logo

logo

logo

logo

logo

الأوبرا

اوبرا

Opera - Opéra

الأوبرا

 

الأوبرا Opera كلمة إيطالية تعني عملاً أو أثراً أدبياً أو فنياً وهي مشتقة من كلمة أوبوس Opus اللاتينية. وهي، في الموسيقى، عمل مسرحي مؤلف من نص مسرحي يسمى «كتيّب» libretto تواكبه الموسيقى غناء وبمصاحبة فرقة موسيقية orchestra. وتتألف جوقة المؤدين (كورس chorus أو choir) من مغنين منفردين solists وجماعيين. ويضم العمل المسرحي (بالإضافة إلى التمثيل مع الغناء والرقص) الفنون الأخرى وبينها التصوير وتصميم الملابس والمناظر والأثاث والمؤثرات الصوتية وهندسة الإضاءة. ويطلق على المسرح الذي يختص بعروض الأوبرا اسم «دار الأوبرا». كما تستخدم لفظة الأوبرا كذلك للدلالة على سلسلة أعمال المؤلف الموسيقية حيث يكتب منها الحرفان.op اختصاراً، وإلى جانبهما رقم العمل الموسيقي. ومع أن الأوبرا نوع من التسلية باهظ التكاليف وتختلف الآراء حولها بين مؤيد ومعارض فقد ظلت طوال أربعة قرون ومازالت تلاقي إقبالاً كبيراً.

كتيّب الأوبرا

هو النص الشعري في الأوبرا، كما هو في الأوراتوريو oratorio [ر.الإنشاد الديني] عنصر بالغ الأهمية في العمل. وكثيراً ما قاد عمل كاتب غير موفق إلى إخفاق مؤلف موسيقي كبير مثل فيبر Weber في أوبراه يوريانته Euryante. ومع ذلك فإن المؤلف الموسيقي القدير يستطيع أحياناً أن ينتصر على ضعف النص وعدم كفاية كاتبه كما فعل فيردي Verdi في أوبراه: الشاعر الجوال (التروبادور) il Trovatore، وقد كان فاغنر Wagner يكتب نصوص أعماله بنفسه، وكذلك بُويتو Boito. . وكان بويتو هذا يكتب نصوصاً لغيره أيضاً وبخاصة لفيردي في أهم أعماله: «عطيل» و«فالستاف». وقد قام بعض كتّاب النصوص بتلبية عدد كبير من حاجات المؤلفين الموسيقيين مثل رينوتشيني (1562- 1621) Rinuccini الذي كتب عدداً كبيراً من نصوص الأوبرا حتى أنه دعي بأبي الليبرتّو، وكذلك الأمر مع تزينو (1668- 1750) Zeno. ولكن أكبر مموّن بالنصوص على النطاق العالمي كان مِتاستازيو (1698- 1782) Metastasio الذي لقب بملك النصوص. وفي بعض الحالات كان كاتب النص والملحن يفكران معاً ويعملان متعاونين في سبيل إخراج كتيب ناجح كما فعل الألمانيان هوفمانشتال Hofmannsthal وريتشارد شتراوس R.Strauss في عدد كبير من الأوبرات.

أما ما يتصل بترجمة الأوبرا، فقد حدث مراراً أن نقل نص من لغته الأصلية إلى لغة أو لغات أخرى. ومن الأمثلة على ذلك أن أول أوبرا ألمانية وهي أوبرا «دافنه» (1627) Dafne لأبي الموسيقى الألمانية شوتس Schütz قد تُرجم الكتيب الخاص بها من كتيب سابق لأول أوبرا إيطالية وهي «دافنه» أيضاً (1597) لبيري Peri، وضاعت مع الزمن أصول كلتيهما. كذلك ترجمت إلى اللغة العربية، في جمهورية مصر العربية، أوبرا «لاترافياتا» (المرأة الضالة) la Traviata لفيردي.

وتُستهل الأوبرا عادة بقطعة موسيقية طويلة أو قصيرة تؤديها الفرقة الموسيقية وتسمى الافتتاحية overture وهي الأعم استعمالاً، أو الاستهلال [ر. الصيغ الموسيقية] prélude أو المدخل introduction. أما الفاصل إنترمتزو Intermezzo وإنترلود interlude فهما من القطع الموسيقية الآلية القصيرة التي تؤدى عادة بين مشهدين أو فصلين من الأوبرا.

الغناء وأنماطه في الأوبرا

تتألف الأوبرا من أنماط متعددة من الغناء منها:

ـ الإلقاء الملحون recitative: وهو نوع من الغناء الذي يشبه الإلقاء المنغّم وبأسلوب خطابي، ويكتب لحنه بالتدوين الموسيقي العادي إلا أن للمؤدي بعض الحرية في تغيير الإيقاع أو تفاصيل اللحن في بعض الأحيان، ويستخدم عادة تمهيداً للأغنية القصيرة (آريا aria) أو للحوار. ونوعاه الرئيسيان: إلقاء تصاحبه الآلات الموسيقية عادة، وإلقاء صرف secco كان في القرن الثامن عشر يرافق بإطار من الاتفاقات الانسجامية تؤديها آلة الهاربسيكورد [ر.البيانو] harpsichord، وقد تقوم آلات أخرى بالمساعدة على تفخيم دور الخفيض bass.

ـ الأغنية القصيرة (آريا): أغنية لمغنٍ منفرد تصاحبه عادة مجموعة عازفين وتتطلب مهارة فائقة في الأداء. وفي الأغنية القصيرة المعادة (دا كابو da capo) يعاد الجزء الأول منها خاتمة.

ـ الأغنية الصغيرة ariette: وهي أصغر من الأغنية القصيرة كانت تغنى في الأوبرا الفرنسية بكلمات إيطالية دون مرافقة آلية في أكثر الأحيان.

ـ الأغنية الثنائية duet والثلاثية trio والرباعية quartet وغير ذلك: هي أغنية مشتركة لاثنين أو لثلاثة أو لأربعة أو أكثر من المغنين والمغنيات حسب منطوقها.

ـ المجموعة ensemble: فقرة تؤديها مجموعة من المغنين والمغنيات أصحاب الأدوار الأولى، وقد تكون مصاحبة بالجوقة الغنائية.

ـ الجوقة الغنائية: هي مجموعة المغنين والمغنيات الثانويين موزعة عادة على أربعة أقسام حسب الطبقات الصوتية [ر.الموسيقى] المختلفة، أو على ثمانية، كما في الجوقة المزدوجة، في تشكيلات مختلفة (ذكور أو إناث، أو مختلطة).

أنماط الأوبرا

أطلقت على الأوبرا، بعد نشوئها وإبان مراحل تطورها، صفات وأسماء، واتخذت لها أنواع كثيرة كانت أوجه النشاط فيما بينها متقاربة. ويذكر أن موتسارت Mozart وصف إحدى أوبراته المعروفة باسم «دون جوفاني» Don Giovanni بأنها مسرحية مرحة تشيع فيها روح النكتة، في حين وصف أوبرا «أعراس الفيغارو» le nozze di Figaro بأنها ملهاة موسيقية، ووسم أوبرا «الفلوت المسحور» die zauberflöte بأنها لوحة غنائية هزلية  «زينغشبيل» singspiel وهي الشكل الأصلي للأوبرا الألمانية الهزلية الشعبية في القرن الثامن عشر. ومع تعدد أنواع الأوبرات فإن عشرات الألوف منها طواها النسيان وأصابها الإهمال لأسباب مختلفة. ولا يعثر اليوم في دور الأوبرا العالمية إلا على عدد محدود من الأوبرات (نحو مئة أوبرا) خلد اسمها مع الزمن إضافة إلى الجديد منها. وعلى سبيل المثال، استحوذت أوبرتا «حلاق إشبيلية» و«وليم تل» لروسيني Rossini على أكثر العروض في دور الأوبرا العالمية بين أوبراته الأربعين.

أنواع الأوبرا

ـ الأوبرا الكبرى grand opera (القرن 19 خاصة): وهي مطوّلة وبطولية في موضوعها وغنية في تصميم مناظرها وملابسها وإخراجها، كما أن نصها ملحن بأجمعه. مثال: أوبرا (وليم تل) لروسيني (العرض الأول عام 1829).

ـ الأوبرا الجادة  opera seria (القرن 18 خاصة): وهي شبيهة بالأوبرا الكبرى وموضوعها بطولي مستقى من الأساطير، ونصها عادة بالإيطالية، وتشيع فيها الأغاني القصيرة والإلقاء الملحون، وتتصف بشكلية مفرطة في الموسيقى والحركة. مثال: أوبرا «إيدومينيو» Idomeneo (ملك كريت) لموتسارت (العرض الأول عام 1781).

ـ الأوبرا الملهاة opera buffa بالإيطالية وcomique بالفرنسية (القرنان 18 و19 خاصة): وهي ذات موضوع خفيف عاطفي فيه الجد والهزل له نهاية سعيدة ويدور عادة حول الحياة اليومية. مثال: أوبرا «الخادمة السيدة» la serva padrona لبرغوليزي Pergolesi (العرض الأول عام 1733).

ـ الأوبرا ـ الباليه opera-ballet (القرنان 17 و18 خاصة): وهي أوبرا تكثر فيها رقصات الباليه ويطلق عليها أيضاً الكوميدية ـ الباليه أو الرعوية pastorale. مثال: أوبرا «باخوس» Bacchus للولّي Lully (العرض الأول عام 1672).

ـ المسرحية الموسيقية music-drama (القرن 19): وهي الاسم الذي أطلقه فاغنر على أعماله بعد أوبرا «لوهنغرين» Lohengrin بدلاً من اسم الأوبرا، وكأنه أعاد التسمية الإيطالية القديمة (مسرحية مع الموسيقى) التي كانت تسمى في بادئ الأمربـ «المونوديا» monodia أي وحيدة التصويت [ر.الموسيقى].  مثال: أوبرا «رينتسي» Rienzi لفاغنر (العرض الأول عام 1842).

ـ الأوبرا ـ الأوراتوريو (القرن العشرون): وهي عمل يقف في منتصف الطريق بين الأوبرا والأوراتوريو. فالمغنون يؤدون أدوارهم وهم ثابتون في أمكنتهم دون تنقّل. مثال: أوبرا «أوديب ملكاً» Oedipus Rex لسترافنسكي Stravinsky (العرض الأول عام 1927).

ـ الأوبريت operette (مصغّر الأوبرا لغةً): وهي نوع من العرض المسرحي الغنائي في قصة عاطفية أو هزلية، وساخرة أحياناً، مع الحوار المحكي غير المنغّم والموسيقى الخفيفة والمرحة. وقد تطورت عن الأوبرا ـ الملهاة الفرنسية. ويقال إن موتسارت هو صاحب هذه التسمية. وفي العشرينات من القرن العشرين تغير شكل الأوبريت بما يعرف الآن في إنكلترة والولايات المتحدة بالملهاة الموسيقية. وقد يقوم أكثر من مؤلف موسيقي بكتابتها. وجاءت بعدها تسمية جديدة هي المسرحية الغنائية musical play. ومن أشهر الأوبريت: «الخيّالة الخفيفة» (1866) cavalry light لسوبيه Suppé النمسوي، و«أورفيوس في الجحيم» (1858) لأوفنباخ Offenbach الفرنسي، و«الوطواط» (1874) ليوهان شتراوس الإبن J.Strauss النمسوي.

ـ وهناك أنماط أخرى من الأوبرا يكتفى بتعداد بعضها: أوبراـ بالاد ballad-opera وأوبرا الصالون chamber opera، وأوبرا لعب العرائس puppet-opera، وأوبرا ـ جاز Jazz-opera، وأوبرا شعبية folk-opera، وأوبرا ـ روك Rock-opera.

تاريخ الأوبرا وتطورها

من المتعارف عليه أن مطلع القرن السابع عشر هو بداية لتاريخ الموسيقى الدرامية، لأن ظهور الأوبرا حينذاك دفع إلى الاعتقاد بأنها فن مبتكر وجديد كل الجدة، ولكن الحقيقة أنه خضع لتطور بطيء. فهناك أوبرا قبل الأوبرا حسب تعبير الكاتب الفرنسي رومان رولان Romain Rolland. ففي القرن الرابع عشر عُرف نوع من التمثيليات المقدسة التي انحدرت من أغاني العبادة تقدم بكاملها غناءً مصحوباً بالحركات الإيمائية والرقص. ومنذ بداية عام 1470، وتحت تأثير فلسفة النزعة الإنسانية humanism كانت تقدم على المسارح في إيطالية أشكال من المأساة والملهاة اللاتينية. ونحو عام 1540 برز نوع ثالث هو المسرحية الرعوية كان مبشراً بميلاد الأوبرا. وفي نهاية القرن السادس عشر نما الفن الغنائي المتعدد الأصوات (البوليفوني polyphony) [ر. الانسجام في الموسيقى] مما حمل الموسيقيين على الاتجاه نحو طريق جديدة. وفي سبيل محاولة إحياء الفنون الإغريقية القديمة ومحاكاتها قامت جماعة من النبلاء بتأسيس أكاديميات ترعاها مجموعات من «المثقفين الجماليين» Esthéticiens المعروفين ليعملوا على ترقية الفن وذلك باحتوائه ضمن صيغ محددة. وقد انتشرت تلك الأكاديميات في أنحاء إيطالية وبينها ما كان للأدب أو للتصوير أو للنحت. وأول أكاديمية للموسيقى كانت تلك التي أسسها الكونت باردي Bardi في فلورنسة بمشاركة من الكونت كورسي Corsi، وكانت تجمع بين رجال الأدب والموسيقى والعلماء النظريين، وقد دعيت تلك المجموعة بالكاميراتا Camerata وكان من أبرز أعضائها الموسيقيون: بيري، وكاتشيني Caccini، وغاليلي Galilei (والد عالم الطبيعة الشهير)، وكافالييري Cavalieri، والأديب الشاعر رينوتشيني. وفي عام1581 نشر غاليلي كتاباً باسم «محاورة ثنائية (ديالوغ) dialogue في الموسيقى القديمة والحديثة» لخص فيه الفلسفة الموسيقية لجماعة الكاميراتا التي آلت على نفسها تطبيق المثل الجمالية العليا للفلسفة الإغريقية على الموسيقى الإيطالية. وفي رأيه أن فن تعدد الأصوات هو مكمن العلة وعلى الموسيقى أن تخضع للكلمات التي تتحكم أيضاً في الإيقاع والقفلات، وتعمل على تجميل الكلمة المنطوقة، وعلى دعم الحركات المسرحية للممثل المغني، لكي يؤدي التزاوج الروحي بين الموسيقى والمسرحية إلى بعث المثل الأعلى اليوناني لفلسفة أفلاطون الجمالية. وقد رأى كاتشيني، في مجموعة ألحانه التي نشرها باسم «الموسيقات الحديثة» nuove musiche، أن فن تعدد الأصوات الذي يعدّ السمة البارزة لعصر النهضة يؤدي إلى تقطيع أوصال الشعر لأن الأصوات الفردية تغنّي ألحاناً مختلفة في وقت واحد مما يؤدي إلى مطّ مقاطع الشعر المغنى أو ضغطها وبذلك تقضي على الكلمة والوزن. ومهما كان الاختلاف بين أنصار المدرسة القديمة في عصر النهضة وأنصار المدرسة الحديثة في عصر الباروك فقد بنى الفريقان معاً أفكارهما الجمالية على النظرية الأفلاطونية القائلة بأن الفن هو محاكاة للطبيعة. أما جماعة الكاميراتا فقد خرجوا بعد موقفهم المتطرف من موسيقى عصر النهضة بتطرف ثان يحسب عليهم، فقد تركوا للموسيقى دوراً ثانوياً قاصراً على دعم الكلمة المنطوقة، ولا ينكر أنهم في البداية استخدموا مذهب المشاعر affections لتأكيد دلالات النص وزيادة فعالية اللحن الموضوع له. ولعل ما حصل في فلورنسة يذكّر بالمدرستين المتضادتين في تاريخ الغناء العربي فقد عمل عرب الأندلس على تطويع الشعر للموسيقى في حين عمل المغنون العرب في المشرق على إخضاع الموسيقى للشعر.

بدايات ظهور الأوبرا

الأوبرا في إيطالية: في عام 1600 قدّم بيري مسرحية إورديتشه Euridice (زوجة أورفيوس) والنص لرينوتشيني، في قصر بيتّي Pitti في مدينة فلورنسة، بمناسبة زواج هنري الرابع (ملك فرنسة) وماريا دي ميديتشي، وكان يتخللها إلقاءات ملحونة بمرافقة آلية وبجوقة غنائية في بعض الأحيان. وكان الإلقاء الملحون يتبع إيقاع الكلمة وجرسها تسانده في ذلك اتفاقات chords بسيطة تساعد المؤدي على البقاء في اللحن المراد. وبذا عدّت إورديتشه ـ على بدائيتها ـ أول أوبرا ظهرت في التاريخ علماً بأن كاتشيني كان قد وضع موسيقى للنص نفسه أيضاً عام1600 إلا أنها لم تظهر للوجود إلا بعد عامين. وفي عام 1607 قام مونتفيردي Monteverdi بتلحين «أورفيو» Orfeo والنص الشعري لرينوتشيني أيضاً. وقد أغنى هذا العمل، وما فيه من ابتكارات، التوسع الانسجامي والتحويل المقامي وأكثر من عدد الأغاني والجوقة الغنائية، فأتت غنية بمعان وأحاسيس وإلقاءات ملحونة مسرحية أكثر تجديداً، وأغنيات قصيرة غنية بالتنويع والأفكار الموسيقية الجذابة، وبذلك تعدّ بحق أول أوبرا في تاريخ الفن. ومن مبتكراته: الثنائيات الغنائية، والافتتاحية قبل رفع الستار عن المسرح، واستخدام فرقة موسيقية كانت تعد كبيرة آنذاك تتألف من 36 عازفاً تؤدي مختلف الطوابع الصوتية وأدق الأغراض التعبيرية، والعودة إلى أسلوب المادريغال madrigal [ر.الأغنية] الذي مجّدته جماعة الكاميراتا، وإلباسه حلة جديدة. وكان مونتفيردي يؤثر الموضوعات التاريخية على الأسطورية. وقد قدّم سنة 1608، أي بعد عام من أورفيو، أوبرا «أريانا» Ariadne وعدة أعمال أخرى. وقد شهر مؤلفون كثيرون في أيامه وبعدها في تأليف الأوبرا ومنهم: كافالّي Cavalli سيد مدرسة مدينة البندقية، وكاريسّيمي Carissimi، وستراديلا Stradella.

وفي البندقية صار المغنون المخصيون موضة العصر للصفاء والثبات والقوة التي تتمتع بها أصواتهم الحادة (سوبرانو soprano وآلتو alto) [ر.الموسيقى]. ولشعبية الأوبرا آنذاك بنيت في البندقية عشر دور لها، وصارت الأوبرا في أواخر القرن السابع عشر مجرد عرض لأصحاب الأصوات المبدعة الذين غدوا يزاحمون المؤلف ذاته في انتزاع الصيت والأهمية، وبدأ كذلك نجم المغنية الأولى «بريما دونّا» prima donna بالظهور. وفي النصف الثاني من القرن السابع عشر كانت نابولي مركز الإشعاع على العالم حيث لمعت، على خطى أليساندرو سكارلاتي A.Scarlatti، طريقة «الغناء الجميل» bel canto أي فن الغناء الكامل جمالاً وجودة. وسكارلاتي هذا هو الموسيقي الحقيقي الذي أبدع فناً أورثه كلاً من موتسارت وهَندل Handel وغزت أوبراته أوربة بأسرها في القرن الثامن عشر، وبقيت مرموقة بعد ذلك.

الأوبرا في فرنسة: كانت لفرنسة تقاليدها الخاصة في المسرحيات الكلاسيكية، مثل مسرحيات كورنيي Corneille وراسين Racine، وفي الباليه. وكان تكوين الأوبرا يتطلب شكلاً يجمع بين الاثنتين الأوبرا والباليه، وهذا ما قام به لولّي (الإيطالي الأصل) وأطلق على الأوبرا اسم «المأساة الغنائية» tragedie lyrique، وقد أهمل طريقة «الغناء الجميل» الممتلئة بالتزيينات والزخارف اللحنية مقابل تطويع الموسيقى للنص متبنياً أسلوباً غنائياً جديداً يتلاءم مع اللغة الفرنسية. ثم أتى رامو Rameau (المشهور بأبحاثه في علم الصوت وفي الانسجام) بعد لولّي وأحرز نجاحاً كبيراً في أعماله ومنها الأوبراـ الباليه: «الهنديات الحمر المهذبات» (1735) les indes galantes. فأسلوبه الغني في تركيبه، الموصوف بجديته البالغة وحبكته الخيالية، كان يتعارض تماماً مع الإيطاليين الذين كانوا يعملون وقتها في الأوبرا الملهاة. وعند غلوك Gluck (الألماني الأصل)، أصبحت القصص أكثر بساطة واستخدمت الموسيقى لتكشف عن الطبائع وتهيء الأجواء. ومع أوبراه «أورفيو وإورِديتشه» (1762 ثم عدلت عام 1774) تعادلت كفتا الميزان بين الموسيقى والمسرحية. وقد شهدت باريس نزاعاً بين أنصار كل من الأوبرا الفرنسية والأوبرا الإيطالية دام سنتين، دعي بحرب الهازلين، وذلك بعد عرض أوبرا «إيفيجينية في توريد» Iphigénie en Tauride لكل من غلوك وبيتشينّي Piccinni.

الأوبرا في إنكلترة: وفي إنكلترة، كتب بورسيل Purcell أوبرا قصيرة بعنوان «ديدو وإينياس» (1685) تأثر فيها بالأسلوبين الإيطالي والفرنسي. ثم وفد هَندل (الألماني الأصل) وتلميذ سكارلاتي إلى إنكلترة، وبصحبته فرقة إيطالية، وقام بوضع أوبرات رائعة فيها ولكن بالأسلوب الإيطالي البحت ومنها «يوليوس قيصر في مصر» (1724).

الأوبرا في النمسة وألمانية: أما في النمسة وألمانية فقد احتضن موتسارت النمسوي نوعي الأوبرا كليهما: الجدية في الأوبرا الفرنسية والخفة في الأوبرا الإيطالية الهازلة.  ففي «اختطاف من السراي» (1782)، و«الفلوت المسحور» (1791) بلغ الإتقان فيهما عنده مبلغاً عظيماً في المزج بين المشهد والملهاة والرواية الخرافية والرواية الأخلاقية ، فكانتا الأساس الوطيد للأوبرا الألمانية. وأوبراته الثلاث التالية: «أعراس الفيغارو» (1786)، و«دون جوفاني» (1787) و«هكذا يفعلن كلهن» (1790) cosi fan tutte، كانت كلها إيطالية بنصوصها وأسلوبها، بالتعاون مع كاتب النصوص الموهوب دابونته Da Ponte. أما أوبرا «فيديليو» Fidelio، (التي أجريت عليها تعديلات عدة مرات)، فكانت المغامرة الوحيدة لبتهوفن في فن الأوبرا: ففيها موسيقى رائعة ولكنها أقل التزاماً في طابعها المسرحي. ويعد فيبر Weber الأب الحقيقي للأوبرا الألمانية الرومنسية. وقد نالت أوبراه «الصياد الحر» der freischütz (1821) نجاحاً شعبياً وختم أعماله بأوبرا «أوبيرون»Oberon  (1826) معتمداً على نص بالإنكليزية إلا أنها لم تلق نجاحاً.

الأوبرا في الولايات المتحدة الأمريكية: ظهرت الأوبرا في الولايات المتحدة جد متأخرة مثل أوبرا «بورغي وبيس» Porgy and Bess (أوبرا شعبية) (1935) لغيرشوين Gershwin، و«القنصل» (1950) لِمنوتّي Menotti، و«فانيسّا» (1958) لباربر Barber، و«الأرض الغضة» the tender land  (1954) لكوبلاند Copland.

اتجاهات الأوبرا في القرن التاسع عشر

شهدت الأعمال الأوبرالية في القرن التاسع عشر تطوراً ملحوظاً:

في إيطالية: تألق من جديد فن الغناء الجميل للأوبرا في أعمال روسّيني كأوبرا «حلاق إشبيلية» (1816)، وبلّيني Bellini في «نورما» (1831)، ودونيزيتي Donizetti في «لوتشيا دي لامرمور» (1835)، وبونكييلّي Ponchielli في «الجوكونده» (1876)، وكل منهم خبير في  اكتشاف المواقف الدرامية الحقة. وعند هذه النقطة راحت أهمية الأوبرا الهازلة تتضاءل بسرعة. فقد ولد عصر الأوبرا الفخمة مثل: «الفرنسيون البروتستنت» أو «الهوغونو» (1836) les Huguenots لميربير Meyerbeer الألماني الأصل، و«الإفريقية» (1865) لآليفي Halévy الفرنسي. أما فيردي الإيطالي الذي غلب على أعماله الطابع الدرامي الحقيقي فقد نالت أعماله استحساناً غير عادي بدءاً من «نابوكّو» Nabucco أي (نبوخذ نصر) (1842) وتبعتها سلسلة طويلة من الأعمال الناجحة بينها «مهرج الملك» (1851) rigoletto، و«المرأة الضالة» (1853) la traviata وغيرهما ثم أوبرا «آيدا» Aïda أي (عايدة) (1871). هذا مع العلم أن أسلوبه في التلحين بدأ يتبدل منذ أوبرا «ماكبث» Macbeth، وأنجز عملين مهمين، بعد انقطاع طويل، بدا فيهما تأثره الواضح بدرامية فاغنر وشكسبير معاً، وهما «عطيل» (1887) و«فالستاف» (1893) وهما آخر أعماله. وجاء فريق من مؤلفي الأوبرا الإيطاليين بفهم وأسلوب جديدين تبديا بما سمي بـ «الواقعية» verismo, realism وهو مذهب ينحو نحو التعامل مع الإنسان العادي في أجوائه المعاصرة. وأفضل من مثّل ذلك في إيطالية: ماسكانيي Mascagni في أوبرا «الشهامة الريفية» (1890) cavalleria rusticana، وليونكافالّو Leoncavallo في أوبرا «مهرجو السيرك» (1892) I pagliacci، وبعض أعمال بوتشيني Puccini الرائعة في الأوبرا مثل: «الحياة البوهيمية» (1896) la Boheme و«توسكا» (1900) Tosca و«مدام بترفلاي» (1904).

في فرنسة: شهر عدد من المؤلفين بينهم: غوستاف شاربانتييه G.charpentier في «لويز» (1900)، وبيزيه Bizet في «كارمن» (1875) التي حظيت بنجاح باهر. وفي فرنسة كذلك كان برليوز Berlioz يبني مجداً شامخاً مع إبداعه المسمى «الفكرة الثابتة» idée fixe وهي جملة لحنية قصيرة تستخدم في العمل الموسيقي لربط الأجزاء بعضها ببعض، وقد صادفت مؤلفاته، مثل «الطرواديون» (1863) les Troyens، تأرجحاً بين الإخفاق والنجاح في حين لاقت أعمال لزملائه نجاحاً فائقاً يمثله ما لاقته كل من «فاوست» (1859) Faust و«روميو وجولييت» (1867) لغونو Gounod، و«شمشون ودليلة» (1877) لسان سانس Saint-Saéns، و«حكايات هوفمان» (1881) لأوفنباخ، و«لاكميه» (1883) Lakmé لديليب Delibes. كما امتلأت بأرق الأحاسيس والشاعرية الدافقة كل من أوبرا «مانون» (1884) Manon وأوبرا «تاييس» (1894) Thaïs لماسنيه Massenet. وكانت أوبرا «بيلياس وميليزاند» (1902) Pelléas et Mélisande لديبوسي Debussy ممثلة للمدرسة الانطباعية الفرنسية، ومعها أوبرا «أريان وذو اللحية الزرقاء» (1907) لدوكاس Dukas، وذلك إلى جانب أعمال رافيل Ravel في الأوبرا مثل «الساعة الإسبانية» (1911)، وميّو Milhaud في أوبرا «كريستوف كولومبوس» (1930)، وأونيغر Honegger السويسري في أوبرا «أنتيغونا» (1927) Antigone.

في ألمانية: يمكن وصف أعمال فاغنر الأولى بالتقليدية إلى أن اتجه إلى الأساطير الألمانية وشرع بذلك في تحقيق أفكاره في المسرحية الموسيقية التي تقول بالمسرحية المتواصلة غير المتقطعة بالأغاني القصيرة والثنائيات وغيرها، والتي ترافقها موسيقى أوركسترية غنية في إخراج ضخم. ومن أوبراته: «الهولندي الطائر» (1843) the flying Dutchman، و«تانهويزر» (1845) Tannhäuser، و«لوهنغرين» (1850).

وتبدو إنجازات فاغنر الباهرة في سلسلة أوبرات أربع في «حلقة النيبلونغ» der ring des Nibelungen وهي: «ذهب الراين» das Rheingold، و«الفالكيريه» Die Walküre، و«زيغفريد» Siegfried، و«شفق الآلهة» Götterdammerung. وقد قدمت الرباعية مجتمعة في أربع ليال متتالية (1876)، واستغرق تحضيرها عشرين عاماً، وقد ظهرت له في أثنائها أوبرا «تريستان وإيزولدِه» (1865). أما أوبراه الأخيرة «بارسيفال» (1882) فلم يمكن عرضها إلا على مسرح بلدة بايروت Bayreuth البافارية الضخم الذي افتتح عام 1876، وما يزال يقام فيه مهرجان دوري لأعمال فاغنر، وقد أقيم وفق تصميمات فاغنر الثورية ومنها إخفاء الأوركسترا والجوقة الغنائية عن العيان وذلك ليتم التوازن الصوتي بين الآلات والأصوات، إلى جانب الإمكانات الضخمة المتاحة للفنون المسرحية جميعاً.

كان فاغنر يناضل في سبيل تحقيق الانصهار والاندماج الكاملين بين فنون الموسيقى والدراما، وبغيته تأسيس العمل الفني الذي يوحد بين الفنون جميعها، في حين كان من قبله يهدف إلى إيجاد التوازن بينها. وقد استخدم فاغنر جملة لحنية أو إيقاعية سماها باللحن أو الفكرة الدالّة leitmotive كعلاقة مميزة لشخصية معينة أو مزاج أو عاطفة ما، فيعطيها ما يشبه الهوية الشخصية، وهذا ما يذكّر بالفكرة الثابتة لبرليوز.

ويعد ريتشارد شتراوس الوريث الأقرب لفاغنر وذلك في أوبرا «سالومي» (1905) Salomé، و«إليكترا» (1909) وغيرهما. ومن الأوبرات الألمانية الشهيرة أيضاً «مارتا» (1847) لفلوتو Flotow، و«الزوجات الطروبات من ويندسور» (1849) لنيكولاي Nicolai، و«هنتزل وغريتل» (1883) لهومبردينك Humperdinck، و«ماتيس المصور» (أوبرا ـ أوراتوريو) (1930) لهيندميث Hindemith، و«لولو» (1937) لبيرغ Berg  النمسوي.

المدرسة القومية الروسية

أغنت القرنين التاسع عشر والعشرين أوبرات مشاهير المدرسة «القومية الروسية» مثل: «بوريس غودونوف» (1874) لموسّورسكي Moussorgsky، و«الأمير إيغور» (1890) لبورودين Borodin، و«الديك الذهبي» (1909) لريمسكي كورساكوف Rimsky-Korsakov. هذا بالإضافة إلى «إيوغين أُونيغين» (1879) لتشايكوفسكي، و«حُب البرتقالات الثلاث» (1921) لبروكوفييف Prokofiev اللتين لا تلتزمان النزعة القومية.

وقد أثرت الحركة القومية أيضاً في كثير من أعمال المؤلفين الأوربيين مثل: «العروس المباعة» (1866) لسميتانا Smetana، و«ينوفا» (1904) enüfa لياناتشيك Janácek التشيكوسلوفاكيين، و«قصر ذي اللحية الزرقاء» (1918) لبارتوك Bartók، و«هاري يانوش» (1926) لكوداي Kodaly الهنغاريين.

هشام الشمعة

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

الأغنية ـ المسرح.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ أحمد شفيق أبو عوف، روائع الأوبرا العالمية (الأمير للطبع والنشر، مصر).

René Dumesnil, L'opera et l'- opera comique (Presses universelles, Paris 1975).

- Edward J.Dent, Opera  (Pelican Books, London).


التصنيف : الموسيقى والسينما والمسرح
النوع : موسيقى وسينما ومسرح
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 122
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 576
الكل : 29665945
اليوم : 45955

الاتصالات الحيوانية

الاتصالات الحيوانية   تتضمن الاتصالات الحيوانية animal communications إطلاق أحد الأفراد إشارة كيمياوية أو فيزيائية يتلقاها فرد آخر فتبعث فيه سلوكاً ما. ولا تعد استجابة البعوضة مثلاً لجسم الإنسان اتصالاً، لأن الإنسان لا يطلق الحرارة بهدف جذب البعوضة، في حين أن انجذاب ذكر البعوض إلى أنثاه يتم لأن الأنثى تطلق رائحة بهدف جذب الذكور؛ كما أن رائحة الزهرة تعد إشارة كيمياوية لأنها تجذب النحلة إليها، على الرغم من أنها لم تولد إشارة بالمعنى الحقيقي، لأن الرائحة موجودة فيها أصلاً.
المزيد »