logo

logo

logo

logo

logo

عباس بن فرناس

عباس فرناس

Abbas Ibn Firnas - Abbas Ibn Firnas

عباس بن فرناس

(…ـ 274هـ/… ـ 887م)

 

أبو القاسم عباس بن فرناس بن ورداس التاكُروني، نسبة إلى كورة تاكرين في الأندلس، يقال لها في بعض المصادر منطقة رُنده. القرطبي الأموي بالولاء، يُعدُّ من طلائع علماء الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، ومن عباقرتهم الموسوعيين الذين ظهروا في مطلع القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي وما بعدهما، ممّن شاركوا في تأسيس نهضة حضارية رائعة في جو من حرية الفكر سادت الأندلس. وفي هذه الحقبة التاريخية الفريدة ظهرت كوكبة من علماء الفكر العربي وطَّدت أُسس نهضة علمية في ميادين الفلسفة والأدب والفن والطب والرياضيات والنبات والكيمياء.

نشأ ابن فرناس في قرطبة حاضرة الأندلس ومركز إشعاعه الفكري والعلمي، أخذ علومه الأولى في مجالس شيوخها، ثم اتجه إلى دراسة الأعشاب والنباتات وخصائصها الداوئية والصيدلانية، ثم درس الفلسفة والفلك والفيزياء والكيمياء والرياضيات.

يذكر المستشرق بروفنسال في دائرة المعارف الإسلامية أن عباس بن فرناس قد رحل إلى العراق ثم عاد منها إلى الأندلس وهو يحمل كتاب «السند هند» في الرياضيات وأتقن الموسيقى وصناعة بعض آلاتها، وأجاد العمل بالرسم الهندسي حتى غدا من المهندسين المعماريين، وبرز بالشعر وقول الموشحات وتلحينها وغنائها مشاركة على آلة العود. إضافةً إلى براعته وإتقانه اللغة اليونانية وترجم بعض كتب الفلسفة والموسيقى عنها إلى العربية.

من المؤسف أن معظم آثاره ومؤلفاته وترجماته فُقدت، ولم يبق منها إلا بعض أخبارها في بطون المصادر، مستقاة ممن تَرْجَمَ لحياته أو أُخذَ عنه.

جعلته مؤهلاته العلمية والأدبية من أبرز ندماء قصور أمراء بني أمية في قرطبة، ومنهم: الحكم الأول هشام المنتصر 180ـ206هـ/796ـ821م، وعبد الرحمن الثاني 206ـ238هـ/821ـ852م، وغيرهما، وصار صاحب حظوة ومكانة رفيعة لبراعته في العمارة وأناقته في تنظيم الحدائق والنوافير الجميلة، ومن المعروف أن أمراء بني أمية كانوا يتفننون في عمارة قصورهم، وتنظيم حدائقها الغناء الرائعة بتناسقها وجمالها.

منجزات ابن فرناس وإبداعاته

كانت أول منجزاته التي عُرف بها في التاريخ الحضاري أنه:

ـ أول رائد في الطيران في العالم: فقد كان مهتماً بدراسة ثقل الأجسام، وكيفية مقاومة الهواء لها، وقام بكثير من الأبحاث في هذا الصدد، وأجرى تجارب على ذلك، إضافة إلى دراسته للسماء وما فيها من الأفلاك والطيور ومراقبتها بعين العالم الثاقبة، وهذا ما دفعه إلى الإقدام على أول محاولة للطيران أمام أهل قرطبة العاصمة الذين دهشتهم هذه المحاولة، يقول ابن سعيد المغربي في كتابه «المغرب في حلى المغرب» عن أخبار هذه المحاولة بقوله إن ابن فرناس «… احتال في تطيير جثمانه، فكسا نفسه الريش على سرق من حرير، فتهيأ له أنه استطار في الجو، واستقل في الهواء محلقاً فيه… حتى وقع على مسافة بعيدة … مكسوراً» وخاب أمل عباس بن فرناس لإهماله وعدم انتباهه إلى أهمية صنع ذيل للرداء الذي أعدَّه للطيران به، وذلك لإبقاء التوازن وتسهيل عملية الانزلاق في الجو والهبوط بسلام. لم يعاود ابن فرناس المحاولة ثانية لأنه كسر بعض فقرات ظهره السفلى نتيجة سقوطه على مؤخرته، إلا أن محاولته الجريئة لم تذهب سدى في تاريخ الطيران الإنساني، ولاتزال تذكر له إلى اليوم.

ـ إبداعاته الفلكية:

يقول المقري في كتابه «نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب» إن ابن فرناس «صنع في بيته هيئة السماء. وخَيَّل للناظر فيها النجوم والغيوم والبرق والرعد…» واستطاع أن يُحدث فيها ظواهر الرعد والبرق وسقوط رذاذات من الماء على هيئة مطر بطرق آلية وربما بوساطة بعض الآلات والأدوات التي توصَّل إلى صنعها، ووصفها في أماكن معينة من القبة التي أجرى فيها تجربته.

ذات الحلق

إن اهتمامه بدراسة الفلك وظواهر السماء أوصلاهُ إلى اختراع بعض الآلات الفلكية، ومن أهمها آلة (ذات الحلق) كي يستخدمها لرصد الكواكب السيارة والنجوم، ولتبين مواضع القمر من الشمس أو بدائرة البروج. تتركب (ذات الحلق) من حلقات مستديرة بعضها داخل بعض، قابلة للدوران حول محور، مثبتة بطريقة خاصة لتؤدي كل حلقة غرضاً خاصاً، وفي حلقاتها ثنتان مثبتتان إحداهما بالأخرى تثبيتاً محكماً بحيث يكون مستوى أحداهما عموداً على مستوى الأخرى، تقوم إحداهما مقام دائرة البروج، وهي الدائرة التي تمثل مستواها فلك الأرض حول الشمس، وتقوم الثانية مقام الدائرة المارة بالأقطاب الأربع (انظر الشكل).

أبدع أول آلة لقياس الوقت وسماها (الميقاته) التي تسمى كما يقول دوزي في «ملحق القواميس العربية» «المكانة أو المنكله» وفي مناطق البربر يقال لها: «المنقالة»، وفي المغرب الإسلامي «المنجانه»، وتقوم على قياس درجات الظل وحسابه، وزواياه تمثل الدقيقة والثانية في النهار، وشكلها دائري مقسم إلى مسافات متساوية. تقول المستشرقة (زيغريد هونكة)، في كتابها «شمس العرب تسطع على الغرب»: «إنها قد ألهمت من أتى بعده، أي بعد ابن فرناس، وتسميها «ساعة الرحلة» وتعدُّها الصورة الأولى التي ألهمت من أتى بعده لصنع الساعات المائية أو الزئبقية، أو الساعات الشمسية الدقاقة». وقد قدمها ابن فرناس إلى الأمير عبد الرحمن الأموي ورَصّع عليها بعض الأبيات التي تبين الهدف الديني لهذه الميقاتة، قال فيها:

ألا إنني للدِّين خيرَ أداة          

                  إذا غاب عنكم وقت كل صلاة

ولم تُر شمسٌ بالنهار ولم تُنِرَ

كواكبُ ليلٍ حالكِ الظلمات

بِيُمْنِ إمام المسلمين محمّدٍ        

تجلَّتْ عن الأوقات كلَّ صلاة

 يعدُّ أوَّلَ من أبدع قلم الحبر السائل، وهو آلة اسطوانية الشكل تتغذى بحبر سائل يُستخدم للكتابة، فسبق في صناعتها العالِمَ (ستيلو) بقرون عديدة، وسبق العالم (شيفر) الذي ابتكر عام 1809م قلم حبر بخزان، وسبق (واترمان) بنحو ألف عام، وقد ذكر حسين مؤنس في كتابة «معالم تاريخ المغرب والأندلس» هذا الابتكار لابن فرناس وكان لهذا الأثر البالغ في تطوير الكتابة، وتسهيل أمر التأليف على المؤلفين.

ـ ابتكر صناعة الزجاج الشفاف بعد طحن نوع خاص من الرمال، وذكر ابن سعيد المغربي أن ابن فرناس «أول من استنبط بالأندلس صناعة الزجاج من الحجارة» التي كانت موجودة في إحدى التلال القريبة من قرطبة. إذ كان ابن فرناس من المهتمين بالكيمياء الصناعية.

ـ إبداعاته في تطويع أدوات للزينة من الفضة والذهب وسبكها وزخرفتها، وكان لها سوق رائجة في الأندلس، وخاصة في الأوساط المترفة وبلاطات الحكام. وذكرت بعض المصادر أن ابن فرناس جعل في بيته مخبراً مزوداً بكل ما يلزم من أدوات لأعمال الصياغة، وكان اعتماده على النار للوصول إلى صهر المواد أو المعادن، أو تسخين العناصر الكيماوية التي يستخدمها لإجراء تجاربة. إذ جاء في تاريخ المغرب والأندلس للعبادي «أنه أحرق النار ببيته، وأنه كانت تخرج من داره قناة فيها ماء أحمر كأنه دم».

ـ يعد أول من فك رموز الموسيقى في الأندلس. وأول من أدخل عليها علم العروض الذي وضعه الفراهيدي، وفك رموزها، ودرس الموسيقى اليونانية، وترجم بعض المؤلفات الموسيقية، ودرس مصطلحاتها بهدف الوصول إلى التطبيق العملي، ومحاولة استخدامها على آلة العود التي كان يجيد العزف بها، واستعان بما توصل إليه فيثاغورس ت503ق.م، في أن مدة النغمة تختلف باختلاف طول الوتر.

يقول الزبيدي في كتابه «طبقات النحويين واللغويين» إن ابن فرناس «كان يُحسن علم الموسيقى ويضرب على العود ويغني عليه» والمعروف أن ابن فرناس كان يلحن قصائده ويغنيها ويقول المقري في «نفح الطيب» إن ابن فرناس كثيراً ما كان يُعدل الألحان التي جاء بها زرياب أو أبناؤه بما يتوافق والأنغام التي تقوم على دراسة السُّلَّم الموسيقي.

زهير حميدان

 مراجع للاستزادة:

 

ـ أحمد بن محمد المقري التلمساني، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق إحسان عباس ( دار صادر، بيروت 1988).

ـ ابن سعيد المغربي، المغرب في حلى المغرب، تحقيق شوقي ضيف (مصر 1964).

ـ أنجل جنثالت بالنثيا، تاريخ الفكر الأندلسي، نقله حسين مؤنس (مصر 1955).

ـ زيغريد هونكه، شمس العرب تسطع على الغرب، ترجمة فاروق بيضون وكمال دسوقي (بيروت 1980).


التصنيف : التاريخ
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الثاني عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 781
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1092
الكل : 40565284
اليوم : 95099

الحركي و البصري (الفن-)

الحركي والبصري (الفن-)   من الملائم التنويه أولاً بأن الحدود الفاصلة بين الفن البصري art-optique والفن الحركي art-cinetique حدود واهية إلى حد كبير، فكلاهما يحملان الإرث المشترك نفسه، والأهداف المتشابهة الواحدة، مع أن الفن الحركي قاد الفنان، عملياً، إلى هجران حدود التصوير الضيقة، في حين حمل الفن البصري الفنان على الاكتفاء بهذه الحدود، والعمل على إثرائها. ولابد من التنويه أيضاً بأن المصطلح «حركي» cinétique، الذي انتقل من المصطلحات العلمية المتعلقة بالطاقة، ودخل في مفردات الفن التشكيلي،
المزيد »