logo

logo

logo

logo

logo

مبدأ عدم رجعية القوانين

مبدا عدم رجعيه قوانين

principle of non-retroactivity of laws - principe de non-rétroactivité des lois

 مبدأ عدم رجعية القوانين

مبدأ عدم رجعية القوانين

جودت هندي

إلغاء القانون  
تطبيق القوانين في الزمان النظرية التقليدية في حل التنازع
المبادئ التي تحكم التعامل مع القوانين المتعاقبة على الزمن النظرية الحديثة
جواز النص على ما يخالف مبدأ عدم رجعية القوانين في المسائل غير الجزائية تطبيق مبادئ النظرية الحديثة في حلول القانون السوري
 

تعدُّ قوانين أي بلد ترجمة لواقعه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وأي تغيير يطرأ على أي مجتمع ويؤدي إلى تبدل في ظروفه الاجتماعية وفي واقعه الاقتصادي ونظامه السياسي؛ يجب أن يقابله تبدل في واقعه القانوني يتلاءم مع أوضاعه وظروفه الجديدة.

ولذلك يمكن القول: إن استمرار حركة التغيير في مجتمع ما يؤدي إلى استمرار في تغيير قوانين هذا المجتمع، وتغيير هذه القوانين يقوم على عملية تغيير في القوانين القديمة وإصدار قوانين جديدة. على أن التغيير في القوانين لا بد أن يكون له تأثير فعال في أوضاع وعلاقات قانونية بين أشخاص المجتمع الطبيعيين والاعتباريين، فالأحداث والوقائع التي يرتب عليها القانون آثاراً قانونية مستمرة تتأثر إلى حد كبير بهذا التغيير، وخاصة منه التغيير القانوني الذي يؤدي بالضرورة إلى البحث عن القانون الواجب التطبيق على الوقائع والأحداث القانونية التي لا بد لها أن تدور في فلك هذا التغيير لتنسجم مع دوافع حركته وتكون بذلك خاضعة لتغيير في النظام القانوني بالقدر الذي يفرضه مقدار اختلاف القوانين الملغاة عن القوانين الصادرة الملغية لها. وبغض النظر عن هذا الخلاف فإن الأحداث والأوضاع القانونية تبقى خاضعة لتأثير الواقع القانوني فيها. فإذا ما أُلغي قانون قديم وحل محله قانون جديد يتعلق بالأوضاع والوقائع ذاتها التي حدثت في ظل القانون القديم الملغى؛ فإنه يصح التساؤل عن أي من القانونيين يكون واجب التطبيق على هذه الأوضاع والوقائع، أو بعبارة أخرى عن آثارهما؟ ومن المعروف أن القانون النافذ يبقى قائماً ونافذاً ما لم يجر إلغاؤه.

أولاً ـ إلغاء القانون:

1ـ المقصود بالإلغاء: إلغاء قانون أو نص قانوني يعني تجريده من قوته الإلزامية بالنسبة إلى حوادث المستقبل أو وقائعه، ودراسة الإلغاء تقتضي أن يعالج من حيث الجهة التي تملك حق إلغاء القانون ومن حيث صوره وأنواعه.

2ـ تحديد جهة الإلغاء: الجهة التي تختص بوضع التشريع هي الجهة ذاتها التي تختص بإلغائه، فالجهة التي تملك وضع التشريع وإضفاء الإلزام والنفاذ على نص قانوني هي الجهة التي تملك حق إلغائه، ولها الحق من باب أولى أن تضع التشريع الأدنى وأن تقوم كذلك بإلغائه، فالقاعدة هي أنه لا يجوز إلغاء القانون إلا من قبل الجهة التي تختص بوضعه أو من قبل جهة أعلى منها في المرتبة، وعلى ذلك فإن الجهة التي تملك حق وضع دستور البلاد يحق لها أن تضع قانوناً أو نصاً قانونياً وأن تلغي قانوناً أو نصاً قانونياً.

أما فيما يتعلق بإلغاء القاعدة العرفية ذات المنشأ العرفي فيمكن أن يتم بقاعدة عرفية أخرى تعالج الموضوع ذاته ولكنها أكثر منها استقراراً وقوة وجدة، ويمكن أن يتم إلغاء العرف بقانون أو بنص قانوني ولا يجوز العكس، ولا يمكن إلغاء القانون بالعرف لأن القانون هو الأصل وله الأولوية في التطبيق؛ والعرف مصدر احتياطي. ولا يقتصر الأمر على ذلك بل إن التشريع والقانون هو الذي يضفي على العرف قوة نفاذ احتياطية. بناءً على ذلك فإن إهمال تطبيق قانون أو نص قانوني أو التخلي عن الأخذ بمقتضاه بموجب عرف لاحق لا يؤدي إلى إلغاء القانون أو النص القانوني. على أنه من الجدير بالذكر أن إلغاء قانون أو نص قانوني أو غيره من القواعد القانونية لا يعني هدر مفاعيله ولا أحكامه ولا الأوضاع والعلاقات التي نشأت في ظله أو بموجبه تم الإلغاء؛ بل ينحصر مفعول الإلغاء في وقف تطبيق القانون الملغى أو القاعدة القانونية الملغاة على الآثار الناتجة من هذه الأوضاع والعلاقات والوقائع المستمرة والممتدة في ظل القانون الجديد الذي تترتب عليه هذه الآثار من وقت نفاذه وبأثر فوري. أما فيما يتعلق بالأوضاع والوقائع التي نشأت باطلة بسبب عدم مراعاة شروط إنشائها المقررة في القانون أو في القاعدة القانونية التي كانت نافذة في أثناء نشوئها؛ فإن مصيرها يكون البطلان بغض النظر عن الحكم الذي يقرره النص الجديد أو القاعدة القانونية الجديدة، ذلك لأن هذه الأوضاع والعلاقات القانونية نشأت باطلةً وهذا يعني أنها نشأت منعدمة؛ لأن البطلان يعني العدم ولا سلطان للقانون الجديد على هذه الأوضاع، ولا يمكن لهذا القانون أن يصححها بالنص على إبطال شروط نشوئها أو انعقادها؛ لأن القانون الجديد لا يمكن أن يعامل قانوناً نافذاً على الزمن الماضي الذي سبق وقت نفاذه، وبالتالي فهو لا يستطيع أن يجعل من العدم وجوداً. وفيما يتعلق بآثار هذه الأوضاع فإنها تعامل وفق مبدأ ما بني على باطل فهو باطل. ومثال على ذلك: لو أن زواجاً نشأ باطلاً لمخالفته شروط انعقاده المقررة في القانون الذي نشأ في ظله؛ فإن فراش الزواج لا يعتد به لتطبيق القاعدة الشرعية القائلة إن الولد للفراش. وعلى ذلك فإن أولاده الذين يولدون من هذا الزواج الباطل يعاملون معاملة الأولاد الطبيعيين ويطبق على كل منهم الأحكام التي تطبق على الولد الطبيعي.

3ـ طرق الإلغاء وأنواعه: تنص المادة الثانية من القانون المدني السوري على ما يلي:

«لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء، أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم، أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع».

فوفق نص هذه المادة فإن الإلغاء يتم كما يلي:

أ ـ الإلغاء الصريح: يحصل بأن يتضمن التشريع الجديد نصاً صريحاً يقضي بإلغاء التشريع القديم، أو إلغاء نص من نصوصه أو مادة من مواده. ويتحقق الإلغاء الصريح كذلك في حالة ما إذا كان التشريع مؤقتاً، فإن كان كذلك فإنه يكون من حيث وجوده مرتبطاً بالزمن أو بمدة نفاذه، فهو كذلك ينتهي أو يلغى بالمدة التي حددها له المشرع أو بزوال الحالة التي جاء القانون من أجلها أو التي ارتبط بها.

ب ـ الإلغاء الضمني: يتحقق هذا الإلغاء بأن يتعارض قانون قديم أو نص قديم مع قانون جديد أو مع نص جديد، والتعارض بين تشريعين يعني عدم إمكان الجمع بينهما أو جوازه. ويحصل التعارض كذلك في حال صدور نص جديد يحتوي على حكم جزئي يتعارض مع الحكم الجزئي للنص القديم المماثل والذي يعالج الموضوع ذاته الذي جاء النص الجديد بشأنه. والتعارض يحصل في حالة اختلاف الحكم العام في قاعدة قديمة عن الحكم العام في قاعدة جديدة للموضوع نفسه الذي جاءت القاعدتان من أجله.

أما إذا جاء نص جديد بحكم خاص يتعارض مع الحكم الخاص الوارد في النص القديم العام؛ فإن الجديد الخاص لا يلغي النص القديم العام وإنما يخصصه؛ لأن الخاص لا يلغي العام بل يكتفي بتخصيصه.

وإذا تعارض حكم عام في القانون الجديد مع حكم خاص في القانون القديم؛ فهذا التعارض لا يكون من قبيل التعارض الملغي، ومثل هذه الحالة لا يعد شكلاً أو نوعاً من أنواع الإلغاء بل يبقى حكم القاعدة القديمة سارياً على سبيل الاستثناء من حكم النص العام الجديد. مثال ذلك إذا صدر قانون جديد عام ينظم وظيفة ما تنظيماً عاماً وكان هناك قانون قديم يتضمن نصوصاً أو أحكاماً خاصة بشأن شريحة لها ظروف أو أحوال خاصة؛ فإن هذا القانون الجديد لا يلغي القانون القديم وإنما تطبق أحكامه على سبيل الاستثناء. ومن صور الإلغاء الضمني للقانون القديم صدور قانون جديد ينظم موضوع القانون القديم تنظيماً مختلفاً.

ثانيا ًـ تطبيق القوانين في الزمان:

المرادف القانوني لهذا العنوان في القانون المدني السوري هو تنازع القوانين من حيث الزمان، ويعبر عنه بعض الفقه بعبارة تطبيق القانون من حيث الزمان، وهو يطلق عليه عادة تنازع القوانين في الزمان.

والمقصود الحقيقي لهذا المصطلح هو أنه في كل مرة يتغير حكم مسألة في قواعد قانونية متعاقبة على الزمن يتعين تحديد الوقائع والتصرفات والأوضاع التي تخضع للقواعد المستجدة، وتلك التي تبقى محكومة بالقواعد الملغاة.

ففيما يتعلق بما اصطلح عليه تنازع القوانين من حيث الزمان فإنه أريد به وصف مفعول حركة القوانين في الزمان وتنازعها في حكم الأحوال والعلاقات؛ ووضع ضوابط تحديد القانون الواجب التطبيق على هذه الأحوال من بين هذه القوانين التي تتعاقب أحكامها في الزمان بعمليتي الصدور والإلغاء، ومما يساعد على وضع هذه الضوابط مسلمات قانونية أهمها في هذا الشأن هو أنه من الممكن القول: إن القاعدة القانونية تصبح نافذة بإصدارها ونشرها، وتجرد من قوة نفاذها عند إلغاء حكمها بإصدار قاعدة قانونية جديدة تلغيها وتحل محلها. غير أن تحديد القانون الواجب التطبيق في الزمان لا يتم بهذه الآلية التلقائية القائمة على أساس تحديد بدء نفاذ قانون ومنتهاه؛ ذلك لأن هناك وقائع وتصرفات لا تنقضي آثارها دفعة واحدة بإلغاء القانون الذي نشأت في ظله، بل قد تستغرق وقتاً من الزمن يمكن أن تدخل تلك الآثار التابعة للقانون القديم في منطقة سريان القانون الجديد الذي يختلف حكمه على هذه الآثار عن حكم القانون القديم عليها.

وعلى ذلك فإنه لا بد للفصل في تنازع القوانين في الزمان من تحديد المبادئ التي تحكم هذا التنازع وتساعد على تحديد القانون الواجب التطبيق.

ثالثاً ـ المبادئ التي تحكم التعامل مع القوانين المتعاقبة على الزمن:

المبدأ بالنسبة إلى أي وضع قانوني هو أن هذا الوضع يخضع لأحكام القانون الذي نشأ في ظله. فهذا القانون هو الذي يحكمه خلال مدة نفاذه وبعد تجريده من هذا النفاذ بإلغائه؛ لأن الناس ينشؤون أوضاعهم ومعاملاتهم وعقودهم على أساس الثقة بقوانينهم، فإذا اختل هذا الأساس اضطربت الحياة واستحالت. على أنه من الأوضاع ما يكثر استمرار آثاره في ظل قانون جديد يلغي القانون الذي نشأ هذا الوضع في ظله، ففي مثل هذه الحالة يقوم مبدأ أساسي ومهم جداً هو أن القانون الجديد يجب أن يطبق بأثر فوري من تاريخ نفاذه. فعلى أساس هذين المبدأين يمكن القول: إن الضابط في تحديد القانون الواجب التطبيق في الزمان يقوم على أساس احترام نسبة الأوضاع السابقة إلى القوانين القديمة التي نشأت في ظلها، أما آثار هذه الأوضاع الممتدة في ظل القانون الجديد فإن هذا القانون يجب أن يطبق عليها منذ نفاذه بأثر فوري. وهكذا فإن مبدأ تطبيق القانون الجديد بأثر فوري يتلازم مع مبدأ عدم رجعية القوانين ولا يناقض هذا المبدأ؛ لأن تطبيق القانون الجديد بأثره الفوري على آثار الأوضاع الممتدة على منطقته الزمنية لا يعني تطبيق هذا القانون بأثر رجعي عليها بل يعني تطبيقه عليها بأثره الفوري من تاريخ نفاذه.

وعلى هذا الأساس فإن القوانين الجديدة لا تكون معنية بأوضاع وعلاقات ووقائع نشأت قبل صدورها في ظل قوانين قديمة ونافذة، وكان يجب تطبيقها طبقاً لقوة أحكامها التي كانت نافذة آنذاك والتي إذا لم تطبق تفسد الحياة وتستحيل. والواقع أنه ليس هناك ما يهدد مبدأ الثقة والائتمان في التعامل أكثر من صدور قانون جديد يمس الأوضاع القانونية التي حصلت وحققت آثارها في الماضي. وعلى ذلك ينص الدستور السوري في المادة (30) منه على أنه «لا تسري أحكام القوانين إلا ما يقع من تاريخ العمل بها ولا يكون لها أثر رجعي ويجوز في غير الأمور الجزائية النص على خلاف ذلك».

رابعاً ـ جواز النص على ما يخالف مبدأ عدم رجعية القوانين في المسائل غير الجزائية

طبقاً للمادة (30) من الدستور السوري فإن مبدأ عدم رجعية القوانين يقيد القاضي ولا يقيد المشرع، فالقاضي هو المعني بتطبيق القانون كما هو. فإذا ما انطوى نص جديد على سريان أحكامه على الماضي؛ فإن الأمر بالنسبة إلى القاضي لا يتغير لأنه ملتزم بتطبيق القانون كما هو ووفقاً لما يقضي به، وهو أي القاضي إذا طبق القانون على الماضي طبقاً للنص المتضمن ذلك فإنه لا يكون قد صنع الرجعية وإنما يكون قد طبق الرجعية التي صنعها المشرع.

والمشرع في هذه الحالة يكون قد خضع في تقرير الرجعية في المسائل غير الجزائية لظروف تسمح له بذلك وتقتضيها المصلحة العامة. وفيما يتعلق بنطاق صلاحية المشرع في الخروج على مبدأ عدم الرجعية فإن المشرع مقيّد في هذا الخروج بألا يستعمله في الأمور الجزائية؛ لأن نص المادة (30) من الدستور يحدد جواز الخروج ويقيد نطاقه في المسائل غير الجزائية احتراماً للمادة (29) من الدستور التي تقضي بأن «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني».

خامسا ًـ النظرية التقليدية في حل التنازع

المبدأ الذي يعتمده أنصار هذه النظرية يقوم على التفريق بين الحق المكتسب الذي يجب أن يطبق بشأنه القانون القديم تطبيقاً لمبدأ عدم رجعية القوانين، وبين مجرد الأمل أو الحق المرتقب الذي يجب أن يطبق عليه القانون الجديد تطبيقاً لمبدأ الأثر الفوري والمباشر للقانون الجديد، ويوضح ذلك المثال الآتي: لو أن شخصاً أوصى بنصف تركته في ظل قانون يبيح الوصية بالنصف ثم صدر بعد ذلك قانون جديد يجعل الحد الأعلى للوصية الثلث.

فوفقاً لهذه النظرية يجب التفريق بين حالتين: الحالة الأولى تقوم على فرض أن القانون الجديد صدر بعد وفاة الموصي، في هذه الحالة يكون حق الموصى له حقاً مكتسباً ويستحق النصف وفق القانون القديم. والحالة الثانية وفيها يفترض أنصار هذه النظرية أن القانون الجديد الذي يجعل الحد الأعلى للوصية الثلث 1/3 قد صدر قبل وفاة الموصي، وفي هذه الحالة يكون حق الموصى له مجرد أمل فيطبق بشأنه القانون الجديد بعد وفاة الموصي؛ لأنه في هذه الحالة لا يتأكد حق الموصي له إلا بوفاة الموصى وقبل وفاته يحتمل أن يرجع عن وصيته، ولذلك يكون حق الموصى له مجرد أمل.

2ـ الاستثناءات على النظرية التقليدية: على أن أنصار النظرية التقليدية يمتنعون عن تطبيق هذا المعيار في تحديد القانون الواجب التطبيق من حيث الزمان في حالات يعدّونها استثناءات على هذا المبدأ وهذه الاستثناءات هي:

أ ـ يجب أن يسري القانون الجديد على الماضي إذا نص المشرع فيه على وجوب سريانه على الماضي؛ لأن مبدأ عدم الرجعية يقيد القاضي ولا يقيد المشرع.

ب ـ إذا كان القانون الجديد يتعلق بالنظام العام فيطبق في هذه الحالة بأثر رجعي على الماضي؛ أي إن أنصار هذه النظرية يجيزون تطبيق القانون الجديد المتعلق بالنظام العام على أوضاع وعلاقات سابقة نشأت في ظل القانون القديم.

ج ـ إذا كان التشريع أو القانون الجديد قانوناً تفسيرياً فإنه يكون مكملاً للقانون السابق الذي جاء القانون الجديد لتفسيره؛ فيجب في هذه الحالة أن يطبق بأثر رجعي على الماضي.

د ـ إذا كان التشريع الجديد تشريعاً جزائياً أصلح للمتهم، ففي هذه الحالة يرى أنصار النظرية التقليدية أنه يجب أن يطبق على المتهم الذي لم يصدر بحقه بعد حكم نهائي.

 أ ـ نقد النظرية التقليدية:

تُنتقد هذه النظرية بأن معيارها القائم على التفريق بين الحق المكتسب ومجرد الأمل الذي قد يتحقق أو لا يتحقق هو معيار غامض من جهة، وهو غير صحيح من جهة ثانية. والواقع أنه لم يكن من الممكن علمياً أن يستنتج من أحكام القضاء ضابطاً دقيقاً للتفرقة بين الحق المكتسب والحق القائم مجرد الأمل، فالقضاء عندما يحدد القانون الواجب التطبيق يحتاج إلى معايير أكثر دقة يستمدها غالباً من مقتضيات العدالة ليكون موفقاً في أحكامه، هذا من جهة. وكذلك فإن التمسك بهذا المعيار لا يغطي مفهوم الأهلية باعتبارها صفة أو صلاحية، فهي لذلك لا يمكن أن تكون خاضعة لمفهوم الحق المكتسب والحق القائم على مجرد الأمل؛ لأن هذا المعيار غير قابل للتطبيق بطبيعته على الأهلية.

سادساً ـ النظرية الحديثة:

تقوم هذه النظرية على التفريق بين الوضع القانوني وبين آثار هذا الوضع، ففيما يتعلق بالوضع القانوني ذاته فإنه طبقاً لهذه النظرية يجب أن يبقى محكوماً بالقانون الذي نشأ في ظله. فإذا نشأ صحيحاً طبقاً لهذا القانون بقي صحيحاً، وإذا نشأ باطلاً لمخالفته لهذا القانون يبقى باطلاً.

أما بالنسبة إلى آثار الوضع القانوني التي تستمر في المستقبل في ظل قوانين متعاقبة على الزمن؛ فإن هذه الآثار تكون محكومة بالقانون الجديد إذا كان متعلقاً بالنظام العام الذي يحمي مصالح عامة وفقاً لمبدأ الأثر الفوري للقانون الجديد. أما إذا كان القانون الجديد تكميلياً أي لا يتعلق بالنظام العام ولا يحمي مصالح عامة و يجيز للأشخاص الاتفاق على خلافه؛ فإنه لا يطبق على هذه الآثار إذا كانت اتفاقية، وإذا لم تكن كذلك فهي في الحالتين تبقى محكومة بالقانون القديم وفق مبدأ عدم رجعية القوانين؛ لأن الاتفاق يقوم على النص القانوني الذي يسمح بالاتفاق على مخالفته. فمثلاً: لو أن زواجاً وقع في ظل قانون يبيح الطلاق حصل دون تدخل المحكمة طبقاً للقانون النافذ في أثناء حصوله، وبعد انقضاء مدة على حصول هذا الزواج صدر قانون جديد يحرم الطلاق ويشترط لانعقاد الزواج أن يبرم أمام المحكمة ذات الاختصاص، فما هو تأثير صدور القانون الجديد على عقود الزواج الصحيحة التي أُبرمت قبل نفاذه والتي كان القانون التي أبرمت في ظله يبيح الطلاق؟ الجواب هو أنه لا دخل للقانون الجديد على الإطلاق فيما يتعلق بصحة عقود الزواج التي تخالفه والتي أبرمت صحيحة قبل نفاذه، وهذا هو التطبيق لمبدأ عدم رجعية القوانين الجديدة على الأوضاع التي نشأت صحيحة قبل نفاذها. أما فيما يتعلق بالنص الجديد على تحريم الطلاق فهو نص يتعلق بالنظام العام والمصالح العامة الأساسية فيجب أن يطبق على آثار الأوضاع السابقة الممتدة في ظله، وبالتالي فإنه بعد صدور القانون الجديد لا يحق للزوج أن يطلق زوجته على الرغم من أن القانون الذي نشأ الزواج في ظله كان يبيح الطلاق؛ لأن الطلاق من آثار الزواج التي تخضع للقانون الجديد المتعلق بالنظام العام والذي يحكمها بأثره الفوري من فور نفاذه. ومثال آخر على صدور قانون جديد ينطوي على نص تكميلي غير متعلق بالنظام العام: لو أن عقد إيجار أبرم صحيحاً على أجرة تجاوز 1% من القيمة التقديرية للعقار المأجور بما يقل عن الضعف وفقاً لما يسمح به القانون النافذ في أثناء إبرامه، وبعد ذلك صدر قانون جديد يسمح للأشخاص أن يتفقوا في عقود الإيجار التي يبرمونها على أجرة تجاوز 3% من القيمة التقديرية للعقار المأجور ويشترط لانعقاد عقد الإيجار أن يكون مكتوباً. في هذه الحالة لا تأثير للقانون الجديد في صحة عقد الإيجار الذي أبرم صحيحاً طبقاً للقانون الذي كان نافذاً في أثناء إبرامه احتراماً للأوضاع السابقة التي تبقى محكومة بالقانون الذي نشأت في ظله. وكذلك لا تأثير لهذا القانون الجديد في الأجرة المقررة والمتفق عليها في ظل القانون السابق؛ لأن هذه الأجرة كانت اتفاقية في ظل نص تكميلي؛ ولأن النص الجديد هو نص تكميلي يعطي الحرية للأشخاص أن يقرروا الأجرة في ظله طبقاً لاتفاقاتهم، فهو لذلك لا يتعلق بالنظام العام ولا في وسائل حماية المصالح العامة في موضوع تنظيم أجور العقارات فيجب أن يطبق وفق مبدأ عدم رجعية القوانين. وفيما يتعلق بما جاء فيه من شروط جديدة لانعقاد عقد الإيجار فيجب أن يطبق بأثر فوري على العقود التي تنشأ بعد نفاذه.

سابعاً ـ تطبيق مبادئ النظرية الحديثة في حلول القانون السوري:

وضع المشرع السوري الحلول المتعلقة بتحديد القانون الواجب التطبيق في الزمان في مختلف فروع القانون وفي مختلف المسائل كما يلي:

1ـ في قانون العقوبات: يميز في هذا الخصوص بين حالتين:

أ ـ إذا قضى التشريع الجديد بإحداث عقوبة على فعل لا يكون معاقباً عليه في تشريع سابق، أو بتشديد عقوبة مقررة؛ فإن هذا التشريع لا يطبق على الأفعال السابقة على صدوره تطبيقاً لمبدأ «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني».

ب ـ إذا قضى التشريع الجديد بإلغاء عقوبة كانت مقررة في تشريع سابق أو تخفيفها؛ فإن القانون الجديد يطبق لأنه هو الأصلح للمتهم. وقد قضت المادة الثالثة من قانون العقوبات «بأن كل قانون جديد يلغي عقوبة أو يقضي بعقوبة أخف يطبق على الجرائم المقترفة قبل نفاذه ما لم يكن قد صدر بشأنها حكم مبرم».

في قانون أصول المحاكمات: تنص المادة الأولى من قانون أصول المحاكمات على ما يلي:

« تسري قوانين الأصول على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل بها.

يستثنى من ذلك:

 أ ـ القوانين المعدلة للاختصاص؛ متى كان تاريخ العمل بها بعد ختام المرافعة بالدعوى.

 ب ـ القوانين المعدلة للمواعيد؛ متى كان الميعاد قد بدأ قبل تاريخ العمل بها.

 ج ـ القوانين المنظمة لطرق الطعن بالنسبة لما صدر من الأحكام قبل تاريخ العمل بها متى كانت ملغيه أو منشئة لطريق من الطرق».

3ـ في القانون المدني: تركزت هذه الحلول فيما يتعلق بالأهلية والتقادم والأدلة التي تعد مسبقاً وفقاً لما يلي:

أ ـ ففيما يتعلق بالأهلية: تنص المادة السابعة من القانون المدني السوري على أن «النصوص المتعلقة بالأهلية تسري على جميع الأشخاص الذين تنطبق عليه الشروط المقررة في هذه النصوص. وإذا عاد شخص توافرت فيه الأهلية بحسب نصوص قديمة، ناقص الأهلية بحسب نصوص جديدة؛ فإن ذلك لا يؤثر في تصرفاته السابقة».

يلاحظ من هذا النص أن القانون الجديد المتعلق بالأهلية يطبق بأثر فوري على جميع التصرفات التي تحصل بعد نفاذه، ولا يعنى بالتصرفات التي حصلت طبقاً لشروط الأهلية التي نص عليها القانون القديم.

ب ـ وبالنسبة إلى التقادم: في موضوع تحديد القانون الواجب التطبيق في الزمان، يجب التفريق بين حالتين:

الحالة الأولى: أن يقرر النص الجديد مدة للتقادم أطول من المدة المقررة في النص القديم، ففي هذه الحالة تطبق المادة الثامنة من القانون المدني السوري التي تنص على أن «تسري النصوص الجديدة المتعلقة بالتقادم من وقت العمل بها على كل تقادم لم يكتمل. على أن النصوص القديمة هي التي تسري على المسائل الخاصة ببدء التقادم ووقفه وانقطاعه وذلك عن المدة السابقة على العمل بالنصوص الجديدة».

يلاحظ من هذا النص كما في بقية النصوص أن المشرع السوري أخذ بمبادئ النظرية الحديثة في موضوع تنازع القوانين في الزمان.

الحالة الثانية: أن يقرر النص الجديد مدة للتقادم أقصر من المدة التي يقررها النص القديم، ففي هذه الحالة نصت المادة التاسعة من القانون المدني السوري على ما يلي: «إذا قرر النص الجديد مدة للتقادم أقصر من المدة التي قررها النص القديم سرت المدة الجديدة من وقت العمل بالنص الجديد، ولو كانت المدة القديمة قد بدأت قبل ذلك. أما إذا كان الباقي من المدة التي نص عليها القانون القديم أقصر من المدة التي قررها النص الجديد، فإن التقادم يتم بانقضاء هذا الباقي».

ج ـ الأدلة التي تعد مسبقاً: في هذا الموضوع، قضت المادة العاشرة من القانون المدني السوري بأن «تسري في شأن الأدلة التي تعد مقدماً النصوص المعمول بها في الوقت الذي أعد فيه الدليل، أو في الوقت الذي كان ينبغي فيه إعداده».

يلاحظ من مجمل هذه النصوص أن المشرع السوري يأخذ بمبدأ النظرية الحديثة في موضوع تنازع القوانين من حيث الزمان، ويقرر في هذا الشأن الأخذ بالأصل القائم على احترام قوة نفاذ القانون النافذ فيطبقه على ما يحصل في ظله، ويطبق القانون الجديد، المتعلق بالنظام العام على آثار الأوضاع السابقة الممتدة في ظل نفاذه على أساس قوة نفاذ القانون الجديد ويطبقه بأثر فوري وفق مبدأ عدم رجعية القوانين.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ خالد الريس ورزق مقبول الريس، المدخل لدراسة العلوم القانونية، ط3 (مكتب الشقري، السعودية).

ـ توفيق حسن فرج، المدخل للعلوم القانونية، القسم الأول، النظرية العامة للقانون (الدار الجامعية، بيروت 1993).

 ـ مصطفى محمد جمال وعبد الحميد محمد الجمال، النظرية العامة للقانون (الدار الجامعية، بيروت 1987).

ـ هشام القاسم، المدخل إلى علم القانون (مطبعة الإسكان العسكرية، الطبعة الثانية، دمشق 1986ـ1987).


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد السادس: علم الفقه ــ المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان
رقم الصفحة ضمن المجلد : 469
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 499
الكل : 30958260
اليوم : 14061