logo

logo

logo

logo

logo

الكرنك

كرنك

Karnak - Karnak

الكرنك

 

يعدّ معبد الكرنك ـ بل معابد الكرنك ـ أكبر معبد في مصر القديمة وأفخمه، وربما أكبر من أي معبد معاصر في العالم؛ فضلاً عن أن هذا المعبد سجلّ أمين لتاريخ مصر القديمة وحضاراتها خاصة ومنطقة المشرق العربي القديم وما جاورها عامة. فمنذ عصر الدولة المصرية الوسطى (2050 ق.م) إلى العصر البطلمي، أي نحو ألفي سنة وحكّام مصر من فراعنة وغيرهم يضيفون المنشآت المعمارية المقدسة إلى هذا المعبد، مما جعل منه وثيقة تاريخية أصيلة؛ وبذلك يستطيع الباحث من خلال النقوش والنصوص المصرية القديمة التي زين الفراعنة بها جدرانه تتبع مراحل تاريخ مصر القديمة وعلاقاتها مع المشرق العربي القديم وجواره.

يقع معبد الكرنك في غربيّ طيبة إلى الشمال من معبد الأقصر بنحو ثلاثة كيلو مترات، ويعدّ المعبد الرئيسي للإله آمون، أحيط بسور من اللبن على هيئة مستطيل طوله 550م، وعرضه 480م، وسمكه 12م، يكتنفه ثماني بوابات. لم يُبن الكرنك في عهد ملك واحد، بل شارك في بنائه معظم ملوك الدولة الحديثة ومن جاء بعدهم، وقد عرف بالكرنك منذ العصور الوسطى.

آمن المصري في تاريخه القديم بعقيدة دينية؛ الإله فيها مصدر كل شيء في حياة الإنسان والوجود كلّه، فالنصر في المعارك الحربية منحة من الإله للملك، حيث يعيره سيفه وعلمه الإلهي، فيضع الخطة التي ألهمه إياها الإله، وينفّذها؛ فيحقق بذلك النصر. والإله يهيّئ الظروف الطيبة والرياح المناسبة كي تربح مشروعات الملك التجارية وحملاته التعدينية، وفي مقابل هذا الإحسان الإلهي؛ على الملك أن يشكر الإله الذي نصره في الحرب، ووفقه في التعدين؛ وذلك عن طريق تخصيص جزء من الغنائم والجزى والأرباح التجارية لمعبد الإله. ومنذ بداية عصر الدولة المصرية الحديثة (1580ق.م) خاضت مصر حروباً عديدة في منطقة بلاد الشام والنوبة، وكان النصر دوما حليفها. وهكذا تلقى معبد آمون حصّته من الغنائم والجزى والأرباح التجارية، ولذلك نمت ثروة معبد آمون مع مرور الأيام نماء كبيراً. وليعبّر الملك عن شكره لآمون إله العاصمة الامبراطورية (طيبة) الذي نصره ووفقه؛ بنى له قاعة أعمدة  فخمة تليق بربوبيته أو صرحاً أو مسلّة تعبيراً من الملك عن تقواه وورعه، وهكذا نشأت معابد الكرنك.

أقسام المعبد

يعد الملك أمنحوتب الأول (1550ق.م) أول من سعى إلى إقامة معبد للإله آمون رع في الكرنك، وقد اختار أرضاً مقدسة كان يشغلها معبد يعود تاريخه إلى عصر الدولة المصرية الوسطى، لكنه تُوفِّي دون أن يحقق حلمه؛ ولكن خليفته تحوتمس الأول حقق حلم سلفه، وعلى الأرض المقدسة نفسها، فكان عمله هذا النواة الأولى لمعبد آمون رع بالكرنك.

 

الجدران الخارجية للكرنك

بنيت معابد الآلهة في الدولة المصرية الحديثة حسب مخطط عامّ يضمّ معظمها العناصر الآتية:

ـ مرفأً صغيراً على نهر النيل أو على قناة تتصل بالنهر، كانت تستخدم في طقوس خاصة بزيارة الإله.

صف من التماثيل على هيئة أبي الهول عند أحد جانبي طريق الإله (الكرنك)

ـ طريق الإله: يسبق هذا الطريق واجهة المعبد (الصرح)، ويوضع على جانبيه صفان من التماثيل على هيئة «أبي الهول»، برأس كبش ترمز للإله آمون الذي يحمي الملك الذي نقشت صورته على صدر التمثال.

ـ الصرح (بيلون pylon حسب التسمية اليونانية): بنى المصري الصرح في مقدمة المعبد. وهو بناء ضخم ذو برجين بقاعدة مستطيلة، بينهما مدخل من حجر الغرانيت لكنه أقلّ ارتفاعاً منهما، وله باب من خشب مغشى بمعدن ثمين. والصرح يرمز للأفق؛ أي إن المصري تصوّر البرجين كجبلين تشرق من خلالهما الشمس؛ وهكذا فقد أصبح المعبد يمثل بداية الكون.

مسلة معبد الكرنك

ـ المسلّة: كتلة واحدة من حجر الغرانيت، ذات مقطع رباعي تميل جوانبها إلى الداخل بدءاً من قاعدتها المربعة بحيث تنتهي ذروتها بهرم مدبب، كانت تكسوه صفائح معدنية، وكانت تحلّي جوانبها كتابة هيروغليفية تتضمن ألقاب من أقامها وأسماءه، وهي رمز من رموز إله الشمس رع.

ـ تقسم معابد الآلهة في عصر الدولة المصرية الحديثة بعد الصرح إلى ثلاثة أقسام: البريستيل Peristyle؛ وهو فناء مكشوف مخصص لعامة الناس، ثم يليه  قاعدة الأعمدة Hypostyle؛ وهي مخصصة لتتويج الملك والخاصة من الناس، وأخيراً قدس الأقداس حيث يستقرّ تمثال الإله، ولا يصل إليه إلا الملك ورئيس الكهنة؛ وأهمّ أقسام معبد آمون رع بالكرنك من الغرب إلى الشرق.

الصرح الأول: يقع في مقدمة المعبد من جهة الغرب، يبلغ طوله 113م، وارتفاعه 40م، وسمكه 15م. يرجع تاريخ بنائه إلى الأسرة الثلاثين.

يلي الصرح الأول فناء مكشوف، يرجع تاريخه إلى الأسرة الثانية والعشرين (الليبية). وقد بنى رعمسيس الثالث معبداً في أقصى الجنوب الشرقي من هذا الفناء خصّصه لثالوث طيبة: آمون ـ موت ـ خنسو. يأتي بعد الفناء الصرح الثاني، وهو مهدم، بدأ بناءه الملك حورمحب من الأسرة الثامنة عشرة، وأكمله رعمسيس الأول من الأسرة التاسعة عشرة؛ وهو يؤدي إلى صالة الأعمدة.

صالة الأعمدة: بناها الملك سيتي الأول من ملوك الأسرة التاسعة عشرة، وهي قاعة الاحتفالات العظيمة في معبد الكرنك. تقع في وسط المعبد، وتشغل عرضه كلّه بطول 103م وعرض 52م، وبذلك تبلغ مساحتها نحو 5400م2. يحمل سقفها 134 أسطوانة (العمود الذي بدنه على شكل أسطوانة)، تتوزع إلى ستة عشر صفاً. يشغل وسط القاعة اثنتي عشرة أسطوانةً في صفين، لكلّ منها تاج على شكل زهرة بردي يانعة. يمكن لمئة شخص مجتمعين أن  يقفوا عليه، حيث يبلغ قطره 5.5م، وارتفاعه 19.25م، وهذه الأسطوانات أعلى من الأسطوانات الجانبية؛ وذلك لغرض الإضاءة. أما الأسطوانات الجانبية فيبلغ عددها 122 أسطوانة بارتفاع 14.75م، وهكذا يخيل للمرء أنه أمام غابة كثيفة من البردي، فتشيع في النفس إحساساً بالإعجاب والرهبة.

ثم تتوالى الصروح والقاعات التي بناها ملوك الأسرة الثامنة عشرة (أمنحوتب الثالث، تحوتمس الأول، تحوتمس الثالث، حتشبسوت، حورمحب) حتى الوصول إلى قدس الأقداس في نهاية المعبد، حيث بلغ مجموع الصروح في معبد آمون رع بالكرنك عشرة صروح. ولكن لابد من وقفه قصيرة عند إنجازات الملك تحوتمس الثالث لأهميتها.

 

أعمدة معبد الكرنك

شيَّد تحوتمس الثالث الصرح السادس، ويليه مباشرة صالة حولياته ذات النصوص التاريخيّة بالقرب من قدس الأقداس، كما شيد الصالة الثانية للحوليات الخاصة بحملاته العسكرية. وفي هذا الجزء من المعبد عثر في إحدى الحجرات الصغيرة التي سميت حجرة الأجداد على ثبت الكرنك من عهد تحوتمس الثالث، وقد حوى هذا الثبت أسماء واحد وستين ملكاًً من ملوك مصر الذين حكموا قبله، لكن هذا الثبت نقل إلى متحف اللوفر بباريس، كما عثر على حجرة نقشت على جدرانها أنواع عديدة من النباتات والحيوانات التي أحضرها تحوتمس الثالث من سورية (حديقة النباتات).

المسلات: تعد المسلات جزءاً مهماً في النسيج العمراني للكرنك، وقد أقام ملوك الدولة المصرية الحديثة مسلات في نواح عديدة بمعبد الكرنك خاصة ومصر عامة، لكن لم يبق منها إلا القليل، حيث نقل معظمها إلى إيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والقسطنطينية وإنكلترا ولم يبق في مكانه بالكرنك غير مسلّتين؛ إحداهما لتحوتمس الأول والأخرى لحتشبسوت.

لم يقتصر المصريون على بناء معبد آمون رع في غربيّ طيبه فحسب، ولكنهم بنوا العديد من المعابد لآلهتهم، إذ يحتوي  الكرنك- إلى جانب معبد آمون- على معابد أخرى عديدة، يُذكر منها معبد (موت) زوجة آمون، ومعبد ابنها (خونسو) إله القمر، ومعبد الإله (بتاح) إله مدينة منف، ومعبد الإله منتو رب طيبه القديم.

النصوص التاريخية

نقش معظم ملوك الأسرة الثامنة عشره والتاسعة عشره أخبار انتصاراتهم على أعدائهم، منهم -على سبيل المثال- تحوتمس الثالث وأمنحوتب الثاني وسيتي الأول ورعمسيس الثاني. كما عثر الباحثون على لوحة عليها نصوص معاهدة السلام، التي عقدها رعمسيس الثاني مع الحثيين في العام 21 من حكمه، وعثر على جدران الكرنك على أسماء الإمارات السوريّة التي استولى عليها تحوتمس الثالث في أثناء حربه في سورية.

وهكذا يمكن القول: إن معبد آمون رع ومعابد الآلهة المصرية الأخرى بالكرنك سجلّ تاريخيّ وحضاري مهمّ، لا غنى عنه لمن يريد أن يدرس تاريخ مصر القديمة وحضارتها.

محمود عبد الحميد أحمد

مراجع للاستزادة:

ـ جيمس بيكي، الآثار المصرية، ترجمة شفيق فريد ( القاهرة 1967).

ـ محمود عبد الحميد أحمد، دراسات في تاريخ مصر الفرعونية (دمشق 1996).

ـ جورج بوزنر، معجم الحضارة المصرية القديمة، ترجمة أمين سلامة (القاهرة 1992).


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : سياحة
المجلد: المجلد السادس عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 179
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 561
الكل : 31208099
اليوم : 33256

الأسترونيزية (اللغات-)

الأسترونيزية (اللغات ـ)   تؤلف اللغات «الأسترونيزية» Austronesian Languages، وتسمى أيضاً اللغات الملايوية البولينيزية Malayo Polynesian، أسرة لغوية رئيسية مستقلة تعد واحدة من أكبر الأسر اللغوية في العالم إذ تضم أكثر من خمسمئة لغة تنتشر في ماليزية والأرخبيل الإندونيسي والفيليبين وفي أجزاء من فييتنام وكمبودية وفي تايوان (فورموزا) ومدغشقر وجزء من جزر المحيط الهادئ (عدا أسترالية والجزء الأكبر من غينية الجديدة). وقد أسهمت كثرة لغات الأسرة وتعدد مناطق انتشارها في تعثر محاولات كثيرة لتحديد مهد اللغة «الأسترونيزية» الأم Proto- Austronesian، فقد ذهب بعض علماء اللغة إلى أنها كانت سائدة في جنوب شرقي آسيا أو في جنوبي الصين، ويرى آخرون أن مهدها هو «إندونيسية» أو ربما غينية الجديدة. ومهما يكن المهد الحقيقي «للأسترونيزية» الأم فإن الدارسين يتفقون على أن أكثر سماتها الصوتية والصرفية والنحوية الرئيسة وجدت طريقها إلى أكثر تراكيب لغات الأسرة الحالية ومفرداتها.
المزيد »