logo

logo

logo

logo

logo

عقد العارية

عقد عاريه

nude contract - nudum pactum

 عقد العارية

عقد العارية

ماجد الحجار

مفهوم عقد العارية

أركان عقد العارية

آثار عقد العارية

إنهاء العارية

 

أولاً ـ مفهوم عقد العارية:

يعد عقد العارية من العقود المسماة. وأطلق القانون المدني مصطلح العقود المسماة على عدد من العقود التي تعارف الناس على إبرامها بكثرة؛ لقضاء حاجاتهم. وعلى هذا الأساس يمكن استخلاص القاعدة العامة للعقود المسماة، فهي العقود التي أفرد لها القانون المدني أحكاماً خاصة لشيوعها بين الناس وأطلق عليها اسماً معيناً.

وقد وضع الشراح عقد العارية ضمن العقود المسماة، إذ راعى المشرع السوري والمصري ترتيباً منطقياً في عرض العقود التي تناولها القانون المدني، وذلك تبعاً لموضوعها، وصنف التشريع عقد العارية ضمن العقود الواردة على الانتفاع بالشيء (أي استعماله واستغلاله).

وكذلك تناولت الشريعة الإسلامية عقد العارية وحضّت على العارية بين الناس واستحسن الشارع الإسلامي هذا العقد، فقد جاء في محكم التنزيل قوله تعالى: }الَّذينَ هُمْ يراءونَ ٭ ويمنعونَ الماعونَ{ (الماعون 6ـ7) وتفسير ذلك أنهم يمنعون عن الناس كل وسائل العون والمساعدة والانتفاع، كالماء والملح والإناء والفاس والقدر ونحو ذلك.

كما جاء في بعض التفاسير: يمنعون الماعون: أي يمنعون العارية المعتادة بين الناس بخلاً.

1ـ تعريف عقد العارية:

عّرف المشرع السوري عقد العارية في المادة (602) منه بأنه: "عقد يلتزم به المعير أن يسلّم المستعير شيئاً غير قابل للاستهلاك ليستعمله بلا عوض لمدة معينة أو في غرض معين على أن يرده بعد الاستعمال". ويقابل هذا النص في القانون المدني المصري نص المادة (635).

ويستفاد من النص السابق أن محل عقد العارية شيء غير قابل للاستهلاك يسلمه المعير إلى المستعير ليستعمله من دون عوض، على أن يرده عيناً عند نهاية العارية.

2ـ خصائص عقد العارية:

استخلص الفقهاء خصائص عقد العارية من النص القانوني الذي عرّف عقد العارية وهذه الخصائص هي:

أ ـ العارية عقد رضائي:

فهو عقد يتم بمجرد توافق الإيجاب والقبول من دون حاجة إلى شكل خاص مع أن عقد العارية من عقود التبرع دوماً.

والعارية ليست عقداً عينياً لأنه لا يشترط لانعقادها تسليم الشيء المعار إلى المستعير، والتسليم ليس ركناً في العارية، بل هو التزام في ذمة المعير ينشأ بعد أن تعقد العارية.

وقد كان عقد العارية في ظل التشريع المصري السابق عقداً عينياً لا يتم إلا بالتسليم، وكان التقنين المدني المصري السابق يسير في ذلك على غرار التقنين المدني الفرنسي، وقد ورث عينية عقد العارية عن القانون الروماني القديم، إذ لم يسلم الأخير بأن التراضي وحده كافٍ لانعقاد العقد، أما في ظل القانون المدني اليوم فقد أصبحت القاعدة: أن التراضي كافٍ لانعقاد عقد العارية، فلم يعد هناك ضرورة لإحلال التسليم محل الشكل.

ب ـ العارية عقد ملزم للجانبين:

يعرف بعض الشراح العقد الملزم للجانبين بأنه: هو العقد الذي ينشئ التزامات في ذمة كل من طرفيه العاقدين بحيث يصبح كل واحد منهما دائناً من ناحية ومديناً من ناحية أخرى، وأن ما يميز العقد الملزم للجانبين هو التقابل، أي إن كل طرف فيه يكون في الوقت ذاته دائناً ومديناً للآخر.

فالمعير في عقد العارية يلتزم بتسليم الشيء المعار للمستعير، ويلتزم المستعير باستعمال الشيء في الغرض المعد له وبالمحافظة عليه وبرده عند انتهاء العارية، والعارية عقد ملزم للجانبين لكونها عقداً رضائياً، وآية ذلك ما نص عليه المشرع السوري حينما عرّف عقد العارية في المادة (602) منه.

يذهب بعض الفقهاء في مصر إلى القول: إن عقد العارية هو من العقود الملزمة للجانبين حتى عندما كان عقداً عينياً في التقنين المدني السابق، ذلك أن العارية لما كانت عقداً عينياً كانت تنشئ التزاماً في ذمة المعير لا بالتسليم، فإن هذا كان ركناً لا التزاماً، بل بالامتناع عن استرداد الشيء المعير، أن يسلم المعار قبل نهاية العارية، ويؤكد ذلك ما ورد في المادة (636 مدني) مصري أن يلتزم المعير بتسليم الشيء المعار. وأن يتركه للمستعير طوال مدة العارية. ويتبين من ذلك أن العارية عندما كانت عقداً عينياً كانت تنشئ التزاماً على المعير بترك الشيء المعار للمستعير إلى نهاية العارية، يقابله من جانب المستعير التزامه بالمحافظة على الشيء المستعار.

وفي ضوء هذه السمة لعقد العارية، يذهب الفقهاء بالإجمال إلى القول: إن قاعدة الفسخ تسري على عقد العارية لأنها تسري على العقود الملزمة للجانبين، ومن هذه العقود عقد العارية. وهذا التحليل ضروري حتى عندما أصبحت العارية عقداً رضائياً.

ج ـ العارية من عقود التبرع:

ويتضح من نص المادة (602) مدني سوري والمادة (635) مدني مصري أن العارية عقد من عقود التبرع، لأن المستعير يستعمل الشيء المعار بلا عوض، ولو كان هناك عوض للعارية لانقلبت إيجاراً، إذ عنصر العوض هو الفرق بين الإيجار والعارية، والعارية تبرع من المعير؛ لأنه لا يأخذ شيئاً من المستعير في مقابل استعمال هذا الشيء المعار، وتبرع للمستعير لأنه لا يعطي شيئاً للمعير في مقابل الاستعمال. ويميز الفقه عادة في عقود التبرع بين عقود التفضل والهبات. فعقود التفضل يولي المتبرع فيها المتبرع له فائدة من دون أن يخرج من ملكية ماله، أما الهبات فيخرج فيها المتبرع من ملكية المال المتبرع به، ومن ثم تكون العارية عقد تفضل؛ لأن المعير يتبرع بمنفعة العين من دون أن يخرج عن ملكيتها.

3ـ تميز عقد العارية من بعض العقود المشابهة له:

سبق القول إن عقد العارية من عقود التبرع وبهذه الخصيصة يختلف عن عقد المعاوضة، فهذا العقد الأخير عرفه المشرع الفرنسي بأنه عقد يلزم كل طرف بإعطاء شيء أو بفعله. ويذهب الفقه إلى تعريف عقد المعاوضة بأنه: العقد الذي يأخذ فيه كل من المتعاقدين مقابلاً لما أعطاه، أما في عقد التبرع (والعارية عقد تبرع) فلا يأخذ المتعاقد مقابلاً لما أعطاه، مثال ذلك عقد عارية الاستعمال، فهو عقد تبرع من المعير لأنه لا يأخذ شيئاً من المستعير في مقابل الانتفاع بالشيء المعار الذي تبرع به له. والعارية عقد تبرع للمستعير أيضاً لأنه لا يعطي شيئاً للمعير في مقابل الانتفاع بالشيء المستعار.

وجوهر التمييز هنا بين عقد العارية وعقد المعاوضة حق لأن عنصر العطاء، بمعناه القانوني، قائم في الثاني ومنتفٍ  في الأول. وفي هذا الجانب يختلف عقد العارية عن عقد التبرع وهناك اختلاف بين عقد العارية وبين العقود الأخرى.

يختلف عقد العارية عن عقد الإيجار في أن العارية تمكين المستعير من استعمال الشيء المعار بلا عوض، أما إذا كان هناك عوض للعارية ينقلب العقد من عقد عارية إلى عقد إيجار بمعنى أنه في الإيجار تعطى المنفعة مقابل عوض، أما في العارية فتعطى المنفعة تبرعاً.

والعارية نسبتها إلى الإيجار كنسبة الهبة إلى البيع، فالبيع إعطاء الملك معاوضة، أما الهبة فإعطاء الملك تبرعاً. وكذلك تختلف العارية عن القرض، فالعارية بصورتها المجردة ينهض فيها عنصر الاستعمال، وهذا العنصر هو أساس في عقد العارية، أما في القرض فإن عنصر الاستهلاك فيه هو الأعم الأغلب. وكذلك يختلف القرض عن العارية لأن القرض إنما هو من عقود التصرف أما العارية فهي من عقود الإدارة، وهناك أيضاً وجه اختلاف بين القرض والعارية، يتعلق بالرد، فهذه الناحية جوهرية في كلا العقدين، ففي عقد العارية يرد المستعير عين الشيء إلى المعير. أما في القرض فإن المقترض يرد مثل المال للمقرض. ويختلف عقد العارية عن الوديعة، ففي عقد العارية يستعمل المستعير الشيء المستعار لمصلحته، أما في عقد الوديعة فإن المودع عنده يحفظ الشيء لمصلحة المودع ولا يستعمله لمصلحته.

ثانياًـ أركان عقد العارية:

العارية عقد كسائر العقود، أركانه ثلاثة، وهي التراضي والمحل والسبب إضافة إلى ركن جوهري هو الأهلية، وهذه المقومات هي شروط انعقاد العارية.

1ـ الأهلية في عقد العارية:

العارية ـ وإن كانت من عقود التبرع ـ فهي عقد تفضل لا هبة، وليست من عقود التصرف، بل من عقود الإدارة.

ويتأسس على ذلك أن الأهلية الواجب توافرها في المعير يكفي أن تكون أهلية الإدارة، فتجوز الإعارة من القاصر الذي له حق إدارة ماله، كما تجوز من الولي والوصي والقيم نيابة عن القاصر والمحجوز عليه، أما القاصر الذي ليس له حق إدارة ماله فلا تجوز منه الإعارة ولو كان صبياً مميزاً أو محجوراً عليه للغفلة أو السفه.

ولما كانت العارية عقداً نافعاً نفعاً محضاً للمستعير فيكفي فيه أهلية التعاقد دون أهلية الإدارة، ومن ثم يجوز للصبي المميز أو المحجور عليه لسفه أو غفلة أن يستعير حتى لو لم يكن مأذوناً له بالإدارة، لأن القانون قد أجاز للصبي المميز أن تصدر عنه تصرفات مالية نافعة له نفعاً محضاً.

2ـ الرضا في عقد العارية:

الرضا بصورة عامة أمر ضروري من أجل تحديد مضمون العقد لأن العقد يهدف إلى إنشاء مجموعة من الالتزامات تختلف في مداها من عقد لآخر. ونظراً لأن العقد يقوم على الرضا فيجب أن ينصب هذا الشرط على كل التزام من الالتزامات المتولدة عن العقد بمعنى أنه يشترط في الإرادة أن تكون على بينة من أمرها، ومناقشة الإرادتين من قبل المتعاقدين تنير الطريق. ولما كان عقد العارية من العقود المسماة الواقعة على الاتتقاع بالشيء فإنه تنطبق عليه الأحكام الخاصة بالرضا انطباقاً كاملاً.

ويعد الاجتهاد القضائي عقد العارية من العقود الرضائية، كأصل عام، كما لم يشترط الاجتهاد القضائي أن يكون لعقد العارية شكل خاص وفي هذا تقول محكمة النقض:

إن العارية عقد يلزم به المعير أن يسلم المستعير شيئاً غير قابل للاستهلاك بلا عوض لمدة معينة أو في غرض معين على أن يرده بعد الاستعمال.

والعارية عقد رضائي يكفي لانعقاده توافر الإيجاب والقبول الصادرين عن المعير والمستعير، من دون حاجة إلى شكل خاص.

3ـ المحل في عقد العارية:

المحل في عقد العارية هو الشيء المعار؛ والمدة في عقد العارية ليست على درجة من الأهمية بخلاف ما عليه عقد الإيجار، إذ المدة أمر ضروري في ذلك العقد.

ويجب أن تتوافر في الشيء المعار الشروط العامة الواجب توافرها في المحل، فيجب أن يكون الشيء موجوداً ومعيناً أو قابلاً للتعين، وأن يكون الشيء المعار غير مخالف للنظام العام ولا للآداب، وإذا كان الشيء المعار قد هلك قبل التعاقد انعدم المحل ولا تنعقد العارية، ويشترط أن يكون الشيء المعار معيناً تعيناً دقيقاً نافياً للجهالة، وإذا كان الشيء المعار من غير الجائز التعامل به كان عقد العارية مخالفاً للنظام العام ولم تجز إعارته. ويبني على ذلك أنه من غير الجائز إعارة الأسلحة غير المرخصة ولا الكتب الممنوعة والأشياء المهربة، وإلى جانب هذه الشروط العامة يجب أن يكون الشيء المعار غير قابل للاستهلاك، وذلك لأن المستعير يأخذ الشيء المعار ويستعمله ليرده بعينه، وعليه فإن الأشياء التي تستهلك بالعارية لا تدخل في دائرة عقد الإعارة.

ويجوز أن يكون المنقول محلاً للعارية وكذلك العقار فتجوز إعارة المنقول، وهذا هو الغالب، فكثيراً ما تعار الأدوات الزراعية والآلات الميكانيكية والآلات الموسيقية وماكينات الخياطة وأجهزة المذياع وأجهزة التبريد والتدفئة والملابس الجاهزة والمفروشات وأدوات المائدة والأدوات المنزلية والسيارات والمواشي والخيل والساعات والمصاغ والمجوهرات والكتب والصحف والمجلات.

ولا يوجد مانع قانوني من إعارة العقار، فتجوز إعارة قاعة لإلقاء محاضرة فيها أو لعقد اجتماع، كما تجوز إعارة مخزن لاستعماله في تخزين البضاعة أو إيداع السيارات وتجوز إعارة دار للسكن بلا مقابل.

4ـ السبب في عقد العارية:

والسبب في عقد العارية طبقاً للنظرية الحديثة هو الباعث على التعاقد، فإذا كان الباعث في عقد العارية غير مشروع كانت العارية باطلة، كأن يعير شخص شخصاً آخر سلاحاً ليرتكب به جريمة قتل أو أدوات ليسطو بها على منزل فيسرقه أو مفروشات ليؤثث بها نادياً للقمار، ففي جميع هذه الحالات السابقة يكون الباعث على عقد العارية غير مشروع، ومن ثم يجعل عقد العارية مشوباً بالبطلان لعدم مشروعية الباعث.

ثالثاًـ آثار عقد العارية:

آثار العقد بوجه عام هي النتائج الناجمة عنه إزاء المتعاقدين وآثار العقد هي الصورة الحقيقية لقوته الإلزامية. ولما كانت العارية عقداً ملزماً للجانبين فإنها تنشئ التزامات من جانب المعير وأخرى من جانب المستعير. التساؤل الذي يثار هنا ما هذه الالتزامات؟

1ـ التزامات المعير:

نص المشرع السوري على هذه الالتزامات في المادتين (603ـ 604) مدني سوري والمشرع المصري بحث في هذه الالتزامات في صدد عرضه للمادتين (635ـ 636) مدني مصري.

وفي هذا الواجب تنص المادة (603) على أنه: "يلتزم المعير أن يسلم المستعير الشيء المعار بالحالة التي يكون عليها وقت انعقاد العارية وأن يتركه للمستعير طوال مدة العارية". كما قضت المادة (604) بأنه: "1ـلاضمان على المعير في استحقاق الشيء المعار إلا أن يكون هناك اتفاق على الضمان أو أن يكون المعير قد تعمد إخفاء سبب الاستحقاق. 2ـ ولا ضمان عليه كذلك في العيوب الخفية غير أنه إذا تعمد إخفاء العيب أو إذا ضمن سلامة الشيء منه لزمه تعويض المستعير عن كل ضرر يسببه ذلك".

وفي ضوء هذه النصوص فإن التزامات المعير ثلاثة، وهي:

أ ـ التسليمُ التزامٌ في ذمة المعير:

سبق القول إن عقد العارية عقد رضائي لا عيني، فالتسليم هو التزام في ذمة المعير وليس ركناً لانعقاد العقد. وتسري على هذا الالتزام القواعد العامة التي تحكم التسليم، أي قواعد التسليم بوجه عام. فمحل التسليم هو الشيء المعار على النحو المبين في العقد، والتسليم يجب أن يكون بالحالة التي هو عليها وقت انعقاد العارية، ويتم التسليم بوضع الشيء المعار تحت تصرف المستعير في الزمان والمكان المعينين. وإذا أخل المعير بهذا الالتزام جاز للمستعير أن يطلب التنفيذ عيناً لأن عقد العارية ملزم للمعير، وإن كان عقدَ تبرع من حيث الجوهر.

ولما كانت العارية لا تنقل ملكية الشيء المعار إلى المستعير بل تبقى ملكية الشيء المعار للمعير، ويسترده عيناً عند انتهاء العارية، فإذا هلك الشيء قبل التسليم أو بعده بسبب أجنبي كان هلاكه على المالك، أي على المعير، أما إذا كان الشيء المعار قد هلك بخطأ من المستعير كان هذا الأخير مسؤولاً عن الهلاك.

ب ـ التزام المعير بترك الشيء للمستعير طوال مدة العارية:

أوجب المشرع على المعير أن يترك الشيء المعار للمستعير طوال مدة العارية، ولا يجوز له أن يطالبه برد هذا الشيء قبل انقضاء مدة العارية إلا إذا توافرت حاله من الحالات التي يجيز فيها القانون طلب الرد. ويذهب الفقه إلى أن هذا الالتزام هو التزام سلبي كونه يقوم على ترك الشيء للمستعير طوال مدة العارية ويقضي هذا الالتزام بألا يسترد المعير الشيء قبل الميعاد المتفق عليه وألا يتعرض للمستعير في استعماله لذلك الشيء بحيث إذا تعرض للمستعير أو طالبه بالرد قبل الميعاد رفضت دعواه وجاز إلزامه بالتعويض.

جـ ـ المصروفات:

لم ينص القانون المدني السوري على هذا الالتزام في حين نص عليه المشرع المصري في (المادة 637) مدني مصري، كما نص عليه التقنين المدني الليبي (المادة 636) وكذلك نص عليه المشرع العراقي (المادة 849) أما المشرع اللبناني فقد بحث هذا الالتزام في (المواد 749ـ751) في تفنين الموجبات والعقود اللبناني.

وبعبارة موجزة يمكن إيضاح هذه المصروفات بأنه إذا اضطر المستعير إلى الإنفاق للمحافظة على الشيء في أثناء العارية التزم المعير أن يرد إليه ما أنفقه من مصروفات.

د ـ ضمان الاستحقاق والعيوب الخفية:

هذا الالتزام تناوله المشرع السوري في (المادة 604) من القانون المدني السوري، والأصل هو عدم ضمان المعير للاستحقاق والعيوب الخفية. والعارية كالهبة، كلاهما عقد تبرع، فإن الواهب لا يضمن الاستحقاق ولا العيوب الخفية إلا إذا وجد اتفاق على الضمان أو تعمد الواهب إخفاء العيب أو كانت الهبة بعوض.

إلا أن هناك حالتين استثنائيتين يضمن فيهما الاستحقاق والعيوب الخفية، وهما:

الحالة الأولى: إذا كان المعير قد تعمد إخفاء سبب الاستحقاق أو تعمد إخفاء العيب، ويشترط هنا أن يكون الإخفاء متعمداً، ومن جهة ثانية أن يكون المستعير غير عالم بسبب الاستحقاق أو بالعيب الخفي، أما إذا كان عالماً بذلك قبل العارية فإنه يعدّ متنازلاً عن حقه ولو بصورة ضمنية.

وعبء الإثبات يقع على المستعير، فعليه أن يثبت أن المعير قد تعمد إخفاء سبب الاستحقاق أو تعمد إخفاء العيب ومتى أثبت ذلك رجع على المعير بالتعويض.

الحالة الثانية: إذا كان المعير قد اتفق مع المستعير على أن يضمن له استحقاق الشيء أو يضمن سلامته من العيوب، ففي هذه الحالة يكون المعير ضامناً ويحدد شروط ضمانه ومدى هذا الضمان ومدى التعويض ويجب عدم التوسع في تفسير هذا الاتفاق، والشك يفسر لمصلحة المعير لا لأنه هو المدين بالضمان فحسب بل لأن الأصل في العارية عدم الضمان.

وذهبت محكمة النقض السورية إلى القول إن عقد العارية هو من عقود التفضل؛ لأن المعير يتبرع بمنفعة العين من دون أن يخرج عن ملكيتها، ويجوز اشتراط العناية الكافية للمحافظة على الشيء المعار، والمستعير هو المكلف قانوناً بالنفقة اللازمة لصيانة الشيء المستعار. (نقض مدني سوري رقم 1538ـ أساس 1961ـ تاريخ 21/6/1982).

2ـ التزامات المستعير:

التزامات المستعير ثلاثة، وهي:

أ ـ استعمال الشيء المعار على الوجه الواجب:

نصت المادة (605) من القانون المدني السوري على أنه " ليس للمستعير أن يستعمل الشيء المعار إلا على الوجه المعين وبالقدر المحدد، وذلك طبقاً لما يبينه العقد أو تقبله طبيعة الشيء أو يعينه العرف. ولا يجوز له دون إذن المعير أن يتنازل عن الاستعمال للغير ولو على سبيل التبرع. ولا يكون مسؤولاً عما يلحق الشيء من تغير أو تلف يسببه الاستعمال الذي تبيحه العارية".

ب ـ عدم جواز النزول عن الاستعمال للغير:

يذهب بعض الفقهاء إلى القول: إن على المستعير أن يلتزم استعمال الشيء المعار وفقاً للعقد فليس له أن يستعمل الشيء استعمالاً مخالفاً للاتفاق الذي حصل بينه وبين المعير، وإن فعل ذلك فانه يكون ملزماً بالتعويض إذا كان له مقتضى. والاتفاق إما أن يكون صريحاً وإما ضمنياً تدل عليه ظروف الحال. ولا يجوز للمستعير أن يخالف الاتفاق ويستعمل الشيء المعار استعمالاً آخر اعتقاداً منه أن المعير يجيز مثل هذا الاستعمال لو استطلع رأيه فيه؛ لأنه لا يصح أن يترك للمستعير الحق في تفسير قصد المعير، وكل مخالفة للاتفاق تعدّ إفراطاً في الاستعمال.

ولو حددت العارية بوقت معين، فلا يجوز للمستعير أن يستعمل الشيء بعد ذلك الوقت؛ أما إذا لم يعين العقد استعمالاً أو وقتاً فلا يجوز للمستعير أن يستعمل الشيء إلا فيما تقبله طبيعته أو يعينه العرف.

ولا يجوز للمستعير أن يؤجر الشيء المعار إلى الغير وكذلك لا يجوز له أن يتنازل عن إعارته مرة ثانية إلى الغير. ومتى كان الاستعمال ضمن الاتفاق وضمن ما تبيحه العارية فإنه لا يسأل عما يصيب الشيء بسبب ذلك الاستعمال المباح من تلف أو تغير أو نقصان؛ لأن الاستعمال يكون ملازماً لطبيعة العارية ويجب على المعير أن يتوقعه.

ويذهب فريق آخر من الفقهاء إلى القول: إن حق المستعير على الشيء المعار مقيد أولاً بشخصه، إذ ليس له إلا أن يستعمله من دون أن يستغله، ويحدد الاستعمال باتفاق العاقدين أو بما تمليه طبيعة الشيء المعار أو بما يعينه العرف، فإذا كان الشيء المعار لاستعمال معين اقتصر حق المستعير على هذا الاستعمال، فإذا جاوزه إلى غيره عُد متجاوزاً لحقه بل مخلاً بواجب التقيد بذلك الاستعمال، وكذلك الحال لو حددت العارية بوقت معين فلا يجوز للمستعير أن يستعمل الشيء بعد ذلك الوقت.

أما إذا لم يُعيَّن في العقد استعمال ما أو وقت ما فلا يجوز للمستعير أن يستعمل الشيء إلا فيما تقبله طبيعة الشيء أو يحدده العرف، وإذا استعمل المستعير الشيء المعار في غير ما أعد له أو استعمله بعد الزمن المتفق عليه كان ملزماً بالتعويض.

وخلاصة القول: لا يجوز للمستعير أن يؤجر الشيء المعار أو يرهنه أو ينزل عن استعماله للغير بأي حال من الأحوال من دون إذن المعير، فإذا فعل جاز للمعير أن يفسخ العارية ويرجع عليه بالتعويض.

أما إذا حصل المستعير على إذن المعير فأعار الشيء المعار أو أجره أو رهنه فإن العلاقة فيما بين المعير والمستعير من الباطن أو المستأجر أو المرتهن لا تكون علاقة مباشرة بل يتوسط بينهما المستعير (الأصلي) كما تقضي القواعد العامة.

ج ـ المحافظة على الشيء المعار:

بحث المشرع السوري في هذا الالتزام المهم في المادة (607/1) مدني السوري (641) مدني مصري وقضى المشرع بأنه: "على المستعير أن يبذل في المحافظة على الشيء العناية التي يبذلها في المحافظة على ماله دون أن ينزل في ذلك عن عناية الرجل المعتاد".

ويعد هذا الالتزام من الالتزامات المهمة التي تقع على عاتق المستعير، فيجب عليه أن يحافظ على الشيء وأن يبذل العناية التي يتطلبها منه القانون. والأصل في هذه العناية أن تكون عناية الرجل المعتاد وقد تزيد أو تنقص طبقاً لما يتطلبه القانون أو الاتفاق، فالمستعير يكون مسؤولاً عن هلاك الشيء المعار أو تلفه أو تعيُّبه إلا إذا أثبت أنه بذل في المحافظة عليه العناية المطلوبة منه وهي عناية الرجل المعتاد أو عناية المحافظة على ماله فإذا أساء المستعير استعمال الشيء المعار أو استخدمه لغير ما أعد له أو أهمل في اتخاذ الحيطة اللازمة لصيانته وبعبارة مختصرة إذا قصّر المستعير في المحافظة على الشيء المعار، فإنه يكون مسؤولاً وتحققت أسباب مسؤوليته. والمستعير لا يكون مسؤولاً إذا كان الهلاك نتيجة قوة قاهرة ولو ثبت أنه لم يبذل العناية المطلوبة، وذلك لأن القوة القاهرة لا تعفي من المسؤولية إلا إذا كانت هي السبب الوحيد في إحداث الضرر، فإذا اشتركت مع خطأ المستعير، تحمل المستعير المسؤولية كاملة.

د ـ رد الشيء المعار:

هذا الالتزام نص عليه المشرع صراحة في المادة (608) من القانون المدني السوري إذ قضى المشرع بأنه " متى انتهت العارية وجب على المستعير أن يرد الشيء الذي تسلمه بالحالة التي يكون عليها، وذلك دون إخلال بمسؤوليته عن الهلاك أو التلف. ويجب رد الشيء في المكان الذي يكون المستعير قد تسلمه فيه مالم يوجد اتفاق يقضي بغير ذلك".

وتسري على هذا الالتزام القواعد العامة، ويجب على المستعير أن يرد الشيء ذاته لا شيئاً غيره ولو كان أكبر قيمة؛ ويرد معه ملحقاته وتوابعه وزياداته. فإذا كان الشيء المعار ماشية فيردها مع نتاجها، ومصروفات الرد تكون عليه؛ لأنه هو المدين بهذا الالتزام، ويجب أن يرد الشيء بالحالة التي يكون عليها وقت الرد، أما إذا تلف الشيء أو هلك أو تعيب فإنه لا يستطيع أن يتخلص من المسؤولية إلا إذا أثبت أنه بذل العناية المطلوبة منه أو إذا أثبت أن التلف أو الهلاك كان بسبب أجنبي.

ويكون رد العارية في المكان الذي تسلم فيه المستعير الشيء المعار ما لم يتفق على غير ذلك، إذا كان الشيء المعار منقولاً، أما إذا كان عقاراً فإن الأمر لا يثير أي إشكال بهذا الخصوص.

وقضت محكمة النقض بأن: المستعير ملزم بأن يبذل في المحافظة على الشيء العناية التي يبذلها في المحافظة على ماله من دون أن ينزل في ذلك عن عناية الرجل المعتاد. (نقض مدني سوري رقم 3180 تاريخ 28/12/1964).

وقضت أيضاً: بأن المستعير ملزم ببذل عناية الرجل المعتاد ويكون مسؤولاً عما يصيب الشيء المعار (سيارة) من ضرر بخطئه. (نقض مدني سوري رقم 341 تاريخ 26/4/1969).

وكذلك قررت هذه المحكمة أنه يجوز الاشتراط في المحافظة على الشيء المعار العناية الكبيرة والمستعير هو المكلف قانوناً بالنفقة اللازمة لصيانة الشيء المستعار. (نقض سوري مدني رقم 1538/ أساس 1961 تاريخ 21/6/1982).

رابعاًـ إنهاء العارية

عقد العارية ينتهي بأسباب وحالات قانونية نص المشرع عليها صراحة في القانون المدني.

ومن حيث المبدأ إن العارية لا تلزم المستعير وتلزم المعير، بمعنى أن العارية لا تلزم المستعير فيجوز له إنهاؤها في أي وقت ولو قبل انقضاء الأجل المعين لها، وذلك لأن هذا الأجل مقرر لمصلحته، فيجوز له النزول عنه ورد الشيء المستعار إلى المعير في أي وقت شاء. والعارية تلزم المعير فلا يستطيع إجبار المستعير على الرد قبل انتهاء العارية، وتنتهي عادة بانقضاء الأجل المعين وقد تنتهي قبل انقضاء الأجل ويكون ذلك إما بسقوط الأجل وإما بفسخ العارية.

يذهب بعض الفقهاء إلى القول: إذا كان وقت رد العارية يضر المعير كأن يكون على أهبة سفر ولم يتوقع الرد فلم يستعد لتسلم الشيء فإنه لا يجبر على قبول الرد ويجب على المستعير التريث واختيار الوقت المناسب.

1ـ انقضاء العارية بانقضاء الأجل:

تنص المادة (609) من القانون المدني السوري على ما يلي " تنتهي العارية بانقضاء الأجل المتفق عليه، فإذا لم يعين لها أجل انتهت باستعمال الشيء فيما أعير من أجله. فإن لم يكن هناك سبيل لتعيين مدة العارية جاز للمعير أن يطلب إنهاءها في أي وقت. وفي كل حال يجوز للمستعير أن يرد الشيء المعار قبل انتهاء العارية، غير أنه إذا كان هذا الرد يضر المعير فلا يرغم على قبوله".

وفي ضوء هذا النص القانوني فإن انقضاء الأجل في العارية ينتهي في إحدى الحالات الثلاث الآتية:

أ ـ أن يكون للعارية أجل معين اتفق عليه المتعاقدان:

كما إذا أعار شخص شخصاً آخر كتاباً أو سيارة لمدة أسبوع فتنتهي العارية بانقضاء الأسبوع سواء انتهى المستعير من قراءة الكتاب أم لا؛ أو سواء تحقق الغرض الذي استعار من أجله السيارة أو لم ينته من ذلك.

ب ـ ألاَ يكون المتعاقدان قد اتفقا على أجل معين ولكنهما اتفقا على الغرض الذي أعير من أجله الشيء:

فقد يتفق المستعير والمعير على إعارة سيارة ليسافر بها المستعير إلى بلد معين، ففي هذه الحالة تنتهي العارية بانتهاء استعمال الشيء فيما أعير من أجله، فتنتهي العارية برجوع المستعير من السفر.

ج ـ ألا يتفق المتعاقدان لا على أجل ولا على غرض معين:

فإذا أعار شخص شخصاً آخر داراً ليسكنها من دون أن يعين مدة أو غرضاً ولم يكن هناك سبيلٌ آخر لتعيين مدة تنتهي بانقضائها العارية فإن العارية والحالة هذه تنتهي في أي وقت يريده المعير بعد إمهال المستعير مدة معقولة للإخلاء، ففي هذه الحالة يجوز للمعير والمستعير إنهاء العارية في أي وقت.

2ـ انتهاء العارية قبل انقضاء الأجل:

بحث المشرع السوري هذه الحالة في المادتين (610 و611) من القانون المدني السوري وقضى المشرع بأنه يجوز للمعير أن يطلب في أي وقت إنهاء العارية في الأحوال التالية:

أ ـ انتهاء العارية بسقوط الأجل:

وأسباب سقوط الأجل ثلاثة وهي:

(1)ـ إذا عرضت للمعير حاجة عاجلة للشيء لم تكن متوقعة فيجوز له عندئذٍ إنهاء العارية قبل انقضاء أجلها واسترداد الشيء المعار.

(2)ـ إذا أعسر المستعير بعد انقضاء العارية، أو يكون معسراً قبل انعقادها من دون أن يعلم المعير بذلك فيجوز للمعير إنهاء العارية قبل انقضاء أجلها ويكون الأجل قد سقط بالإعسار، وأما إذا سلم المعير الشيء المعار إلى المستعير وهو على علم بالإعسار فلا يجوز له إنهاء العارية.

(3)ـ وقد يموت المستعير قبل انقضاء أجل العارية، فتنتهي العارية بموته لأن شخصه محل اعتبار في العقد فلا تنتقل العارية إلى ورثته إلا إذا وجد اتفاق على غير ذلك.

أما موت المعير فلا ينهي العارية وتنتقل حقوق المعير إلى ورثته وكذلك تنتقل التزاماته في حدود تركته.

ب ـ انتهاء العارية بالفسخ:

وتنتهي العارية إذا أساء المستعير استعمال الشيء أو قصر في الاحتياط الواجب للمحافظة عليه وهنا تتجلى بوضوح  أحكام العقد الملزم للجانبين، والعارية عقد ملزم للجانبين وترد عليه أحكام الفسخ، فإذا أخل المستعير بالتزامه تجاه المعير وأساء استعمال الشيء المعار كان للمعير الحق في فسخ عقد العارية وجاز له والحالة هذه أن يسترد الشيء المعار قبل انقضاء الأجل المحدد لعقد العارية.

وينسجم موقف القضاء مع الأحكام القانونية التي بحثت مسألة انتهاء العارية، وتأكيداً لذلك اتجهت محكمة النقض إلى القول إن عقد العارية لأجل متفق عليه ينتهي بانقضاء الأجل المحدد طبقاً للمادة (609) من القانون المدني ولا يجوز إنهاء العارية قبل انقضاء الأجل المحدد والقضاء بإنهائها قبل الموعد المتفق عليه يخالف أحكام القانون. (نقض سوري مدني رقم 1558/343 تاريخ 4/10/1981).

وفي قرار آخر قالت محكمة النقض: للمعير أن يطلب إنهاء عقد العارية بموت المستعير عملاً بالمادة /611/ مدني/ وللمعير أن يسترد الشيء المعار في دعوى العارية، ودعوى العارية هي دعوى شخصية ترفع ضد المستعير. (نقض سوري مدني رقم 488/436/ تاريخ 16/3 / 1981).

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ أديب استانبولي، القانون المدني، ويتضمن المصطلحات القانونية التي أقرها مؤتمر المحامين العرب المنعقد في دمشق 1957، الطبعة الثانية (دار الأنوار للطباعة، دمشق 1989).

ـ جاك يوسف الحكيم، العقود الشائعة أو المسماة، الطبعة الثانية (مطبعة محمد نهاد هاشــم الكتبي، دمشق 1973).

ـ شفيق طعمة، التقنين المدني السوري (اجتهادات قضائية و تعليقات فقهية) الجزء (6) (المكتبة القانونية، دمشق 1997).

ـ عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني (العقود الواردة على الانتفاع بالشيء) الجزء (6) المجلد (2) (دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان بلا تاريخ).


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد الخامس: طرق الطعن في الأحكام الإدارية ــ علم العقاب
رقم الصفحة ضمن المجلد : 445
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 508
الكل : 29637156
اليوم : 17166