logo

logo

logo

logo

logo

إيطالية (التاريخ)

ايطاليه (تاريخ)

Italy - Italie

إيطالية

 

جمهورية إيطالية R.Italie  (Republica Italiana) دولة أوربية، تقع في القسم الأوسط الجنوبي من القارة الأوربية، وتَشْغَلُ امتداداً أو لساناً قارياً يمتد جنوباً بين البحر التيراني والبحر الأدرياتي[ر] من البحر المتوسط، ويمتد شمالاً في اتجاه عمق القارة الأوربية.

أما موقع إيطالية فلكياً فينحصر بين خطي عرض 36 درجة و45دقيقة و47 درجة شمالاً وبين خطي الطول 4درجات و40دقيقة و18درجة و15دقيقة شرقاً.

بلغ عدد سكان إيطالية في عام 1984 نحو 56.950.000 مليون نسمة وبلغ 57.380.000 نسمة عام 1996. أما المساحة فتبلغ 301323كم2. وفي إقليم مدينة رومة تقع دولة الفاتيكان[ر]، وهي مقر الكرسي البابوي.

الأوضاع الجغرافية الطبيعية

إيطالية شبه جزيرة تمتد داخل البحر المتوسط جنوب أوربة. وتعلو فوق أغلب أراضي إيطالية سلسلتان من الجبال هما سلسلة جبال الألب في الشمال، وسلسلة جبال الأبنين، التي تمتد من الشمال الغربي نحو الجنوب الشرقي تشطر شبه الجزيرة إلى شطرين. وتنقسم الأراضي الإيطالية إلى ست مناطق تضريسية:

1 ـ التضاريس:

أ ـ جبال الألب: تستأثر إيطالية بالقسم الأعظم من سلاسل جبال الألب[ر]، وأمّا القسم الآخر فيكوّن أجزاء تضريسية متميزة لكثير من الدول الأوربية. وتمتد جبال الألب من الشرق إلى الغرب لأكثر من 1000كم، أما سفوحها فشديدة الانحدار قليلة المسالك الطبيعية التي تفصل بين القمم عادةً، ففي الغرب، تُكوّن جبال بيمونت الألبية المحصورة بين ممر التار وممر سيمبلون سفوحاً منضّدة تتوسط أجزاءها العلوية قمم جبلية تحوي جليديات مثل قمة مون فيسور ومون بلان ومون روز.

وباستثناء وادي أوستيه، فإن جميع الأودية التي تهبط من هذه السلاسل الجبلية تتصف بقصر مجاريها الطولانية، كما أن انحداراتها أعنف بكثير من انحدارات الأودية التي تهبط نحو السفوح الألبية الفرنسية.

أما في الوسط، فإن سلاسل لومباردية الألبية التي تمتد حتى وادي أديج تحوي أيضاً كتلاً جبلية شاهقة تصل إلى نحو 4052م في قمة بيرنينا، إضافة إلى أقاليم مطلع الألب الكلسية المشهورة التي حززتها أو ثلمتها عوامل الحت الجليدي الرباعي، مما تسبب  في تكون حفر طويلة وعميقة أو منخفضات ذوات أصول كلسية تشغلها حالياً سبع بحيرات مائية. وأكبر هذه البحيرات بحيرة ماجوري، وبحيرة لوغانو، وبحيرة كومو، وبحيرة لاغاردا. أما إلى الشرق فإن جبال الألب الفينيسية (نسبة إلى فينيسية أي البندقية) التي تربط إيطالية بألمانية، هي قليلة الارتفاع نسبياً، مجزّأة، ضعيفة الترابط فيما بينها، كثيرة الأحراج البرية وتسود فيها الصخور الكلسية التي تغطي السفوح وتصعد حتى الأجزاء المرتفعة إلى نحو 3342م في قمة مارسولا المشهورة بجروفها الصخرية ـ المخربة.

ب ـ سهل البو[ر]: يشغل سهل البو اليوم المساحات نفسها التي كان يشغلها سابقاً خليج بحري ثلاثي ـ رباعي، وهي مملوءة بردميات وأنقاض منقولة من جبال الألب وجبال الأبنين. وتكثر في السهل المصبات أو النهايات الدنيا للأودية الألبية الرئيسية، وركام وحجارة مجروفة بفعل نشاط جليدي سابق، ومصاطب حصوية قديمة تغطي تربة خصبة جداً. وفي المواقع التي تتقاطع أو تلتحم عندها الطبقات العليا والطبقات السفلى من هذه المصاطب تنبجس سلسلة من الينابيع على امتداد هذه المصاطب، وتستخدم للري والأعمال الزراعية المختلفة.

ج ـ سلاسل جبال الأبنين: تتكوَّن صخور هذه الجبال من أصول مختلفة، وهي نتاج حركات بنائية ـ تكتونية ـ حديثة نسبياً مقارنة مع الحركات البنائية التي كوّنت جبال الألب. وتحتل هذه السلاسل مساحات واسعة في واحدة من أكبر الأقاليم المضطربة، التي شهدت حركات وهزات أرضية عنيفة وانفجارات بركانية، وما تزال مهيأة لذلك.

ويتصف الجزء الشمالي من هذه الجبال بكونه جبالاً متوسطة الارتفاع وذات قمم جبلية ملساء إلى حد ما، وذات سفوح مخددة مملوءة بالأنقاض والمجروفات. وتنطبق هذه الحالة على جبال الأبنين التي تطل على خليج جنوة وجبال الأبنين التوسكانية.

أما جبال الأبنين الوسطى (سلاسل الأبنين الأمبرية والأبنين الأبروزية) التي تشرف على الساحل الأدرياتي فتتصف باستمراريتها، وقد تنقطع بفعل شريط من التلال الصلصالية ـ الرملية.

د ـ سهول شبه الجزيرة وتلالها: بالنظر إلى موقع إيطالية الجغرافي الذي تسبب في تنوع التضاريس، فإن من النادر وجود سهول مستوية تمتد على مساحات واسعة، ولذلك فإن السهول هنا تعني مجموعة من الهضاب القليلة الارتفاع والممرات الطبيعية والسهول القدمية أو الأحواض المغلقة.

إن السهول الحقيقية في إيطالية هي التي توجد اليوم على المساحة نفسها من الأراضي التي كانت تشغلها في الحقب الجيولوجي الرابع هضاب الأنهار الساحلية مثل أرنو Arno، والتيبر Tiber، وسيل Cele، أو بحيرات داخلية رباعية مثل فيرزيليا Versilia، ومارمّه Maremma.

هـ ـ الجزر: إن التداخل الكبير بين البحر والبر ومايتبعه من جزر هو من الخصائص المهمة لإيطالية،  فمساحة جزيرتي سردينية وصقلية وحدهما تبلغ 16% من مساحة إيطالية. وجزيرة سردينية كتلة هرسينية قديمة متفككة ومحصورة بين هضبتين كارستييتين هما: هضبة  بارباغي Barbagie التي ترتفع إلى 1834م في قمة غنّارغينتو Gennargentu، وهضبة إيغليزنتي Iglesiente الانهدامية. وفي الجزء الشمالي من سردينية تظهر أشكال تضاريس بركانية قديمة.

أما جزيرة صقلية فإن ملامحها التضريسية إفريقيَّة أكثر مما هي أوربيّة وتتماشى شواطئها الشمالية على امتداد سلاسل جبال مادوني، وعلى سفوحها الجنوبية تظهر التلال الغضارية المنضّدة، أما في الشرق فيظهر بركان إتنا Etna الناشط.

و ـ الشواطئ: لإيطالية شواطئ بحرية طويلة، ولها الكثير من الواجهات البحرية. تصل أطوالها إلى 6430كم. ولهذه الشواطئ مظاهر تضريسية مختلفة ومتعددة وخاصة الأشكال التضريسية البحرية المغمورة التي تشكلت بفعل عوامل الغمر البحري إبان العصر الجليدي، وإضافة إلى ذلك فإن الشواطئ الصخرية قد تفككت وكوّنت الكثير من الموانئ الطبيعية ذات الشروط الملائمة مثل ليغورية Liguria، وأمالفي Amalfi، أما الشواطئ المستقيمة، فهي التي تطل على البحر الأدرياتي.

2ـ المناخ: مع طول الشواطئ الإيطالية وإشرافها على البحار بواجهات متعدّدة، فإن الشمال الإيطالي يكاد لايستفيد من التأثيرات المناخية البحرية الرطبة. فالجزء الشمالي من إيطالية يقع تحت تأثيرات مناخية قارية، فسهل البو مثلاً يتأثر بشدة بالرياح القطبية الباردة في الشتاء ويكون معرّضاً في الصيف لتأثير كتل هوائية أطلسية حارة ورطبة. وفي الوقت نفسه من السنة تكون البندقية أكثر برودة من لندن وأكثر حرارة من الدار البيضاء. لذلك فإن النظام المناخي المعقد لسهل البو الذي يتصف بأمطاره المبكرة وغزارة الهطل في الخريف وقصر فصل الشتاء، يمكن عدّه نموذجاً للتباين المناخي الكبير الذي يعم الجزء الشمالي من إيطالية.

أما شبه الجزيرة ومايتبعها من جزر فإنها تقع ضمن نطاق المناخ شبه المداري (فوق المداري) إذ يظهر تأثير الرياح الصحراوية في أحيان كثيرة. ولذلك فإن الصيف يكون حاراً والشتاء مشمساً جافاً، وبالمقابل فإن تأثير الرياح الأطلسية يؤدي إلى ظهور طقس غير مستقر، يتصف بحرارة معتدلة وترافقه أمطار غزيرة ومناخ مُتقلّب يختلف من سنة إلى أخرى، وخاصة في أوقات هبوب الرياح.

أما المناخ المتوسطي فلايظهر بخصائصه المتميزة إلا في أقاليم قليلة جداً وعلى الأخص في ليغورية، وجزيرة صقلية وفي كلابرية Calabria. وعموماً فإن التناقض المناخي يكون واضحاً جداً في هذه البلاد، إذ يكون الشتاء دافئاً جافاً في الجنوب، وبارداً جداً على سواحل الأدرياتي، وعاصفاً في سلاسل الأبنين وجبال الألب.

الأقاليم الطبيعية والتقسيمات الإدارية

تقسم إيطالية وفق التقسيمات الإدارية المتطابقة إلى حد كبير مع الأوضاع الطبيعية إلى 20 محافظة تضم95 مقاطعة، وتدخل هذه الوحدات الإدارية ضمن ثلاث وحدات أو ثلاثة أقاليم جغرافية أساسية هي:

1 ـ إقليم الشمال والشمال الغربي: ويضم محافظات لومباردية Lombardia وبيمونت Piemonte وفالي د.أوستة Valle D.Aosta وليغورية ويتبعها 20 مقاطعة أخرى تتوضع في الجزء الشمالي الغربي والمثلث الصناعي البالغة مساحته نحو 58000كم2 ويساوي خمس مساحة البلاد، ويضم نحو 30% من مجموع سكان إيطالية ولكنه يسهم بنحو نصف الإنتاج القومي.

2 ـ إقليم الوسط والشمال الشرقي: يضم هذا الجزء نحو 37 مقاطعة وثماني محافظات منها: لاتيوم العليا Latium وأومبرية Umbria، ومارش Marche، وتوسكانة Toscana، واميلية روماغنا Emilia Romagna. تبلغ مساحتها نحو 115,000كم2 وتحوي نحو 35% من مجموع السكان.

تعد الوحدات الواقعة في أقصى شمالي إيطالية وشرقيها متخلفة اقتصادياً وغير نامية ومستوى دخل الفرد فيها أقل بكثير من مستوى دخل الفرد في الشمال والمثلث الصناعي.

أما تلك الواقعة في الوسط فلها خصائص مناطق البحر المتوسط والجنوب الإيطالي، وعرفت نمواً اقتصادياً وأصبحت مركزاً جاذباً للهجرة بفضل وجود العاصمة رومة فيها.

3 ـ جنوبي إيطالية والجزر التابعة له: يشغل هذا الجزء من البلاد نحو  128000كم2 ويحوي نحو 35% من عموم السكان. يضم هذا الإقليم 35 مقاطعة وثماني محافظات منها لاتيوم الجنوبية Latium أو المتوسطية وأبروزو،  وكامبوباسو Campobasso وموليزه Molise، إضافة إلى جزيرتي صقلية Sicilia وسردينية Sardinia.

الأوضاع البشرية والسكانية

ينتمي سكان إيطالية من الناحية العرقية إلى ثلاثة مجموعات بشرية رئيسية هي:

ـ شعوب البحر المتوسط وشبه الجزيرة الإيبيرية: وهم على العموم صغار الأجسام مستطيلو الرؤوس وبشرتهم سمراء قاتمة.

ـ الألبيون: وهم ذوو أجسام متوسطة الحجم قصيرو العنق والرأس وبشرتهم سمراء أيضاً.

ـ الديناريون: وهم طوال الأعناق والرؤوس نسبياً ولهم بشرة سمراء أيضاً.

ومع أن إيطالية عرفت الكثير من الاجتياحات البشرية المبكرة منذ عصور ماقبل التاريخ فإن بقايا الغزاة قليلة جداً، ومنهم الأقوام الشمالية الشقراء التي تعيش اليوم في سهل البو وجزيرة صقلية، وكذلك أقوام البحر المتوسط الذين يعيشون اليوم في وسط إيطالية وجنوبيها. كان من الطبيعي أن يؤدي هذا التباين العرقي المهم إلى تعدد في اللغات والثقافات مما يعدّ إحدى الخصائص المهمة التي تختص بها إيطالية، إذ يتكلم السكان اللغة الإيطالية وهي اللغة الرسمية للبلاد وإلى جانبها يتكلم سكان التيرول الجنوبي اللغة الألمانية، وسكان وادي أوستة اللغة الفرنسية والبروفنسية. ومجموعات أخرى تتكلم اللغة اللادينية Ladin (من اللغة الرومانية القديمة) بالإضافة إلى اللغة الرومانشية في التيرول الجنوبي واللغة السلوفينية في تريستة. ويعتنق نحو 99% من السكان المسيحية على المذهب الكاثوليكي، أما الباقون فهم أقليات من المذهبين البروتستنتي والأرثوذكسي، وقليل من اليهود.

1ـ الخصائص الديمغرافية البارزة: تحاول إيطالية اليوم إيجاد حلول جذرية لواحدة من أكثر المشكلات الاجتماعية أهمية وهي مسألة النمو السكاني ومشكلة البطالة المتفاقمة. إذ وصل معدل نمو السكان مؤخراً إلى نحو 0.2% (بين 1985-1996) وهي أعلى نسبة زيادة سكانية في دول أوربة، وعليه فإن سكان إيطالية يزدادون سنوياً نحو ربع مليون نسمة في حال المحافظة على هذا المعدل من النمو. ووصلت نسبة البطالة لعام 1998 إلى 12.2%.

وهذه الخاصية الديمغرافية انعكست على فتوة السكان الذين ارتفع عددهم من 47.5 مليون نسمة في عام 1957 إلى نحو 53 مليون نسمة في عام 1970، وإلى أكثر من 56.7 مليون نسمة عام 1991 وأكثر من 57.3مليون نسمة عام 1996. أما فيما يخص توزع السكان بحسب فئات الأعمار الرئيسية فقد وصلت نسبة السكان الذين تقل أعمارهم عن 21 سنة إلى نحو 33.6% من السكان، ونسبة فئة الأعمار المحصورة بين 22 و64 عاماً وصلت إلى نحو 56.8% و9.6% للذين تزيد أعمارهم على 65 سنة.

2ـ هجرة واسعة نحو الخارج: إن تحول إيطالية المفاجئ بعد الحرب الثانية إلى بلد صناعي يستخدم اليوم كلّ التقنيات الحديثة يستحق الوقفة عنده، ولكن لابد من الإشارة إلى أن القطاع الصناعي الإيطالي الحديث لا يستوعب إلا نحو 31.5% من مجموع الأيدي العاملة الإيطالية. لذلك فإن إيطالية أصبحت تشكّل مستودعاً بشرياً للأيدي العاملة العادية والمؤهلة يغذي كل حاجات الدول الأوربية وبخاصة فرنسة، وألمانية، وبلجيكة، وسويسرة، إضافة إلى تغذية الكثير من مراكز الهجرة الدولية بموجات كبيرة من الهجرات القادمة من كل بقعة من إيطالية نحو الولايات المتحدة الأمريكية، والبرازيل، وفنزويلة، والأرجنتين، وقد بلغ مجموعهم في تلك المهاجر مؤخراً نحو 7 ملايين مهاجر.

3ـ الهجرات الداخلية ونمو المدن: إن الهجرة وتحرك السكان وخاصة من الجنوب نحو الشمال، أي من المناطق الفقيرة نحو الغنية من أجل البحث عن مصادر رزق أخرى، ماتزال تحدث خللاً في الوسط السكاني وتُغيِّرُ بسرعة معالم التجمعات السكانية، وتزيد من عدد سكان المدن الكبيرة التي أصبحت تجتذب الكثيرين من الأرياف الذين يقيمون عادة في أكواخ من الصفيح أو الأخشاب في أحياء بؤس فقيرة معدومة الخدمات تتبعثر على مداخل المدن وأطرافها. إن هذه الأفواج المتجهة من كلّ مكان نحو الشمال وخاصة من الجنوب الذي يساهم بنحو مليوني مهاجر كان دافعها الأول هو وجود فرص العمل في الشمال إثر التطور الصناعي المتنامي الذي عرفته إيطالية منذ بداية الستينات، ولكن تلك الهجرات أسهمت أيضاً إسهاماً غير مباشر في نمو المدن الإقليمية في ذلك المثلث الصناعي، وقد عرفت تلك المدن نمواً متسارعاً فارتفع عدد المدن التي يزيد سكانها على 100.000 نسمة إلى أكثر من 40 مدينة، ولكن نسبة النمو كانت متفاوتة من مدينة إلى أخرى خاصة، في المدة من 1960ـ1970 إذ بلغت نسبة النمو أشدها في مدينة تورينو حيث كان معدل النمو 41.7%، ورومة 31%، وميلانو 24%، ونابولي 16%.

النشاط الزراعي

تعدُّ الزراعة المهنة الرئيسية لغالبية السكان، ويعمل فيها 6.8% من اليد العاملة لعام 1997، لكن القطاع الزراعي يعاني أزمات مهمة منها: الزيادة المفرطة في عدد الأيدي العاملة الزراعية مقابل الحصص الزراعية المحدودة، وتفتت الملكية. ومن ثم فإن مجمل هذه الأمور أدى إلى إنتاج زراعي مضطرب يعجز عن توفير حاجة الأسواق المحلية. ويسهم في الناتج الإجمالي لإيطالية بـ2.9% فقط لعام 1997.

1 ـ إنتاج زراعي كبير في الشمال: مع أن الجزء الشمالي من إيطالية يتصف بصعوبة الشروط الطبيعية وصغر مساحة الأراضي الزراعية المنتجة التي لا تتجاوز 33% من المساحة الزراعية لإيطالية كلها، فإن هذا الجزء من البلاد يسهم بنحو 50% من مجموع الإنتاج الزراعي في إيطالية، ويعدّ المردود فيه واحداً من أعلى المعدلات في كلّ أوربة.

إن نجاح زراعة المصاطب الدنيا والسهول الفيضية والمغمورة بالطمي يعد من أكثر الأعمال حداثة، إذ يتطلب هذا النوع من الزراعة الكثير من الاستعدادات والتجهيزات الضرورية عادة، وتهيئتها وتوظيف الأموال اللازمة لذلك.

أما المناطق الألبية فإنها تعرف أنواعاً كثيرة من الزراعات وتربية الماشية. حيث تسود في الأجزاء المرتفعة جداً زراعات مختلفة إلى جانب تربية الأبقار، أما إقليم مطلع جبال الألب الشرقية فيعدُّ واحداً من الأقاليم المتخصصة في تربية الضأن والمعز والأبقار واستثمار منتجاتها وتصنيعها.

وتنتشر في جبال الدولوميت الغابة الخشبية على مساحات واسعة جداً، في حين يهتم السكان بزراعة الحبوب والعنب، والأشجار المثمرة، أما في أطراف الجبال فإن السكان يهتمون بشجرة الكستناء إضافة إلى زراعة الذرة والعنب وتربية الأبقار.

وتنتشر على المصاطب العليا من سهل البو حقول الذرة والأشجار المثمرة، وخاصة شجرة التوت، التي تغطي مساحات واسعة. أما في أقدام الجبال أو السفوح الدنيا لجبال الأبنين فيمتد شريط طويل من الزراعات التي تخضع لنظام المحاصيل المتعددة في السنة الواحدة، لكن زراعة القمح تبقى أكثرها انتشاراً إضافة إلى اهتمام السكان بتصنيع المنتجات الحيوانية. أما في سهل البو المطل على البحر الأدرياتي فتنتشر الزراعات المتخصصة مثل حقول زراعة الأرز في إقليم البيمونت، والأعشاب والمروج وحشائش الأعلاف في إقليم لومباردية، إضافة إلى تربية الأبقار الحلائب وتصنيع منتجاتها. كما تجود زراعة الشوندر السكري والقنب والقمح في مصبات الأودية (الدلتات) والمناطق المنخفضة من سهل إميلي. ولكن ما إن تصبح التضاريس على مستوى يزيد قليلاً على مستوى الارتفاعات المألوفة لبعض السحب وكتل الضباب الذي يغطي السهول عادة، حتى تظهر الزراعات المتخصصة ذات الشهرة الواسعة، كالكرمة وبساتين الأشجار المثمرة المختلفة والبساتين المتخصصة في زراعة الورد والحمضيات والزيتون.

2 ـ الزراعة في الجزء الجنوبي: إن النشاط  الزراعي في الجنوب الإيطالي يعد في الأنشطة البشرية المتواضعة، ومع أن هذا الجزء من إيطالية الذي يتألف من شبه جزيرة إيطالية والجزر التابعة لها يشتمل على نحو 63% من مساحة الأراضي الزراعية في إيطالية، فإنه لا يسهم إلا بنحو 13% من الإنتاج الزراعي العام. وباستثناء بعض الحالات فإن المعدل الإنتاجي أقل من الحد الأدنى لمعدلات الإنتاج الزراعي في شمالي إيطالية.

إن التناقض بين الشمال والجنوب لا يقتصر على الشروط الطبيعية بل يتعداه إلى الشروط البشرية أيضاً وطرائق تعامل الإنسان مع الأرض، إذ تسود هنا طرائق استثمار زراعي غير منتظم عموماً، واستخدام زراعي مكثف يحول الحقول الزراعية إلى أراضٍ جرداء تغطيها تربة فقيرة جداً وذات مردود ضعيف يتوافق مع بؤس الفلاحين، باستثناء بعض المناطق التي عرفت مؤخراً إصلاحاً زراعياً حديثاً. ويمكن على العموم تمييز الكثير من المظاهر الزراعية في الجنوب منها:

الحقول الجرداء، والحقول المزروعة، والبساتين، والأراضي المغروسة والأحراج. فالحقول الجرداء ذات التربة الفقيرة نسبياً تخضع لشروط استثمار زراعي بدائي كما في إقليم بوغلية Puglia وفي الجزء الجنوبي من جزيرة صقلية، وكومبادوسادور وهضبة أبروزو. وهذه المناطق تزرع البقول والقمح بالإضافة إلى مساحات كبيرة من مروج وأعشاب قصيرة لتربية الماشية. أما الحقول المستصلحة فإنها تعطي مردوداً مقبولاً من القمح والشوندر والتبغ والذرة والبندورة والخرشوف (الأرضي شوكي).

وتنتج البساتين المتخصصة في زراعة الأشجار المثمرة محاصيل متنوعة أهمها: العنب، والتين، والبرتقال، والزيتون، ولكن المظهر الزراعي الأكثر إيجابية هو سيادة الزراعات الكثيفة، وتنطبق هذه الحالة على الحقول المتعددة المواسم ذات المحاصيل الشمالية الأصول والمزروعة هنا في أراضٍ صلصالية ـ رملية في توسكانة، ومارش Marche، وأبروزو على البحر الأدرياتي.

تكون الزراعة متخصصة في ميزوغورنو Mézzogiorno، كما تكون متخصصة أكثر في ضواحي نابولي، حيث تظهر زراعة ترتكز على القنب، والكرمة، والحمضيات، والمشمش، أما في تلال لاتيوم الجافة وأرياف ساساري فتنتشر زراعة الحبوب والخضار في المسيلات والمنخفضات، وتزرع الكرمة والزيتون واللوزيات في السفوح، وتُربى قطعان الأبقار على نحو محدود، لكن صيد السمك يوفر فائضاً كبيراً ويكّون مصدر رزق مهماً لفئات كبيرة من السكان.

3 ـ ملامح الإنتاج الزراعي ـ الحيواني: يتميز الإنتاج الزراعي بهيمنة إنتاج الحبوب التي تصنف في رأس المنتجات الزراعية وتسهم بنحو 22% من مجموع الإنتاج الزراعي، كما يتميز بتواضع الزراعة الصناعية باستثناء التبغ والقنب من جهة، وبالنقص الكبير في عدد قطعان الضأن والمعز والأبقار، الذي يعكس حاجة إيطالية الحقيقية إلى كميات كبيرة من اللحوم المستوردة من جهة ثانية.

الصناعة

إن الميزة الرئيسية للصناعة الإيطالية هي كونها تسد النقص الكبير الحاصل في القطاع الزراعي، وتوفر العمل لأعداد كبيرة من الأيدي العاملة. وإذا كان هذا القطاع لم يستطع أن يستوعب إلا نحو 31.5% (1996) من مجموع الأيدي العاملة الإيطالية، فذلك بسبب تعدد المعوقات والأحوال الصعبة جداً التي رافقت هذا القطاع منذ نشوئه وحتى اليوم.

إن باطن الأرض الإيطالية فقير إلى المواد الأولية. ولا يتوافر في هذه الأرض إلا القليل من المواد الخام الأساسية المستخدمة في الصناعة الثقيلة، وإضافة إلى ذلك فإن المتوافر منها ينتشر على أقاليم متباعدة. مقابل هذا النقص، استطاعت الخبرة الإيطالية منذ زمن بعيد توليد الطاقة من شلالات المياه الساقطة من جبال الألب ومن أودية جبال الأبنين، ولذلك فإن قسماً كبيراً من الصناعة الإيطالية يستهلك كهرباء رخيصةً يأتي ثلاثة أرباعها من مساقط المياه في الشمال الإيطالي ويستخدم كثير من الصناعات الكبرى اليوم الكهرباء المولدة من الطاقة النووية.

وفي هذا المجال لابد من الإشارة إلى أنه مع نمو الصناعة الإيطالية فإنها تواجه اليوم مصاعب جمة تعيق نموها جدياً. فبالإضافة إلى قلّة الموارد الأولية التي تُكّون عائقاً مستمراً يحدُّ من التطور الصناعي، فإن مزاحمة  الأسواق الأوربية وغيرها للصناعة الإيطالية لا تقل شأناً وسلبية عن قلة الموارد، يضاف إلى ذلك مشكلة المواصلات والنقل الداخلي. لأن التنوع السريع في مظاهر السطح أوجد عوائق طبيعية حقيقية في وجه امتداد شبكة الطرقات. لذلك فإن أجور النقل البري أصبحت فعلاً مرتفعة نسبياً، وفي هذا المجال فإنه لافرق بين طرق المواصلات البرية وسكك الحديد التي تستخدم الطاقة الكهربائية مع الإشارة إلى أن شبكة الطرق الداخلية البرية تعدّ من النوعية المتواضعة وإن أكثر من 74% من مجموع الطرقات هي مزدوجة الاتجاه، أما الطرق الثانوية فهي في مستوى أقل من المتوسط. ومع ذلك تنتشر في الشمال الإيطالي طرقات عصرية وحيدة الاتجاه مجهزة بكل المتطلبات الحديثة. أما الأودية والأنهار الداخلية فهي بالكاد صالحة للنقل المائي ولذلك لايبقى إلا وسائل النقل البحري وهي أكثر وسائل النقل رخصاً لكنها أقلها استخداماً.

1 ـ الأقاليم الصناعية ومجالات الصناعة: يضم الجزء الشمالي الإيطالي نحو 44% من مجموع السكان ولكنه يسهم بنحو 77% من مجموع النشاط والاستثمارات الصناعية في إيطالية.

وتبرز بالقرب من السفوح الدنيا لجبال الألب صناعات ناشطة جداً، مثل صناعة خيوط الصوف، والحرير، والأقمشة، والأحذية، والملابس، والآلات الكاتبة. كما قام هذا النوع من الصناعات في ميلانو وتورينو. علماً أن ازدهار ميلانو ليس حديثاً، ونموها اعتمد في البداية على نشاطها التجاري المشهور، وتزدهر اليوم وتنمو بفضل ظهور كثير من الصناعات الحديثة مثل صناعة الأقمشة والحرير والأسلحة.

ولقد غير الكثير من الأقاليم أوجه نشاطه فعلاً وتحولت تلك الأقاليم عن نشاطها السابق كلية، وانصرفت إلى نشاطات صناعية مثل مدينتي بوستو Busto وغالارات Gallarate اللتين اهتمتا بصناعة الأقمشة، ومدينة غيزانو Gesano التي اشتهرت بصناعة المنتجات الكيمياوية، ونوفار Novare، ولينانو Leganon اللتين اشتهرتا بصناعة الإنشاءات المعدنية. ويعد الغنى الذي تعرفه مدينة تورينو حديثاً جداً وارتبط بإنشاء معامل فيات لإنتاج السيارات وتوسعها وهي تضم نحو 100.000 عامل على أرضها. وبفضل تلك القدرة الصناعية الهائلة أصبح مرفأ جنوة المرفأ الرئيسي الذي تتقاطع فيه طرق مواصلات الشمال الإيطالي والمواصلات الأوربية، أما في البندقية فتتوضع مصانع تنقية زيت الزيتون، ومصفاة النفط، ومصانع الألمنيوم، ويخدم مرفأ تريستة كلّ الدول الأوربية الداخلية المحاذية لامتداد نهر الدانوب. وأخيراً فإن الصناعة القائمة على سواحل المتوسط هي صناعات صغيرة معزولة، مثل تصنيع الصوف في بارنو والمنتجات الكيمياوية في بيس ومصفاة النفط في نابولي وصناعة القطنيات في كاستيلامار Castellammare.

2 ـ الإنتاج الصناعي: بسبب الأحوال التي تحكمت في الصناعة الإيطالية والتي اقتضت استخدام الحد الأدنى من المواد الأولية والحد الأقصى من اليد العاملة الوطنية، فإن المجال الأساسي لهذه الصناعة كان في مجالات الإنتاج الاستهلاكي والصناعات التحويلية. وعلى رأس هذه الصناعات صناعة الأقمشة، والصناعات القطنية والحرير، والملابس، والأحذية، ثم الصناعات الميكانيكية مثل صناعة السيارات والجرارات الزراعية، والبواخر، والأسلحة، ثم الصناعة المهتمة بقطاع البناء والتعمير والنقل. ثم الصناعات الغذائية وخاصة المعجنات والمعلبات وأخيراً الصناعات الكيمياوية وملحقاتها.

التجارة والميزان التجاري

من دراسة بيانات التبادل التجاري بين إيطالية والدول الأخرى لعام 1996 يظهر واضحاً أن نحو 45% من مستوردات إيطالية تنحصر بالآلات والمصنوعات المعدنية والكيمياوية والمنتجات النفطية ووسائط النقل وبالمواد الخام والطاقة التي تحتاج إليها الصناعة مثل القطن، والصوف، والنفط الخام، والفحم، وبعض المواد الغذائية الأخرى وعلى رأسها القمح واللحوم.

وبالمقابل إن 43% من صادراتها تنحصر في مواد مصنعة كليةً مثل الآليات والسيارات ومنتجات مصافي النفط، والمواد الكيمياوية والخيوط القطنية والصوفية والأخشاب والورق ومع ذلك فإن ميزانها التجاري يعدّ رابحاً وإن قيمة صادراتها تزيد على قيمة وارداتها إذ بلغت قيمة وارداتها 319000 مليار لير إيطالي، وقيمة صادراتها 387000 مليار لير إيطالي عام 1996 (الدولار الأمريكي يساوي 1772 ليراً إيطالياً بأسعار عام 1995) وتزداد أرباحها بفضل واردات السياحة الهائلة التي تقدر بنحو 50.700مليار لير ينفقها نحو 56 مليون سائح وسطياً يقدمون كل سنة إلى إيطالية.

وعلى رأس الدول التي تستورد منها إيطالية حاجاتها: ألمانية وفرنسة وسويسرة وهولندة وبريطانية وبلجيكة والولايات المتحدة الأمريكية وإسبانية. وأما أهم الدول التي تصدر إليها بضائعها فهي: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانية وألمانية وفرنسة وإسبانية وبلجيكة وسويسرة وهولندة. وأخيراً لابد من التذكير بالدور المهم الذي تؤديه إيطالية في مجال النقل البحري وتأمين شحن البضائع العالمية عبر الخطوط البحرية الدولية.

فيصل قماش

 

إيطالية في التاريخ

كانت إيطالية منذ فجر تاريخها معبراً للتأثيرات الحضارية القادمة من الشرق منذ أقدم الأزمنة، وتكاد تنعزل عن وسط أوربة بسلسلة جبال الألب الضخمة، لولا وجود معابر ومفازات جبلية تربطها بما يحيط بها من القارة.

السكان وأصل التسمية

تشير المخلفات الأثرية إلى أن السهول الإيطالية كانت مأهولة بالسكان منذ مايزيد على ثلاثين ألف عام، وتدل المكتشفات على أن مظاهر ثقافة العصر الحجري الحديث كانت من إنتاج أقوام خليطة، أطلق عليهم اسم الليغوريين Ligurians، كانوا على شيء من الحضارة إذ كانوا يبنون أكواخهم من القش والطين، ويدجنون الحيوانات ويستخدمون أسلحة مصقولة من الحجارة.

وقد توالت على إيطالية عدة موجات بشرية، وصلت إليها قبل العام 2000 ق.م، واحتلت القسم الشمالي والأوسط من إيطالية. ولقد حملت هذه القبائل معها لغاتها التي تنتمي إلى مجموعة اللغات الهندية ـ الأوربية، وفرضتها بعد اندماجها مع السكان الأصليين. وقد عملت هذه القبائل على استصلاح الأراضي وفلاحتها، وعرفت صناعة النسيج، وصنعت أسلحتها من الحديد، وبذلك دخلت إيطالية في الألف الأول قبل الميلاد عصر ما قبيل التاريخ وأنتجت حضارة دعيت باسم «الحضارة الفيلانوفية». وكانت أولى هذه القبائل الغازية قبائل الفينتي Veneti وتلتها قبائل كثيرة أخرى أهمها اللاتينيون والسابينيون والأمُبريون والبيشنتي Picentes والسامنتيون Samnites وغيرهم.

كما احتل الأتروسكيون[ر] مركز الزعامة في شبه الجزيرة الإيطالية، ومن المرجح أنهم من أصل آسيوي. قدموا إيطالية بحراً وأخضعوا معظمها لسيطرتهم في القرن السادس قبل الميلاد. وكانوا على درجة عالية من الحضارة، وقد انتزعوا من الإغريق السيطرة على البحر التيراني، ولكنهم اضطروا فيما بعد إلى التخلي عن مدينة رومة[ر]، كما تعرضوا لاجتياح قبائل الغال الكلتية من الشمال ومقاومة ضارية من القبائل اللاتينية في وسط إيطالية مما أجبرهم على إخلاء ممتلكاتهم خارج موطنهم الأساسي إترورية في القرن الرابع ق.م. ومنذ ذلك الوقت أخذت السلطة الأتروسكية بالانحلال والتلاشي، في حين أخذ شأن رومة يرتفع حتى أصبحت سيدة شبه الجزيرة الإيطالية. ومن الأقوام الغازية لإيطالية الكلتيون الذين انقضّوا عليها في مطلع القرن الرابع ق.م واستخلصوا من الأتروسكيين سهل البو، ومالبثوا أن اندمجوا معهم وتأثروا بحضارتهم.

أما تسمية هذه البلاد بإيطالية فهي من أصل إغريقي، وعلى كلٍّ فإن الوحدة السياسية لهذه البلاد لم تتحقق سريعاً بسبب هذا الخليط من السكان الذين يتكلمون لغات شتى وينتمون إلى أصول مختلفة، وقد فرضتها رومة بقوة السلاح، وعندما سقطت الامبراطورية الرومانية الغربية كان على إيطالية أن تنتظر أربعة عشر قرناً لتحقق وحدتها القومية من جديد. 

نشوء رومة والعهد الملكي

ثمة أسطورة متداولة حول تأسيس رومة، ترمي إلى وضع تفسير درامي وبطولي لنشوئها، ومن المرجح أن اسم «رومة» أُطلق على هذه المدينة بعد أن وحَّد الأتروسكيون تلالها السبعة. وقد استمر حكم ملوكهم للمدينة وحسب الروايات حتى عام 509ق.م، في حين تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن زوال النفوذ الأتروسكي كان نحو عام 475ق.م.

العهد الجمهوري

تم الانتقال إلى الحكم الجمهوري إثر هزيمة الأتروسكيين وإجلائهم عن رومة، وتلا ذلك قيام نزاعات بين المدن اللاتينية من جهة ورومة التي تريد فرض سلطتها على تلك المدن من جهة أخرى، وكان على الرومان أن يقاتلوا شعوباً أخرى يختلفون عنهم عرقاً ولغةً ليفرضوا سيطرتهم ويجعلوا من رومة دولة مرهوبة الجانب في إيطالية، ثم في حوض البحر المتوسط.

ثم وجدت رومة نفسها أمام مشكلات جديدة تعود إلى أطماعها الاستعمارية والاقتصادية، مما زجّها بحروب طويلة مع قرطاجة[ر] ومقدونية[ر]، لكنها تمكنت من الانتصار عليهما كما فرضت سيطرتها على غالية وإسبانية والبرتغال وأوربة الوسطى ونصف إنكلترة.

أما على الصعيد الداخلي فإن التطاحن الحزبي بين الرومان أنفسهم قاد إلى الصراع الطبقي بين الأشراف والعامة وإلى سلسلة من الحروب الأهلية قوضت دعائم النظام الجمهوري.

إيطالية في ظل الامبراطورية الرومانية[ر]

كان اغتيال قيصر السبب المباشر للحرب الأهلية التي اندلعت بين أنصاره وخصومه، ثم انتقل النزاع إلى أنصار قيصر أنفسهم للفوز بالسلطة، وانتهت هذه الحرب بانتصار أوكتافيوس على خصمه ماركوس أنطونيوس إثر معركة أكتيوم البحرية في 2 أيلول 31ق.م وإقامة النظام الامبراطوري، وكُرّم أوكتافيوس فلُقِّب «أغسطس»، وأصبح البحر المتوسط في زمنه بحيرة رومانية. وقد خلفه عدد من الأباطرة وطّدوا النظام الامبراطوري، من أشهرهم تيبريوس وفسباسيان وتراجان وفي عهد هذا الأخير وصلت الامبراطورية إلى أقصى اتساعها، وكانت اللاتينية اللغة الرسمية للدولة، ولكنه سمح باستعمال اللغات المحلية كاليونانية والبونية (الفينيقية الغربية) والكلتية إلى جانبها. وبقيت الامبراطورية مرهوبة الجانب حتى زمن الامبراطور ماركوس أوريليوس (161-180)، إذ تجرأت جماعات جرمانية بربرية مؤلفة من قبائل الماركوماني Marcomani سكان بوهيمية وقبائل الكوادي Quadi سكان مورافية على اختراق حدود إيطالية الشمالية ـ الشرقية. وفي القرن الثالث عاث القوط فساداً في البلقان وشواطئ البحر الأسود، وتوغلت فئة بربرية من الفرنجة حتى وسط إسبانية في حين كانت قبائل الألمان Alemanni تشيع الذعر في وادي البو ووادي الرون.

اتصف عصر الامبراطورية بالتسامح الديني فوجدت الآلهة لها مكاناً في الامبراطورية وشيدت لها المعابد ونحتت لها التماثيل التي التف حولها المتعبدون، وظلت الوثنية سائدة حتى انتصار المسيحية في القرن الرابع الميلادي. أما التعليم فكان هدفه تعلم الفصاحة والبلاغة أكثر من تحرر العقل. ولقد تضافرت عدة عوامل أدت إلى سقوط الامبراطورية.

إيطالية والقبائل الجرمانية[ر]

أطلق الرومان على الجرمان[ر] اسم البرابرة، وكان يوليوس قيصر أول من استخدمهم في جيشه ثم أخذوا يتسربون إلى الجيش الروماني، وبدأ هجومهم في أواخر القرن الرابع بسبب ضغط قبائل الهون المغولية القادمة من الشرق، فقد طلبوا من الامبراطور فالانس Valenz أن يسمح لهم بالإقامة في شمالي البلقان وأن يضعوا تحت إمرته فرقة عسكرية منهم، ولكن موظفي الامبراطور أساؤوا معاملتهم مما دفعهم إلى الثورة فسارع الامبراطور لإخضاعهم ولكنه قتل في المعركة، وخلفه الامبراطور ثيودوسيوس الذي انتصر عليهم عام 383 وسمح لهم بالإقامة في تراقية مقابل تزويد جيشه بأربعين ألفاً من الجنود تحت إمرة ضباط منهم. وعند وفاته تمكن زعيم القوط ألاريك من محاصرة رومة عدة مرات ونهبها، وما إن توفي في جنوبي إيطالية حتى اتجهت جحافله نحو غالية وإسبانية وأقاموا دولة لهم هناك.

تعرضت إيطالية إلى تعديات كثيرة بسبب ضعف أباطرتها، ونهبها عام 455 جنسريك ملك الفاندال، كما غزاها أتيلاّ[ر]، وأخيراً في عام 476 أرسل القائد الجرماني أدوآكر Odoaker، وكان في خدمة الامبراطورية، التاج وشارات الملك إلى القسطنطينية معلناً أن إيطالية ليست بحاجة إلى امبراطور وطلب الاعتراف به حاكماً عليها. أخذت إيطالية تزدهر في ظله، إلا أن تيودوريك Theoderich زعيم القوط الشرقيين وبتحريض من القسطنطينية هزم أدوآكر ثم اتفقا على أن يحكما سوية، ولكن أدوآكر قُتِل أثناء الاحتفال بالصلح، وأصبح أمر إيطالية كلها بيد تيودوريك. وكان تيودوريك الذي عاش سنين طويلة في القسطنطينية مسيحياً أريوسي المذهب ومع ذلك فقد أبدى كل احترام للبابا، وقد نعمت إيطالية بالاستقرار والهدوء في عهده، وما إن توفي حتى عادت الحروب من جديد، إذ غزاها القائد البيزنطي بلساريوس واحتل معظم أجزائها إلا أن سوء معاملة جيشه للإيطاليين وتفشي المجاعة والطاعون، سمح للقوط الشرقيين بقيادة توتيلا Totila بإعادة سيطرتهم على البلاد عدا العاصمة رافنة التي بقيت بيد الامبراطور جستنيان الذي أرسل جيشاً انتصر عليهم وسمح لهم بمغادرة إيطالية كما غادرها جيشه مما جعلها معرضة لهجوم قبائل جرمانية أخرى هم اللومبارديون.

1ـ اللومبارديون[ر]: استقر اللومبارديون في وادي نهر البو، وكانوا وثنيين، استولوا على معظم إيطالية عدا الأجزاء التي كانت تحت حماية البيزنطيين، ومالبثوا أن اعتنقوا المسيحية وفق المذهب الأريوسي، ثم تحولوا إلى الكاثوليكية، مما سهَّل عليهم الاختلاط مع الإيطاليين.

بسط اللومبارديون سلطتهم على الأراضي التي كان يحكمها البابا، مما دفعه إلى الاستنجاد بحاجب قصر الفرنجة بيبن Pippin الذي اتجه في عام 754 مع جيشه إلى إيطالية وهزم اللومبارديين وأجبرهم على أن يعيدوا إلى البابا الأقاليم التي كانوا قد استولوا عليها.

2ـ الفرنجة في إيطالية: قسَّم بيبن مملكته قبل وفاته بين ولديه شارل وكرلمان، ولكن الأخير توفي بعد سنتين فانفرد شارل بحكم البلاد، وعمل على نشر المسيحية بين قبائل السكسون الوثنية بعد إخضاعها، فاستغل اللومبارديون فرصة انشغاله وهاجموا رومة، فسارع البابا للاستنجاد بشارل «شارلمان» الذي لبى الطلب بنفسه وقهر خصومه وضم أراضيهم إلى مملكته، وبذلك انتهت مملكة اللومبارديين بعد أن عاشت نحو قرن من الزمن.

ومنح شارلمان بعض الأراضي للبابا الذي كان يرغب في ربط الكنيسة بالفرنجة بدلاً من ربطها بالامبراطورية البيزنطية، وما لبث أن قام نزاع بين البابا من جهة وأشراف رومة من جهة ثانية، فرَّ على أثره البابا والتجأ إلى شارلمان طالباً معونته فدخل هذا رومة وأعاد البابا إلى سدته وقام البابا بتتويجه امبراطوراً عام 800، وقد نشأت فيما بعد منازعات استمرت طوال العصور الوسطى وعصر النهضة بين السلطتين الزمنية والروحية، إذ ادعى كل منهما أن سلطته هي العليا. كما نتج عن هذا التتويج أن ارتبطت إيطالية بألمانية وأصبح خلفاء شارلمان ملزمين بإخضاع إيطالية مما أدى إلى ضعف قوة الأباطرة فيها وازدياد قوة أمراء الإقطاع ونتج من ذلك تأخر اتحاد إيطالية وكذلك ألمانية إلى القرن التاسع عشر.

النزاع بين البابوات والأباطرة

كان لوجود الكرسي البابوي في إيطالية تأثير كبير في تاريخها الحضاري والسياسي وما حفل به من أحداث، وذلك بسبب رغبة الباباوات في جعل السلطة الزمنية تابعة لهم، وقاد هذا إلى منازعات مع الأباطرة والملوك. ومن أبرزها أحداث زمن البابا غريغوريوس السابع (هلدبراند Hildebrand) عندما أصدر مرسوماً واتخذ تدابير ترمي إلى تأكيد سلطته الروحية وإضعاف السلطة الزمنية.

تجاهل هنري الرابع امبراطور ألمانية هذه التدابير فأرسل البابا يطلبه للمثول بين يديه، وهدده بالحرمان إن رفض المجيء، فعقد هنري مجلساً عام 1076 وأعلن فيه عزل البابا، فما كان من هذا الأخير إلا أن أعلن حرمانه، وتألب الأشراف الألمان على ملكهم وأنذروه بضرورة مصالحة البابا، فسارع هنري إلى قلعة كانوسا Canossa لمقابلة البابا وبقي أمام بابها ثلاثة أيام مكشوف الرأس عاري القدمين حتى أذن له البابا بالدخول وصفح عنه. عاد هنري إلى بلاده ليحارب الأشراف الذين تخلوا عنه ثم هاجم إيطالية واحتل رومة عام 1084 وكاد البابا أن يقع في يده لولا أن أنجده النورمنديون، لكنهم نهبوا رومة وأثاروا الذعر فيها، فاستاء السكان منهم ومن البابا الذي استنجد بهم وفر إلى سالرنو حيث مات منفياً عام 1085.

وفي عام 1143 قامت ثورة في رومة وتشكلت جمهورية برئاسة «أرنو دي برسيا» فبادر الملك الألماني فريدريك بربروسة إلى الاتفاق مع البابا على أن يتولى قمع الثورة مقابل تتويجه امبراطوراً وتم ذلك عام 1155. ولكن النزاع دبَّ بينهما بسبب ادعاء البابا بأن الامبراطور مدين له بالتاج، وأن الامبراطورية منحة وهبه إياها، وإثر معركة لنيانو Legnano عام 1176، اضطر الامبراطور إلى الركوع أمام البابا في البندقية طالباً العفو، ثم عاد إلى ألمانية وزوج ابنه هنري بوارثة مملكة صقلية فأصبحت حليفته بعد أن كانت حليفة البابا، فأخذ البابا يعمل على إثارة الدسائس لهنري الذي ترك عند وفاته ولده فريدريك الثاني وهو طفل صغير، كما تسلم الكرسي البابوي إنوسنت الثالث Innocent III فعاد النزاع مع السلطة الزمنية من جديد.

كان فريدريك الثاني محباً للعلم يتقن سبع لغات منها العربية، ولقد أخذت البابوية تُسيء إليه متهمة إياه بالإلحاد، وتطالبه القيام بحرب صليبية، فأقلع إلى المشرق وعقد اتفاقية مع الملك الكامل في مصر، وعاد إلى بلاده ليجد البابا قد نهبها، فطرد جيوش البابا ثم عقد صلحاً معه فرفع البابا عنه الحرمان (1230). وفي عام 1250 توفي فريدريك تاركاً التاج لابنه كونراد الرابع. وعندما تولى البابا أربان الرابع قدم تاج مملكة نابولي «الصقليتين» إلى شارل أخي لويس التاسع الفرنسي، وبذلك انتهت أسرة هوهنشتاوفن في إيطالية، وانتصرت البابوية إلى حين.

إيطالية الجنوبية وصقلية بين العرب والنورمان

بدأت محاولات العرب المسلمين للسيطرة على جزيرة صقلية منذ أواسط القرن السابع الميلادي إلى أن نجح الأغالبة في فتح الجزيرة في القرن التاسع الميلادي. ولم يقتصر الحكم العربي الإسلامي على صقلية[ر] بل تعداه إلى جنوبي إيطالية فاحتل العرب باري ووصلوا إلى قرب رومة، واضطر البابا يوحنا الثامن إلى أن يدفع لهم الجزية.

شرع النورمنديون منذ عام 1036، وهم من أصل جرماني، بزعامة روبرت جيسكار بانتزاع إيطالية الجنوبية من البيزنطيين، وأنشؤوا فيها مملكة، في حين انتزع أخوه الأصغر روجر عام 1091 صقلية من أيدي العرب المسلمين. وقد ساند جيسكار البابا في نزاعه مع الامبراطور هنري الرابع، كما دخل رومة وأباحها لجنوده، وفي عام 1130 تُوِّج روجر الثاني ملكاً في بالرمو بعد أن جمع تحت حكمه كلاً من صقلية وجنوبي إيطالية، فقامت فيهما دولة متأثرة بالتراث العربي الإسلامي وبالصفة البيزنطية، وكان روجر معجباً بالحضارة العربية، فاقتبس عنها بعض التنظيمات الإدارية كديوان المظالم، كما أنشأ ديواناً للطراز وآخر للتحقيق، وأغدق الأموال على الترجمة والتأليف وحرص على إغراء العلماء بالقدوم إلى صقلية، فازدهر بلاطه بكثير منهم وفي مقدمتهم الإدريسي[ر] أكبر جغرافيي عصره، وقد صنع لروجر كرة ومصوراً للعالم على شكل قرص من الفضة.

شابه روجر الثاني في تأثره بالحضارة العربية وحبه للعلم حفيده الامبراطور الألماني فريدريك الثاني الذي اهتم بالفلسفة العربية وأمر بترجمة مصنفات أرسطو وابن رشد إلى اللاتينية، كما ترجمت له مؤلفات أرسطو في علم الحيوان وشرح ابن سينا عليها، وأمر بإنشاء جامعة نابولي وزودها بالكثير من المخطوطات العربية، وأنشأ مدرسة للطب في سالرنو فأوجد بعمله هذا نهضة حقيقية في جنوبي إيطالية مما دفع بالكثير من المتعلمين الأوربيين إلى معرفة المزيد عن الحضارة العربية الإسلامية.

دويلات إيطالية ونشاط مدنها الاقتصادي زمن الحروب الصليبية

أصبحت إيطالية بعد سقوط أسرة هوهنشتاوفن مجموعة مدن مستقلة متناحرة، وحتى دولة البابا لم تخرج عن ذلك، فقد أسهمت إلى حد بعيد في صنع أحداث أوربة الوسطى والغربية فضلاً عن تأثيرها الأول في أحداث إيطالية، وكانت جميع هذه المدن المتناحرة تسعى لتزيد من ثروتها وفرض سيطرتها على المدن الأخرى، ويأتي في مقدمتها:

1ـ البندقية[ر]: كانت الحروب الصليبية فرصة ثمينة للمدن البحرية الإيطالية وللبندقية خاصة للتوسع التجاري والسيطرة، ولقد تمكن البنادقة من الاستيلاء على القسطنطينية ونهبها عام 1204 فانتقلت بذلك الزعامة التجارية إليهم. هذا إضافة إلى حسن العلاقة بينهم وبين سلاطين المماليك في مصر مما جعلهم يحتكرون تجارة السلع القادمة عن طريق البحر الأحمر إلى أوربة. وقد حاول الجنويون مزاحمتهم ولكنهم أخفقوا. وعندما بدأ التوسع العثماني في حوض المتوسط شكل خطراً على تجارة البنادقة إضافة إلى ماخسروه جراء اكتشاف طريق الهند عبر رأس الرجاء الصالح، فشاركوا في تجهيز حملة بحرية مع البابا وإسبانية حطمت أسطولاً عثمانياً في معركة ليبانتو Lepanto في خليج كورنتة سنة 1571.

2ـ جنوة[ر]: تعاون الجنويون مع أهالي بيزة في إخراج المسلمين من غربي المتوسط، كما تنازعوا مع البنادقة إبان الحروب الصليبية في سبيل الهيمنة على التجارة والنقل البحري وخاصة على عكا عام 1255، وبقي النزاع بين الطرفين حتى هزيمة الجنويين في حرب تشيوغية Chioggia  (1378-1381). أما على الصعيد الداخلي فقد تعرضت لهزات كثيرة جعلتها تنتقل من سيطرة ميلانو إلى السيطرة الفرنسية وبالعكس حتى غزاها نابليون عام 1797.

3ـ مملكة نابولي: كانت هذه المملكة مؤلفة من جزيرة صقلية ونابولي وكانت تملك قوة بحرية في المتوسط لتحمي مصالحها التجارية، إلا أن الأحداث السياسية التي عصفت بها جراء الخلاف بين مملكتي أراغون وفرنسة باسم حق الوراثة أدت إلى انفصال صقلية عن نابولي واعترافها بسيادة أراغون عليها، ثم تجددت المنازعات واندلعت الحرب بين الدولتين إلى أن سُوِّيت الأمور عام 1505 وأصبحت نابولي تابعة لإسبانية حتى عام 1707 بعد أن تزوجت وارثتها من الملك فرديناند.

4ـ فلورنسة[ر]: برزت أهمية فلورنسة مدينة للمال بسبب كثرة المصارف التي كانت تعمل فيها وتنشط تجارتها، ولقد كانت ميولها السياسية إلى جانب البابوية، كما كانت مركزاً للصراع بين الحزبين الرئيسيين (أنصار الامبراطورية) و(أنصار البابوية). واشتهر عدد من أبنائها في المجال الفكري أمثال دانتي وبترارك وبوكاشيو وخضعت منذ منتصف القرن الخامس عشر إلى حكم أسرة آل مدتشي، ثم أصبحت منذ عام 1530 جزءاً من دوقية توسكانية حتى عام 1860، وسميت عاصمة لإيطالية بين العامين 1865-1870.

5ـ ميلانو[ر]: ارتبط تاريخ ميلانو منذ مطلع القرن الرابع عشر وحتى منتصف القرن الخامس عشر بأسرة فسكونتي التي حكمتها حكماً استبدادياً مقابل إغراقها بالثروة، حتى إن الكثير من المدن المجاورة لها اعترفت بسيادتها. ولقد عملت كل من فلورنسة والبندقية على مقاومة حكامها الطامعين بزعامة شبه الجزيرة الإيطالية. وقد اغتنت ميلانو بفضل الزراعة وصناعة المنسوجات الصوفية والحريرية، إضافة إلى موقعها المهم عند بداية الطريق التجاري نحو وسط أوربة. وتجلت مظاهر الغنى بقصورها الفخمة.

النهضة

لم تكن النهضة في إيطالية حدثاً مفاجئاً معزولاً عمّا سبقه من تطورات نواحي الحياة في أواخر العصور الوسطى، بل كانت تتويجاً لتلك التطورات وبلغت ذروتها في القرنين الخامس عشر والسادس عشر.

وتجلت النهضة[ر] في مختلف نواحي الحياة الإيطالية أهمها:

1ـ النواحي الفكرية: يعد كثير من المؤرخين الشاعر الإيطالي بترارك (1304-1374) أبا النهضة، فقد عبر بكل وضوح عن حق الإنسان في الاستمتاع بالحياة، وعمل على إحياء الآداب اللاتينية واليونانية وطالب بإنشاء المكتبات العامة وجمع المخطوطات فيها. ومن المظاهر الفكرية للنهضة الحركة الإنسانية التي نادت بأهمية الإنسان وجعلت منه مثالاً للخير والجمال، وسعت لتوظيف كل ما في الطبيعة وتسخيره من أجل رفاهيته، فلم يعد مسحوقاً هدفه الأول في الحياة إرضاء الكنيسة ورجالها ليضمن حسن مآله بل من حقه التمتع بها، فهي بذلك أعطت مفهوماً جديداً للحياة يتفق مع المفاهيم الدنيوية الإنسانية ومن هنا جاء اهتمام هذه الحركة بالتراث الإغريقي والروماني القديم. ظهر في هذا العصر عدد من المفكرين والأدباء من أبرزهم دانتي وبوكاشيو. 

2ـ الاكتشافات الجغرافية: سبق الكشوف الجغرافية قيام بعثات التبشير بالمسيحية في المشرق وآسيا طوال القرنين الثالث عشر والرابع عشر. أما ما قام به الأوربيون من كشوف في القرنين الخامس عشر والسادس عشر فله دوافع أخرى من أبرزها البحث عن أقصر طريق إلى بلاد التوابل، والحصول على الذهب، والتخلص من السيطرة العربية على المحيط الهندي والبحر المتوسط.

3ـ المظهر الديني: لقد تجلى هذا المظهر بالثورة على سوء أوضاع الكنيسة بسبب فساد رجالاتها، فلم يكن البابوات يتورعون عن استخدام كل الوسائل من أجل جمع الثروة وتشكيل الجيوش لتحقيق غاياتهم الدنيوية، إضافة إلى استغلالهم سلطتهم الدينية وخاصة الحرمان، وتهديد خصومهم به إن لم ينصاعوا لرغباتهم. وقد تجلى المظهر الديني في حركة مارتن لوثر الإصلاحية وتأسيس الكنائس الإنجيلية، ثم حركة الإصلاح الكاثوليكي، وظهور الجمعية اليسوعية، وأخيراً في عقد مجامع ترنت (1545-1563) الذي وضع ضوابط لرجال الدين وعمل على رفع مستواهم الفكري والأخلاقي.

4ـ المظهر الفني: ظهر في إيطالية عدد من مشاهير الفنانين الذين استلهموا في عملهم الفنين الإغريقي والروماني الوثنيين، وواصلوا تصوير الموضوعات الدينية، ولكن المنحى الفني لم يعد مسيحياً بل أصبح منسجماً مع روح العصر. ولم تعد الفنون في خدمة اللاهوت بل أصبحت في خدمة الأمراء والأغنياء، الذين شيدوا القصور وجمَّلوها وأغدقوا الأموال على الفنانين فنبغ عدد منهم، ومن أبرزهم ليوناردو دافنشي (1453-1519) وميكلانجلو (1475-1564) ورافايلو (1483-1520).

تطور إيطالية السياسي حتى غزو نابليون

ظلّت إيطالية مسرحاً للنزاع بين فرنسة وإسبانية وألمانية وخاصة في عهد شارل الخامس (شارلكان) الذي امتدت سلطته على كل من إسبانية والنمسة مما شكل خطراً على فرنسة وأشعل الحرب بينهما، التي انتهت إلى اندحار فرانسوا الأول وأسره. وفي عام 1527 نهب أنصار شارلكان رومة واستبيحت ثمانية أيام، وقتل الكثير من رجال الدين واغتصبت الراهبات الشابات، كل ذلك لم يمنع البابا من تتويج شارلكان امبراطوراً عام 1530. وفي عام 1556 تخلى شارلكان عن العرش واقتسم ابنه وأخوه الامبراطورية، وفي عام 1559 تخلت فرنسة عن ادعائها في إيطالية فخلصت هذه للسيطرة الإسبانية ثم انتقلت منها إلى سيطرة الامبراطورية النمسوية التي عملت جاهدة على محاربة قيام دولة موحدة في إيطالية، وعندما احتلها نابليون سنة 1800 جعلها ثلاث ممالك فقط، إذ أقام في الشمال والوسط مملكة إيطالية، وأقام في الجنوب مملكة نابولي أو الصقليتين، وقامت دولة البابا (رومة) تحت النفوذ الفرنسي. وأجرى نابليون الكثير من الإصلاحات في إيطالية مما أضعف الإقطاعيين وساعد على نشر التعليم والتخلص من امتيازات رجال الدين، إلا أن إيطالية عادت إلى التمزق بعد سقوط نابليون وعودة السيطرة النمسوية.

إيطالية في أعقاب مؤتمر فيينة 1815

حاول المؤتمرون في فيينة تخطي كل ما طرحته الثورة الفرنسية من آراء وما نتج عن قيامها من أحداث وذلك بالعودة إلى ما قبل قيامها، فجاءت قرارات المؤتمر انتصاراً للرجعية الأوربية، إذ تقرر أن يسترد البابا مافقده من أملاك، وأن يسترد آل بوربون أملاكهم في إيطالية، وأن تعود الإمارات الإيطالية إلى أمرائها، عدا ما خصص للنمسة وبيمونتي. ومن الطبيعي أن الفئات الوحدوية لم تكن راضية عن ذلك، فنشطت الجمعيات السرية كجمعية الفحامين (الكاربوناري) في نابولي، التي كانت تسعى إلى تحرير إيطالية وتوحيدها.

وقد وجدت أحداث 1830 في فرنسة صدى لها في إيطالية عند الكاربوناري ولكن النمسة قضت عليها، فتألفت جمعية أخرى هي جمعية إيطالية الفتاة التي أسسها غوسيبي مازيني وجعلت شعارها «الله والشعب»، وعملت على إعادة الثقة إلى نفوس الإيطاليين، وجعلتهم يؤمنون بأن تحقيق الوحدة يستلزم التضحية بالدم والمال. وكان مازيني جمهورياً، عمل على إشعال الثورة ولكنه أخفق. كما كان هنالك حزب المعتدلين، الذي نادى بتأليف اتحاد من الإمارات الإيطالية بزعامة البابا. والخلاصة أن الاتجاه العام للحركة السياسية آنذاك دفع البابا «بيوس التاسع» إلى القيام ببعض الإصلاحات.

وعندما قامت ثورة 1848 في فرنسة انتقلت عدواها إلى النمسة وفرّ زعيم الرجعية مترنيخ [ر]، وعمت الثورة لومباردية وميلانو، ثم امتدت إلى بقية أقاليم شبه الجزيرة فطردت البندقية النمسويين وأعلنت الجمهورية، في حين أعلن شارل ألبير ملك بيمونتي الحرب على النمسة، لكن الخلاف دبَّ بين الإيطاليين من جمهوريين وملكيين ومعتدلين مما سمح للنمسة بالإجهاز على الحركة. فهزمت شارل ألبير في معركة نوفارا 1849، فاضطر إلى التنازل عن العرش لابنه فيكتور عمانوئيل، وأرسل لويس نابليون حملة قضت على جمهورية رومة وأعادت النمسة النظام القديم إلى توسكانية وسقطت البندقية وعاد الحكم الرجعي يسيطر على إيطالية.

الوحدة الإيطالية

إن التضحيات التي قدمتها مملكة بيمونتي ـ سردينية، جعلت الجماهير الوحدوية تلتف حولها، ولقد وجدت في مليكها الشاب فكتور عمانوئيل ضالتها المنشودة لتحقيق الوحدة، إذ كان معروفاً بأفكاره التحررية وعطفه على الجمعيات والأحزاب الوحدوية، ولقد قيض له شخصية ممتازة وهي كاميلو كافور[ر] (1810-1861) Camillo Cavour، فقد حاول كافور أن يجد حليفاً له للتخلص من سيطرة النمسة، فانضم إلى التحالف الفرنسي ـ الإنكليزي عند نشوب حرب القرم وأرسل نحو خمسة عشر ألف جندي للقتال. وفي مؤتمر الصلح الذي عقد في باريس سنة 1856 تمكن كافور من تدويل القضية الإيطالية وكسب عطف نابليون الثالث. وعلى هذا النحو مر تحقيق الوحدة الإيطالية بعدة مراحل وهي:

أـ مرحلة الحرب مع النمسة وضم لومباردية: في 5 آذار1859 أصدرت حكومة كافور مرسوماً بالتعبئة العامة، مما أثار النمسة فأرسلت إنذاراً تطلب فيه من حكومة بيمونتي نزع السلاح فوراً، وفي مدة أقصاها ثلاثة أيام. تجاهل كافور الإنذار إذ وجد فيه الفرصة السانحة لجر فرنسة لدخول الحرب معه، وسارع الامبراطور الفرنسي على رأس جيشه إلى إيطالية، وهزم مع قوات بيمونتي الجيش النمسوي في عدة معارك وبدأ المفاوضات مع النمسة، واتفق الطرفان على أن يتنازل امبراطور النمسة عن لومباردية إلى فرنسة التي تتنازل عنها بدورها إلى مملكة سردينية، وأن تبقى البندقية والمناطق الجبلية في شمال شرقي إيطالية تحت السيادة النمسوية على أن تكون جزءاً من الاتحاد الإيطالي الذي يجب أن يرأسه البابا. واتفق كافور مع نابليون على إجراء استفتاء في ولايات الوسط، التي انضمت إلى سردينية في حين انضمت نيس وسافوا إلى فرنسة. وبادر الوطنيون في صقلية إلى إشعال الثورة في بالرمو (1860).

ب ـ غاريبالدي وتحرير صقلية: جمع غاريبالدي[ر] 1080 متطوعاً من جنوة وألبسهم قمصاناً حمراء وعبر بهم إلى صقلية حيث هزم جيش نابولي، ثم غزا نابولي ودخلها وحرر مع جيش الملك فكتور عمانوئيل الحصون الشمالية، في حين توجه كافور بجيش لقتال جيش البابا وانتصر عليه واحتل الأملاك البابوية عدا رومة، وفي 18شباط1861 اجتمع المجلس النيابي الجديد ونودي بفكتور عمانوئيل ملكاً على إيطالية.

ج ـ ضم البندقية ورومة: تم ضم البندقية إلى إيطالية الموحدة إثر مساعدة إيطالية لروسية في حربها مع النمسة (1866). في حين ضمت رومة إثر الحرب بين فرنسة وبروسية عام 1870، إذ اضطرت فرنسة إلى سحب حاميتها من رومة، فسارع الإيطاليون إلى دخولها في 20 أيلول1870 مما أغضب البابا الذي لم يقبل بالتنازل عن سلطته المدنية واعتبر نفسه سجين الفاتيكان، وطلب من الكاثوليك مقاطعة الحكومة الإيطالية.

إيطالية حتى الحرب العالمية الأولى

واجهت إيطالية بعد توحدها بعض المشكلات التي نجمت عن الوضع الجديد للبلاد، كتعديل قانون الانتخابات وتوحيد الأنظمة الإدارية للبلاد في محاولة للتقريب بين ولايات الشمال الصناعية الأكثر تقدماً ورقياً، وولايات الجنوب الزراعية الأكثر تخلفاً ثقافياً واجتماعياً. وحاولت حلَّ المشكلة البابوية، كما واجهت مشكلة النمو السكاني وخاصة في الجنوب مما أدى إلى هجرة كبيرة من البلاد وخاصة إلى الولايات المتحدة الأميركية. إضافة إلى مواجهة ازدياد نشاط العصابات المنشقة وخاصة في نابولي وصقلية. كما عملت الحكومة على تشجيع الصناعة والزراعة وبناء أسطول تجاري ضخم، وأممت بعض القطاعات كالسكك الحديدية وشركات التأمين على الحياة، وعملت على تخفيف الأزمات الاقتصادية ورفع سوية المواطنين مادياً ومعنوياً، كما انطلقت تفتش عن مستعمرات لها أسوة بباقي الدول الأوربية، فبسطت نفوذها على ميناء عصب على البحر الأحمر، وأخذت تتوسع في إريترية Eritria، ثم استولت عام 1889 على مستعمرة أخرى في الساحل الشرقي لإفريقية سميت بالصومال الإيطالي، وبذلك أحاطت إيطالية بالحبشة (إثيوبية) من الشمال والشرق، وراحت تدعي أن الحبشة محمية لها، مما أدى إلى قيام الحرب بين الطرفين وهزيمة الطليان في معركة عدوة (1896) واعترافها باستقلال الحبشة، وقد توجهت إيطالية بأنظارها نحو الشمال الإفريقي منتهزة فرصة انشغال الدولة العثمانية بحروب البلقان فاحتلت طرابلس الغرب (1911-1912)، بعد أن مهدت دولياً لذلك.

إيطالية والحرب العالمية الأولى

عندما بدأت سحب الحرب تتلبد في سماء أوربة، كان الرأي العام الإيطالي يحبذ الوقوف على الحياد، في حين كانت الحكومة الإيطالية تخضع لضغوط سياسية وإغراءات من المعسكرين لجرها إلى الحرب، ولكنها في 3آب1914 أعلنت حيادها، وانقسم ساستها بين مؤيد ومعارض فأخذت الحكومة تساوم المعسكرين. وأخيراً وقّعت في 26نيسان1915 مع فرنسة وإنكلترة وروسية معاهدة لندن السرية التي تحصل بموجبها على إقليم ترنتينو والتيرول الجنوبي بالإضافة إلى تريستة ومعظم جزر دلماسية، وفي حالة تقسيم تركة تركية فسيكون من نصيبها أضالية، كما يسمح لها بالتوسع في مستعمراتها في ليبية وإريترية والصومال عند اقتسام فرنسة وإنكلترة المستعمرات الألمانية. وفي 23أيار1915 أعلنت إيطالية الحرب على النمسة وبدأت القتال في منطقة جبال الألب من دون تنسيق مع حلفائها، فكبدها ذلك خسائر كبيرة في الأرواح، ومنيت إيطالية بنتيجة الحرب بخسائر بلغت 615.000 قتيل، وانهار اقتصادها ورزحت تحت ديون طائلة.

وفي 10أيلول1919 وقَّعت إيطالية معاهدة سان جرمان مع النمسة وأخذت بمقتضاها تريستة وايستري وترنتينو.

وأسفرت انتخابات 1919 عن أكثرية للاشتراكيين والكاثوليك، ولم يستطع الحزبان التفاهم على برنامج مشترك، فانفصل المتطرفون ومن بينهم موسوليني[ر] مع جماعته من المحاربين القدامى ليشكلوا حزباً جديداً في ميلانو في 23مارس1919 باسم الحزب الفاشي مستغلين أوضاع مابعد الحرب من ضائقة اقتصادية وبطالة.

الفاشية[ر]

طرحت الفاشية مبادئ وشعارات جعلت منها عقيدة استقطبت حماسة الشباب فكانت تدعو إلى تمجيد القوة والعمل، ومركزية الدولة، ومعاداة النظام البرلماني ومحاربة الشيوعية، ولاقى موسوليني تأييداً من رجال الصناعة والمال، وجعل من فرق «القمصان السوداء» أداة للبطش والتخلص من خصومه السياسيين، وأصدر أوامره إلى تلك الفرق في 28تشرين الأول1921 بالزحف على رومة، فاضطر الملك إلى استدعائه من ميلانو وتكليفه تشكيل الوزارة بالاشتراك مع الوطنيين.

ظهر موسوليني مدة حكمه (1922-1945) بمظهر المعتدل والراغب في الإصلاح مما طمأن الحياديين وجعلهم يتعاطفون معه. وكان مؤمناً بأن الدولة هي التي تصنع الأمة، وليس العكس، وذلك بأن يكون على رأسها زعيم قوي يجمع بيده السلطات ليصنع الأمة التي يريد، وقد أعطى لنفسه هذا الحق فأوجد في عام 1923 المليشيا الفاشية، كما عمل على صهر الحزب الوطني في حزبه. وفي انتخابات 1924 حصل موسوليني مع الوطنيين على 64,9% من أصوات الناخبين وأصبح رئيساً للحكومة، وبدأ يجمع السلطات في يده، فحل النقابات الكاثوليكية والشيوعية وجميع الأحزاب غير الفاشية، وأخذ بإبعاد المناوئين له من أجهزة الدولة، ونفى الكثير من خصومه أو أرسلهم إلى مراكز الاعتقال، وسخر الصحافة لمآربه، كما عمل فيلسوف الفاشية غيوفاني غانتيله Giovanni Gentile على إصلاح النظام المدرسي والجامعي، ونظم الشباب في تشكيلات ذات صفة عسكرية لتأهيلهم رياضياً وتثقيفهم بعقيدة الحزب السياسية.

وفي 11شباط 1929 تم توقيع اتفاقية لاتران Lattran التي أنهت الخلاف مع الكرسي البابوي. كما عملت إيطالية على استصلاح الأراضي الزراعية وزيادة الإنتاج (معركة القمح) واستغلت مساقط المياه وعملت على زيادة الإنتاج الصناعي وتخفيض التكاليف وشجعت النمو السكاني ووضعت حداً للهجرة الخارجية.

أما على الصعيد الخارجي فقد غزت القوات الإيطالية إثيوبية (الحبشة) في 3تشرين الأول1935 ودخلت العاصمة أديس أبابا، وحصل الملك الإيطالي على لقب امبراطور إثيوبية إضافة إلى لقبه، كما قام موسوليني في 16آذار1937 بزيارة ليبية متقرباً من سكانها ومعلناً ميله وصداقته للمسلمين. وفي تشرين الثاني1937 انضمت إيطالية إلى التحالف المعادي للشيوعية والمكون من ألمانية واليابان، ثم انسحبت من عصبة الأمم، وعندما قامت الحرب الأهلية في إسبانية، ساعدت إيطالية فرانكو، وبعد أن احتلت ألمانية تشيكوسلوفاكية سارعت إيطالية إلى توقيع تحالف عسكري مع ألمانية. وفي 10حزيران1940 أعلنت إيطالية الحرب على فرنسة وبريطانية ثم على روسية وأخيراً على الولايات المتحدة الأميركية في 11كانون الأول1940.

وفي السنوات الأولى من الحرب العالمية الثانية نجح الحلفاء في إنهاء الوجود الإيطالي في شرقي إفريقية وإريترية، وأخذت القوات الإيطالية تتراجع ثم استسلمت في 12آذار1943. وفي شهر حزيران نزلت قوات الحلفاء في جزيرة صقلية وسقطت بالرمو (بالرم). وفي 3أيلول1943 أعلنت إيطالية أنها استسلمت دون قيد أو شرط، وتم عزل موسوليني، وعين الملك المارشال بيترو بادوليو Pietro Badoglio بدلاً عنه فدخل في مفاوضات مع الحلفاء ووقع الهدنة معهم في 29أيلول1943، ولقد تمكن الألمان من إنقاذ موسوليني وطلبوا منه تأليف حكومة جديدة، في حين أعلنت حكومة بادوليو الحرب على النازيين، وتابعت جيوش الحلفاء تقدمها فاحتلت رومة في 4حزيران1944، وتجمعت الأحزاب المعارضة للفاشية في منظمة التحرير الوطني وبدأت تنظم حرب العصابات.

حاول موسوليني الهرب إلى سويسرة، لكن «الأنصار» اعتقلوه ونُفذ فيه حكم الإعدام مع خليلته وخمسة عشر من قادة حزبه في 28نيسان1945. وفي 9أيار 1946 تخلى الملك فكتور عمانوئيل الثالث عن العرش وجاءت نتائج الاستفتاء في 2حزيران1946 مؤيدةً للجمهورية.

إيطالية بعد الحرب العالمية الثانية

خرجت إيطالية من الحرب محطمة القوى، منهارة الاقتصاد، تسودها البطالة وتعج ساحاتها بالمشردين ممن هدمت الحرب بيوتهم، وكان على حكومة مابعد الحرب التي تألفت من ممثلي الأحزاب التي قاومت الفاشية (الحزب الشيوعي، الديمقراطي المسيحي، الحزب الاشتراكي) أن تعالج هذا الوضع السيء وأن تجري انتخابات لمجلس تأسيسي. في 2حزيران1946 أسفرت الانتخابات عن فوز الحزب الديمقراطي المسيحي ونص الدستور الجديد على وجود مجلسين أحدهما للنواب والآخر للشيوخ، وأن يجتمع المجلسان لانتخاب رئيس الجمهورية ولمدة سبع سنوات. وفي انتخابات المجلس التشريعي عام 1948 فازت الكتلة المحافظة تحت شعار معاداة الشيوعية، وبمساندة الولايات المتحدة الأمريكية. وما لبثت إيطالية أن انضمت إلى حلف شمالي الأطلسي في ربيع 1949 ثم أخذت تلتفت إلى حل بعض المشكلات المعلقة، فوقعت اتفاقاً مع يوغسلافية عام 1953 بشأن الحدود بينهما وأصبحت تريستة ميناءً حراً.

وتتالت إبان العقدين الأخيرين من القرن العشرين الأزمات الوزارية وبرز إلى الوجود حزب جديد هو الحزب الاشتراكي الإيطالي، كما برز تنظيم سري يساري يحمل اسم الألوية الحمراء عُدّ مسؤولاً عن التعديات على الأمن والانتهاكات للنظام والتي ذهب ضحيتها مايزيد على خمسمئة قتيل.

وقد عانت إيطالية مابعد الحرب مشكلات عدم الاستقرار لشدة تنازع التيارات السياسية فيها تلك التي راوحت مابين الشيوعية والاشتراكية بأجنحتها المتعددة، والديمقراطية المسيحية والليبرالية، بالإضافة إلى الحركات المتطرفة اليمينية الملكية من جهة، والحركات الثورية اليسارية من جهة أخرى.

ونظام الحكم الحاضر في إيطالية جمهوري منذ عام 1946، يعتمد على دستور عام 1948، وبرلمانها مؤلف من مجلس للنواب عدد أعضائه 630عضواً، ومجلس شيوخ عدد أعضائه 325عضواً، منهم عشرة أعضاء دائمي العضوية مدى الحياة. والانتخابات للبرلمان تجري كل خمس سنوات، وسبع سنوات لانتخاب رئيس البلاد وهو كارلو أزيغليو كيامبي Ciampi منذ عام 1999. وتقسم إيطالية إدارياً إلى 20 محافظة منها خمس محافظات تتمتع بإدارة خاصة.

ومن مظاهر السياسة الإيطالية كثرة الأحزاب والمنافسات الحادة بينها في العصر الحديث ومايتبعها من قصر مدة بقاء الوزارات لتكرار حجب الثقة عنها ومن ثم استقالتها. وكذلك وجود حركة «جامعة الشمال» التي تنادي بانفصال الشمال عن إيطالية على غرار ماحصل في تشيكوسلوفاكية عام 1993، الأمر الذي لم يتحقق.

عبد الرحمن بدر الدين

 

اللغة الإيطالية

تنتمي اللغة الإيطالية إلى لغات الرومانس[ر] Romance languages (Lingue romance) المنحدرة من اللغة اللاتينية من مجموعة اللغات الإيطاليقية المنحدرة هي الأخرى من أسرة اللغات الهندية الأوربية. وهي اللغة المستخدمة اليوم في إيطالية وجزرها وجنوبي سويسرة وعلى الساحل الشمالي الشرقي للبحر الأدرياتي إضافة إلى بعض المناطق في شمالي أمريكة وجنوبيها.

تنقسم اللغة الإيطالية إلى لهجات محلية تختلف بين شمالي البلاد وجنوبيها، وقد نجم عن هذا الانقسام نزاع شعبي مصدره اختلاف في الرأي حول اللغة الرسمية التي ستصبح لغة البلاد. وظلت اللهجات المحلية شائعة حتى القرون الوسطى عندما بدأت محاولات جادة لتوحيدها ضمن لغة أدبية مكتوبة.

بدأ دانتي[ر] Dante الحديث على لغة العامة عام 1308 عندما تناول في رسالته «بلاغة العوام» De vulgari eloquentia، التي درس فيها اللهجات الإيطالية الأربع عشرة وبيَّن خصائصها، وتبعه الشاعر نقولو مكيافيلي[ر] Niccolò Machiavelli في القرن السادس عشر عندما أكد أن اللهجة المحلية في فلورنسة Firenze والغنية بالمفردات الأجنبية هي اللغة الإيطالية التي يحلم بها، وانكب على دراسة علوم الصرف Morfologia والأصوات Fonetica. في الوقت ذاته اكتسبت اللهجة المحلية في توسكانة Toscana وسط إيطالية، أهمية لأنها كانت جسراً بين الشمال والجنوب.

وحاول كبار المفكرين إيجاد تسوية طوال أربعة قرون إلا أنهم واجهوا صعوبة كبيرة في توحيد الشعب الإيطالي تحت راية لغة واحدة. فقد كانت اللهجة المحلية هي لغة التفاهم في كل إقليم، وكان لكل إقليم لهجته وأدبه إضافة إلى أنه كان يعيش عزلة سياسية واجتماعية تفصله عن الأقاليم الأخرى.

وبقي هاجس المفكرين ومصدر قلقهم، حتى القرن التاسع عشر، إيجاد لغة واحدة يكتبها ويقرؤها شعب واحد. ورأى الأديب أوغو فوسكولو[ر] Ugo Foscolo أن لهجة توسكانة تظل لغة للكتابة وحسب ولا يمكن للإيطاليين التحدث بها مع أنها كانت لغة العصر الذهبي للأدب الإيطالي. ورأى الشاعر جاكومو ليوباردي[ر] Giacomo Leopardi أن عدد الكتّاب تجاوز في عصره عدد القراء. كما رأى الأديب المؤرخ ألساندرو مانزوني[ر]  Alessandro Manzoni أن المشكلة تكمن في عدم وجود قارىء يشاطره لغة واحدة. وبقيت المشكلة قائمة حتى القرن العشرين عندما صرح الروائي الشهير إيتالو سفيفو[ر]Italo Svevo  في بلاده وخارجها أنه عاجز عن التعبير باللغة الإيطالية، وأضاف أن لغته الحية هي لغة تريسته Trieste، مجدداً بذلك ماقاله كارلو غوتزي Carlo Gozzi في القرن الثامن عشر: «إن اللغة الإيطالية لغة غير حية».

وعندما تحققت الوحدة السياسية في بداية القرن العشرين شاعت لغة العامة وسط الطبقة المثقفة من الأرستقراطيين والبرجوازيين واستخدمت في المناسبات الرسمية والاحتفالات. فكانت اللهجة المحلية لغة المواعظ في البندقية. كما استخدم فكتور ايمانويل الثاني لهجة بييمونته Piemonte عندما كان يعقد مجالسه الوزارية.

وشهدت إيطالية فيما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية ثورة لغوية مع التعليم الإلزامي للغة رسمية واحدة، وتمازج شعوب إيطالية ونزوح أهل الريف إلى المدن منذ بداية عام 1950. واعتمد معظم الإيطاليين تلك اللغة الرسمية. ولم يكن الأمر سهلاً في البداية لأن مدرسي اللغة الرسمية كانوا يجهلونها ويستعينون بلغة العامة في تعليمهم.

وقد بيّن توليو دي ماورو Tullio de Mauro، أحد اللغويين الإيطاليين في القرن العشرين في دراسة له حول العلاقة بين علم الاجتماع واللغة أن النسبة المئوية للمتحدثين باللغة الإيطالية الرسمية في العالم بلغت 2.5%.

خصائص اللغة

بقيت اللغة الإيطالية محدودة الانتشار مدة طويلة ومع ذلك فقد حافظت أكثر من غيرها من اللغات الأوربية على جذورها اللاتينية الأم، وبقيت علومها (الصرف والنحو والمفردات والأصوات) ثابتة على مر العصور. وهي تشبه في قواعدها قواعد اللغات الأوربية الأخرى التي تنحدر من اللاتينية الرومنسية مثل الفرنسية والرومانية والإسبانية والبرتغالية، فهي تميز بين المذكر والمؤنث إلا أنها تختلف عن الإسبانية أو الفرنسية عند استخدام صيغة الجمع. فالاسم عند جمعه لا ينتهي بالحرف S أو ES بل بحرف I إذا كان مذكراً (bambino , bambini = طفل ، أطفال) وبحرف  E إذا كان مؤنثاً (scuola, scuole = مدرسة، مدارس).

كما يصرف الفعل بطريقتين مختلفتين للدلالة على معنى زمني واحد (debbo, devo = يتوجب علي)، (vado, vo = أنا ذاهب)، (visto, veduto = رأيت). كذلك تُعرف اللغة الإيطالية بكثرة المرادفات، فعلى سبيل المثال هناك ثلاثة مرادفات لكلمة جدول مائي: ruscello, rivo, rio.

وتكثر في اللغة الإيطالية مفردات مشتركة مع اللغات اللاتينية الأخرى، كما انتقلت إليها مفردات من أصل عربي.

حنان المالكي

 

الأدب الإيطالي

ارتبط الأدب الإيطالي بتاريخ إيطالية وتطور أحداثها السياسية وتراثها الثقافي. فقد شهدت إيطالية انقسامات سياسية منذ القرن السادس حتى التاسع عشر. وكان للتطور الاقتصادي والاجتماعي أثره في الأدب والثقافة والفنون. واختلف أدب شمالي إيطالية عن جنوبيّها. ففي الوقت الذي شهد أدب الشمال توسعاً وتنوعاً ارتبط أدب الجنوب بالأسرة الحاكمة في صقلية وتلاشى بسقوطها.

نشأ الأدب الإيطالي على قاعدة متينة قوامها الأدب اللاتيني الاتباعي (الكلاسيكي) وكان معظم الأدباء الذين كتبوا، سواء باللغة العامية أو الأدبية، يتقنون اللغة اللاتينية[ر] وحاولوا تطبيق قواعدها بخاصة على اللغة العامية. ولم تكن اللغة اللاتينية وحدها مصدر إغناء الأدب الإيطالي فقد أثّرت آداب الشعوب المجاورة، ولاسيما فرنسة واللغة البروفنسية Le Provencal في الأدباء الإيطاليين.

أدب العصور الوسطى

عرفت إيطالية قبل الميلاد وبعده بسنوات ما يسمى بالأدب الروماني الذي استمر حتى زوال الامبراطورية الرومانية. تبعه أدب العصور الوسطى الخاص بالمجتمع الأوربي المسيحي الذي شمل دولاً أوربية أخرى مجاورة. ووقف الأديب الإيطالي إلى جانب نظرائه الفرنسي والألماني والإنكليزي يخاطب العالم المسيحي باللغة اللاتينية متناسياً المصالح القومية لكلّ دولة. وكان ينادي بوحدة الأدب مثلما كان ينادي بوحدة الثقافة والإيمان. وكانت لغة الشعر هي الأولى التي جمعت الأدباء في إيطالية وخارجها، وظل الشعر لغة المجتمع الأرستقراطي ذي المثل الخيالية حتى ظهور لغة العامة إلى جانب اللغة اللاتينية، عندئذ نشأت علاقة جديدة بين الأديب والقارئ، عندما بدأ الأديب يكتب بلغة العامة ويتحدث بلسان شعبه غير مبال بقارئه خارج الحدود الإيطالية. واكتسب الأدب صفة قومية وشعبية عندما بدأ الشاعر دانتي ألغييري[ر] Dante Alighieri  ينظم الشعر بلغة العامة. ووجد أنصار لغة العامة صعوبة في مواجهة علماء اللاهوت والصوفيين ورجال القانون والمؤرخين. ولم يكن من السهل التخلي عن اللغة اللاتينية وما يلازمها من أسس دينية وأخلاقية شكلت دعامة لمجتمع النبلاء وللثقافة الكهنوتية. ففي العصور السالفة كان التعليم العالي في إيطالية مقروناً بدراسة الحقوق والطب والبلاغة ولحقت الفلسفة بعلوم الطب. وأخّرت المكانة التي احتلتها اللغة اللاتينية رسمياً في الإدارات وفي لغة الوثائق منذ عام 960 ارتقاء لغة العامة إلى مصاف اللغة الأدبية حتى القرن الثالث عشر، عندما دافع القديس فرانتشيسكو داسيزي Francesco d'Assisi عن استخدام لغة العامة في كتابه «ترتيلة المخلوقات» Cantico delle Creature، وهو من المؤلفات الإيطالية القديمة التي كتبت بنثر إيقاعي مقرون بسجع وقافية وفيه تسبيح من المخلوقات وسجود لخالق الكون.

وشهد القرن الثالث عشر مدرسة شعرية حديثة استمدت اسمها «الأسلوب الجديد العذب» من عبارة لدانتي Dolce Stil Nuovo. وجمع مؤسس هذه المدرسة غويدو غوينيتزيلليGuido Guinizelli حول الشاعرين دانتي وغويدو كَفَلْكنتي[ر] Guido Cavalcanti مجموعة من الشعراء الشباب في توسكانة أمثال لابو جاني Lapo Gianni وجاني ألفاني Gianni Alfani وتشينو دا بيستويا Cino da Pistoia وتغنى هؤلاء الشعراء، الذين أرادوا أن تكون قصائدهم صفوة الشعر، بفداء الحبيبة.

واعتمد شعراء آخرون أمثال فولغوري دا سان جيمينيانو Folgore da San Gimignano وروستيكو دي فيليبو Rustico di Filippo وتشيكو أنجولييري Cecco Angiolieri الشعر الهزلي في مغالاتهم في الكلام وإسرافهم في وصف الواقع وبحثهم عن المثل العليا وسط الطبقة البرجوازية، وكان الشعر الهزلي استمراراً لشعر العصور الوسطى لذا وقف دانتي بين القديم والجديد منتهجاً الأسلوبين.

ودعت حركة دينية في نهاية القرن الثالث عشر إلى تجديد الأسس الاجتماعية، وإحياء القيم الأخلاقية، متأثرة بالإصلاح الديني[ر] الذي نادت به الكنيسة. إلا أن هذه الحركة اتجهت نحو التحرر من النفوذ الكنسي وأدخلت في مبادئها موضوعات سياسية واجتماعية إلى جانب موضوعاتها الدينية التي تعود إلى الشعر القديم: نهاية العالم وعفة النفس وإغاثة الفقير ويقظة الضمير، وحتمية الموت، ومن أشهر روادها جاكوبوني دا تودي Jacopone da Todi الذي عرف بتسابيحه Laudi وأشهرها «بكاء العذراء» Il Pianto della Madonna. ولم يكتسب الأدب الإيطالي في هذه الحقبة صبغة دينية فحسب بل أيضاً صبغة تعليمية هادفة، فكان الأدب وسيلة لنشر المبادئ والمذاهب التي تدعم حقيقة الإيمان؛ وساعد في ذلك وجود شريحة اجتماعية جديدة من القرّاء توّاقة إلى اكتساب المعرفة والعلم، كما ساهم عدد من الأدباء في شمالي إيطالية خاصةً في نشر هذه الحركة الأدبية التعليمية وكان أشهرهم برونيتو لاتيني Brunetto Latini وغويتوني داريتزو Guittone d'Arezzo.

القرن الرابع عشر والخامس عشر

سجل القرن الرابع عشر ثلاثة أسماء كبار في الأدب الإيطالي: دانتي و فرانتشيسكو بتراركا[ر] Francesco Petrarca وجوفاني بوكاتشو[ر] Giovanni Boccaccio. حاول بتراركا الارتقاء بالشعر إلى اللغة الأدبية المصفاة من شوائب لغة العامة والأسلوب الواقعي، واقترن شعره بالطبقة الأرستقراطية وبالبلاط، وكانت صقلية مهداً له في عهد فريدريك الثاني ثم أصبحت مدرسة صقلية الشعرية La Scuola Siciliana منهلاً للشعراء في جنوبي إيطالية وشماليها. ومن المؤكد أن الأدب لم يبلغ في القرن الرابع عشر المكانة التي كانت للرسم والنحت، والتي كان لها أثر يشبه أثر الشاشة الصغيرة في القرن العشرين؛ إذ بقي أدب البلاط قاصراً على شريحة من المثقفين حتى بداية عام 1470 عند طباعة النصوص الأولى لكبار الأدباء بلغة العامة: ديوان «الشعر الغنائي» Canzoniere لبتراركا (طبعة البندقية عام 1470) و«الديكاميرون» Decameron لبوكاتشو (طبعة البندقية 1471) و«الكوميديا (أو الملهاة) الإلهية» Divina Commedia لدانتي (طبعات فولينيو ومانتوفا والبندقية الثلاث 1472).

يضاف إلى ذلك أن النزعة الأدبية الإنسانية Umanismo ساهمت في نشر لغة العامة مدافعة عن حرية الإنسان في التعبير. ومن أنصارها ليون باتيستا ألبرتي Leon Battista Alberti وليوناردو دافينشي[ر] Leonardo da Vinci الذي احتل المكانة الأولى في الفنون، إلا أنه ناظر بلغة الأدباء وآثر لنفسه التعبير التلقائي عند تدوين أفكاره حول لوحاته الفنية. ولمع في فلورنسة اسم أنجلو بوليتسيانو [ر] Angelo Poliziano ولويجي بولشي Luigi Pulci وفي نابولي اسم ماسوتشو ساليرنِتانو Masuccio Salernitano وياكوبو سَنَتزارو Iacopo Sannazaro.

عصر النهضة Rinascimento (القرن السادس عشر)

لم تؤثر التجزئة السياسية في أعقاب حملة شارل الثامن (1494) على وحدة إيطالية الأدبية، إذ إن مقتضيات العصر الملحة كانت تتطلب الحفاظ على وحدة الثقافة وسط تيارات معاكسة. وبرزت نزعة توحيدية في الشعر المكروني Poesia Macaronica الذي كُتب بمزيج من اللاتينية واللغة القومية محافظاً على قواعد الشعر اللاتيني. وأشهر مثال لهذا النوع من الشعر القصائد التي كتبها ميكيلي أوداسي Michele Odasi بعنوان «مكرونية» Macharonea وتيوفيلو فولِنغو Teofilo Folengo بعنوان «بالدوس» Baldus.

ويذكر مع عصر النهضة الشاعر لودوفيكو أريوستو[ر] Ludovico Ariosto وقصيدته الشهيرة بعنوان «أورلاندو الثائر» Orlando Furioso التي تعد مرآة عصره، ويذكر من المؤرخين نقولو ماكيافيلي[ر] Niccolo Machiavelli وفرانتشيسكو غويتشارديني Francesco Guicciardini.

وشهد المسرح انطلاقة جديدة بتألق الملهاة وشخصياتها المتحذلقة. واقتبس المسرحيون الهزليون دسائسهم من المسرح اليوناني وكان نتاجهم وافراً. وتجدر الإشارة إلى مسرحيات أريوستو و بييترو أرِتينو[ر] Pietro Aretino وماكيافيلي ورائعته «ماندرا غولا» Mandragola. ومن المسرح الرعوي تذكر مسرحية «التضحية» Il Sacrificio لكاتبها أنطونيو بيكاري Antonio Beccari. واستطاع توركواتو تاسو[ر] Torquato Tasso أن يحقق فوزاً في مجال الملحمة وسط صراع لغوي وديني واجتماعي.

عصر الباروك[ر] Il Barocco Letterario (القرن السابع عشر)

حاولت الكنيسة الكاثوليكية، إثر انتصارها على البروتستنتية، أن ترسخ معالمها في الفنون والآداب. وولّد النفوذ الديني انقساماً لدى المثقفين. وظهرت طبقة منفتحة للنقد والتجديد وبقيت طبقة أخرى سجينة العلوم والمعرفة الأكاديمية المتوارثة. وساهم المسرح في تقديم صورة ساخرة للعلماء المنطوين على أنفسهم وسط كتبهم يتحدثون اللاتينية أكثر من الإيطالية؛ تبعتها صورة العالِم المتحجر العقل المؤيد للسلطة. وشهد عصر الباروك تحرراً من الأسلوب الاتباعي[ر] Classicismo وتمجيداً للعاطفة والأخلاق؛ فتألقت الروحانية Il Spiritismo في الكتابات الفلسفية لجوردانو برونو Giordano Bruno و توماسو كامبَنيلا Tommaso Campanella وفي كتابات المؤرخ باولو ساربي Paolo Sarpi. وكان للأدب العلمي نصيب وافر في هذا العصر. وقد أبرز غاليليو غاليلي[ر] Galileo Galilei في مقدمة كتابه «حوارات العلوم الحديثة» Dialoghi delle nuove scienze صورة جديدة للمثقف المنتمي إلى عصر النهضة.

وواكب الأدب العلمي التيار السياسي الهادف إلى بناء «إيطالية جديدة» مستقلة وعلمانية في مواجهة مجتمع يخضع للكنيسة منذ مجمع ترينتو (1545-1563) Concilio di Trento . وكان الأدباء يختارون لموضوعاتهم ما يثير الدهشة والغرابة ويخرج عن المألوف، فكان الاهتمام ينصب على أحداث الساعة (الآليات، الفنون المعمارية، الكوارث الطبيعية، وغيرها).  كما واكبت الكتابات النثرية النهضة العلمية، وبتشجيع من أكاديمية لينشي الوطنية Academia Nazionale dei Lincei التي أسسها فدريكو شيزي Federico Cesi عام 1603 وأكاديمية شيمنتو Cimento لمؤسسها ليوبولد دي ميديتشي Leopold de Medicis عام 1657. ومن أشهر كتاب النثر فرانتشيسكو ريدي Francesco Redi ملاحظات حول سم الأفاعي» Osservazioni intorno alle vipere و«تجارب حول الحشرات» Esperienze intorno alla generazione degli insetti) ولورينزو ماغالوتي Lorenzo Magalotti مقالات لتجارب طبيعية» Saggi di naturali esperienze و«رسائل علمية» Lettere scientifiche).

وحظيت الرواية بشعبية واسعة عندما مزجت بين السياسة ومختلف الأحداث. ويعد جوفاني امبروزيو ماريني Giovanni Ambrosio Marini من أشهر الروائيين.

أما في المسرح فبرز اسم كل من فِدِريكو ديلافالي Federico della Valle وكارلو دي دوتوري Carlo de Dottori في المسرحيات المأساوية Tragedia. وبرز في الملهاة Comedia اسم ميكل أنجلو بوناروتي الشاب Michelangelo Buonarroti il giovane.

وكان للشعر الإيطالي في أوائل القرن السابع عشر تأثير ملموس في شعراء فرنسة وإنكلترة. فالشعر الذي تميز بالتكلف والحشو والمغالاة والمجازات يرجع إلى المارينية Marinismo نسبة إلى جامبَتيستا مارينو[ر] Giambattista Marino الشاعر الإيطالي ناظم قصيدة أدونيس Adone والملقب في فرنسة بالفارس الماريني Cavalier Marin.

عصر التنوير Illuminismo (القرن الثامن عشر)

شهد تأسيس أكاديمية أركاديا Arcadia في رومة عام 1690 نهاية عصر الباروك. وكانت المجالس الأدبية لتلك الأكاديمية عامرة بكبار المفكرين أمثال جامبتيستا فيكو[ر] Giambattista Vico وكارلو غولدوني[ر] Carlo Goldoni وجوزيبي باريني Giuseppe Parini وفتوريو ألفييري[ر] Vittorio Alfieri وغوته[ر] Goethe. وأسهمت الحركة الأدبية الجديدة التي توافقت وعصر التنوير، في إحياء فكر جديد يعود إلى الوراء مقتدياً بثيوكريتس[ر] Theokritos وفرجيليوس[ر] Virgilius بهدف التميز والابتعاد عن الباروك.

وبرز التيار الجديد في كتابات المؤرخين أولاً: لودوفِكو أنطونيو موراتوري Ludovico  Antonio Muratori «في حوليات إيطالية» Annali d'Italia وبييترو جانوني Pietro Giannone في «التاريخ المدني في عهد نابولي» Istoria Civile del Regno di Napoli.

ويعد الفيلسوف فيكو من أشهر مفكري العصر. وقد تناول في كتابه «العلم الحديث» Scienza nuova ثلاث مراحل انتقالية في تاريخ البشرية: المرحلة الإلهية والمرحلة البطولية والمرحلة الإنسانية.

وتميز القرن الثامن عشر بالنتاج المسرحي فقد اشتهر بييترو ميتازتازيو[ر] Pietro Metastasio في المَشْجاة Melodramma وكارلو غولدوني في المسرح الهزلي؛ وفتوريو ألفييري في المسرح المأسوي. وبرز في الشعر الغنائي التعليمي وشعر الهجاء جوسيبي باريني الذي مهد لعودة الاتباعية وصور في قصيدته الشهيرة «النهار» Il Giorno تبجح طبقة النبلاء من خلال يوميات شاب وشابة.

عصر اليقظة القومية Risorgimento (القرن التاسع عشر)

اقتبس الأدب الإيطالي في القرن التاسع عشر مفهومه الوطني، بمدلوليه السياسي واللغوي، من المدرسة الإبداعية[ر] Romanticismo التي بدأت في فرنسة، وساهم في معركة التحرر القومي والاجتماعي. ودعا الشاعر فيتشنزو مونتي[ر] Vicenzo Monti إلى أدب حديث Letteratura Moderna يتناول موضوعات معاصرة مع الحفاظ على أسلوب اتباعي جديد Neoclassico. وهكذا اتخذ بعض الشعراء أساليب الشعر القديم نماذج يقتدون بها وينسجون على منوالها، فهم يقلدون الشعراء الأقدمين في أساليبهم ويعارضونهم في مشاعرهم. وكان إحياء التراث القديم من مظاهر النهضة القومية وفي إطار المدرسة الاتباعية الجديدة Neoclassicismo التي تزامنت وحقبة نفوذ نابليون. ومثّل أسلوب الشعراء في هذه المرحلة الشاعر الروائي أوغو فوسكولو[ر] Ugo Foscolo الذي اشتهر بروايته «رسائل جاكوبو أورتِس الأخيرة» Le ultime lettere di Jacopo Ortis.

واغتنى الأدب بروافد جديدة من المذاهب الأدبية كالإبداعية والواقعية[ر] Realismo والرمزية[ر] Simbolismo؛ وتعزز اتصال الأدب بالحياة فصار الأدباء يعنون بتصوير حياة الشعب تصويراً صادقاً ويعالجون مشكلاته وعلاقاته الإنسانية، ففتحوا نوافذ وعيه على واقعه وأضاؤوا جوانبه من زوايا رؤيتهم الفنية للحياة. ولقب الشعراء الذين نهجوا نهج الإبداعية بشعراء الوطن؛ وكان ممثلوهم في هذه المرحلة جوفاني بركي Giovanni Berchet و جوسيبي جوستي Giuseppe Giusti.

وتمثلت النزعة الإبداعية على نحو أوسع في مؤلفات ألساندرو مَنزوني[ر] Alessandro Manzoni وجاكومو ليوباردي[ر] Giacomo Leopardi اللذين عُدَّا أكبر كاتبين إيطاليين في القرن التاسع عشر. ففي روايته التاريخية «الخطيبان» (1821) I Promessi Sposi عالج منزوني أحداث الساعة السياسية بأسلوب يجمع بين التاريخ والإبداع الخيالي. أما ليوباردي فكانت مجموعاته الشعرية تنبض بالعاطفة والإنسانية.

إلى جانب هؤلاء يُذكر غوفريدو ماميلي Goffredo Mameli واضع النشيد الوطني «أشقاء إيطالية» Fratelli d'Italia. ونتيجة ارتباط الإبداعية بواقع الشعب وأحواله التاريخية والسياسية والاجتماعية برزت كلمة الشعب في قصائد جوزيبي جوياكينو بيللي Giuseppe Gioacchino Belli. وكان الأدباء المؤرخون يعمدون إلى استحضار التاريخ وينشرون صوراً مشرقة منه لتستثير العزة الوطنية. أما الروائيون فكانوا يستمدون من وقائع الأحداث مادة يصهرونها بخيالهم الفني وينسجون منها قصصاً تاريخية سياسية. وكان أبرز من كتب في هذا المجال توماسو غروسي Tommaso Grossi  وفرانتشيسكو دومينِكو غويراتزي Francesco Domenico Guerrazzi الذي كتب «حصار فلورنسة» Assedio di Firenze. وبرز ايبوليتو نييفو Ippolito Nievo في الرواية الاجتماعية، ويعد كتابه «اعترافات إيطالي» Le Confessioni d'un Italiano الذي صدر بعد وفاته تحت عنوان «اعترافات رجل في الثمانين» Confessioni d'un Ottuagenario تجربة إنسانية يجسد بها نييفو فكرة تضيء تطور المجتمع الإيطالي الحديث. ويستخلص الكاتب هذا المعنى من معاناته وتجربته في الحياة وتأملها بمنظاره الخاص.

وقد شهد القرن التاسع عشر تفتحاً للوعي الاجتماعي جعل الثقافة تتجه نحو الديمقراطية. ووجد هذا الاتجاه تعبيراً مباشراً في السيرة الذاتية ذات الصبغة البطولية والتعليمية. يذكر من كتابها سيلفيو بيللكو Silvio Pellico («سجوني» Mie Prigioni) وماسيمو دازيليو Massimo d'Azelio («ذكرياتي» Miei Ricordi) ولويجي ستمبريني Luigi Settembrini («ذكريات حياتي» Ricordanze della mia vita).

وعلى صعيد الشعر ظلت القصائد في بداية ذلك العصر في كنف الآلهة وأبطال العالم القديم أو مرتبطة بقمة المجتمع الحاكم. ولربما حاولت الإبداعية أن تقطع الشعر عن الواقع آخذة به إلى العالم الآخر. غير أن الشعراء لامسوا مأزق الحداثة عندما غدت الواقعية اتجاهاً استوعبه الأدباء جمالياً بوصفه مذهباً أدبياً فنياً من شأنه ضمان تصوير الحياة الواقعية تصويراً شاملاً اجتماعياً وتاريخياً وموضوعياً. وتقدم النثر على الشعر في وصف الحياة اليومية التي أخذت مكانها في القصة لتصبح مرآة المجتمع الجديد. ويأتي في هذا المجال أسماء كثيرة منها لويجي كابوانا Luigi Capuana الذي كتب «مركيز روكا فردينا» Il Marchese di Roccaverdina، وأيضاً جوفاني فيرغا[ر] Giovanni Verga. ونشأ أطفال البرجوازية على قراءة «بينوكيو» Pinocchio لكارلو كولودي Carlo Collodi الاسم المستعار لكارلو لورنزيني Carlo Lorenzini. وأحيت قصة إدموندو دي أميتشس Edmondo de Amicis «القلب» Cuore عاطفة الطبقة البرجوازية وأيقظ ضميرها مؤلفات أنطونيو فوغاتزارو Antonio Fogazzaro منها: «عالم قديم صغير» Piccolo Mondo Antico و«القديس» Il Santo. وتألقت الرواية المحلية في نابولي مع ماتيلد سيراو Matilde Serao مؤلفة «الراقصة» La Ballerina و«أرض النعيم» Il Paese di Cuccagna. وفي توسكانة كتب ريناتو فوتشيني Renato Fucini «في الهواء الطلق» All'aria aperta و«سهرات نيري» Le Veglie di Neri. ومهد كل من فرانتشيسكو دي سانكتِس Francesco de Sanctis وجوزوي كاردوتشي[ر] Giosue Carducci وغابرييلي دانونزيو Gabrielle d'Annunzio وجوفاني باسكولي[ر] Giovanni Pascoli لميلاد أدب القرن العشرين.

القرن العشرون

حالت الفاشية دون قيام كيان ثقافي مستقل. وعبَّر الشاعر المناهض للفاشية تشيزاري بافيزي[ر] عن بداية هذا العصر عندما قال عام 1949: «ليس ثمة ثقافة إيطالية اليوم، بل ثقافة أوربية وحتى عالمية» وضاقت من ثمّ دائرة المجتمع الأدبي وإن اغتنى في هذه المرحلة بروافد جديدة أخرى من التيارات الأدبية تجلت في المجلات الأدبية: اللاعقلانية L'irrazionalismo في الليوناردو  (1903-1907) Il Leonardo والجمالية[ر] Estetismo في «لافوتشه» (أو الصوت) (1908-1916) La Voce والمستقبلية[ر] Futurismo في «لاشيربا» (1913-1915) Lacerba والاتباعية[ر] Classicismo في «لاروندا» (1919-1923) La Ronda والحداثة [ر]   Modernismo في نوفشِنتو أو «القرن العشرون»  (1926-1929) Novecento والوطنية Nazionalismo في لسان الفاشية، السلفاجيو (1924) Il Selvaggio.

وأسهمت صحيفة الفيغارو الفرنسية Le Figaro في عددها الصادر في العشرين من شباط 1909 بنشر أول بيان رسمي للمستقبلية لفيليبو توماسو مارينِتي  (1876-1945) Filippo Tommaso Marinetti  الذي صاغ هذا المصطلح الأدبي الفني للمستقبلية Futurismo في رواية خيالية كتبها بالفرنسية عام 1909 تحت عنوان «مافاركا المستقبلي: رواية إفريقية» Mafarka le futuriste: roman africain. وقد عطفت حركة موسوليني الفاشية على هذه النزعة في أول توليها الحكم غير أنها سرعان ما تنكرت لها في أواخر عام 1924. وانطفأت جذوة هذه التيارات الأدبية عند اندلاع الحرب العالمية الثانية.

و شهدت السنوات الأولى من القرن العشرين قيام حركة «الآفلين» Crepuscolari التي استمد شعراؤها مادتهم من الأوساط البائسة بعيداً عن عالم الصناعة الحديث غير الإنساني، وقورنوا بشعراء أدب الانحطاط في نهاية القرن التاسع عشر، وكان جوزيبه أنطونيو بورجيزي Giuseppe Antonio Borgese هو الذي وضع مصطلح «الأفول» Crepuscolare للدلالة على زوال الشعر الذي قرضه فوسكولو Foscolo ومنزوني Manzoni وليوباردي Leopardi.

ومن أهم الشعراء الآفلين سيرجيو كوراتزيني Sergio Corazzini و مارينو موريتي Marino Moretti الذي عرف بقصائده المميزة: «قصائد كُتبت بالقلم» Poesie scritte col lapis وهي قصائد قاتمة أرادها رصاصية اللون شبيهة بقلمه إيذاناً بتشاؤمه وسخطه. واشتهر غويدو غوتزانو Guido Gozzano بمؤلفاته: مجموعة قصائد Raccolte di versi  و«طريق الهروب» (1907) La via del rifugio و«محاورات» (1911) I Colloqui. وغربت حركة الآفلين بظهور حركة رواد المستقبل I Futuristi المعارضة لها التي وجدت مادتها في الحياة الصناعية الحديثة.

وبحث النظام الفاشي عن مؤيدين مخلصين له بين المفكرين والأدباء إلا أنه أخفق بسبب التناقضات التي كانت تعصف به. فتارة كان يجابه العالم الحديث اللاأخلاقي وتارة يلجأ إلى القوة والعنف.

واتجه الأدباء المناهضون للفاشية إثر خيبة أملهم في النظام نحو التحرر متسلحين برؤية جديدة ذات آفاق سياسية واجتماعية رحبة. وعبرت مجلتا «الثورة الحرة» La Rivoluzione Liberale و«الباريتي» Il Baretti التي أسسها بييترو غوبيتي (1901-1926) Pietro Gobetti  في تورينو عن مواقف الأدباء النقاد. واستطاعت الفاشية أن تقضي على مؤسس المجلة الشاب غوبيتي الذي لقي حتفه إثر التعذيب، إلا أنها لم تفلح في إسكات صوت المعارضة الذي كان ينادي بنظام أخلاقي رافض كل تسوية سياسية وتائق إلى أدب شبيه بأدب عصر التنوير Letteratura illuministica.

ومن أبرز شعراء هذا الاتجاه أوجينيو مونتالي [ر] Eugenio Montale الذي صور في أبياته عِظام حبّار (1925) Ossi di Sepia والفرص (1939) Le Occasioni القلق الذي أصاب جيل العصر الذي كان يرى أن الحروب تهدد وجوده، والشيوعية تزيد مخاوفه والفاشية والنازية تسلبان حريته.

وفي المدة الواقعة بين عام 1930و1940 اشتهر شعراء ينتسبون إلى المدرسة الشعرية الهرمسية Ermetismo (نسبة إلى هرمس Hermes ابن الإله زيوس عند اليونان). وكانوا ينادون بالشعر الغامض والمبهم مقلدين في أساليبهم الشعراء الفرنسيين مالارميه[ر] Mallarme ورامبو[ر] Rimbaud وفاليري[ر] Valéry. وتجلى هذا الأسلوب في أعمال ألفونسو غاتو Alfonso Gatto وأدريانو غراندي Adriano Grande وماريو لوتزي Mario Luzi وفيتوريو سيريني Vittorio Sereni وليوناردو سينيسغالي Leonardo Sinisgalli وسيرجيو سولمي Sergio Solmi وبخاصة سلفاتوري كوازيمودو[ر] Salvatore Quasimodo الحائز جائزة نوبل والذي أضاء جوانب الواقع بدعوته من زوايا شعرية إلى عالم يخلو من الحقد والعذاب.

وكان الشعر الفرنسي قد ترك أثراً واضحاً في الشعر الإيطالي في القرن العشرين كما يتجلّى في أعمال جوزيبي أونغارِتّي[ر] Giuseppe Ungaretti الذي عكس شعره تجربته الحزينة في الحياة وفي شعر أومبرتو سابا[ر] Umberto Saba الذي ربط آلامه بالواقع الاجتماعي.

إلا أن المدرسة الهرمسية أحدثت فرزاً عميقاً في المجتمع عندما ابتعدت عن الكلمة المبسطة كلمة الفئة البرجوازية.

ومع انقشاع سحب الحرب العالمية الثانية شهد العالم تحولات جذرية ونهض الأدباء الإيطاليون ليشيّعوا أحزان الماضي الوجيع ويستقبلوا طلائع الفجر الجديد بحماسة، فقد ربحوا الكلمة الحرة، وكان لابد من الثورة على أشكال الحياة القديمة في التفكير والتعبير. وصار الأديب ينظر إلى الحياة نظرة شاملة تحاول أن تربط ظواهر الحياة بحركتها وتناقضاتها ودوافعها المختلفة، ومن أثر ذلك تجددت الوسائل التعبيرية للأجناس الأدبية وتنوعت أساليبها. فبرز الشعر الحديث وكان ثورة على الشعر التقليدي في كل عناصره التعبيرية، وحطم وحدة القافية ورتابتها وجنح للتعبير بالصورة الرمزية التي تكثف التجربة الشعورية في صورة عميقة الدلالة، ونزعت الألفاظ إلى السهولة حتى كادت أن تكون لغة الحديث العادي، لكن الشعراء شحنوها بمعان ملونة جديدة تجاوزت معانيها التقليدية وجاءت التراكيب في نسق ظاهرُهُ السهولة والنثرية لكنه ينبض بانفعالات الشاعر وروحه. وتخلى الشعر الحديث عن الخطابة وتهاويل الحماسة، وحاول أن يكون حديث النفس ونجواها.

وفي مجال المسرح ازدهرت المسرحية ازدهاراً واسعاً وتكوّن لها جمهور كبير. وكانت مجالاً رحباً لمعالجة القضايا السياسية الكبرى التي تشغل اهتمام الإنسان. وصار الأدباء ينشدون ضرورة وحدة إيطالية ويبينون المقومات التي تهيئ لها السبل إلى التحقق. واكتسب مسرح لويجي بيرانديلو[ر] Luigi Pirandello شهرة عالمية؛ وتحررت الكلمة والعاطفة في مسرح الغروتسك Teatro Grottesco (المسرح المضحك المحاط بالغرابة).

وفي مجال النقد الأدبي لمع اسم بِنِديتو كروتشه [ر] Benedetto Croce الذي ناهض في مجلة «النقد» (1903-1944) La Critica أدب الانحطاط والتدهور الذي ساد في نهاية القرن التاسع عشر. وكانت نظريته المثالية تنادي بالمثل العليا الكامنة في الوحي الداخلي للنفس البشرية. أما المؤرخ الناقد أنطونيو غرامشي[ر] Antonio Gramsci فكان من رواد الاشتراكية ومن ثم أصبح من مؤسسي الحزب الشيوعي الإيطالي. وشهدت نهاية الحرب العالمية الثانية انتشار الفكر الماركسي.

أما الرواية فقد حظيت باهتمام كبير لدى الجماهير المثقفة جعلها تتقدم على سائر الأجناس الأدبية لقدرتها على استيعاب الحياة استيعاباً أشمل وأعمق. وقد تنوعت اتجاهاتها فكان هنالك الاتجاه الإبداعي Storia Romantica الذي يحرك الأحداث بالعواطف ويسلط أضواء التحليل على هذه العواطف بمنأى عن ارتباطاتها بواقع الحياة وظروفها والاتجاه الواقعي النقدي الذي يكشف الجوانب السلبية في الواقع وينتقدها بإثارة الاحتجاج عليها ورفضها، ويصور أيضاً نهوض الوعي السياسي لدى الجماهير.

ومن أبرز الروائيين ألبيرتو بينكيرلي الملقب بألبيرتو مورافيا[ر] Alberto Moravia الذي اشتهر بروايته «اللامبالون» (1929) Gl'indifferenti وموضوعها اجتماعي يصور مورافيا فيها مشكلة العجز عن التكيف مع الحياة. وقد أعطى مورافيا هذه المشكلة الاجتماعية أولوية فتكررت مختلفةً في روايات أخرى منها «السأم» (1960) La Noia وفي مجموعة حكايات: «شتاء مريض» Inverno di malato و«نهاية علاقة» Fine di una relazione. ويذكر أيضاً من الروائيين المعاصرين إيليو فيتوريني Elio Vittorini («القرنفل الأحمر» (1933-1934) Il Garofano rosso ـ «حديث في صقلية» (1938-1939) Conversazione in Sicilia وكارلو برناري Carlo Bernari الذي ابتعد عن اللغة الأدبية عندما كتب روايته «ثلاثة عمال» (1934) Tre operai وفاسكو براتوليني Vasco Pratolini الذي عرف بكتابيه «واقعة عائلية» (1947) Cronaca familiare و«وقائع عاشقين بائسين» Cronache di poveri amanti  (1947)، وإيتالو كالفينو Italo Calvino الذي صنف بين أدباء المقاومة («درب بيوت العنكبوت» (1947) Il Sentiero dei nidi di ragno و«القط النمر» Serval).

ومن الروايات الشهيرة التي صدرت بعد وفاة كاتبها رواية «الفهد» Il Gattopardo لجوزيبي توماس دي لامبيدوسا. كما تُذكر رواية «حياة عنيفة»  (1959) Una vita violenta لبيير باولو بازوليني Pier Paolo Pasolini. كذلك حقق كارلو إميليو غادا[ر] Carlo Emilio Gadda شهرة في مجال الرواية ومن رواياته «معرفة الألم» (1963) La Cognizione del dolore.

وهكذا حقق الأدب الإيطالي وظيفته الاجتماعية والإنسانية إذ كان ظاهرة اجتماعية يصعب عزلها عن حركة المجتمع والتاريخ.

حنان المالكي

 

العمارة والفنون

امتزج الفن، امتزاجاً وثيقاً بالحياة الإيطالية. وكانت المدينة هي المركز الأساس لمظاهر هذا الفن. وقد أدت روح المنافسة إلى تفتح مراكز الفنون وازدهارها، إضافة إلى ما قدمته القوى السياسية، ومختلف عناصر المجتمع الأخرى، من تشجيع. ووصلت فعالية بعض البلديات في القرنين الحادي عشر والثاني عشر إلى أوج ازدهارها حتى زاحمت السلطات الإقطاعية وسلطة الكنيسة. وما الأبنية العامة، في المدن الإيطالية، إلا دليل من الأدلة الكثيرة على دور المدن والإقطاع والكنيسة. وقد عبرت عن نفسها بمظهر إيطالي الطابع في فنون العمارة والنحت والتصوير، إضافة إلى رعاية الفنون الأخرى والآداب والعلوم. فإذا كانت رومة الحديثة تدين بأجمل ما فيها من أعمال فنية للبابوية ومؤسساتها، وكانت البندقية تدين بالأعمال الفنية فيها إلى مؤسساتها الجمهورية، فإن فلورنسة لم تبلغ ما بلغته من مجد فني وفكري لولا أسرة دي ميدتشي[ر] Dei  Medici.

وقد ساعدت الإدارة الذاتية وتشجيع رعاة الآداب والفنون على تحديد مفهوم مدينة الفن الذي كان من حق معظم المدن الإيطالية أن تطالب به لقباً لها، فلا يستحق هذا اللقب مدن مثل رومة ونابولي وفلورنسة والبندقية وميلانو فحسب، بل يستحقه كثير من المدن الأخرى التي قامت في حقبة من تاريخها بدور العاصمة أيضاً. ومن هذا الخليط المرتبط بتاريخ إيطالية في القرون الوسطى يبرز كيانان اثنان: بيمونت Piemonte في الشمال، ومملكة النورمان في الجنوب، ويرتبط النشاط الفني فيهما بالمنطقة أكثر من ارتباطه بالمدن، باستثناء نابولي وبالرمو وليتشه Lecce من مملكة النورمان. ومع ذلك فإن الرغبة في إعادة تجميع المدن في خريطة سياسية مبسطة تحققت عموماً في مطلع القرن الخامس عشر.

اقتبس الرومان فنهم من خليط مختار من الطرز اليونانية والآسيوية ومن الاسكندرية فجمعوا فيه بين التحفظ والضخامة والرشاقة، غير أنهم لم يمزجوا في يوم من الأيام هذه الصفات لينشئوا منها تلك الوحدة التي هي من أسس علم الجمال. ويُعد مجمع الأرباب (البانتيون) من عجائب الصروح أكثر مما يعد واحداً من روائع الفن، إذ إن الفن كان يهدف إلى بلوغ الغاية في الصلابة والاقتصاد والمنفعة، و إلى افتتان العصامي بالضخامة والزينة، وميل الجندي إلى الواقعية وإلى فن المحارب ذي القوة والبطش. وما من شك في أن الرومان قد أنشؤوا مدناً تقع في المقدمة بين أكثر المدن فتنة وروعة في التاريخ. وأوجدوا فناً مرناً تصويرياً ومعمارياً في مقدور كل إنسان أن يفهمه، وشادوا مدينة يستطيع كل مواطن أن يعيش فيها وينتفع بها.

وجاء دور الكنيسة، بدءاً من عام 402م، بعد الفن الإتروسكي ثم الروماني لتضع بصماتها في مدينة رافينّة عاصمة الامبراطورية والبرابرة والبيزنطيين على التوالي. إذ اتسم كل عهد من عهودها بأبنيته المميزة مثل «ضريح غالا بلاتشيديا» Gala Placidia، وضريح تيودوريك، وكنيسة القديس فيتالي، وفيها زادت الصلة بالقسطنطينية لقدوم الصناع الشرقيين، واختلاطهم بالمهندسين الإيطاليين، وفي دخول الأنماط الشرقية وامتزاجها بالأنماط الإيطالية، مما أدى إلى ظهور الطراز الهندسي الشرقي كما في ضريح غالا بلاتشيديا المؤلف من قبة فوق قاعة لها هيئة صليب (عام 450م) يضم الضريح الذي دُفنت فيه بلاتشيديا. وفيه النقش الفسيفسائي الذائع الصيت الذي يمثل المسيح في صورة الراعي الصالح. وكان استيلاء بليساريوس على رافينّة من الأسباب التي عجلت بانتصار الفن البيزنطي في إيطالية. فأقيمت فيها كنيسة القديس فيتالي (547م) في عهد جستنيان وزوجته تيودورة، وبعد عامين من افتتاح هذه الكنيسة افتتح أسقف رافينّة كنيسة القديس أبوليناريوس الجديدة في كلاسيس، التي ُشيدت وفق التصميم البازيليكي الروماني القديم، وتظهر على تيجان الأعمدة المختلطة الأشكال مسحة بيزنطية تدلّ عليها أوراق نبات الأقنثوس (شوك الجمل) الملفوفة الملتوية المسماة أيضاً نبات الخرشوف، على خلاف ما كان يظهر في الأنماط اليونانية والرومانية القديمة. وتعد هذه الكنيسة من أشهر كنائس شبه الجزيرة الإيطالية التي تكاد تكون كلها معرضاً عظيماً للفنون الجميلة.

تزامنت غزوات اللومبارديين (569-774م) مع تراجع شديد الوضوح للحضارة الإيطالية، لكن انتصارات شارلمان أدت إلى نهوض الفنون وارتقائها من جديد قبل القرون الوسطى. وأنتجت العمارة الرومانية في إيطالية كثيراً من الكنائس والكاتدرائيات في أكثر مدنها مثل بارمة Parma ومودِنة Modena وبيزة Pisa وبياتشنتسه Piacenza ولاسيما في لوكّة Lucca. وتقدم هذه الأمثلة جميعاً خصائص مشتركة تسمح بتحديد  سمات مدرسة ذات أصل لومباردي كاستخدام الطنف القليلة البروز فوق الجدران، وسلاسل العقود الزخرفية الصغيرة في واجهاتها الغنية بالنحت، وتواتر الأروقة المرتكزة على مجموعة من الأسود، وأبراج الأجراس المنفصلة عن الكنيسة، يضاف إلى ذلك تزيين المحراب الروماني بالصور والفسيفساء المتنوعة الألوان والأشكال مما يشهد على تضافر ضروب من الأساليب الفنية،

وقد أطلق في إيطالية على العمارة الرومانية لقب العمارة اللومباردية، وهي متأثرة بالفن البيزنطي وبمدرسة نهر الراين في ألمانية، كما أن المسقط الأفقي لأغلب كنائس هذا العصر كان من الطراز البازيليكي. ومن العمائر التي اختصت بها إيطالية في ذلك العصر دون سواها من بلاد أوربة، المباني التي يدعى كل منها مبنى المعمودية، وهو بناء مستقل شيد أمام الكنيسة، في أغلب الأحيان، على شكل مستدير أو مثمن، أما برج الناقوس فيبنى منفرداً دائماً، وقد يتصل أحياناً بالكنيسة بأروقة أو ماشاكلها. وتعد مجموعة بيزة المعمارية من أشهر العمارات الرومانية في إيطالية، وفيها كاتدرائية بيزة المشيدة سنة 1063م، وهي من أجمل كنائس هذا العصر. وفي بيزة كذلك برج بيزة المائل الشهير الذي شُيد عام 1174م، ويرتفع إلى ثمانية طوابق بشكله المستدير، أما سبب ميله فيرجع إلى خلل في أساساته.

يُعد دير القديس غاليانو الذي بناه رهبان فرنسيون عام 1224م، أول بناء اعتمد العمارة الإيطالية القوطية التي بلغت النضج في القرن الرابع عشر في أبنية مثل: كاتدرائيات سيينة وفلورنسة وأورفييتو وهي من الطراز القوطي الفرنسي المتموج الزخارف، وأما العمارة القوطية المدنية فتبدو جلية في القصور التي تمتاز بأبراجها ذوات الشرفات كما في سيينّة وفلورنسة (القصر القديم Palazzo Vecchio) وفي فيرونة وبولونية. ومع ذلك، فإن إيطالية كانت أقل اهتماماً بالفن القوطي الذي انتشر في بلاد كثيرة، إذ لم تكن أنماطه الصريحة تتفق مع التقاليد الفنية لدى الشعب الإيطالي ومع مزاجه الذي هو أقرب إلى العاطفة منه إلى المنطق. ومن أكثر الأعمال الإيطالية القوطية بروزاً: كاتدرائية ديومو Duomo في ميلانو التي شيدها أول دوق لميلانو عام 1386م، وهي من أكبر الكنائس في أوربة، إذ تحتوي على حرم يبلغ طوله 46متراُ وعرضه 16متراً، وارتفاع دعاماته 16متراً، وتحمل تيجاناً منحوتة يبلغ ارتفاعها ستة أمتار ونصف المتر. ثم كاتدرائية القديسة ماريا دل فيوري Maria del Fiore في مدينة فلورنسة التي صممها المعماري أرنولفو دي كامبيو[ر] Arnolfo di Cambio وهناك كذلك كاتدرائية سيينّة، وهي من أشهر الكنائس القوطية في إيطالية وقد اشترك في إقامتها وزخرفتها جميع فناني سيينّة. أما ما يتصل بالألوان فإن نفوذ الفن البيزنطي واضح التأثير والسيطرة، فضلاً عن أن تزيينات المحاريب وزخرفتها غالباً ما كان يقوم بها فنانون يونانيون، وقد بلغ فن الفسيفساء الصقلي آنئذٍ كمالاً تشكيلياً يتعذر تجاوزه كما في مدن مونرياله Monreale وبالرمو Palermo وتشيفالو Cevalu.

ومن الطبيعي أن تبقى البندقية، بحكم موقعها الجغرافي وماضيها، على صلة عميقة بالتقليد البيزنطي، كما يشاهد في فسيفساء القديس مرقص. ويعد أسلوب الفنان تشيمابو  Cimabue مثلاً على النهج البيزنطي قبل التصوير الزيتي في عصر النهضة الإيطالي. وقد أنتج الكثير من الرسوم الجدارية (الفريسكو) في أسّيزي Assisi والكثير من صور العذراء. وبشر الفنانان جيوتو[ر] (1266-1337م) Giotto في بادوا، ودوتشيو (1260-1340م) Duccio في سيينة، بانبعاث عصر النهضة. فكان الأول بخبراته في المنظور والفراغ، والثاني بسحر شخوصه وأناقتها، وقد مهد الاثنان السبيل أمام فكر مدرسة سيينة Sienna وتفتحه.

وظل أسلوب فن النحت في القرنين الثالث عشر والرابع عشرحلاً وسطاً بين أسلوب نحت التوابيت الحجرية في العصور الغابرة والتكيف مع الأشكال القوطية الفرنسية: ويرجع الفضل في ازدهار النحت القوطي الإيطالي إلى أسرة بيزانو [ر] وهم نيقولا وجيوفاني وأندريا ونينو، وإلى جاكوبو ديللا كويرشيا وأندريا أوركانيا[ر] A.Orcagna من مدينة فلورنسة.

وصل الفن الإيطالي في مطلع القرن الخامس عشر إلى منعطف حاسم، فإلى جانب الأشكال القوطية الحية مثل قصور البندقية، ارتسمت في الأفق جمالية جديدة ارتكزت على الإعجاب بالعمارة القديمة والتحمس لها لما في جعبتها من عناصر تزيينية، مثل الأعمدة والركائز المخددة وزخارف مداخل الأبنية، في حين استعاد الإنسان ثقته بنفسه وبعودته إلى الآداب الإغريقية ودراستها، مما بشر بولادة إنسان جديد يحمل في دخيلته النزعة الإنسانية. وانطوى هذا العصر على خليط هائل وغريب من الأفكار والنزعات المتعارضة والمتصارعة، ونشأت في فلورنسة الحركة الفكرية التي أبدعت نزعة تتطلع إلى الارتقاء بمستوى الإنسان وعقله بتقديس الماضي الاتباعي Classical وبعثه من جديد من دون الوقوف عند محاكاته.

وتجلت العمارة الفلورنسية بمجملها في نتاج عبقريتين فذتين في حدسهما وتلقائيتهما هما برونيليسكي[ر] (1377- 1446م) Brunelleschi صانع قبة الكاتدرائية، وألبرتي[ر] (1404- 1472م) Alberti الذي ابتكر قصر روتشيلاي Rucellai وواجهة كنيسة سانتا ماريا نوفيلا S.M.Novella أما التجديد في التصوير فقد كان في البدء من صنيع مازاتشيو[ر] (1401-1429) Masaccio الذي تلقى عن صديقه الفنان والمعماري برونيليسكي [ر] قواعد المنظور وعن المثّال دوناتِلّو[ر] Donatello الواقعية، فوجد في المنظور والكتل ما يلزمه من العناصر الجوهرية للتكوين الفني وجاءت شخوصه مجسمة تجسيماً مناسباً ويبدو ذلك واضحاً في لوحة «طرد آدم وحواء من الجنة» ولوحة «دفع الجزية» (في كنيسة سانتا ماريا دل كارميني بفلورنسة)، وبقي فرا أنجيليكو[ر] (1387-1455م) Fra Angelico أميناً للتقنية القوطية في أعماله الدينية المؤثرة المفعمة بروحانية أخّاذة (دير القديس مرقص في فلورنسة) ومع ذلك فقد آثر المصورون في النصف الثاني من القرن الخامس عشر تبني إنجازات عصر النهضة من دون التخلي عن السمات المحلية. ومثّل بييرو ديلا فرانشيسكا Piero della Francesca أوابد توسكانية التذكارية  بتحفته الفنية الرائعة  «قصة الصلب» (في سان فرانشيسكو داريتسو d'Arezzo). أما فنانو البندقية مثل أسرة بِلّيني[ر] Bellini فقد أضفوا على تصوير القرن الخامس عشر سمة زاهية و طُرُز العهود الغابرة العذبة.

 

وجد النحت كما العمارة أساتذته في فلورنسة التي برزت فيها موهبتان متكاملتان على امتداد النصف الأول من القرن الخامس عشر، وهما: جيبرتي[ر] (1378- 1455م) Giberti، الذي ظل مرتبطاً بثقافة القرون الوسطى والاختصاصي في صنع نماذج التماثيل ورسم المنظور، الشديد الإعجاب بالقدماء وواقعيتهم (تمثال الفارس المأجور غاتلاميلاتا في بادوفة) إضافة إلى أسرة دِيلاّ روبيا Della  Rubia الفنية التي اختصت بصناعة الفخار المطلي بالمينا، وبيزانيلو[ر] Posanello الذي كان مصوراً ومن أعظم صناع المداليات في زمانه، وبولاّ يوولو[ر] Pollaiuolo الذي أعاد للفن الجنائزي بهاءه كما هو في القرون الوسطى (قبورالبابا سيكستي الرابع والبابا إنوسنت الثامن).

وعندما نصّب البابوات أنفسهم رعاة للفنون في القرن السادس عشر، غدت رومة بعد فلورنسة عاصمة للفن، ونزح كثير من الفنانين إليها، ومنهم برامنتي [ر] (1444- 1514م) Bramante، مبتكر الفسحة ذات الإيقاع الموزون التي كثر استخدامها من بعده (تناوب الكوى والركائز والمشاكي على الواجهة تناوباً منتظماً). فقد غادر برامنتي ميلانو وتوجه إلى رومة ليجهز المدينة البابوية وبلاط بلفيديري في الفاتيكان، قبل وضع مخطط كنيسة القديس بطرس، إلا أن موته حال دون إتمام هذه التحفة الفنية الرائعة. وبدا رافائيل[ر] Rafaello وميكيلانجلو من أكثر متمميها أمانة. ومع ذلك فإن المخطط الأولي الذي صممه برامنتي لم يسلم من التبديل، وانتشر أسلوب القرن السادس عشر في كامل شبه الجزيرة الإيطالية. ففي رومة، أدخل فينيولي أسلوباً سُمي لاحقاً بأسلوب «الجزويت» أو اليسوعيين (كنيسة يسوع). أما في التصوير، فقد أسهم عدد من الفنانين الأفذاذ في إنتاج روائع فنية مثل دافينشي[ر] Davinci وميكيلانجلو ورافائيل. وكان هؤلاء الفنانون أساتذة في التكوين واختيار الألوان، كما أن عبقرياتهم لاتتشابه إطلاقاً، فلوحة دافنشي «عذراء الصخور» (1506-1508م) تتعارض ورؤيا ميكيلانجلو الدرامية والنصبية «يوم الدينونة» (1536-1541م) في كنيسة السيستين في رومة، في حين يتطابق رافائيل في تزيينه لمقصورات الفاتيكان وحجراته بانسجام مع الصفاء التقليدي ونضارته. أما تيتيان (تيتسيانو)[ر] Tiziano فقد وقف فنه على الجمال الأنثوي بانضباط حازم في تصوير الوجوه.

وقامت البندقية، بعد تأخر ليس بالطويل، بدور مهم في تطوير فن التصوير بفضل اندفاع تنتوريتو[ر] Tintoretto المبدع وأناقة فيرونيزي Veronese وبموازاة هذا التطور الفني انتشر تيار التكلفية Manierisme وكان رائده الفنان بارميجيانينو (1503-1540م) Parmigianino وينتمي إلى هذا التيار الفلورنسي برونزينو Bronzino في التصوير، ويوليوس رومان  في العمارة. أما فن النحت، فقد هيمن عليه، بمواهبه النادرة، ميكيلانجلو صانع تمثال داود (فلورنسة) وتمثال موسى الشهير (رومة). وفيما بين القرنين السادس عشر والسابع عشر اشتهرت شخصيات فنية ضليعة مثل: كارافاجيو[ر] (1573-1610م) Caravagio  الذي

ابتكر طريقة التضاد المسرحي الدرامي، وامتد تأثيره إلى أوربة. وأسرة كاراكي التي أسست في مقاطعة بولونية مدرسة كانت في الأصل المدرسة الانتقائية[ر] الأكاديمية (سقف قاعة فارنيزي، رومة) وفي مرحلة ازدهار نزعة التكلف نشأ قرب نهاية القرن السادس عشر تطور فني سمي بالباروك[ر]. وقد امتدت مرحلة الباروك الإيطالية طوال القسم الأعظم من القرن السابع عشر. ويُعد برنيني Bernini المهندس والنحات والمصور، مرسي معالم الجمالية الجديدة التي فرضها على رومة في «صف أعمدة القديس بطرس» و»نبع الأنهر الأربعة«، وممثل عصر الباروك الأكبر.

وبرز كذلك بورّوميني Borromini بمخيلته التي استبد بها التأثير المسرحي والأجواء الغريبة (كنيسة سان اييس ديالا سابيانس ـ رومة) وبييترو دا كورتونا[ر] P. da Cortona (1596-1669م) الذي كان من أبرز المصورين والمعماريين في رومة، في حين رسخ الأب بوتسو[ر] (1642-1709م) Pozzo من الجيل الثاني، نفسه معلماً ماهراً في رسومه الخداعة التي توهم بالحقيقة (سان اينياتش، رومة، 1685م).

شهد القرن الثامن عشر تطوراً موازياً لشيوع الكثير من التيارات الفنية، ففي البندقية، زين تيوبولو (1696- 1770م) Tiepolo عدداً من القصور والكنائس بالرسوم الجدارية والزيتية (الفردوس وقصر دوكال) التي تميزت بتوهج مواده وبهرجتها وبتلوينه فكان واحداً من ممثلي طراز الروكوكو، وهو الفن الأرستقراطي الذي عرف بإفراطه في الأناقة أسلوباً وموضوعاً، ويعد تتمة للباروك ومرحلته الأخيرة، ودشّن كل من كاناليتو (1697-1768م) Canaletto وغواردي[ر] (1712- 1793م) Guardi نوعاً فنياً سُمي «المنظر» Panorama ويبرز في أعمالهما ولعهما بالتفاصيل ودقة المنظر التخطيطي للمدينة، وشهد القرنان الثامن عشر والتاسع عشر تباعاً عودة إلى الاتباعية الجديدة Neo classicisme التي يمثلها النحات كانوفا[ر] (1757- 1822م) Canova، وإلى الإبداعية[ر] Romantisme التي تزامنت مع الوحدة الإيطالية، ولكن هذه المدرسة الأخيرة لم تقدم أي عمل إيطالي ذي شان ثم أعقبتها مباشرة مدرسة الحقائق Veisme التي تمثلت في شخص المصور جيوفاني فاتوري Fattori (1825- 1908م)، الذي ابتكر تأليفاً لا يخلو من الشاعرية. وقد كان هذا الفنان عضواً رئيسياً في جماعة تعرف باسم «التلطيخيون» faiseurs des taches التي تكونت في فلورنسة نحو 1850-1860م وحافظت على نشاطها حتى عام 1880م، وقد اتصفت هذه المدرسة، وهي من أكثر الحركات أهمية في فن القرن التاسع عشر الإيطالي، بواقعية وضاءة مفعمة بالجاذبية والوضوح طبقت في رسم المناظر الطبيعية بوجه خاص، وقد ضمت هذه المدرسة الكثير من الفنانين التوسكانيين الذين خاضوا صراعاً فنياً لم ينفصل يوماً عن جو الإحياء والبعث السياسي والروحي.

ولد الفن الإيطالي الحديث في عام 1910، وسعى كل من الفنانين سيفريني[ر] Severini وبالا ّBalla وكارا Carra في التصوير، وبوتشيوني Boccioni في النحت، إلى إدخال الأشكال الحية في نتاجهم. فأسس مارينتي [ر] Marinetti المدرسة المستقبلية [ر] Futurisme، المعاصرة للتكعيبة الفرنسية، ومع ظهور البيان المتعلق بهذه المدرسة في عام 1910 كانت المستقبلية قد قطعت شوطاً بعيداً في التعبير عن الحركة في الحياة الحديثة، وجلب إليها المعماري سانت إيليا Saint  Elia مخططاته الشاعرية حول مدينة المستقبل، وابتكر جيورجيو دي كيريكو de Chirico في المدة نفسها، التصوير الميتافيزيقي الذي انتسب إليه كل من كارا وجيورجيو موراندي[ر] (1890- 1964م) Morandi المجدد في تصوير الطبيعة الصامتة، بإقحامه الأشكال في جو مخلخل ومبسط. أما موديلياني [ر] (1884-1920م) Modigliani فقد وجد في مونبارناس (في باريس) الجو الذي استهواه حتى وفاته. وكان للفن التجريدي رائده في شخص الفنان مانييلّي Magnelli الذي كان له أثر كبير في الحياة الفنية الإيطالية لاسيما بعد الحرب.

كانت الفاشية، مع ما حققته من الانجازات الجليلة في العمارة، عهداً جامداً أخمد انطلاقة الفنون التي لم تسترد حياتها إلا بعد الحرب العالمية الثانية. وناهضت جماعة «الجبهة الجديدة للفنون» Fronte Nuova delle arti تياراً واقعياً كان يمثله في التصوير غوتوزو Guttuso وفي النحت مانتسو Manzu ومارينو ماريني[ر] M.Marini بتيارتجريدي يدور في قطبه سانتو مازو Santomaso وبيرولّي Birolli وآفرو Afro وكريّبا Crippa وتوركاتو Tyrcato وفيدوفـا Vedova في التصوير، ومينغوتسي Minguzzi وكونساغراConsagra في النحت. وكان عام 1952عاماً فاصلاً لفن إيطالية فيما بعد الحرب، وذلك بظهور شخصيات فذة في تورينو، وفي رومة خاصة مثل كابوغروسي Capogrossi، وبورّي Burri وفي ميلانو مثل فونتانا (1899-1968م) Fontana مؤسس المدرسة الفضائية Spatialisme.

وفي ميلانو، التي كانت من أكثر المراكز الإيطالية نشاطاً آنذاك، أبصر التصوير النووي Peinture Nucleaire النور عام 1951م على يد باج دانجيلو Baj  d'Angelo، في حين هيمن روتيلا Rotella رسام الملصقات الجدارية على رومة، ومنذ ذلك التاريخ ظهرت على المسرح الفني جماعات فنية كثيرة مثل: جماعة الفن البصري[ر] Art visuel وجماعة الفن الهندسي الجديد Neo-geometrisme وجماعة التجميع Assemblage. ومع بروز أسماء شخصيات فنية أمثال لوتشيو دل بتسو Pezzo، وأدامي Adami وبستوليتو Pistoletto، واشتهر في النحت الذي لم يعامل معاملة التصوير، كل من غاريللي Garelli وسومايني Somaini وفرانشينو Franchino وبفضل مبادرة «جماعة السبعة» الفعالة، نشأت إبان العهد الفاشي، العمارة الوظيفية Architecture fonctionnelle التي ازدهرت منذ نهاية الحرب على يد المعماريين برونو زيفي Bruno zevi وفيغانو Vigano وذلك قبل أن يمنح نيرفي Nervi لهذه العمارة جلالها وجزالتها في قصر المعارض الشهير في تورينو (1948-1949)، وفي محطة نابولي المركزية (1954) وفي صالة المؤتمرات في قصر اليونسكو في باريس (1953-1957). وتعد ميلانو اليوم مركز العمارة الإيطالية الحديثة فبفضل متحف العمارة، ومعرض الثلاث سنوات، والعقلية المغامرة، ورعاة الفنون والآداب والعلوم، غدت ميلانو أكثر مدن أوربة فعالية، وتدل على ذلك ناطحة السحاب «بيريلّي» (1958م) Pirelli للفنان المعمار دجيو بونتي.

يتجلى الفن الإيطالي في النصف الثاني من القرن العشرين في النظم التقليدية عمارة وتصويراً ونحتاً وزخرفة وصناعة أثاث، كما يتجلى في الوسائل اليومية: كالسيارات والملابس وأدوات الاستعمال المنزلي. واحتلت «التلاؤمية الجمالية» مكانها المرموق (معرض السنتين في ريميني ومعرض الثلاث سنوات في ميلانو) وذلك بفضل دجيوبونتي، وجوي كولومبو Colombo وغاي آولينتي Gae Aulenti وقد شهدت المدة بين 1975 و1976م تحول الفنانين إلى الجماهير العريضة، واتصفت أيضاً بظهور عدد كبير من النساء الفنانات كما اتسمت بتطور التصوير الضوئي Photographe والفن التصويري Performance والتصوير التلقائي Peinture gestuelle الذي ينخرط في عداده عدد كبير من الفنانين الإيطاليين الكبار.

ولابد من الإشارة أخيراً إلى إسهام الفنانين الإيطاليين الفعال بإثراء الحركات الفنية والاتجاهات العالمية الجديدة المذكورة آنفاً، إضافة إلى الفن الشعبي[ر] Pop art والواقعية المتطرفة Hyperrealism والفن الحركي[ر] Art Cinetique. ويعد «الفن الفقير» Arte Povera امتداداً للفن التصويري، وهو فن إيطالي الطابع.

فائق دحدوح

 

الموسيقى

كانت رومة القديمة فقيرة إلى التقاليد الموسيقية، وكانت تستقدم من الجوار القريبين منها ومن البعيدين إلى الشرق عنها التمثيليات الإيمائية والألعاب المرافقة برقصات وجوقات غنائية ومجموعات آلية موسيقية. ومنذ بداية القرن الثاني ق.م، كانت رومة تزاول الشعائر والأغاني الدينية القادمة من آسيا، وتستخدم بعض الآلات الموسيقية كالآولوس aulos المزدوج الإغريقي (آلة نفخ قصبية)، واللير lyre (آلة وترية) المستوردة من بلاد الرافدين، والقرون الإتروسكية المعقوفة والملتوية. ولما توسعت الفتوحات الرومانية احتك الرومان بالحضارات الأخرى وتأثروا بها، فكان معظم العازفين لديهم مع آلاتهم الموسيقية، والراقصين والمغنين القديرين، من الأسرى الذين تأتي بهم الفتوحات من اليونان وسورية ومصر. وقد بدأ الفن الروماني يعلن عن نفسه بدءاً من القرون الأولى للميلاد، فاتخذ طابعاً قومياً وتألفت الفرق الموسيقية، وتجمّع الموسيقيون المحترفون في هيئات حرفية، فظهرت مجموعات العازفين والمغنين المتجولين. وفي القرن الرابع الميلادي، ثبتت قواعد الغناء الديني الأمبروزي[ر.الموسيقى] المقتبس عن الكنيسة البيزنطية في سورية، ثم اندمج في الغناء الغريغوري في أواخر القرن السادس للميلاد. وفي القرن السابع ظهرت طريقة التدوين الموسيقي بالعلامات (نيومز) neumes، ثم جاء الراهب الموسيقي غويدو داريتسو (995-1050م) Guido D'Arezzo  وثبت هذه العلامات فوق خطوط أربعة وبينها، وبهذا كانت بداية تشكل المدرج الموسيقي [ر.الموسيقى].

أدى انتشار قصائد الشعراء الجوالين الفرنسيين Trouvères في القرن الثالث عشر إلى ظهور نوع من الأغاني الدينية الشعبية العفوية في إيطالية الشمالية والوسطى. وكانت الموسيقى المؤداة آنذاك أحادية الصوت (مونودية) monodic، ثم تطورت الألحان الموسيقية في بعض الأغاني الدينية والدنيوية بإضافة صوت آخر فثالث، إلى اللحن الأساسي، بطريقة الطباق counterpoint. وهكذا بدأت طريقة تعدد الأصوات (البوليفونية) polyphony تثبت أقدامها، يساعدها على ذلك انتشار «الفن الجديد» ars nova. وظهرت في مدينة فلورنسة الإيطالية أشكال جديدة من الأغاني مثل المادريغال madrigal، والبالاّتا ballata، والكاتْشا caccia.

وكانت الفْروتّولا frottola، السابقة للمادريغال، أكثر التعابير شيوعاً وتمييزاً للفن الإيطالي، وهي أغنية البهجة والحب المتألق، لصوت واحد مرافق بالعود أو بأصوات متعددة تصل إلى أربعة.

كانت إيطالية في عصر النهضة وما قبله، مثل باقي دول أوربة تزخر بالعازفين، الهاوين والمحترفين، على مختلف الآلات الموسيقية. وكان الأرغن organ بأنواعه المختلفة مخصصاً للكنيسة، كما كان إلى جانب العود (الآلة المختصة بالعزف المنفرد والمرافق) الأكثر شيوعاً في بداية القرن السادس عشر. وكانت الموسيقى الآلية ترافق الغناء. وعلى أثر ظهور طريقة التدوين الموسيقي باللائحة tabulature للأرغن والعود (البندقية عام 1507م)، تطورت الكتابة الموسيقية بسرعة، ولحقها تطور في الآلات الموسيقية، ولاسيما الآلات ذوات لوحات الملامس keyboard. ولم يكن هناك، قبل القرن السابع عشر، عازفون شهيرون، وبخاصة على آلة الكمان، قبل أن تستكمل هذه الآلة على أيدي صانعيها في مدينتي بريشه Brescia وكريمونه Cremona ومنها أسر أماتي Amati، وغوارنييري Guarnieri، وستراديفاريوس Stradivarius ومن أشهرأفراد هذه الأسرة أنطونيو. فكانت مؤلفات الحوارية (الكونشرتو) concerto للكمان للموسيقيين: كوريلّي A.Corelli، وتوريلّي G.Torelli سابقة لإتقان صناعة هذه الآلة. إلا أن فيفالدي A.Vivaldi، وفيوتّي G.Viotti، وتارتيني G.Tartini (مؤسس مدرسة العزف على الكمان)، كانوا قد أوصلوا تقنية العزف على الكمان إلى أوجها. وأما آلة الكلافسان clavecin [ر.البيانو]، فقد أسهم في تطوير آلية العزف عليها أندريا غابرييلي A.Gabrieli. وابن أخيه جوفاني، وفريسكوبالدي G.Frescobaldi، وأليساندرو سكارلاتي Scarlatti وابنه دومينيكو.

تأثرت إيطالية، في عصر النهضة أيضاً، بالأوضاع الثقافية والفنية في أوربة. فشاعت فيها رقصات مختلفة وكانت أولاها الرقصة المنخفضة danza bassa وحلت محلها فيما بعد، البافانا pavana. ومن الرقصات النشطة والسريعة: السالتاريلّو saltarello، والغالياردَه gagliarda، والتارنتيلاّ tarantella وهي من الرقصات الشعبية الشائعة في منطقة نابولي.

في بداية القرن السادس عشر، كانت إيطالية السباقة في نشر المطبوعات الموسيقية للعود الذي تربع على عرش الآلات الموسيقية في أوربة نحو قرنين من الزمان. وبرزت في هذا القرن مدرستان موسيقيتان في كل من رومة والبندقية قادتا الحركة الموسيقية في إيطالية، وتحكّمتا في فن الغناء الديني الذي بلغ أرفع قيمه الفنية على يدي بالِسترينا G.P.Da.Palestrina ممثل مدرسة رومة التي تميزت بالغناء الجماعي دون مصاحبة الآلات الموسيقية. أما مدرسة البندقية التي كان لها أكبر الأثر في الموسيقى الأوربية في النصف الثاني من ذلك القرن فقد كانت الجوقة الغنائية المزدوجة من أهم خصائصها،  وشمل التطور الموسيقى النظرية والعملية معاً، وكان كل من تْزارلينو (1517-1590م) G.Zarlino، وغاليلي «الأب» V.Galilei (نحو 1520-1591م) من بين أشهر العلماء المنظرين الذين أسهموا في تقدم الموسيقى نظرياً وعملياً في أوربة أيضاً.

كانت فلورنسة من أكثر مدن إيطالية تقدماً وانفتاحاً. وقد تشكلت فيها، في الربع الأخير من القرن السادس عشر، جماعة من رجال الفكر والثقافة والفن في الأدب والشعر والموسيقى، وبعض النبلاء سميت بالكاميراتا Camerata، قام أفرادها بثورة موسيقية وذلك بأن يكون الأداء التمثيلي غنائياً في المسرح. وعمت هذه الظاهرة في شتى أنحاء أوربة أيضاً، وأدت إلى ظهور فن الأوبرا opera في مطلع القرن السابع عشر. وكانت المسرحية الغنائية «إوْريديتشه» Euridice من ألحان بيري G.Peri، التي قدمت عام 1600م في فلورنسة بمناسبة زواج ملك فرنسة هنري الرابع من ماريا دي مِيديتشي، أول مثال لهذا الفن الذي كان فاتحة نهضة موسيقية غنائية في إيطالية فأوربة أدت إلى تشييد دور للأوبرا فيهما. وظهر عدد من المؤلفين الموسيقيين لها مثل مونتفِيردي C.Monteverdi. في البندقية، وأليساندرو سكارلاتي في نابولي. وكانت الأوبرا أيضاً، سبباً في ظهور الفرق الموسيقية المرافقة للغناء والتمثيل التي كانت تضم عدداً من الآلات الموسيقية كالكلافسان والعود والقيثارة والفيول والفلوت.

 

أدى انتشار الأوبرا في أوربة إلى استدعاء مؤلفيها الأصلاء الإيطاليين إليها، وإلى سفر الكثيرين منهم إلى خارج إيطالية مثل كافالّي F.Cavalli وبرغوليزي G.B.Pergolesi وكيروبيني L.Cherubini إلى باريس، وبونونتشيني (1642-1678م) G.Bononcini وسالييري A.Salieri إلى فيينة، ثم أرايا  (1709-1770م) F.Araja وبايزييلّو G.Paisiello وتْشيماروزا Cimarosa إلى بطرسبورغ في روسية، التي شاعت الأوبرا الإيطالية فيها منذ بداية القرن الثامن عشر. كما أن اللغة الإيطالية سادت نصوص الكثير من الأوبرات لمؤلفيها غير الإيطاليين مثل موتسارت Mozart وغلوك Gluck. وكانت المسحة الإيطالية، بالإضافة إلى ذلك، طاغية على أعمال الكثير من الموسيقيين الأجانب مثل غلينكا Glinka الروسي في أوبراه «حياة للقيصر» Life for the Tsar. ولم تكن أي عاصمة أوربية تخلو من موسيقي إيطالي أو من مؤلف درس الموسيقى في إيطالية. وقد جمع القرن السابع عشر كلاً من الأوراتوريو oratorio [ر.الإنشاد الديني] و «المغناة» (الكانتاتا) cantata إلى جانب الأوبرا.

دام عصر الأوبرا الزاهي في إيطالية مدة قرنين من الزمن. وكان القرن التاسع عشر مع إبداعيته (رومنسيته) عصرها الذهبي، فتمكنت إيطالية من فن الأوبرا الذي استحوذ على إعجاب جميع الإيطاليين حتى طغى معه على كل الأنواع الموسيقية الأخرى، ولاسيما الآلية منها التي كادت أن تكون منسية. واحتل المغنون مكان الصدارة الفنية في عالم الموسيقى. وقد اشتهرت في القرن التاسع عشر منذ مستهله، مئات الأوبرات للكثير من مؤلفيها الموسيقيين مثل: روسيني Rossini، وبلّيني Bellini، وبوتشيني Puccini الذين أغنوا المسرح الغنائي الإيطالي بروائع أعمالهم الأوبرالية، واستمر إنتاج البعض منهم في هذا المجال، حتى منتصف القرن العشرين. وأما فيردي Verdi فقد كانت جميع أعماله الأوبرالية هي الأكثر انتشاراً في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وكان كاروزو E.Caruso أشهر مغني أوبرا في إيطالية وخارجها في العقد الأخير من ذلك القرن والعقدين الأولين من القرن العشرين. ومع ذلك، فقد شذ عن الاهتمام بالأوبرا، في النصف الأول من القرن التاسع عشر، علم من أعلام الموسيقى الآلية هو باغانيني Paganini الذي أوصل تقنية العزف على الكمان إلى أرفع مستوياتها.

ويُعدّ النصف الثاني من القرن التاسع عشر جسراً في الموسيقى السمفونية والآلية لمؤلفي القرن العشرين الإيطاليين الذين لم تقتصر أعمالهم الموسيقية على تأليف الأوبرا بل أدخل بعض المؤلفين الموسيقيين الإيطاليين التقاليد الموسيقية الآلية الألمانية إلى إيطالية مثل سْغامباتي (1841-1914م) G.Sgambati الذي تلمذ لفرانتز ليست F.Liszt. وتأثر بفاغنر R.Wagner، ومارتوتْشي G.Martucci الذي كان من أواخر المعنيين بالمسرح الغنائي الإيطالي.

ومنذ بدايات القرن العشرين، بدأ الاهتمام بالموسيقى الآلية يزداد وأصبح معظم المؤلفين الموسيقيين الإيطاليين يهتمون بصيغ التأليف الموسيقية المختلفة إلى جانب أعمالهم في الأوبرا. ولم تكن الموسيقى الإيطالية الحديثة ثورية في إبداعاتها لتيارات ومذاهب موسيقية جديدة كالمدارس الأوربية الأخرى، بل كان جل اهتمام معظم موسيقييها منصباً على الروح الفنية التقليدية الوطنية المستقاة من المدرسة الواقعية verismo, realism، التي كان من أبطالها ماسكانيي Mascagni، ولْيونكافالّو Leoncavallo، وبوتشيني. كما سيطر الذوق الغنائي الغريغوري مثلاً على ألحان بيتسِتّي Pizzetti، وماليبييرو Malipiero، ومع تأثر هذا الأخير بالمدرسة الفرنسية وبالألحان الشعبية الوطنية ـ على غرار المدرسة الروسية ـ فقد بقي أميناً للموسيقى الإيطالية. واشتهر كل من وولف فيرّاري Wolf-Ferrari، وزاندوناي Zandonai، بصياغة ألحان الأوبرا بالطريقة التقليدية مع التأثر بالمدرسة الواقعية وأسلوب فاغنر. ويُعد بوزوني Busoni المبدع الأول في التجديد وفي تمازج المشاعر الفنية اللاتينية والجرمانية. ومع ذلك، فإن الموسيقى الإيطالية الحديثة لم تبتعد عن الذوق الأوربي العام وعن تظاهرته الموسيقية الرئيسة. فهذا ألفانو Alfano يتأثر بالنزعة الانطباعة impressionisme الفرنسية، ورسبيغي Respighi ينهل من أفكار ريتشارد شتراوسR.Strauss الألماني وديبوسي Debussy الفرنسي. وكان شكسبير الملهم الأول في الأعمال الأوبرالية التي ألفها كاستلْنْووفو ـ تِديسكو (1895-1968م) Tedesco Castelnuovo، الذي اشتهر بعد الحرب العالمية الأولى ومعه بعض زملائه مثل: غِديني Ghedini، ودَلاّبيكّولا Dallapiccola، ويِتراسّي Petrassi.

هذه البدايات المختلفة، أبرزت عهداً سمفونياً جديداً وحركة موسيقية نشطة للمدرسة الإيطالية الفتية. فبالإضافة إلى تأثيرات هندميث Hindemith الألماني، وبارتوك Bartok المجري، وسترافنسكي Stravinsky الروسي في أعمال بعض المؤلفين الحديثين، فإن هناك من ابتدع أسلوباً خاصاً مستخدماً التجارب الصوتية ـ على غرار فاريز Varese الفرنسي ـ أو استلهم الموسيقى الاثنى عشرية dodecaphony في مؤلفاته الموسيقية مثل: فلاد (1919) R.Vlad، وأرّيغو (1930) G.Arrigo. كما أن هناك مؤلفين موسيقيين إيطاليين استمالتهم نزعات وتيارات موسيقية حديثة مختلفة كالأبحاث الصوتية الكلامية phonology والموسيقى الإلكترونية مثل: نونو L.Nono، وماديرنا B.Maderna، وبيريو L.Berio. وقد أقيم أول مركز لأبحاث علم الأصوات الكلامية والموسيقى الإلكترونية عام 1955م في ميلانو، وعام 1957م في رومة.

وفي عام 1961م، قام إيفانجِليستي (1926-1980م) F.Evangelisti مع بعض زملائه المبدعين في الارتجال الموسيقي، بتأسيس جمعية «الأصوات المتوافقة الجديدة» Nuova Consonanza التي تبحث في الموسيقى «الاعتباطية» aleatory وهي إعطاء الحرية للعازف باختيار أجزاء العمل الموسيقي وترتيبها بطريقة اعتباطية أو بالمصادفة. وقد رسخ بعض المؤلفين من الجيل الجديد أقدامهم في ميدان الموسيقى الإيطالية فيما بعد العام 1970م ومن هؤلاء: دوناتوني (1927) Donatoni، وكاستالدي (1932-) P.Castaldi وبادْجاني (1932-) G.Baggiani.

وفي مجال الأداء الآلي المنفرد solist برع أكّاردو (1941) S.Accardo في العزف على الكمان، وأمْفيتياتروف (1907-) M.Amphiteatrov، وهو من أصل روسي، في العزف على التشيلّو cello[ر.الكمان]، وميكيلانِجلي (1920-) Michelangeli، وبولّيني (1942-) M.Pollini في العزف على البيانو، وآخرون كثيرون  في العزف على مختلف الآلات الموسيقية الأخرى. أما قيادة الأوركسترا، فيعد توسكانيني Toscanini أبرز قائد لها ـ إيطالياً وعالمياً ـ بالإضافة إلى أبّادو (1933-) C.Abbado، وهو رئيس دائم لأوركسترا دار أوبرا ميلانو ومدير فني لأوركسترا لندن السمفونية. واشتهر في هذا القرن أيضاً، المغنون الإيطاليون في الأوبرا بالطبقة الصوتية الصادحة للرجال والنساء، فكان بين أبرزهم من الرجال في طبقة التِنور tenor [ر.الموسيقى] كل من جيليي (1890-1957م) B.Gigli، ودِلْ موناكو (1915-1982م) M.Del Monaco، وبافاروتّي (1935-) Pavarotti. وتعد تِبالدي (1922-) R.Tebaldi  في أبرز مغنيات الأوبرا من الطبقة الصوتية سوبرانو soprano [ر.الموسيقى]. أما في النقد الموسيقي والتأليف الأدبي فقد اشتهر في إيطالية حديثاً كل من دِلاّ كورته (1883-1968م) A.Della Corte ، وبانّاين (1891-1977م) G.Pannain.

حسني الحريري

 

 

المسرح والسينما

تُعد إيطالية إحدى الدول الرائدة في مجال الفنون كافة، ومن قلب عاصمتها رومة ولدت سينما «الواقعية الجديدة» il neorealismo  الإيطالية التي كان لها أكبر الأثر في تغيير مفاهيم هذا الفن في العالم وخاصة سينما مابعد الحرب العالمية الثانية.

المسرح

في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي، وُلد المسرح الإيطالي من جديد من قلب الكنيسة نفسها التي أوقفت مسيرته، فقد اجتمع بعض الرهبان في مقاطعة «أومبرية» Umbria بهدف تقديم بعض المدائح الغنائية للسيدة العذراء، ثم تطور هذا الشكل إلى نوع من التمثيل انتشر انتشاراً واسعاً في القرن الرابع عشر في كل إيطالية تقريباً، بعد أن رُفِدَ بعناصر فنية أخرى مثل الموسيقى والتشكيل الحركي. ثم انطلق لتقديم عروضه خارج الكنيسة وفي الساحات العامة وأمام الكاتدرائيات حتى إنه توِّج في القرن الخامس عشر بما يسمى «مسرح الأسرار».

لكن في الوقت نفسه وإبّان عصر النهضة، بدأت تظهر ملامح «مسرح الملهاة الساخر الدنيوي» المستوحى من القصص ذات الموضوعات الشعبية، وقدمت هذه الأعمال في الجامعات وفي قصور الأمراء التي أضحت أكثر الأماكن أهمية للحياة المسرحية. وفي خارج تلك البلاطات، بدأ يزدهر مسرح ملهاة آخر لايخضع لقواعد، ولكنه كان أكثر حيوية وسخرية، وهو مسرح أريوستو (1474-1539) L.Ariosto، ومسرحيات الملهاة أريتينو (1492-1556م) P.Aretino وهي «مرايا» تعكس حالة الفساد المنتشرة على نطاق واسع في مختلف الطبقات الاجتماعية. لكن الروح المناهضة للإصلاح والسيطرة السياسية الإسبانية على البلاد لم تساعد على تطور هذا المسرح، لأن المأساة استمرت محتفظة بمكانتها في الأجواء الأدبية، في حين استمر مسرح الملهاة في محاولته التجديد ضمن الأشكال والأنماط التقليدية. وفي القرن السادس عشر، اشتهرت المسرحيات الموسيقية الريفية  بأجوائها الهادئة والممتعة، وكان لمؤلفات تاسو  (1544-1595) T.Tasso الفضل الأكبر في تطوير المأساة الريفية، منها أداء جوقات غنائية بين الفصول على ما كان عليه الأمر في المأساة الإغريقية، وهو ما كان مظهراً من مظاهر التجديد في البناء المأساوي. وأدى هذا التطور إلى ظهور «المسرحية الغنائية» (الأوبرا) التي اعتمدت الموسيقى، والزخارف التزيينية (الديكور)، والتمثيل أساساً لها.

ومع ظهور الأوبرا، ظهر شكل جديد من البناء المسرحي، وهو ما يسمى بالبناء الإيطالي، الذي ما زال مستمراً حتى يومنا هذا. وراح الكتّاب والمتعهدون ذوو الأفكار العقلانية المناهضة لحركة الباروك من بداية القرن الثامن عشر، يواجهون مشكلة الإسفاف في النصوص الأدبية ويطرحون من جديد الدور الأخلاقي والاجتماعي اللذين يجب أن يتضمنهما النص المسرحي؛ موجهين انتقاداتهم إلى القصص المأساوية (الميلودراما) وإلى إفلاس فن الملهاة المرتجلة، معلنين أن السيادة يجب أن تكون للكلمة وحدها. ونادوا بفاعلية المأساة ووجوب سيطرتها على النص المسرحي. وقد نادى بهذه الإصلاحات كل من ميتاستازيو P.Metastasio في حقل القصص المأساوية، وغولدوني C.Goldoni وغوتسي C.Gozzi في حقل الملهاة، وألفييري V.Alfieri في المأساة التي راحت تخطو بعده نحو الإبداعية رافضة مبدأ الوحدات الثلاث، وهي: وحدة المكان والزمان والعقل، وذلك برعاية كتّاب مثل شكسبير وغوته، وشيلر. أما دُرجة المأساة الهزلية البرجوازية (الفودفيل) Vaudeville فكانت تقليداً للمسرح الفرنسي.

وراحت المأساة تستعيد حيويتها مع فيرغ (1840-1922) G.Verga الصقلي، في نهاية القرن التاسع عشر وفي أجواء «المدرسة الواقعية» verismo، فبلغت أرفع المستويات الفنية، كما أضحت مع كل من برتولاتسي (1870-1917) C.Bertolazzi ، وجاكّوزو (1847-1906) G.Giaccoso مأساة لاذعة وناقدة حزينة، وأفرزت الكثير من النصوص في اللهجات المحلية.

ومن جهة أخرى، ظهر المسرح الشعبي للعروض المتنوعة (المنوّعات) وأصبح له جمهوره وممثلوه، فكان أول أعمال السينما الإيطالية.

تطور المسرح في مدينة نابولي في أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها تطوراً ملحوظاً واستطاع بموضوعاته وبلهجته المحلية أن يترك بصمة فنية على المستوى العالمي، ويذكر هنا المؤلف والمخرج والممثل إدواردو دي فيليبو E.Di. Fillippo الذي ترجمت أعماله إلى معظم لغات العالم، وهي أعمال ذات مواصفات إنسانية تربط الخاص بالعام من واقع الحياة اليومية ورتوبها. وقد استطاع في مسرحيته «نابولي مليونيرة» (1943) أن يعالج التحولات الجديدة التي طرأت على المجتمع الإيطالي في الحرب العالمية الأولى ومابعدها ولُقّب بأبي «الواقعية الجديدة» الإيطالية، وذلك انعكاساً لبعض الأعمال المسرحية التي أتى بها مخرجون أجانب عملوا في إيطالية.

بدأ اهتمام الدولة بالمسرح بتأسيس «الأكاديمية الوطنية للفنون المسرحية» (سيلفيو داميكو) S.D'Amico عام 1935 في رومة، فكان لها الفضل الأكبر في تخريج الكثير من الممثلين والمخرجين والنقاد الذين أدّوا دوراً كبيراً في الحياة الفنية الإيطالية. كما نال شهادة الدراسة من هذه الأكاديمية بعض المخرجين العرب من سوريين ومصريين وغيرهم.

بعد سقوط الفاشية، بادرت الحكومة الإيطالية الفتية إلى تأسيس مجموعة من «المسارح المستقرة» في الكثير من المدن الإيطالية مثل «المسرح الصغير» في ميلانو عام 1947، وتبنّت هذه المسارح مفهوماً ثقافياً جديداً، وهو الخدمة الاجتماعية والتربوية والثقافية، وراحت تشرف على هذه المسارح وتغذيها بلديات المحافظات. وهكذا نشطت الحياة المسرحية في بداية الخمسينيات من القرن العشرين وبرز كثير من الكتاب ورجال المسرح مثل: دييغو فابري (1911) D.Fabri، الذي راح يصور بدقة المسائل الضميرية التي يطرحها الإيمان الديني كما في أعماله «محكمة التفتيش» (1950) و«محاكمة يسوع» (1955)، ولويجي سكوارتسينا L.Squarzzina الذي عالج الوقائع التاريخية بنزاهة في ضوء علم النفس، وجوزيه غريفي G.Griff الذي كان يستمتع بالانفعالات المتبادلة لشخصياته الطامحة إلى الشهرة وعالم الفن كما في مسرحية «نموت حباً» (1958). أما لوكينو فيسكونتي L.Visconti فقد عمل في المسرح والسينما والأوبرا وقدم أعمالاً لكبار الكتّاب المسرحيين مثل شكسبير وغولدوني بكل أمانة معبراً عن معالم الماضي وثوابته ليحقق التكثيف الدرامي في العرض المسرحي. لقد قدم فيسكونتي بعض أفضل أعمال الإخراج لمسرح غولدوني مثل مسرحية «صاحبة الفندق» (1952).

وشهدت إيطالية في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات على المستوى الشعبي، ظواهر مسرحية لكثير من المخرجين، الذين قدموا عروضهم المسرحية تحت الخيام مثل فيتوريو غاسمان V.Gassman. كما ظهرت عروض سياسية وانتقادية مختلفة مثل «السر السخيف» (1969)، و«الفدائيون» (1972). وقدّم مخرجون شهيرون آخرون مثل جورجو ستريلر (1921-1997) G.Strehler  عروضاً مهمة كثيرة أحدثت تجديداً في الأوبرا والمسرح الإيطاليين مثل «خادم سيِّدين» عن نص لغولدوني، وأوبرا «البنسات الثلاثة» لبريخت، و«الملك لير» و«ماكبث» و«العاصفة» لشكسبير، و«بستان الكرز» لتشيخوف.

وبرزت في السبعينيات فرق مسرحية بصفة جمعيات تعاونية تمول نفسها بنفسها، وفرق مسرح تجريبي اتخذت لها أمكنة تعسة مثل «مسرح الأقبية الرومانية» وحاولت جاهدة القيام بعملية تجديد للغة المسرحية في الشكل والمضمون.

ومع تفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية في التسعينيات برز مسرح «الملهى» (الكاباريه) Cabaret من جديد بموضوعاته السياسية والاجتماعية الساخنة واللاذعة.

السينما

شهدت رومة أول عرض لصور متحركة «كينيتوغراف» Kinetograph عام 1895 للمخترع ألبريني (1865-1937)F.Alberini  وذلك قبل عرض الأخوين لوميير A.Lumiere في باريس بشهر واحد. وبعد عشر سنوات تم تحقيق أول فيلم تاريخي قصير لألبريني وسانتوني Santoni، وهو «احتلال رومة». وكانت الأفلام الإيطالية الأولى والناجحة منها أفلاماً هزلية. ثم ثبت رواج الأفلام التاريخية الكبيرة، لسهولة استعمال ديكورات طبيعية جميلة، وقلة تكاليف الإنتاج.

بدأ التقدم الفني للإنتاج عام 1912 عندما حقق غواتسوني E.Guazzoni فيلمه الديني الأول «كووفاديس» Quo Vadis، وأنتج بادسكاله Padscale فيلم «سبارتاكوس»، وكازريني M.Caserini فيلم «دماربومبي» distruzione di Pompei. وفي عام 1914 حقق باسترونه Pastrone رائعته السينمائية «كابيريا» Cabiria، وسجل هذا الفيلم التاريخي حدثاً فنياً وتقنياً عظيماً في تاريخ السينما العالمية، وكان له تأثير كبير على السينما الأمريكية، وعلى المخرج والناقد الأمريكي غريفيث Griffith. ثم أتبعه باسترونه بفيلم «سقوط طروادة» (1915) الذي بنيت له الأسوار، وصُنع حصان خشبي ضخم من أجله.

لاقت هذه الأفلام نجاحاً كبيراً في الأسواق العالمية، مما شجع الإنتاج السينمائي، حتى أصبح هناك أكثر من عشر شركات إنتاج في كل من ميلانو وتورينو ونابولي ورومة. وكان ينمو في السينما اتجاه أكثر واقعية استطاع أن يسهم في ولادة «الواقعية الجديدة» ويؤثر على المخرجين السوفييت. ومن أفلام هذه الحقبة: فيلم «الضائعون في الظلام» (1915) لنينو مارتوليو N.Martoglio، وفيلم «تيريزا» عن قصة للكاتب إميل زولا E.Zola.

كانت سيناريوهات تلك الحقبة تفوح منها رائحة أدب دانوتسيو، كاتب الحقبة الفاشية. هذا إلى جانب سلسلة الأفلام البوليسية والمغامرات. لكن براعة المخرجين لم تتمكن من إنقاذ السينما الإيطالية التي بدأت بالتراجع في أثناء الحرب العالمية الأولى. فقد سقط «اتحاد شركات الإنتاج الإيطالي» UCI عام 1924، ولم تستطع أفلام مثل «ميسالينا»، و«آل بورجيا»، و«تيودورا»، أو نجمات السينما الشهيرات وقتئذٍ إعادة التألق القديم. فقد سَخَّرَ موسوليني السينما لتكون بوقاً دعائياً لنظامه الفاشي. وظهر جيل السينما الناطقة، ومرحلة مايسمى بسينما «التليفونات البيضاء»، وأفلام الهروب من الواقع.

في عام 1935 تأسست «المدينة السينمائية» Cine città، والإدارة العامة للسينما، ووصل حجم الإنتاج عام 1939 إلى أربعة وثمانين فيلماً. إلا أن رجال السينما غير الموالين للنظام الفاشي راحوا يشكلون قاعدة لنهضة ثقافية وسينمائية كان لها أكبر الأثر على السينما الأوربية والعالمية؛ ومن هؤلاء: فيسكونتي الذي أخرج عام (1943)، فيلمه «وسواس» والذي منعته الرقابة، لكن تأثيره انتشر بسرعة لعرضه في أماكن خاصة. ثم تبعه المخرج بلازيتي A.Blasetti بفيلم «أربع خطوات بين الغيوم» (1942)، والمخرج الممثل فيتوريو دِه سيكا V.De Sica بفيلم «الأطفال ينظرون إلينا» (1942). وقد حملت هذه الأفلام بمضمونها ريح الواقع وشكلت تياراً سينمائياً جديداً، وظاهرة فريدة في أوربة والعالم سميت الواقعية الجديدة neorealismo. وقد وضع المخرج زافاتيني Zavattini لها نظرية قائلاً: «إنها شاعرية الرصد والتتبع لحياة الإنسان، وتسليط الضوء على الواقع بصدق من أجل حياة أفضل».

وكان لصرخة الممثلة أنّا مانياني A.Magnani، بطلة فيلم «رومة مدينة مفتوحة» (1945) دوي في العالم أجمع. كما كان فيلم «باييزا»  (1946) Paisa احتجاجاً صارخاً على الحرب والاحتلال حتى عدّه غريفيث نقطة تحول في تاريخ السينما العالمية. وقد عبّر هذان الفيلمان، إضافة إلى فيلم «ألمانية عام صفر» (1947) وجميعها للمخرج روبرتو روسّيلّيني R.Rossellini، بصدق عن المآسي والويلات التي لحقت بإيطالية والعالم. ثم تتالت أفلام كثيرة في هذا الاتجاه مثل فيلم «ماسحو الأحذية» (1946) للمخرج ده سيكا الذي يصور مآسي الأطفال المشردين، وفيلم «سارقو الدراجات» (1948) الذي يعبّر عن البطالة والعزلة الإنسانية، وفيلم «أعجوبة في ميلانو» (1950) الذي اتخذ من السحر والدلالة الشعرية وسيلة لتحليل الواقع، وفيلم «أُمبرتو دي»Umberto D  (1952) الذي يصور عزلة المتقاعدين.

أما ثالث هذه المدرسة فهو المخرج فيسكونتي الذي أتبع فيلمه «وسواس» بفيلم «الأرض تهتز» (1948) رصد فيه تمرد صائدي الأسماك الصقليين على الإقطاعيين المالكين الكبار.

مضت الواقعية الإيطالية تتجه اتجاهاً معاصراً وتظهر كل يوم مخرجاً جديداً مثل ألبرتو لاتوادا A.Latuada، وماريو مونيتشلّي M.Monicelli الذي أبدع في الملهاة الشعبية بالتعاون مع الممثل الكوميدي اللامع توتو Totò. وقد لاقى فيلم «الرز المر» (1949) للمخرج جوزيبه دِه سانتيس G.De Santis نجاحاً عالمياً، وهو من بطولة سيلفانا مانغانو S.Mangano. وقدّم بيترو جيرمي P.Germi عام 1948 فيلم «باسم القانون» وهو فيلم عن المافيا الصقلية، وفيلم «طريق الأمل» (1950) وهو لوحة صادقة عن هجرة العاطلين عن العمل من موطنهم صقلية. وهكذا، ازدهرت السينما الإيطالية من جديد بعد الحرب العالمية الثانية إذ وصل الإنتاج عام 1950 إلى أكثر من مئة فيلم إضافة إلى أفلام الملهاة الشعبية الساخرة.

وازداد تأثير «الحركة الواقعية»، في الخمسينيات الثانية من القرن العشرين، في الجمهور الإيطالي بإنتاج أفلام تتحدث عن مساوئ النظام الديموقراطي الجديد مثل فيلم «سنوات سهلة» (1953) الذي أحدث ثورة في المجلس النيابي الإيطالي، وفيلم «خبز وحب وفانتازيا» (1953) من بطولة الممثلة جينا لولو بريجيدا G.L.Brigida الذي عبّرعن بؤس سكان جنوبي إيطالية، وفيلم «أبناؤنا» (1953) الذي تدور حوادثه حول جرائم الأحداث من الطبقة البرجوازية، وفيلم «الصرخة» (1957) الذي عالج أزمة رجال الثقافة الملتزمين مابعد الحرب العالمية الثانية.

واشتهر مخرجون إيطاليون تبوّؤوا مكانة عالية في عالم السينما الإيطالية والعالمية بسبب أفلامهم التي نالت شهرة واسعة مثل بيتروجيرمي في فيلمه «سائق القطار» (1956)، وفِدِريكو فِلّيني F.Fellini بفيلميه: «المتسكعون» (1953) و«جنرال الروفيرِه» (1959) Generale della Rovere، وفرنشيسكو روزي F.Rosi بفيلمه «سلفاتور جوليانو» (1962) ويتطرق فيه إلى منظمة المافيا التي تهدد المجتمع الإيطالي الجديد، ودِه سيكا بفيلم «الفلاّحة» la Ciociara الذي قامت بدور البطولة فيه الممثلة صوفيا لورين ويصورهذا الفيلم مآسي الحرب العالمية الثانية عن قصة للكاتب الإيطالي ألبرتومورافيا A.Moravia. أما بازوليني Pasolini فيفرض نفسه مخرجاً وكاتب سيناريو في كثير من أفلامه مثل «إنجيل متّى» و«الطيور الجوارح والعصافير». وحقق بعض المخرجين الإيطاليين أفلامهم خارج إيطالية مثل روسّلّيني في فيلمه «لويس الرابع عشر» (من إنتاج التلفزيون الفرنسي)، وأنطونيوني في فيلمه «انفجار» (في إنكلترة)، وبونتِكوروفو Pontecorvo في فيلمه «معركة الجزائر» (في الجزائر).

وتوالى كثير من الأفلام الإيطالية في الخمسينات ومابعدها يحصد جوائز عالمية شهيرة متعددة في مهرجانات سينمائية مختلفة. وانعكس الحوار الجدلي والسياسي على الملهاة الاجتماعية على الطريقة الإيطالية، واستطاع الرباعي الكوميدي ألبرتو سوردي A.Sordi، وأوغو تونياتسي U.Tognazzi، وفيتوريو غاسمان، ونينو مانفريدي N.Manfredi أن يسيطروا بموهبتهم التمثيلية على سوق الأفلام الداخلية والأوربية مدة عشرين عاماً. كما عالج بعض المخرجين الإيطاليين، في الستينيات ومابعدها، موجة أفلام «الكاوبوي» الأمريكية بأسلوب إيطالي ساخر مثل فيلم «من أجل حفنة من الدولارات»، و«الطيب والقبيح والشرير». ولم يزل الجدل السياسي والمشكلات الاجتماعية ماثلين في الأفلام الإيطالية حتى اليوم. واستطاعت السينما الإيطالية، منذ الربع الثالث من القرن العشرين، أن تنافس السينما الأمريكية إخراجاً وإنتاجاً وتمثيلاً على ضخامة إنتاج الأفلام الأمريكية التي مازالت تغرق الأسواق العالمية ومنها الإيطالية. على أن الفائق منها في السينما الإيطالية بقي محدوداً في الربع الأخير من القرن العشرين بغض النظر عن إنتاج أفلامها الناجحة.

 

إيليا قجميني

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

الأدرياتي (البحرـ) ـ الألب (جبال ـ) ـ الأوبرا ـ أوربة ـ الإيطالية القديمة (اللغات ـ) ـ البابوية ـ البندقية (مدينة ـ) ـ دانتي ـ الرومانس (لغات ـ) ـ رومة ـ فلورنسة ـ اللاتينية (اللغة ـ) ـ المتوسط (البحرـ) ـ ميلانو ـ نابولي ـ نابليون.

 

مراجع للاستزادة:

 

- La planification Italienne dans les prespectives des annees soixante-dix, documents français n = 3655.3656- (Paris 1970).

- Leconomie dItalie. Que- sais- je (Paris 1970).

- Der Fischer Weltalmanach2000. (Frankfurt am Main 1999).

- F.Charles, Delzell,  Italy in the 20th Century (Am. Hist. Assn 1980).

- L.Michael, Blim. Made in Italy: Small - Scale Industrialization and Its Consequences (Green wood Press 1990).

- Peter, Lange, and Marino Regini, eds, State, Market and Social Regulation: New Prespectives on Italy (Cambridge 1989).

- A.SOBRERO, I padroni della lingua, Profilo sociolinguistico della lingua italiana (Napoli 1978).

- B.MIGLIORINI, Storia della lingua italiana (Sansoni 1960).

- M.VITALE, La questione della lingua (Palumbo 1960).

- O.PARLANGELI, La nuova questione della lingua (Brescia 1970).

- ANTONIO GRAMSCI, Letteratura e vita nazionale, (Torino, 1950).

- EMILIO CECCHI e SAPEGNO NATALINO, Storia della Letteratura Italiana,  (Milano 1965-1969), vol. 9.

- FRANCESCO DE SANCTIS, Storia della Letteratura Italiana, -N.Gallo,Einaudi,(1958),vol.2

- GIUSEPPE  PETRONIO, Lattivita Letteraria in Italia, Palermo, (Palumbo 1969).

- ROY HEMMINGM,  Discovering Great Music, Melody lingers on (NewYork 1990).

- JEAN-PIERRE RYNGAERT, Le theatre (Bordas 1984).


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : سياحة
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 427
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1097
الكل : 40512609
اليوم : 42424

الليزر (تطبيقات-)

الليزر والميزر   الميزر Maser هو جهاز يولّد أو يضخم الإشعاع في مجال الأمواج الميكروية من الطيف الكهرمغنطيسي اعتماداً مبدأ الإصدار المحثوث للإشعاع. لذلك يطلق عليه أحياناً اسم ليزر الأمواج الميكروية، على الرغم من أن اكتشافه قد سبق الليزر، ولكن تطبيقات الليزر كانت أهم وأعم، وسادت بعدها كلمة الليزر. وكلمة ميزر مأخوذة من الأحرف الأولى للعبارة الإنكليزية:Microwave Amplification by Stimulated Emission of Radiation  أي تضخيم الأمواج الميكروية بالإصدار المحثوث للإشعاع.
المزيد »