزال يخيم بعض الظلال على اكتشاف الزجاج، ولكن تتفق الآراء على أن بلاد الشام لا ينافسها أي مكان في مضمار مساهمتها الأصيلة في اكتشاف تقانات الزجاج وتطويرها. وينسب المؤرخ بليني الكبير Pliny اكتشاف الزجاج إلى المصادفة حين استخدم تجار فينيقيون حجارة النطرون مساندَ لقدرٍ لطهي طعامهم على شاطئ عكا الغني بالرمال. و بفعل نار الموقد تفاعلت حجارة النطرون مع الرمال السيليسية وتكونت مادة زجاجية شافة.

وقد عثر عالم الآثار الفرنسي كلود شيفر في رأس شمرا (أوغاريت) في سورية على خرزات وأسطوانات زجاجية وخاتم من زجاج أزرق ترجع إلى الألف الثاني ق.م. ويؤكد بعض المؤرخين أن صناعة الزجاج بدأت في بلاد الشام وانتقلت إلى مصر على يد بعض الصناع الذين اصطحبهم تحوتمس الثالث بعد غزو سورية. وقد نقل التجار الفينيقيون زجاج صيدا وصور إلى أنحاء مختلفة من العالم القديم، واستمرت هذه التجارة رائجة حتى العهد الروماني. واشتهرت الاسكندرية في القرن الأول الميلادي بصناعة الزجاج الشفاف، ويقال إن معظم غنيمة روما بعد انتصارها على كليوباترا عام31م كان من الزجاج. وكان لصناعة الزجاج مكانة خاصة في العالم الإسلامي وخاصة في بلاد الشام ومصر وآسيا الوسطى والمغرب العربي. واشتهرت دمشق بصناعة الأواني والمشاكي والسُرُج الزجاجية والمذهبة والمنقوشة بكتابات وآيات قرآنية ما تزال متاحف العالم تحتفظ بكثير منها.

انتقل فن صناعة الزجاج إلى أوربا مع الحروب الصليبية بين القرنين 11و13م، واشتهرت في إيطاليا بين بيزا وجنوة والبندقية وفلورنسا. ومايزال الزجاج المنتج من جزيرة مورانو (البندقية) يحتل مكانة رائدة في العالم. ويعد الكتاب الذي ألفه عالم فلورنسا أنتونيو نيري A.Neri سنة1612م أول كتاب علمي يبحث في فن صناعة الزجاج واستخدام أكاسيد الرصاص في صناعته. وقد طوّر الإنكليزي رافنسكروفت Ravenscroft فن صناعة الزجاج البلوري (الكريستال)، وعمل الفرنسيون على تطوير تقنيات صب الزجاج ودرفلته لإنتاج زجاج المرايا التي زيّن بها قصر فرساي Versailles. ومع تطوير أفران صهر الزجاج من قبل الأخوة سيمنس Siemens، وطريقة سولفي Solvay لتصنيع الصودا، وظهور آلات تشكيل الزجاج وصبه ونفخه في القرن التاسع عشر تبدلت حال الزجاج من حرفة إلى صناعة. وكان لتطور العلوم والبصريات والتضافر بين الزجاج وزيادة الطلب عليه وتحسين مواصفاته الدور البارز في تحويل الزجاج من حرفة إلى علم. تجدر الإشارة إلى أعمال غينان وفرونهوفر Guinand و J.Fraunhofer في مجال تحسين تجانس الزجاج، وأعمال شوت Schott وأب Abbe وزايس C.Zeiss في مجال تنويع الزجاج البصري وربط خواصه بالتركيب الكيمياوي. ويعدّ تأسيس قسم تكنولوجيا الزجاج في جامعة شيفيلد Sheffield ـ بريطانيا عام1916 تكريساً لعلم وتقانة الزجاج عالمياً وللتعاون المبكر بين الجامعات والصناعة للاستفادة من نتائج البحوث في صناعة الزجاج وتطبيقاته.

أنواع الزجاج وتراكيبه الكيمياوية

تتألف معظم أنواع الزجاج الصناعي من أكاسيد لاعضوية تصنف ضمن ثلاث فئات:

- الأكاسيد المشكِّلة للشبكة في بنية الزجاج مثل: SiO2، B2O3، GeO2، P2O5، V2O5.

- الأكاسيد المغيِّرة لبنية الزجاج (الصاهرة تقانياً) مثل أكاسيد العناصر القلوية والقلوية الترابية،

- الأكاسيد الوسطية التي تنتمي، وفق التركيب الكيمياوي للزجاج، إلى إحدى الفئتين السابقتين مثل: Al2O3، Fe2O3، TiO2، PbO، ZnO.

اقتصر الزجاج القديم على سيليكات الصوديوم والكالسيوم التي ماتزال تدخل في تركيب معظم أنواع الزجاج المسطح والمجوف، لكن الإنتاج العالمي للزجاج يشتمل اليوم على مئات التراكيب الكيمياوية المختلفة التي لا يتضمن بعضها أي نسبة من أكسيد السيليسيوم.

 يعطي الجدول رقم (1) التركيب الكيمياوي لبعض أنواع الزجاج الصناعي وفق النسب المئوية الوزنية للمكوِّنات علماً بأنه لم تذكر بعض الشوائب ضمن هذه المكونات لندرتها:

التركيب الكيميائي

زجاج الكراون البصري

BK 7

زجاج الكريستال (سيليكات الرصاص و

البوتاسيوم)

زجاج الألياف E 

 (بورو

سيليكات الألمنيوم  والكالسيوم)

زجاج مصابيح بخار الصوديوم (بورات الألمنيوم و الصوديوم)

زجاج لحام

مع التنغستين

زجاج مصابيح

(سيليكات الألمنيوم والكالسيوم والباريوم)

زجاج المخابر (بورو

سيليكات الصوديوم)

زجاج

النوافذ (سيليكات الصود والكالسيوم)

زجاج الفلنت البصري

SF 2

 

SiO2

68,9

51

54,5

8

74

61

80

72

40,9

B2O3

10,1

 

8,5

48

15

1

12,5

 

 

P2O5

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Al2O3

 

 

14,5

24

1

16

2

2

 

PbO

 

39

 

 

 

 

 

 

50,8

CaO

 

 

22

6

 

10

 

9

 

MgO

 

 

 

 

 

 

 

3

 

BaO

2,8

 

 

 

6

12

 

 

 

Na2O

8,8

1,7

 

14

4

 

5,5

14

0,5

K2O

8,4

7,6

 

 

 

 

 

 

6,8

Fe2O3

 

 

 

 

 

 

 

 

 

As2O3

1,0

 

 

 

 

 

 

 

1,0

 

زجاج أكسيد السيليسيوم (السيليكات silicate)

تعتمد كل أنواع زجاج السيليكات على أكسيد السيليسيوم SiO2 الواسع الانتشار في الطبيعة والمكوّن لبلورات الكوارتز في الرمال. يدخل زجاج سيليكات الصوديوم والكالسيوم في معظم أنواع الزجاج المسطح والمجوف، وتشتق منه هذه الأنواع عبر تغيير التركيب الكيمياوي. وتجدر الإشارة إلى أن الزجاج السيليكاتي الحديث لا يختلف كيمياوياً عن الزجاج القديم. وفي هذا الصدد، تجري محاولات راهنة لإعادة إحياء وتجديد إنتاج الزجاج الفينيقي والإسلامي لتصنيع أواني زينة تتسم بألوان وتموجات غاية في الجمال يتم الحصول عليها عبر الفعل المزدوج لملونات مناسبة ولظاهرة فصل الأطوار في مصهور الزجاج.

زجاج أكسيد الجرمانيوم (الجرمانات germanate)

يندر استخدام أكسيد الجرمانيوم بنسب عالية في الزجاج، أما بنسب صغيرة، فهو يزيد قرينة إنكسار زجاج السيليس ويؤدي إلى أحد التطبيقات الهامة لدى تصنيع قلب الألياف الزجاجية البصرية.

زجاج أكسيد البور (البورات borate)

تعد أنواع الزجاج الغنية بأكسيد البور قليلة جداً لمقاومتها الكيمياوية الضعيفة التي تتحسن بإضافة أكاسيد أخرى كما في زجاج مصابيح بخار الصوديوم وزجاج أكاسيد البور والألمنيوم والكالسيوم ذي العازلية الكهربائية المتميزة.

يؤدي أكسيد البور دوراً مهماً في تصنيع زجاج البوروسيليكات المقاوم للتآكل والصدمات الحرارية وفي تصنيع ألياف الزجاج E وبعض أنواع زجاج اللحام مع المعادن.

زجاج أكسيد الفوسفور (الفوسفات phosphate)

تُظهِر أنواع الزجاج الغنية بأكسيد الفوسفور مقاومة كيمياوية ضعيفة تجاه بخار الماء، لكنها تتحمل حمض فلور الماء وتسمح بتحضير مواد ذات توافق حيوي مشابهة للعظام. وتستخدم بعض أنواع زجاج أكسيد الفوسفور مع أكسيد النيوديم في تطبيقات زجاج الليزر لأغراض الاندماج النووي [ر].

زجاج الهالوجينات halide glasses

تشكل بعض مركبات الفلوريدات أنواعاً من الزجاج اللاعضوي، فخلائط فلورايدات الزركونيوم والباريوم واللانتانيوم والألمنيوم والصوديوم تعطي أنواعاً من زجاج الفلوريدات ذات الأهمية التجارية الخاصة نظراً لنفوذيتها للأشعة تحت الحمراء ولاستخدامها في التضخيم الضوئي في الألياف البصرية للاتصالات.

زجاج العناصر الكالكوجينية chalcogenide glasses

 تعد بعض العناصر الكالكوجينية مثل الكبريت والسيلينيوم والتيلور وخلائطها أساس زجاج الكالكوجينات الذي يتميز بشفافيته للأشعة تحت الحمراء ويستخدم نوافذ لهذه الأشعة.

زجاج الخلائط المعدنية metallic glasses

تعطي بعض خلائط المعادن المنصهرة بالتبريد السريع زجاجاً معدنياً. وتعد خلائط بعض المعادن الانتقالية مثل االنحاس والتوتياء Cu+Zn، والنحاس + تيتانيوم Cu+Ti، والنيكل + التيتانيوم Ni+Ti، وخلائط بعض المعادن الانتقالية وأشباه المعادن مثل (الفوسفور P، البورون B، السليكونSi، الكربون C) + (الحديد Fe، الكوبلتCo، النيكل Ni) من أبرز الأمثلة على ذلك.

زجاج بعض الأملاح أو المركبات العضوية

يمكن الإشارة إلى أن مصهور خلائط بعض الأملاح مثل نترات البوتاسيوم ونترات الكالسيوم تتصلب على شكل مادة زجاجية، كما يمكن تحويل كل من الإيتانول، بروبيل الغليكول، الغليسيرين والغلوكوز بالتبريد إلى بنية زجاجية.

الخصائص الفيزيائية

يختص الزجاج بعدد من السِّمات المميزة التي تأتي من خصوصية بنيته ويندر أن تجتمع في غيره من المواد منها:

ـ البنية عديمة النظام التي تمنح الزجاج التجانس وخاصية تماثل المناحي والكثافة المعتدلة.

ـ التغيير المتدرِّج اللامحدود للتركيب الكيميائي وتحضير مئات أنواع الزجاج والتغيير المستمر لخواصها،

ـ التميُّع التدريجي وتغيُّر اللزوجة مع الحرارة من حالة الجسم الصلب المثالي إلى حالة السائل وغياب درجة حرارة الانصهار المحددة،

ـ التغير المستمر للخواص الفيزيائية مع الحرارة،

ـ استقلالية الخواص الميكانيكية عن التركيب الكيمياوي وارتباطها بالبنية وحالة السطح ومقاومة التآكل.

بناءً على هذه السِّمات، يوفر الزجاج طيف المتناقضات في الخواص، فهو شفاف وعاتم، متين وقَصِف، قاس وقابل للصقل، عازل وناقل، خامل وفعَّال، مستقر وعديم الاستقرار، مطواع وعَصيّ.

الشكل (2) منحنى تغيير الحجم النوعي بدلالة درجة الحرارة:

a: عند تبلور المصهور، b: عند تشكل الزجاج،

Ts:  درجة حرارة الانصهار. TR: درجة الحرارة العادية.

1ـ السلوك الترموديناميكي للزجاج: لدى كل دورة تسخين، يعبر الزجاج درجة حرارة الانتقال إلى الحالة الزجاجية Tg التي تميز انتقال الزجاج من السلوك الصلب القَصِف إلى السلوك السائل المرن اللزج (الشكل ـ2)، ويترافق عبور هذه الدرجة مع تغير في الخواص مثل السعة الحرارية أو عامل التمدد الطولي التي تتمتع بقيم أعلى قليلاً من مثيلاتها في المواد البلورية المماثلة كيمياوياً للزجاج. وعند دراسة منحني تغير السعة الحرارية Cp للزجاج بدلالة درجة الحرارة حتى الصفر المطلق، يستنتج أن حالة القصور أو الأنتروبية entropy في الزجاج ليست معدومة، كما في البلورات، عند الصفر المطلق، وهذا مايميز الزجاج، الذي يشذ عن القانون الثالث في الترموديناميك، من البلورات، ويضفي عليه سمة عدم الاستقرار الترموديناميكي. وعندما يسعى الزجاج نحو الاستقرار، فإنه يتبلور إما خارج حدود السيطرة مولِّداً عيوباً غير مرغوبة في المنتجات الزجاجية، أو تحت السيطرة والتحكم كما في تقانة الخزف الزجاجي glass ceramics.

2ـ لزوجة الزجاج: تعد اللزوجة من أهم الخواص التي تتحكم بسلوك الزجاج إبان مراحل الانصهار والتشكيل والمعالجة الحرارية والاستخدام (الشكل ـ3). وتتعلق لزوجة الزجاج خصوصاً بالتركيب الكيمياوي ودرجة الحرارة المرافقة لمعظم تقانات الزجاج والتي تغير سلوك الزجاج من جسم صلب تفوق لزوجته ـ المقدرة بالبواز poise ـ 1019 إلى سائل قابل للتشكيل. من هنا، تم الاصطلاح على اختيار عدة درجات حرارة توافق قيماً محددة للزوجة الزجاج مما يسمح بتوصيف لزوجته ومقارنة أنواع الزجاج المختلفة. فدرجة حرارة العمل working point توافق لزوجة قدرها 104 بواز، ودرجة حرارة التميع softening point توافق لزوجة قدرها 107.6 بواز. أما درجة حرارة المعالجة الحرارية annealing point، فهي تقابل لزوجة قدرها 1013 بواز. أخيراً، تمثل درجة حرارة التشوه strain point النهاية الصغرى لمجال المعالجة الحرارية وتوافق لزوجة قدرها 1014.5 بواز.

الشكل (3) منحنيات تغيير لزوجة بعض أنواع

الزجاج بدلالة درجة الحرارة:

(a): زجاج سيليس، (b): زجاج سيليكات الألمنيوم،

 (c): زجاج سيليكات البوروسيليكات،

 (d): زجاج سيليكات الصوديوم والكالسيوم،

 (e): زجاج بورات الرصاص ( 1dba.s  = 1 poise)

يُصهر الزجاج وينقّى من الفقاعات عند مجال لزوجة قدره 50ـ500بواز، لكن تشكيل الزجاج يتطلب مجال لزوجة يتناسب مع كل تقانة تشكيل.

3 ـ الخواص البصرية: ليس هناك من خواص الزجاج ما يجمع بين العلم والتقانة والجمال مثل الخواص البصرية. وخير دليل على ذلك استكشاف المكوِّنات الصغرى والعوالم الكبرى في الطبيعة وتسخير الشفافية من نوافذ ضوء النهار حتى الألياف البصرية لمسافات طويلة وسحر الصفاء واللون والأشكال في أواني الزينة.

يتحكم تفاعل الضوء مع الزجاج في معظم خواصه البصرية، فقرينة الانكسار n تعبر عن سرعة انتشار الضوء في الزجاج n = c/v (حيث c سرعة انتشار الضوء في الخلاء و v سرعة انتشاره في الزجاج). وتعبِّر الشفافية أو النفوذية transmission، عن امتصاص الضوء في الزجاج وانعكاس بعضه على سطحه. فمن أجل صفيحة زجاجية سماكتها x، وعامل امتصاصها ، تكون شدة حزمة الضوء الصادرة عنها I = I0(1-R) exp (-aαx) حيث I0 شدة الضوء الوارد، I شدة الضوء الصادر، R عامل الانعكاس على سطح الزجاج.

تعد البصريات بامتياز خير برهان على تنوع الزجاج واتساع مجال تغيُّر خواصه الفيزيائية. ففي طيف الضوء الواسع، ينفرد كل مجال طيفي بعدد من أنواع الزجاج التي تلبي خواصها البصرية متطلبات النفوذية في ذلك المجال. فزجاج السيليس يتلاءم مع مجال الأمواج فوق البنفسجية، وزجاج الفلوريدات والكالكوجينات يستجيب لمجال الأمواج تحت الحمراء، والزجاج الغني بالرصاص بالسماكة المناسبة يقي من الإشعاعات مثل أشعة X والإشعاعات النووية. وفي مجال الطيف المرئي، يسمح زجاج النوافذ باختراق نور النهار، وتعرض الشركات المختصة عشرات أنواع الزجاج التي تتمتع بقرينة إنكسار، n، بين 1.3و2.1 وتبدد الضوء، ν، بين 15و95 مايلبي معظم متطلبات حسابات النُّظم البصرية (يشير ν إلى تبدد الضوء أي تغير n ضمن المجال المرئي بدلالة طول الموجة).

أما فيما يتعلق بالزجاج الملوَّن فإن إضافة كميات قليلة من المعادن الانتقالية أو الأتربة النادرة يمكن من الحصول على طيف واسع من الألوان لأغراض الزينة والعمارة وزجاج الليزر المشوب بالنيوديم لتطبيقات الاندماج النووي والتضخيم.

 4 ـ الخواص الميكانيكية: يسلك الزجاج في درجة الحرارة العادية وبعيداً عن درجة حرارة الانتقال إلى الحالة الزجاجية، سلوك جسم صلب مرن مثالي تقريباً. وتحت تأثير إجهاد متزايد، يتناسب تشوه الزجاج خطياً مع الإجهاد حتى الإنهيار الذي يحصل من دون إنذار. لهذا، يوصف الزجاج بقصافته وانعدام اللدونة الظاهرية (σ = E ε حيث σ تمثل الإجهاد، E عامل المرونة، ε التشوه النسبي).

أما عند درجات حرارة قريبة من درجة حرارة الانتقال إلى الحالة الزجاجية، فإن الزجاج يظهر خاصية المرونة اللزجة viscoelasticity حيث يرتبط التشوه والإجهاد بالزمن.

لدى قياس الإجهاد الأعظمي لانهيار الزجاج، يلاحظ أن تبعثر النتائج كبير، وأن قيم مقاومة الإنهيار المقيسة منخفضة موازنة مع المقاومة النظرية للزجاج. يعود التبعثر إلى الطبيعة الإحصائية لانكسار الزجاج، ويعزى انخفاض المقاومة إلى الشقوق الصِّغرية microcracks السطحية التي تشكل أعماقها الصغيرة الأبعاد مناطق يتركز عندها الإجهاد.

يستنتج مما ورد أن الإجهاد الأعظمي لانهيار الزجاج لايعد خاصة مميزة بل هو دليل على مقاومته الميكانيكية، وأن عامل المرونة يمكن عدّه خاصة مميزة لزجاج عن آخر.

يمتلك الزجاج مقابل نقاط ضعفه، مزايا تجعل منه مادة هندسية لأغراض بنيوية أو غير بنيوية. ومن أبرز هذه المزايا مقاومته الميكانيكية العالية في غياب العيوب المجهرية السطحية، وإمكانية التقوية عبر معالجات حرارية سطحية صناعية مثل الإسقاء الحراري (الزجاج المقسّى حرارياً) والتبادل الشاردي (الزجاج المقسّى كيمياوياً)، وهذا ما تشير إليه تطبيقاته الممتدة من أعماق المحيطات إلى الفضاء مروراً بصروح العمارة على وجه المعمورة.

البنية الجزيئية للزجاج

الشكل (4) بنية زجاج سيليكات الصوديوم

برهنت دراسات الأشعة السينية خصوصاً والإشعاعات عموماً على أن الزجاج يمتلك بنية غير منتظمة على مسافة كبيرة، وأنه يتضمن على مسافة صغيرة (عدة أنغسترومات بعيداً عن أي شاردة سيليسيوم)، وحدات بنيوية مشابهة لتلك المكوِّنة للبلورات المماثلة في التركيب الكيمياوي. فزجاج السيليس يتألف، مثل بلورات الكوارتز، من رباعيات وجوه SiO4)4-( تحتل شاردة السيليسيوم مركزها، وتتوضع شوارد الأكسجين على رؤوسها الأربعة بحيث تشترك كل شاردة أكسجين مع شاردتين من السيليسيوم، وترتبط رباعيات الوجوه بوساطة رؤوسها فقط مشكِّلة شبكة عشوائية disordered network ثلاثية الأبعاد قليلة التراص. وفي أنواع الزجاج السيليكاتي متعددة الأكاسيد، توجد أيضاً رباعيات الوجوه أنفسها وتتوضع شوارد العناصر القلوية والقلوية الترابية في فراغات سلاسل رباعيات الوجوه (الشكل ـ4). كما ينجم عن وجود الأكاسيد المغيرة إنقطاعات في هذه السلاسل، وتشكِّل شوارد الأكسجين المرتبطة من جهة واحدة فقط إلى شاردة السيليسيوم والتي يطلق عليها شوارد الأكسجين غير الرابطة. وإذ نجد وحدات رباعيات الوجوه في زجاج الجرمانات والفوسفات، يمتلك زجاج البورات الغني بأكسيد البور وحدات مثلثية تحتل شوارد البور مركزها، وتتوضَّع شوارد الأكسجين على رؤوسها وتتحوِّل هذه الوحدات المثلثية إلى وحدات رباعية الوجوه وفق التركيب الكيمياوي لزجاج البورات.

يمكن عدّ الزجاج المتعدد الأكاسيد حالة من حالات المادة الكثيفة تتشابه بنيوياً مع السوائل وميكانيكياً مع الأجسام الصلبة.

التطبيقات الصناعية المختلفة

يجمع الجدول 2 أهم تطبيقات الزجاج وفق القطاعات الاقتصادية والمنتج.

 

القطاع

المنتج

 وسائط النقل

   واجهات, نوافذ, لوحات القيادة, مرايا, إنارة, مواد مركبة

 الطيران والفضاء

  زجاج الأمان للطائرات ومركبات الفضاء, بلاط عازل

 إنتاج وتوزيع الكهرباء والصناعات الإلكتروميكانيكية

 عوازل خطوط التوتر, واجهات أمان و نوافذ ولوحات,

  نسيج المحركات العازل

 الصناعات الإلكترونية

  مصابيح كهربائية, شاشات حاسب وتلفزيون, صمامات إلكترونية,

 زجاج اللحام, مكثفات, حوامل دارات صِغَرية, أجهزة قياس

 الصناعات الذرية

 نوافذ واقية من الإشعاعات, تخزين النفايات النووية

 السياحة والرياضة

  مراكب, أدوات تزلج.

 البناء والتشييد

 واجهات, أبواب ونوافذ, عزل صوتي وحراري, مواد مركبة

 الأثاث والزينة والأدوات المنزلية

  مرايا وزجاج مسطح, آنية زينة, آنية مقاومة للحرارة,

  تجهيزات منزلية

 الصناعات الغذائية والصيدلانية والعطور

 قوارير وعبوات مختلفة, موازين حرارة

 الصناعات الكيميائية

   قوارير وعبوات مختلفة, زجاجيات المخابر, موازين حرارة وضغط, أنابيب مختلفة, مفاعلات ومبادلات, مصافي

 الإتصالات

الألياف البصرية

 الصناعات البصرية والميكانيك الدقيق

 نظارات, أجهزة التصوير, أجهزة العرض, عدسات ومواشير ومجاهر, مرايا التلسكوبات, زجاج الليزر, زجاج حساس ضوئياً

 تطبيقات خاصة

  أجسام قمرات بحرية, علب أنظمة السونار, أجزاء طوربيدات, أجزاء ألغام بحرية, أنظمة قيادة الصواريخ, قبب الصواريخ

 الطب

  مواد ترميمية عظمية, مواد ترميمية سنية

 

الجدول (2)

الآفاق المستقبلية لاستخدام الزجاج

يحتل الزجاج مكاناً مرموقاً في الحياة اليومية بفضل خصائصه الفريدة كمرشح اصطفائي للضوء، وحاجزحراري، ومقاوم للتآكل ومادة هندسية. ويهيمن السيليس على صناعة الزجاج منذ نشأتها بفضل قابليته التزجج ووفرته ورخص كلفته. ومع ذلك، فقد أظهرت التطورات التقانية المعاصرة الحاجة لمتطلبات جديدة تفوق خواص زجاج السيليكات التقليدي. ضمن هذا السياق، تنشط الأبحاث لتعميق فهم بنية الزجاج وسلوكه وخواصه بهدف تحسين الأداء والكلفة وتقانات المعالجات الثانوية ذات المحتوى التقاني العالي، ولتطوير الأنواع الجديدة من الزجاج ذات الإنتاج المحدود والقيمة المضافة العالية، ولاستكشاف تقانات جديدة لتحضير الزجاج ولاسيما زجاج الكالكوجينات وزجاج الفلوريدات والزجاج المعدني والزجاج نصف الناقل وزجاج الليزر.

ومادامت صناعة الزجاج تصنف ضمن صناعات المستقبل، ولايتسع المجال إلا للإشارة إلى أبرز التطبيقات المستقبلية مثل الزجاج الفعال حيوياً للترميمات العظمية، الزجاج المشع لمعالجة الأورام موضعياً، الزجاج لتخزين النفايات النووية، الزجاج القابل للانحلال كسماد زراعي، زجاج الواجهات ذات الشفافية الاصطفائية أو ذاتية التنظيف، زجاج الواجهات والسقوف الفوتوفولطائية المتكاملة وأخيراً الزجاج في الهندسة المدنية حيث تتجه المساعي نحو البناء الزجاجي «الكامل» وتشييد بعض الجسور من الزجاج.

على المستوى التقاني، تتجه الأنظار نحو توفير الطاقة وتقليل الهدر وتخفيض الكلفة، ونحو استكشاف التقانات غير التقليدية لتحضير الزجاج ولاسيما تقانة الهلام وتحضير الزجاج في الفضاء.

رفيع جبرا

الموضوعات ذات الصلة:

 

الضوء الهندسي ـ الليف البصري.

 

مراجع للاستزادة:

 

- H.SCHOLZE¨ Le verre: nature struc­ture et propriétés (Institut du verre, France 1969).

- H.RAWSON,Inorganic Glass-Forming Systems (Academic Press, United King­dom 1967).


التصنيف : الصناعة
المجلد: المجلد العاشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 258
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1094
الكل : 40586892
اليوم : 116707

كفافيس (كونستنتينوس-)

كڤافيس (كونستَنْتينوس ـ) (1863ـ 1933)   كونستنتينوس بيترو كڤافيس Konstantinos Petrou Kavafis، أو صاحب الاسم المستعار كونستنتين كڤافي Constantine Cavafy، هو أحد أبرز الشعراء المحدثين في الأدب اليوناني في القرن العشرين. ولد في مدينة الاسكندرية في مصر لعائلة برجوازية من القسطنطينية، انتقلت للاستقرار في الاسكندرية عام 1850 حين افتتح ربّ  العائلة متجراً للاستيراد والتصدير، ولكن على أثر وفاته عام 1870 اضطرت العائلة إلى الانتقال إلى ليڤربول Liverpool في إنكلترا حيث تلقى كڤافيس تعليمه الأساسي باللغة الإنكليزية. وفي عام 1882 عادت العائلة إلى الاسكندرية وتابعت حياتها السابقة فيها، ولكن فقط حتى أحداث 1885-المرتبطة بنضال الحركة الوطنية في مصر ضد الاحتلال البريطاني- حين رجعت العائلة إلى موطنها في القسطنطينية.
المزيد »