logo

logo

logo

logo

logo

كالدرون دي لاباركا (بدرو)

كالدرون دي لاباركا (بدر)

Calderon de la Barca (Pedro-) - Calderon de la Barca (Pedro-)

كالدرون دي لاباركا (بدرو ـ)

(1600 ـ 1681)

 

بِدرو كالدِرون دي لا بارْكا Pedro Calderon de la Barca كاتب مسرحي وشاعر إسباني، يُشكّل مع دي بيغا وثربانتس ثالوث الإبداع الأدبي في العصر الذهبي Siglo de oro الإسباني (1570ـ1670)، وقد كان لمسرحياته الدنيوية الكبرى تأثير عالمي واسع مازال ممتداً حتى الوقت الحاضر.

ولد كالدرون في مدينة مدريد وتوفي فيها، وهو سليل عائلة من الأشراف. كان والده أميناً عاماً للمجلس الاقتصادي في بلاط فيليب الثالث. وأنجبت والدته سبعة أطفال كان ترتيبه الثالث بينهم، ثم توفيت وهي تضع الابنة الأخيرة، مما أثر عميقاً في نفسيته. وتشاء الأقدار أيضاً أن تموت حبيبته الوحيدة وهي تنجب له ابنه. ومع أن حوادث الموت عند الوضع كانت شائعة جداً آنئذ وبين مختلف الشرائح الاجتماعية فقد كانت العائلات تتطير من المولود وتعده شؤماً، وقد عبر كالدرون عن ذلك في مسرحيات عدة، ولاسيما في «الحياة حلم»  La vida es sueñoء(1635).

انتسب كالدرون بين عام 1608 و1613 إلى مدرسة يسوعية Jesuite، اكتسب فيها إضافة إلى العلوم الدينية المتنورة، قاعدة واسعة من العلوم الإنسانية والتقليدية واللغات القديمة، والتحق عام 1614 بجامعة «ألكالا دي إينارس» Alcala de Henares (قلعة عبد السلام كما كان يسميها العرب) قرب مدريد، وانتقل في العام التالي إلى سلمنقة Salamanca العريقة حيث زاوج بين دراسة اللاهوت ـ بناء على وصية والده المتوفى 1615ـ وبين الفلسفة والقانون والرياضيات وأنهاها عام 1620، وعاد إلى مدريد ليشارك في مسابقة شعرية مهمة، ففاز بإحدى جوائزها وتسلمها شخصياً من يد كبير الشعراء آنذاك لوبه دي بيغا. شارك بعد سنتين بمسابقة أخرى وفاز أيضاً بإحدى جوائزها التي تسلّمها هذه المرة من يد الملك فيليب الرابع الذي شمله برعايته. وإذا كانت هذه بدايته شاعراً غنائياً فقد كانت فاتحة نشاطه مسرحياً مسرحية طريفة ذات موضوع تقليدي في المسرح الإسباني حول الحب والشرف والمُلك، عرضها عام 1623 في القصر الملكي، وأتبعها بعملين آخرين في العام نفسه. ولكن على الرغم من مؤهلاته الثقافية والفنية وتربيته الدينية ووصية والده، اتسمت حياته في شبابه بكثير من الشطط والعبث والعربدة إلى حد أن باع وإخوته لقب أبيه ليسددوا ديّة شاب اتهموا بقتله، وغادر كالدرون على أثر ذلك إسبانيا في رحلة امتدت عامين كاملين إلى إيطاليا والأراضي المنخفضة، حيث متح من ينابيع الأدب والفن والفكر، وعاد إلى مدريد عام 1625 ليبدأ ربع قرن من الإبداع الأدبي الفني أنجز في أثنائه أعماله الكبرى كافة. وكانت هذه المرحلة حافلة بأنشطة واهتمامات متنوعة، فقد صار في عام 1628 شاعر بلاط فيليب الرابع ثم مدير مسرح القصر منذ عام 1635، وشارك في مطلع الأربعينيات ضابطاً في صد الاعتداء الفرنسي على إسبانيا، ثم في قمع حركة التمرد القطلونية التي كانت تسعى إلى الاستقلال عن إسبانيا، فنال بعض الأوسمة الملكية، وعمل منذ عام 1645 في خدمة الدوق دي ألبا De Alba، وفي أثناء ذلك كانت أوقاته لاهية حيناً ومتهتكة حيناً آخر، إلى أن تجاوز الأربعين من عمره، فأحب لأول مرة حباً حقيقياً جارفاً، فثبت على علاقته بهذه المعشوقة التي أنجبت له طفلاً. ومع أن كالدرون رُسِّم قسيساً عام 1651، إلا أنه اعترف بجرأة ـ على نقيض أخلاقيات العصر ـ بأبوته للطفل. وكان في أثناء هذه المرحلة أبرز وجوه التطور الثقافي الأوربي على مختلف الصعد، ويروي مؤرخوه أن بيته كان متحفاً زاخراً باللوحات الفنية الجميلة والكتب القيمة المتعددة والتحف النادرة.

على أثر وفاة خليلته في منتصف القرن، انعطفت حياة كالدرون على نحو حاسم عندما اختار سلك الكهنوت لبقية حياته على الرغم من الصعوبات الإجرائية التي اعترضت ذلك. إذ كان عليه إثبات أن دمه خالٍ من الأخلاط العربية الإسلامية واليهودية بتحقيقٍ يستقصي نسبه حتى الجد الأول، ليؤكد عراقة مسيحيته وأهليته لارتداء مسوح الكنيسة الكاثوليكية. أما العقبة الثانية، أي كونه من أهل الفن واللهو، فكان تجاوزها أسهل، وذلك لحاجة الكنيسة الماسة لقدراته المسرحية المتميزة، ولا سيما لإجادته مسرحَ الرموز الدينية، المتجسدة فيما عرف إسبانياً بـ«عروض قربان جسد المسيح» Autosascramentales التي ما زالت تقام حتى اليوم باحتفاليات شعبية واسعة. وأخيراً تم ترسيمه في كاتدرائية طليطلة Toledo، حيث بقي يمارس مهامه الدينية طوال عشرة أعوام، حتى استدعاه الملك فيليب الرابع ليقوم على خدمته الدينية، فانتقل إلى مدريد قسيساً للبلاط عام 1663، وصار بعد ثلاث سنوات كبير قساوسة العاصمة.

على الرغم من استغراقه في مهامه الدينية الروحية، وانشغاله بمراسم احتفالاتها المتعددة، ومواقف الكنيسة المتشددة ولاسيما محاكم التفتيش Inquisition الخطيرة، لم يتخل كالدرون عن نشاطه المسرحي واستمر في تأليف المسرحيات الدنيوية والدينية، لكنه ركّز جهوده على مواسم الاحتفالات الكنسية التي يأخذ المسرح فيها الحصة الرئيسية. ومع ذلك اضطر مرةً إلى المثول أمام محكمة التفتيش التي ناقشته في تأويل أحد الرموز الدينية وطالبته بتعديله فرضخ صاغراً.

إن السمة الرئيسية لمسرح كالدرون هي أنه فكري في المقام الأول، يتكئ على قاعدة ثقافية متينة ويحتضن تراثاً أدبياً خصباً، يتمثلّه ثمّ يتجاوزه ويثريه على صعيد المضمون والشكل الفني معاً. لقد كان كالدرون في الرابعة والثلاثين عندما كتب «الحياة حلم»، مما يكشف عن شخصية الشاعر المتأملة فلسفياً وحياتياً منذ ذلك الحين، لدرجة أن قال فيه غوته لاحقاً «إنه العبقري الذي رُزِقَ أكبر قدر من نفاذ الفهم وعمق الإدراك».

ترك كالدرون قرابة مئتي عمل مسرحي، بين المسرحية الدنيوية والدينية والفواصل Intermezzo، إضافة إلى كثير من القصائد. وعبر هذه الأعمال تابع الشاعر تقاليد المسرح الشعبي الإسباني في شكل فني أشد صقلاً، وبلغةٍ شعرية أبلغ وأعمق تأثيراً. لقد رأى كالدرون ببصيرة الشاعر المثقف الانهيار القادم لا محالة لإسبانيا، كسلطة عالمية استعمارية، فرفع في وجهه قيم الشرف والإيمان المسيحي التي كانت دعامات عظمة إسبانيا، وكذلك ترسيخ فكرة حرية الإرادة الإنسانية كعنصر حامل للتصور الجديد عما يجب أن يكون عليه المستقبل. ففي مسرحية «الأمير الصامد» El principe constante ء(1629) تنتصر حرية الإرادة في شخص الأمير دون فرناندوس Don Fernandos على ظلمٍ بشري يرى نفسه قدراً مسلطاً، وكما في شخصية وريثة العرش الكاثوليكية آنّا في مسرحية «انقسام الكنيسة الإنكليزية» La cisma di Inglaterra ء(1684) حيث تنتصر «الحقيقة الكاثوليكية» على بدع اللوثرية التي أدخلها الملك هنري الثامن إلى إنكلترا. وفي مسرحيات شهداء الكنيسة يقاوم الأبطال المزودون بروح الرب أعتى الغوايات، كما في «يوسف بين النساء»   El Josef de las mujeresء(1660)، أو في مسرحية «الحبيبة و الحبيب في الجنة» Los dos amantes del cielo ء(1660) حيث تحل التوبة النصوحة المنقِذة محل الخطيئة القاتلة. وفي مسرحية «ساحر العجائب» El magico prodigioso ء(1663) يحظى سيبريانوس Cyprianus بغفران الرب، على الرغم من ارتباطه سابقاً مع الشيطان. كذلك الأمر في مسرحية «مسرح العالم العظيم» El gran teatro del mundo ء(1675) حيث لايحتاج المشاركون في اللعب إلا انتظار كلمة الرب كي يدخلوا جناته. إن تعظيم إرادة الفرد الحرة والإعلاء من شأنها يترافق في مسرح كالدرون مع تمجيد مفهوم الشرف الرفيع، على نحو يجعل ظهور أدنى شائبة يؤدي حتماً إلى أوخم العواقب، ومثال ذلك مصائر مِنثيا Mencia في مسرحية «طبيب شرفه» El medico de su honra ء(1637) وسيرافينا Seraphina في «رسّام عارِه» El pintor de su deshonra ء(1639)وغيرهما من الفتيات العفيفات اللواتي يُضحّى بهن لأقل شبهة. فقد بولغ ظاهرياً بالمحافظة على قانون الشرف حتى بات شكلاً مفرغاً من محتواه، إذ إن التطرف في التشدد قد ينقلب إلى انحلال. إلا أن دفاع المستضعفين عن شرفهم في وجه تعديات ذوي الجاه والسلطة يعد إسهاماً في الحفاظ على الحرية والكرامة، كما في المسرحية المتميزة «قاضي زالامييا» El alcalde de Zalamea ء(1643)حيث ينصاع الملك للحكم الذي أنزله الفلاحون بحق الضابط الذي اعتدى على شرفهم، ويجعله جزءاً من قانون المملكة. وقد سبق لكالدرون أن عالج مسألة وعي الحاكم بالقيم الإنسانية لرعيته من دون تفريق، وضرورة تحكيمه العقل بدل الأهواء والغيبيات في «الحياة حلم» الشهيرة، والتي يرى بعض الباحثين أن الشاعر قد اقتبس حكايتها من قصة «النائم واليقظان» في «ألف ليلة وليلة».

اشتهر كالدرون باقتباساته من الأساطير الإغريقية للعروض التي كان يخرجها خصيصاً في احتفالات البلاط التي امتازت بالبذخ والأبهة على مستوى الديكورات والأزياء والحيل المسرحية. اشتهر أيضاً بمسرحياته الدينية التي كانت تقدمها الكنيسة في باحات الأديرة والكاتدرائيات والشوارع المحيطة بها، وكانت تحوز إعجاب حشود المشاهدين من مختلف فئات الشعب. ترجمت مسرحيات كالدرون إلى معظم لغات العالم، وبعضها إلى العربية.

نبيل الحفار

 الموضوعات ذات الصلة:

 

إسبانيا.

 

مراجع للاستزادة: 

 

ـ صلاح فضل، مقدمة لترجمة مسرحية «الحياة حلم» لكالدرون (من المسرح العالمي رقم 87، الكويت 1976).

ـ فيتو باندولفي، تاريخ المسرح، ج2، ترجمة الأب إلياس زحلاوي (وزارة الثقافة، دمشق 1981).

- A.E.SOLMAN, The Dramatic Craftsmanship of Calderon (Oxford 1958).


التصنيف : الآداب اللاتينية
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الخامس عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 881
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 564
الكل : 29665297
اليوم : 45307

بونج (فرانسيس-)

بونج (فرانسيس ـ) (1899 ـ 1988)   فرانسيس بونج Francis Ponge شاعر فرنسي و لد في مدينة مونبيلييه Montpellier لأسرة برجوازية بروتستنتية، أظهر منذ طفولته ميلاً للاستقلالية والحرية الفردية، سافر إلى بلجيكة وهولندة وإنكلترة وألمانية وهو ما يزال يافعاً. لكن ثمة ثلاث حوادث فاشلة طبعت مرحلة شبابه: عجزه عن الالتحاق بالجيش في سن السابعة عشرة، كما كان يتمنى، لوعكة صحية ألمت به، وفشله في نطق أي كلمة في الامتحان الشفهي النهائي لنيل الإجازة في الفلسفة، وتكرر ذلك في امتحان مدرسة دار المعلمين العليا Ecole normale supérieure.
المزيد »