logo

logo

logo

logo

logo

سورية الحديثة والمعاصرة

سوريه حديثه معاصره

Syria - Syrie



سورية الحديثة و المعاصرة

 

سورية إبان فترة الحكم العثماني

دخل العثمانيون إلى سورية في أعقاب هزيمة المماليك بمعركة مرج دابق سنة 1616م بقيادة السلطان سليم الأول واستولوا على حلب، ثم اتجهوا جنوبا فسيطروا على باقي بلاد الشام ليتوالى من بعدها خضوع كامل البلاد العربية باستثناء ما يعرف اليوم بالمملكة المغربية. 

ظلت بلاد الشام طيلة أربعة قرون- وسورية من جملتها- خاضعة للدولة العثمانية, ويمكن التمييز في تلك الفترة ما بين حقبتين لكل منهما خصائصها التي تتميز بها عن الأخرى. 

أما الحقبة الأولى فتبدأ مع بداية القرن السادس عشر, وتنتهي مع نهاية القرن الثامن عشر, لتبدأ الثانية من بداية القرن التاسع عشر و تنتهي بجلاء العثمانيين عن الأقطار العربية مع نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918م.

يتميز العصر الأول, وهو عصر قوة الدولة إلى حد ما, بفرض النظام الجديد الذي جاء به العثمانيون بحيث أبقوا البلاد على التقسيمات الإدارية التي كانت معروفة في العهد المملوكي.  لكنهم استبدلوا اسم نيابة باسم ولاية، فكانت هناك ولاية حلب ويتبع لها ثمانية صناجق، وولاية دمشق ويتبع لها تسعة صناجق, وولاية طرابلس ويتبع لها سبعة صناجق, ثم استحدثت ولاية صيدا فيما بعد بسبب تطور الأوضاع السياسية و الاجتماعية والأحداث الداخلية التي طرأت على المنطقة فيما بعد.

كان جان بردي الغزالي، الذي خان مليكه قانصوه الغوري في معركة مرج دابق، أول والٍ على سورية، وأول من ثار على السلطان العثماني من الولاة، وبسبب تمرده وانقلابه على السلطان قسمت سورية إلى ثلاث ولايات ليسهل السيطرة عليها، وخوفا من أن تجتمع بإمكاناتها لسلطة وال واحد. 

سادت فترة من الهدوء في بلاد الشام بشكل عام لأكثر من نصف قرن، وكان جميع الولاة الذين تداولوا السلطة من كبار الشخصيات و الوزراء العثمانيين الأكفياء، الأمر الذي مكنهم من ممارسة الحكم على النحو الذي تحقق فيه عامل الاستقرار, وقد ترافق وجود هذا النموذج من الولاة مع وجود سلاطين كبار,  كالسلطان سليم وابنه السلطان سليمان المعروف بالقانوني، فلا غرو إن وصلت الدولة في هذا العصر إلى أوج مجدها. غير أن بوادر الضعف وأحداث الشغب وما تخللها من عسف وجور الولاة والموظفين بدأت تظهر من بعد وفاة السلطان سليمان القانوني، واعتلاء عرش السلطة من قبل سلاطين غير مؤهلين، كان لعزلتهم خلف أسوار القصور وانشغالهم بالملذات أثر كبير على فساد المؤسسات و انحطاط مستوى الجيش، مما نتج عنه أعمال عنف وتمرد بين صفوف العساكر و الأمراء المحليين، بلغت ذروتها في بلاد الشام عند نهاية النصف الأول من القرن السابع عشر، كثورة علي باشا جانبلاط في جهات كلّس شمال حلب, وثورة فخر الدين المعني في جنوبي سورية. وفي القرن الثامن عشر ظهر جيل جديد من الولاة والموظفين حظيت غالبيتهم بحماية الصدر الأعظم والكزلار آغا في مقر السلطنة، كآل العظم  الذين تشير أغلب المصادر إلى أن أصلهم من معرة النعمان، وأول من ظهر منهم إسماعيل باشا العظم, ثم أخوه سليمان ,ثم أسعد بن إسماعيل الذي بلغت الأسرة في عهده ذروة نفوذها في بلاد الشام,وفي الوقت الذي كان فيه هؤلاء ولاة على دمشق كان هناك عدد آخر من أبنائهم يديرون دفة الحكم في المناطق الأخرى، فإبراهيم بن إسماعيل كان واليا على طرابلس, وياسين بك بن إبراهيم كان حاكماً على اللاذقية، بينما كان أسعد في عهد أبيه نائباً على حماة والمعرة، وهكذا كما لو أن بلاد الشام كانت محكومة وراثياً من قبل أفراد هذه الأسرة.  ويبدو أن القضاء على تمرد الخارجين على سلطان الدولة، سواء من قبل بعض طوائف الجند كالدالاتية والزرباوات، أم من هجمات البدو التي كانت تستهدف طرق التجارة وقوافل الحج، إضافة إلى اتباع سياسة التوازن بين مختلف القوى المحلية في الولاية الواحدة ,كانت كلها عوامل استقرار جعلت سلاطين الدولة العثمانية يفضلون أفراد هذه الأسرة عن غيرهم لإدارة أمر البلاد، بصرف النظر عما لحق بهم من عسف وجور مع المصادرة والعزل في كثير من الأحيان. 

 

مدينة دمشق في العهد العثماني كما تخيلها رسام فرنسي

 

تعرضت البلاد عند نهاية القرن الثامن عشر إلى فوضى بسبب الصراع على النفوذ من قبل بعض الأسر, وفي الوقت نفسه تعرضت البلاد الشامية إلى كوارث ومجاعات وأوبئة ساعدت على تنامي هذه الاضطرابات التي انتهت باحتلال دمشق من قبل علي بك المملوكي, ومن بعده أحمد باشا الجزار الذي استمر واليا على الشام لعدة فترات, كان السلطان في أثنائها راضيا عن أدائه ,ربما لقدرته على إخضاع المتمردين, وبقي الجزار سيد الموقف في بلاد الشام حتى مجيء نابليون إلى مصر ومحاولة سيطرته على الشام سنة 1799م. 

لم يطرأ خلال هذه الفترة تغيير جوهري في نظم البلاد أو الطريقة التي كانت تدار بها، ربما لأن ثمة هامش من الحرية في الإدارة جعلت الوالي يتمتع ببعض الصلاحيات لإدارة الولاية ,فكان الحكم أقرب إلى اللامركزية، وأميل إلى البساطة والمحافظة.  أما ما له صلة بالأنشطة الحضارية فيبدو أن الجهود كانت منصبة على الاهتمام بالجيش لاعتقاد السلاطين أنه العنصر الأساس في مواجهة الأخطار المحتملة، في حين أن المستوى العلمي كان أدنى مما كان عليه في العهود السابقة، إلا من بعض المدارس التي أنشئت في كبريات المدن كدمشق وحلب، وهي ذات طابع ديني بحت، ولكن انصب اهتمام الولاة أكثر على المنشآت العمرانية التي لا يزال قسم كبير منها باقياً إلى الآن، كالتكايا والمساجد والخانات المنتشرة بكثرة في كل من دمشق وحلب على وجه الخصوص. 

تعرض المشرق العربي في مستهل الفترة الثانية من الحكم العثماني إلى تطورات غير مسبوقة تمثلت بثلاثة أحداث هزت الدولة العثمانية، أولها بروز الدعوة الوهابية وإقامة دولتها التي وحدت أقاليم الجزيرة العربية في ظل الأسرة السعودية ,والثاني بداية الزحف الاستعماري نحو البلاد العربية، والذي استهله نابليون بونابرت بحملته على مصر وبلاد الشام ,أما الثالث فهو محاولة محمد علي باشا والي مصر تأسيس دولة قادرة على حماية نفسها، بعد أن فقد الثقة بقدرة العثمانيين على حماية ممتلكات دولتهم.  هذه الأحداث كان لها دور مؤثر في تغيير عقلية الإنسان في المشرق العربي، وجعلته يصحو من رقاده ليتحمل مسؤولية الدفاع عن الأرض والإنسان والثقافة إزاء الأخطار التي بدت تلوح في الأفق، مع وصول طلائع القوى الاستعمارية التي راودتها على ما يبدو فكرة العودة إلى النمط الروماني القديم. 

كانت ولاية دمشق من وجهة نظر محمد علي لا تقل أهمية عن ولاية مصر، فالبلدان يتمم كل منهما الآخر من الناحيتين العسكرية والاقتصادية، ومن أجل قطع الطريق على خصومه وأعدائه كان يرى أن لا مناص من امتلاكهما ,وقد واتته الفرصة حينما استغل فرار بعض الفلاحين إلى عكا، فوجه قواته إليها ودخلها سنة 1832م، وتابع تقدمه بسرعة إلى دمشق التي استقبلته منقذاً و محرراً، وبموجب صلح كوتاهية: أصبحت ولاية الشام خاضعة لإدارة محمد علي طوال حياته، وعلى الفور بدأ بسلسلة من الإصلاحات كإلغاء الضرائب عن السلع التجارية وتحسين ظروف المزارعين، وأصبح في وسع التجار والصناع الاطمئنان إلى سلامة أموالهم، ونتيجة لهذه السياسة، فقد تطور الاقتصاد تطوراً ملحوظاً وانتعشت بسببه المدن  السورية وتعززت الثقة في نفوس الأهالي. 

أما على الصعيد العلمي فقد شملت الإصلاحات قطاع التعليم وأنشئت المدارس الابتدائية في المناطق والنواحي، والمدارس الثانوية في مراكز المدن كدمشق و أنطاكية وحلب، على النظام نفسه الذي كان سائدا في مصر، وأُقرت القوانين التي كانت تلزم الطلاب بارتداء أزياء خاصة بهم، وشيدت أبنية سكنية ملحقة بالمدارس لإيواء الوافدين إليها من الطلبة، واشتملت المناهج على تدريس المواد الهادفة إلى غرس الوعي القومي في نفوس الدارسين، الأمر الذي جسد فكرة الانتماء القومي إلى الأمة العربية عند غالبية المثقفين العرب مع بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر. 

ولعل أهم ما تميزت به سنوات الوحدة بين مصر وسورية في عهد محمد علي، مظاهر التسامح الديني بين مختلف الطوائف، وإلغاء القيود التي كان باشاوات العهود السابقة قد فرضوها على غير المسلمين من باب تأكيد فكرة المواطنة بين الجميع. 

أما من الناحية الإدارية فقد اعتبرت بلاد الشام ولاية واحدة، قسمت إلى ألوية عاصمتها جميعا دمشق، وقد أبدى كثير من القناصل الغربيين إعجابهم الشديد بما فعله محمد علي خلال فترة الوحدة. 

كانت الدول الغربية تراقب ما يجري في بلاد الشام عن كثب، ولم تكن لترضى عن الوضع السياسي الجديد، خاصة إذا كان من أهدافه قيام دولة قوية تجمع بين مصر الإفريقية وسورية الآسيوية مما أفسد على هذه الدول خططها في إطار ما اصطلح  على تسميته (بالمسألة الشرقية), ومع أن هذه الدول كانت على خلافات مستمرة فيما بينها إلا أنها اتفقت جميعها على تدويل المسألة السورية، و توجهت إلى محمد علي بإنذار تطلب فيه الانسحاب من سورية في غضون عشرة أيام، واستنفرت بالوقت نفسه عن طريق عملائها بعض الجهات للانقلاب عليه مستغلة مسألة التجنيد الإجباري الذي كان قد فرضه إبراهيم باشا على السوريين وقضية جمع الأسلحة من الأهالي، وتحت وطأة التمرد والعصيان من جانب الأهالي والضربات التي وجهتها القوات الحليفة بعد نفاذ مدة الإنذار، انهارت المقاومة المصرية في الشام وارتدت نحو مصر سنة 1840م، وقضي على أول تجربة وحدوية ما بين سورية ومصر في العصر الحديث ,كان من شأنها أن تنقل البلدين إلى مصاف الدول المتقدمة. 

تعرضت سورية منذ منتصف القرن التاسع عشر وبالتحديد بعد انهيار مشروع الوحدة إلى عدة أحداث، أبرزها إثارة الفتن الطائفية في دمشق وبعض الثورات في جبل حوران كثورة 1851 م، التي منيت فيها القوات العثمانية بخسائر كبيرة، وثورات عشائر البدو في قرى ونواحي دير الزور, وكان للقناصل الغربيين دور كبير في إثارتها، ولا أدل على ذلك من الدور الخطير الذي قام به سفيرا بريطانيا وفرنسا  في إثارة الفتنة ما بين الدروز والموارنة في لبنان والتي امتد لهيبها إلى دمشق وتصدى لها الأمير عبد القادر الجزائري وكبار العلماء والوجهاء.  تعاقب على ولاية سورية في هذه الفترة عدد من الولاة العثمانيين ترك بعضهم آثارا حسنة منهم: محمد رشدي باشا (1863- 1866م) ومحمد راشد باشا (1866- 1871م) الذي امتدحه القنصل الإنكليزي المقيم في دمشق بقوله: (في حدود معرفتي لا يوجد وال غادر سورية وكان الأسف عليه عاما كهذا الوالي).

ويعتبر مدحت باشا من أبرز ولاة هذه الفترة، وكثيرا ما كان يعرب عن ضيقه و تأففه من تدخلات القنصلين الفرنسي و الإنكليزي بالشأن الداخلي بحجة حماية الطوائف السورية، ولهذا الوالي أياد بيضاء في كثير من المسائل كبناء المدارس الحديثة لصرف الأهالي عن المدارس الأجنبية و التبشيرية، وفي عهده تعاون المسلمون و المسيحيون على إنشاء غرفة للتجارة و مقر للبورصة في بيروت ,وتم  شق الطرق وتنظيم دوائر العدل و جهاز الشرطة. ومن هؤلاء حسن رفيق باشا الذي شيد معهد المعلمين في دمشق ومدت سكة الحديد في عهده، ويعتبر حسين ناظم باشا أطول الولاة عهداً (1897-1909م) الذي نمت دمشق في عهده نموا ملحوظا، وهو الذي أمر بربط دمشق برقيا مع المدينة المنورة، وجرّ مياه عين الفيجة إلى دمشق، وبنى الثكنة العسكرية (الحميدية) التي تشغلها اليوم بعض كليات جامعة دمشق، وكان آخر ولاة الدولة العثمانية على دمشق الوالي رأفت بك، الذي انسحب منها بعد دخول القوات العربية و البريطانية إليها عام 1918م. 

أما حلب فمن أشهر ولاتها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، الوالي أحمد جودت باشا وهو من المؤرخين المشهورين، له (تاريخ جودت) في عدة مجلدات، وكان ذا عناية بالشؤون الثقافية، وناشد باشا، وكامل باشا، وجميل باشا الذي امتدت ولايته ما بين 1879-1886م، وإليه ينسب بناء المكتب الرشدي العسكري ومشفى الغرباء في حلب، والوالي رأفت باشا 1885-1900م الذي أسف الأهالي بولاية حلب على عزله مع مطلع القرن العشرين.

دخلت مفاهيم الإصلاح و التغيير على الصعيد القومي و السياسي إلى سورية مع الحكم المصري، فبعد خروج إبراهيم باشا ظل أثر هذه المفاهيم يفعل فعله خاصة بين صفوف المتعلمين والفئات الواعية، وبلغ هذا التفاعل ذروته حينما قدم إلى سورية بعض الولاة المتنورين الذين قادوا حركة التمدن والإصلاح، ولعبت المدارس التي تم افتتاحها في هذه الفترة دورا كبيرا في توعية النشء قومياً وسياسياً، وبدأت الجمعيات بالظهور وتوالى صدور الصحف، الأمر الذي زاد من وعي الأهالي فظهر منهم قلة متأثرة بثقافة التغريب أخذت تنادي بالانفصال عن الدولة العثمانية، بينما رأت الغالبية عكس ذلك و أخذت تطالب بإصلاح النظم والقضاء على المفاسد والاستبداد وتطبيق مبدأ المساواة بين مختلف أعراق السلطنة حفاظا على تماسكها و استمرارها، خاصة بعد ما رأوا أن احتلال فرنسا لتونس وإنكلترا لمصر يكشف عن التآمر الغربي على البلاد العربية والإسلامية، لكن تعسف بعض القادة العثمانيين في استخدام صلاحياتهم وظهور النزعة الطورانية ووصول أعضاء جمعية الاتحاد والترقي إلى الحكم، حال دون تحقيق ما كان يدعو إليه المتمسكون بوحدة الامبراطورية والرابطة العثمانية، ومما زاد الطين بلة، انحياز الدولة العثمانية إلى المعسكر الألماني، وما قام به جمال باشا من مذابح في سورية ولبنان، كل ذلك جعل النخبة العربية من المتطلعين إلى الحرية توازن بين الحكم التركي واستمرار طغيانه، وبين إمكانية الاتفاق مع حليف أجنبي يضمن لهم الحرية والاستقلال إذا ما انحازت إلى صفه، فرأت الغالبية منهم أن مصلحتهم في الخيار الثاني.  وهكذا بدأ الإعداد للثورة العربية الكبرى، منذ أن أخذت الجمعيات العربية السرية وبعض الشخصيات العربية البارزة بالاتصال مع الشريف حسين بن علي أمير مكة.  تطالبه بإنشاء دولة عربية مستقلة عن الدولة العثمانية، تضم الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق، وفق هذه القاعدة جرت الاتصالات مابين الحسين وبريطانيا التي اتفق من خلالها على وقوف العرب إلى جانب بريطانيا في الحرب مقابل اعتراف بريطانيا باستقلال المشرق العربي وبالشريف حسين ملكا عليه. ويظهر من خلال مراسلات الحسين مكماهون أن بريطانيا كانت تتحفظ وتبدي من التأويلات الماكرة ما يجعلها مستقبلا في حل من تعهداتها لتحقق مآربها الاستعمارية.  وحين أعلنت الثورة في الحجاز يوم 10 حزيران 1916م لم يكن يدور في خلد بريطانيا  أن هزيمة الحاميات العثمانية في مدن الحجاز ستكون  بهذه السهولة، فما إن أعلن الشريف حسين ثورته حتى انضم إليها العديد من الضباط العرب العاملين في الجيش العثماني، وتوالى تحقيق الانتصارات بالسيطرة على كامل الحجاز والأردن وفلسطين ودخول فيصل بن الحسين إلى دمشق في تشرين الأول 1918م ،وهذا يؤكد أن عودة العرب للمشاركة في صنع الحضارة من الأمور الممكنة إذا تهيأت لهم الظروف والإمكانيات، غير أن العرب وقبل أن يشتد ساعدهم فوجئوا بالمؤامرة الفرنسية البريطانية التي كشف النقاب عنها في مؤتمر الصلح الذي أعقب الحرب مباشرة، وتبين لهم أن المبادئ التي دعا إليها الرئيس الأمريكي ولسون في الحرية وحق تقرير المصير، ماهي إلا أكاذيب وأوهام في استراتيجية الغرب، اعتمدها ولايزال، في التضليل والخداع.  ومهما يكن فقد احتلت القوات الفرنسية سورية ولبنان، واحتلت بريطانيا العراق والأردن وفلسطين بحسب نصوص اتفاقية «سايكس- بيكو» السرية، وأنزل العلم العربي من على دور الحكومة في كافة المدن السورية لتبدأ البلاد مرحلة جديدة من مراحل الصراع مع القوى الاستعمارية التي حطمت ما كان قائما من الوحدة بين العرب حتى في ظل الإدارة العثمانية. 

سورية المعاصرة

    يمكن تقسيم تاريخ سورية المعاصر إلى فترتين، تبدأ الأولى بدخول قوات الاستعمار الفرنسي إلى سورية سنة 1920، إلى حين خروجهم منها سنة 1946م.  وتبدأ الثانية منذ الجلاء حتى الثامن من آذار عام 1963م.

أ- الفترة الأولى: في 7 آذار 1920م توج الأمير فيصل ملكاً على سوريا، وتألفت أول وزارة سورية برئاسة رضا الركابي، بيد أن الجنرال غورو الذي احتل بقواته لبنان أرسل إنذاره إلى فيصل يدعوه فيه إلى تسريح الجيش والاعتراف بالانتداب الفرنسي على سورية.  رفض السوريون هذا الإنذار بإباء، وجرت معركة ميسلون يوم 24/7/1920م، وانتهى الأمر بدخول القوات الفرنسية إلى دمشق، وعلى الفور قامت بعدة إجراءات استهدفت تقطيع أوصال الوطن الواحد ليسهل السيطرة عليه، فأنشأت مايعرف بلبنان الكبير وألحقت به عدة أقضية تابعة لسورية، ودولة العلويين ودولة حلب ودولة الدروز ودولة دمشق، غير أن الأهالي في سورية هبوا عن بكرة أبيهم رافضين هذا التقسيم، واشتعلت الثورات في الشمال كما في الجنوب، ولم يتمكن المفوضون الساميون الذين جاؤوا من بعد غورو ( ويغان - سراي - دوجوفنيل - بونسو) من تهدئة الأوضاع، وتكبد الفرنسيون خسائر كبيرة بالفترة مابين 1920 - 1927م  نتيجة المعارك المحتدمة، الأمر الذي أجبر الفرنسين على إجراء مفاوضات انتهت بإعادة الوحدة للبلاد.                

بدأت فترة النضال السياسي مع بداية عام 1928م،  بتشكيل جمعية تأسيسية وضعت أول دستور للبلاد، من أهم بنوده المطالبة بالاستقلال وخروج القوات الفرنسية منها، ولما رفضت سلطات الاحتلال هذا المطلب قابلها الشعب بالإضراب وإغلاق الأسواق وتعطيل المرافق العامة، تلتها صدامات دامية أجبرت سلطات الاحتلال مرة ثانية على المفاوضات، وتقرر تشكيل وفد وطني برئاسة هاشم الأتاسي، توجه إلى باريس وعاد بالمعاهدة المعروفة باسم «معاهدة 1936م » التي أكدت على سيادة البلاد ووحدتها، مقابل أن تحترم سورية استقلال لبنان وتتنازل عن مشروع وحدته مع سورية.  وفي غضون ذلك برزت مشكلة لواء اسكندرون وبدأت نذر الحرب العالمية الثانية تلوح في الأفق مما جعل الفرنسيين يتحفظون على تصديق المعاهدة فاستقالت حكومة جميل مردم، وتبعها استقالة رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي، وتعرضت البلاد من جديد لأزمات وزارية متتالية انتهت بوصول حكومة المديرين برئاسة بهيج الخطيب إلى السلطة، وهي الحكومة التي كانت تأتمر بأوامر الانتداب، ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية وضعت البلاد تحت وطأة الأحكام العسكرية.                              

في حزيران 1940م قامت في فرنسا حكومة فيشي بزعامة الماريشال بيتان الموالية لألمانيا، فأرسلت حكومته الجنرال دانتز مندوبا ساميا إلى سورية، وفي عهده اغتيل الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، وشهدت البلاد حوادث عنف واعتقالات من جانب السلطات الفرنسية. أما على الصعيد الدولي فقد توجست بريطانيا خيفة من أن تقوم ألمانيا بعملية إنزال في سورية ولبنان لمساندة قوات فيشي، فوجهت سنة 1941م بعض وحداتها العسكرية مع فرقة من قوات (فرنسا الحرة) التي كان يرأسها الجنرال دوغول، وتمكنت من طرد قوات فيشي وتعيين الجنرال كاترو مندوباً سامياً في سورية، فأعلن بموجب بيان أصدره فور وصوله استقلال سورية، وتعيين الشيخ تاج الدين الحسيني رئيساً للجمهورية، ولكن مع بقاء البلاد تحت الحكم الفرنسي المباشر.  في كانون الثاني من عام 1943م توفي رئيس الجمهورية، وجرت انتخابات عامة فاز فيها معظم أعضاء الكتلة الوطنية و أعيدت الحياة النيابية إلى البلاد، وانتخب شكري القوتلي رئيساً للجمهورية، وعهد إلى سعد الله الجابري بتشكيل حكومة جديدة استهلت عملها بمطالبة فرنسا باستحقاقات الجلاء.  وفي آذار من عام 1944م عين الجنرال بينيه مندوباً جديداً في سورية، فأخذ منذ مجيئه يماطل في تنفيذ القرارات المتعلقة بالاستقلال،  خاصة وأن الحرب العالمية الثانية قد انتهت وخرجت فرنسا مع حلفائها منتصرة، وأخذ الجنرال بينيه يعيد تنظيم قواته ويطلب المزيد منها، وبدا كما لو أنه سيعيد فرض الهيمنة الفرنسية من جديد، ومع إصرار الرئيس شكري القوتلي على ضرورة أن تفي فرنسا بالتزاماتها الخاصة بالانسحاب، اشترط الجنرال بينيه منح بلاده بعض القواعد الجوية في سورية وإبقاء الجيش تحت القيادة الفرنسية حتى إشعار آخر.  غير أن الأهالي قابلوا هذه المطالب بالاستنكار بعد أن أدركوا أنها تندرج في إطار تراجع السلطات الاستعمارية عما كان قد اتفق عليه، وترافقت هذه المواقف مع بعض الأعمال الاستفزازية، حينما أخذت الدبابات الفرنسية تجوب شوارع المدن السورية وقد امتلأت بالجنود المرتزقة، وهم يطلقون النار بالهواء بحجة الاحتفال بانتصار الحلفاء، فقابلها الشعب بالسخط والمظاهرات وانضم إليها النواب وبعض الفصائل الوطنية معلنين وضع أنفسهم تحت تصرف القيادة للدفاع عن الوطن، وفي يوم 29/5/1945م توجهت القوات الفرنسية إلى مجلس النواب واقتحمت حديقته فتصدت لها حامية المجلس بشجاعة وارتكب الجنود الفرنسيون المجزرة المعروفة التي ذهب ضحيتها ثمانية وعشرون وطنياً، لتشتعل في أعقابها الثورات من جديد في مختلف المحافظات، وهوجمت الثكنات العسكرية في حلب وحماة وأسفرت المواجهات عن مقتل أعداد كبيرة من الفرنسيين وإسقاط عدد من طائراتهم، واستولى الثوار على مجموعة من المجنزرات والآليات، وفي الوقت نفسه تقدمت سورية بطلب إلى مجلس الأمن تطالب فيه بجلاء القوات الفرنسية عن أراضيها، فأصدر المجلس قراره بذلك وتم إجلاء آخر جندي فرنسي عن سورية يوم 15/4/1946م.  بعد احتلال دام أكثر من ربع قرن. 

ب- الفترة الثانية: عند عشية الاستقلال كان شكري القوتلي رئيساً للجمهورية، و سعد الله الجابري رئيساً للحكومة، وأغلب الوزراء من أعضاء الكتلة الوطنية، وبسبب عدم خبرة القيادة فإنها كانت غير قادرة على تصريف الأمور على النحو الذي يلبي طموحات الجماهير، الأمر الذي عرقل مسيرة العمل السياسي، وبدأت تتكون بعض الأحزاب والتكتلات السياسية, كحزب الشعب، والحزب الوطني, والحزب القومي العربي, وحزب البعث، التي انبثق بعضها عن الكتلة الوطنية وكلها كانت تدعو إلى الانتقال بالبلاد نحو الأفضل ورفض الواقع المتخلف الذي تعاني منه.  ومنذ اللحظة الأولى التي بدأ فيها الحكم الوطني مسيرته، أخذت البلاد تتعرض لأزمات داخلية بسبب سوء التعاطي مع الشأن السياسي، وأخرى خارجية ناجمة عن طرح مشروعي سوريا الكبرى والهلال الخصيب، حيث بدأ عهد الانقلابات العسكرية يلقي بظلاله على البلاد مما أعاق مسيرتها النهضوية على كافة المستويات، ففي نيسان 1948م أعيد انتخاب القوتلي لرئاسة الجمهورية فترة ثانية، وتم تكليف جميل مردم بتشكيل الحكومة.  ونتيجة لأحداث نكبة 1948م انتشرت المظاهرات والمسيرات الحاشدة في جميع المدن السورية وامتدت حتى نهاية 1948م، ما أدى إلى استقالة جميل مردم وتكليف خالد العظم بتشكيل وزارة جديدة، معلنة تحسين مستوى الاقتصاد واستنقاذ فلسطين، غير أن قيام الهدنة بين سورية و«إسرائيل»، وذهاب وفد سوري إلى جزيرة رودس للتفاوض مع الوفد «الإسرائيلي» عن طريق مبعوث الأمم المتحدة، أجج المشاعر الشعبية فتدخل الجيش لحماية الأمن، وفرضت الأحكام العرفية، وبدا واضحاً تدخل بعض الضباط في الشأن السياسي على خلفية انتقادات بعض أعضاء مجلس النواب للمؤسسة العسكرية، الأمر الذي دفع العميد حسني الزعيم إلى القيام بحركة انقلابية في 29/3/1949م، أودت بالحياة الدستورية في البلاد بعد القبض على رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. 

 خلال حكم الزعيم الذي امتد لغاية 14/8/1949م، اضطهدت بعض الشخصيات الكبيرة، ولم يعبأ الانقلاب بالمبادئ السياسية، وساءت العلاقة بين سورية ودول الجوار، ومتَن الزعيم علاقته بدول الغرب، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة وبريطانيا.  وبعد منتصف ليلة 14/8 وقع الانقلاب الثاني الذي قاده العميد سامي الحناوي، متهما الزعيم بتبديد الثروة الوطنية ومصادرة الحريات، وعلى الفور حكم عليه وعلى رئيس وزرائه محسن البرازي بالإعدام، وتم تشكيل حكومة جديدة برئاسة هاشم الأتاسي الذي كلف بمهام رئيس الدولة، وراح يسعى لإعادة الحياة الدستورية، في غضون ذلك ظهرت ثلاثة تيارات سياسية، تمثّل التيار الأول بجماعة الحزب الوطني، والثاني بحزب الشعب، وتمثل التيار الثالث بدور الجيش الذي أصبح دوره نافذاً بعد أن تبين للكثير من ضباطه أن باستطاعة أي منهم أن يطيح بالدولة ويقرر ما يشاء، وفي 19/12/1949م، قام العقيد أديب الشيشكلي بالانقلاب الثالث بحجة أن الحناوي وبعض الزعماء السياسيين كانوا على صلة بجهات أجنبية، ولكن التنافس على السلطة كان وراء تشكيل الوزارة وإقالتها لأكثر من عشر مرات، وفي كل مرة كانت تستغل الخلافات الحزبية بين المتنفذين من الساسة الكبار، الأمر الذي دعا الشيشكلي إلى القيام بانقلابه الثاني في 29/11/1951م، فاستقال هاشم الأتاسي وعهد إلى الزعيم فوزي سلو برئاسة الجمهورية، وأيد الأهالي حركة الشيشكلي أملاً في تخليص البلاد من الفوضى التي أدت إلى أزمات وزارية متتالية، وفي تموز 1953م أشيع أن الرئيس فوزي سلو أصيب بمرض عضال فتولى أديب الشيشكلي مقاليد الحكم وانتخب رئيساً للجمهورية، وأعلن عن تشكيل حزب جديد عرف باسم «حركة التحرير العربي» ليواجه به أنصار الحزبين الكبيرين (الوطني والشعب) وباقي الأحزاب الأخرى، بيد أن حزب الشيشكلي لم يلق الدعم في الأوساط الشعبية، واقتصرت العضوية فيه على المقربين من أتباعه، ثم إن الشيشكلي أبعد عدداً من المسؤولين وكبار الضباط عن مواقعهم، وزج ببعض خصومه في السجون والمعتقلات. وفي أعقاب اندماج حزبي البعث العربي والاشتراكي العربي في حزب واحد (حزب البعث العربي الاشتراكي) 1953 م، دعا هذا الحزب ومعه الحزب القومي السوري والإخوان المسلمون والحزب الشيوعي في اجتماع عقد في مدينة حمص5/11/1953م إلى تشكيل جبهة معارضة لرفض كل أشكال الديكتاتورية، وكشف المؤتمرون عما قامت به السلطة من خلال رجال الدرك والشرطة من تزوير لنتائج الانتخابات، وبدأت المظاهرات تعم أرجاء البلاد وفرضت الأحكام العرفية ولجأت السلطات إلى قمع المظاهرات الشعبية والطلابية، وامتلأت السجون بالمعتقلين، وحصل في جبل العرب ما يشبه التمرد، وقمع بمنتهى الشدة، وفي شباط 1954م، اتسع نطاق النقمة حينما ثارت مجموعة من الضباط في حامية حلب ودعت الشعب والجيش للوقوف بوجه الحكم الديكتاتوري وانضم إليها مجموعات أخرى من قيادات دير الزور واللاذقية وحمص وحوران، الأمر الذي جعل الشيشكلي يغادر سورية إلى السعودية في 28 شباط 1954م، وعاد هاشم الأتاسي إلى منصبه رئيسا للجمهورية، وتم تكليف صبري العسلي بتشكيل وزارة جديدة. 

الفريق حافظ الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية

(1971-2000م)

في هذه الأثناء ضاعفت الولايات المتحدة الأمريكية من جهودها لضم سورية إلى تحالفها عبر المشاريع الاستعمارية (حلف بغداد)، غير أن البلاد أكدت تمسكها بالثوابت القومية، وبدأت تتسع دائرة حزب البعث بسبب تبنيه مبدأ الوحدة العربية ومناهضة القوى الاستعمارية والتصدي لمشاريعها، وحينما جرت انتخابات أيلول 1954م النيابية، فاز البعثيون بسبعة عشر مقعداً نيابياً، وكان من أهم المقررات التي وافق عليها البرلمان الجديد انضمام سورية إلى دول ميثاق الضمان الاجتماعي المؤلف من مصر والسعودية وسورية، وانتخاب شكري القوتلي رئيساً للجمهورية.  شهدت الساحة السورية خلال مدة رئاسته، التي انتهت بقيام الجمهورية العربية المتحدة في شباط 1958، بعض القضايا الهامة ؛منها إغلاق مكاتب الحزب القومي السوري في أعقاب اغتيال العقيد عدنان المالكي في نيسان 1955م.  والتوقيع على ميثاق للدفاع السوري المصري (20/11/1955).  ووقوفها إلى جانب مصر في أثناء تعرضها للعدوان الثلاثي 1956، إضافة إلى مساندتها لأقطار المغرب العربي، وتقديم ما أمكن من المساعدات المتاحة لها إلى أن حصلت على استقلالها.  ونتيجة لهذه المواقف فقد تعرضت إلى ضغوط غربية مكثفة، وأصبحت ساحتها مستهدفة للعديد من المؤامرات لصالح الأهداف البريطانية والأمريكية، وحينما كشف النقاب عنها أو عن بعضها صرح وزير خارجية الولايات المتحدة بعد جولة قام بها إلى تركيا والعراق أن دول الجوار غير مطمئنة، بسبب تدفق الأسلحة من بعض الدول الشرقية إلى سورية، مما دفع تركيا  لحشد أعداد كبيرة من جيشها على الحدود السورية، مع تحركات الأسطول السادس الأمريكي ولقطع الطريق على سياسة الاستهداف هذه عمدت الحكومة إلى تسريع خطى الوحدة مع مصر باعتبارها ضرورة استراتيجية لمواجهة هذه التحديات من جهة، ولإحكام الطوق حول الكيان الصهيوني للحد من أطماعه التوسعية والعدوانية من جهة ثانية، وتم إرساء قواعد الوحدة الفدرالية في كانون أول 1957. وبعد إجراء استفتاء عام وافق الشعبان العربيان في مصر وسورية على الوحدة المقترحة وتم انتخاب الرئيس جمال عبد الناصر أولَ رئيس للجمهورية العربية المتحدة يوم 21/2/1958. وعلى الرغم من قصر مدتها فإن دولة الوحدة أحيت الأمل في النفوس لامتلاك زمام المبادرة، وأيقظت في الأمة إحساسها بالقدرة على استعادة دورها الحضاري والتاريخي، وتعامل معها السوريون على أنها الخطوة الأولى باتجاه الوحدة العربية الكبرى من أجل القضاء على التخلف وواقع التجزئة، ومن أجل التحرر السياسي والاقتصادي، وخلال سنوات الوحدة القليلة، أفشلت القيادة المنتخبة الكثير من المخططات الاستعمارية التي كانت تستهدف كلا من مصر وسورية، وأكدت على الالتزام بالثوابت القومية وتحرير فلسطين والعمل على حماية الاستقلال الوطني والتقدم الاجتماعي والاقتصادي، بيد أن القوى الاستعمارية التي وجدت في الوحدة خطراً يهدد مصالحها لجأت إلى التآمر مع بعض الأنظمة العربية المرتبطة بها ،ومعها عناصر عميلة وأخرى انتهازية، وجدت أن دورها قد تراجع بقيام دولة الوحدة، فقامت جميعها بالتنسيق فيما بينها ضد هذا المشروع النهضوي، مستغلة بعض الأخطاء التي وقعت ،وقادت حركة الانفصال في أشأم يوم من تاريخ العرب المعاصر. 

الدكتور بشار الأسد
رئيس الجمهورية العربية السورية

وانتخب الدكتور ناظم القدسي رئيساً للجمهورية، وكلف مأمون كزبري بتشكيل أول حكومة انفصالية.  وخلال فترة الانفصال كان الحكم الفعلي بيد العسكريين، واللافت في هذه الفترة أنها كانت مترعة بالأحداث، إذ سرعان ما بدأ الخلاف يذر قرنه مابين الضباط الذين قادوا عملية الانفصال ،وتجاوزت الانقسامات صفوف الجيش إلى البرلمان فنشأت خلافات حادة بين الأحزاب التقليدية والمحافظة والكتل العشائرية، وأعلن بصعوبة عن تشكيل حكومة جديدة برئاسة معروف الدواليبي، ألغت قوانين التأميم و أدخلت بعض التعديلات على قانون الإصلاح الزراعي، وأمرت بتسريح عدد من ضباط الجيش بسبب انتماءاتهم القومية، الأمر الذي أدى إلى سخط شعبي عارم، تبعه قيام بعض وحدات الجيش بالتمرد, وأسفرت المصادمات عن سقوط قتلى وجرحى، و كادت البلاد أن تدخل في حرب أهلية.

لم تهدأ الأحوال بإقالة أو إبعاد من كان له دور في عملية الانفصال، فعلى خلفية اعتقال بعض الضباط الوحدويين، خرجت المظاهرات مرة ثانية في مدن الشمال (حلب و اللاذقية) وبنفس الوقت كان الصراع قد بلغ مداه بين المتنافسين على الحكم مما أدى إلى أزمات وزارية متتالية؛ (وزارة الكزبري - الدواليبي - بشيرالعظمة - سعيد الغزي - خالد العظم)، عندها أدركت الأمة خطورة المأزق الذي حشرت فيه البلاد، فسارعت مجموعة من الضباط من ذوي الاتجاه الوحدوي، وقامت بليلة الثامن من آذار 1963م بالسيطرة على مقاليد الحكم، وأُعلن عن تشكيل مجلس وطني لقيادة الثورة ضم جميع العناصر الوحدوية، ترأسه الفريق لؤي الأتاسي على أمل إعادة الوحدة، ولكن هذه المرة ما بين مصر وسورية والعراق، غير أن الجدل الذي أسفرت عنه محادثات نيسان عمقت الخلاف مابين الرؤى البعثية والناصرية حول مسألة الوحدة، وآلت الأمور إلى تولي حزب البعث العربي الاشتراكي مقاليد السلطة وإعادة تشكيل مجلس وطني جديد تولى رئاسته الفريق أمين الحافظ.

وشهدت ستينات القرن العشرين صراعاً حاداً في صفوف الحزب، وظلت الخلافات تتفاقم حتى قام الرئيس الخالد حافظ الأسد[ر]، وزير الدفاع آنذاك، بوضع حد لها حين قاد الحركة التصحيحية[ر] في 16تشرين الثاني عام 1970. وفي 21 تشرين الثاني صار رئيساً للوزراء، ثم انتخب رئيساً للجمهورية في 12 آذار عام 1971، واستطاع في سنوات قيادته التغلب على الأوضاع الصعبة التي كانت تعانيها البلاد، والنهوض بها في المجالات كافة.

 

بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد في 10/6/2000م، تم اختيار الدكتور بشار حافظ الأسد لمنصب رئيس الجمهورية بتوصية من القيادة القطرية لحزب البعث، وأُقت تلك التوصية من قبل مجلس الشعب في جلسته التي عقدت بتاريخ 10/7/2000، ثم جرى بعدها استفتاء شعبي عام تم فيه انتخابه رئيساً للجمهورية يوم 17/7/2000م. وهو يقود البلاد اليوم بحنكة ودراية سواء في سياسته الخارجية أو في مجالي التطوير والتحديث.

 

مصطفى الخطيب 

 

 

مراجع للاستزادة:

- أحمد طربين،  تاريخ المشرق العربي الحديث والمعاصر (مطبعة طربين، دمشق 1982م).

- خالد العظم، مذكرات خالد العظم  (الدار المتحدة للنشر، بيروت 1973م)

- ذوقان قرقوط ، المشرق العربي في مواجهة الاستعمار  (الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1977م)

- عبد الكريم رافق، العرب والعثمانيون (مكتبة أطلس، دمشق  1974م)

 


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : سياحة
المجلد: المجلد الحادي عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1124
الكل : 40978928
اليوم : 69311

خلاف (عبد الوهاب-)

خلاف (عبد الوهاب -) (1888-1955م)   أبرز وأشهر علماء مصر، ومن المجددين المعاصرين على منهج الإمام الشيخ محمد عبده ومدرسته الفلسفية، ولد بمدينة كفر الزيات إحدى مدن مديرية الغربية. تعلم في بلده في الكتاتيب مبادئ الحساب واللغة والإملاء والخط وتلاوة القرآن، على الطريقة القديمة. ثم التحق بالجامع الأزهر الشريف بالقاهرة، فدرس فيه خمس سنوات، وحضر دروس الشيخ محمد عبده في تفسير القرآن الكريم، ثم تابع دراسته في مدرسة القضاء الشرعي عام 1907م، ونال شهادة العالمية منها عام 1915م، ولتفوقه العلمي عُين مدرساً فيها لمادة أصول الفقه، ثم عُيِّن قاضياً بالمحاكم الشرعية عام 1921م. ونقل مديراً للمساجد، ثم صار مفتشاً قضائياً للمحاكم الشرعية.
المزيد »