logo

logo

logo

logo

logo

المرابطون

مرابطون

Murabitun - Murabitun

المرابطون

(448 ـ 541هـ/1056ـ 1147م)

 

المرابطون أتباع دعوة دينية سياسية ظهرت ونمت في منتصف القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي، بين قبائل الملثمين من صنهاجة، وكانت قبيلة لمتونة الصنهاجية عمادها، ومالبثت أن تحوّلت إلى دولة سيطرت على المغرب الأقصى وجزء من المغرب الأوسط إضافة إلى الأندلس.

نزلت القبائل الصنهاجية التي كانت عماد حركة المرابطين في الصحراء وعلى تخومها بين جنوب المغرب الأقصى شمالاً ومنعطف النيجر والسنغال جنوباً والمحيط الأطلسي غرباً، وتتميز هذه القبائل من غيرها باستخدام اللثام الذي يعرف به كل فرد من أفرادها، وهم أجداد الطوارق الذين مازالوا قائمين في العصر الحديث بالصحراء الجزائرية، ولعل أشهر قبائل الملثمين هذه لمتونة سيدة الأدرار في موريتانيا ومسوفة وجدّالة اللتان تسودان المنطقة شمالي نهر النيجر.

انتشر الإسلام بين هذه القبائل عن طريق السرايا العسكرية التي أرسلها حكام المغرب الأوائل إلى هذه المنطقة، وعن طريق التجار المسلمين الذين كانوا يمرون عبر هذه البلاد في طريقهم إلى السودان، وعلى الرغم من ذلك ظلت هذه القبائل ضعيفة الإسلام، متفرقة الكلمة حتى أوائل القرن الخامس الهجري عندما حدثت فيها تلك الانتفاضة الدينية الإصلاحية التي ألفت بين قلوبهم ووحدت صفوفهم على أسس دينية وأخلاقية صحيحة.

يرجع الفضل في تحقيق هذه الوحدة السياسية الدينية إلى زعيم سياسي هو يحيى بن إبراهيم الجدّالي، وإلى زعيم ديني هو الفقيه المالكي عبد الله بن ياسين الجزولي، وكلا الرجلين من أصل صنهاجي، وبداية الحركة ترجع إلى يحيى بن إبراهيم الجدّالي الذي عزّ عليه أن يرى نفسه وقومه في حالة من الجهل والتأخر فترك بلاده وأخذ يطوف بالمراكز الثقافية بالمغرب العربي، لعله يجد فيها من يتولى هداية قومه وإصلاحهم، وفي مدينة القيروان اتصل يحيى بن إبراهيم بأحد أقطاب المالكية وهو الفقيه أبو عمران الفاسي، وعرفه وضع الناس في بلاده وكون إسلامهم يقتصر على الشهادتين مع رغبتهم في التفقه، ولكن انعزالهم يحول دون تحقيق هذه الرغبة، وسأله أن يوفد معه أحد تلامذته للقيام بهذه المهمة، فحمّله أبو عمران رسالة إلى واجاح بن زللو اللمطي أحد تلامذته القدماء وكان قد أصبح فقيهاً مرموقاً في بلاد نفيس بالمغرب الأقصى، وعلى مقربة من الصحراء عثر يحيى بن إبراهيم عند هذا الأخير على ضالته المنشودة متمثلة بشخص عبد الله بن ياسين الذي قبل التصدّي لهذه المهمة وعمره لايزيد على خمسة وعشرين عاماً.

حل عبد الله بن ياسين عند وصوله الصحراء في صفوف قبيلة جدّالة وسرعان ما ارتقى إلى مرتبة رئيس جماعة دينية كان له فيها الرأي والمشورة والإفتاء والإشراف على بيت المال، ولكن هذا الارتقاء السريع أعقبه سقوط مماثل، إذ لم يمض على وصوله أكثر من ثلاث سنوات حتى نشب الخلاف بينه وبين فقهاء جدّالة، فعزلوه عن الرأي والمشورة وقبضوا منه بيت مالهم وطردوه، فقرّر التوجه إلى السودان، فتمسك به الزعيم يحيى بن إبراهيم وعرض عليه البقاء معه ونصرته، والإقامة في رباط منعزل عن الناس ورزقهم الحرام.

هناك خلاف في تحديد مكان هذا الرباط؛ إذ يفهم مما يرد في روض القرطاس لابن أبي زرع وفي أعمال الأعلام لابن الخطيب، أنه بجزيرة بحرية في المحيط، ويفترض دارسون محدثون أن تكون الجزيرة حيث بُني الرباط جزيرة تيدرا الواقعة على بعد 500كم من مصب نهر السنغال أو في أرغوين الواقعة إلى الشمال منها بين خليج لوفرييه Levrier ورأس تيميريس، في حين يتبع دارسون آخرون قول ابن خلدون إن الرباط بني بجزيرة في نهر السنغال أو النيجر.

لم يكن بناء هذا الرباط عملاً فريداً من نوعه أو جديداً في شيء؛ لأن شواطئ المغرب والأندلس كانت تعج بالأربطة منذ زمن  طويل قبل بنائه، واستمرت إقامتها فيما بعد أيضاً، وكلها تتسم بالصفة نفسها فهي حصن ومكان عبادة بآن واحد، ينصرف المقيمون فيها إلى التعبد وتطهير النفس من جهة، والجهاد من جهة ثانية، لكن الجديد والمميز لرباط عبد الله بن ياسين ويحيى بن إبراهيم يكمن فيما تمخض عنه هذا الرباط حيث أضحى نواة لتلك الامبراطورية الواسعة التي ستمتد من حوض النيجر والسنغال في أواسط إفريقية إلى ضفاف التاجه وإبرو في الأندلس وأضحى اسم المرابطين علماً لتلك الدولة الكبيرة.

سلك عبد الله بن ياسين أول الأمر طريق الدعوة السلمية في استجلاب الأتباع إلى رباطه حيث يعلمهم القيام بالعبادات ويفقههم في شؤون دينهم، وعندما أصبح عددهم يكفي للقيام بفريضة الجهاد لجأ إلى الحرب ضد تلك القبائل التي لم يكن لها من الإسلام إلا الاسم حسب اعتقاده، مبتدئاً بجدالة التي أخرجته من بين ظهرانيها فغزاها وأخضعها سنة 434هـ ثم هاجم لمتونة وبعدها مسوفة، وبذلك أخضع قبائل الملثمين الكبرى، مما جعل القبائل الأخرى وكلها أقل عدداً وأضعف قوة تعلن طاعتها له.

كان من مظاهر تنظيم هذه الدولة البسيطة القائمة على أساس الشريعة وجود بيت مال تجمع فيه الصدقات والعشور والأخماس الواردة من غنائم الحرب، وكان عبد الله بن ياسين يجعل أسلاب القتلى فيئاً للمرابطين، أما الغنائم الأخرى فيوزع عليهم منها حصتهم البالغة أربعة أخماس 4/5 كما يخرج من بيت المال هذا مصروفات لشراء السلاح وتجهيز الدعوة بما يلزمها من مال، ويبعث قسماً من واردات بيت المال إلى طلبة العلم والفقهاء في البلدان المجاورة تهيئة لنشر الدعوة خارج الصحراء. ومن مظاهر هذا التنظيم وجود قيادة مزدوجة، يمثل الجانب الروحي فيها عبد الله بن ياسين، والجانب العسكري يحيى بن إبراهيم، الذي حل محله إثر وفاته يحيى بن عمر اللمتوني. لعل أهم ما يميز النظام الجديد بين قبائل صنهاجة الملثمة عن حلفهم القديم في القرن الثالث الهجري وجود عقيدة يُعتمد عليها ويدعى لها وتحتوي على التشريع التنظيمي للحياة الدينية إلى جانب التشريع للأمور الدنيوية.

كان عبد الله بن ياسين المرجع لهم في شؤون العقيدة، وظلت فتاواه مجموعة لدى المرابطين حتى آخر أيام دولتهم، وبما أنه لم يكن أكثر من فقيه مالكي فإنه لم يكن فيما قدمه شيء جديد أو فكر يبلور مذهباً خاصاً للفكر الإسلامي، ولكنه كان يقدم جديداً للملثمين الذين لم يكونوا يفقهون شيئاً من دينهم وبقي سلوكهم مستمداً من عاداتهم البدوية القديمة التي يشيع فيها القتل والسلب؛ لأن حياتهم تكاد تكون حرباً دائمة سواء أكان بين القبائل أم مع السودان أم في الغارات على القوافل. وفي مثل هذا المجتمع يقل الرجال كثيراً بسبب الحروب، ويكثر السبي مما جعل تعدد الزوجات يصل إلى حدود تخالف الشرع، فقد بلغ عدد زوجات بعضهم عشرة، فأمرهم عبد الله بالاقتصار على أربع نسوة، وفي هذا المجال بالذات يبدو تجديد عبد الله بن ياسين في إصراره على التمسك بأوامر الدين ونواهيه.

كان اتجاه توسع قبائل الملثمين الصنهاجية نحو الجنوب، ولم يتغير اتجاهها إلا في زمن الدعوة المرابطية عندما تحولت أنظار هذه القبائل نحو الشمال، وتوسعت باتجاهه حتى وصلت إلى المتوسط وتجاوزته عند مضيق جبل طارق لتصل إلى أواسط إسبانيا، وقد تمّ ذلك بسلسلة من العمليات وبخطوات متلاحقة كل واحدة منها تدفع إلى ما بعدها، وقد تحمل في ثناياها سبباً أو أسباباً عديدة لها.

لعل أول خطواتهم على هذه الطريق كان إتمام ضم بقية القبائل الصنهاجية البدوية التي كانت مواطنها في جنوبي المغرب الأقصى إلى دعوتهم، ووصلهم ذلك بمنطقة الواحات التي تحف بالصحراء من الشمال. وفيها كل ما يطمع إليه البدوي الصحراوي من خصب ومياه. وتلا ذلك الخطوة التالية المتمثلة بالاندفاع نحو الواحات والتي تمت في وقت أصاب فيه الجفاف والقحط المنطقة، ولكن التقدم نحو الشمال لم ينته بانتهاء المجاعة، بل استمر تقدم المرابطين نحو الشمال في المغرب الأقصى، ويبدو أن الدافع هنا يعود إلى احتكاكهم بالزناتيين أعداء صنهاجة التقليديين من جهة، كما أنهم أضحوا يسيطرون على مناطق حضارية عريقة، ويرى لاشابل أن النزاع بين صنهاجة والزناتيين الحاكمين في المغرب الأقصى ناجم عن محاولة المرابطين انتزاع السيطرة على الخط التجاري من الصحراء حتى الأندلس من يد الزناتيين.

كانت سجلماسة أشهر الواحات في شمالي الصحراء، وبوابتها الرئيسة من ناحية المغرب ومايليه، فهاجم المرابطون سجلماسة وخرج إليهم صاحبها الأمير المغراوي الذي قُتل في المعركة التي جرت سنة 447هـ/1055م، بعد هذا الانتصار دخل المرابطون سجلماسة فأزالوا المنكرات وطبقوا فيها مبادئهم، وكان لاحتلالهم نتائج ذات أهمية؛ فالمدينة بوابة تجارة الصحراء، وهذا ما فسح مجالاً للمرابطين للإشراف عليها، كذلك كانت المدينة مركزاً لتأجير الجمال الضرورية لقطع المسافات، لذا غنم المرابطون أعداداً كبيرة منها تبالغ الرواية فتجعلها خمسين ألف جمل تخص أميرها المغراوي، وأسهمت هذه الغنيمة في تزويد المرابطين بإمكانات تجهيز أعداد كبيرة من الجند لقطع الصحراء، وهذا ما يفسر سرعتهم في احتلال بوابة الصحراء الثانية من الطرف الجنوبي وهي أودغست واستخلاصها من السودان، ولأن المغراويين عادوا إلى سجلماسة بعد أقل من سنتين فقد اضطر عبد الله بن ياسين ويحيى بن عمر إلى السير ضدهم، وفي القتال الذي جرى معهم قتل الزعيم يحيى بن عمر.

قَدَّم عبد الله بن ياسين بعد وفاة يحيى بن عمر أخاه أبا بكر بن عمر، قائداً حربياً للمرابطين، وبقي عبد الله في مكانته الأولى، وإذا كان يحيى بن عمر بطل الصحراء كلها مع الواحات للمرابطين، فإن أخاه أبا بكر أضحى بطل ضم المغرب الأقصى إلى الدولة المرابطية، وشاركه في ذلك منذ البداية ابن عمه يوسف بن تاشفين[ر] الذي وضعه على مقدمة قواته، وأتمّ عمله بعد وفاته في ضم المغرب الأقصى والأوسط والأندلس وأضحى بذلك مؤسس الامبراطوية المرابطية.

في سنة 463هـ/1071م ارتحل أبو بكر إلى الصحراء لتمرد قبائل مسوفه، وعهد إلى ابن عمه يوسف بن تاشفين بحكم المغرب، بقي يوسف نائباً لابن عمه أبي بكر في حكم المغرب مدة سنتين، قام في أثنائها بإعطاء سلطة المرابطين صبغة الملك والسلطان، فقد انتقل من أغمات قاعدة المرابطين الأولى إلى قاعدة جديدة بناها هي مراكش الواقعة في السهل وعلى بعد 20 ميلاً من جبال الأطلس، وهو بعد مناسب لأنه يسمح بمراقبة قبائل المصامدة التي لم يكن خضوعها مضموناً، وفي الوقت نفسه يأمن مفاجآتهم، وأخيراً فهي في موقع متوسط بين البحر والصحراء، ومن مظاهر التنظيم الأخرى وأمارات السلطان ضرب الدراهم والدنانير باسم أبي بكر بن عمر، وتنظيمه للجيش، وكان أبو بكر قد ترك له قسماً من الجيش، فوزع 20 ألفاً من محاربي حركة المرابطين على قادتهم القبليين بحيث يرأس قادة كل من لمتونة ومسوفة وجدالة وتلكاتة خمسة آلاف مقاتل وأبقى 20 ألفاً تحت قيادته الشخصية، ثم أضاف لنفسه حرساً بشراء 2240 من العبيد السودان وعلوج الأندلس وجعلهم فرساناً كلهم.

في سنة 465هـ/1073 عاد أبو بكر من مهمته وحل بأغمات قاعدة المرابطين الأولى، وأدرك تعاظم سلطان ابن عمه يوسف بن تاشفين فنزل ليوسف عن حكم المغرب، وأبقى لنفسه حكم الصحراء حيث توفي في أثناء جهاد السودان سنة 480هـ، وانحل بموته الطابع الصحراوي لحركة المرابطين وتوسعها جنوباً لتصير مغربية تتوسع شمالاً.

تابع يوسف بن تاشفين توسعه في المغرب الأقصى، ثم في المغرب الأوسط وتوقف عند شرقي الجزائر مما يوحي باحترامه لسيادة بني زيري الصنهاجيين أقربائه في النسب.

في الوقت الذي صار فيه المغرب يتمتع بوحدة سياسية ودينية في ظل دولة المرابطين التي تزعمها يوسف بن تاشفين، كانت الأندلس تعاني التفكك السياسي والاجتماعي تحت حكم ملوك الطوائف، ولا شك في أن تاريخ بلاد العدوتين المغربية والأندلسية الذي هو وليد جغرافيتها يجعل الباحث يدرك أن هذه القوة الفتية الطموحة ما كانت لتقف وجهاً لوجه أمام الأندلس مكتوفة الأيدي عند هذا الحد الشمالي للمغرب ولاسيما بعد أن امتلك المرابطون ثغور المجاز المغربية مثل سبتة وطنجة ومليلة، وصار لا يفصلهم عن الأندلس سوى مضيق جبل طارق. وقد خدمت الظروف السياسية المرابطين فجعلت الأندلس تحت ضغط الغزو الإسباني المسيحي هي السباقة في طلب المعونة من المغرب خصوصاً بعد أن استولى الملك الإسباني ألفونسو السادس على طليطلة سنة 478هـ/1085م، وقد روي في هذا الصدد أن المعتمد بن عباد ملك اشبيلية[ر] وأقوى ملوك الطوائف في ذلك الوقت، حينما عزم على الاستنجاد بالمرابطين قال جملته المشهورة إنه خير له أن يصبح راعي جمال في المغرب من أن يصبح راعي خنازير في قشتاله. وهذا التصريح يدل بوضوح على أن المعتمد كان يدرك تماماً أن ملكه ضائع سواء على يد المرابطين في الجنوب أم الإسبان في الشمال، لكنه كان يفضل سيادة المرابطين بطبيعة الحال.

أنجد يوسف بن تاشفين ملوك الطوائف وانتصر المرابطون في معركة الزلاقة الشهيرة[ر] سنة 479هـ، هذه المعركة التي كانت أول انتصار أو على الأقل أول نجاح من هذا النوع منذ أكثر من ثلاثة أرباع قرن، كما أنها أوقفت المد الإسباني الشمالي نحو الجنوب في مجالي ضم الأراضي أو فرض السيادة المعبر عنها بدفع الجزية، كذلك رفعت هذه المعركة من مكانة المعتمد بن عباد الذي تحمل وصمد للهجمة المعادية دون سائر الأندلسيين الآخرين، ولكن أعظم تألق كان من نصيب يوسف بن تاشفين والمرابطين؛ إذ بهم انتهت الهزائم وبدأت الانتصارات، وهذا ما جعل يوسف بن تاشفين يسلك سلوك أب للأندلسيين إذ جمعهم قبل مغادرته وأوصاهم بضرورة توحيد الكلمة لصد الأعداء، ولكنه عندما رأى أن ملوك الطوائف قد عادوا إلى سابق عهدهم من الخلاف والاستنجاد بالأعداء قرر القضاء عليهم، ولجأ إلى ملاقاة ملوك الطوائف فرادى مستغلاً أطماعهم بأملاك بعضهم، ففي سنة 483هـ استولى على غرناطة ولم يضطر إلى التوقف أمام الحصون والمعاقل في طريقه إليها، لأنها سارعت إلى الاستسلام مستجيبة لدعوة المرابطين، ثم استولى على إشبيلية بعد استسلام المعتمد، وخضعت المرية بعد هرب صاحبها بحراً، ومنها توسع في شرقي الأندلس حتى وصل إلى حدود فلنسية.

تريث المرابطون بعد ذلك بشأن الثغور لوضعها الخاص على حدود المسيحيين وخوفاً من وضع أصحابها أراضيهم في يد الأعداء، أو خشية من مجاورة هؤلاء المسيحيين قبل أن يتوطد حكمهم، وهكذا مضى ما يقرب من ثلاث سنوات قبل أن يقوم المرابطون باحتلال بطليوس أدنى هذه الثغور وأقربها إلى أراضيهم في المغرب.

بعد ضم يوسف بن تاشفين أملاك دول الطوائف، لم يشتهر من أعماله أكثر من استعادة فلنسية من زوجة السيد الإسباني، والإجهاز على دولة بني رزين أصحاب السهلة، لذا يمكن القول إن عهد يوسف بن تاشفين في الأندلس كان عهد رد المسيحيين الإسبان وتوطيد سلطان المرابطين فيها، لكن عهد علي بن يوسف يمثل عدة أدوار، ففي حكمه الذي استمر قرابة 37 سنة من سنة 500 - 537هـ/1106- 1142م وصل سلطان المرابطين بالأندلس إلى الذروة في السنوات العشر الأولى، حيث توطدت وتعاظمت دولتهم بما أحرزوه من انتصارات حتى أوشكوا على استرداد كل ما غنمه الإسبان في عهد ألفونسو السادس، ثم تلتها فترة تكاد تماثلها في الطول، تأرجح فيها مصيرهم بتوالي الانتصارات والنكسات أمام دول الإسبان المسيحية، كما بدأت فيها نذر الخلاف مع السكان على النطاق الداخلي، وبعدها جاءت فترة النكبات وقيام الثورات في الأندلس وفي المغرب حيث قامت حركة الموحدين التي قضت على دولة المرابطين سنة 541هـ.

دور المرابطين في المجال الحضاري:

كان عبد الله بن ياسين مجرّد فقيه مالكي، ولم يأت بشيء جديد اللهم إلا بتمسكه بتطبيق مبادئ الإسلام وحدوده، وقام عمل المرابطين كله في المجال الديني على تحقيق الوحدة المذهبية في المغرب الأقصى والقضاء نهائياً على الهرطقات التي كانت باقية فيه.

أما التغيير الثاني في المجال الحضاري أيام المرابطين هو التغيير في مراكز الإشعاع الثقافي، فقد كانت مراكز الإشعاع سابقاً في الأندلس والقيروان، وقد انهار مركز القيروان الكبير بخرابها، وعاش مركز الأندلس في ظروف صعبة آخر الأمر بسبب الهجوم الصليبي، وانتقلت هذه المراكز إلى مكان بعيد حول البلاط في مراكش.

ومع أن حكم المرابطين كان حكم فقهاء ـ ومن المنتظر أن يتدهور في عهدهم النشاط الفلسفي والشعري، وتستمر نشاطات الدراسات الدينية ـ فإن الباحث يجد في عهد علي بن يوسف بعض الحكام المرابطين في الأندلس لا يختلفون عن ملوك الطوائف في طربهم للشعر وفي أعطياتهم للشعراء.

أما العلوم العقلية فقد ازدهرت حتى في بلاط علي بن يوسف المشهور بميله إلى الفقهاء وتقريبه الزهاد، ففي بلاطه ارتقى كبير من كبار الأطباء في الجناح الغربي من ديار الإسلام وهو عبد الملك بن زهر[ر]، كما لقيت شخصية ابن باجّه[ر] الذي انصب عمله على الدراسات الفلسفية والرياضية والموسيقى الترحيب في بلاط حاكم المرابطين في سرقسطة الذي لم يكن يستطيع فراقه يوماً، ثم استخدم في الكتابة لدى المرابطين في فاس حيث توفي سنة 533هـ/1138م.

وإذا كان المغرب الأقصى خاصة مجال نفوذ للأمويين حكام الأندلس منذ القرن الرابع الهجري فإن الآية انعكست بمجيء الحكم المرابطي، فأضحت الأندلس تابعة سياسياً للمغرب، وذلك بعد تدخل يوسف بن تاشفين لحمايتها من الإسبان في الشمال، ووضع بذلك تقليداً لكل الدول التي نشأت بعد ذلك في المغرب الأقصى والتي عدت حماية الإسلام في الأندلس اليتيمة ـ على حد تعبير أحدهم ـ رسالة لها ومهمة أساسية من مهماتها. أتاحت هذه السيطرة السياسية التمازج الحضاري بين القسمين وكان للأندلس المجال الأعلى في ميادين العلوم والآداب، وفي ميدان الفنون أيضاً، إذ إن المرابطين البدو لم تكن لهم تقاليد عمرانية سابقة، ويبدو أن روعة الأبنية الأندلسية بهرت أنظارهم، فاستخدموا المعماريين الأندلسيين في أعمالهم العمرانية من أسوار وجسور ومساجد، ويتضح امتداد الأساليب والنماذج المعمارية إلى الشمال الإفريقي من الآثار المعمارية التي تعود إلى عهد المرابطين كمسجد تلمسان، والزيادات التي أضافها علي ابن يوسف بن تاشفين في مسجد القرويين بفاس، والشيء الأساسي الذي بقي من المسجد الجامع الذي بناه يوسف بن تاشفين في الجزائر.

لكن النصر في الميدان العسكري كان من نصيب المغرب، يستنتج ذلك مما ذكره البكري عن طريقة المرابطين في الحرب، وما يذكره الطرطوشي المعاصر عن طريقة الأندلسيين في الحرب، مما يدل على أن خطة المرابطين في الحرب هي التي سادت وعمت، وفي هذا المجال سار المرابطون في الاتجاه الذي بدأ منذ القرن الرابع الهجري نحو اقتباس الأندلسيين وسائل المغاربة وطرقها في القتال، فمنذ أيام الحكم المستنصر صار المغاربة قوة الحرب الرئيسة ويقول عنهم ابن حيان المؤرخ المعاصر لهم إنهم «حلّوا محل الملح في الطعام ببأسهم الشديد، وقاموا مقام الفولاذ في الحديد، لا يقاتل الأعداء إلا بهم، ولا تعمر الأرض إلا في جوارهم».

كانت دولة المرابطين من الدول التي عبّر زعماؤها عن اعترافهم بالسيادة الروحية للخليفة العباسي بسك اسمه على النقود والدعاء له على المنابر، وبدأ ذلك منذ أيام أبي بكر بن عمر كما تشهد على ذلك النقود التي سكها، ثم سار يوسف بن تاشفين على سنته وطلب من الخليفة العباسي المستظهر بالله (487-512هـ) تقليده حكم المغرب، فجاءه التقليد واعترف الخليفة بلقبه «أمير المسلمين وناصر الدين» في الكتاب الذي وصله على ما يرجح في رجب سنة 491هـ حزيران/يونيو 1098م وقد عدّ الخليفة يوسف في كتابه أيضاً نائب الخليفة والقائم بدعوة أمير المؤمنين وقائد جيوشه في المغرب.

جدول بأسماء أمراء المرابطين

يحيى بن إبراهيم الجدّالي

يحيى بن عمر (ت 448هـ/1056م)

أبو بكر بن عمر (ت 480هـ/1088م)

يوسف بن تاشفين (453-500هـ/1016-1107م)

علي بن يوسف بن تاشفين (500-537هـ/1107-1143م).

تاشفين بن علي (537 -540هـ/1143-1145م).

إبراهيم بن تاشفين (540 هـ/1145م).

إسحاق بن علي (540 -541هـ/1145-1146م).

نجدة خماش

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

المعتمد بن عباد ـ يوسف بن تاشفين.

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ ابن الخطيب، أعمال الأعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام، نشر الجزء الخاص بتاريخ المغرب وصقلية، أحمد مختار العبادي وإبراهيم الكناني، بعنوان «تاريخ المغرب في العصر الوسيط» (الدار البيضاء 1964).

ـ السلاوي، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (الدار البيضاء 1954).

ـ ابن أبي دينار، المؤنس في أخبار إفريقيا وتونس تحقيق وتعليق محمد شمام (تونس 1967).

ـ ابن أبي زرع، الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب( الرباط 1973).

ـ زغلول عبد الحميد، تاريخ المغرب العربي (القاهرة 1965).

ـ أحمد بدر، تاريخ الأندلس، التجزؤ، السيادة المغربية، السقوط والتأثير الحضاري (دمشق1983 ).


التصنيف : التاريخ
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الثامن عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 295
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 490
الكل : 31267451
اليوم : 15639

كفلكانتي (غويدو)

كڤلكانتي (غويدو ـ) (نحو 1255ـ 1300)   يعد الشاعر الغنائي غويدو كڤلكانتي Guido Cavalcanti، إلى جانب دانتي[ر] وبتراركا[ر] وبوكاتشو[ر]، من أبرز الشعراء الإيطاليين ومن مؤسسي ما أطلق عليه دانتي «الأسلوب العذب الجديد» dolce stil nuovo في الشعر الإيطالي. كذلك كان من الرعيل الثاني الذي خلف غوينتسِلّي G.Guinizelli الذي كان قد أسس لأسلوب اللغة العامية الرفيعة volgare illustre الذي جعل اللغة الإيطالية ما هي عليه اليوم. ولد كڤلكانتي في فلورنسا Firenze لأب انتمى إلى حزب البابويين Guelfi، وصفه دانتي باحترام كبير في النشيد العاشر من جزء «الجحيم» من «الكوميديا الإلهية»، إلا أنه صنَّفه بين المجدِّفين.
المزيد »