logo

logo

logo

logo

logo

العربي والاسلامي (الفن-)

عربي اسلامي (فن)

Islamic art - Arts d'Islam

العربي والإسلامي (الفن ـ)

 

يمتد الوطن العربي من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي جنوبي البحر المتوسط. وعلى هذه الأرض تعاقبت حضارات تجلت بالفنون المصرية والرافدية، أو بالفنون الإغريقية والرومانية، أو بالفنون البيزنطية أو الساسانية، وما زالت آثارها ماثلة.

ثم ظهر الفن الإسلامي، ولاسيما العمارة، في جميع أنحاء العالم الذي دان بالإسلام، وتضمن هذا الفن العمارة والتصوير والرقش والخط والفنون التطبيقية على اختلاف مواد صنعها.

عند دراسة هذا الفن أثرياً وتاريخياً يُلحَظُ توزع الاختصاص بين المؤرخين حسب المناطق القومية، كالمنطقة العربية والمنطقة الفارسية، والمنطقة الهندية المغولية ثم المنطقة التركية. ودرس المؤرخون المنطقة العربية، حسب الأقسام الجغرافية: الشام ـ مصر ـ العراق ـ المغرب ـ الأندلس ـ إلخ. أو حسب العصور التاريخية، عصر الخلفاء الراشدين والعصر الأموي والعصر العباسي والعصر الفاطمي ثم المملوكي والعصور التي تلت.

ومن المؤرخين من اختص بالبحث في الفن العربي الإسلامي على امتداد مساحته الجغرافية والسياسية، وعلى جميع أطيافه الإبداعية، وعلى رأسها العمارة، أو على جميع أقسامه في الدول العربية حالياً. ومن أبرز من درس هذا الفن بوركهارت Burckhardt وزكي محمد حسن وكريزويل Creswell ومارسيه Marçais وكونل Khunel وغرابار Grabar وإيتنهاوسن Ettinghawsen. فضلاً عن الدراسات الشاملة للفنون الإسلامية في البلاد التي انتشر فيها الإسلام.

جمالية الفن العربي الإسلامي

أفرز الفكر الإسلامي مفهوماً جمالياً موحداً تجلى في جميع الفنون التي استوعبتها العمارة الدينية والمدنية، حاملة ملامح عربية متميزة من الملامح الجمالية في المنشآت والفنون الإسلامية الأخرى التي انتشرت خارج المنطقة العربية، ومع أن الفكر الجمالي العربي الإسلامي قد توضح من خلال دراسات المفكرين كأبي حيان التوحيدي؛ فإنه لم يعتمد بوضوح على مصادر فقهية محددة، إلا أن الوظائف الجديدة له حددَّت ملامح منسجمة وحاجات الإنسان، وكانت العمارة وعاء الفنون الجميلة والتطبيقية.

لقد كان المسجد من أهم المنشآت المعمارية، وكان معتمداً على الشكل المعماري الأولي لمسجد الرسولr في المدينة، ثم أضيف إلى المساجد ملحقات ضرورية كالمحراب والمنبر، ثم المئذنة التي أخذت أشكالاً متنوعة، وكانت القباب عنصراً مهماً في تغطية حرم المسجد، وتنوع شكلها أيضاً.

واعتمدت القصور والبيوت على مبدأ «الجُوَّانِيَّة» بمعنى أنها منكفئة على الفناء الذي تتمركز فيه عناصر العمارة والزخرفة العربية، بعيداً عن العالم الخارجي ومؤثراته.

وحافظت المدارس والمشافي والحمامات على طابعها الجمالي المتميز مع تنوع تفرضه الحرية الإبداعية، وهكذا فإن العمارة العربية والإسلامية لم تكن منشآت وظيفية وحسب، بل هي آيات فنية إبداعية، ثم هي منشآت هندسية عضوية تقوم على المقياس الإنساني. وارتباط العمارة عضوياً بأغراضها الثقافية والدينية الموحدة جعلها موحدة الهوية منسجمة والتقاليد والعادات التي رسخها النظام الاجتماعي بعد الإسلام، الذي قام على مبدأ التوحيد ورفض التماثل بين صفة الخالق وصفة العامل المبدع، مما أصبح قاعدة الفكر الجمالي العربي والإسلامي، لذلك حملت الفنون التصويرية والزخرفية طابعاً مستقلاً يقوم على التحريف والزخرفة تحاشياً لفعل الخلق. وكان الرقش العربي والخط الجميل زينة الأعمال التطبيقية والاستعمالية المصنوعة من الخشب والمعدن والخزف والنسيج، تبارى المبدعون في ابتكارها، حتى أصبحت آيات فنية موزعة في جميع متاحف العالم.

العمارة العربية الإسلامية الأولى

مكة المكرمة[ر] مهد الإسلام، كان من أبرز منشآتها الكعبة المشرفة[ر]، وفي المدينة المنورة (يثرب)[ر] كان مسجد الرسولr وبيته من أول المنشآت المعمارية العربية الإسلامية.

كانت الكعبة أول بيت وضع للناس، أصيبت بحريق قبيل الإسلام فأعادت قريش بناءَها وجعلت لها سقفاً فيه دعائم ست، وزوقت سقفها وجدرانها ودعائمها، وأصبح لها باب ودرج وميزاب، وأُعيد الحجر الأسود المقدس إلى مكانه.

ثم جُددت الكعبة في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان وزينها، وفي عهد ابنه الوليد زودها بأساطين رخامية أتى بها من الشام ومصر، وجعل على رؤوسها صفائح من الذهب، وآزر داخل الكعبة بالرخام وزيَّنها بالفسيفساء.

أما مسجد الرسول في المدينة فقد جاء بعد مسجد قباء، حيث أقام الرسولr فيه بعد هجرته من مكة، وبعد شهرين من الهجرة أنشأ الرسولr مسجده على مساحة محددة مؤلفاً من حرم مغطى بسعف وأغصان، محمول على عضادات من جذوع النخيل، وفي الجنوب فناء مكشوف هو الصحن، وفي الركن الجنوبي الشرقي أنشئت حجرات الرسولr، وفي الصحن كانت الروضة حيث كان الرسولr يجتمع بأصحابه.

وفي عهد عمر وعثمان من الخلفاء الراشدين جُدِّد بناء المسجد وجُعلت له أبواب ستة، وفي العصر الأموي قام الوليد بن عبد الملك، وبإشراف والي المدينة عمر بن عبد العزيز، بإعادة بناء المسجد في العام 91هـ/711م. كان المسجد مستطيلاً مؤلفاً من أجنحة مغطاة تحملها أعمدة ذات تيجان مذهبة، وتطل الأجنحة على الصحن، وكان في المسجد أربع مآذن وأبواب عدة، وكان أحد الجدران مزخرفاً بأشرطة مرسومة مؤلفة من أشكال هندسية ورصائع دائرية.

وفي الجهة الجنوبية الشرقية أقيم قبر الرسولr في غرفة خاصة، ومنذ العصر العثماني حتى اليوم توالت التوسعات في مسجد الرسول في المدينة، وفي الحرم الشريف في مكة المكرمة.

وبعد مسجد الرسول أنشئت مساجد أخرى هي الأولى في العصر الإسلامي، ففي عام 14هـ/635م أنشئ مسجد البصرة، وفي العام التالي أنشئ مسجد الكوفة وزالت معالمه. أما مسجد الفسطاط في مصر فقد أنشئ في العام 21هـ/642م بأمر من عمرو بن العاص، وتطور هذا المسجد ولم يعد يحفظ معالمه الأولى اليوم.

الفن في العصر الأموي

حينما تولى عبد الملك بن مروان الخلافة في دمشق؛ أمر بإنشاء آبدتين كبيرتين في القدس هما قبة الصخرة[ر] والمسجد الأقصى[ر] الذي أكمله ابنه الوليد. وكان عبد الملك شديد الاهتمام بالعمران إذ أمر بتعبيد الطرق بين الشام والقدس.

ويمتاز بناء قبة الصخرة في أنه أقدم بناء إسلامي مازال قائماً محتفظاً بملامحه الأصلية، وأنه الفريد في مخططه الثماني الأضلاع الذي تعلوه قبة أنشئت على الصخرة المقدسة، وهذا البناء يضاهي الأبنية التي كانت قائمة قبل الإسلام في القدس، بكسوته الخارجية التي كانت من الفسيفساء الذي استُبْدِلَ به في العصر العثماني ألواح الخزف الملون، وبكسوته الداخلية الفسيفسائية الرائعة التي تعبر عن بداية الفن التشكيلي التجريدي، وبداية الخط العربي الموزون.

ويعد المسجد الأقصى من منجزات الوليد بن عبد الملك، وهو مسجد مرتبط بالإسراء، وأقيم في المكان الذي صلى فيه عمر بن الخطابt عند قدومه إلى القدس بعد فتحها، وتهدم هذا المسجد في القرن الثامن كلياً من جراء هزة أرضية، وأعاد إنشاءه عيسى ابن الملك العادل الأيوبي في العام 635هـ/1236م، وتعرض المسجد إلى تخريب أيام الاحتلال الصليبي، رممها المماليك بعد التحرير.

لعل أكمل آبدة إسلامية هي بناء المسجد الكبير في دمشق[ر]، الذي أنشأه الوليد بن عبد الملك في العام 96هـ/715م على أنقاض معبد جوبيتير الروماني، وكان المسيحيون قد شغلوا هيكل المعبد، فاتفق الوليد معهم على إخلائه وإعادة إنشائه على الوجه الذي مازال عليه على الرغم من النكبات المتتالية من زلازل وحرائق.

ويمتاز هذا المسجد بقبته الشامخة ومآذنه ومحاريبه. واحد منها هو أقدم محراب في الإسلام صلى وراءه الصحابة بعد الفتح، ويمتاز أيضاً بزخارفه الفسيفسائية التي تمثل مشاهد فردوسية وزخارف نباتية مازال بعضها قائماً حتى اليوم، إلى جانب جدرانه المغطاة بالرخام المجزع وأعمدته الحاملة للسقف الجملوني بوساطة أساطين مضاعفة وفي الصحن تنهض قبة الخزنة العباسية المكسوة بالفسيفساء.

تحدث المؤرخون والرحالة كابن جبير عن روائع الجامع الأموي بدمشق، ودرس المستشرقون من أمثال مارغريت فان برشيم الزخارف الفسيفسائية فيه، التي قام بها عمال محليون كانوا قد أنجزوا فسيفساء قبة الصخرة والمسجد الأقصى.

مسجد حلب الكبير

ولعل مسجد حلب الكبير[ر] كان من إنجاز الوليد ثم قام أخوه سليمان باستكماله بعد موت الوليد عام 715م، علماً أن ملامح العمارة الأموية في هذا المسجد زالت بسبب الكوارث. وتعود عمارته الحالية إلى عهد سيف الدولة الحمداني، ثم إلى عهد نور الدين بن زنكي، ثم المماليك، وأبرز معالم هذا الجامع مئذنته التي تعود إلى عام 483هـ/1090م، ومنبره الذي أنجز في العصر المملوكي بأمر الملك الناصر محمد.

وفي تونس أمر هشام بن عبد الملك بإكمال مدينة القيروان عام 105هـ/722م، ووسع المسجد الكبير، مسجد سيدي عقبة بن نافع الذي فتح إفريقية (تونس) عام خمسين للهجرة، عُدّل هذا المسجد أيام زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب في العام 222هـ/836م، ومن جاء بعده، ومازال المحراب الذي أنشئ في عهد عقبة بن نافع قائماً حتى اليوم خلف المحراب الجديد. ويتميز هذا الجامع بمئذنته الضخمة التي تقع في منتصف الجدار الشمالي الغربي للصحن، وهي مئذنة مربعة يبلغ طول ضلعها الأسفل 10.60م وارتفاع بدنها مع الرقبة 25م، وترتفع القبة القنديلية في الأعلى سبعة أمتار وأُضيفت لاحقاً، وأُنشئت المئذنة منذ عهد هشام بإشراف بشر بن صفوان.

وتبدو الزخارف المبسطة واضحة في المحراب وعلى المداخل، وتعد زخارف المحراب أساساً لفن الزخرفة في المغرب والأندلس، وثمة تحفة أصيلة في الجامع هي المنبر الذي أُضيف في عهد بني الأغلب عام 249هـ/863م.

وفي عهد الأدارسة أنشئت مدينة فاس في عام 193هـ/808م، وفيها جامع القرويين، وهو من أقدم المساجد التعليمية، وفي عصر الأغالبة أنشئ في سوسة الرباط وجامع سوسة الكبير، وجُدِّد جامع الزيتونة في تونس كما أنشئ جامع صفاقس.

المدرسة المستنصرية في بغداد

بعد أن هاجر عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس في العام 140هـ/756م نقل معه الطراز الأموي في بلاد الشام، فأنشأ الجامع الكبير في قرطبة في عام 169هـ/785م على غرار المسجد الأقصى وجامع دمشق، ثم قام عبد الرحمن الثاني بتوسعة المسجد في عام 235هـ/848م، وتلاه مسجد الحكم المستنصر في عام 351هـ/961م، ثم مسجد الحاجب المنصور في عام 378هـ/987م، فأصبح المسجد الكبير رباعي الأقسام. ويبقى قسم الحَكَم أكثر روعة بقبابه وزخارفه وأقواسه. وفيه يغطي الفسيفساء سقف القبة وإطار المحراب الضخم.

وفي عهد الخليفة عبد الرحمن الثالث أنشئت مدينة الزهراء عام 317هـ/929م، وهي مدينة متكاملة مخصصة للخليفة.

إلى جانب العمارة الدينية الأموية؛ ظهرت بوضوح عمارة القصور في بلاد الشام، وكان قصر الخضراء في دمشق أول قصر أقامه معاوية في دمشق جنوبي المسجد الكبير، ثم كان عهد الوليد عهد بناء، إذ أنشأ قصير عمره وحمامه في الأردن مزداناً بأجمل الصور الملونة، وأنشأ مدينة عنجر والقصر في لبنان.

ولهشام بن عبد الملك مآثر معمارية، إذ أنشأ حمام الصرح في الأردن، وقصري الحير الغربي والحير الشرقي، وقصري الرصافة في بادية الشام، وأنشأ قصر المفجر في أريحا الذي يمتاز بزخارفه الفسيفسائية والتصويرية ومنحوتاته الملونة.

وفي عهد الوليد الثاني بن يزيد عام 125هـ/744م أنشئ قصر المشتى في بادية الأردن، ونُقلت واجهته إلى متحف برلين.

الفن العربي في العصر العباسي

زخارف خارجية من العصر العباسي (بغداد)

منذ منتصف القرن الثامن تداعت الخلافة الأموية، وظهرت الخلافة العباسية، وكانت العمارة العباسية متأثرة بالعمارة الفارسية، وكان المنصور ثاني الخلفاء العباسيين قد أنشأ مدينة بغداد، ثم أنشئت حاضرة سامراء لتكون مركزاً لسبعة خلفاء عباسيين بين عامي 838 و889م، وفي هذه المدينة أنشأ المتوكل المسجد الكبير، ثم أُنشىء جامع أبي دلف وكلاهما مزود بمئذنة ملوية حلزونية، ومازالت آثار هذين المسجدين والمئذنتين واضحة، في حين أُزيلت معالم القصور كالجوسق الخاقاني الذي أنشأه المعتصم، وقصر بلكوارا للخليفة المتوكل، وقصر العاشق الذي يعود إلى عهد الخليفة المعتمد وهو يشبه القلعة.

ومازالت بقايا الزخارف المعمارية في سامراء، وهي نقوش جصية بارزة تزين أطراف الأبواب والأفاريز، درسها العالم هيرزفيلد. وفي سامراء عُثر على كثير من اللقى النحاسية والبرونزية والزجاجية والخزفية التي تنفرد بخصائص متميزة، وانتقل أسلوب سامراء في العمارة إلى بالرمو عاصمة صقلية أيام روجر الأول النورماني Roger 1.

وإلى جانب قصور سامراء لابد من ذكر قصر الأخيضر الذي يقع جنوبي بغداد ويعود إلى عام 162هـ/778م وهو شبيه بقصر المشتى الأموي.

ولم يبق من مدينة بغداد إلا باب المظفرية، والمدرسة المستنصرية 631هـ/1223م والقصر العباسي 622هـ/1225م والمدرسة المرجانية والخان، وفي الموصل ما زالت مئذنة الحدباء 568هـ/1170م مائلة وكانت مهددة بالسقوط.

الفن في مصر وسورية

في القرن العاشر الميلادي حكم البلاد العربية خلفاء ثلاثة، العباسيون في بغداد والأمويون في الأندلس، والفاطميون في مصر.

لم تكن القاهرة قد أنشئت عندما أقيم في الفسطاط مسجد عمرو بن العاص في عام 23هـ/643م، ووصل إلى أبعاده الحالية في عام 213هـ/827م. ثم أنشئ مسجد ابن طولون في عام 266هـ/879م الذي استوحي مباشرة من العمارة العباسية ولاسيما مئذنته اللولبية.

جزء من واجهة الجامع الأقمر

وعندما انتقل الفاطميون إلى مصر قادمين من المهدية في تونس أنشأ المعز لدين الله مدينة القاهرة قرب الفسطاط، وفيها أنشأ الجامع الأزهر الكبير في عام 362هـ/972م الذي تعرض إلى إصلاحات وتوسعات، وكان هذا المسجد مستوحى من العمارة التونسية الفاطمية.

أما مسجد الحاكم الذي انتهى في عام 394هـ/1003م فقد استفاد من عمارة ابن طولون، وكذلك شأن الجامع الأقمر الذي أنشئ في عام 519هـ/1125م، وكان مسجد الصالح طلائع آخر المنشآت الفاطمية الدينية، ولابد من التذكير بجامع الجيوش الذي أنشئ ظاهر القاهرة في عام 447هـ/1085م.

ومن العهد الفاطمي مازالت مدافن ذات قباب مزخرفة ماثلة حتى اليوم، وتنفتح في القاهرة أبواب فاطمية ثلاثة ضخمة، هي باب النصر وباب الفتوح وباب زويلة.

ويسجل العصر الفاطمي ظهور نماذج من الزخرفة ذات الأهمية البالغة بروعتها وبانتخاب العناصر التي تزيِّن واجهات المباني بالرقش العربي والخطوط الفنية، ولاسيما الخط الكوفي المزهر.

 

ضريح قيتباي في القاهرة نموذج لفن العمارة المملوكية

وازدهرت في العصر الفاطمي صناعات الخشب والعاجيات والخزف والزجاج، وكانت تصنع غالباً في دمشق التي خضعت إلى الحكم الفاطمي قرناً، وفي مجال المنسوجات كانت مشاغل الطراز في الدلتا تمد السلاطين والخواصّ بروائع المنسوجات التي انتشرت في العالم من حيث إنها هدايا ثمينة.

في العام 567هـ/1171م أنهى السلطان صلاح الدين الأيوبي[ر] خلافة الفاطميين في مصر، وابتدأت العمارة الأيوبية متمثلة في بناء القلاع والقباب للمدافن، وكانت قلعة القاهرة من أهم إنجازات صلاح الدين، إلى جانب قلعة دمشق وقلعة بصرى التي أنشأهما الملك العادل، وأنشأ المدرسة العادلية بدمشق، وقلعة حلب التي أنشأها الملك الظاهر غازي ابن السلطان صلاح الدين، وأنشأت زوجته ضيفة خاتون مدرسة الفردوس الشهيرة في حلب.

وأعقب العصر الأيوبي ظهور المماليك الأشداء الذين صدّوا التتار في موقعة عين جالوت[ر]، وأنهوا الوجود الصليبي، وأقدم مسجد مملوكي في القاهرة هو مسجد الظاهر بيبرس في عام 665هـ/1266م الذي استوحي من مسجد الحاكم، وآخر مسجد هو مسجد السلطان مؤيد شيخ في عام 824هـ/1420م. ولابد من التذكير بمسجد السلطان قلاوون 684هـ/1285م ومدرسة السلطان حسن التي انتهت في عام 757هـ/1356م والتي تعد أجمل عمارة مملوكية، وتعددت المباني المملوكية والمدافن الخاصة، لتبدو في منطقة القرافة في القاهرة مجمعاً من التراث المعماري المتميّز.

وفي دمشق ترك المماليك من آثارهم مساجد الإقصاب والتيروزي وتنكز ومآذن جامع هشام وجامع القلعة، والمدرسة الظاهرية التي دفن فيها الملك الظاهر بيبرس والمدرسة السيبانية والمدرسة الصابونية وحمام التيروزي وحمام الزين.

الفن في المغرب العربي والأندلس

في المغرب العربي ظهرت عمارة مستوحاة من العمارة الشامية، وبدت في جامع القيروان في تونس، وتدين الجزائر للمرابطين ببناء ثلاثة مساجد، مسجد المدينة الكبير الذي أنشئ في عام 490هـ/1096م ومسجد ندروما، ومسجد تلمسان.

أما جامع القرويين في فاس فإنه شديد الاختلاف إذ أعطاه المرابطون[ر] لاحقا طابعاً خاصاً في أجنحته الموازية للقبلة في الحرم منذ عام 527هـ/1133م، وإلى جانبه أنشئت قبة البديعيين التي كانت مقصورة للوضوء.

مدافن الأمراء السعديين في مراكش

صحن الأسود في قصر الحمراء

ومن المنشآت الخالدة التي أقامها الموحدون[ر] مسجد الكتبية في مراكش عاصمة عبد المؤمن، وفي عهد يعقوب المنصور أنشئ المسجد الكبير في إشبيليا ومازالت مئذنته (الجيرالدا)[ر] ماثلة حتى اليوم، ومسجد حسان في فاس الذي لم يكتمل فيما عدا مئذنته.

انقسمت دولة الموحدين إلى أربع سلطات؛ سلطة بني نصر الذين أنشأوا قصور الحمراء في غرناطة[ر]، وسلطة الحفصيين في تونس، وسلطة بني عبد الواد في تلمسان، وسلطة بني مرين في فاس والمنصورة التي أنشؤوها وأقاموا فيها المسجد الكبير في عام 738هـ/1336م، ومن أكمل منشآتهم مدرسة الصهريج ومدرسة العطارين ومدرسة بوعنانية وهي من أجمل المباني المغربية. وفي مدينة مراكش أنشأ السعديون مدرسة ابن يوسف، وقبور السعديين وقصر البديع، ومن أشهر القصور الأندلسية، قصر الحمراء في غرناطة، وهي حصن ومقر ملكي متوج بجدرانه الحمراء الذي أنشأه حكام بني نصر، ويحيط الأبنية سور ذو أبراج تتصل بصالات، ومن أبرز معالم القصر صحن الأُسود، وقاعة الملوك وقاعات أخرى، وللمقرنصات أثر مهم في الزخارف الداخلية ضمن القاعات وتحت الأقواس، ومن أبهى حدائق القصر جنة العريف[ر]، واستمر الطراز الأندلسي العربي بعد النزوح من خلال منشآت تحمل الأسلوب المدجن كما في قصر إشبيليا 1364م.

الفن في اليمن

مسجد العباس في اليمن

من أهم المباني الدينية في صنعاء الجامع الكبير[ر] الذي أنشئ بأمر الرسولr في العام السادس للهجرة ليس بعيداً عن آثار قصر غمدان، واستُعملت أعمدة القصر في بناء الجامع، ثم توسع المسجد في العصر الأموي، فالعصر العباسي، ويعود وضعه الحالي إلى عهد محمد بن يعفر 279هـ/892م. ومن المنشآت القديمة في صنعاء مسجد الصحابي مسَيْك المرادي ومسجد العباس الذي تم ترميمه، وقبة البكيرية ومسجد الأبهر الأيوبي، وتمتاز صنعاء بعماراتها العالية ذات الزخارف المعمارية الهندسية، وبالزخارف الزجاجية (الشمسيات). ومن أشهر المساجد اليمنية مسجد الأشرفية في «تعزّ» وله مئذنتان، ومسجد شبام كوكبان ومسجد زَبيد، ومسجد جبلة للسيدة بنت أحمد وله مئذنتان، وفي حضرموت تذكر مساجد سيئون ومساجد تريم التي جدد أكثرها.

الفن والعمارة في ليبيا

من أقدم المساجد في طرابلس مسجد الناقة الذي أنشئ أولاً في عهد عمرو بن العاص ثم توسع في عهد الفاطميين، وفي هذا المسجد أعيد استعمال أعمدة قديمة في أروقة صحن المسجد. ويمتاز بمئذنته المربعة التي تعود إلى القرن 17 والخالية من بيت المؤذن، ومن أضخم مساجد طرابلس مسجد دارغوت الذي يعود إلى القرن السادس عشر، ومسجد محمد باشا الذي أنشئ في عام 1079هـ/1698م والذي يتمتع بزخارف خشبية وحجرية كانت شائعة في أبنية ذلك الزمن، ولاسيما المساكن الخاصة.

وتبدو في المدينة ضمن الأسوار روعة مآذن مساجد محمد باشا وسيدي سالم والدروج والمدارس، مثل مدرسة عثمان باشا التي أنشئت في عام 1065هـ/1654م وتضم مسجداً صغيراً.

وتعود بعض الحصون إلى ما قبل الإسلام، ثم تطورت فحملت طابع العمارة المحلي، وأكبرها حجماً الحصن الذي يشرف على الساحة الخضراء وتشغله إدارة الآثار الليبية، مع متحف للتقاليد الشعبية، وقد زينت بعض المباني في هذا الحصن بألواح الخزف أيام حكم القره مانليين، ونرى نماذج هذه الألواح كثيفة في جامع القره مانللي الذي أنشئ في عام 1156هـ/ 1738م، ويشابه هذا المسجد جامع القرجي الذي أنشئ في بداية القرن التاسع عشر، ويحفل حرمه وأبوابه بروائع الزخارف النباتية والخطوط الهندسية، وتحمل مئذنته المثمنة الطابع الرمحي الشبيه بالمآذن العثمانية.

ومازالت بعض الأسواق والفنادق قائمة دليلاً على ازدهار الحركة التجارية بين طرابلس والمدن الأخرى في ليبيا وفيما وراء البحر المتوسط.

وثمة أبنية مماثلة للتجار نراها في قاباو وفي نالوت ولكن عمارتها غريبة وبدائية، وفي بعض المدن الليبية الصحراوية، مثل مدينة سلطان والجابية، آثار مساجد تذكِّر بالعمارة التونسية الفاطمية.

الفن في العصور اللاحقة

في العصر الذي تلا عصر المماليك، مازال مسجد محمد علي في قلعة القاهرة آية معمارية، إلى جانب جامع الخسروية في حلب والتكية السليمانية[ر] في دمشق، وهما من تصميم المعمار سنان العثماني[ر]، وفي القرن العشرين كان المعمار ماريو روسي الإيطالي 1895ـ 1961 قد أنشأ في القاهرة مسجد الرفاعي ومسجد عمر مكرم، وفي الإسكندرية أنشأ جامع المرسي أبي العباس ومسجد محطة الرمل ومسجد محمد كريم، وتابع تلامذته علي ثابت وعلي خيرات أسلوبه المعماري.

وفي العصر الحديث لابد من ذكر جامع الحسن في الدار البيضاء، والذي يتميز بمئذنته المربعة بارتفاع 200م وطول الضلع 25م وبزخارفه المغربية الرائعة. كما لابد من ذكر جامع الملك فيصل في إسلام أباد ذي الطابع الحديث.

ومن أهم الأوابد التذكارية أضرحة الجندي المجهول؛ التي نراها في الجزائر على شكل ثلاث سعفات ضخمة هرمية التكوين وتحتها متحف الثورة والاستقلال، وفي عمان عاصمة الأردن صرح على هيئة الكعبة يصعد ضمنها لولبياً إلى أعلى عبر متحف تاريخي، وفي القاهرة صرح على شكل هرم، وفي بغداد صرح على شكل بيضة مشطورة وتحتها متحف واسع. أما في دمشق فإن صرح الشهيد مؤلف من قبة تعبر عن العناية السماوية، وقوس يعبر عن النصر، وتحت الأرض متحف وبانورامات تصويرية لأهم المعارك الظافرة.

فن التصوير والفنون التطبيقية

مازالت العمارة العربية والإسلامية المهاد الأساس للفنون الإبداعية، كالرقش الذي يظهر ملوناً أو على شكل فسيفساء أو على شكل ألواح خزفية أو خشبية أو حجرية، ولكن الأدوات الاستعمالية من أثاث أو أوان ونسيج كانت مهاداً منقولاً يصور عليه الفنانون صيغاً جمالية وكتابات فنية.

ظهر فن الفسيفساء منذ بداية الإسلام على جدران قبة الصخرة والمسجد الأقصى والجامع الأموي بدمشق، وهو تقليد قديم أتقنه الصناع المحليون في بلاد الشام.

وموضوعات هذه الألواح الفسيفسائية صيغ مجردة وزخرفية، وقد تمثِّل أحياناً مشاهد طبيعية ومنشآت افتراضية، كما في جامع دمشق.

لقد ابتدأ الرقش العربي اللّين والهندسي منذ بداية الإسلام، ثم تطور ونما في العصور اللاحقة معبراً عن مفهوم فني وجمالي مرتبط بالصيغ المجردة تعبيراً عن المطلق، وليس عن النسبي.

ولكن فن التصوير لم يقتصر على الرقش المجرد، بل شمل فن التصوير التشبيهي، وأقدم شاهد على التشبيه والتمثيل في هذا التصوير ما يُشاهد على الجدران الداخلية لقبة الصخرة، حيث بدا واضحاً رسم معالم الطبيعة من زهور وأوراق وأشجار، بل من الممكن تمييز نوع الشجر، كأشجار النخيل والزيتون واللوز والعنب والقصب بوصفها رمزاً للفردوس، فالأشجار المتقنة الرسم والتلوين، والأشكال النباتية المتنوعة التي كونتها فصوص الفسيفساء الملونة والمذهبة والأصداف والأحجار الكريمة توحي بالارتقاء والترف الجمالي الذي يبهر المؤمنين، ويجعلهم على قناعة بمجد الحضارة الجديدة وتفوقها على آثار الحضارات الأخرى.

"ضفة بردى" فسيفساء من الجامع الأموي الكبير في دمشق

وما يميز فسيفساء الجامع الأموي الكبير بدمشق رسم المباني والحدائق والمياه الجارية، وقد اعتقد أحد المؤرخين مثل ابن شاكر، أن هذه الرسوم تمثل كل الأقاليم المعروفة، ولكن غرابة الهندسة المعمارية تجعل الرسوم خيالية على الأرجح، ويعتقد ايتنهاوسن أن هذه الموضوعات الفسيفسائية الجميلة تعبير أيضاً عن الفردوس والحياة التي ورد وصفها في القرآن الكريم، والموعودة للمؤمنين الأتقياء.

ويتساءل المؤرخون عن هوية الفنانين الذين صنعوا هذه الروائع وغيرها مما يُشاهد في قصري الحير والمفجر وفي قصير عمره. ليس من شك في أن الفنانين كانوا من أهل البلاد الذين سبق لهم قبل الإسلام أن أنجزوا روائع مماثلة، ولعلهم استنسخوا الموضوعات المجردة، وعزفوا تماماً عن تصوير الأشخاص والكائنات في المساجد واستبقوا ذلك في القصور، وهذا يفسر التأثير الديني الإسلامي في الفن الذي يرفض تقليد المباني الوثنية أو المسيحية الحافلة بالصور الآدمية أو بالأصنام والأوثان.

وإذا كان هدف تصوير القصور إضفاء المسرات والتسلية على المكان، فإن تصوير المخطوطات، كان غالباً لأسباب علمية توضيحية وتوثيقية، يبدو ذلك واضحاً في مخطوط «صور الكواكب» للصوفي 400هـ/1009م ومخطوط «كتاب الأغاني» للأصفهاني الذي يعود إلى عام 616هـ/1219م ومخطوط كتاب «كليلة ودمنة» الذي يعود إلى عام 617هـ/1220م، وكتاب «مادة الطب» الزاخر بصور النباتات، وكتاب في معرفة الحيل الهندسية للجزري نسبة إلى جزيرة بني عمرو في سورية في عام626هـ/ 1229م، ولعل أهم الرسومات التي زينت مقامات الحريري والتي بقي منها عشرة مخطوطات، الصور الخاصة بمخطوط باريس الحافل بتسع وتسعين صورة من رسم يحيى بن محمود الواسطي وتلوينه، والمنسوب إلى واسط في العراق، وتعود إلى عام 634هـ/1237م.

ورقة من مخطوط تبين كيفية قطف النباتات الطبية اللازمة لصنع الترياق

واشْتُهِرَت مدرسة بغداد بروائع الرسوم التي زينت المخطوطات، من أهمها كتاب «رسائل إخوان الصفا» 686هـ/1287م وتتقدم الكتاب صورة تمثل مؤلفي هذا الكتاب.

ومن آثار مصوري المغرب العربي مرقنات مخطوط «بياض ورياض» وموضوعه قصة حب عذري طافح بالألم والحرمان، ويؤكد مرجعية هذه المرقنات إلى الخط المغربي الذي في المخطوط وعلى بعض الصور المرقنة.

وتعود مرقنات كتاب «الحيوان» للجاحظ إلى مصور سوري مجهول.

تبقى السمة الأساسية في فن التصوير العربي هي البساطة والتحوير والابتعاد عن قواعد المنظور الخطي وقواعد التشريح والتظليل، وقد حاول المصور العربي إسقاط الأفكار الأدبية بأمانة على المرقنات الإيضاحية بألوان رائعة وبرؤية روحانية وبإخراج فني زخرفي. وكانت جمالية هذا الفن مشتركة في جميع الآثار التصويرية العربية، تختلف عن المنمنمات الفارسية، أو عن المرقنات القوطية والبيزنطية.

زخارف من قصر الحمراء في غرناطة

على أن الزخارف الملونة كانت هاجس النقاشين المفضل، ولقد أبدع هؤلاء في تزيين جدران قصر الحمراء، وفي النقوش المهيمنة على واجهات المباني كما في سامراء، وفي تزيين المصاحف الشريفة خاصة، وقد تبارى الخطاطون المهرة والمزينون المبدعون بتلوين هذه المصاحف وتذهيبها، وفي المتاحف العالمية، ولاسيما في المتحف البريطاني روائع هذه المصاحف المزخرفة.

وبرع الخزافون بزخرفة الأواني، ولكن الألواح الخزفية التي تسمى القاشاني، والتي تشاهد حتى اليوم في قبة الصخرة وفي مساجد دمشق كالسليمانية والدرويشية هي صناعة محلية صرفة.

وكذلك الألواح المغربية والتونسية والجزائرية التي حافظت دوماً على طابعها وطريقة صنعها وعلى رسومها المتميزة. ومازال إنتاجها ناشطاً حتى اليوم. وفي سورية كانت الرقة والرصافة موئلاً لإنتاج الخزف، وكذلك منطقة الفسطاط في مصر ومدينة سامراء، وفي العصر الفاطمي ظهر الخزف ذو البريق المعدني.

شدّت الفنون التطبيقية العربية الإسلامية اهتمام الباحثين، وظهر مختصون بدراسة الخزف أو بدراسة المعدن أو بدراسة النسيج إلخ… مما دعم المصادر التي تناولت بدراستها القطع التي في أبرز متاحف العالم، في باريس ولندن ونيويورك وبرلين، ويحتفظ المتحف الإسلامي في القاهرة بروائع الفنون التطبيقية التي تعود إلى العصر الفاطمي والعصر المملوكي.

ومن أقدم القطع الفنية إبريق برونزي يعود إلى العصر الأموي عثر عليه في الفيوم بمصر يبلغ ارتفاعه 41سم. وكانت صناعة الأسلحة والدروع معروفة، ولاسيما صناعة السيف الدمشقي المجوهر.

ومن أبرز تقاليد الفنون التطبيقية تجليد المصاحف والكتب وزخرفتها بطريقة ضغط الرواسم المعدنية على الجلد.

ومن أشهر أشكال الصناعات الزجاجية قناديل المساجد «المشاكي» التي تعود غالباً إلى العصر المملوكي، وفي متحف الميتروبوليتان ومتحف القاهرة مجموعة نادرة من هذه المشاكي الزجاجية الملونة والمرسومة بالزخارف والخطوط.

وامتازت دمشق بصناعة السجاد في العصر المملوكي، وفي متحف ڤيينا مجموعة نادرة من السجاد الدمشقي الذي زود مصر، ولعله أنتج فيها كما أنتج على مثالها في المغرب، وهي تختلف بزخارفها وألوانها وطريقة صناعتها عن السجاد الإيراني والسجاد التركي.

ومن روائع الصناعات الفنية الخشبية منبر القيروان، ومنبر صلاح الدين في المسجد الأقصى الذي أحرقه الصهاينة، ومنبر قايتباي في القاهرة المحفوظ في متحف فيكتوريا وألبرت في لندن.

وازدهرت الأندلس بالصناعات الفنية العاجية، وكانت ثمة مشاغل مختصة في قرطبة لإنتاج هذه الصناعة الفنية. وتمتاز العمارة الأندلسية بالأقواس المفصصة وبتيجان الأعمدة المزخرفة، وبالسقوف ذات المشبكات الهندسية والنباتية، وعثر في مدينة الزهراء في قرطبة على رسوم إنسانية وحيوانية وبقايا زخارف رائعة.

الفن الإسلامي في إيران وفي القارة الهندية

انتشر الفن الإسلامي شرقاً مع انتشار الإسلام حتى وصل إلى حدود الصين، وما زالت آثار الفن الإسلامي متمثلة في المساجد الإيرانية الأولى في دمغان ونايين وفي أصفهان حيث مسجد الجمعة الشهير، وكانت مادة هذه المساجد الآجر المزخرف والملون. ومن أولى المدافن  مدفن مؤسس الدولة السامانية إسماعيل في بخارى، ومدفن يزد، وفي هذه العمارة نرى سعياً للاعتماد على القباب وعلى المآذن الدائرية التي تختلف عن مآذن سورية والمغرب المربعة.

وفي بداية القرن الثالث عشر ظهر المغول بعد غزوة جنكيز خان (1167ـ 1227) وغزوة هولاكو 1258 لبغداد ثم غزوة تيمورلنك في نهاية القرن الرابع عشر، ولقد أدت هذه الغزوات إلى دمار كامل للآثار، ولكن ثمة تراث معماري وفني جديد تُشاهد آثاره في مدفن أولجايتو 1309م، ثم في مدفن غورأمير في سمرقند 1405م، وفيه رفات تيمورلنك. ومن المساجد مسجد فارامين 1322م ومسجد جوهر شاد 1418م والمسجد الكبير في يزد 1442م، والمسجد الأزرق في تبريز 1468م ومازالت كسوته الخزفية الرائعة ماثلة على الرغم من تهدمه.

وتبدو الزخارف المعمارية الخزفية في بدايتها مماثلة للخزف العباسي، وكانت الأواني الخزفية والجصية مصنوعة بطريقة «غبري». وتميزت البرونزيات بأشكالها الحيوانية، وتميزت أيضاً الزجاجيات بالنقوش المغولية.

تطورت الكسوة الخزفية في العصر السلجوقي، ثم في العصر التيموري على شكل رقش ملون إلى جانب الكتابة الهندسية والليّنة، واستمر الخزف مادة الكسوة المعمارية، ويُصنع في مدن الري وصاوة وقاشان، وظهرت من مبتكرات الخزف تقنية البريق المعدني[ر]. وإلى جانب الزخارف بدت رسوم شخوص إنسانية، مشابهة لرسوم المنمنمات[ر] التي ظهرت في المخطوطات الفارسية، والتي تأثرت بالرسوم الصينية، وكانت مدينة هرات مركزاً لهذا الفن، ويعد المصور بهزاد معجزة التصوير في العصر الصفوي، ومنذ عام 1514 تأسست الأسرة الصفوية في الوقت الذي ظهر فيه العثمانيون مما أوجد طرازين إسلاميين متميزين.

مسجد الجمعة الشهير في أصفهان

أدرك الفن الإسلامي عصره الذهبي في أصفهان بين عامي 1587و 1628م إذ ظهرت القصور والمساجد الفخمة، ومن أبرزها مسجد الشاه 1630م ومدرسة مادرشاه 1706م. ومن المنشآت المدنية الأكالي، وجيهيل سوتون قصر الأربعين عموداً للشاه عباس وغيرها.

وليس من تمييز واضح في شكل الزخارف عن سابقه، لكن ازدهار المنمنمات كان علامة مهمة في تبريز التي انتقل إليها بهزاد، وعمل فيها آقا ميرك وسلطان محمد اللذان اشتغلا في خدمة الأمير طهماسب لإنجاز لوحات مخطوطات الشاعر نظامي وغيرها، ثم اقترب التصوير الإيراني من الأسلوب الأوربي.

كلّف سلطان محمد تصميم صور السجاد وألواح القيشاني إلى جانب التصوير، وتأثرت صناعة النسيج والسجاد بأسلوب الزخارف الشائعة، ثم تطورت صناعة الخزف باستعمال طينة البورسلين والألوان الجديدة.

وترسخ في الهند الإسلامية الفن في عهد بابر أحد أعقاب تيمورلنك 1526، ومازالت الآثار الإسلامية التي شيدت في عهده وعهد ابنه همايون وحفيده أكبر ماثلة. ومن عهد أكبر بقي قصره في أغرا، ومنشآته في مدينة فتح بورسكري، وكان التأثير الهندي واضحاً في هذه العمارة إلى جانب الأسلوب الإيراني.

يعود بناء مسجد اللؤلؤة البالغ الجمال إلى عهد الامبراطور شاه جيهان، وفي تاج محل في أغرا مازال مدفن تاج محل[ر] 1630ـ 1647 الذي أقامه شاه جيهان لزوجته، رائعة العمارة الإسلامية الهندية.

مبخرة برونزية من خراسان في إيران

قطعة من القيشاني (إيران)

واستمر التصوير على شكل منمنمات في الهند حسب الأسلوب الإيراني، مع توسع في رسم الطبيعة وتأكيد الواقعية في رسم الوجوه.

وإلى جانب الفن الإسلامي الإيراني، كان الفن الإسلامي في تركيا متأثراً أولاً بالفن البيزنطي، ويتجلى ذلك في المنشآت الأولى في بورصة التي تميزت بالاعتماد على القباب القائمة على الأعمدة وبينها أنصاف قباب. أما في اصطنبول فإن كنيسة آيا صوفيا كانت أنموذجاً مهماً استعاره المعمار خير الدين 1481ـ 1512 في مسجد بايزيد، وكان المعمار الشهير سنان[ر] قد طور تصميم القباب وأبدع فيها، وكان مسجد السليمية في أدرنة ومسجد السليمانة في اصطنبول من روائع أعماله إلى جانب مايقرب من 343 بناء آخر خرجت عن الأصول البيزنطية، فتحقق بذلك أسلوب جديد طبع بطابعه العمارة العثمانية، ومثالها الجامع الأزرق من تصميم المعمار محمد آغا.

عفيف البهنسي

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

إيران (العمارة والفنون) ـ الأيوبيون ـ السلاجقة (الفن والعمارة عند ـ) ـ العثماني (الفن ـ) ـ الفاطميون.

 

 مراجع للإستزادة:

 

ـ عفيف بهنسي، موسوعة التراث المعماري (دار الشرق، دمشق 2004).

ـ عفيف بهنسي، الفن الإسلامي (دار طلاس، دمشق 1986).

- A.BAHNASSI & M. ROGERS, L‘art de l‘islam (Flammarion - Paris 1991).

- K.A.C.CRESWELL, Early Muslim Architecture, 1-2 vol (Oxford 1942).

 

 

 

 

 


التصنيف : العمارة و الفنون التشكيلية والزخرفية
النوع : عمارة وفنون تشكيلية
المجلد: المجلد الثالث عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 111
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1090
الكل : 40534995
اليوم : 64810

الأحسائي (أحمد-)

الأحسائي (أحمد) (1166 - 1241هـ/ 1753 - 1826م)   أحمد بن زين الدين الأحسائي، عالم ديني ورئيس مدرسة «الشيخية» الشيعية في إيران. ينتمي الأحسائي إلى قبيلة عربية استقرت في منطقة الأحساء، وكانت أسرته حتى الجد الخامس من الشيعة الأثني عشرية. ولد الأَحسائي في بلدة المطيرفي بمنطقة الأحساء في وقت انتشر الجهل فيه وعم منطقته، وقد نبغ بين أقرانه والتفت إلى الدرس عازفاً عن حياة اللهو، وكان ميالاً إلى التأمل في الموت وتقلب الأحوال منذ طفولته، وقد نزح عن مسقط رأسه في سن مبكرة إلى بلاد فارس ومكث في يزد ثم في كرمان، ويظهر أنه عاش بعد ذلك متنقلاً ما بين كربلاء والنجف وقزوين.
المزيد »