logo

logo

logo

logo

logo

الإدارة المحلية

اداره محليه

Local administration - Administration locale

الإدارة المحلية

 

تخضع السلطة الإدارية في تنظيمها إما إلى أسلوب المركزية الإدارية، إذ تتركز الوظيفة الإدارية في يد هيئة واحدة تتولى دواوينها في العاصمة وفروعها في الأقاليم إدارة جميع الشؤون والمرافق العامة من قومية ومحلية، أو إلى أسلوب اللامركزية الإدارية إذ يتم توزيع الوظائف الإدارية في الدولة بين السلطة المركزية وهيئات محلية أو مرفقية مستقلة تباشر نشاطها تحت إشراف السلطة المركزية ورقابتها. وهذا الأسلوب الثاني هو ما يعرف بأنه نظام الإدارة المحلية local administration.

ويرتكز هذا النظام على عدد من الأسس أهمها التالية:

ـ الاعتراف بوجود مصالح محلية مستقلة عن المصالح القومية يقتضي الاعتراف لها بالشخصية المعنوية المستقلة.

ـ تولي هيئات منتخبة الإشراف على هذه المصالح المحلية: فانتخاب أعضاء المجالس المحلية يعدّ أحد الأركان الأساسية لضمان استقلال هذه المجالس عن السلطات المركزية ولإرساخ مفهوم الديمقراطية الذي يمثل روح العصر الحديث ولاختيار أعضاء المجالس المحلية من الأشخاص الذين يرتبطون ارتباطاً مباشراً بالمصالح المحلية. وتنجم عن ذلك ممارسة السيادة الشعبية ومزاولة الشعب بنفسه مسؤولياته العامة.

ـ وجود الرقابة الإدارية: إذ يستتبع وضع النظام اللامركزي في حيز التنفيذ الفعلي إيجاد عدد من رجال القانون العام المستقلين عن الدولة سواء من حيث أهليتها القانونية أو من حيث ذمتها المالية وموظفوها ومسؤوليتها. غير أن هذا الاستقلال يجب ألا يكون مطلقاً، وإلا أصبحت الهيئات المحلية دولاً داخل دولة. وتمارس الهيئات المحلية الاختصاصات المنوطة بها تحت إشراف الإدارة المركزية وضمن إطار رقابة فعالة من قبل هذه الأخيرة، حرصاً على حماية الوحدة القانونية والسياسية للدولة.

إلا أن الرقابة التي تمارسها الحكومة المركزية على أعمال الهيئات اللامركزية ليست مطلقة كذلك، إنما هي رقابة مقيدة ومحصورة في نطاق معين لا يصح أن تتجاوزه وإلا كانت محلاً للطعن من الهيئة اللامركزية، وتبعاً لذلك فإن الهيئات المركزية لا تملك سلطة التوجيه أو إصدار الأوامر والتعليمات الملزمة للوحدات الإدارية المستقلة. في حين أنها لدى ممارستها سلطة التعقيب على أعمال هذه الوحدات لا تملك، في مواجهة هذه الأعمال، إلا أحد طريقين: فهي إما أن تصدق عليها جملة أو ترفضها جملة، ومفاد ذلك أنها لا تملك أن تلغي هذه الأعمال أو تسحبها أو تعدلها أو تعدل آثارها كلها أو بعضها، وذلك لأن الوحدات الإدارية المحلية  تستطيع التمسك بقراراتها على الرغم من اعتراض الهيئة المركزية عليها، بل تستطيع هذه الهيئات المركزية أن تخاصم هذه القرارات أمام القضاء الإداري عند مخالفتها لمبدأ الشرعية.

الأسباب الداعية لتبني نظام الإدارة المحلية

نشأ مفهوم اللامركزية الإدارية، المتمثل في نطاق نظام الإدارة المحلية الذي تبنته غالبية الدول المعاصرة التي تأصلت فيها النظم الديمقراطية، نتيجة للأسباب التالية:

ـ أضحت مهام الدول المعاصرة عظيمة الاتساع، لذا أصبح من المتعذر أن تنهض بها السلطة المركزية في العاصمة، ويكون الأخذ بنظام الإدارة المحلية مما يخفف كثيراً عن عاتق السلطة المركزية التي يجب أن تنصرف للقضايا ذات الطابع القومي.

ـ يعد نظام الإدارة المحلية تطويراً في التنظيمات الإدارية، وبوجه خاص في الوقت الحاضر الذي تعقدت فيه الوظيفة الإدارية، وتنوعت فيه المرافق العامة تحت تأثير السياسات التي تتبعها الدول المعاصرة، وتبعاً لذلك فقد أصبح من الأصلح للأجهزة الإدارية أن تتعدد، وأن تتنوع أساليب نشاطها بقدر تعداد الحاجات العامة وتنوعها، كما أصبحت ضرورات الإصلاح الإداري تقضي بأن تكون هذه الأجهزة قريبة من مصدر الحاجات العامة التي تقوم بإشباعها،وأن تكون متصلة قدر الإمكان، اتصالاً مباشراً ودائماً بهذه الحاجات، حتى تفهم مقتضياتها وحتى تستطيع أن تحدد سلوكها وأعمالها في ضوء المقتضيات نفسها.

ـ يؤدي النظام اللامركزي المتمثل بنظام الإدارة المحلية إلى منح الوحدات المحلية الاستقلال في إدارة المشروعات والمرافق المحلية المتصلة اتصالاً مباشراً بالحاجات العامة. وهذا الاستقلال للوحدات المحلية يسهم من دون شك في تبسيط الإجراءات، وتجنب النظام الرتيب (الروتين) والبطء في صدور القرارات المتعلقة بالمصالح المحلية.

ـ يكفل نظام الإدارة المحلية قدراً من العدالة في توزيع الضرائب العامة، لأن كل إقليم سيحصل على ما يحتاج إليه من موارد مالية لمواجهة المصالح المحلية، فلا تطغى مرافق العاصمة والمدن الكبرى على مرافق الأقاليم كما هي الحال لو أخذ بنظام المركزية الإدارية.

ـ يسهم نظام الإدارة المحلية في تقوية البناء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للدولة بتوزيع القوى المنتجة بدل تركيزها في العاصمة والعمل على ترابط الدعائم التي يقوم عليها هذا البناء لمواجهة الأزمات الداخلية والأخطار الخارجية التي تتعرض لها الدولة. وليس صحيحاً ما تردده بعض الاتجاهات الغربية من أن الدول السائرة في طريق النمو لا يصلح شأنها أو يدفع بها نحو التقدم والازدهار إلا تركيز السلطة في قمة أجهزتها، ذلك لأن التقدم إنما يستلزم العمل على الاستفادة الكاملة من كل طاقة يمكن الاعتماد عليها في أي مستوى من المستويات. ومن شأن توزيع السلطة في الوحدات المحلية شحذ الهمم وتشجيع الإسهام في العمل العام من دون أن يضر ذلك بالمصالح القومية. إذ يمكن أن تحتفظ السلطة المركزية في جميع الأحوال بالقضايا الجوهرية وتوجه السفينة نحو الاتجاه المنشود.

ـ تعد اللامركزية الإدارية المدرسة الرئيسة لتعليم الديمقراطية وتحمل المسؤوليات، لأن أعضاء المجالس المحلية الذين يقع عليهم هذا العبء يجب أن يحوزوا ثقة سكان الوحدة المحلية، وهم مسؤولون أمامهم. ويمكن أن ينتقل الأشخاص الذين حازوا ثقة سكان الوحدة المحلية بعد ذلك إلى مواقع العمل القومي.

نشأة نظام الإدارة المحلية وتطوره

حين نشأت الوحدات المحلية في إنكلترة نشأة طبيعية، لم تكن السلطة المركزية فيها في أي وقت تجمع في يدها كل الاختصاصات الإدارية، وإنما كانت الوحدات المحلية، منذ عدة قرون تباشر شؤونها الإدارية بنفسها مستقلة عن السلطة المركزية. ولهذا يقول فقهاء الإنكليز إن نظام الحكم المحلي عندهم أقدم عهداً من النظام البرلماني، وإنه وجد قبل أن يوجد مجلس اللوردات ومجلس العموم بمئات السنين وإن الأشخاص الإداريين ينشؤون، عادة، بقانون في كل الدول عدا إنكلترة، فإن الأشخاص الإداريين فيها أقدم في تاريخ نشأتهم من الدولة ومن القانون،وإنهم نشؤوا في تلك البلاد بقوة التطور التاريخي وبفعل الظروف والأحوال الطبيعية. وكما نشأت الوحدات المحلية في إنكلترة نشأة طبيعية فقد كانت هذه الوحدات تتمتع منذ نشأتها بحريتها واستقلالها في إدارة شؤونها من دون أن يكون هناك نص يقرر حقها في ذلك الاستقلال أو تلك الحرية، وظلت محتفظة بهذه الحرية كاملة إلى أواخر القرن الثامن عشر. فلم تكن السلطة المركزية طول هذه الحقبة من الزمن تتدخل في شؤون الإدارة المحلية إلا في بعض الحالات الاستثنائية. ويبدو ذلك من دراسة بعض أنواع الحكومات المحلية وما تتمتع به من حكم ذاتي في بعض المقاطعات والمدن حتى في العصور الأولى من التاريخ البريطاني. فالنظم المحلية في كولشستر ولنكولن ويورك تقوم على أنقاض النظم البدائية التي كانت سائدة في عهد الرومان. إن نظام الإدارة المحلية الإنكليزي يتمثل بكامله في إطار الحكومة المحلية local government الذي يتميز بصفتين رئيسيتين:

الأولى هي أن تكون عضوية مجالس السلطات المحلية نتيجة لانتخابات مباشرة تجري في صفوف مواطني الوحدة، فلا توجد مبدئياً أية سلطة محلية معينة من قبل الحكومة المركزية، والثانية هي تمتع السلطات المحلية المنتخبة بكل الاختصاصات المحلية، فلا يوجد مبدئياً أي اختصاص محلي يتبع الحكومة المركزية.

ويبدو أن نظام اللجان الذي تبنته الوحدات المحلية يعد عصب الحكومة المحلية في إنكلترة.

كما أن من مزايا نظام الحكم المحلي الإنكليزي اطلاع أعضاء المجلس اطلاعاً حقيقياً على شؤون الإدارة وحقائقها، مما يجعلهم ذوي خبرة كبيرة في الشؤون التنفيذية. وكذلك يخضع الموظف لرغبات المجلس ولجانه، لأن تعيينه وفصله يدخل في اختصاص المجالس المحلية، كما يدخل في اختصاصها الإشراف على أعمال الشرط (باستثناء شرط لندن) وتعيينهم ودفع أجورهم.

إن نظام الحكومة المحلية الإنكليزي الذي كان يجهل تماماً مفهوم الوصاية الإدارية المطبق في باقي الدول الأوربية بدأ يتبنى مفهوم الرقابة تدريجياً، نتيجة للهبات والمساعدات المالية التي تقدمها الحكومة المركزية إلى السلطات المحلية.

وتمكنت السلطة المركزية، عن هذا الطريق من تفتيش الأعمال والمنافع التي تتولاها السلطات المحلية ونقدها وتقديم الاقتراحات لها ومحاسبتها وتنظيمها. واستطاع وزير الصحة في البداية أن يمارس مثل هذه الرقابة حتى صدر قانون الحكومة المحلية عام 1948 الذي حاول أن يلائم بين إدارة الوحدات المحلية والتطور الواجب إحداثه في ميدان تنظيم أراضي الأقاليم وتجميلها وتطوير المقاطعات. واستتبع هذا القانون إيجاد وزير للإسكان وللحكومة المحلية حتى عام 1970. وفي هذه المرحلة استبدلت حكومة السيد هيث، لأسباب داخلية وفنية، بهذا الوزير وزيراً لشؤون البيئة أصبح يشرف على الوحدات المحلية.

أما في فرنسة فقد تطور نظام الإدارة المحلية باتجاه معاكس لما جرى في إنكلترة، ففرنسة حين تم تكوينها دولة موحدة بزوال عهد الإقطاع كانت السلطة المركزية فيها تجمع في يدها كل الاختصاصات، ولم يكن للهيئات المحلية المستقلة وجود. غير أن السلطة المركزية أخذت مع الزمن تتنازل عن بعض اختصاصاتها للسلطات المحلية مع الاحتفاظ بحق الرقابة عليها. وهكذا نشأت الوحدات الإدارية المحلية المستقلة في فرنسة، وكانت منذ نشأتها خاضعة لرقابة السلطة المركزية. وتبدو الخصائص الرئيسة للتنظيم الإداري المحلي القائم في فرنسة على النحو التالي:

ـ لا يعد دستور الجمهورية الخامسة الوحدات الإدارية مثل الدوائر المحلية arrondissements والوحدات الإدارية الصغيرة المسماة الكانتونات Cantons، التي هي بين المحافظة والكومون وحدات محلية لها الشخصية الاعتبارية، فهي ليست في الحقيقة سوى إطار عمل إداري أو دوائر انتخابية. وقد أنشئ منذ عام 1958 بقوانين عدد من الوحدات المحلية الجديدة. وهذه الوحدات هي ما يطلق عليها التجمعات الحضرية communités urbaines في نطاق تجمع عمراني كبير. وفي فرنسة مستوى آخر فوق مستوى المحافظات، وهو الوحدة الإدارية التي تسمى «الإقليم الاقتصادي». وهذه الأقاليم الاقتصادية والتخطيطية لا ترتبط بالحدود الإدارية للوحدات المحلية، ولكنها تستند في تعيين حدودها إلى أساس اقتصادي واجتماعي.

ـ يقوم التنظيم الإداري الفرنسي على أساس مبدأ الوحدة أي عدم تعدد أنماط الكومونات والمحافظات. ولكن تعترض هذا المبدأ بعض الاستثناءات الطفيفة. فعلى سبيل المثال، تتمتع الوحدات المحلية بمنطقة باريس بوضع خاص، وكذلك فإن الشروط والقواعد التي تحكم اعتماد الميزانيات البلدية تختلف باختلاف عدد سكان كل بلدية إذا كانت أقل أو أكثر من 90 ألف نسمة.

يبدو أول وهلة أن دستور الجمهورية الخامسة قد أقر مبدأ الحكم الذاتي للوحدات المحلية «تدير الوحدات المحلية شؤونها بنفسها بوساطة مجالس منتخبة»، ولكن الواقع أن هذا الحق مقيد بالقواعد والشروط التي يحددها القانون.

ـ يتصف نظام الإدارة المحلية في فرنسة بأنه معقد، ذلك لأن إدارة الخدمات التي تقدمها المحافظات إنما تخضع لرقابة موظف يعدّ ممثلاً للحكومة المركزية في كل محافظة. والوحدات المحلية من محافظة أو بلدية لا يقتصر اختصاصها فقط على أداء المهام ذات الطابع المحلي التي عهدت بها القوانين المحلية إليها، بل إنها مسؤولة أيضاً عن أداء المهام والوظائف المركزية التي تؤدى في نطاق كل منها.

الصعوبات التي تجابه أنظمة الإدارة المحلية المعاصرة

بقيت قضايا الإدارة المحلية مدة طويلة من الزمن ثانوية، إلا أن هذه القضايا في الوقت الحالي تجد اهتماماً بالغاً لدى المواطنين أصحاب العلاقة الحقيقيين، وأصبحت تؤلف موضوعات للبحث العلمي في ميدان العلوم الإدارية العامة.

ويبدو أن هذا الاهتمام المفاجئ بقضايا الإدارة المحلية يعود لارتباطها حالياً بمشكلات سياسية، كما هي الحال في الحركات الإقليمية التي تجتاح العالم سواء في بعض البلاد الإفريقية أو في إيرلندة ويوغوسلافية وإيطالية وفرنسة. وإن الجمود الذي صحب قضايا الإدارة المحلية سنين طويلة أدى إلى إسباغ صبغة الشيخوخة على بناء التنظيمات الإدارية المحلية بما لا ينسجم والواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي عرفته المجتمعات المعاصرة. وأخيراً يبدو أن هنالك سبباً ثالثاً يعطي مزيداً من الأهمية لموضوع الإدارة المحلية، ويتمثل في مفهوم بدأ يفرض وجوده على غالبية دول العالم منذ سنوات قليلة ألا وهو مفهوم مشاركة المواطنين في تسيير الشؤون العامة للدولة وإدارتها.

وتواجه فرنسة صعوبات ومشكلات في نظام الإدارة المحلية، فهناك التضخم الهائل في أعداد الكومونات، وانعدام التوازن والانسجام بين الكومونات ذات الطابع الريفي والمدن المتوسطة والكبيرة، وتطبيق نظام قانوني واحد على كل الكومونات. وإن نظام المحافظات الصادر عام 1789 أصبح غير صالح لفرنسة في نهاية القرن العشرين، إضافة إلى أن بنيان هذه المحافظات لم يكن طبيعياً بل مصطنعاً لأن تشكيلها سبق الثورة من تطورات اقتصادية واجتماعية.

ويبدو أن هناك اتجاهاً جدياً لمعالجة هذه الصعوبات يتجلى في الإقلال من عدد الكومونات عن طريق الاتحاد أو الدمج، وبإلغاء المحافظات الحالية وأن يستبدل بها أربعون محافظة كبيرة ذات طابع إقليمي أو الإبقاء عليها مع ضرورة التنسيق فيما بينها على مستوى الإقليم وبوجه خاص في الميدان الاقتصادي.

وأما في إنكلترة فإن الوضع المتقدم لنظام الحكومة المحلية الإنكليزية يظل عاجزاً عن مسايرة التطورات التي يعيشها المجتمع البريطاني في يومنا هذا. ويقدم الساسة البريطانيون عدداً كبيراً من الانتقادات في هذا المجال: فهنالك عدم توازن اقتصادي وسكاني فيما بين الكومونات، واضطراب في العلاقات القائمة بين الوحدات المحلية والحكومة المركزية بنتيجة الأزمات المالية للوحدات المحلية، وتأخير في تنفيذ سياسة تنظيم الأراضي.

وقد قدمت اللجنة الملكية برئاسة اللورد مود، المكلفة من الحكومة البريطانية عام 1969بعض الحلول لمشاكل الإدارة المحلية، وقد انتقد تقرير مود التعارض القائم بين الإدارة الخاصة بالريف والإدارة الخاصة بالمدن، واقترح التقرير تقسيم إنكلترة، باستثناء لندن، إلى 61 منطقة موحدة. وهذه المناطق الموحدة لا تميز بين المدينة والريف، وقد احتفظ تقرير مود بعدد من الوحدات المحلية بشكل انتقالي، كما حافظ على نظام الأقاليم ذات التخطيط الاقتصادي، وقد أقر مبدأ الانتخاب لكل هيئات الوحدات المحلية مع إعطاء سلطة تقديرية لمجالس الأقاليم ذات الطابع الاقتصادي.

نظام الإدارة المحلية في سورية

تطورالتنظيم الإداري المحلي في سورية تطوراً جذرياً، فبعد أن خضعت سورية للحكم العثماني الذي أيّد مفهوم السلطة التي تأخذ كل شيء ولا تعطي شيئاً، طبق على سورية قانون إدارة الولايات العامة الذي قسم الولاية إلى ألوية،والألوية إلى أقضية، والأقضية إلى نواح، والنواحي إلى قرى. وقد عاشت سورية في ظل ذلك الاحتلال بعيداً عن أي مظهر من مظاهر الإدارة الحديثة في سائر المجالات. ثم جاء عهد الانتداب الفرنسي، فلم يكن أقل سوءاً في المضمون والجوهر، ومع أن القرار 5/ل.ر الصادر عن المفوض السامي في 11 /1/1936 بالاستناد إلى المادة 109 من الدستور السوري آنذاك، قسم سورية إلى محافظات محلية ومنحها صلاحية إبداء الرأي وبيان أماني سكان المناطق المحلية وحاجاتها العمرانية والثقافية والاجتماعية، فإن هذا التنظيم لم يوضع في حيز التنفيذ الفعلي لرغبة الفرنسيين في استمرار الاحتلال عن طريق إثارة الفتن الطائفية والعشائرية.

وبعد زوال الانتداب الفرنسي واستقلال سورية عام 1946 بدأ العمل الوطني المتواصل لتعديل عدد من القوانين. وفي عام 1957 صدر قانون التنظيمات الإدارية ذو الرقم 496 الذي أحدث تغييراً نسبياً في مجرى الحياة الإدارية السورية عن طريق تنظيم شؤون الإدارة في الدولة بنصوص واضحة. واستهدف القانون تحقيق اللامركزية عن طريق تشكيل مجالس محلية على أساس الانتخاب من سكان المناطق المحلية ولا سيما ما تعلق منها بالمجالس البلدية، غير أن السلطة المركزية لم تلجأ إلى إجراء انتخابات فعلية لمجالس الوحدات المحلية على الإطلاق متذرعة على الدوام بالظروف السياسية التي لا تسمح بذلك. وفي ظل ثورة الثامن من آذار عام 1963، وبعد قيام الحركة التصحيحية في 16/11/1970 صدر قانون الإدارة المحلية بالمرسوم التشريعي ذي الرقم 15 عام 1971، وصدرت لائحته التنفيذية وجميع التشريعات والأنظمة اللازمة لوضع هذا النظام موضع التطبيق.

وقد أرسى هذا القانون الجديد أهدافاً تتيح للبلاد إدارة متطورة وأكثر فاعلية، وتحقيق فوائد كثيرة أهمها ما يأتي:

ـ تفرغ رجال السلطة المركزية للمهام الرئيسة المتعلقة بشؤون التخطيط والتشريع والتنظيم والتنسيق والمراقبة والتدريب والتأهيل.

ـ توسيع اختصاصات هيئات الإدارة المحلية في شتى المجالات، ولاسيما الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخدمات والمرافق.

ـ إناطة السلطات المحلية بالهيئات المنبثقة عن إرادة المواطنين المعبّر عنها بطريق الانتخاب السري المباشر لهذه الهيئات، ووضع كل الإمكانات تحت تصرفها.

وتجلت أهم المنطلقات الأساسية لهذا القانون في النواحي التالية:

ـ تقسيم أراضي سورية بمقتضى هذا القانون إلى وحدات تتمتع بالشخصية الاعتبارية (المحافظة، والمدينة، والبلدة، والوحدة الريفية، والقرية التي يزيد عدد سكانها على خمسة آلاف نسمة)، ووحدات لا تتمتع بالشخصية المعنوية (المنطقة، والناحية، والحي، والمزرعة والقرية التي يقل عدد سكانها عن خمسة آلاف نسمة).

وقد راعى المشرع في هذا التقسيم نوع العوامل الاقتصادية والاجتماعية والإدارية ودرجتها ومدى قوة الروابط التي تصل بين المواطن ومجتمعه المحلي.

ـ توحيد التنظيم الإداري المحلي، فبعد أن كان النظام السابق يعتمد ازدواجية التنظيم الإداري المحلي، إذ كان ثمة تنظيم إداري تمثله مجالس المحافظات والمناطق، وتنظيم بلدي تمثله المجالس البلدية، فقد تلافى القانون الجديد مثالب الازدواجية في التنظيم ومآخذها.

ـ اعتماد مبدأ المركزية الديمقراطية، وهذا المنطلق يمكن استخلاصه من أن المجالس المحلية ومكاتبها التنفيذية تعد جزءاً لا يتجزأ من الجهاز الإداري العام للدولة، ومن حق المجالس المحلية التي هي أعلى في الإشراف على المجالس التي هي أدنى، ومن تبعية المجالس التي هي أدنى للمجالس التي هي أعلى، ومن تطبيق مبدأ التسلسل القيادي، ومن أن قرارات المجالس المحلية تعد نافذة، ما دامت ضمن إطار اختصاصات هذه المجالس وفي نطاق السياسة العامة للدولة.

ـ توسيع اختصاصات المجالس المحلية بحيث جعلت الوحدات الإدارية في كل المستويات، مسؤولة عن الاقتصاد والثقافة والخدمات وكل الشؤون التي تهم المواطنين في هذه الوحدات مباشرة.

ـ وضع القانون وسائل تمويلية كافية في أيدي سلطات الإدارة المحلية من أجل قيامها بالمهام المنوطة بها، مع مراعاة شرط أساسي مفاده عدم إرهاق المواطنين. وفي سبيل ذلك حرص المشرع على أن يكون فرض الضرائب والرسوم المحلية بقانون، وأتاح الفرصة أمام مجالس المحافظات لفرض رسوم الدولة لصالح الوحدات الإدارية، وللاستفادة من القروض والسلف والتسهيلات الائتمانية فضلاً عن إعانة الدولة المقررة في الموازنة العامة.

ـ تنظيم القانون علاقة الإدارة المحلية بالمنظمات في المجالس المحلية بنسبة لا تقل عن 60٪، ومنحه الحق لقيادة أي من المنظمات الشعبية في مراقبة المجالس المحلية  ومكاتبها التنفيذية وأجهزتها ونقدها عن طريق توجيه مذكرات تتضمن ملاحظاتها وآرائها.

ـ حرص القانون ولائحته التنفيذية على تحقيق مبدأ جماعية القيادة المحلية ومبدأ تقسيم العمل بين الأجهزة بما يضمن عدم تركيز المهام والصلاحيات في جهة واحدة، وبما يكفل توزيع المسؤوليات وتحديدها تجنباً لازدواجية العمل وتشابك الاختصاصات، فقد أعطيت المجالس المحلية سلطة إصدار القرارات في كل ما يتعلق بالشؤون المحلية، وأنيط تنفيذ هذه القرارات بمكاتبها التنفيذية مجتمعة ومنحت هذه الأخيرة صلاحيات واسعة، وسمح لها بتفريغ عدد من أعضائها على أساس تكليف كل منهم الإشراف على قطاع تعمل في نطاقه بعض الأجهزة المحلية.

ـ تبنى القانون تبنياً واضحاً أسلوب الديمقراطية الشعبية في تكوين هيئات الإدارة المحلية، بدلاً من أسلوب الديمقراطية البرلمانية التقليدية، وذلك عن طريق تمثيل المنظمات الشعبية فيها، وإمكان أن تضم المكاتب التنفيذية في عضويتها عدداً لا يزيد على الثلث من خارج المجلس المحلي، والسماح بتأليف لجان دائمة ومؤقتة من بين أعضاء المجالس المحلية أو من غيرهم من أصحاب الخبرة والاختصاص، وإمكان تأليف لجان شعبية في المناطق والقرى والأحياء، مما يؤدي إلى توسيع قاعدة التمثيل الشعبي في أعمال المجالس، ويجعل إسهام المواطنين في هذه الأعمال أكثر واقعية وأبعد أثراً.

ـ تضمن القانون الرقابة الشعبية سواء جاءت من قيادات المنظمات الشعبية أو الصحافة ووسائل الإعلام أو من المواطنين مباشرة، ويمكن أن تؤدي هذه الرقابة إلى إلغاء عضوية ممثلهم في المجلس المحلي نتيجة قيام المجلس بالتحقيق في الاتهامات الموجهة إليه.

لقد جابه نظام الإدارة المحلية في بداية تطبيقه الفعلي بعض الصعوبات والثغرات، وحالت هذه الصعوبات دون تحقيق جميع الأهداف المبتغاة منه، الأمر الذي تؤكده القرارات التي صدرت عن مجالس المحافظات ومكاتبها التنفيذية، وبوجه خاص في نطاق التنظيم والتخطيط والبرمجة التي لم تعالج معالجة كافية مشاكل المواطنين واحتياجاتهم من حيث الوقوف عليها وإيجاد الحلول اللازمة لها.

ولا شك في أن تجربة القطر العربي السوري ما زالت في بداية الطريق، وأنها، كأية تجربة في العالم، لا بد أن تواجه في البداية مشاكل ومعوقات كثيرة. إلا أن المهم هو أن يصار إلى معالجتها تدريجياً في ضوء التطبيق والممارسة، وعلى هدي واقع كل بيئة ومنطقة تبعاً للظروف والأوضاع الخاصة بها.

عبد الله طلبة

الموضوعات ذات الصلة:

اللامركزية.

مراجع للاستزادة:

ـ عبد الله طلبة، الإدارة المحلية (مطبعة جامعة دمشق 1984).

ـ ماجد راغب الحلو، القانون الإداري (دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية 1982).


التصنيف : القانون
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 593
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 481
الكل : 31105376
اليوم : 6766

بندايرا (مانويل-)

بَندايرا (مانويل-) (1886-1968)   مانويل كارنيرو دي سوزا بَندايرا   Manuel Carneiro de Sousa Bandeira شاعر ومؤرخ أدبي ومترجم ومرب برازيلي ولد في مدينة رسيفه Recife في شرقي البرازيل وتوفي في مدينة ريو دي جانيرو  Rio de Janeiro. امتد نشاطه و تأثيره إلى الكتَاب البرازيليين مدة تجاوزت الخمسين عاماً غير أن نجمه شاعراً لم يسطع إلا بعد وفاته.
المزيد »