logo

logo

logo

logo

logo

التربية العربية الإسلامية

تربيه عربيه اسلاميه

Education in arab islamic civilization - Education dans la civilisation arabe islamique

التربية العربية الإسلامية   تعد التربية العربية الإسلامية جزءاً من التربية العالمية، وهي مجموعة من المفهومات والأسس العقائدية والفكرية والخلقية والسلوكية والقيم الروحية والجسدية، والمترابطة فيما بينها في إطار فكري واحد، مستندة في مبادئها وقيمها إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ويتربى الإنسان من خلالها تربية كاملة متوازنة من كافة الجوانب، دون تضحية بأي نوع منها على حساب الآخر. تطور التربية العربية الإسلامية مرحلة ظهور الإسلام: تبدأ هذه المرحلة بظهور الإسلام في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي، وتمتد حتى نهاية عصر الخلفاء الراشدين. وضعت في هذه المرحلة الأسس والمبادئ الرئيسية السياسية والدينية والاجتماعية والخلقية، مما كان له شأن بعيد الأثر في الحياة الإسلامية مدة قرون طويلة، ولا تزال تتأثر به الشعوب الإسلامية إلى اليوم. يُعد نزول القرآن الكريم ومجيء الإسلام، حدثاً فاصلاً في تاريخ العرب وتطورهم الفكري، فقد أكد أهمية العلم وتحصيله، والاستزادة بالمعرفة، وحث الإنسان على إعمال العقل لدراسة الواقع وتحسين أحوال البشر، والتأمل في الظواهر والتفكير فيها، وحدد هيكلاً فكرياً إسلامياً جديداً صارت فيه معارف العرب وخبراتهم السابقة وصفاتهم ومزاياهم من شجاعة وكرم ووفاء وعفة وكرامة، مادة أولية في بناء هذا الهيكل، وليس أدل على ذلك من أن أولى آيات القرآن الكريم كانت أمراً بالقراءة وتمجيداً للعلم }اقْرَأْ باسْم رَبّكَ الذي خَلَق، خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرأ وَرَبُّك الأكْرَم، الذي عَلَّمَ بالقَلَم، عَلَّمَ الإِنْسان ما لَمْ يَعْلَم{ (العلق 1-5). وإلى هذا العهد يرجع بناء كيان الدولة السياسي والاجتماعي، فالقبائل العربية المتنازعة المتنافرة تتحد لأول مرة تحت إمرة زعيم واحد، مهد الطريق للاتحاد باعتناق مبادىء واحدة، وعبادة إله واحد بعد أن كان للقبائل آلهة متعددة. جمع الرسول الكريمe بين الرئاستين الدينية والسياسية، وجعل أساس الحكم والعلاقات بين الناس تعاليم القرآن الكريم والدين الحنيف. ومنذ ذلك الوقت أخذت الدولة صبغتها الدينية، وترتب على ذلك تكوين أمة من المؤمنين تجمع أفرادها عواطف مؤتلفة واتجاهات وغايات ومثل وأخلاق وتقاليد ولغة واحدة هي لغة القرآن والدين. ووضعت في هذه المرحلة مبادئ اجتماعية كان لها أبعد الأثر في نمو التقاليد والنظم الإسلامية، كان أهمها مبدأ الإخاء والمساواة والرحمة بين جميع المؤمنين، بغض النظر عن اختلافات الجنس أو اللون. جاء في القرآن الكريم )إِنّما المُؤْمِنُونَ إِخْوَة( (الحجرات 10)، وفي الحديث الشريف «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى». وقد أسهمت هذه المبادئ في تدعيم الوحدة الروحية وتقوية أواصر المودة والائتلاف بين المسلمين في البقاع الإسلامية المختلفة، كما أثرت في حركة الثقافة العربية وفي حركة التربية والتعليم بين العرب. ومع اتساع حركة الفتوح الإسلامية في هذه المرحلة، وانتشار الإسلام، قام الخليفة عمر بن الخطابy بإرسال المعلمين والقضاة للقيام بتعليم الناس الذين دخلوا في الإسلام حديثاً، وكذلك تعليم أبناء المسلمين، ونشر التعليم في جميع البقاع التي امتد إليها الإسلام، كما أرسل معلمين للقرآن ووعاظاً لكل المناطق. وكان لهذه البعثات الأثر الكبير في نشر العلم، وتحفيظ القرآن وفقه الدين وفهمه، وحث الناس على العمل به، كما كان لها أثرها في بناء المسلم المتكامل الشخصية، والمجتمع والحضارة الإسلامية، والدولة الإسلامية المنظمة. مرحلة البناء والفتوحات: وتمتد من نهاية عهد الخلفاء الراشدين حتى أواخر عهد الدولة الأموية، حيث اتسعت رقعة الامبراطورية العربية الإسلامية، وامتدت حدودها من الهند شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، ومن بحر الخزر شمالاً إلى السودان جنوباً، فكانت بذلك تضم أغنى بقاع العالم القديم وأقدمها حضارة، كالفارسية والإغريقية والقبطية. اتصل العرب في هذه المرحلة بالحضارات العريقة المختلفة، ومهدوا الطريق لامتزاج الشعوب والحضارات، وإلى جانب تأثر العرب بالأنظمة السياسية والاجتماعية، فقد استمرت المدارس الإغريقية في سورية، كما بقيت جامعتا الإسكندرية ونيدشابور في العصر الأموي فترة طويلة، حيث كان يدرس الطب والفلك والفلسفة وعلوم الإغريق الأخرى. وكان لا بد أن يتأثر العرب بذلك، ولو كان بطريق غير مباشر. وإننا لنجد أثر ذلك الاتصال الثقافي في دراسة الأمير خالد بن يزيد الذي جمع إلى دراسة اللغة والشعر والكيمياء والطب والفلك كما استخدم من ترجم له كتب الكيمياء والطب والفلك من اليونانية والقبطية إلى العربية. وقد طرأ تطور مهم على التربية والتعليم في هذه المرحلة وجاءت التطورات لتلبي الأهداف الآتية: ـ المحافظة على الهوية العربية للدولة، فوضع العلماء مناهج التعلم واهتموا بتاريخ الشعوب الأخرى. ـ تأكيد الهوية الإسلامية للدولة، وتدريس علوم القرآن والحديث. ـ مواكبة التطور وتلبية حاجات المجتمع وتنظيم مؤسسات الدولة الإدارية والاقتصادية، فعربت الدواوين وتُخُلِّص من هيمنة الروم والفرس. مرحلة الإبداع: وتمتد من القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي إلى أواسط القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي. نتيجة تفرغ الحكام لشؤون الرعية بعد تقلص الفتوحات فتمازجت الشعوب والحضارات مما ساعد على الانتعاش الفكري. وساعد في ذلك جعل اللغة العربية لغة التعبير الثقافي والعلم والتفاهم والتخاطب، فكانت إلى جانب الدين من أقوى عوامل الوحدة الثقافية، وكان ثمرة تطور حركة النقل والترجمة من اللغات الأجنبية، وخاصة من اليونانية والفارسية والهندية إلى العربية، ظهور الفروع الجديدة كالفلسفة والمنطق والهندسة والفلك والموسيقى والطب والكيمياء والجغرافية. اعتمد العرب والمسلمون على اليونانيين في الفلسفة والمنطق والطب والرياضيات والفلك والاجتماع، واستفادوا من الهنود في معالجة الأمراض ومعرفة خصائص العقاقير، ومبادئ الحساب والهندسة والموسيقى والفلك والنجوم، وفروع الرياضة الأخرى، ونقلوا عنهم وعن الفرس الحِكَم والقصص والأقوال المأثورة. لكنهم لم يقفوا عند حد النقل والترجمة  أو التعليق والنقد، بل أضافوا الكثير إلى علوم الشعوب الأخرى، من رياضيات وفلك وطب وفلسفة وموسيقى، وغذوها بتجاربهم وأبحاثهم واكتشافاتهم التي لا تعد. أما أبرز مظاهر التربية والتعليم في هذه المرحلة فتتمثل في ظهور مدارس تربوية مختلفة تستند إلى أسس فكرية خاصة بها، منها: 1ـ مدرسة الفقهاء والمحدّثين: وقد مرت هذه المدرسة بمرحلتين، الأولى مرحلة اتفاق بين المحدثين والفقهاء خلال القرن الثالث حول نصوص القرآن والسنة، والثانية مرحلة تباين في المذاهب ومحتوى مناهج التعليم والبحث. ومن أبرز من كتب في مجال التربية من المحدثين والفقهاء محمد بن سحنون (ت256هـ) ومحمد بن الحسين الآجري (ت360هـ) وعلي محمد القابسي (342-403هـ).  2ـ مدرسة الصوفيين: ظهرت في نهاية القرن الثاني ومطلع القرن الثالث الهجري حين كان الصراع على أشده بين أتباع النص وأتباع التأويل وكان لهم رأي فيه. فقد نظر أصحابها إلى العقل نظرة جديدة، وقالوا بأن العقل لايكون أداة صالحة للنظر والتحقيق إلا إذا ماأُفرغ القلب من أهوائه، لذلك اهتم رجال الصوفية في مؤلفاتهم بأساليب تربية المريد وأحوال النفس ومسألة الخير والشر، وأبرز من تناول هذه الأمور في مؤلفاته الحارث المحاسبي (ت243هـ)، وأبو عبد الرحمن السلمي (ت 248هـ). 3ـ مدرسة الفلاسفة: ازدهرت هذه المدرسة بصورة مميزة بعد الاطلاع على الفكر الفلسفي للحضارات الأخرى وتمثله وإعادة تكوينه، بما ينسجم مع روح الحضارة العربية الإسلامية، فوفقت بين الدين والفلسفة. وأبرز من كتب في التربية من هؤلاء: الفارابي (260-339 هـ) وإخوان الصفا (القرن الرابع الهجري) وابن سينا (370-428 هـ) وابن مسكويه (...- 421 هـ). 4ـ مدرسة الأشاعرة وعلماء الكلام: مؤسس هذه المدرسة أبو الحسن الأشعري (ت330هـ) الذي لم يسهم إسهاماً مباشراً في التربية، بقدر ما مهد السبيل لظهور مربين كبار أتوا بعده. دعا الأشعري إلى التفاعل مع تيارات الفكر المعاصر، إذا لم يكن ذلك متعارضاً مع القرآن الكريم والسنة الشريفة. ومن أبرز من اهتم بشؤون التربية من أتباع هذه المدرسة علي بن محمد الماوردي (364-450هـ)، والخطيب البغدادي (392-463هـ). وفي هذه المرحلة ظل مركز التربية والتعليم الأول هو المساجد الجامعة، ثم امتدت إلى المساجد الخاصة، وظهرت مؤسسات تعليمية أخرى، مثل بيت الحكمة في بغداد (زمن المأمون ت 218 هـ) ودار الحكمة بالقاهرة، والمكتبات كمكتبة المعتضد (ت 289 هـ) ببغداد، وخزانة أبي القاسم جعفر بن محمد الفقيه الشافعي (ت 323 هـ)، وخزانة القاضي ابن حبّان (ت 354 هـ) في نيسابور، ويُعد بدء ظهور المدارس من الأحداث المهمة في هذه المرحلة، مثل مدرسة ابن حبان التميمي أبي حاتم (ت 354 هـ)، ومدرسة الأسفراييني (ت 418 هـ)، ومدرسة البستي (ت 429 هـ) وغيرها. وكانت هذه المدارس أمكنة خاصة بالتدريس غير المساجد والكتاب ودار العلم وبيت الحكمة. وقد جهزت بتسهيلات دراسية وقاعات للمطالعة ومكتبة، وأماكن لإقامة العلماء والطلاب الغرباء. وتميزت المؤسسات التعليمية بأنها كانت مركزاً تعليمياً وثقافياً مفتوحاً للناس جميعاً من شتى أنحاء العالم الإسلامي. مرحلة التقهقر: وتمتد من أواسط القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي إلى القرن الثاني عشر الهجري/الثامن عشر الميلادي. وهي مرحلة ضعف الدولة العربية الإسلامية، وتراجع الحركة الثقافية والفكرية نتيجة الغزوات المغولية والصليبية والاقتتال بين الحكام المحليين. مما أودى بالاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وأسهم في انحطاط دور العلم ومعاهد التعليم. ثم تعرضت البلاد للاحتلال التركي الذي استولى على العراق سنة 920هـ/1514م بعد معركة جالديران، ثم سورية بعد معركة مرج دابق سنة 922هـ/1516م، ثم خضعت المناطق الأخرى تباعاً إلا المغرب، وعزلت هذه الأقطار عن العالم الخارجي، فغفا الفكر ووهنت حركة التعليم حتى باتت مفقودة في الأرياف نادرة في المدن. فتفشى الجهل والأمية وظهرت السلبية واللامبالاة. مرحلة اليقظة: وهي المرحلة الأخيرة التي مرت بها التربية العربية الإسلامية، ويطلق عليها مرحلة اليقظة والإصلاح التربوي الحديث. كانت هذه المرحلة فترة انقطاع ثقافي لم تتطور فيها المؤسسات التعليمية الموروثة، ولكنها كانت بالوقت نفسه فترة إحياء فكري وفترة ظهور الحركات الإسلامية، السلفية والإصلاحية، إضافة إلى الحركات القومية والوطنية. فقد قام محمد علي بإنشاء المدارس الحديثة في أرجاء مصر، وجعل التعليم فيها مجانياً، وأنشأ معهداً لإعداد المعلمين، وأرسل نخبة من المتعلمين إلى أوربة، وسار ابنه إبراهيم على خطاه، وأنشأ المدارس الكثيرة في سورية. ومنذ القرن الثامن عشر، عمت الحركات الإصلاحية المجتمع العربي الإسلامي، وأكدت هذه الحركات أهمية التعليم في تحقيق النهضة، وإحياء التراث الفكري وفهمه، والاهتمام باللغة العربية وتجديدها وتأكيد أهميتها رابطةً أساسية مشتركة، وإنشاء المدارس الحديثة، والدعوة إلى تأكيد الهوية العربية، وعلى فكرة الأمة العربية، والتنبيه على خطر الذوبان في الموجة الغربية، والالتفات إلى دور العرب في التاريخ. أهداف التربية العربية الإسلامية ـ الهدف الديني: ويمثل الهدف الأول والأساسي للتربية العربية الإسلامية، ويستند إلى القرآن الكريم كمصدر للمعرفة وإلى الأحاديث النبوية الشريفة. والقصد منه تكوين الإنسان المسلم المؤمن بالله ورسوله، وإحياء شعائر الإسلام والقيام بفروضه، ونشر التعاليم الدينية في صفوف الناشئة. ـ الهدف الدنيوي: لا يقل أهمية عن الهدف السابق، فقد أكدت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة أهمية تزويد المسلم بالعلوم والمعارف المختلفة، وعلى الإفادة مما في الكون من متع وخيرات،  كما أكدت توجيه المسلمين نحو تأمين معيشتهم عن طريق اكتساب المال بالطرق المشروعة من تجارة وصناعة وزراعة، وما إلى ذلك. وقد سعت التربية العربية الإسلامية إلى التوفيق بين هذين الهدفين وتحقيق الانسجام بينهما عملاً بالقول المأثور للإمام علي كرم الله وجهه: «إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً». ـ هدف العلم للعلم: ويطلق عليه هدف اللذة الروحية من العلم، وهذا الهدف هو الذي يدفع صاحبه إلى التعلم، والرحلة في طلب العلم، والبحث لا لشيء، سوى البحث والتعلم لذاتهما، مكتفياً بلذة البحث عن الحقيقة، والتفتيش عن دفائن المعرفة. الأفكار والمبادئ التي نادت بها التربية العربية الإسلامية ـ عُدَّ التعليم حقاً وواجباً على كل إنسان: عندما جاء الإسلام كان من أبرز ظواهره وآثاره في المجتمع العربي تقديره للعلم والعلماء، ودعوته إلى التعليم والتعلم. فازدهرت الحركة العلمية واتسعت مجالات المعرفة لتشمل العلوم والفنون المعروفة كلها. ـ الاهتمام بالطفولة: أكدت التربية العربية الإسلامية العناية بالطفولة وتعليم الصغار، وهذا التأكيد نابع من اهتمام العرب بالأنساب ونقائها، ومن اعتبارهم الولد مادة التكاثر وقوام التفاخر. كما اهتم المربون المسلمون بموضوع تربية الأطفال وتنشئتهم والاهتمام بهم. وقد نادى العبدري بضرورة اللعب والترويح عن النفس للطفل بعد ساعات التدريس. كما انتقد ابن خلدون استخدام القسوة والعنف في تعليم الأطفال. ـ الإعلاء من شأن العلم والعلماء: نظرت التربية الإسلامية إلى العلم على أنه أسمى مافي الوجود، فالعلماء ورثة الأنبياء، وهم لا يصلحون لحمل رسالة العلم المقدسة إلا بعد تطهير أنفسهم من الرذائل والتحلي بالفضائل والأخلاق. لقد كان تقديس العلم والعلماء والمعرفة الأثر الفعال في تقوية النزعة المثالية في الفرد، تلك النزعة التي تملأ النفس بالإيمان والخشوع والتفاني وتحثه على تحصيل العلم من أصحابه، وإن اقتضى ذلك العناء والسفر، عملاً بقول الرسول الكريمe: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة». وقوله أيضاً: «من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع». ـ العقل يحرر الفكر: ضمنت العقيدة الإسلامية حرية الفكر واستخدام البحث العلمي، وحظر الإسلام على الموانع التي تمنع العقل من الانطلاق، وأكد تحرير الإنسان من ربقة التبعية العقلية التي تتجلى بعبادة السلف، والاقتداء الأعمى بأصحاب السلطة والخوف المهين منهم. وكان رسول اللهe ينظر إلى العقل نظرة إجلال وتعظيم، فقد رأى فيه أنه أصل الدين وأساسه، وأن لا دين لمن لا عقل له، كما أمر بالتواصل بالعقل واستعماله والرجوع إليه، وفيه الأمان. ـ المساواة وتكافؤ الفرص في التعليم لجميع الناس: يمكن عدّ تطبيق مبدأ الديمقراطية في التعليم نقطة انتقال مهمة في تطور التربية وتقدم النظم العمرانية عامة. فقد كان النظام الإسلامي مشبعاً بهذه الروح، فأتاحت الروح الديمقراطية فرصة التعليم للأغنياء والفقراء، وحصلت النساء ومن بينهن الجواري على قدر وافر من التعليم والثقافة، وأفادت اليهود والنصارى أيضاً. ـ الشمول والتكامل والتوازن: استطاعت التربية العربية الإسلامية أن تصوغ الإنسان صوغاً مادياً وروحياً متكاملاً، لا أن يعي وجوده فحسب، بل فاعلاً في تطوير ماهية هذا الوجود الإنساني إلى ما فيه رفاه الإنسان وسعادة البشرية في كل مكان. ـ التربية غير محددة بالزمان والمكان: يعد هذا المبدأ من أبرز المبادئ معتمداً في التربية العربية الإسلامية، فالعقيدة الإسلامية تعتمد على العقل وتجعل التفكير أساس الإيمان، وتقدس العلم والعلماء، وتتطلب استمرار الإنسان في طلب العلم والمعرفة والتسلح بالثقافة. مراحل التعليم ومحتواه وطرائقه انقسم التعليم في الحضارة العربية والإسلامية إلى مراحل شبيهة بمراحل التعليم الحالي، لكن ما يحدد هذه المراحل ليس مكان التعليم فقط بل مستوى المدرسين والمناهج أيضاً: فالتعليم الابتدائي: كان يتم في الكتّاب بصورة أساسية، ففي الكتّاب كان الأطفال يتلقون معارف عامة تفيدهم في شؤون الحياة العامة والدينية. لذلك كانت القراءة والكتابة والحساب والقرآن ومبادئ الدين هي المواد الأساسية للتعليم. وقد تُقدم للمتعلمين مواد أخرى كعلوم اللغة العربية وتاريخ العرب وأنسابهم، وغير ذلك. وكانت هذه الكتاتيب في البداية جزءاً من المسجد أو ملحقة به، ثم استقلت في أبنية خاصة بها، ومع أن التربية العربية الإسلامية لم تكن دينية محضة، إلا أن الهدف الديني كان يطغى على الأهداف الأخرى في الكتاتيب بصورة خاصة. وقد عرف في البلاد المشرقية نوع آخر من الكتاتيب خاص بتعليم القرآن الكريم وحده. أما التعليم الثانوي فكان يتم في المساجد والمدارس. ومع ذلك كان بعضها يؤدي وظيفة تشبه إلى حد بعيد وظائف الجامعات المعاصرة، وكان هذا يتوقف على مستوى المدرسين والطلاب. إن التعليم في بعض هذه الجوامع كان يقدم تعليماً أرقى من التعليم الثانوي من حيث المحتوى والأسلوب، فقد جلس للتدريس فيها مشاهير العلماء، ونقلوا علومهم وأفكارهم إلى طلبة العلم، كما فعل ابن خلدون في الجامع الأزهر حين انتقل من تونس إلى القاهرة. وكذلك الحال بالنسبة للمدارس التي اختلف مستواها باختلاف القائمين على التدريس فيها، فكان بعضها بمستوى التعليم الثانوي، في حين كان بعضها الآخر كالمدارس النظامية والمدرسة المستنصرية بمنزلة تعليم جامعي رفيع المستوى. ومع أن محتوى التعليم في المدارس النظامية كان دينياً، تطلبت علوم الدين تدريس التاريخ والتشريع والحساب واللغة والمنطق. والمرحلة الأخيرة أشبه ما تكون بمرحلة الدراسات العليا فقد كانت دار العلم في القاهرة التي أنشئت في زمن الحاكم بأمر الله سنة 339هـ وبيت الحكمة الذي أسسه المأمون وبيت بني شاكر وغيرهم، مراكز للتأليف والترجمة والبحث العلمي. أما طرائق التعليم فقد اختلفت من عصر إلى آخر باختلاف المرحلة التعليمية ومكان الدراسة واجتهاد المدرسين، غير أن هذه الطرائق كانت تعتمد بشكل عام على التلقين والتكرار والحفظ ولاسيما في المراحل الدنيا من التعليم، لأن ذلك كان خطوة أساسية للفهم والنشر والعمل. وانتشرت أيضاً طريقة الإملاء في المراحل الأخرى من التعليم، فكان المدرس يقرأ ما في كتابه ثم يشرحه ويعلق عليه، وهذا يقتضي أن يكون في يد كل طالب نسخة من كتاب الأستاذ استنسخها لنفسه لمتابعته. وقد تميزت طرائق التعليم في المراحل العليا بكثرة النقاش والأسئلة بين الأساتذة والطلاب وكان الاختلاف بين الطرفين أمراً عادياً لا عيب فيه. ولعل أبرز طريقة استخدمت في أمكنة التعليم الراقية في ذلك الحين هي «المناظرة» التي ازدهرت نتيجة ظهور الفرق الإسلامية وتباين آراء أصحابها. وكان يُقصد بالمناظرة بلوغ الحق لا الانتصار على الخصم. وقد أدرك المفكرون أهمية هذه الطريقة في صقل الشخصية العلمية للمتعلمين، بل ذهب ابن خلدون إلى أبعد من ذلك، ورأى أن إهمال المناظرة والمناقشة في التعليم هو سبب الركود الفكري الذي ساد في بلاد المغرب في القرن الرابع عشر. ومن طرائق التعليم المعروفة آنذاك طريقة «القراءة» وهي أن يقرأ الطالب على المعلم ما يريد أن يتعلمه، ويقوم المعلم بالشرح والتفسير، وقد ظهرت هذه الطريقة في أوائل القرن الثاني الهجري. أبرز المؤسسات التربوية والثقافية التي أسهمت في الحضارة العربية الإسلامية  دور العلم وبيوت الحكمة: أنشأ بعض الخلفاء والأمراء دوراً للعلم والحكمة، وزودها بأجود الكتب، وفتحوها للعلماء لينهلوا من معينها. فقد روى ياقوت في الإرشاد أن أبا القاسم الفقيه الموصلي أسس داراً للعلم في بلده، وجعل فيها خزانة كتب من جميع العلوم، ووقفها على طلاب العلم. وكان الحسن ابن عمار قاضي الفاطمية في طرابلس الشام أقام داراً للعلم على نحو الدار التي أسسها الحاكم بأمر الله في مصر فصارت كعبة للعلم وأهله، إلا أن بيت الحكمة في بغداد ودار العلم في القاهرة كانا من أبرزها. ينسب تأسيس بيت الحكمة إلى الخليفة المأمون، لكن يبدو أنها كانت موجودة منذ زمن الرشيد، كما يذكر ابن النديم. فقد استطاع الرشيد نتيجة انتصاراته وفتوحاته المظفرة جلب نفائس المخطوطات اليونانية إلى بغداد، وعهد بترجمتها إلى يوحنا بن ماسويه الذي كان يُعد شيخ المترجمين في عصره، كما عهد إلى الفضل بن نوبخت الفارسي الأصل ترجمة بعض المخطوطات الفارسية. ولما تولى المأمون العرش، أرسل الهدايا القيمة إلى ملوك الروم وسألهم صلته بما لديهم من كتب الفلاسفة فبعثوا إليه بما عندهم من كتب أفلاطون وأرسطو وأبقراط وجالينوس وإقليدس وبطليموس وغيرهم، وأمر بترجمتها وحض الناس على تعلمها. أما دار العلم في القاهرة فقد أنشئت في زمن الحاكم بأمر الله سنة 395هـ بهدف بث الدعوة الفاطمية، عن طريق التعليم والإقناع والبحث والمناقشة، لذلك زودت بالكتب القيمة الكثيرة، وأنفقت عليها الأموال وجلب لها أفضل الدعاة والمدرسين. فلقد قسمت المكتبة إلى الأقسام الآتية: قسم للفقهاء وآخر لقراءة القرآن، وقسم للمهتمين بعلوم اللغة، وقسم خاص بالأطباء، كما ضمت الدار قاعات للمحاضرات والمناظرات، لما فيها من أهمية في نشر هذه الدعوة. البيمارستان[ر]: كلمة فارسية مركبة من كلمتين (بيمار) بمعنى مريض و(ستان) بمعنى مكان أو دار، وبذلك يكون معنى هذه الكلمة  دار المرضى أو المشفى. بنى الوليد بن عبد الملك أول بيمارستان في الإسلام سنة 88هـ/706م، وعين فيه الأطباء، وأجرى عليهم وعلى المرضى الأرزاق، وجعل لكل مُقعد خادماً ولكل ضرير قائداً، وسرعان ما عمت أرجاء البلاد، فلا تكاد مدينة تخلو منها. وقد كانت هذه المشافي جامعات طبية تلقى فيها الدروس النظرية إلى جانب الدروس العملية، فأسهمت إسهاماً عظيماً في تطوير مهنة الطب وتنظيمها وإرساء أسسها العلمية. المدارس: ارتبط انتشار المدرسة باسم الوزير نظام الملك السلجوقي الذي أسس مدرسة في بغداد سنة 459هـ/1067م. إن نظامية بغداد لم تكن أولى المدارس في الإسلام، بل أنشئ قبلها في خراسان كثير من مدارس الفقه والحديث تمتد إلى ما قبل نظامية بغداد بنحو 165سنة. وكان الهدف من إنشاء هذه المدارس «النظاميات» دينياً بالدرجة الأولى. وقد نجحت النظاميات في إعداد القضاة والعمال والكتّاب والمدرسين والموظفين من مختلف الطبقات، كما كان لها أثرها في توسيع الثقافة وتركيزها. كما أسهمت المدارس في تنشيط حركة الجهاد في وجه الصليبيين في الشرق والغرب، ولعل هذا هو سبب عناية نور الدين الزنكي وصلاح الدين الأيوبي بافتتاح المدارس.  وتعد المدرسة المستنصرية أول الجامعات في العالم الإسلامي، بناها الخليفة العباسي المستنصر بالله عام 625هـ / 1227م، وبدأ التدريس فيها عام 631هـ / 1233م، واستمر حتى غزو تيمورلنك في القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي. وبقيت حتى عام 1048هـ / 1638م، ولكن نشاطها صار محدوداً. اختار المستنصر بالله لمدرسته أفاضل المدرسين والمعيدين، وخصص لهم الرواتب والمساكن، وكل ما يحتاجون إليه، واهتم بمساكن المتعلمين وتغذيتهم وتعليمهم وتقويم أخلاقهم وتأمين اللوازم المدرسية الضرورية، وأوصى بالسهر على راحتهم. وعنيت المستنصرية بدراسة مختلف أنواع العلوم. وضمت المستنصرية خمسة أقسام رئيسية، وهي: مدرسة الفقه التي ضمت أربعة أجنحة خصص كل منها لأحد المذاهب الفقهية، ومدرسة القرآن، ودار الحديث وعلومه، ومدرسة للطب مزودة بصيدلية، ودار كتب عامرة بأنواع المؤلفات، بلغ عدد مجلداتها أكثر من ثمانين ألف مجلد. ويبدو أن ظهور المدرسة ذات النظام الإداري والمالي والتعليمي قد تأخر في المغرب والأندلس عما تم في الشرق، فلقد ظل الجامع والكتاب ومنزل المدرس المكان الذي يتم فيه حتى نحو منتصف القرن السادس الهجري، أي إلى حين ظهور دولة الموحدين. الجوامع: يبدو من الواضح أن المسجد الجامع كان المؤسسة التربوية الأبرز والأهم في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية. وقد كان لبعضها أثر حضاري مميز تجاوز الوظيفة الدينية، فكان بمنزلة مراكز ثقافية حقيقية، ومؤسسات تربوية راقية يؤمها العلماء والطلبة من شتى أصقاع الأرض. يعد الجامع الأموي[ر. الأموي (المسجد ـ)] بدمشق أحد أقدم معاهد التعليم في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية وأبرزها، التي احتضنت العلماء والطلبة، وأنفقت عليهم الأموال، فكان الفقراء منهم يأخذونها والأغنياء منهم يتعففون عن أخذها، وللأيتام من المتعلمين مأوى خاص بهم، له أوقاف كبيرة ينفق المعلم على تعليمهم وطعامهم وكسائهم منها. ويعد الجامع الأزهر[ر] في القاهرة، واحداً من هذه الجوامع التي غلبت فيها الصفة التعليمية على الصفات الأخرى، فكان بحق جامعة إسلامية كبرى تبوأت نوعاً من الزعامة الفكرية والثقافية والدينية عبر العصور المختلفة، وكان علماؤه يتمتعون بنفوذ سياسي كبير، يصل إلى حد التأثير في الولاة وتقرير سياسة الدولة. تم بناء الجامع الأزهر سنة 361/ هـ واستمر بأداء دوره من دون منافـس حتى نهاية القرن السـادس الهجري، حين أسـس صلاح الدين الأيوبي ومن خلفه عدداً غير قليل من المدارس المهمة التي استقطبت العلماء والأساتذة وأجزلت لهم العطاء. ومن الجوامع ذات الشـأن في الحياة التعليمية في المغرب العربي، جامع الزيتونة ولاسيما في القرن السابع الهجري، حين رحل عدد كبير من العلماء من الأندلس إلى تونس، ودرسوا علومهم فيها، واتخذوا من جامع الزيتونة منطلقاً لنشاطهم الفكري، فدرسوا إلى جانب العلوم الدينية الطب والرياضيات وعلوم اللغة وغيرها. وكان مسجد قرطبة الجامع من أجمل الأعمال المعمارية التي شادها العرب عبر العصور. وقد بني هذا الجامع على مراحل، استمرت قرابة قرنين ونصف من الزمن، وهو إضافة إلى كونه تحفة معمارية فريدة من نوعها، يعـد أيضاً ذا قيمة عظيمة في تاريخ العلوم العربيـة والإسلامية، وقد ظل قروناً طويلـة من أعظم مراكـز الإشـعاع الحضاري في أوربة. ومع أن الدولـة لم تشرف إشرافاً مباشراً على التدريس فيه، كما كان الحال في الأزهر فقد وضع علماؤه له مجموعة من القواعد والأنظمة للمحافظة على سمعته ومستواه العلمي الرفيع.   نزيه أحمد الجندي، زهير حميدان   مراجع للاستزادة:   ـ ابن سحنون، آداب المعلمين والمتعلمين، تعليق محمد العروسي المطوي (دار الكتاب الشرقية، تونس 1972). ـ ابن جماعة، تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم (دار الكتب العلمية، بيروت 1354هـ). ـ الزرنوجي، برهان الإسلام، كتاب تعليم المتعلم طريق التعلم، تحقيق مروان قباني (المكتب الإسلامي، بيروت 1981).

اقرأ المزيد »




التصنيف : تربية و علم نفس
النوع : دين
المجلد : المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 300

آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 549
الكل : 29585024
اليوم : 39940

البزل

البزل   البزل puncture مداخلة طبية بسيطة الغاية منها سحب سائل أو غاز من جوف طبيعي أو مرضي في الجسم، أو سحب خلايا من عضو من الأعضاء وذلك للتشخيص أو العلاج. بزل السوائل والغازات السوائل التي تبزل متنوعة بعضها طبيعي كالدم والسائل النخاعي والسائل الأمنيوسي وبعضها مرضي كالقيح والحبن وانصباب الجنب وانصباب التامور وانصباب المفاصل، أما الغازات فمنشؤها دائماً مرضي.
المزيد »