logo

logo

logo

logo

logo

النفس في الفكر العربي الإسلامي

نفس في فكر عربي اسلامي

Soul in Arab islamic intellect - Ame dans la pensée arabe islamique

النفس في الفكر العربي الإسلامي

 

اهتم الفلاسفة اليونان بالنفس psyche، وعالجوا قضاياها في كتبهم، فالماديون منهم عدّوا النفس جسماً لا ميزة له ولا خصائص، في حين ألَّه الروحانيون النفس، وأبعدوها عن عالم المادة، ورأوا فيها قوة إلهية تهبط إلى البدن من الباب العلوي، ومنهم أفلاطون الذي وحّد بين النفس والأفكار أو المُثل، وعدّها جوهراً غير مادي مستقلاً عن الجسد، كان قبله، ويبقى بعده. ومن الفلاسفة من وقف موقفاً وسطاً، فجعلها مزجاً بين الروح [ر. علم النفس (نظير ـ)] والجسد، مثل أرسطو الذي وحَّد بين النفس والجسد، وتصوَّر النفس وظيفة الجسد وغير مستقلة عنه. وعدّ النفس بوصفها موازية للروح أنها صورة البدن، تتميز عن الصور الأخرى المتصلة بالمادة، وأنها صورة عاقلة تسمو على البدن، وتحيا حياة عقلية غير مرتبطة بالمادة، ولا تفنى بفناء الجسد.

استند الفلاسفة المسلمون في معالجة قضية النفس إلى الموقف الثاني الذي يتوافق بمجمله مع موقف الدين الذي يفصل بين النفس والجسد، فالنفس خالدة، والجسد فانٍ، وهي موضوع الحساب في اليوم الآخر. وقد أفاد بعضهم من تصورات أرسطو للنفس على أنها وظيفة الجسد وصورته.

ـ النفس في القرآن الكريم:

استخدمت كلمة النفس في القرآن الكريم بمعانٍ ودلالات مختلفة منها:

ـ الدلالة على الإنسان؛ ]لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إلاّ وُسْعَها[ (البقرة 233).

ـ الدلالة على ضمير الإنسان: فالله وحده يعلم ضمائر الناس ووساوس أنفسهم: ]ولَقَدْ خَلَقْنا الإنسانَ ونعلمُ ما تُوَسْوِسُ بهِ نفسُهُ[ (ق 16).

ـ الدلالة على أن النفس ليست مرتبطة بالجسد: ]اللهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِيْنَ موتِها[ (الزمر 42).

ـ الدلالة على أشخاص معيّنين: وممن عناهم القرآن الكريم يوسف: ]هيَ راودَتْنِي عَن نَفْسِي[ (يوسف 26).

ـ معاني النفس لدى المفكرين المسلمين:

استند المفكرون المسلمون إلى القرآن الكريم وإلى الفلسفة اليونانية في شرحهم لقضية النفس، وكان منهم:

ـ الكندي[ر]: الذي كتب رسالة «حدوث الأشياء ورسومها»، ورأى أن النفس جوهر عقلي متحرك في ذاته، وهي عنصر بسيط وفريد مختلف عن الجسد؛ لأنها ذات جوهر إلهي روحاني يحرك الجسد ويستكمله.

ـ الفارابي [ر]: الذي عرَّف النفس بأنها جوهر روحاني مغاير للجسد، وهي استكمال أول لجسد طبيعي آلي ذي حياة بالقوة.

وكلمة استكمال يمكن ربطها بنوعين من النفوس عند الفارابي هما:

أـ النفوس العالمة: وهي مستكملة، ومنها العالمة الفاضلة التي أدركت السعادة، وأخذت بأسبابها، فعرفت الله تعالى، فهي خالدة في نعيم، ومنها الفاضلة الفاسقة التي أدركت السعادة، ولم تأخذ بأسبابها، فقامت بأفعال شريرة، فهي خالدة؛ ولكن في شقاء.

ب ـ النفوس الجاهلة: وهي غير مستكملة، وهي التي لم تدرك السعادة، ولم تدرك الله تعالى؛ فلذلك تبقى غير مستكملة، فهي هابطة وصائرة إلى العدم.

ـ ابن سينا [ر]: الذي يعدُّ النفس جوهراً روحانياً بسيطاً مغايراً للبدن لا يفنى بفنائه، وهو مستقل عنه، والنفس هي الكمال الأول للجسد العضوي القادر على تأدية الحياة. ويرى ابن سينا أن النفس هي مبدأ الأفعال والحركات، ويقسمها إلى ثلاثة أنواع:

أـ النفس النباتية: وهي تقوم بوظيفة التوالد والنمو والتغذية، وهي موجودة في النبات والحيوان والإنسان.

ب ـ النفس الحيوانية: وهي تقوم بإدراك الجزئيات، وتحرك الإرادة، وهي موجودة في الحيوان والإنسان.

جـ النفس الإنسانية: وهي النفس الناطقة التي تدرك الكليات، وتمارس وظيفتها بالاختيار الفكري.

وقد فهم ابن سينا التفكير والتذكر والإدراك والتخيل والإحساس والمزاج وظائف نفسية، وفهم الإحساس بالذات حالة تلازم الشخص، وتحدد هويته.

ـ ابن رشد [ر]: الذي يعرِّف النفس بأنها «قوة محرّكة تحيي الأجسام العضوية وتغذيها وتنميها»، وهي صورة الجسم، لذلك تبقى بعده، ولا تفنى بفنائه.

ـ النفس عند أهل التصوف، لها معنيان:

أـ هي الأصل الجامع لصفات مذمومة في الإنسان كالغضب والشهوة.

ب ـ هي ذات الإنسان وحقيقته، ولكنها توصف بأوصاف مختلفة حسب أحوالها: فإذا اجتنبت الشهوة سميت المطمئنة، وإذا اعترضت على الشهوة، ودفعتها سميت اللوامة، وإذا أطاعت الشهوة فهي النفس الأمارة بالسوء.

ـ الطب النفسي عند علماء المسلمين:

استخدم الأطباء المسلمون الملاحظة والتجريب في فهمهم نفس الإنسان في كل ظروفه وأحواله. ومن المخطوطات العربية العلمية «كتاب في الملاخوليا» لأحمد بن أبي الأشعث، و«مقال في مـرض المرقية» أي توهم المرض لسعيد بن أبي بشير، و«مقال في فقدان التذكر» لأبي جعفر الجزار، و«الرسالة الشافية في أدوية النسيان» لإسحاق بن حنين، وكتاب «سياسة البدن وفضيلة الشرب ومنافعه ومضاره» لمحمد رستم الطبيب، وكتاب «القانون» لابن سينا.

أما خصائص الطب النفسي عند المسلمين فهي:

ـ المسلمون هم أول من قام باكتشاف العامل النفسي والعصبي في الأمراض العقلية والجسمية، فهم أول من أسّس الطب السيكوسوماتي (معالجة الأمراض الجسمية ذات المنشأ النفسي)، وهم أول من عارض السجن والعزل لمرضى العقول، وفتحوا المصحات الخاصة لهم.

ـ الأطباء العرب أول من أوضحوا علاقة الطب الانفعالي بالمرض، وكذلك فكرة دراسة تاريخ الحالة، وهذا لم يظهر بوضوح حتى القرن العشرين.

استخدم الأطباء العرب الأدوية والجراحة والتدليك والحمّامات والراحة وتغيير بيئة المريض، ونادوا بفكرة التعاطف الاجتماعي والعلاقات الإنسانية.

مريم سمعان

الموضوعات ذات الصلة:

 

الخلود ـ ابن سينا (الحسين بن عبد الله ـ) ـ علم النفس ـ علم النفس (نظير ـ) ـ الغزالي (أبو حامد ـ) ـ الكندي (يعقوب بن إسحاق ـ).

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ أنور فؤاد أبي خزام، معجم المصطلحات الصوفية، المجلد السادس (مكتبة لبنان، بيروت 1993).

ـ أبو حامد بن محمد الغزالي، إحياء علوم الدين، الجزء الثالث (دار المعرفة، بيروت).

ـ جميل صليبا، من أفلاطون إلى ابن سينا (مكتبة النشر العربي، دمشق 1935).

ـ حنا فاخوري وخليل الجر، تاريخ الفلسفة العربية (مؤسسة بدران، بيروت 1963).


التصنيف : تربية و علم نفس
المجلد: المجلد العشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 771
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 552
الكل : 31745846
اليوم : 21307

الحصري (علي بن عبد الغني-)

الحصري (علي بن عبد الغني -) (…-488هـ/…-1095م)   أبو الحسن علي بن عبد الغني الفهري، الكفيف، المُقرئ، الأديب الشاعر، المعروف بالحصري القيرواني. لم تُعرف سنة ولادته. أما وفاته فكانت بالإجماع، سنة ثمان وثمانين وأربعمئة. عاش في مدينة القيروان حتى منتصف القرن الخامس الهجري، وغادرها سنة (449هـ). دخل الأندلس في عصر ملوك الطوائف. وتنقل بين مدنها، يقرئ الناس القرآن في سَبْتَة وغيرها.
المزيد »