logo

logo

logo

logo

logo

كركميش (جرابلس)

كركميش (جرابلس)

Carchemish - Karkemish

كركميش (جرابلس)

 

كركميش Carchemish (Karkamis) موقع أثري على الضفة اليمنى لنهر الفرات، شمال مدينة جرابلس الحدودية، يقسمه خط الحدود السورية ـ التركية الذي يضع الجزء الرئيسي منه في الجانب التركي.

بدأت التنقيبات، الإنكليزية الأولى، في التل منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، على يد كل من هوغارث D.G.Hogarth وتومبسون R.C.Thompson، ووولي L.Woolley ولورنس T.E.Lawrence. وتبين أن هذا الموقع قد سُكن أول مرة منذ الألف الخامس ق.م، عصر حضارة حلف، وعلى امتداد الألفين الرابع والثالث ق.م، عصر حضارة الوركاء، وقد كُشف من هذه العصور عن قبور غنية جداً بالأواني الفخارية المزخرفة.

ورد اسم كركميش أول مرة في النصوص العائدة إلى نهاية الألف الثالث ق.م مدينة خضعت لنفوذ مملكة إبلا ـ كما ذُكرت في أرشيف ماري ـ في بداية الألف الثاني ق.م، تحكمها أسرة مستقلة نسبياً تبادل ملوكها، إبلا خندا Ebla hand وياتار ـ آمي Yatar-Ami، الرسائل مع زمري ليم Zimri-lim ملك ماري التي استوردت من كركميش الخشب والخمر والحبوب، وربطتها بها علاقات تجارية وسياسية طيبة. استمر ورود اسم كركميش في النصوص القديمة بعد سقوط ماري وعلى امتداد القرون السابع عشر والسادس عشر والخامس عشر ق.م. وفي منتصف القرن الرابع عشر ق.م احتلها الملك الحثي شوبيلوليوما الثاني Suppiluliuma II ونصّب ابنه ملكاً عليها لتغدو إحدى أهم القلاع الحثية في المنطقة وأقواها، وليتسع نفوذها، وخاصة في عهد مورشيلي الثاني Mursili II ليصل إلى شواطئ المتوسط (أُغاريت) غرباً وحوض الفرات (إيمار) شرقاً، كما أنها قادت الحرب في معركة قادش إلى جانب الحثيين وأدت دوراً مهماً في الدفاع عن الامبراطورية الحثية ضد القوى المنافسة من حوريين وآشوريين ومصريين وغيرهم؛ بل إنها كانت من المدن القليلة التي استطاعت الصمود في وجه شعوب البحر التي اجتاحـت المنطقة في مطلع القرن الثانـي عشـر ق.م، وأصبحت كـركميش على امتداد القرون التاليـة أهم الممـالك الحثية الجديدة Neo-Hittite، التي يفضل بعضهم أن يسميها اللوڤـية ـ الآرامية Luwio-Aramean، وخاضت حروباً قاسية دفاعاً عن استقلالها قبل أن يتمكن سارغون الثاني، في عام 717 ق.م من إخضاعها للحكم الآشوري المباشر.

 

لوح مسماري يبين حكماً صادراً بحق الملكة «بيدو» التي كانت ملكة أغاريت يوماً قبل نفيها.

وقد مُهِر بخاتم حول اللوح كله يصور الإلع شاروما مسكاً بفأس مزدوجة وصولجان (كركميش، سورية 1250 - 1240 ق.م)

لا توجد معطيات أثرية عن مدينة كركميش في الألف الثالث ولا في الألف الثاني ق.م عندما كانت مقراً لنائب الحاكم الحثي الكبير، لأن التنقيبات الأثرية لم تصل إلى عمق طبقات تلك العصور، التي اقتصرت المعلومات عنها على الوثائق الكتابية التي وُجدت في مواقع أخرى وخاصة في ماري وحاتوشا وأُغاريت وإيمار.

أهم المكتشفات الأثرية لمدينة كركميش القديمة تعود إلى العصر الحثي الجديد، أو السوري ـ الحثي Syro-Hittite، وخاصة الفترة الواقعة بين القرن العاشر والثامن ق.م، وهو العصر الذهبي لهذه المدينة التي قادت بقية المدن السورية ـ الحثية وتقاسمت النفوذ في المنطقة إلى جانب الممالك الآرامية والفينيقية المعاصرة. لقد كُشف من هذا العصر عن مدينة ضخمة بلغت مساحتها نحو 150 هكتاراً، طغى عليها الطابع الحثي، ذو التأثيرات السورية، دلت عليه العمارة والمنحوتات والكتابات الهيروغليفية. بُنيت المدينة في مكان استراتيجي منيع وحُصّنت بسور ثلاثي أحياناً، وأبراج دفاعية قوية، وتألفت من المدينة المرتفعة، القلعة، والمدينة المنخفضة. وقد كُشف في المدينة المرتفعة عن معبد إله العاصفة تارهونزا Tarhunza، نظير بعل السوري، وعن القصر الملكي الذي نُفذ وفق المخطط المعروف «بيت حيلاني»، أي البيت العالي المؤلف من قاعة مركزية مستطيلة، يتقدمها رواق، مدخلها في منتصف ضلعها الطويل وتحمل سقفها الأعمدة، وهو النموذج الذي بُنيت وفقه معظم القصور الآرامية. كما كُشف عن طريق المراسم المتميز بمنحوتاته الرائعة؛ وهناك الدرج والبوابات الضخمة التي تحرسها تماثيل الأسود وأبي الهول، بينما انتشرت الأبنية السكنية والمشاغل في المناطق الفاصلة بين الأسوار. من أهم ما يميز عمارة كركميش هو إكساء جدرانها ـ وخاصة الأجزاء الدنيا منها والبوابات والمداخل بما فيها طريق المراسم ـ بالبلاطات الحجرية الكبيرة (أورتوستات orthostate) المقطوعة من الحجر البازلتي أو الكلسي، والتي حملت صوراً وأشكالاً نُفذت بالنحت النافر relief وتناولت موضوعات دينية وميثولوجية وسياسية وعسكرية غنية، فجسدت آلهة العاصفة والشمس والقمر، وهي تتربع على الأسود الكاسرة، كما تناولت الأحداث الكبيرة، كحروب كركميش وصراعاتها وانتصاراتها.

ومن أهم ما حملته هذه المنحوتات هي الكتابات الهيروغليفية الأناضولية، اللوڤية Luwian، التي دونت تاريخ المملكة وملوكها الأقوياء، مثل سوحي الثاني Suhi II وابنه كاتووا Katuwa، وأرَّخت لأحداثها السياسية والدينية والاقتصادية. وتعد هذه النقوش الكتابية، إضافة إلى الحوليات الآشورية، أهم المصادر عن تاريخ كركميش، التي كانت واحدة من أقوى ممالك عصرها، مثلها مثل ممالك غوزانا وعين دارا وحماة ودمشق وغيرها. كانت الزراعة أهم مصدر اقتصادي لهذه المملكة، تلتها في ذلك التجارة التي ساعد على ازدهارها موقعها الاستراتيجي المهم على خط نهر الفرات العالمي.

بعد سقوط الامبراطورية الآشورية الحديثة، عام 612 ق.م، خضعت كركميش لحكم الدولة البابلية الجديدة، وفيها ألحق نبوخذنصّر الثاني هزيمة نكراء بالمصريين، ثم تبعت للامبراطورية الفارسية، بعدها خضعت للحكم الهلنستي، ودعيت باسم يوربوس Europus من دون أن يبقى لها شأن يذكر.

سلطان محيسن

الموضوعات ذات الصلة:

الآراميون ـ الحثيون.

مراجع للاستزادة:

 - J.M.SASSON (ed.) Civilizations of the Ancient Near East, Vol. II (USA 1995).

 - F.JOANNES  (dir.) Dictionnaire de la Civilisation Mésopotamienne (Paris 2001).


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : سياحة
المجلد: المجلد السادس عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 536
الكل : 31298387
اليوم : 46575

ثَر اللبن

المزيد »