logo

logo

logo

logo

logo

الفسيفساء

فسيفساء

Mosaic - Mosaïque

الفسيفساء

 

الفسيفساء mosaïque مصطلح أصله اللاتيني (بسيفوسيس) psêphosis، تداوله العرب للتعبير عن فن تطبيقي لموضوعات إبداعية، ومادته مجموعة من الفصوص الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها 1سم2 بسماكة لا تتجاوز نصف سنتمتر، وهي حجرية أصلية ملونة أو زجاجية مصنوعة من السيلكس مع أكاسيد متنوعة لتلوينها. وقد يضاف إلى سطوح بعضها طبقة ذهبية. ومع هذه الفصوص، هناك بعض الأعمال الفسيفسائية تضم كِسَراً صدفية.

اكتشفت في الوركاء في بلاد الرافدين جدران مكسوة بالفسيفساء منذ فجر التاريخ، مؤلفة من أسطوانات ملونة مرصوفة مع بعضها تشكل زخرفة مسننة، وقد تتكون هذه الأسطوانات التي لا يتجاوز قطر الواحد منها ثلاثة سنتمترات من الآجر أو من الرخام، إضافة إلى فسيفساء غير منتظمة تعود إلى مصر القديمة وفارس.

تتألف الفسيفساء بمفهومها الكلاسي والذي انتشر في العصرين الهلّنستي والروماني ثم البيزنطي وحتى بداية العصر الإسلامي، من فصوص مربعة صغيرة، تشكلت في ألواح كبيرة تزين جدران الأماكن العامة وأراضيها، من معابد وكنائس وقصور. وتمثل هذه الألواح مشاهد دينية وأسطورية.

ظهرت الفسيفساء مرادفة للصور الجدارية التي لم تكن قد انتشرت كثيراً، وكان ظهورها عملاً تزيينياً يجمّل الجدران، ويكسو الأرض الواسعة. وكانت النوافذ الزجاجية مؤلفة من قطع صغيرة من الزجاج تنضد مع بعضها لتشكيل صورة ما.

تقطع الأحجار الطبيعية بمنشار ومقراض، وهي ذات ألوان محددة باردة. أما فصوص الفسيفساء الزجاجي فإنها تُحضّر من السيليكات السائلة بفعل الحرارة العالية وتلوَّن بالأكاسيد، وتصب في قوالب محجرة على شكل مربعات لتسهيل قرضها وتحضيرها للرصف والتنضيد. ويبدأ تحضير الألواح الفسيفسائية حجرية أكانت أم زجاجية بإعداد (الكرتون carton) أي اللوحات التحضيرية التي يبدعها الفنانون، ثم يقوم الصانع بتوزيع الفصوص الملونة حسب الصور التحضيرية، وعادة تتوزع الفصوص ضمن خطوط انسيابية نظامية تتبع قاعدة معينة تدرب عليها المنضدون.

وهناك طرق متعددة لتثبيت الفصوص، أحدثها رصفها على قماش خُططت عليه معالم الموضوع الفني، وتُلصق مقلوبة فصاً فصاً على القماش بوساطة مادة النشاء أو غيرها. ثم يُقلب القماش الحامل لها على سطح واسع. وتسكب عليها مادة ملاطية كانت مؤلفة من الجص مع القصب، ثم أصبحت من الإسمنت المسلح بالحديد. وحديثاً تستعمل مادة البولي إستِر polyester.

وبعد جفاف المادة الملاطية يُنقل اللوح الفسيفسائي المقوَّى إلى مكانه على الجدران أو على الأرض ويُثبّت بكلاليب حديدية وتُنزع عنه الأقمشة.

وقد درج العامل عند تلصيق الفصوص أن يجعلها مائلة باتجاه الأرض إذا كانت تؤلف ألواحاً جدارية، وذلك زيادة في توضيح معالم الصورة الفسيفسائية.

ولم تختلف عمليات تنضيد الفسيفساء في جميع العصور، فقد أصبح عملاً تقليدياً رائجاً لتحقيق تزويق جذاب للمباني العامة أو الخاصة أحياناً. ولإضفاء طابع الفخامة والزُهُوّ لهذه المباني، ولتأكيد وظيفتها الدينية أو الدنيوية.

بيد أن الصناع في زمن الوليد بن عبد الملك[ر] الذي أنشأ الجامع الأموي[ر] بدمشق كانوا يغطون الجدران الحجرية بطبقة من الكلس الممزوج بالتبن وقشر القنب لزيادة تماسكه، ويسعى الصانع إلى أن تكون هذه البطانة الكلسية ملساء، وعليها كانت تخطط أبعاد الرسوم التي يجب تنفيذها فسيفسائياً. حينها يعمد الصناع بدءاً من جزء محدد بكسوته بملاط معين، ثم تُرسم تفاصيل الرسوم بآلة حادة على الكسوة المحددة، ثم تُغرس الفصوص والملاط مازال طرياً، غرساً مائلاً يواجه الناظر من الأسفل.

رُممت فسيفساء الجامع الأموي في عصر نور الدين، وفي عصر الملك الظاهر بيبرس، ثم أهمل وأعيد ترميم أكثرها في منتصف القرن العشرين بالطريقة الحديثة المبتكرة بعد استصناع الفصوص الزجاجية محلياً، واستيراد المذهّب منها فقط.

من أقدم اللوحات الفسيفسائية الإغريقية لوحة صيد الأسد وتعود إلى عام 300ق.م.

 

«صيد الأسد» (فسيفساء من الحصى، نهاية القرن الرابع قبل الميلاد)

 

 

ومن أقدم الفسيفساء التي تمثل بداية الفن الهلنستي[ر] لوح رائع من الفسيفساء الحجرية يمثل معركة إبسوس[ر] Issos بين الإسكندر المقدوني Alexandre le Grand وداريوس Darius ملك الفرس، وقد اكتشفت هذه اللوحة في حفائر بومبي Pompei. وأصلها إغريقي يعود إلى القرن الثالث ق.م وأعيد تنفيذها في القرن الأول قبل الميلاد.

وفي العصر الروماني انتشرت الفسيفساء في جميع أنحاء الامبراطورية، وتُشاهد آثارها في البلاد العربية في تونس وحول بنغازي وفي الإسكندرية وأنطاكية وجرش وتدمر وأفاميا والسويداء وشهبا وفي مدن إيطاليا.

وفي العصر البيزنطي استمر الفن الفسيفسائي الزجاجي الذي ظهرت آثاره الرائعة في روما وميلانو Milano وفي كنيسة رافينا Ravina بصور الامبراطور جوستنيان الأول Justinien I والامبراطورة تيودورا Théodora وحاشيتها، وتعود إلى الأعوام 538-547م.

 

 

 «الامبراطور جوستنيان الأول وحاشيته» (فسيفساء في كنيسة رافينا، نحو 547م)

 

 

وينتهي عصر الفسيفساء الزاهر منذ عصر النهضة الإيطالية حين استعيض منه بالرسم الجداري الفريسك والزيتي، وكانت البندقية مركز صناعة فصوص الفسيفساء ومازالت حتى اليوم.

إلا أنه ثمة معامل لإعداد الفصوص الزجاجية كانت موجودة محلياً يتولاها صناع من أهل البلاد. ومن أشهر الفسيفساء الإسلامي في المنشآت الأموية الأولى، مثل المسجد الأقصى، وقد تجددت فسيفساؤه، ومسجد قبة الصخرة الذي مازال محتفظاً بفسيفسائه الداخلية إلا أن فسيفساءه الخارجية زالت وحل محلها ألواح الخزف، أما الجامع الأموي الكبير بدمشق فلقد كانت الفسيفساء شاملة الجدران جميعها في الحرم وفي أروقة الصحن، ثم سقط أكثرها بسبب ما أصاب الجامع من زلازل وحرائق، وأعيد ترميم بعضها.

تمثل فسيفساء مسجد قبة الصخرة عناصر زخرفية ونباتية، أما فسيفساء الجامع الأموي الكبير فهي تمثل مجموعات من البيوت الافتراضية والأشجار والجسور، واعتقد المؤرخون أنها تمثل الفردوس الذي وُعد به المؤمنون. وقد حفل قصر هشام بن عبد الملك والمسمى قصر الفجر قرب أريحا بروائع الفسيفساء التي تمثل أشكالاً نباتية أو تجريدية.

انتقل فن الفسيفساء إلى الأندلس فبدا في القسم الثالث من الجامع الذي أنشأه الحكم الثاني، ويُشاهد في قباب مصلية المحراب.

وثمة فسيفساء متأخرة يطلق عليها اسم «المشقف» وتتألف من فصوص حجرية ملونة هندسية التشكيل مؤلفة نسيجاً نجمياً هندسياً يُشاهد في الزخارف الشامية. وتنتشر فسيفساء مماثلة في المغرب وتونس ولكنها من فصوص جصية.

وفي العصر الحديث ثمة عودة إلى استغلال الفسيفساء في تنفيذ لوحات فنية كبيرة لتزيين الجدران العامة أو المباني مع استعمال الفصوص الحجرية أو الفصوص الزجاجية. ومن أضخم الألواح الفسيفسائية المعاصرة وأكثرها غزارة اللوحة التي تزين واجهة مكتبة مكسيكو للفنان غورمان Juan O’Gorman في عام 1952. وتمثل تطور الإنسان من عصر الأزتيك[ر] وإلى اليوم.

رُممت الفسيفساء الموجودة في البلاد العربية وحُفظ بعضها في المتاحف، مثل متحف باردو في تونس، ومتحف الإسكندرية. وفي سورية خصص للفسيفساء متحف معرّة النعمان وخان عثماني ضخم. ومتحف أفاميا في خان مماثل، عدا الموجود في متاحف دمشق وحماة والسويداء وفي متحف شهبا، حيث عثر على دارة villa رومانية أرضيتها مشاهد فسيفسائية رائعة رممت في مكانها الذي صار متحفاً.

عفيف بهنسي

الموضوعات ذات الصلة:

 العربي والإسلامي (الفن ـ).

مراجع للاستزادة:

ـ عفيف بهنسي، الجامع الأموي بدمشق (دار طلاس، دمشق 1982).


التصنيف : العمارة و الفنون التشكيلية والزخرفية
النوع : عمارة وفنون تشكيلية
المجلد: المجلد الرابع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 539
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1734
الكل : 52983733
اليوم : 15418

العمونانيات

العمونانيات   دعيت هذه المجموعة المنقرضة من المستحاثات بالعمونانيات Ammonoids لشبه أحد أنواعها المجهّز بقوقعة ملتفة على شكل قرن الكبش، بقرن عمون horn of Ammon ومنه أتت الكلمة عموناني التي تعني اللاحقة -oid شبيه الشيء، وتقابلها بالعربية (اني)؛ أي الألف والنون والياء. ومع ذلك يعرّب بعض علماء المستحاثات اسم هذه المجموعة بالأمونانيات.
المزيد »